قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث والعشرون

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث والعشرون

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث والعشرون

اشباه عاشقين
(ميرنا)
وكلما قلت اني نسيت امره كلما وجدت نفسي احبه اكثر. كلما قلت اني لا ابالي له كلما رأيت ان شوقي له يتفاقم. كل ما كنت احتاج اليه لأتاكد هو ان اراه. ورأيته! وتفجرت كل تلك السدود المنيعة التي اختبات ورائها طوال هذه الفترة...
ولكنها لم تنفجر بشكل كافي لتوقظ مشاعري الحارقة. لا زال البرود يجتاحني اتجاهه. لا زلت اشعر ان حياتي وحيدة من دونهم هو افضل بكثير لي!

اغلقت الباب خلفي لتتلاشى دموعي التي لم تنزل من الاساس ودخلت الى المطبخ اضع اكياس مشترياتي. وكأن شيئاً لم يحصل! نزعت معطفي واتجهت نحو الحمام لأجدد نشاطي بعد يوم عمل متعب، وقفت تحت المياه الدافئة لقرابة 15 دقيقة من دون ان اتحرك. وكأني اغسل روحي من كل تلك الذكريات والمشاعر التي اجتاحتني. ووجدت نفسي انجح!

لففت مئزري القطني حول جسدي وخرجت من المغطس واتجهت الى المرآة التي تعلو على المغسلة وتستكين خلفها صيديلة ادويتي الصغيرة التي تكتظ على اخرها بعلب الدواء الخاصة بي! فتحت المرآة وتناولت احدى العلب واخرجت حبتين ودفعتهما نحو جوفي بماء الصنبور. اغلقت الصيديلة وانعكس وجهي في المرآة، لقد اصبح شاحباً عن اخر مرة! مرضي في تأزم فأنا لم احصل على الدم منذ فترة طويلة ولم يعد بأمكاني الدفع للمتبرع وعلى انتظار دوري في سجل المرضى والحصول عليه من المستشفى العامة، لقد استطاع زيد تدبره من اجلي ولكني لم اذهب في موعدي فأضطر اعطائه لغيري. وبالطبع حصلت على تأنيب محترم منه ومن هيلين! ولكن في الحقيقة لم اعد ابالي بصحتي كثيراً. فلتسوء الامور. فلأمرض اكثر، لا اعني اني اريد الموت، ولكني لا ابالي فحسب!

رنين هاتفي اخرجني من شرودي وتحديقي في مرآتي فخرجت من الحمام واتجهت اليه حيث وضعته فوق المنضدة، رفعته وشاهدت اسم امي يضيء الشاشة، رقمي الجديد لا يعرفه احد سوى امي وخالتي وزيد وهيلين وبعض المعارف الذين اعرفهم بشكل شخصي دون ان يعرفو احد من طرفي كالذين يعملون معي في المتجر او السيد شهاب وغيرهم!
- اهلاً امي!
- اهلاً حبببتي كيف حالك؟
القيت جسدي فوق الاريكة بتعب وقلت: - بخير، لعد عدت لتوي من المتجر!

- أحقاً؟ وكيف كان العمل؟
- جيد. لقد بدأت اكسب المزيد من الزبائن. تعجبهم الحلويات والمعجنات التي اعدها!
- يبدو هذا جيداً!
- كثيراً، انا استمتع حقاً!
تنهدت امي بضيق وقالت: - ولكنك تتعبين!
- اخبرتك انه لا بأس بذلك. المهم اني مرتاحة!
وقبل ان تجيب امي وصلني صوت خالتي روجينا:
- لقد اشتقت لكِ يا بلهاء!
ضحكت وقلت لأمي:
- ألن تكف عن مناداتي بهذا الاسم؟
- خذي. انها تريد القاء التحية عليكِ!
- اعطني اياها!

سحبت خالتي الهاتف من يد امي وقالت:
- اعلم انك تشتاقين إلى ايضاً!
ضحكت وقلت:
- يا للثقة!
- قولي لي. متى ستزورينا؟
- في نهاية هذا الشهر ان كنت متفرغة!
- رائع. لأني وامك نخطط لسفرة سياحية وستاتين معنا. وكملاحظة فقط انا اجبرك ولا اخذ رأيك!
ضحكت وقاطع ضحكتي صوت الباب فنهضت من مكاني وانا اقول: - انت اليوم واثقة من نفسك كثيراً خالتي. هل هذا بسبب انك.

وقطعت حروفي فجأة وتصلبت في مكاني حين فتحت الباب، لا لم يكن يوسف من طرقه. ولكنه كان لا يزال واقفاً حيث تركته، يستند على الجدار المقابل للباب ويقف ببساطة هناك ينتظر اللاشيء، رأيت نظرته تتحول من الاعتيادية الى الجدية والحدة وهو يرمق مئزر الحمام القطني!
- يا فتاة هل انتِ معي؟
- مرحبا ميرنا. لقد ارسلت لكِ امي الغداء!

تحدثا مروان وخالتي روجينا معاً ولكن عقلي لم يكن معهما بل لا تزال عيناي المذهولة تحدق بذلك الوسيم ذو النظرة الحادة!
- ميرنا خذي الطعام من يدي اصدقائي ينتظروني!
انزلت ابصاري بأرتباك نحو مروان ادعي عدم اهتمامي بيوسف وقلت لخالتي بصوت مهتز:
- سأتصل بكِ لاحقاً خالتي!
واغلقت الخط فوراً قبل لن اسمع اجابتها واخذت حافظات الطعام من يد مروان وانا اقول لشبه ابتسامة:
- شكراً لك صغيري!

انطلق مروان راكضاً ما ان استلمت منه الطعام وتراجعت انا خطوات نحو الخلف دون ان ارفع بصري اليه لأغلق الباب!
-احتشمي في المرة القادمة حين تفتحين الباب ولا تخرجي بمئزر الحمام!
نبرته الحادة المحملة بالاستياء دبت خوفي القديم منه في اوصالي. ولو قال جملة اخرى كنت سأتجاهله. ولكني ببساطة احب ان ابرر تصرفاتي لكل شخص ان كان يهمني او حتى ان كان لايهمني، رفعت بصري نحوه وقلت بأقتضاب:.

- كنت اعرف انه مروان لذلك فتحته بمئزري!
وقبل لن يرد بشيء اغلقت الباب ودخلت. حسناً سأكذب عليكم ان قلت انه اغضبني، فأنا اعشق غيرته!
وضعت الطعام على المائدة وباشرت بأكله ولكن لم اتمكن من ركن التغكير به جانباً او تجاهله كما فعلت قبل قليل. بدأت اكل مدعي الهدوء ولكن اهز قدمي بتوتر من غير ارادة مني، الى متى سيظل واقفاً هناك؟ هل هو جاد؟ هل سيظل هناك الى ان اسامحه؟ حسناً يا يوسف، لنرى!

انهيت طعامي وذهبت الى غرفتي كي اخلد للنوم. غططت بنوم عميق دون ان اشعر بأي تأنيب ضمير اتجاه ذلك الذي يقف على عتبة بابي!

رن المنبه عند الساعة الخامسة والنصف. فتحت عيناي بتثاقل وغصت داخل فراشي اكثر. اتمنى لو انام اكثر من شدة النعاس الذي يغمرني. ولكن انسياب شيء دافئ على وجهي دب بي النشاط. فتحت عيناي واستقمت بجسدي فوراً ومسحت وجهي بهستيريا لأجد ان الدماء غمرت يدي، زفرت بضيق واتجهت نحو الحمام لأغسل وجهي وفمي، انا بالفعل تعبت!

هل اتصل بزيد؟ هل اخبر امي لعلها تجد لي من يتبرع بالسائل النخاعي واشفى؟ ام اتجاهل الامر كالعادة؟ وكالعادة الخيار الثالث كان هو الاكثر قبولاً بالنسبة لي. فأن عرفت امي بمرضي من الاستحالة ان توافق على عيشي بمفردي او حتى عملي!

جففت وجهي وخرجت نحو غرفتي لأغير ملابسي واذهب نحو المتجر، فتحت باب الشقة لأجد ذلك المجنون لا يزال هناك. ولكن على ما يبدو ان الوقوف اتعبه فجلس على الارض يلعب بقطعة نقدية. يرميها بأصبعه عالياً ويسقطها ارضاً ويعود ليكرر الامر وكأنه يغتال وقت ملله!

رفع بصره إلى فزفرت بضيق وتجاهلته وانا اقفل باب الشقة واسير من غير ان ابالي به، شعرت بوقوفه وتتبعه لي. فلم ابالي. استخدمت السلم فالمصعد مشغول فشعرت بخطواته خلفي. سرت في الشارع بأتجاه متجري فترك سيارته المركوني امام العمارة وسار خلفي، لقد طفح الكيل!
توقفت وهتف به بسخط:
- أأنت جاد؟ هل سنتصرف كالمراهقين الان؟
ادخل يديه بجيوب بنطاله ورفع كتفيه ببساطة وهو يجيبني بهدوء:
- لا شأن لكِ فيما افعله!

- اظنه سيكون شأني حين اكون المعنية بتصرفاتك!
- لقد اخبرتك مسبقاً اني لن اتركك. فلا تظني ان غضبك سيبعدني!
كتمت غيظي وزفرت بحدة وانا اقول:
- حسناً يا يوسف. ولكن لا تظن ان وجودك سيغير شيء!
فأشار إلى بحركة من يده ان اصمت واكمل سيري، يا لبروده المستفز. انا بالفعل اود قتله الان!

التفت عنه بحنق واكملت سيري وقد قررت بالفعل ان اتجاهل وجوده! وصلت الى المتجر فوجدت ان سيرين وعصام قد افتتحوه. انهما العاملين معي في المتجر. سيرين تبلغ ال27 وعصام في ال20 من عمره، تبسمت وانا ادخل والقيت عليهما التحية وقلت:
- اعتذر لتأخري. لقد استغرقت بالنوم!
قالت سيرين بينما ترتب المناديل فوق بعضها:
- لا مشكلة. نحن حضرنا قبل دقائق ايضاً ولم نستقبل الزبائن بعد!

دخل يوسف بعدي واتجه ليجلس على طاولة اختارها امام منضدة البيع تماماً حيث اقف انا، قال عصام بينما يأخذ دفتر الملاحظات وقائمة المعروضات لدينا:
- سأرى انا الزبون الاول!
سحبت سيرين الدفتر والقائمة من يده وهي تقول بضحكة:
- اتركه لي ايها الاحمق. انه وسيم!

ضحك عصام فنحن معتادان على مزاح سيرين هذا بخصوص الشباب. ولكني لم اضحك هذه المرة. لا استطيع المجاملة حين اشعر بالغيرة! نظرت نحو سيرين بطرف عيني وهي تتجه نحو يوسف بعد ان عدلت شعرها وملابسها ورسمت ضحكة عريضة ولطيفة فوق محياها، انها بالفعل هذه المرة معجبة وليس مزاح عابر! تتبعتها بنظراتي الحارقة لحين وصولها نحو طاولة يوسف الذي اخرج فور جلوسه هاتفه وبدأ يتصفحه، سألته برقة عن طلبه فرفع بصره اليها ببرود وطلب ما يريده وعاد لينشغل بالهاتف. سألته سيرين عن شيء ما حول طلبه بينما تدونه فأجابها وهو يتصفح هاتفه من غير ان ينطر اليها. حسناً، بروده مفيد في بعض الاحيان!

كنت لا ازال اقف امام منضدة البيع اشد المريلة حول خصري دون ان استدير لأقف خلفها واراقبهما بعيون نارية لحين ان تنتهي من وقوفها معه وارتاح، استدارت سيرين بعد ان انهى طلبه واشارت بشيء ما لنا جعلت عصام يضحك ولكن انا لم انتبه. كنت اركز عيناي الحارقة على ذلك المستفز منتظرة ان يلمحها بنظرة اعجاب خاطفة كي اذهب لأقتله فوراً، ولكنه لم يرفع بصره بأتجاه سيرين، بل بأتجاه عيناي بشكل مباشر وابتسم. وكأنه يخبرني انه يعرف بشأن مراقبتي السرية هذه. ارتجف جسدي فوراً بأرتباك واشحت وجهي جانباً كأني ادعي عدم اهتمامي بما يفعله رغم ان الجحيم كان قد استعر في قلبي قبل لحظات من وقوف احداهن معه، لا احبه؟ يا لسذاجتي!

وصلت سيرين نحونا وقدمت الطلب نحو عصام وهي تقول:
- ما كتلة الجليد هذا؟
حسناً انا حقاً وددت الانفجار بالضحك وان اشاركها حديثها حوله واخبره مدى معاناتي من بردوه طوال الاشهر الماضية. ولكني لا احبذ ان اخبر الاخرين انه يكون خطيبي، لا اعلم لماذا ولكني لا اريد، وكأني سأهشم انوثتي وادعس كرامتي ان استفسرو وعرفو اسباب خصامنا!

التفت حول منضدة البيع وذهب عصام ليحضر الطلبية وشغلت يداي بتزيين قطع الكعك، اجل. شغلت يداي فقط. فعقلي متمسك به بقوة. استشعر كل تحركاته من دون ان اراها. اراقبه بسرية تامة من دون ان اشعره بذلك عن طريق نظرة عابرة المحه بها اثناء ادعائي التفاتي نحو الزبائن الذين يدخلون للمتجر! لم يكن هو يبالي باولئك الذي يدخلون للمتجر ولكنه كان يرفع بصره فوراً نحو اولئك الشباب الذين يتجهون نحو منضدة البيع ليشترو شيئاً ويخرجو. فهذا يعني تحدثهم بشكل مباشر معي. ولم يكن يخفض بصره ألابعد رحيلهم!

حل المساء وهو لا يزال يجلس هناك يعبث بهاتفه ويطلب قهوة او قطعة حلوى بين فترة واخرى ليبرر جلوسه هنا!
- أتظنيه ينتظر احدهم؟
رفعت رأسي بأستفهام نحو همسة سيرين وقلت باستغراب:
- من؟
غمزت وهي تقول بأبتسامة:
- ذلك الوسيم!
اعدت وجهي بجمود نحو الكعكة العاشرة التي ازينها وقلت بأقتضاب:
- وما شأني به!
- ما بك اليوم ميرنا؟ لا تبدين بخير!
نظرت اليها ورسمت ابتسامة فوق وجهي وانا اقول:
- انه التعب فقط عزيزتي!

مطت سيرين يديها عالياً وقالت:
- انتِ محقة، كان اليوم حافلاً!
تظرت نحو الساعة فوجدت انها اصبحت التاسعة والنصف فقلت لسيرين:
- بأمكانك الخروج انتِ وعصام ان اردتم بما اننا انهينا العمل!
- وماذا عنه؟
واشارت نحو يوسف فزفرت بضيق فشلت في اخفائه وقلت:
- سيخرج تلقائياً حين اخرج!
- حسناً اذاً!
وذهبت بأتجاه عصام لتساعده في مسح الطاولات الاخيرة ليودعاني بعدها ويرحلا، لنبقى انا وهو فقط!.

انهيت تزيين الكعكة الاخيرة وخرجت من خلف منضدة البيع لأرتدي معطفي فادرك انتهاء عملي فنهض من مكانه ايضاً وسبقني بخطوات خارج المتجر ووقف يدخن سيجارته بينما انهيت اطفاء الاضواء واغلاق المتجر!

سرت وسار خلفي كحارسي الشخصي بصمت مطبق لا اسمع منه شيء سوى خطواته الهادئة التي تتبعني برصانة، اتمنى بالفعل ان اخوض حديث معه. ان نسير وايدينا متعانقة، ان نضحك ونثرثر كبقية العاشقين، ولكن لا يمكنني ببساطة. فتلك السكاكين المغروسة بقلبي تمنعني من ذلك!

دخلت الى شقتي تاركة اياه وحده عند عتبة الباب، رميت معطفي واتجهت نحو المطبخ لأعد العشاء، اريد ان اشعر بالذنب اتجاهه، ولكني لم استطع فحسب. اجده يستحق ما يحصل له!

ظننت هذه المسرحية الهزلية ستنتهي في اليوم التالي وظننته سيرحل لا سيما وقد قضى ليلته عند عتبة بابي بالكاد يقترب النوم من عينيه لدقائق قبل ان يستيقظ مجدداً لنومه الغير مريح، ولكنها لم تنتهي! فعل بالضبط ما فعله بالامس، واستمر الامر لاربعة ايام. لقد كان يذهب نحو منزله ليستحم ويأكل شيئاً ويغير ملابسه في اخر الليل عند نومي ويعود سريعاً. عرفت ذلك في احدى الليالي وانا اسمع صوت سيارته تتحرك من امام العمارة ويعود بعد ساعتين او ساعة ونصف، مجنون بالفعل!

حل اليوم الخامس وفعل ما فعله بالايام الماضية وقد ادركا سيرين وعصام ان هذا الشاب يرتبط بي بطريقة ما لقدومه اليومي وتجاهلي له. ولكنهما لم يسألاني عن الامر فلقد استشعرا ان هناك مشكلة تربطنا فاكتفيا بالصمت!.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة