رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الرابع والخمسون
أُحبكَ هاري. همست بها وهي لا تدري هل سمعها أم لا، لكنها قالتها لتُواجه نفسها بحقيقة الأمر. لقد وقعت في حبه. همست بها دون أن تلاحظ ذلك القابع في الظلام يراقبهما منذ دقائق، يشعر بالدماء تغلي في عروقه وهو يلعن أسفل أنفاسه هل حقاً أحبت شخصاً آخر؟ هل وجدت شخصاً آخر أفضل منه؟ لقد تمكن غرورة منه منذ وقتاً طويل وكان يظن أنها لن ترى غيره ببساطة لأنه لا يوجد خيارات أفضل، لقد كان يُصدق من داخله أن ما حدث في الشهور الماضية هو مجرد موجة غضب لأكثر وأنه بعد خروجه من السجن سيجدها نادمة. ولم يحدث.
بدون ذرة تفكير تحسس السلاح الموضوع في جانب بنطاله، أخرجه وبحركة سريعة ركض نحوهم؛ صوت حذائه قطع هدوء المكان. يلهث بقوة وكأن أنفاسه
علي وشك أن تنقطع أو أن رئتيه ستُنتزع من صدره، يزيد من سرعته وهو يركض، رعشة تسري في جسد ايفدوكيا وصوته الرجولي يصرخ:.
إنها ملكي يتبعه صوت طلق ناري وصرخة تصدر من ايفدوكيا تكاد تتقطع فيها أحبالها الصوتية، أرتجف جسد هاري وعاد للوراء بضع خطوات لتتشبث هي به بقوة، عقلها لا يكاد يستوعب الأمر. لقد حدث كل شيء بسرعة، تعابير الآلم باديه على معالم هاري ودماء تدفق بالقرب من كتفه لكن لا تدري ايفدوكيا من أين تنبثق الدماء تحديداً، الدموع تهرب من عيناها ويُغلق هو خاصته متآلماً.
أحبكَ هاري أحبكَ. صرخت بها ايفدوكيا وهي تثني ركبتيها لتسقط على الأرض وهي تضم هاري بقوة، تتجمع الدموع في عيناها أكثر فأكثر وتنهمر بسرعة كما لم تفعل من قبل، أما عن ليو فوقف يضحك بهستيرية على المشهد أمامه عقله لا يستوعب الكارثة التي أقدم عليها.
أنا بخير. اردف هاري بصوتاً مبحوح بينما توغلت الدماء أكثر في ثيابه ولوثت ثوب وذراع ايفدوكيا.
سأجلب. سأجلب المساعدة. اردفت بتقطع وهي تشهق.
أنتِ ملكي! همس بها بنبرة جنونية بينما أقترب منها بسرعة محاولاً جذبها لتصرخ هي وتحاول التملص منه في الوقت ذاته يركض بعد الماره نحوهم، أربعة أشخاص اثنان منهم يحاولون مساعدة هاري ورؤية أصابته والأثنان الآخرين يحاولون تخليص ايفدوكيا من بين يدي ذلك المخبول الذي يُمسك بها.
ابتعدوا عنها! إنها زوجتي. لم تقوى ايفدوكيا على الرد أو النفي أو فعل أي شيء سوى البكاء والشهيق وهي تحاول الخلاص منه.
لقد قُلت ابتعدوا صرخ بها حينما أقترب منه أحد الشابين، يجذبها ليو بقوة أكثر من الخلف وهو يُمسك بسلاحة ويضعه بالقرب من رأس ايفدوكيا كتهديد.
ابتعدوا وإلا فجرتُ رأسها! صاح بها ليبتعد الشابين بضع خطوات للخلف، شعرت ايفدوكيا بدوار شديد عقلها لا يقوى على استيعاب كم الأحداث السريعة البشعة التي تحدث بين الثانية والآخرى. جسدها كاملاً يرتجف ودموعها تأبى أن تجف، تريد أن تركض نحو جسد هاري المُلقى على الأرض حتى وإن كلفها ذلك خسارة حياتها. تحاول التحرك فيُحكم ليو قبضته أكثر، أشار أحد الشابين لإيفدوكيا بعينيه أن هناك احداً خلفهم تفي غضون ثانية كان هناك شُرطي كام بلوي ذراع ليو ونزع السلاح من يده حاول أن يُفلت من الشرطي لكن بمساعدة الشابين استطاع الشرطي أن يضع الأصفاد المعدنية في يده.
تجثو ايفدوكيا على ركبتيها بإنهيار وهي تشهق بصوت مرتفع قبل أن تسير بترنح نحو هاري.
هل انتِ بخير؟ هل أصابكِ أي مكروه؟ سأل الشاب محاولاً الإطمئنان على الفتاة التي تلوثت ثيابها بالدماء فبات لا يعرف هل هذه دماءها ام دماء الشاب، بالطبع لم يجد رد من ايفدوكيا لذلك أضاف:
لا تقلقِ سيارة الإسعاف في الطريق إلى هنا، سيصبح بخير.
في غضون بضع دقائق كانت سيارة الاسعاف تحمل هاري داخلها بينما تجلس ايفدوكيا إلى جانبه، تعبث في خصلات شعره المُبعثره، كانت تعابير وجهه هادئة مُسالمة تماماً بينما كانت خاصتها تحمل الكثير من الآلم والحزن، كان الجميع يتحدث من حولها لكن عقلها لم يستطيع ترجمة حرفاً واحد.
لا تخاف هاري، أنا هنا إلى جانبك. همست بها وهي تُقبل جبينه بهدوء.
توقفت سيارة الإسعاف أمام المستشفى ليقوموا سريعاً بنقل هاري إلى الداخل، كان المكان مُزدحم لقد انتشر سريعاً خبر إصابة هاري بطلق ناري من شخصاً مجهول الهوية، اكتظ المكان بالصحفيين الذين يحاولون معرفة أي معلومة بشأن الحادث او التحدث إلى ايفدوكيا التي لم تكن واعية تماماً لما يحدث، ساعدها أفراد أمن المستشفى على الدخول دون أن يحتك بها أحد.
توجهت نحو الداخل وعلى الفور جاء طبيب ليفحصها ليتأكد انها غير مُصابة، عدا بصدمة وشبه انهيار لما تعرضت له قبل قليل لكن لا إصابة جسدية، امتلأ المكان برجال الشرطة ليقوموا بالتحقيق في الواقعة أجل لقد قُبض على ليو لكنهم بحاجة لمعرفة المزيد من التفاصيل خاصة وأنا ايفدوكيا كانت جزء من الحادث الذي وقع.
كانت ايفدوكيا ترتجف في مقعدها تنتظر خروج الطبيب من غرفة العمليات ليُطمئنها على هاري، بينما الإزداحم والتوتر الذي كان منتشراً في الأرجاء جعل وضعها أسوء.
سيدة ايفدوكيا نحن في حاجة لبدء التحقيق. تحدث الشرطي بنبرة صارمة فرفعت عيناها الباكية نحوه ولم تُجيب.
سيدة ايفدوكيا من فضلكِ تعاوني معنا لننجز الأمر سريعاً! بنبرة أكثر حدة تحدثت ليزداد بكاءها أكثر، يأتي من خلفة ضابط آخر ويبدو أنه أعلى في الرتبة ليوبخه على أسلوبه العنيف الغير ملائم للموقف.
سيدة ايفدوكيا مرحباً، هل تتذكريني؟ أنا من قام بالقبض على ليو بمنزل هاري. رفعت عيناها حينما سمعت ذلك الصوت لكنها كانت مشوشة فلقد سقطت سماعة أذنها أثناء الحادث فالآن باتت تعتمد على أذن واحدة فقط، لم تجيب لكنها أشارت برأسها ب نعم.
حسناً هل يمكنكِ إخباري على قدر استطاعتكِ ماذا حدث؟ سأل بنبرة مطمئنة ولكن بأعين مُنتبهه للغاية.
ح. حسناً حسناً، لقد كنتُ. برفقة هاري بالقرب. من البحيرة، كنا نتحدث سوياً. أتعلم لقد اعترف لي بحبه. بكلمات يتخللها الشهقات حاولت ايفدوكيا سرد ما حدث بينما حاول هو طمئنتها بين الحين والآخر.
لا ادري من أين. من أين جاء ذلك اللعين! لا أدري كيف حدث الأمر لكن هاري سقط بين ذراعي غارقاً في دمائه. أخبرته لتنهار في آخر جملة ويرتجف جسدها بقوة بينما يتعالى صوت بكائها حتى كادت أحبالها الصوتية أن تتمزق.
صه سيدة ايفدوكيا هو سيصبح بخير، لا تقلقِ لن يستطيع ذلك الوغد الإقتراب منكم مجدداً.
لقد قلت ذلك في المرة السابقة وانظر ماذا حدث! لامته ايفدوكيا من خلال حديثها ليصمت هو لثوانٍ ثم يوضح:
الأمر يختلف هذه المرة، لقد كانت هذه محاولة قتل ليس شجار أو حادثة اعتداء عادية، لن يستطيع الإفلات منها هذه المرة.
أتمنى أن يُمحى ليو من الوجود لا أريد أن اسمع اسمه مجدداً! قالت لينظر نحوها بأسى ثم يُردف:
سيحدث، لكن لنطمئن على هاري أولاً حتى يمكننا أخذ إفادته هو ايضاً.
رحل عنها لتجلس هي بالقرب من غرفة الطوارئ في انتظار خروج الطبيب لطمئنتها بشأن هاري وهي تشعر بقلبها يتمزق، لقد تسببت في آذية هاري مجدداً، لن تقدر على مسامحة ذاتها إن أصابه أي مكروه. ستكرها السيدة آن للأبد وربما چيما كذلك. سيلعنها نايل وستتحمل عواقب كل ما حدث وحدها.
مرت نصف ساعة حتى ظهر الطبيب بثوب العمليات، هرولت نحوه ايفدوكيا:
ماذا حدث؟ هل هاري بخير؟ هل هو على قيد الحياة. سألت بتوتر شديد دون أن تترك مجال للطبيب كي يُجيبها.
اهدأي هو بخير، لقد استطعنا استخراج الرصاصة التي اخترقت كتفه ومن حسن حظه أنها لم تُصيب مكان غاية في الحساسية.
متى سأتمكن من رؤيته؟
سيبقى في للعناية المشددة لبعض الوقت كي نطمئن عليه وبمجرد أن يسترد وعيه ونتأكد أن كل شيء على ما يرام سنقوم بنقله إلى حجرة عادية.
حسناً اشكرك كثيراً تحدثت وهي تبتسم بإمتنان بينما انهمرت دموعها وهي تحمد الله بداخلها أنه بخير على الأقل نسبياً.
ايفدوكيا، هل انتِ بخير؟ جاءها صوت بيرت المرعوب لتضمها ايفدوكيا وتبكي مجدداً، تفصل بيرت العناق لترى إن كانت ايفدوكيا قد أُصيبت.
أخبريني ماذا حدث؟
لقد أخبرتكِ بيرت، لقد أخبرتكِ ولم تُصدقيني. تحدثت من بين شهقاتها.
أخبرتيني بماذا؟
أن ليو حراً طليق. لقد أصاب هاري وحاول قتلي أنا ايضاً.
ماذا تقولين بحق الجحيم؟ اللعنة على ذلك المسخ. هل. هل قال الطبيب أي شيء بشأن هاري؟
أجل. لقد قاموا بنقله إلى غرفة العناية المشددة.
ايفدوكيا. انتِ بحاجة إلى العودة إلى المنزل والإستحمام والحصول على قسط من الراحة بعد ما حدث. اردفت بيرت وهي تربت على قدمها بخفة.
لا يمكنني فعل ذلك، لا يمكنني تركه وحيداً بيرت.
لبضع ساعات فقط ايفدوكيا حاولت إقناعها لكن كان يبدو على ايفدوكيا الرفض الشديد.
سأبقى هنا حتى يستيقظ. أخبري أمي وأبي أنني اضطررت إلى العودة لباريس لأي سبب. وأتمنى ألا يكتشفوا كذبي من خلال الصحف.
لا تقلقِ. سأذهب سريعاً لأحضر لكِ ثياب آخرى، ابقِ هنا حسناً.
حسناً. أجابت بإستسلام بينما تعبث في ثوبها الجديد الذي أصبح بالياً الآن، مر الوقت بطيئاً مملاً ومخيفاً كذلك، كلما حاولت أن تهدأ من روعها يتكرر المشهد أمام عيناها مجدداً. صوت الطلق الناري. سقوط هاري. دمائه التي لوثت كل شيء من حوله. توجهت نحو دورة المياه لتقوم بوضع رأسها أسفل الصنبور. رعشة تسري في جسدها لكنها لا تهتم وتبقى على تلك الحالة لبضع ثوانٍ ثم ترفع رأسها.
لقد عدت، إلهي لما انتِ مبتلة بهذا الشكل؟
أين الثياب؟
تفضلِ، لم يبدو على والدتكِ الإقتناع كثيراً لكني استطعت تدبير الأمر نوعاً ما.
جيد.
لقد تحدثتُ إلى نايل إنه قادم، لقد اخفى الأمر على السيدة آن.
جيد. أجابت ايفدوكيا الإجابة ذاتها مجدداً فعقلها لا يستطيع ترجمة ما تقوله بيرت وقولها ليس مهم بالنسبة إليها الآن.
ساد الهدوء للبعض الوقت قبل أن تقترب ايفدوكيا من بيرت وتضع رأسها على كتفها، تُغمض عيناها ولا تشعر بأي شيء آخر.
بعد مرور ما يقرب من الساعة ونصف تقريباً تفتح ايفدوكيا عيناها لتستوعب أنها غفت على كتف بيرت التي غفت بدورها ايضاً وهي جالسة، تُعدل من وضعيتها وتشعر بآلم شديد يجتاح فقرات ظهرها، تنظر نحو باب الإستقبال لتجد نايل يهرول نحو الداخل وبرفقته شابين آخريين.
ايفدوكيا! أين هاري؟ ماذا حدث؟
في العناية المشددة. لكن طمئنني الطبيب نسبياً.
كيف حدث ذلك الأمر.
طلق ناري. اردفت بسهولة ليدرك نايل أنها على الأغلب متعبة من سماع ذلك السؤال، كما بدا عليها الإرهاق الشديد مع انتفاخ عينيها.
نايل متى آتيت. اردفت بيرت التي استيقظت للتو، عادت ايفدوكيا لتجلس مجدداً متجاهله الأحاديث الجانبية، مر المزيد من الوقت بينما تتأمل ايفدوكيا أرضية المستشفى في صمت، تلمح بعيناها حركة غير عادية في الأرجاء فتتوجه نحو أحدى الممرضات.
ما الذي يحدث؟
لقد استرد السيد هاري وعيه، سيذهب الطبيب ليتأكد أن كل شيء على ما يرام. ابتسمت ايفدوكيا ابتسامة واسعة وهي تبكي بهستيرية.
ماذا قالت؟ سألتها بيرت.
لقد استرد هاري وعيه. أجابتها لتضمها بيرت بقوة، تقف ايفدوكيا بالقرب من غرفة العناية لبضع دقائق حتى تجدهم يُخرجون هاري من غرفة العناية المشددة، كان على ناقلة بيضاء نصف السفلي مُغطى بينما العلوي عاري مع وجود ضمادات طبية ومسند لكتفه المصاب، كان وجهه مسترخي للغاية فعلى ما يبدو أنه لم يسترد وعيه كاملاً.
هاري أنا هنا إلى جانبك. كان هذا آخر ما همست به ايفدوكيا قبل أن تسقط فاقدة لوعيها.
في صباح اليوم التالي، تفتح ايفدوكيا عيناها ببطء وآلم شديد يجتاح مؤخرة رأسها، تنظر حولها لتجد نفسها ممددة على سرير أبيض اللون وفي يدها محلول طبي، وبيرت نائمة على أريكة في زاوية الحجرة.
بي. بيرت. خرج صوت ايفدوكيا مبحوحاً لكن عقل بيرت كان منتبهاً لذا استيقظت فور سماعها لنداء ايفدوكيا.
إلهي حمداً لله على سلامتكِ.
ماذا حدث؟ سألت ايفدوكيا وهي تُعدل من وضعيتها فتجلس بدلاً من التمدد.
لقد فقدتِ وعيكِ فور رؤية هاري.
هاري! هاري. وكأنها تذكرت الأمر، انتفضت من مجلسها ونزعت المحاليل من يدها لكن سرعان ما أصابها الدوار فكادت أن تسقط لولا أن أمسكتها بيرت.
ايفدوكيا على رُسلكِ يا فتاة! سنذهب إليه لا داعي للعجلة!
حسناً حسناً، لنذهب. اردفت ايفدوكيا بهدوء وهي تستند على يد بيرت وتسير بوتيرة أكثر هدوءاً.
طرقت الباب بخفة قبل أن تفتحه دون انتظار رد، كانت تنتظرها بيرت بالخارج أما عن هاري فكان ممداً على السرير عيناه مُغلقه بينما أعصاب وجهه كانت مرتخية.
هاري؟ همست بصوت خاف لكنه لا يُجيب ولا يفتح عيناه لذا أدركت انه نائم على ما يبدو.
إلهي هاري انتَ لا تعلم كيف كان شعوري حينما سقطت أمامي غارقاً في دمائك. لقد كدت أفقد عقلي. تخلل حديثها بعض الشهقات.
أنا أحبكَ هاري. أفعل وبشدة. همست بها وأغلقت عينها لثوانٍ سامحة لدموعها بالإنهمار.
و هل. كان. يجب على. الإصابة بطلق. ناري حتى. تقوليها؟ تحدث هاري بتقطع وهو يبتسم، لتشهق هي.
أيها ال، هل كنت مستيقظ طوال الوقت. اردفت بغضب ممزوج بالمزاح وهي تلكمه في ذراعه بخفة ليُمسك بكتفه ويتأوه بآلم.
إلهي اعتذر. اعتذر لقد نسيت.
لا بأس. أنا حقاً لا أصدق أنكِ تفوهتِ بتلك الجملة اخيراً ايفدوكيا. هذا حُلمِ منذ أن كدت أن أصدمكِ بالسيارة.
هذا رومانسي للغاية، اردت مني أن اخبرك انني احبك وانت تدهسنيِ أسفل عجلات سيارتك. قالت بسخرية ليقهقه ثم يُمسك بكتفه متألما.
هل قامت الشرطة بالتحقيق معكِ. بشأن. ما حدث. كان يقطع حديثه بعض التآوه من الآلم.
لقد فعلوا. وكفى ثرثرة أنتَ مُتعب بالفعل.
حسناً.
سأترككَ لتستريح قليلاً.
لا تفعلي، ابقي هنا. اردف ثم أغلق عيناه لبضع ثوانٍ، ساد الهدوء في المكان وانتظمت انفاسه بينما جلست هي على طرف السرير متأملة ملامحه الملائكية الهادئة، كيف لشخص بهذا الجمال والحنان أن يتعرض لهذا الكم من الآلم؟ إنه لا يستحق ما يُصيبه.
جلست لبضع دقائق قبل أن تُغادر الغرفة بهدوء كي لا توقظه وتتجه نحو الخارج لتجد نايل وبيرت يتحدثون سوياً.
لقد غفى.
هل هو بخير الآن؟ سألت بيرت لتومئ ايفدوكيا بهدوء، لمحت ايفدوكيا بعيناها الضابط مجدداً ريان تقريباً كان ذلك اسمه، كان يتحدث إلى ضابط آخر وبطبيعة الحال لم تستطع ايفدوكيا أن تختلس السماع لحديثهم لذا قامت بحجة البحث عن دورة المياه، كانت تسير بالقرب منهم لم تستطع فهم ات سماع أي شيء سوى اسم: أليكس كولين.
تجمدت مكانها حينما سمعت اسمه ليلتفت ريان إليها.
سيدة ايفدوكيا كيف حالكِ الآن؟ لقد اردت التحدث إليكِ مجدداً.
أنا بخير. يمكننا التحدث. كانت ملامح وجهها مضطربة والأمور قد تداخلت داخل عقلها.
لقد بدأت التحقيقات مع ليو كما أخبرتكِ، ولقد تحدثت إلى السيد هاري ربما سأكون بحاجة للتحدث إليه مجدداً لكنني تركته لينال قسطاً من الراحة والآن أريد أن أعرف هل كنتِ تعملين حقاً في شركة أليكس كولين؟
أجل هذا صحيح ومازلت اعمل هناك لم استطع الذهاب إلى العمل منذ مدة لأن قدمي مصابة.
أليس من الغريب أن تعملي في شركة منافسة لشركة ستليلز؟
لا، لا أرى أي شيء غريب في الأمر لقد تركت العمل في شركتي القديمة ووجدت عمل في آخر لم أكن أعلم وقتها انها شركة منافسة لخاصة هاري.
هل تعلمين أن هناك علاقة تجمع ما بين ليو وأليكس كولين؟
ماذا؟ سألت ايفدوكيا بصدمة كبيرة، إذا ما رأته كان صحيح! لقد كان ليو في صورة أليكس.
بالطبع لم اكن أعلم ذلك لو كنت علمت لكنت ابتعدت عن تلك الشركة اللعينة منذ اليوم الأول.
في الواقع لقد قام أليكس بدفع غرامة ليو وإخراجه من السجن بعد أن قام بتوقيع أوراق تنص بعدم التعرض لكِ أو لهاري، لم أعلم بهذا الأمر سوى من مدة قريبة حاولت التواصل مع هاري لتحذيره لكنه لم يجيب قط.
إلهي! هذا لا يصدق. اضطربت معالم وجهها أكثر فأكثر، شعرت بالمكان يدور من حولها.
هل انتِ بخير؟
أجل. أجل. أنا فقط عقلي لا يقوى على الإستيعاب.
من فضلك أحضر لها كوباً من الماء. طلب أليكس من أحدى الممرضين ليمنحه كوباً.
أنا بخير الآن، الأمر فقط أن ليو حاول إخافتي عدة مرات لكن كان يظن الجميع أنني أعاني من هلاوس. لأنه لم يكن يظهر إلا في الأوقات التي أكون فيها وحيدة. امتعض وجه أليكس كثيراً، صمتت قليلاً ليُفكر ثم نظر إلى ايفدوكيا نظرة لم تفهمها.
هل كان هناك خلاف بينكِ وبين هاري؟
لا، فقط لم نتحدث منذ مدة طويلة لم يكن بخلاف كما هو متعارف عليه، ولا تروق لي تلك النظرة أيها الضابط.
أي نظرة؟
نظرة الشك، هل تظن حقاً أنني سأساعد أولئك الأوغاد لإيذاء هاري؟ هل هذا ما تُشير إليه؟ صاحت ايفدوكيا بغضب ليلتفت الجميع نحوهم ويقترب نايل وبيرت منهم.
سيدة ايفدوكيا اهدئ أنا فقط أحاول التفكير وربط الأحداث ببعضها.
لا لن اهدأ، هل تعلم من المدد في فراش المرض بالداخل؟ هذا حبيبي! الذي تخليت عن الكثير من أجله وهو مخلصي من ذلك الخنزير الذي كان زوجي، كيف لكَ أن تفكر أنني قد أفعل به شيء شنيع كهذا!
انا حقاً لم أقصد، لكني أحاول التفكير في جميع الاحتمالات.
وأن أحاول قتل هاري هو احتمال منهم؟ إلهي. تحدثت بضيق واشمئزاز قبل أن تغادر المقعد وتتجه نحو غرفة هاري مجدداً، تجلس على الأريكة في زاوية الغرفة وتغفو دون أن تشعر.
ايف، ايفا يا ذات الرأس الناعس. تحدثت هاري بهمس وبصوت مبحوح بعض الشيء لتفتح عيناها ببطء.
لقد استيقظت؟
أجل منذ نصف ساعة تقريباً وقد جاء ريان وتحدث إلى خلال نومك.
اوه جيد. امتعض وجهها حينما سمعت اسم الضابط.
لقد أخبرني بشأن محادثتكم ولقد وبخته لا تقلقِ.
لا يهم كل هذا الآن، ما يهم هو ان تتحسن صحتك. ابتسمت ايفدوكيا وجلست تتأمله.
مرت ثلاثة أيام والأوضاع كانت مستقرة حالة هاري في تحسن مستمر، كانت تقضي ايفدوكيا أغلب اليوم برفقته هو ونايل وبيرت وفي المساء يذهب كلاً من بيرت ايفدوكيا إلى فندق قريب من المستشفى ثم يعودا مجدداً في الصباح.
ايفدوكيا أود أن أطلب طلباً منكِ.
بالطبع هاري.
حسناً بشأن العمل. يجب عليه أن يكتمل في موعده المحدد.
صه هاري. لنطمئن أن انكَ أصبحت بخير أولاً ثم نفكر في العمل.
لا، فلن يتوقع أحد أن يتم عرض الأزياء وغزو الأسواق بالمجموعة الجديدة أثناء مرضي.
الخطة جيدة لكن ردِ هو لا.
ايفدوكيا. من فضلك. لقد وضعت تقريباً معظم أموالي في تلك المجموعة الجديدة، هذه فرصتي الأخيرة لإمتلاك الأسواق مجدداً والنهوض على قدمي.
حسناً هاري. لا تقلق سأحاول أنا وبيرت ونايل جاهدين فعل كل ما يتتطلبه الأمر لنجاح هذه المجموعة.
وشيء آخر، عليكِ تقديم استقالتكِ من تلك الشركة اللعينة والعودة إلى خاصتي.
كنت أفكر في ذلك، لكن ماذا عن العقد؟
إن لم يفلح الأمر باللين سأفعل ما بوسعي لأخلصكِ من تلك اللعنة، على أي حال لقد تم استدعاء أليكس للتحقيق فلن يكون في وضع يسمح له بالتفكير في موظفة تركت العمل.
لكني لستُ كأي موظفة بالنسبة له. امتعض وجه هاري حينما سمع جملتها واشتدت قبضة يده في غضب.
لا اقصد ذلك بالمعنى الحرفي، أعني هو لم يقوم بتعينِ بمحض الصدفة لقد فعل ذلك عن عمد لإغاظتك.
ايفدوكيا المحاولة لن تأخذ منكِ الكثير.
حسناً سأفعل. اردفت وهي تبتسم لتصرفات هاري والتي لها دلالة واحدة فقط: الغيرة.
ثلاثة أيام آخرى مرت حتى سُمح لهاري مغادرة المستشفى وفي ذلك الوقت اضطر جميعهم أن يعودوا إلى باريس مجدداً، وكانت ايفدوكيا على اتصال دائم بوالديها لتطمئن أن كل شيء يسير بشكل صحيح.
عاد هاري إلى منزله لتستقبله چيما بحرارة، كان متوتر كثيراً من لقاء والدته التي ستصدم عند رؤية إصابته لكنه لم يجد حلاً آخر، بالطبع لم يذكر أمامها أن الأمر يتعلق بإيفدوكيا من قريب أو من بعيد.
كانت حالة زوج والدته قد بدأت في التحسن كذلك لذا كان المنزل يحوي أجواء عائلية سعيدة، ومع بداية اليوم التالي ذهب هاري إلى منزل نايل ليبدأ العمل وهناك كان ينتظرهم ايفدوكيا وبيرت وموظف وموظفة آخرى من الذين يثق هاري بهم كثيراً ليبدأو العمل على التصاميم الجديدة سوياً.
كانت تعمل ايفدوكيا بشغف شديد ففي نهاية الأمر كانت هذه التصاميم فكرتها ومع تشجيع الجميع لها استطاعت إنجاز قدر كبير من العمل، كان ينظر نحوها هاري من وقتاً لآخر ليرتسم على ثغره ابتسامة واسعة.
قاطع عملهم صوت رنين هاتف هاري ليُشير لهم بأن يُكملوا بدونه، بضع دقائق ثم يعود مجدداً ويطلب من ايفدوكيا أن يتحدث إليها على إنفراد.
بالطبع سيد هاري. قالت برسمية شديدة لتغادر الطاولة وتقف أمامه بالقرب من المسبح.
لدي أخبار جيدة.
حقاً؟
أجل.
أخبرني لا أطيق الإنتظار! تحدثت بحماس ليقهقه هاري.
سيُحاكم ليو عن قريب وليس هذا فقط بل إن أليكس متورط ايضاً في الأمر.
حقاً؟ هذا عظيم! لكن كيف تورط أليكس في الأمر؟
لقد اعترف ليو أن أليكس كان يقابله أثناء الفترة التي قضاها في السجن وأخبره أنه سيدفع الكفالة المطلوبة وفي مقابل ذلك سيساعده ليو على أن يدمر الشركة خاصتي والتخلص مني وفي هذه الحالة سيحصل ليو على الحرية، وظيفة، سينتقم مني وأخيراً سيحصل عليكي مجدداً.
ذلك الوغد، ال اتسعت عين هاري ونظر نحوها بدهشه هو لم يراها غضبة بهذا الشكل من قبل وتسب؟
في الواقع هذه الأسباب وحدها لم تكن كافية لأن أليكس يستطيع نفسي كل ما قاله ليو لكن المشكلة تكمن في أن السلاح الذي استخدمه ليو هو في الأساس يخص أليكس وأليكس من منحه أياه وتوجد رسالة يُخبره فيها أليكس أن يأخذ سلاحه، لذا لا يمكن أن يدعي أن ليو سرقه.
إذا هو مشترك في جريمة الشروع في قتل مثله مثل ليو.
تقريباً، بالإضافة إلى بعض الشكاوى الإضافية التي قدمها بعض الأشخاص ضده بشأن أمور آخرى لذا يمكننا أن نقول أن ودعنا تماماً أليكس وليو. لمعت عين ايفدوكيا بسعادة لسماعها تلك الجملة ودون ان تشعر امتلأت عيناها بالدموع قبل أن تقفز في مكانها وهي تصرخ:
أجل. أجل واخيراً لقد انتهى الكابوس!
أجل حبيبتي. لقد انتهى تماماً. اردف بهدوء وهو ينظر مباشرة إلى عيناها بينما تداعب نسمات الهواء خصلات شعر كليهما.