رواية أنشودة الأقدار الجزء الثالث للكاتبة نورهان العشري الفصل الثالث
لا تُبالي لتلك الأسباب السخيفة و العقبات المؤسفة فمن صِدق الشعور تُولد الإرادة و ينحني كل شئ أمام عنفوان الرغبة، فالأمر لا يقتصر على الهوى فقط! بل أنه أعمق من ذلك بكثير فشخص يهواك لا يشبه أبدًا شخص تتلخص حياته في وجودك. إيجازًا للحديث الفرق يكمن في القَدْر! قدرك بقلوبهم إما أن يجبرهم على خوض الحروب لأجلك او التخلى و كأن شيئا لم يكن!
نورهان العشري.
كان الوجع ابلغ من أن تصفه حروف واهية حتى أن قواه العقلية لم تستطيع استيعاب ما يحدث للحظات حين أتاه صوتها المرتعب وهي تقول
في ضرب نار بره يا سالم و عربيات كسرت بوابة المزرعة و دخلت و نزل منها ناس مسلحين.
لم يخلق في هذا الكون ما هو أصعب من القهر. الذي كان يمزق قلبه في تلك اللحظة خوفًا عليها وهو الذي لم يكن يعرف الخوف طوال حياته والآن فقدماه لم تكن تحمله من فرط هيمنه ذلك الشعور المروع عليه.
اهدي يا فرح و اسمعيني كويس خدي سما و انزلوا المكتب بتاعي اقفلوا عليكوا بالمفتاح لحد ما اجيلك. يالا بسرعه.
أطلق زفرة قوية من جوفه المحترق ألمًا فتهدجت كلماته حين أضاف بلهجة محرورة
متخافيش انا معاكِ
كانت محاولة منه أن يبثها الأمان و القوة التي تتنافي مع ذلك الضعف الذي جعله يستند بيديه على الحائط خلفه فجاءه صوتها المرتجف ذعرًا
حا. حاضر.
توجهت بخطًا مرتجفه إلى الخارج فوجدت سما التي كانت تهرول من غرفتها قائلة بذعر
في ايه يا فرح؟
فرح بأنفاس متلاحقة
مفيش وقت يالا بسرعه على مكتب سالم.
هرولت الفتاتان الى الأسفل و عند بلوغهم درجات السلم السفليه تعاظم الفزع بقلوبهم حين شاهدوا انعكاس خيالات أولئك المسلحين على باب القصر وهم على وشك فتحه فتوقفت فرح وقد شعرت بدنو النهاية فهمست إليه عبر الهاتف بنبرة فاقدة الى كل معالم الحياة
خلاص يا سالم.
هوى قلبه بين قدميه من فرط الرعب حين سمع همسها فلم يستطيع التحمل و صرخ حتى تقطعت أحباله الصوتية
فرح.
لحظات اخترقها أصوات أعيرة نارية شعر بها تجتاح قلبه وهو يهرول كالمجنون بين أروقة المشفي و خلفه كلا من طارق و مروان و سليم ليصعدوا الى السيارات و ينطلقوا و خلفهم سيارات الحراسة بأمر من سليم الذي كان يخشى في تلك اللحظة أن يفقد شقيقه الذي لأول مرة يراه بتلك الحالة فقد كان ينطلق بأقصى سرعة يمتلكها فأصبحت السيارة كوحش ينهب الطريق كوحش الذعر الذي يلتهم قلبه الآن.
تعالي يا فرح بسرعه هنا.
انتزعها صوت سما كما فعلت يديها فبمجرد أن كاد أولئك الرجال أن يقتحموا باب المزرعه حتى اخترقت جماجمهم طلقات نارية جعلت دمائهم تتناثر على زجاج الباب بطريقة اقشعر لها بدن فرح التي انصاعت الى يد سما لتجذبها إلى غرفة المكتب و اغلقته بينما هو لم ينفك عن ندائها عبر الهاتف إلى أن أتاه صوتها المرتجف
احنا في المكتب يا سالم.
خرج زفيره على هيئة حمم بركانيه أحرقت قلبه المُلتاع فجاء صوته جافًا متحشرجًا وهو يقول.
بسرعه روحي عند الجدار اللي وار الخزنة في تابلوه ارفعيه هتلاقي زرار اضغطي عليه
بأقدام مرتعشة توجهت لتفعل ما أمرها به و ما أن ضغطت على ذلك الزر حتى دوى صوت إغلاق قوي فشهقت مرتعبة وهي تقول بلهفه
هو ايه دا يا سالم؟
اجابها بلهجة متحشرجه
دا سمارت لوك هيقفل الباب و الشبابيك و محدش هيقدر يدخل غير ببصمة ايدي أو الرمز بتاعه حتى الرصاص مبيأثرش فيه بس تحسبًا بردو خليكوا تحت المكتب على ما اجيلك.
سحب نفسًا قويًا حتى يستطيع اخراج كلماته الموقدة
متخافيش. اوعي تخافي يا فرح مش هسيب حاجه وحشة تحصلك أبدًا.
تسرب الى داخلها شعور قوي من الطمأنينة إثر كلماته فصمت أذنيها عن تلك الطلقات التي تدوي في الخارج وقالت بخفوت
متتأخرش عليا.
حروف بسيطة كانت كوقود لنيرانه المستعرة داخل قلبه فدعس على دواسة البنزين باقصى قوته ليضاعف من سرعة السيارة التي كادت أن تحلق عاليًا من فرط سرعتها.
تآذر بها الوجع حتى جعلها طريحة الفراش لا تقوى على حمل جسدها من فرط الوهن فأخذت تسكب ألمها بين احضان وسادتها التي كانت ترتشف عبراتها الجريحة في مواساة صامتة عما يجيش بصدرها من أوجاع.
لا قوة لها على مواجهة قدرها المظلم الذي يأبى أن تحيا بسلام فما حدث ليس بالشئ الهين ولا يستطيع أي عقل بشري أن يستوعبه!
فمن بين جميع الرجال وقعت في عشق ذلك الرجل الذي يفصل بينها و بينه بحر من الدماء و الثأر وبعد أن تجاوزا بشق الأنفس تلك الحقائق المروعة و الحروب الدامية حتى تحققت المعجزات و عاد شقيقها من الموت!
هل هذا بشئ يُصدق؟ هل ما يحدث حقيقي أم أنها في كابوس مريع؟
نعم كانت حزينة على فقدان شقيقها ولكنها بدأت بالتاقلم على ألم فراقه، ولكن الآن ماذا عليها أن تفعل؟ أن تعيش هانئة بين احضانه وهي تعلم بأنه في ليله من الليالي سيأتي و يديه ملطخة بدماء شقيقها؟ أم عليها هدم سعادتها و الإرتماء بين أحضان الشقاء الذي كان نتيجه حتمية لإنفصالها عنه؟
تعالت شهقاتها تعبيرًا عن عجزها عن الأختيار على الرغم من أنها تعلم أخطاء شقيقها القاتلة ولكن من منا يملك زمام قلبه الذي حتى جراح أحبته لا تفلح في جعله يكرههم!
وضعت يدها فوق فمها تكمم شهقاتها ما أن سمعت قفل الباب يدور فحاولت التمثيل بأنها نائمة ما أن لامست أنفها رائحته و تعاظم اضطراب قلبها مع كل خطوة كان يخطوها تجاهها لتشعر بصاعق كهربائي يضرب أنحاء جسدها حين شعرت به يطوق خصرها من الخلف في عناق دافئ كان كلاهما بحاجة إليه.
استنشق أكبر قدر من رائحتها بداخله والتي كانت يتخللها رائحة عبراتها التي حاوطت قلبه بغمامة من الألم فقام بدفن رأسه في عنقها وهو يقول بنبرة متحشرجة
حقك عليا.
كان يجاهد الكثير والكثير بداخله وقد تجلي ذلك في تلك الأنفاس الحارقة التي كانت تلهب عنقها من الخلف و كذلك صدره الذي كان يتأجج صعوداً و هبوطًا جراء ما يكبته من غضب بداخله و قد أخافها هذا كثيرًا لذا تجاهلت منحني الرد ليتابع هو بنبرة موقدة.
مقدرش استغني عنك. كل كلامي كان من غضبي.
شدد من عناقها أكثر وهو يضيف بنبرة متحشرجة
مقدرش تبعدي عني لحظة واحدة. بلاش تواجهيني بضعفي قدامك. بلاش تستغليه ضدي.
اشتدت وتيرة نحيبها وودت لو أطلقت العنان لصرخاتها التي تنحر قلبها من الداخل، ودت لو أخباره بملء صوتها بأن لا احد في هذا العالم أضعف منها الآن ولكنها كانت خائفة للحد الذي جعلها تتمسك بالصمت خوفًا من مغبة الحديث فقط اطاعت توسلات قلبها حين التفتت تعانقه بقوة توحي مدي ألمها فبادلها العناق بأقوى منه وهو يقول بصوتًا أجش
كفايه دموع بقي و بصيلي.
أنهى كلماته وهو يضع أنامله أسفل ذقنها ليرفع رأسها إليه و قد كانت الغرفة مظلمة إلا من شعاع نور بسيط لم يفلح في إبراز مظاهر الألم و البكاء على وجهها ولكنه شعر بها فقام بتفريق قبلاته بين عينيها في إعتذار صامت اختتمه قائلًا بشجب
لازم تعرفي اني عمري ما هفرط فيكِ أبدًا.
أخيرًا خرج صوتها متحشرجًا من فرط البكاء.
متكذبش عليا يا ياسين، انت عمرك ما هتتراجع عن اللي في دماغك. و لو نفذته تبقي بتنفذ فيا حكم الإعدام.
يعلم مقدار صدق كلماتها و قد آلمته حتى انفطر قلبه فتابعت بتوسل لم يعهده منها مسبقًا
وحياة اغلي حاجه عندك متعملش فيا كده. انا عارفه انه غلط وغلطه كبير بس في سليم في النص و لا هو ولا سالم هيسيبوا حق جنة انا واثقة.
أنهت كلماتها بسيل من العبرات التي تردد صداها بقلبه الذي وقع أمام ضعفها فشدد من احتضانها بكل ما أوتي من عشق تجاوز حدود الكلمات فهمست شفتاها فوق صدره.
ياسين.
زفر بقوة و قال مرغمًا
حاضر يا حلا.
مرت حوافر الانتظار على قلبها الذي كان يرتعب كلما ازدادت أصوات القتال في الخارج فمن فرط صخبها ظنت أنها ستبقي عالقه هنا للأبد ولكن بعد مرور وقت لا تعلم ماهيته توقف إطلاق النار فجأة و قد جعلها ذلك تشعر بالسوء فقد شعرت بإقتراب أقدام من باب غرفة المكتب و قد كان يشير هذا إلى أمرين أولهما أن اولئك المسلحين قضوا على الحراسة في الخارج و جاء دورهم أو العكس وهنا همست بقلب مرتعب.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
دعاء سيدنا يونس وهو في جوف الحوت لطالما كان هذا نداء استغاثتها ما أن تقع في مأزق ولم يُرَد ندائها يومًا فبعد لحظات جاءهم الغيث حين شعرت بباب الغرفة يفتح و صوته المُحبب إلى قلبها وخاصةً في هذه اللحظة
فرح.
اندفعت من أسفل المكتب بلهفة فإذا به تراه أمامها فتساقطت عبراتها كتعبير عن الخلاص و قادتها قدماها لتهرول اليه وهي تصرخ بانفعال
سالم.
التقطتها يديه ليقوم بغرسها داخل أحضانه غير مصدق أنها بين يديه سالمه. فكان طوق ذراعيه حولها مؤلمًا لعظامها التي بدأت تئن تحت سطوة عناقه الضاري فهمست بألم
سالم. بالراحة
كان هذا العناق تعبيرًا منه عن خوفه و شوقه و عشقه فلم يكن يفلح في صياغه الكلمات لوصف ما يعتمل بداخله ولكن افعاله كانت تتولي هذه المهمه فلم يكن يشعر بقوته التي لم تحتملها ليأتي همسها المتألم كتحذير جعله يتركها على الفور وهو يقول بلهفه.
حقك عليا. مقصدش اوجعك، انتِ كويسه صح؟
قال جملته الأخيرة ويديه تتفاحصان جسدها بلهفه تجلت في نبرته التي لم تعهدها منه فاقتربت تحتوي وجهه بين كفوفها بحب انساب من بين شفتيها
ماتخفش يا حبيبي انا كويسه.
لم تروي كلماتها ظمأة فقام بوضع يديه أسفل رقبتها ليقربها منه وهو ينهل من رحيق قربها بضراوة كانت أكثر من محببة إليها مما جعل سما تضع يدها على وجهها بخجل وهي تخرج من الباب لتفسح لهم المجال للإنفراد ببعضهم فما أن خطت إلى خارج الغرفة حتى تفاجئت بمروان الذي اقترب منها يحتضنها بلهفه تجلت في نبرته حين قال
سما أنتِ كويسه؟
تلاحقت ضربات قلبها من اقترابه منها بتلك الطريقة والتي كانت المرة الأولي التي يأخذها بين ذراعيه فتورد خداها بقوة أسرت جميع حواسه حين ابتعد ليطمئن عليها فامتدت يديه تبعد خصلات شعرها إلى ما خلف أذنها وهو يقول بخفوت
ايه يا عم الكسوف دا كله دا حضن يعني. اومال لو بوستك هتعملي ايه؟
شهقت بخجل و تراجعت للخلف فإذا به يري سالم الذي كان يعطيه ظهره ففطن إلى ما يحدث فقال بنبرة ساخرة.
ايه يا جماعه مش كدا خدشتوا حياء البت.
ما أن انهي كلمته حتى تفاجئ بسالم الذي قام بركل الباب بقدمه ليغلقه في وجهه حتى يستطيع التنعم بقربها أكثر بينما هي الأخري كانت تشدد من عناقه حتى تهدأ من روع قلبها الذي لا يأمن سوي بوجوده.
فصل اقترابهم ولكن يديه ظلت تحاصرها و تحكم تطويق خصرها في عناق صامت يتخلله دقات قلوبهم التي كانت تضرب بجنون فكانت هي أول من تحدثت بأنفاس متهدجة
كنت هموت من الخوف يا سالم.
زفر بقوة محاولًا أن يخرج معه ذلك الشعور المؤلم الذي يجيش بصدره قبل أن يجيبها بنبرة متحشرجة
اوعي تقولي كدا تاني. طول مانا جنبك اوعي تخافي.
لثم جبينها بقبلة دافئة قبل أن يتابع بخشونة
عمري ما هسيب حاجه وحشه تحصلك أبدًا.
رفعت رأسها وهي تناظره بشغف تريد أن ترتوي من بحر عشقه اكثر
خوفت عليا يا سالم؟
خيم الألم على ملامحه وهو يسترجع شعوره منذ ساعات ثم أجابها بنبرة خشنة
عمري ما عرفت الخوف في حياتي غير النهاردة.
سحب قدر كبير من أريجها المحبب إلى داخله قبل أن يضيف بلهجة مشجبة
لما قولتيلي خلاص يا سالم حسيت أن قلبي اتشق نصين.
لم تحتمل الألم في صوته وملامحه فأرادت محوها قائلة بغرور زائف
اعترف يالا انك بتحبني ومتقدرش تعيش من غيري.
راقت لها بسمتها الجميلة و أعجبه غرورها و محاولتها لتهدئته فقال يشاكسها
بعترف.
اغتاظت من سخافة إجابته فقد أرادت انتزاع اجابه مشتعلة من بين شفتيه فصاحت بحنق
انا قولتلك قبل كدا انك رخم
قولتي.
بسمة رائعة أضاءت ملامحه وهو يجيبها باختصار قاصدًا استفزازها أكثر فهتفت مغلوله
و بارد.
ردد كلماتها ساخرًا
و بارد.
صاحت بصوت اكثر انفعالا
و مستفز كمان.
يروق له انفعالها كثيرًا مما جعله يقول ببرود ثلجي
كل دا قولتيه قبل كدا. دوري على حاجه جديدة تضيفيها.
كظمت حنقها منه وهي تقول بسخرية
بس كدا انت تؤمر.
باغتتها يديه التي جذبتها من خصرها لتقربها منه و كذلك غزله المبطن وهو يقول بخشونة
دا انت اللي تؤمر.
لم تفلح في قمع ضحكتها التي أضاءت ملامحها جراء كلماته الغير متوقعة والتي كانت لها القدرة على إذابة بقايا الخوف العالق بثنايا قلبها ولكنها قالت بتمنع
ماتحاولش عشان أنا لسه مخصماك.
ضيق عينيه بخبث تجلي في كلماته الماكرة
مكنتيش كدا من خمس دقايق. لو نسيتي تعالي افكرك.
كان يشير إلى قبلته فتجاهلت تورد خديها وقالت مبرره
دا كان رد فعل طبيعي بعد الخوف إلى كنت فيه.
سالم بفظاظة
محستش كدا. بس ماشي مش هتفرق.
فرح بانفعال
يعني ايه مش هتفرق دي؟
سالم بملل
أنا شامم ريحة هرمونات و دا مش وقتها خالص على فكرة.
أوشكت على إجابته ولكن جاء الطرق على الباب ليوقفها فقام سالم بفتحه فإذا به يجد مروان الذي وضع احدي يديه فوق عينيه وهو يقول بسخرية
حد خالع راسه؟
التفت سالم يناظرها بحنق تجلي في نبرته وهو يقول
شايفه العاهات اللي مجبر اتعامل معاها؟ عرفتي ليه بقولك مش وقت هرموناتك.
تدخل مروان قائلا بجدية مفتعله.
ايه مالها هرموناتك يا فرح؟ اوعي يكون مزعلك؟ لا كله الا دا
سالم بجفاء
و انت مالك ومال هرموناتها يا بغل. امشي من قدامي.
مراون بلهفه
حاضر يا برنس.
ثم التفت إلى فرح قائلًا بحدة
ما تظبطي أنتِ وهرموناتك دي يا ستي ناقصين دلع احنا.
قال جملته ثم هرول إلى الخارج ما أن رأي ملامح سالم المتجهمة فاندلعت ضحكة رائعة من بين شفتيها جعلته يكظن غيظه وهو يقول
ضحكتك اوي كلمته؟
فرح بدلال.
طبعا هو اصلا مروان كله عله بعضه سكر وبيضحكني.
اندلع صوت مروان من الخارج وهو يقول بانفعال
الله يخربيت مروان و سنينه يا ستي سبيني في حالي دا أيده مرزبة.
تجاهل حديث ذلك الوغد و أخذت نظراته تبحران فوق ملامحها التي تناظره بتحدي يعلم أنها تود إغضابه ولكنه بالفعل شعر بالغضب فقام بالعض على شفتيه وهو يقول بوعيد
هربيكي بس الصبر.
تورد خدها من كلماته و معانيها المبطنة فاخفضت رأسها خجلًا وقام هو بجذبها إلى أحضانه يريد أن يشعر بها بجانب قلبه عل وجودها يخدر اوجاعه ولو قليلًا
في الخارج كان سليم يجلس بغرفة الصالون و طارق الذي كان يقف ممسكا بهاتفه يطمئن على حال شيرين فاقترب مروان من سليم يحاول انتشاله من بحر أوجاعه قائلًا
بقولك ايه هو انا المفروض اعمل ايه مع سما في الموقف دا؟
التفت سليم يناظره بحنق فلم يكن ينقصه سوي ان يعطي نصائح في الحب لذلك المعتوه إلا يكفيه ما يمر به؟ فأجابه هادرًا بغضب
اخفي من وشي.
مروان بامتعاض
تصدق انت صح. هي دي أشكال اخد رأيها بردو؟
كان سليم يوشك على لكمه ولكن أوقفه صوت سالم الصارم حين قال
يالا عشان هننزل القاهرة دلوقتي. خلينا نتجمع كلنا في مكان واحد بدل ما نشتت الحراسة.
اومأ الجميع فتدخل طارق مقترحًا
طب انا هخلع و انتوا ابقوا تعالوا ورايا.
سالم بفظاظة.
مينفعش هنمشي كلنا سوي.
لوي فمه قائلًا بامتعاض
سالم. متقوليش انك خايف عليا والأفلام دي.
نظر سليم إلى ساعته وهو يقول بجفاء
كلها نص ساعه البنات هيلموا حاجتهم و هنمشي اقعد بقي متقرفناش.
أوشك على الحديث فاوقفته كلمات سالم الحازمة
مفيش نقاش و مفيش حد هيمشي لوحده.
تدخل مروان ساخرًا
ما انتوا مش عارفين. اصل البيه بيحب جديد. وعايز يروح يطمن عالمزة.
زمجر طارق بحنق
لم لسانك ياد بدل ما اقطعهولك.
التفت إليه سالم وهو يقزل بفظاظة
هنشوف الموضوع دا بعدين.
زفر طارق بحنق مما جعل ابتسامة مستفزة على ملامحه قبل أن يقول بتهكم
اقعد اقعد. احسن تروحلها تحدفك ببتاعت الكلوكوز تفتح نافوخك.
لمعت عيني سالم بابتسامة بينما تعاظم الحنق بداخل طارق الذي قال مغلولًا
ليك يوم. اتك عالصبر بس.
صمتت الاحدايث الشفوية و بدأت احاديث العيون فالجميع كان يتسائل بصمت عن القادم ولا يجرؤ أحد على التفوه بما يجول بخاطره فلم يعد يحتمل مروان ذلك الصمت اكثر و قام بالخروج تزامنًا مع اهتزاز هاتفه و ما أن رآي المتصل حتى تعاظم الغضب بداخله فأخذ ينفثه على هيئه زفير قوي لم يفلح في تهدئه نيران صدره فمنذ أن رآه حيًا أمامه حتى بدأت عقارب الخوف تلدغ قلبه دون رحمه لم تفلح محاولاته في اخمادها أو ابعاد سمومها عن عقله مهما حاول السخرية التي كانت سلاحه الوحيد في مواجهة أزماته ولكن تلك المرة كان الأمر اصعب بكثير وهو لم يعد يحتمل لذا أخذ ينهب درجات السلم متوجهًا إليها لكي ينهي هذا الصراع اللعين لمرة واحدة وإلي الابد.
وصل إلى غرفتها فقام بدق الباب و ما هي الا ثوان حتى وجدها تقف أمامه فألقي بكلماته دفعه واحدة و دون أي مقدمات
حازم لسه عايش.
شهقة قويه شقت جوفها حين القي بقنبلته المدوية والتي جعلتها تتراجع خطوتان إلى الخلف قبل أن تتمالك نفسها وهي تقول بأنفاس مقطوعه
مروان انت بتقول ايه؟ انت بتهزر صح؟
شكلي شكل واحد بيهزر؟
نبرته الحادة و ملامحه المتجهمة كانتا خير دليل على حديثه فصاحت بصدمة.
ازاي حصل دا؟ ازاي؟ هو في حد بيصحي من الموت؟
تحاهل ضجيج قلبه و وخزات الألم التي تفشت بجسده وقال باختصار
كان مع ابوكي و منعرفش لسه دا حصل ازاي؟
وضعت يدها فوق جبهتها و أخذت أنفاسها تتلاحق قبل أن تقول بنبرة حزينه
طب جنة عرفت اللي حصل دا؟
اومأ بصمت فصاحت بتأثر
يا عيني يا ربي الله يكونفي عونها كدا بقت مرات اتنين.
بترت جملتها وهي تشهق كمن تذكر شئ فصاحت باندفاع.
طب و سليم؟ سليم هيعمل ايه؟ دا ممكن يموت فيها؟ لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم اللتنين دول مش مكتوبلهم يفرحوا أبدا؟ ايه اللي بيحصل دا بس ياربي؟
تحمحم بخشونه محاولا تهدئه نبضاته الثائرة وهو يقول بترقب
هو دا بس اللي انتِ شايلة همه؟
فاجأته إجابتها القوية حين قالت
ايوا هو دا بس. و اوعي تحط في دماغك حاجة تانيه غير كدا.
تنفس الصعداء إثر كلماتها التي أعادت الحياة لقلبه مرة أخري فصاح بحبور.
الله يحرقك يا شيخه.
نهرته بغضب
بطل طوله لسان.
مروان بسخرية
انتِ بتكشريلي يا بنت همت؟
مش عاجبك.
مروان بتودد
عاجبني و نص. انا اقدر.
انهي كلماته وأخذها بين ذراعيه ليؤكد لنفسه حقيقة ما يحدث فهمست بخجل
مروان.
همس بخفوت
هششش اسكتي. خليكي في حضني شويه.
انصاعت لمشاعرها الجارفة نحوه و استكانت بين ذراعي عشقه تنشد الراحه و الأمان الذي تبلور في كلماته حين تراجع لينظر إلى داخل عينيها وهو يقول بقوة.
انا مش هطلقك يا سما. ايًا كانت ظروف جوازنا بس انا لما مضيت على القسيمة دي مكنتش ناوي اطلقك
ارتج قلبها من فرط المشاعر التي بثتها كلماته في جوفها فهمست بخفوت
ليه.؟
عشان بحبك. أنا مبعرفش اكذب ولا اخبي. انا فعلا بحبك وعايز اخد فرصتي معاك موافقة؟
هكذا تحدث بنبرة قوية تصاحبهما نظرات عاشقة انصاعت لسحرها فهمست قائلة
موافقه.
مروان بمزاح
ولا مش موافقه. كفايه انا موافق.
ابتسمت على كلماته وقالت وهي تلكزه في كتفه.
رخم اوي.
مروان بسخرية
اه صحيح بمناسبة الرخامة شيرين أضربت بالنار.
شهقت بفزع اندفع من بين شفتيها
يا نهار اسود حصل ازاي دا؟
لابد لها من أن تعلم الحقيقة لذا قال جفاء
ابوكي. كان عايز يهرب فضرب رصاصة جت فيها. بس متقلقيش هي كويسه
انهارت في البكاء فاقترب منها يحتضنها بين ذراعيه لكي تهدأ وهو يقول
تعالي النهاري في حضني تعالي.
تراجعت للخلف وهي تقول بنبرة متحشرجه
هجهز حاجتي بسرعه عشان اروح اطمن عليها.
لم يعارضها انما أفسح لها المجال لتكمل حزم حقائقها وهو يقول بامتعاض
ياريتها كانت ماتت كنت فضلت حاضن للصبح.
بعد نصف ساعه كان الجميع يستقل السيارات في طريقهم إلى محافظة القاهرة وقد كانت تجلس في المقعد المجاور لمقعده وعينيها تراقبانه بحزن على ذلك الجبل الصامد الذي يستند عليه الجميع و كأنه حجر صلب لا يشعر ولا يحزن ولا يتألم بينما كانت الوحيدة التي رأت داخله وكيف يحترق بصمت دون أن يجد من يستند عليه.
بتبصيلي كدا لية؟
هكذا استفهام سالم فامتدت يديه تتلمسان جانب وجهه بإعجاب صريح تضمنته كلماتها حين قالت.
معجبة.
لاح شبح ابتسامه على شفتيه و لم يجبها فأردفت بخفوت
تعرف اني اول مرة في حياتي احس بالفخر زي مانا حاسة دلوقتي؟
انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال
ليه؟
عشان أنا مراتك.
لم يجبها انما التقط أنامله التي تتلمس وجهه بحنان تسرب إلى وحشة قلبه فاستكانت و قام بوضع قبلات صغيرة على يديها بينما كانت عينيه مسلطة على الطريق أمامه فتابعت بحب فاض به القلب و طغي
بإذن الله كل حاجه هتبقي كويسه.
زفرة قويه خرجت من جوفه جعلتها تدرك مدي معاناته قبل أن يقول بنبرة مشجبة
تفتكري؟
اقتربت تضع قبلة دافئة على كتفه ثم تراجعت إلى مكانها مرة أخري قبل أن تجيبه بثقة
طبعاً بس انت قول يارب.
يارب.
خرجت حروفه مشبعه بالتوسل الذي لا يظهر سوي لخالقه ثم قام بمد يده ليجذبها لترتاح بين أحضانه و يرتاح هو بوجودها بينما يديه الأخري على المقود و عينيه مازالت مسلطه على الطريق أمامه...
صفوت. ممكن اتكلم معاك؟
هكذا تحدثت سهام بخفوت وهي تنظر إلى صفوت الذي كان يعطيها ظهره ولم يبالي بحديثها فققامت بالإلتفات لتقف أمامه فتفاجئت من ملامحه الجامدة و عينيه القاسية وهي تطالعها لأول مرة بتلك الطريقة التي افزعتها خاصةً حين أتاها صوته الفظ
مبقاش في بينا اي كلام.
أخذت تتلفت يمينًا و يسارًا وهي تحاول قمع فيضان العبرات الذي يهدد بالإنفجار في أي لحظة حتى خرجت لهجتها متحشرجة وهي تقول.
انا مكذبتش عليك في حاجه يا صفوت كل حاجه كنت عارفها.
قاطعتها صفعة قويه من يديه جعلت رأسها يدور إلى الجهة الأخري و بنفس قوة الصفعة جاءت قبضته على خصلاتها ليجذبها إليه بعنف تجلي في نبرته حين قال
ولما طلبتي مني الطلاق و روحتيله مكنتيش بتكذبي عليا؟
كان شفتيه ترتجف من فرط الغضب المستعر الذي يجيش بصدره فهمست بألم من بين اوجاعها
عملت كدا عشان بنتي.
بنتك! ولا عشان وحشك حبيب القلب.
كان استفهام يمزق قلبه الذي ييتلظي بنيران الجوي و الغيرة فحاولت التملص من بين يديه وهي تهتف بغضب
اخرس و اوعي تقول حرف واحد. انا اتجوزتك عشرين سنه مشوفتوش فيها ولا مرة واحدة ولا حتى فكرت.
كان يعلم صدق قولها ولكنها الغيرة و الألم الذي جعلها تنتفض من بين يديه وهي تتابع بكبريااء و شموخ.
بالرغم من أننا أطلقنا وانتهينا بس انا جيلتك عشان اعتذر عن اللي حصل مني واني روحتله عشان عارفه دا جرحك قد ايه بس انا عملت كدا عشان بنتي. و لو رجع بيا الزمن هعمل كدا تاني.
يبقي تمشي و ترجعي تاني عند بنتك.
هكذا تحدث بقسوة فقابلتها بتحدً اضفي نيرانا آخري فوق بركانه المشتعل
انا فعلا همشي. و الألم اللي ادتهولي دا تمنه غالي اوي يا صفوت خليك فاكر.
انهت كلماتها و توجهت إلى داخل الغرفة فلم تجد لا أمينة ولا نجمة التي كانت تهرول إلى خارج المشفي تصاحبها عبراتها التي لم تفارقها منذ ان وعت على هذه الحياة التي امطرتها بصفعات متتاليه كل واحدة كانت أشد و اقسي من سابقتها و آخرهم أنها تنتمي إلى تلك العائلة الكبيرة و أن من خطفها و القي بها في هذا العذاب كان عمها!
جدار بشري صلب اصطدمت به جعلها توشك على السقوط لولا يد قويه احكمت تطويق خصرها تمنعها من الارتطام بالأرض الصلبة ثم اخترقت قلبها نبرة جافة تعرفها كثيرًا ولكن تلك المرة يشوبها لهفة قوية
وه. نچمة. أنتِ كويسه؟
رفعت رأسها تطالعه بصدمه كانت اضعافها بقلبه الذي اهتز من ملامحها الباكيه فصاح باهتمام
حوصول ايه؟ حد زعلك ولا ايه؟
بنبرة مرتجفه أجابته
لاه. مفيش حاچة. اني كت عايزة اشم شويه هوا.
كان يعلم أنها تكذب ولكنها لم يريد الضغط عليها أكثر لذا قال مقترحًا
طب ايه رأيك نروحوا نشربوا اي حاچة في الكفاتريا؟
لم تجد مفرًا للهرب منه و أيضًا كانت خائفة وهو الشخص الوحيد الذي لا تخشي من وجوده حولها لذا ذهبت معاه دون أن تدري أن هناك من يحترق ذعرًا من هاجس فقدانها مرة أخرى
صفوت ألحقني يا صفوت.
التفت صفوت إلى سهام المرتعبة فاقترب يحاوط كتفيها بلهفه تجلت في نبرته حين قال
في ايه يا سهام؟
نجمة مش لقياها مش في الأوضه.
صُدِم من حديثها ولكنها لم يريد بث الذعر في قلبها أكثر فقد كان يرتعب هو الآخر ولكن جاءت كلماته مطمأنه
اهدي يا سهام. هتلاقيها هنا ولا هنا ولا ممكن تبقي في الكافتيريا بتشرب حاجه.
أخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا وهي تقول بانهيار
وهي تعرف حاجه ايه هنا يا صفوت بنتي اتخطفت بنتي ضاعت مني تاني يا صفوت.
أنهت كلماتها و ارتخت أقدامها لتقع بين أحضانه مغشية عليها.
خطت بأقدامها إلى داخل ذلك الطابق السفلي للقصر الكبير و بداخل جسدها شئ ممزق مهترئ بفعل الوجع الكامن بداخلها يسمي بالقلب! أخذت يديها تتلمس الحائط إلى أن وقفت تنظر إلى ذلك النائم على الأريكة بأعين انبثق منها الخزي على هيئة عبرات غزيرة من بين نهنهات متقطعه جعلت حازم يهب من مكانه بصدمة سرعان ما تحولت لشعور عارم بالضيق و الحرج فها قد حانت المواجهة التي كان يخشاها.
أخذت أمينة تتقدم منه بخطٍ سلحفية و نظرات غاضبة جريحة معاتبة إلى أن توقفت أمامه مباشرةً و ما أن هم بالحديث قاطعًا هذا الصمت الغير مريح حتى هوت بيدها فوق خده بصفعه قويه لم يكن يتوقعها.
عملنا فيك ايه عشان تعمل فينا كدا؟
كان استفهامًا لا يقوي على إجابته لذا حاول المناص منها وهو يلتفت إلى الجهة الأخري لتقود يدها بجذبه من ذراعه بقوة تجلت في نبرتها حين صاحت.
بكلمك رد عليا. عملنا فيك ايه؟ عملت انا فيك ايه؟ تحرق قلبي عليك كدا ليه وانت عايش؟
قالت جملتها الأخيرة بصراخ هز أرجاء المكان فحاول أن يهدئ من روعها خوفًا على حالة قلبها
اهدي يا ماما شويه. اهدي قلبك مش هيستحمل.
صاحت مستنكرة بمرارة
قلبي. قلبي اتحرق بسببك. لسه جاي تفكر في قلبي. مفكرتش في ليه و انت بتكذب علينا و بتمثل انك ميت؟ مفكرتش في قلبي ليه وانا بدفنك تحت التراب بايديا؟
انخرجت في نوبة عويل دوي صداها في أنحاء المكان حولهم فحاول امتصاص غضبها قائلًا
ياماما انا اضحك عليا. انا اتلفقلي مصيبة و مكنش قدامي غير اني اعمل كدا. كان لازم اهرب و ألا كنت هروح في ستين داهيه و انتوا معايا.
شهقت أمينة متفاجئة من حديثه الذي مر على قلبها بشاحنة ضخمة جعلت حوافر القلق تنشب بداخلها فقالت بذعر
تق. تقصد ايه؟
لم يكن يعلم كيف يخبرها ولا يعلم مدي معرفتها بالأمر لذا توقفت الكلمات على أعتاب شفتيه لتأتيه النجدة من استنتاجها الغير متوقع
تقصد موضوع جنة؟
اه. اه اقصد جنة.
هكذا صاح بلهفه فزجرته باحتقار تجلي في نبرتها حين قالت
ازاي جالك قلب تعمل في بنات الناس كدا؟ مصعبتش عليك البنت اليتيمة دي تعمل فيها كدا؟ بنت زي الوردة تضيع مستقبلها. مفكرتش في اختك حد يعمل فيها كدا؟
اخفض رأسه بخزي أمام هجمات كلماتها التي لم يجد لها مبررًا واحداً سوي أنه حقير فلجأ للصمت و لذرف عبرات
الندم علها تطهره من تلك الآثام و الخطايا فجاءه صوتها الصارخ ليصم آذانه
انت ايه ياخي شيطان. الله ينتقم منك. الله يلعن البطن اللي شالتك. الله ينتقم منك. ياريتني موت قبل ما خلفتك.
بتر كلماتها هذا الألم الجسيم الذي شعرت به أيسر صدرها فحال بينها و بين تتفسها فخارت قواها لتسقط بين يدي حازم الذي صاح بصراخ اهتزت له أرجاء القصر
ماما.
نجمة.
صوتًا في الخلف جعلها ترتجف للحد الذي جعل الكوب يهتز من بين يديها و بريق ذلك السائل الدافئ على ملابسها فاشتعل مكان إصابته فهبت من مكانها حتى كادت أن تقع فامسكها عمار بلهفه وهو يقول
حاسبي. أكده حرجتي نفسك وكتي هتوجعي.
جذبت نفسها من يده وهي تتراجع إلى الخلف ما أن وصل إليها صفوت الذي انخلع قلبه وهو يراها كادت أن تسقط فأخذت تتراجع إلى الخلف وهي تفرق نظراتها بينه و بين عمار الذي أشفق على خوفها الذي يود لو يفعل المستحيل ليمحيه فقال بنبرة متحشرجة
متخافيش. محدش فينا هيجدر يزعلك ولا ياجي چارك. احنا اهنه عشان نحميكي.
همست بحرقة
بعدوا عني.
تحدث صفوت بلوعة
انتِ خايفه مني يا نجمة؟
اومأت بالإيجاب بينما تساقطت عبراتها بصمت ينافي عويل قلبها الضائع في أروقة الحياة دون أي هدي
انا ابوكي يا نجمة اوعي تخافي مني.
همست بخفوت
اني عايزة اروِح.
صفوت بابتسامة مطمئنة
هنروح كلنا متقلقيش.
إجابته باعتراض
لا أني عايزة اروح عند اهلي اللي اني اعرِفهم.
أجابها صفوت بحرقة بينما غلفت عينيه طبقة كرستاليه من العبرات.
احنا اهلك يانجمة. أنا ابوكي اللي عشت محروم منك ستاشر سنة. حقك عليا. والله فراقك ما كان بايدي. انا دورت عليكِ في كل مكان. انا مفيش ليلة نمتها مرتاح وانت بعيد عني. أنا و امك اتعذبنا اوي من غيرك.
أمطرت عينيها ألمًا فاض بن القلب حتى طغي ولم يعد يحتمل فأردف صفوت بتلوسل
تعالي في حضني تعالي في حضن أبوكي و متخافيش يا بنتي.
لا تعرف ماذا دهاها كانت على وشك الرفض ولكن شئ ما جذبها لتلقي بنفسها بين احضان هذا الرجل الذي احتوائها بقوة و كأنها كنزه الثمين و قد كان هذا أول عناق حقيقي تتلقاه في حياتها.
وصل الجميع إلى المشفي فكان أول من قابلهم همت التي قالت بحبور
شيرين فاقت.
ابتهج الجميع و هرولت سما تحتضنها فرحًا و لكن كان هوشعوره مختلف يشبه شخص محتجز في أعماق المياة الدامسة يحبس أنفاسه حتى أوشك على الهلاك والآن فقط استطاع أن يطفو على سطح المياة مُطلقاً نفسًا قويًا خرج من أعماق صدره الذي اخترقه سهمًا مشتعل حين سمع كلمات همت المحرجة
سالم. بصراحة شيرين طلبت تشوفك اول ما تيجي ضروي.
تجاهلت تلك الغصة بقلبها وهي تشعر بيده تشدد من قبضته عليها قبل أن يلتفت ناظرًا إلى عمته وهو يقول بجفاء
خلي بالك من فرح وديها اوضة ماما ترتاح لحد ما ارجعلها.
من عنيا يا سالم.
هكذا أجابته همت بلهفة فالتفت يتطلع إليها بنظرات خاصة مطمئنة فتحت دربًا للراحة و السكينة ليستوطنوا قلبها قبل أن يقول بخشونة
ارتاحي لحد ما اجيلك. مش هتأخر عليكِ.
اومأت بصمت بينما ارتسم على ثغرها ابتسامه بسيطة كان بحاجه إليها قبل أن يلتفت قاصدًا غرفة شيرين التي ما أن اطل من الباب حتى دعته للدخول فقام بجذب أحد الكراسي ليجلس بجانبها وهو يقول باهتمام
عامله ايه دلوقت؟
الحمد لله.
هكذا تحدثت بخفوت لكي لا يزداد ألمها أكثر فقال بنبرة خشنة
حمد لله على سلامتك.
الله يسلمك. ينفع اتكلم معاك شويه؟
هكذا استفهمت بخفوت فأجابها بهدوء.
ينفع بس لما صحتك تتحسن. هنتكلم. هنتكلم كتير اوي يا شيرين.
أغمضت عينيها بخزي فقد كانت لهجته توحي بمدي غضبه منها أو لنقل عتابه لها. فحاولت تجاوز ذلك و قالت بتوسل
أرجوك يا سالم تسمعني و تديني فرصه اشرحلك.
بتر توسلها بلهجته القاطعة حين قال
قولت بعدين يا شيرين. لما تبقي كويسه هنتكلم.
اذعنت لأوامره ولكن داخلها شي ينذر بالسوء لا تستطيع تجاوزه
هسيبك دلوقتي ترتاحي وبكرة أن شاء الله هاجي اطمن عليكِ.
هكذا تحدث فقابلت كلماته ببسمة واهنة وحين كاد أن يفتح باب الغرفة لم تتمالك نفسها وهي تصيح قائلة
الفويس اللي سمعته لفرح يوم فرحكوا كان بصوت حازم.