قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية المشاكسة المتمردة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية المشاكسة المتمردة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

رواية المشاكسة المتمردة للكاتبة منال سالم الفصل الثاني

ظللت حبيسة السيارة بعدما توقفت بالقرب من منطقة المقابر، وخرج منها هذا الشرير الفظ الذي لم يكف عن مضايقتي، وكأن في ذلك متعة خفية له، دُرت ببصري محاولة رؤية محيط المكان، ومع ذلك لم أتمكن بسبب ارتفاع الشواهد الرخامية، وكذلك إحاطتها بالأشجار الشاهقة. بعد بضعة دقائق لمحت أحدهم يمر من الجانب الآخر وهو يحمل بين ذراعيه إحداهن، ظننت أنها فاقدة للوعي، فهذا ما بدا عليه المشهد من بعيد، سرعان ما تدلى فكي للأسفل عندما تعرفت إلى صاحبة ذلك الوجه الناعم عندما ظهرت ملامحها في مرمى بصري، برزت عيناي في ذهول، وهتف لساني بغير تصديقٍ: -إنها ريانا!

ضممت أصابعي معًا لأشكل قبضة قوية، ثم طرقت بتعصبٍ على الزجاج، وصوتي ينادي عاليًا: - ريانا! أنا هنا!

أصابني التوتر والخوف حينما تجاوزتني بعدة أمتارٍ، كما انخلع قلبي وعصفت به موجة من الارتعاب الشديد حين رأيت ذاك الغليظ يتقدم هو الآخر تجاهها، ومن ورائه شخص ثالث أجهل هويته، توقعت أن يمارس هذا المتوحش معها نفس الأسلوب العنيف الذي لجأ إليه معي لاختطافي، عجزت عن رؤية ما يدور في الأمام، فقد حُجبت الرؤية عني، قفزت في مقعدي، ولم أكف عن الطرق على النافذة محاولة بكل جهدي لفت الأنظار وإثارة انتباه أي فرد قد يكون متواجدًا بالأرجاء؛ لكن دون جدوى، وكأن المكان قد صار يخلو فجأة من البشر!

واصلت الصراخ وأنا أهدد تهديدًا فارغًا:
-اتركوا شقيقتي، وإلا لن أدعكم تفلتون من العقاب!
اتسعت عيناي أكثر حينما رأيت ريانا ممددة على الأرضية، قبل أن يقوم أحدهم بحملها، وإبعادها، وقتئذ أصبحت أكثر تشنجًا وعصبية، وارتفعت نبرتي الصارخة للغاية:
-ما الذي فعلتموه لها؟ أيها الأوغاد!

تعلقت نظراتي بهذا الغليظ الذي استدار وتوجه ناحيتي، كان يبتسم بشكلٍ يستثير الأعصاب، ويدفعك لشفير الجنون، وجدته يلوح لي بيده من وراء النافذة، كأنما يتعمد إغاظتي، قبل أن يفتح القفل الإلكتروني لباب السيارة، ليتمكن من الدخول. تحفزت في جلستي، واتخذت وضعية الهجوم، فبمجرد أن انحنى قليلًا للأسفل استعدادًا لمكوثه بجواري، سددت له لكمة مباغتة في وجهه جعلته يتأوه من الألم، احتلت قسماته هذه النظرة المذهولة ليعلق بعدها وهو يتحسس فكه:.

-أنتِ حقًا تسعين لحتفك!
حين مال بوجه مجددًا ناحيتي ليخاطبني، أوشكت على تسديد واحدة أخرى في نفس الموضع؛ لكنه تمكن من إيقاف قبضتي في المنتصف، وأطبق على يدي بقوةٍ شعرت بها تفوق ما أملك بكثير، نظر إلى بحدةٍ معلقًا عليّ:
-لا أظن أنكِ تريدين فقد ذراعك والعيش بواحدة، أليس كذلك؟
لم أنجح في استلال يدي من بين أصابعه المطبقة عليها، ورغم ذلك ظللت أتسلح بشجاعتي اللحظية، وسألته في انفعال:
-ماذا فعلت ل ريانا؟

أجبرني على إفساح مساحة له للجلوس بجواري عندما استقر بالمقعد الخلفي تاركًا كف يدي، ثبت نظراتي المحتقنة عليه وهو يجاوبني:
-كانت بحاجة للاسترخاء وتهدئة أعصابها، وأنا منحتها الوسيلة المناسبة...
لم أصغِ إلى باقي ما يقوله لأني رأيت والدتي تظهر بصحبة بعض الأفراد، تلقائيًا هتفت باسمها، وكأن في الاجتماع بها راحة عظيمة رغم الظرف العصيب:
- صوفيا!
حينئذ أغلق باب السيارة، وقال محذرًا في صرامةٍ:.

-من الأفضل لكِ ألا تثيري أي جلبة في المكان، وإلا لجعلتها تتمدد إلى جوار خالك العزيز.
في التو نعته بحنقٍ متزايد:
-أنت وغد لعين.
ضحك في استخفافٍ، وعقب ببرود ضاعف من غيظي:
-أشكرك على هذا الإطراء اللطيف.
رغم يقيني أنها محاولة غير مجدية، إلا أني قمت بتحريك المقبض الخاص بالباب المجاور لي لأترجل من السيارة وأنا أهتف بتصميمٍ:
-أريد رؤية أمي.
جذبني من ذراعي بخشونةٍ ليلصق ظهري بجلد المقعد، وقال في حزمٍ:
-ليس الآن.

التفتُ ناظرة إليه بحدةٍ، وصحت مستنكرة:
-ماذا؟
نظر أمامه متابعًا كلامه بلهجته التقريرية:
-لاحقًا ستتمكنين من اللقاء بها.
قضى على أي فرصة للجدال معه قبل أن تتواجد من الأساس، ووجه أمره للسائق الذي استقر في مكانه بالأمام:
-هيا، تحرك.
تلفحت مضطرة بالصمت ريثما أصل إلى وجهتي وأتقابل معها –وكذلك والدتي- وجهًا لوجه، فلا طائل لي للتشاجر معه في الوقت الحالي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة