رواية أترصد عشقك الجزء الثاني للكاتبة ميار عبد الله الفصل مئة وخمسة وستون
على الجانب الآخر،
في مقهى شعبي..
جلس الرجال يتسامرون ويشربون الأرجيلة خاصة وسيم الذي بدا متحمسًا لتجربتها بينما اكتفي لؤي بهز رأسه وارتشاف كوب القهوة، بينما عاصي وعادل يستعيدان أيامهم الخوالي.
سحب وسيم نفس عميق من الأريجلية ثم فغر شفتيه ليخرج الدخان، ارتسمت ابتسامة واسعة علي شفتيه وهو لا يصدق انه بدأ يتعلم شربها، غمغم بانتشاء
-طب مش عيب علينا احنا كرجالة القعدة دي.
قضم عادل من شطيرته بتلذذ، ليتدخل عاصي قائلاً
- ومالها القعدة، شيشة موجودة، الساقع موجود، سندوتشات كبدة من الولا عبود موجود وشاي يحبس القعدة
هز وسيم رأسه بيأس وهو لا يصدق انه ليلة احتفال توديع العزوبية سيقضيها هنا بعد زيارة سريعة لسلطان ملك فواكه اللحم وانتهى به الأمر هنا في قهوة غير معلومة الملامح، صغيرة ضيقة، طاولاتها منتشرة في كامل أرجاء الطريق المقابل له، تساءل وسيم بفضول.
- عاصي انت قضيت ليلة فرحك هنا
هز عاصي رأسه وعادل يربت علي ظهره قائلاً
- انا وعادل
عاد وسيم يصب كامل اهتمامه نحو ارجيليته ليسقط بصره تجاه ابن عمه
صمته دون اتخاذ أي قرار للعودة إلى طليقته يقلقه
بل آسيا هي يالكامل يخشي أن تقوم بفعل أحمق متهور سيسبب بإلغاء زفافه
تتظاهر ببرود في وجوده على طاولة الطعام، وأحاديثها مع جده غالب كثرت.
بل جميع استشاراته تكون بينهما الاثنين رغم عدم توافق فكريهما، الأولى بإندفاعها والأخر بالتروي والصبر
فقط لو يعلم ما يدور في عقل لؤي؟!
ان كان يريد أن يسبب أي فضيحة فليؤجلها حتى زفافه، بل ذهابه لشهر العسل!
مال برأسه تجاه لؤي قائلاً
- انت ايه رأيك يا كبير
هز لؤي رأسه مغمغمًا بجفاء
- احمد ربك انه معمولك قعدة، غيرك مجربهاش
لمعت عينا وسيم بمكر وهو يغمغم بنبرة ذات مغزى
- وماله ما تجرب حد مسكك مثلا!
تلاعب لؤي بأنامله على حافة الكوب، وبدي غارقًا في معضلته الخاصة
عقد وسيم جبينه بعدم فهم تجاه شروده، لكزه بحده لينظر لؤي نحوه بعبوس
تبادل كلاهما نظراتهما ليعبس لؤي مغمغمًا بحنق
- لما توافق
اذا كما توقع، ابن عمه يسعى للصلح والأخرى لا تترك له فرصة للراجل
سأله باهتمام
-لسه منشفة دماغها معاك
ارتسمت ابتسامة حادة علي شفتيه قائلاً بخشونة
- اللي ينشف دماغه معايا اكسرها.
ضحكة مجلجلة خرجت من وسيم جعل الرجلين يعقدان جبينهما بعبوس ليهز وسيم رأسه بيأس قائلاً بتهكم
-ياعم اقعد علي حيلك هو انت قادر تطولها
برزت العروق النافرة في صدغ لؤي الذي غمغم بعنف
- سايبها بمزاجي
هز عاصي رأسه بيأس وقد سئم من تجنبه الصمت وعدم المشاركة، دائما تأتيه وجد تبث عن توتر العلاقة بينهما، بل وطلبتها منه صراحة أن يحاول أن يصلح بينهما
وهو قالها ان كان كلا منهما يعاند الآخر فلا أمل للعلاقة بينهما.
يجب أن يلين كلا منهما العند المتأصل بهما
ثم الأقرار بوجود مشكلة بحاجة إلى حل، وإن قدم إليه أي منهما طالبًا النصيحة لن يرده خائبًا..
تمتم عاصي بابتسامة بشوشة تجاه لؤي
- افشل كلمة اقدر اسمعها من أي راجل
توقفت أنامل لؤي العبث في كوبه، ليرفع برأسه ناظرًا إلى زوج ابنة عمه
لا يتذكر أن صادف أن تحدثا عن طريق الصدفة؟! لا يتذكر شئ كهذا مطلقًا
بل يكتفي بتحيات وعبارات خافتة وايماءات رأس فقط والآخر لم يتعداها.
إذا لما الآن؟!
أحالته ميؤوسة إلى تلك الدرجة؟!
هو لا ينكر أنه يشعر كما لو أن أصفاد تحاوط عنقه وجميع أطراف جسده
آسيا تتعامل معه ليس ببرود او جفاء بعد فسخ خطبتها المزعومة
بل تتعامل كما لو انه ليس موجود أصلا
لم تحاول حتى أن تسترق النظر لرؤية وجهه، محور اهتمامها انصب نحو شمس بعد غياب والدها ثم تتناوب العناية بين الطفلة وشقيقتها الحامل والعمل.
فقط، لا شئ آخر سوى أحاديث صباح بينها وبين جده وهي متخذة فقط دور المستمع بإنصات وجوع يطعمها اياه جده لقيمة لقيمة لذكريات والدها.
شعر تحت وطء نظرات أخضر العينين أنه يجرده من نفسه شخصيًا
رغم ابتسامته البشوشة وجسده المسترخي علي الكرسي، الا أن عينيه بهما خطر
لا يعلم كيف وقعت الصغيرة بسحرهما؟!
عينيه داهية كبيرة، تجعلك عاريًا أمام مرايا خطاياك وذنوبك
سأله بتهكم، لم يخفي بها ضيقه.
- وانت شايف يا دكتور اعمل ايه معاها
اجابه عاصي ببساطة ولم يصدر أي رد فعل من تجهم ملامح وجه الآخر
- تعترف بغلطك، صدقني الموضوع مش هيقل من كبريائك ولا رجولتك لما تعترف لمراتك بغلطتك معاها
اعتصرت أنامله بقسوة حول الكوب، حتى كادت أن تتهشهم بين يديه، قائلاً بجفاء
- بتحب تتدلع عليا، بس انا سايبها بمزاجي
أخرج وسيم ضحكة أخرى مجلجلة وهو يهز رأسه بهذي تام
- لا واضح.
تدخل وسيم تلك المرة وهو يميل برأسه هامسًا في أذن لؤي كما لو كان الأمر سر حربي وليس من أفشي الأمر أمام الغرباء!
-طول ما هي سايبة الباب موارب يبقى باقية عليك، الموضوع بس محتاج شوية وقت
تدخل تلك المرة عادل وهو يغمغم بنزق
- ياعم مش كنا جبنا نسوان في القعدة الناشفة دي يطروا علينا
زجره عاصي بنظرة حارقة، جعله ينظر إليه بامتعاض ليهز وسيم رأسه قائلاً بخشية.
- لم لسانك هي مش ناقصة مراتي مجنونة وعندها طاقة شم رهيبة وما تصدق تلغي الجواز
نادي عادل علي صبي القهوة، ليغمغم ببؤس
-حط يا عم حجرين شيشة في القعدة الفقر دي
مج وسيم من أرجيلته ونفخ الدخان في الهواء وهو ينظر نحو البؤساء بجواره
وداخله يلعن مائة مرة علي الموافقة بهذا الأمر السخيف واضطراره لإلغاء برنامجه بالاذاعة، فقط تقع تحت بين يديه تلك الفأرة المتلونة
وقتها فقط سيأثر بكامل حقه منها!
الابتعاد عمن تحب
ليس لكونك قاسيًا
جلمود الأحساس
متلبد المشاعر
لما الرؤية دائما فقط محصورة في زاوية الغدر والهجران
لما لا يكون الأبتعاد سبيل في الراحة
تهدئة النفوس؟!
وربما يكون السبب في ازدياد لوعة وشوق الغائب؟!
ممكن
فقط لو يتركون تلك الصورة النمطية اللعينة لما عاني أحد من توابع الأمر؟
فالإبتعاد لا يطال سهامه نحو طرف دون الآخر! بل جرحه أشد عمقًا لا أمل من شفاءه.
تراخي رأس نضال على نافذة سيارته في المقعد الخلفي، عينيه مأسورة تجاه المشهد أمامه
صبيين شقيين يمرحان دون الأخذ بالاعتبار في الغد
ليت حياته في الطفولة أخف وطئة مما عاناه، لم يتقبل زيارة المسمى بوالده حتى الآن
بل لم يشعر بأي لهفة وقلق وهو يستمع إلى صوته الذي امتاز بالعملية الباردة كما لو أنه يردد أخبار طقس الصباح!
وسؤال واحد فقط كان ملهوفًا لإخراجه من جوفه
والآخر علم فقط السؤال المنطوق في عينيه.
لما الآن؟ ما سبب هذا التلهف فإصاباب الماضي كانت أشد عمقًا وعوده لين لم يحتمل!
ليفاجئه وهو يجلس على الكرسي يلقي عليه سبب زواجه الثاني من امرأة نكرة لا تسوي شيئًا كما سممت بها زوجة ابيه اذنيه.
أحبها رغم كونه سيطرد
عشقها رغم معرفة أن الزوجة ستحيل حياتهما جحيمًا
ثم انجباه ليلتصق به العار حتى مماته
شعور بأشواك حديدية تلتف حول عنقه، تتباري متى ستزهق روحه وكمية الدماء التي ستتقاطر من عنقه.
اغمض جفنيه وذلك البرد في صدره انساه معني البكاء، لا شئ يستطيع أن يبكي عليه سوي فقط شمسه
فالعار الذي يحمله ليس لها ذنب صغيرته أن تتحمله
يقسم إنه ما رغب بطفل يحمل بذرته الشيطانية، ما رغب بأن يتحمل العالم طفل منبوذ آخر لولا فقط شمس التي ظهرت من العدم مغلفة برداء أبيض ناعم تلتف من حول عنقه تتشرب من آثامه بصدر رحب.
في كل مرة يقنع نفسه انه سيربي صغيرته أفضل.
لكن كيف ينسى عظم جرائمه التي حدثت بوعي ودون وعي منه
تلك الملعونة فرح ما من مرة تحاول ايقاظ صحو ضميره، تذكره بأن الصغيرة ستدفع جميع آثام ماضيه ولن يستطيع حتى أن يمد يد المساعدة، أو حتى يزيل الآمها
فقط لو استطاع أن يخرجها من عقله
لو استطاع
لو استطاع
فتح جفنيه حينما شعر باهتزاز في جيب بنطاله، انسل الهاتف من جيب بنطاله ليجيب على الاتصال وقبل حتى أن يلقي تحية بادرته أسرار قائلة بعتب
-طولت في سفرك يا نضال.
غمغم بصلابة ويده تتحسس موضع جرحه الذي بدأ يندمل ببطء بعد عدة محاولات يائسة من الطبيب الذي سئم من اعادة خياطة الجرح تحت تمرداته الطفولية
ماذا؟!
هو لم يحبذ بشئ يوضع بطنه
- ده احسن بالنسبالي وبالنسبالكم
وصلته تنهيدة أسرار التي صمتت للحظات قبل أن تهمس بحرج
- لسه مضايق من اللي عمله وقاص
ارتسمت ابتسامة على شفتي نضال بتهكم، أخيه الان خارج معادلات تخبطاته
يعذره ويتفهم غضبه المكبوت.
فدماء الثأر التي تسير في عروقهما جعلته أكيد أنه تربطهما رابط الدم..
غمغم بنبرة جافة
- متقلقيش باللي بيحصل ما بينا، حتى لو بنقطع بعض لسه فيه صلة وصل ما بينا
وأسرار علي الجانب الآخر تنظر تجاه زوجها سراج الذي يلاعب صغيرهما نور، وعينيه بين كل فينة والأخرى تراقب حركة أسرار المتوترة التي زفرت بيأس
- عمري ما تمنيت ان موضوع يوصل للدرجة دي.
زفر نضال بحنق وعينيه حطتا فوق الطفلين اللذان ما زالا يمرحان رغم الطقس السئ، تمتم بفضول
- شمس بتسمع الكلام
ارتسمت ابتسامة ماكرة حينما تذكرت ان الصغيرة رفضت صباح اليوم الرد على اتصاله متعللة بذهابها مع خالتها الى المنتجع الصحي، قالت بيأس
- البنت مغلباني يا نضال، بجد حرام توجع قلبها تعالي وارجع
توجع قلبه وهو يعلم ما يدور في خلد الصغيرة.
ربما تظن ان والدها يكرهها، وربما تظن انه بدأ يقل حبه تجاهها والظنون كثيرة
والشكوك تتكاثر مع زيادة الأيام
لكن لا يستحقها
ليس في الوقت الحالي
صغيرته تحتاج اب تتفاخر به
أب بثوب طاهر كطهر غطائها الذي لفته حول جسده!
غمغم بأسف
- مش هينفع
زمت شفتيها بعبوس، وقد تغضنت ملامحها بغضب لتسأل بفضول
- عمو مهيب قالك ايه خلاك تمشي وتسافر بدون ما تودعنا
لما تصر أسرار على فتح جميع جروحه الغائرة؟!
تنهد بعمق وحاول عبثًا البحث عن لفافات التبغ، ليسب بصوت قوي وهو يتذكر أوامر الطبيب بالامتناع عن التدخين بل وخطفها منه ومنع جميع عاملين حتى الأقربون من مساعدته بأي شئ قد تضر من صحته
لقد ضاق به ذرعًا حينما يأتيه كل مرة و يطالبه بإعادة خياطة الجرح، ماذا يفعل هو كره أن يظل راقدًا علي الفراش، عاند من نفسه وأصر انه بخير، لكن للأسف جسده لا يستجيب لعناد عقله.
غمغم بسخرية وهو يتذكر طريقة مهيب الجافة معه.
- هيكون قال ايه يا أسرار، شوية دفاتر قديمة من الماضي، حبها بس مكنش للأسف يرضى يزعل بنت الحسب والنسب عشان شغله ومستقبله
صمتت أسرار وهي تري نظرة سراج الجادة، لتنظر اليه بابتسامة ناعمة وهي تمتم بهمس خافت
- نضال انت اتجوزت
انفجر نضال ضاحكًا لدرجة شعر بوجع عميق أسفل بطنه حيث منطقه جرحه، خفتت ضحكاته وهو يغمغم بعبث
- عندي واحدة مكنة في بالي
شهقت أسرار بصدمة زاجرة اياه
-بطل قلة ادب وانت بتكلمني.
تلاعب بكلماته معها قائلاً
- الله مش انت قولتيلي اتجوزت
منعت شتيمة تكاد تخرج من شفتيها وهي تسأله بحدة
- ناوي ترجع امتي
عينيه انتبهت نحو المشهد أمامه لقدوم امرأة بتضاريس لم تنساها عينيه ولا حتى أنامله
غمغم بهدوء محاولا إنهاء مكالمته
- لسه بدري علي الرجوع بس انا مأمنك علي شمس انتي ووقاص
زمجرت بحدة
- البعد بيولد الجفا يا نضال
أنهى مكالمته سريعًا، فصغيرته هو كفيل معها ومصالحتها
- سلام عشان المكنة بتاعتي مستنيها.
لمعت عيناه ما إن أبصرها
ظبية شهية تستفز فيه جينات الصياد الذى بداخله كي ينقض عليها وتدخل ضمن سلسلة انتصاراته!
مع كل حركة وسكون كان يتابعها هو بتركيز، انحنائها المغوي له وعطفها على الطفلين الصغيرين
انطلاق جسدها مع جسدين الصغيرين لاهين عن مرارة الحياة، لترسم شبح بسمة علي شفتيه القاسيتين
الحقيرة تلهو وتمرح مع أطفال غالية تاركة اياه يتلظى بنيران الأنتظار
تبًا لها ألف مرة.
وتبًا له لسماحه لنفسه للانجراف في هذا المستوى المنحدر
منذ متى هو يترك أهواءه تتخذ مجرى قراراته
تطعنه تلك اللعينة وينقذها من براثن السجن، وحينما يطالبها بلقاء تتحجج بالأعمال
أي أعمال حمقاء تفعلها هامة عن لقاءه؟!
لا شئ، لا شئ مطلقًا سوي التصاقها مع غالية وتلك العائلة المريبة بأحداثها والمثيرة للاهتمام بداية من ماضيهم حتى وقتهم الحالي.
رن علي هاتفها ليراها تتوقف عن الركض خلف الصغار، منتسلة الهاتف من جيب بنطالها وحينما رأت رقمه حتى وضعته بلا اهتمام في جيب بنطالها..
اتسع بؤبؤ عينيه بجحوظ، هل تتجاهل اتصاله كما تتجاهل وجوده
أيعيدها للسجن الآن حتى تنتظر زياراته الرسمية ربما وقتها ستعطيه كافة اهتمامها فهو الوحيد الذي سيكون دائم الحرص على زيارتها!
أعاد اتصاله بها مرة أخرى، وداخله يقسم بأغلظ الأيمان أنه سيدمر تلك الفقاعة المحاطة بها، بداية من العجوز حتى الصغيرين
رآها تخرج الهاتف بحدة لتنظر بغضب تجاه اتصاله، اجابت على اتصاله بغضب مكبوت لترتسم ابتسامة متسلية على شفتيه وهو يصدر صوت مبتئس
- ايوا هفضل مستني ردك كدا كتير عشان سيادتك تردي.
رأي ارتفاع طفيف في حدقتي عينيها، لتدير بجسدها غالقة أي تعابير وجه يستطع أن يلمحها معطية جل اهتمامها نحو الطفلين قائلة بتهكم
-اصل الصراحة مش عارفة ارد عليك بأيه، يعني حتي الطعن مأثرش فيك
لمس موضع إصابته وهو يعذرها
لقد كان دنئ معها بعض الشئ، لكن دناءته معها لم تصل لحد القتل كما جرأت هي.
غمغم بنبرة خالية من المشاعر
- مين قالك عمره ما أثر معايا.
رآها ترفع رأسها للسماء بيأس قبل أن تهتف بعزيمة امرأة لا تخشي شيئًا
- نضال انا لو شوفتك بجد مش هيكفيني موتك
انفلتت منه ضحكة ساخرة ليغمغم بنبرة ماكرة
- ردتي عليا عليه
عاجلته بهمس حاد وقوي
- عشان تعرف اني جدية في كلامي واقسم بعزة جلاله الله لو اتعرضلتي تاني، انا هموتك بجد ومش فارق معايا لو اخدت اعدام
نبرة صوتها صادقة
لا مجال بها للبس
فتلك اللبؤة التي استطاعت أن تحتفظ بسكين اضافي كانت عازمة على قتله.
كان صراع القوي بينهما
وقد استخف بها
استخف بخصمه حتى عاجله بطعنة خسيسة منه
ظن أنه اوقعها في مصيدته، لكن فريسته جهزت له شِباك أعظم
أوهمته بأن له السلطة العليا
حفزت به الشعور بالنشوة حينما ظنها محاصرة في جحره
لكن اكتشف الجحر الذي صنعه مجرد وهم
وهم استطاعت أن تنال ثأرها منه
عقل تلك المرأة داهية، داهية كبيرة.
وتثيره عقول النساء الجاحدات كما يثار من رؤية المرأة التي تخضع لمتطلبات مزاجه سابقًا.
غمغم بنبرة جافة.
- عارف
وهي اندفعت تزمجر بحدة
- ولما انت عارف يتنكد عيشتي ليه، كفاية بقي ارحمني
وهي ألا تستطيع أن ترحمه قليلا؟!
في كل مرة يتجاهلها، لكن بتغيراتها وما تحاول أن تصبو إليه ذئبه يحن إليها
يذكره بها
حتى وإن استحالت العشرة بينهما، وإن تقاتلا لما المتبقي من عمرهما
هي بالنهاية تحمل صك ملكيته.
وهو بالنهاية يحمل جزءً منها ملموسًا بين جدران منزله ورعاية صغيرته التي اعتبرتها طفلتها، وحاجته لطفل آخر كي يكون ونيس لصغيرته
وحتى تتعاضد علاقتهما وإن كان منفصلين
يستطيع التعامل معها وهي منفصلة عن حياته لكنها تحمل طفله
لكن أن تنفصل كليًا، كما لو انها خلعت جميع ثيابها، هذا هو ما يثير جنونه!
غمغم بنبرة يائسة
- بقيتي مرض يا فرح، بيعدي عليا وقت وبتعامل انك مش موجودة، بس بيجي وقت وافتكرك للأسف.
تخشب جسدها وهي تسمع يائسًا في صوته
أتتخيل هذا أم مجرد هلاوس تؤثر على صحة عقلها؟
سمعت صوته المتسلي يعود كما لو كان شبح ينغص نومها يوميًا
- سكتي يعني
زفرت بيأس وهي تهمس بحدة
-جيب آخر الكلام
طالب ببساطة شديدة، كما لو انه قام بكسر ذراعها
- محتاج اشوفك
غالية حينما تعلم أنها ما زالت تجيب على اتصالاته المبطنة بتهديد ستلعنها وتلعنه.
لكن إن كانت بمفردها بعيدة عن درع الحماية وطوق العائلة كانت ستتمرد على جميع متطلباته، لكنهم اعتبروها فرد من نطاق العائلة، رفضوا استئجار شقة لها خاصة إن غالية اخبرتها بوجود عدة غرفة فسيحة شاغرة في منزلها، وحينما شعرت بالتثاقل عليهم كانت كل مرة تؤنبها غالية حينما تقوم بالتسوق الأسبوعي وتساهم بالنصف في مصاريف المنزل، لكن غالية أخبرتها أن مالها هي الأحق به خاصة لمشروعها المقبلة عليه..
قالت بجفاء تام.
- انسي، وصدقني تهديداتك دي بلها واشرب مايتها
تمتم بنبرة متلاعبة
- يعني انتي شايفة مفيش فايدة
ضحكة متهكمة وئدتها سريعًا وهي تقول بإشمئزاز
- مفيش فايدة فيك للأسف، نضال انت مسكت نفس السكينة اللي دبحتني ومُصمم علي القرف اللي عملته معايا
عقد جبينه باستنكار قائلاً
- عشان تجيبي ابن مني ده قرف
فغرت شفتيها تجاه بجاحة هذا الرجل
لا يوجد أي من نبرات صوته ندم حقيقي تجاه دنائته، ويحاسبها على ردة فعلها؟!
أمخبول هذا الرجل؟
نساء اخريات لو أصبحن محلها لفقدن طور عقولهن وقضين باقي فترات حياتهم بين حوائط المشفي
لكن هي أقسمت أنها من ستدفعه إلى طور الجنون، وإن كان قتله مفيد للبشرية لن تتراخى أو تتراجع للحظة!
اندفع أتون غضبها ينفجر في وجهه
- لما تحاول تغتصب مراتك اللي ناوي تطلقها، لا وبكل بجاحة عايز تغتصبها بعد ما بقت طليقتك تسمي ايه ده
صمته الذي زاد عن حده موترًا أعصابها كان أقل وطئًا من رده المجحف.
- انك احلويتي في عيني
فغرت شفتيها وقد فقدت القدرة علي النطق من وقاحة فعلته، وجراءته للجهر بها تمامًا دون أدنى ذنب
وكأن الاعتداء مجرد شئ هين
لم يرحم أنوثتها ولم يقدر مقدار الجلل الكبير الذي فعله ورغب بتكراره
شعرت أنه لا مغزى من الحديث
لا شئ سيستطيع تغيره سوي الزمن
ربما وقتها تستطيع أن تقلل من جحوده!
غمغمت بصلابة والدمعة التي سقطت علي ما فرطت من نفسها وقلبها في الوقوع في حب جاحد مثله!
- وانت نزلت من نظري جامد، افتكرتك كل حاجة الا كدا يا نضال
تصلب فكيه وهو يجد جسدها يختض بعنف
يعتذر على وقاحة حديثه معها، وإن لم يكن سيعتذر
هذه عادته، والعادات لا تتغير بطبع الإنسان أليس هذا ما يتفوهون به؟!
ربما جميع أرصدته قد نفذت تمامًا وأحرق معظم سفنه معها، لكن تظل سفينة واحدة ما زالت في مرساه لم تغادره!
غمغم بخشونة وهو موقن ستنتهي تلك المكالمة بالبكاء وهذا لا يرغبه منها تحديدا، ليس في الوقت الحالي.
هوغاضب منها كحد الجحيم وأعصابه مستنفرة، مستفزة، تنتظر أقل تفاعل لتحدث انفجارًا!
- متنتظريش اعتذار
ضحكة مريرة اتبعها بغصة مؤلمة وهي تغمغم بغضب
-الاعتذار ده اتقبله لو اتعايرت علي حبي ايام زمان مش عشان بدافع عن شرفي
زفر بحدة وبدي تكرارها لكلامتها يصيبه بالغضب والحنق
لا يعلم مما؟ ولماذا؟ تريده أن يشعر بالذنب
ويلها، لم تخلق بعد امرأة تسقطه في ظلمات اخطائه، ألا يكفيه ما به؟
قال بغضب
- واضح اني غلطت لما كلمتك.
هزت رأسها بلا مبالاة وعينيها عادت تنظر نحو طفليّ غالية قائلة
- لو علي الغلط، فانا اللى غلطانة اني كنت ساذجة كفاية عشان اوافق وارضي باللي حصلي، بس لولاك مكنتش هعرف اوصل اللي انا فيه دلوقتي
لم يعطيها فرصة بالظفر بما نالته من طيش كلماتها به، قال بنبرة متسلطة
- اوعك تفتكري اني هسيبك، الرابط اللي بينا رابط دم، مش هينتهي غير بموت حد فينا.
انهي المكالمة وهو يحدق في جسدها الذي تماوج بغضب أثر كلماته سمعها تطلق صياح غاضب وهي تنادي الأطفال الذين استجابوا لها بعد فترة وقد تركوا اللعب على مضض، امسكت كل واحد منهما بحماية غريزية وهي تعبر بهم الطريق المقاطع سرعان ما توقف جسدها عن الحركة ورفعت برأسها تجاهه.
حملت نظرتها كل الكره والبغض في العالم وهو ابتلعها بسهولة مبتسمًا ويبدو أنها استشفت ابتسامته من المرآة الداكنة لتغادر دون أن تلفت رأسها للخلف مرة آخري.
الحمقاء تظن أن الدرب الذي اختارته سيكون منحنى مختلف لحياتها، ولا تدري أن كل درب وكل تقاطع طريق ينتهي نحوه.!
ليلة زفاف جيهان ووسيم،
وقفت شادية بثوبها الزهري المحتشم تنظر بدموع تقطر فرحًا تجاه شقيقتها الصغرى التي انتهت خبيرة التجميل من وضع زينة وجهها، شكرت خبيرة التجميل بعبرات خافتة لتقف جيهان أمام المرآة الطويلة ترفل بثوبها يمينًا ويسارًا.
توقعت شادية أن المجنونة ستنشر حفل زفافها علي منصات التواصل الاجتماعي وللدهشة انها القت هاتفها جانبًا وكانت تستمع بكل لحظة وتحضير من خبيرة الشعر والتجميل حتى الفتاة التي ساعدتها بارتداء ثوبها.
الفستان تماشي مع تضاريس جسدها الأنثوية، وقد غطت الذراعين بقماش شيفون نظرًا لرفضها لفستان وسيم الكلاسيكي وفضلت فستان مطعم بحبات اللؤلؤ وفصوص كريستالية، الفستان كان مستوحى من الأميرة أريل ذيل الفستان الطويل، أصرت علي صبغ بعض خصلات شعرها باللون الأحمر وجمعته في تسريحة شعر بسيطة ووضعت طرحة الفستان فوقه
طرحة الفستان كان حكاية أخرى، فطوله وحده وصل أقصى ذيل فستانها ولا تعلم كيف سترقص به؟
نقرة خافتة علي باب الغرفة تبعها دخول الأب الذي هم بالصراخ الا ان شفتيه فغرت بصمت وهو يحدق نحو صغيرته
بل شعنونته وطفلته المشاكسة
تجمعت الدموع في حدقتيه وهو لا يصدق أن الصغيرة بفستان زفافها أضحت امرأة بالغة؟ وهي ما زالت بنظرة صاحبة الخمس أعوام التي تتشبث بقدمه وتطالبه بالحلوى..
اقترب منها بتؤدة وعينيه تتشبع الرؤية لصغيرته ليقترب منها هامسًا بصوت أبح
-طالعة زي القمر.
تجمعت الدموع في مقلتي جيهان التي همست بتأثر للدموع التي سقطت دون رادع من مقلتيه
- بجد يا بابا
سارعت شادية بمد منديل قطني ليتقبله وهو يجفف دموعه محاولا سحب أنفاس عميقة، ثم زفرها على مهل مدعيًا الحدة
- بت هو انا هكدب عليكي برضو في حاجة زي دي، كان نفسي ثريا تبقى موجودة
تحشرجت أنفاسه عند آخر كلماته لتنكس شادية رأسها ببكاء صامت اما جيهان غمغمت بحزن
-الله يرحمها.
خيم صمت ثقيل وكئيب جعل الأب يتدارك نفسه سريعًا قائلاً بجدية
- المجنون بتاعك بيحبك، بلاش بقي شغل المجانين ده بعد الجواز، الجنون حلو بس زيادته بتقلب لحاجة أنا مش عايزك توصليلها
لوت جيهان شفتيها بعبوس قائلة بسخط
- بابا انت شايفني مجنونه
ابتسم الأب بمناغشة
- شوفي انتي بنتي، بس الصراحة مطلوبة انتي مجنونة وكفاية مجانين في البلد مش ناقصة تجبلنا عاهات للمجتمع.
وضعت جيهان يدها على شفتيها لا تصدق مدى جرأة تفكير ابيها بهذا الشكل؟ ما خطب الرجال سرعان ما تتزوج المرأة حتى يعدون الأيام بترقب منتظرين خبر الحمل!
هزت رأسها مغمغمة بعدم رضا
- بابا انت لحقت تخليني احمل، النهاردة فرحي
زمجر الأب بخشونة
- بطلي قلة ادب معايا في الكلام، انتي فاهمة اقصد ايه
تبرمت جيهان شفتيها، وادعت العبوس والغضب الطفولي لتتنحنح شادية هامسة
- بابا.
وقد كانت تلك الكلمة كفيلة بتذكيره ذلك المتلهف المنتظر إياها بالأسفل
اقتربت شادية وهي تضع لمساتها الاخيرة علي جيهان تخرجها بأفضل صورة لائقة وتتأكد من تثبيت طرحتها وعدم وجود أي عيب في فستانها لتحتضنها هامسة
- يلا يا عروسة نوصلك لعريسك
احتضنتها جيهان بقوة وهي تسمع صوت شقيقتها الهامس
- شكلك زي القمر يا جيجي
ابتسمت وهي تبتعد عن شقيقتها قائلة بثقة
- دي حاجة مش جديدة.
ضربتها شادية بخفة علي ذراعها قائلة بعد تنهيدة عميقة خرجت من صدرها
- بجد هيوحشني وجودك في البيت
لوت جيهان شفتيها مغمغة بتهكم
-علي الاقل انا هسكن الباب في الباب، الدور والباقي على اللي ناوي يحتجزك في قارة تانية
اتسعت عينا شادية وهي تنظر الى ابيها المنشغل بمكالمة لتدفع شقيقتها بعيدًاعن اسماع ابيها وهي لا تصدق ان الحمقاء ستفتضحها امام ابيها في هذا الوقت، عقدت حاجبيها بريبة متسائلة
- اوعي تكوني قولتي لبابا.
كادت جيهان أن تنفجر ضاحكة ولا هي تصدق ما أخبرته ليلة أمس من جنون عرضها، لتضع إصبع السبابة على ذقنها تدعي التذكر قائلة
- قصدك انك عايزة تتجوزيه وتضربي بكلامه عرض الحيطة
زمت شادية شفتيها بغضب قائلة
- كنت بشجعه انه يعمل العملية يا جيجي
رمقتها جيهان بعدم تصديق سرعان ما ادعت الجدية هامسة بحدة
- يا قليلة الادب وموضوع الاطفال تجيبه قدامه عادي وتطلبيها منه.
تلون وجنتي شادية بالحمرة، وقد خفضت انظارها عن عيني جيهان المتربصتين لها، لتهمس شادية بحرج
- معرفش لساني نطقها ازاي، بجد اتمنيت الارض تتشق وتبلعني لحظتها
انفجرت جيهان ضاحكة وهي تربت على ظهرها بفخر قائلة
- احب النسخة الوقحة منك دي، بس لطاما مخصوصة لحبيب القلب الايطالي صدقيني هيتجنن عليكى اكتر ما هو مجنون بيكي
وزاد وضع شادية سوءً بتحول وجنتيها كثمرتي طماطم طازجتين، لتهمس بخجل
- جيهان.
أتطالبها الآن بالصمت، فبعد حديث أمس وقد استحوذت على شقيقتها ليلة أمس ليلة فتيات خاصة حتى أفضت لها جميع قلقها وهواجسها، وشادية في لحظة صادقة أفضت لها حديثها مع سرمد وهي تشعر بالخجل والذنب لما تفوهت به في لحظة ضعف منها
هي حتي الآن لا تصدق رفض الأحمق علي عرضها، ربما يحاول أن يثبت لها كليًا مدي جديته وتغيره
إلا أن هذا غير مضمون، الرجل مجنون وتعترف جنونه يعبث الحياة في روح شقيقتها.
ربتت جيهان وهي تهز راسها باستنكار ورفض لذلك الخجل المدعيّ
- لا هو بعد قلة الادب اللي قولتهالي تتكسفي دلوقتي
تجهمت تعابير وجهها لتهتف بحدة
- متخلنيش اندم بجد اني قولتلك، بعدين انا مش فاهمة هو ليه مش بيرد عليا تلفونه اتقفل من وقتها والله لولا طنط غيداء اللي طمنتني عليه وقالت انه كويس كنت فكرت حاجة حصلتله
ألهذا السبب كانت صامتة اليوم؟ منشغلة بفكرها نحو الإيطالي؟!
ماج الغضب بداخلها لتزمجر بغضب.
- يا بنت نفسي افهم بجد الواد سحرلك ولا ايه حكايته بالضبط، طب ايه رأيك ألغي الجوازة واشوفلي حد ايطالي زي عم سرمد
انفجرت شادية ضاحكة وهي تهز رأسها بيأس لعبوس وتذمرات شقيقتها قائلة
- وسيم لو سمعك صدقيني هتترقدي في المستشفى
امسكت جيهان بكفيّ شقيقتها قائلة بامتنان
-مش هنسي وقوفك جنبي يا شادية، مخلتنيش احس اني محتاجة لحاجة، كأنك قارية افكاري، وطبعًا عرفت سبب الفلوس الكتير اللي بتاخديها من كل عروسة.
لمعت عينا شادية بتأثر لكلمات شقيقتها لتقترب منها قارصة إياها نحو آخر عبارتها، هي لا تكلف نفسها عناء لتهذيب كلماتها، يجب أن يكون مصطحب بجنون أفكارها وآرائها، تأوهت جيهان بوجع وهي تهمس بألم محاولة تدليك المنطقة التي تم قرصها بغتة
- ايدك بقت تقيلة يخربيتك في عروسة في ليلة جوازها تتقرص بالشكل ده
غمغمت شادية بجدية.
-عشان تعدلي لسانك بعد كده وتعرفي توزنيه، يا مجنونة انتي هتتجوزي بجد مش عارفة هتعملي ايه بعد الجواز
لمعت عينا جيهان بخبث
-ناوية اجننه
هدر صوت الأب قائلا بغضب وهو يضع الهاتف في جيب سترته الداخلي قائلاً
- العريس واكل دماغي بقاله ساعة
تدخل ماهر تلك المرة بثياب عمله قائلاً بمشاكسة
- ما هو هيستني، انتو ناوين تجوزوها من غير ما اسلمها ليه.
اتسعت عينا الشقيقتان لتركض جيهان غير عابئة بالفستان ولا طرحتها الثمينة بين احضان شقيقها قائلة بلهفة
-ماهر وحشتني، امتي جيت
ابتسم ماهر وعينيه تمران نحو فستان زفاف شقيقته قائلاً
- يدوب جيت من المطار علي هنا علطول، حتي ملحقتش أغير
ابتسمت جيهان وهي تشاكسه
- والنبي زي القمر، حتي العيون هتبقي عليك خاف علي مراتك عشان بقت مجنونة وقت الحمل.
هز ماهر رأسه بيأس من مشاكسات شقيقته التي ظنها قد هذبتها قليلاً لكن يبدو أنه مخطئ، قال بيأس
- لما نشوفك يا مجنونة
غمغم الأب تلك المرة بحدة حينما صعد رنين هاتفه
- الواد شغال يرن كل شوية لحد لما زهقني وقرف عيشتي
ضم ماهر ذراع جيهان قائلاً بتسلية
- يلا يا عروسة نسلمك للعريس
ألقي نظرة خاصة تجاه والده قائلاً
- متتأخروش
عبست شادية جبينها وهي تري والدها يسحب ذراعها تجاه الجهة الأخرى من قاعة الزفاف قائلاً.
- تعالي يا اخرة صبري
حاولت شادية ركب خطواته وهي تسأله بحيرة
- ايه يا بابا واخدنى على فين
غمغم الأب بنبرة هادئة
- عايز اتكلم معاكي شوية، فيها حاجة دي
زاد الشك في نفس شادية، وهي تشعر ان الحمقاء ربما لمحت لوالدها عن الاتصال
تقسم انها ستقتلها إن فعلتها
غمغمت باعتراض
- بس
قاطعها معتصم وهو يتأبط ذراعها قائلاً
- من غير مقاوحة، شغلك كدا كدا عندك بدل الواحد عشرة ياخدو بالهم من التنظيم.
دفعها نحو إحدي المقاعد الشاغرة لتجلس عليه وجلس هو مقابلتها، لتشعر شادية بالحرج وبعض القلق
ترى ما الأمر الجلل الذي يدفعه الآن في حديث وشقيقتها من المفترض أن حفل زفافها الآن؟!
- خير يا بابا
ألقي الأب نظرة خاصة نحوها دب بها الرعب وتعرق يديها التي فركتهم بتوتر قائلا بجمود
- اتصل بيا حبيب القلب
عبست متسائلة بدهشة
- سرمد
نظر نحوها باستهجان لردها، ليتابع بهدوء وهو يترقب ردة فعلها.
-قالي انه عنده عملية النهاردة بس رفض عشان عايز يشوف سيادتك
اخفضت شادية جفنيها للأرض وهي تشعر ان وصلة التقريع ستبدأ، ربما الأحمق لمح له بشئ!
اللعنة لو فعل أي حماقة، تقسم سيكون في عداد الموتى؟!
تفاجئت من عنف كلمات أبيها والحنق الذي ظهر على انفعال صوته
- البجح بيقولي اصلك وحشتيه، وحش لما يلهفه
رفعت رأسها وهي تربت على صدره خشية أن يترفع ضغط دمه قائلة بصوت خافت
- بابا.
والأب وجدها فرصة حتى يخرج جميع توتره بداية من زواج صغيرته اليوم ومكالمة الأحمق هذا الصباح وما زاد الطين بلة لهفة الأشقر وازعاجه بالدق على هاتفه.
-انتي خليتي فيها بابا بسي روميو بتاعك ده، شوفي انا وقتها لما اتخبطتي للؤي كنت معترض عشان شايفك هتضيعي نفسك ومكنش مناسب ليكي يا شادية، وقتها نفخت صدري وقلت يجي بس حد بداله وهوافق عليه فورًا بس النسخة المستوردة زي ما زئرده هانم بتقول خلتني اتمنيت المصري ماله المصري مش عاجبك ولا ايه
تلونت وجنتي شادية حرجًا وخجلاً وقد صمتت تمامًا تاركة والدها يعبر عما مختزن بصدره، ليسترسل بتهدج وقد غامت عيناه حزنًا.
- كنت مستني وقت اما يجيلكم عرسان اقعد انا وثريا ننقي في ونفحص كل واحد فيهم بس للأسف مشيت وسبتني وخلت الحمل تقيل في كتافي، قولت أحاول اخلي البنات تحت حمايتي، وقت ما يحسوا انهم مكسورين ميخبوش حاجة على ابوهم، ابوهم سند وضهر ليهم
اندفعت تقبل وجنته ودموع حارقة تهبط وجنتيها، لما يعيديها للماضي الآن؟!
انها تتعافى منه
ربتت على صدره، يجب ان تفحص ضغط دمه والسكر الآن، همت بمقاطعته قائلة بصوت خافت
- بابا ارجوك.
أعادها لموضعها حينما رآها استقامت من مجلسها، ليتابع قائلاً كما لو كان يحدث لنفسه
- بس قولت مش مشكلة خليهم ياخدو راحتهم، في أسرار صعب البنت تقولها لبباها ووقتها حسيت بالحسرة على نفسي
هطلت الدموع من عينيها، لتهمس بتوسل
- ارجوك يا بابا، كفاية عشان متتعبش
تلك المرة انتبه والدها إلى الدموع المحفورة على خديها، ليضربها على كفها قائلاً بحدة
-ابوكي بيطلع اللي جواه يا بت اسمعي وانتي ساكتة.
هزت راسها بصمت، ليجلي معتصم حلقه متنهدًا
- لما شرف روميو باشا وشيفاكي بتمشي وراه وانتي مغمضة عينك كنت مرعوب مش خايف بس، تفهمت الانبهار ويمكن بردو عوامل اختلاف اللغة ضايف الحماسة الزيادة جواكي، وانه لعب علي اوتار قلبك وعزف اللحن اللي نفسك فيه
ألقي نظرة خاصة وهو يقرص وجنتها قائلاً بنبرة ذات مغزى.
- ابوكي مش مغفل ولا عبيط عشان ميحسش رجعوكم لبعض مش بنفس قوة المشاعر زي اول مرة لما عرض عليا الجواز، لمست فيه نضج حقيقي اخر مرة وهو بيكلمني وبيعرض الجواز، قولت اوافق ازاي على واحد خسر مستقبله والله اعلم اذا عرف او هيعرف يرجع تاني
شعور بالذنب اكتنفها تمامًا، لقد كسرت والدها سابقًا ولن تكررها مرة آخري.
لقد وعدت نفسها انها لن تكسر بهامته وكبريائه، لكن ما ان اتى تلك الرياح الغربية حتى جعلتها لم تعد تشعر بنفسها سابقًا
هي نفسها وقتها لا تفهم ما الذي يتلبسها معه، لكنها تشعر انها حرة، كلماتها لا تضطر لتنقيحها، بل تتعامل معه بدون أي تحفظ كما يفعل هو
وهذا أكثر ما تفضله في العلاقات، انتبهت علي صوت والدها وهو يربت على ذراعها مثيرًا انتباهها.
- رغم جهرك للكره ليه، بس قلبك كان بيقول كلام تاني، وان فورة المشاعر بتاعت اول مرة اتهذبت وبقت في إطار تقبلته لان شادية دلوقتي غير شادية أول مرة
تنهدت قائلة بعدم فهم
- بابا انا مش فاهمة انت بتقولي الكلام ده ليه دلوقتي
بعدما أنهى معتصم من مقدمة حديثه، حتى قال بجدية
- عايزك تفكرى كويس في قرارك الجاي.
مع ازدياد عبوس وجهها، وهو يعلم ما قد يدور بعقلها، خاصة ذلك القلق والخوف انه يخبرها برفضه لتلك العلاقة، رآها تهم بسؤاله ان افسد الايطالي شئ ما في حديث الصباح لكنه قاطعها قائلاً
- سي روميو عرض عليا تعملوا عقد جواز والفرح يكون بعد ما يخلص العلاج الطبيعي
عقدت حاجبيها بريبة قائلة
- امتي؟
غمغم بضيق
-والله انتي وظروفك
شعرت شادية بشيء غامض في الأمر، تمتمت بتعجب.
-بس يا بابا كان ممكن الكلام ده نتكلم فيه بليل بعد الفرح
قلب عينيه بملل وهو يحدق نحو نقطة معينة
- ابقي قوليليه
همت بالرد وقد اثارها الفضول نحو النقطة الذي يحدق بها والدها، الا ان جميع كلماتها تطايرت ما ان أبصرته أمامها واقفًا مستندًا على الجدار وابتسامة واسعة تشق ثغره قائلاً بإسلوبه العبث
- لا زلت منتظر جوابك يا برتقالتي.
فغرت شفتيها بذهول وعينيها جاحظتين لمرآى رؤيته واقفًا بسطوة وهيبة، هزت رأسها وهي تشعر بخلل ما أثر ما رأته.
انها تحلم الآن! والحلم بدي واقعي بصورة مرعبة، يجب أن تستفيق بدلاً من التشكك في صحة قواها العقلية والبصرية.