قصص و روايات - قصص خيال علمي :

رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل التاسع

رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل التاسع

رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل التاسع

المكان: كوكب الأرض
الزمان: بعد مرور 19 عاماً
فتحت عيناها على صوت المنبه الذي عادت لتسمعه في الصباح من جديد. تأففت بضجر ثم ضغطت على زر المنبه عدة مرات حتى سكت رنينهُ المزعج ثم عادت كعادتها إلى تغطيت رأسها بغطاء سريرها الناعم الصوفي. لم يمض وقت طويل على غفوتها حتى اقتحم أحدهم الغرفة.

فيوليت، متى ستكبرين؟ قالت متذمرة ثم اندفعت نحو النافذة الكبيرة لتزيح الستائر عنها و لكن المستلقية على السرير لم تحرك ساكناً. تقدمت نحوها و سحبت الغطاء قائلة هيا يا وردتي، انهضي لا تكوني كسولة أنه أول يوم للسنة الجامعية الجديدة
تذمرت فيوليت ثم قالت: أمي اليوم هو أول يوم دعيني أنام لأخر مرة فقط، حضوري ليس مهماً اليوم.

هيا زهرتي الجميلة انهضي و كفي عن التكاسل قالت والدتها بينما كانت تقف واضعةً كلتا يديها حول خصرها النحيل.
تحركت فيوليت ببطء ثم جلست تفرك عينيها الناعستين.

هيا زهرتي ارتدي ملابسك و انزلي لتتناولي فطورك قالت والدتها مبتسمة ثم اتجهت نحو الباب خارجة.

زفرت فيوليت بانزعاج ثم نهضت مجبرة نحو الحمام لتغسل وجهها و اسنانها. وقفت تطالع خزانتها المليئة بالملابس ثم التقطت ما وصلت إليه يداها فلم تكن بمزاجٍ جيد لتقف لساعات تختار ملابسها. سرحت شعرها الكستنائي الطويل و تركته ينسدل على أكتافها وصولاً إلى منتصف ظهرها، لم تكن فائقة الجمال و لكن كان جمالها فريد من نوعه وجذاباً. انتهت من تجهيز نفسها و أعدت حقيبتها الصغيرة ثم نزلت السلالم متجهةً نحو غرفة الطعام حيث انتظرتها والدتها بعد أن أعدت فطوراً لذيذاً. جلست بهدوء بجانب والدتها تتناول فطورها.

أين أبي؟ أليس من المفترض أن يكون هنا اليوم قالت فيوليت لوالدتها
ابتسمت والدتها ثم أردفت مبتسمة:
أنه هنا و لكنه كسول مثلك
ضحكت فيوليت ثم قالت:
ماذا عساك تفعلين؟ يجب أن تتحملي زوجك و ابنتك
نعم للأسف أجابتها بينما قطع حديثهما وصول ربُّ الأسرة.

صباح الخير قال ثم جلس مكانه.
أخيراً استيقظت الفريد، أنت و ابنتك تتعبانني قالت ساندرا متذمرة.

تعرفين عملي كثير و كبرت بالسن و أصبحت عجوزاً و لكن عندما كنت شاباً لا أذكر أنني كنت كسولاً كابنتك قال ساخراً ثم ألقى نظرةً سريعةً على فيوليت.
لم تصبح عجوزاً ما زلت شاباً ثم فيوليت تتعب أيضاً، أنا لا أتعب من إيقاظكما فقط أمازحكما ابتسمت محاولةً تغير الموضوع.

لا تحاولي تبرير كسل ابنتك و عدم شعورها بالمسؤولية رغم أنها لم تعد طفلة و أنتِ ما زلت تحملين مسؤوليتها حتى هذه اللحظة
استقامت فيوليت و سحبت حقيبتها و هبت بالخروج بغضب بينما تبعتها والدتها.

فيوليت انتظري إلى أين؟ قالت ساندرا عاقدةً حاجبيها بانزعاج و لكن فيوليت لم تتوقف لتحادث والدتها بل قالت على مضد قبل أن تقفل باب البيت إلى الجامعة لقد تأخرت
وقفت ساندرا حزينة تطالع الباب المغلق أمامها و صوت إغلاقه ما زال يتردد على مسامعها. عادت حيث يجلس زوجها الفريد بينما كان هو يكمل افطاره غير مكترث لما حدث للتو.

الفريد، أرجوك كف عن إزعاج الفتاة قالت منزعجة.
رفع رأسه عن الطبق أمامه ليواجه عينيها المتوهجتين بحزنٍ و غضب في آنٍ واحد ثم أردف ببرود:
أنا لا أزعجها ساندرا ثم يكفي أنت تعامليها كطفلتك المدللة و لا ترفضين لها طلب
هذه ليست أول مرة تعاملها هكذا و ليس هذا الموقف وحده ما جعلها تخرج هكذا غاضبة قالت بينما احتدت نبرة صوتها معاتبةً زوجها.

دفع الكرسي بغضب ثم اتجه نحوها غاضباً و اقترب منها رافعاً سبابته في وجهها و عيناه تتوهج غضباً: اسمعي ساندرا، هل تذكرين من تسعة عشر عاماً عندما رضخت لطلبك السخيف بإبقاء تلك الفتاة بيننا؟ هل تذكرين كم تعرضت للشكوك بسبب ذلك الاقتراح الأحمق؟ لبيت ما تريدين و رضخت لما طلبتي لي في تلك الحقبة، ماذا تريدين بعد؟ و كيف تتجرئين على طلب المزيد مني ألم تكتفي بعد؟ قال يصك على أسنانه بغضب بينما ابتلعت الصدمة ساندرا و هي تقف تحدق به دون أن تتكلم.

استفاقت من صدمتها لتردف بغضب رافعةً صوتها: استكثرت عليَّ هذه السعادة؟ ماذا تريد مني؟ فقط كف عن إزعاجها، كف عن إزعاج ابنتي.

أمسك مقدمة ذراعها ثم ضغط عليها قائلاً: لا شأن لك أبداً و ليس من حقك أن تعلقي بشيء نهائياً، بل يجب أن تشكريني على تحملي لكل تلك السنوات قال بغضب لتطالع بريق عينياه اللتان ابتلعتاها و صرير أسنانه الذي زاد من توترها و لكن لم يدم الصمت طويلاً حتى قطع أوصاله بجملته المحطمة هذه ليست ابنتك يا ساندرا رفع ذراعها ليهزها بجنون متبعاً ليست ابنتك و لن تكون ابنتك، أنت لم تنجبيها و مهما دللتها و سمعت لفظ أمي من شفاهها لن يغير الحقيقة، أنت عقيم يا ساندرا.

كانت هذه أول مرة تسمع منه هذه الكلمات الجارحة و هو لم يدرك ما أنجرف لسانه إليه و ما جاء به غضبه من تحطيم قلبها إلى أشلاء متناثرة. كانت تلك الكلمة اللعينة تتردد على مسامعها لتقتلها عقيم كلمة خلقت لها عقدة لم يحلها الزمان و ما إن كادت ترتخي حتى عاد الفريد ليحكم ربطها على أنفاسها و قلبها من جديد. سماعها تخرج من شفتيه كان كأثرها عليها عندما نطق بها الطبيب منذ أكثر من عشرين عاماً لتثير رعبها و تحبس أنفاسها و تسحب منها كل ما يربطها بالسعادة.

وقفت تحدق به بعينين فارغتين و ما إن استطاعت الهروب من قضبان تلك الصدمة حتى حررت ذراعها من يده بجنون و صرخت في وجهه باكية: لماذا تفعل هذا بي؟ أذهب و عش مع زوجتك التي تزوجتها كآلة لإنجاب الأطفال، لم ارغمك على العيش مع فتاةٍ ليست بابنتك اذهب حيث أطفالك. أذهب و لا أريد أن أراك. هيا أذهب لا تبقى مع عجوز عقيم.

أدارت وجهها راحلة و شهقات بكائها تتعالى مع خطواتها المثقلة.

ساندرا، انتظري أنا آسف لم أقصد لا أعرف ما الذي دهاني قال متلعثماً بعد أن استيقظ من غيبوبة غضبه التي جعلته بلا وعي.

لا تعتذر فقط قالت بصوت مكتوم ثم أتبعت فقط كف عن تجريحي، لست أجهل الحقيقة بل هي تلاحقني في كل دقيقة، أتذكرها كلما نظرت إلى وجه فيوليت صمتت تبكي بألم ثم قالت من بين شهقات بكائها المكتومة أتذكر و قلبي يتمزق إلى أشلاء قلبي جريح لتلك الحقيقة يا الفريد، لست بحاجة إلى تجريحك فأنا لا أرحم نفسي من الآلام.

نظر إليها بحرقة و هي تبكي و هو يدرك حماقة ما تفوه به و كم كان عديم الأخلاق و الرحمة ليمزقها بتلك الكلمات و يكوي جرحها الذي لا يشفى.

اقترب منها و عانقها مكرراً اعتذاراته ثم همس لها أعدك أن أعاملها بطريقة أفضل و أن لا أكرر ذلك الكلام الجارح مجدداً.

مشت فيوليت على غير هدى، كان الوقت مازال مبكراً على بدأ المحاضرات لهذا اليوم. قررت أن لا تخرج بسيارتها الخاصة اليوم و أن تسلك طريقها إلى الجامعة مشياً على الأقدام فهذا يريحها و يخفف من هيجان مشاعرها المضطربة و أفكارها السلبية القاتلة. بين الأبنية الشاهقة و على الرصيف الطويل مشت تشتم روائح المدينة العديدة بينما تكثر روائح الدخان المزعجة في الجو نتيجة السيارات و المصانع الكثيرة. أخيراً وصلت حيث عالمها الجميل، الحديقة العامة المفضلة لديها ذات الأشجار الشاهقة و الأزهار المتفتحة الجميلة. عالم آخر بعيداً عن صخب المدينة المزعج حيث زقزقة العصافير و حفيف الأشجار و صوت خرير مياه النهر الصغير. مدينة الأحلام هي اسم المدينة التي تعيش بها و التي يعيش بها الأغنياء فقط الذين يحملون ألقاباً كبيرة و مناصب عالية، مدينة هيئت بكل المواصفات لتناسب الأشخاص الذين سكنوها ليعيشوا بعالم الأحلام بعيداً عن عالم الواقع حيث هناك من يعاني و يتألم. كانت فيوليت ضد تلك الأنانية و فصل الطبقات فهي لم يصدف أن قابلت أناس من طبقات أخرى لأنها لا تستطيع الخروج خارج نطاق عالمها الصغير و الذي يصنفوه تحت دواعي أمنية كأن باقي البشر وحوش ستبلعهم. جلست على إحدى المقاعد الخشبية أمام النهر و قد انجرفت إلى واقعها لقد أصبحت تكره تلك الهواجس المزعجة. زفرت بانزعاج و غضب لماذا يعاملها والدها هكذا؟ لم يكن هذا الموقف وحده ما جعلها تصارع تلك الآلام فمنذ نعومة أظافرها و هي تلاحظ أسلوب والدها معها فلم يعاملها يوماً كابنته البكر و كانت ترى الفرق بين معاملته لها و معاملته لأشقائها و شقيقاتها من زوجة أبيها. كانت دائماً تشتكي لوالدتها و تبكي لكن والدتها كانت دائماً تحاول إقناعها بأنه يريدها أن تصبح قوية و مسؤولة لأنها الفتاة الأكبر. كانت تستغرب أيضا من زواجه على والدتها و لقد كانت تلحظ قدر حب والدها لوالدتها و الذي يختلف كثيراً عن العلاقة بينه و بين زوجة أبيها التي كان رابطها الأطفال فقط لا أكثر. رغم رضوخ والدتها للوضع إلا أنها كانت تعرف ما كانت تصارع بينها و بين نفسها من آلام و كيف كانت ترى الغيرة في عينيها عندما ترى حبه لأطفاله من زوجته و عندما قامت فيوليت بسؤالها عن سبب زواجه عليها رغم أنها أنجبتها قبل زواجه كانت تتحجج برغبته بإنجاب طفل ذكر رغم أنهم في مجتمعهم لا يفرقون بين الفتاة و الشاب و مع استنكارها لهذه الحجة كانت تصمت و لا تسأل أكثر عن الموضوع. وجدت الدموع طريقاً إلى عينيها فكانت دائماً تعاني من ذلك الاضطراب بسبب والدها تشعر أنها لا تنتمي لهذه الأسرة أو لهذا العالم المشوه بالإضافة إلى شعورها بالنقص رغم أنها تمتلك كل شيء و تحقق كل شيء و لكن يبقى شعور بالنقص يلازمها.

نظرت إلى الساعة في جوالها فأدركت أن عليها الاتجاه إلى الجامعة حالاً و إلا تأخرت على أول محاضرةٍ لهذا العام. استفاقت من أفكارها و استقامت بهرع محاولةً الوصول بالوقت المناسب.

جلست في كافيترية الجامعة على إحدى الطاولات الكبيرة في المكان بصحبة مجموعةٍ من الأصدقاء الذين كانوا مصدر الضجة في المكان. وضعت يدها على خدها الأيمن تتأفف فلقد ضجرت من أحاديث أصدقائها عن إجازاتهم الصيفية المترفة.

لقد كانت إجازتي رائعة و خيالية جداً، أخبرنا والدي بأننا سنسافر كالعادة إلى أحد الأماكن المخصصة لقضاء الإجازة لسكان مدينة الأحلام و لكن نحن نشعر بالملل من تكرار أماكن الإجازة رغم تعدد النشاطات. رضخ والدي لطلبنا و قام بإعداد مكان خاصٍ لنا، هل تستطيعون التخمين ابتسمت أينجل للجالسين الذين كانوا يطوقون لمعرفة هذا المكان.

لا نستطيع التخمين فالأماكن جميعها متشابهة قال جاك متململاً.

حسناً لن أتعبكم بالتفكير، لقد قام باكتشاف جزيرةٍ فائقة الجمال و قام بشرائها و قضى شهوراً يعدها لنا. لقد أنشأ لنا مكاناً لم يقم أحدٌ من قبل باكتشافه و قضينا أجمل إجازةٍ على الإطلاق قالت أينجل بتفاخر بينما لاحظت فيوليت تكبرها كالعادة فرمقتها بنظرات ساخرة و ابتسامة سخرية تعلو وجهها.

لاحظت أينجل نظرات السخرية التي علت وجه فيوليت و الوجوه التي التفتت من حولها إليها ليستنسخوا نفس التعابير الساخرة و المستهزئة فاحمر وجهها من الغضب و لكن كعادتها تمالكت نفسها و حاولت إحراج فيوليت قائلة و أنت فيوليت لم تحدثينا عن إجازتك قالت ثم رفعت حاجبيها بمكر محاولةً الإيقاع بها و لكن فيوليت أجابتها بنبرة تشبه نبرتها المتفاخرة مستهزئة حقيقةً يا أصدقائي لقد سأمت من هذا الكوكب عموماً و طلبت من والدي أن أقضي إجازتي على كوكبٍ آخر تعرفون كل شيءٍ هنا أصبح مملاً و أنا لا أقبل أبداً بهذا و هكذا قضيت أجمل إجازةٍ على الإطلاق ابتسمت فيوليت لأينجل ساخرة من سخافتها بينما تعالت أصوات الضحكات لتعج بالمكان و هم يستهزئون من أينجل. احمر وجه أينجل و سحبت كرسيها بغضب ثم صرخت بفيوليت قائلة استهزئي كما تشائين و لكن ستندمين، ستندمين يا فيوليت على سخريتك و تذكري من يضحك كثيراً يبكي أخيراً ألقت كلماتها و تكشيرة غضب تعلو وجهها الذي حمل ملامح ملائكيةً كاسمها و لكنها لم تكن يوماً كذلك من الداخل.

كانت شعبية فيوليت كبيرة بين زملائها و كان الجميع يحبها و يحب مرحها عدا أينجل التي كانت تحقد عليها دائماً لأنها تطغى على شعبيتها و تحرجها أمام الجميع بسبب غرورها و تكبرها.

نهضت فيوليت مستأذنةً من أصدقائها لترحل و تعود إلى منزلها لأنها متعبة هذا اليوم.

جلست أينجل وراء مقود سيارتها و أصابعها تضرب عليه بعصبية ثم راحت تضغط على زمور السيارة بقوة فدوا صوته المزعج في أرجاء منزلها الكبير الذي كان أشبه بقصر الأحلام. تقدم حراس البوابة الضخمة بعد أن سمعوا صوت الزمور القوي و الذي ينم بكل تأكيد على أن أميرة هذا القصر المدللة بمزاج سيء جداً و الذي لا يبشر بالخير أبداً فهذا سيجعلها تسلط عليهم غضبها الجنوني. فتحوا البوابة لها بسرعة فصرخت بهم قائلة كم مرةً قلت لكم أن تسرعوا بفتح البوابة لي و لا تتركونني أنتظر كل تلك الفترة يا حمقى.

ضغطت على مقود السيارة بقوة جنونية و دخلت منزلها ثم ركنت سيارتها و ترجلت منها طارقةً على الأرض بكعبها العالي بغضب. وضعت مفتاحها في قفل الباب و دفعته داخلة و هي تتمتم بالشتائم بوجه مكشر عابس و ما إن دخلت حتى التقت وجه والدها الجالس على أريكة غرفة المعيشة الفخمة.

ما به ملاكي المدلل؟ يبدو بمزاج سيء اليوم قال بصوته الخشن و ابتسامة حب تعلو وجهه.

صرخت قائلة لقد سئمت، سئمت حقاً يا أبي ثم عادت تشتم.

هيا اجلسي جميلتي لأسمع منك كامل القصة و أسلط غضبي بعدها على من جعل ملاكي تغضب هكذا قال مشيراً لها بالجلوس على الأريكة أمامه.

رمت جسدها على الأريكة أمامها بإرهاق و ألقت بالمفاتيح إلى جانبها. غاص جسدها داخل الأريكة الجلدية المريحة و قلبها يطرق بسرعة من ما تعرضت له من غضب و توتر.

هيا مدللتي أخبريني، من قام بإزعاجك إلى هذا الحد؟

و من غيرها يفعل و يجرأ على إزعاجي قالت و الشر يتطاير من عينيها العسليتان.

هل هي تلك الفتاة من جديد قال متسائلاً و الغضب بدأ يتسلل إلى جسده ببطيء.

نعم هي، لقد سخرت مني أمام الجميع دائماً تجعلني أضحوكة الجميع بكلامها السخيف قال تصك على أسنانها حتى كادت تحطمها.

لماذا سخرت منك تلك اللعينة مجدداً؟

لقد تحدثت عن إجازتنا فقامت بالاستهزاء بي أمام الجميع بنظراتها الساخرة و عندما أردت إحراجها بسؤالها عن إجازتها الخاصة قالت ساخرة مني أنها قضت إجازتها على كوكب آخر لأنها سئمت من هذا الكوكب قالت و هي ترقب انفعالات والدها مع كل حرف تقوله.

التهبت عيناه بنار الجنون و بدأ الغضب و الحنق يغزو جسده بلا رحمة و لكنه حاول المحافظة على هدوئه حتى لا يثير أعصاب ابنته الغاضبة أمامه فقال ببرود رافعاً حاجبيه بسخرية هل قالت هذا حقاً؟

هزت رأسها مؤكدة ما جعله يطلق ضحكة هستيرية عالية بينما راقبته ابنته مستغربة:
ما المضحك لهذه الدرجة؟

افاق من ضحكته على صوت سؤال ابنته فأجابها و ابتسامة تعلو وجهه:
هذه الفتاة سخيفة لا تستحق أن تغضبي من أجلها. سأتصرف لا تقلق و أعدك أنها لن تتعرض لك مرة أخرى فأنا مستعد لأحرق كل من يغضبك ملاكي ختم حديثه مع ابنته الصغرى و في داخله تنمو التهديدات دون توقف.

تفضل سيد جورج، السيد إدوارد بانتظارك في مكتبه قالتها السكرتيرة للجالس على المقعد منتظراً.

استقام جورج ثم توجه نحو مكتب برنالد. طرق الباب حتى جائه صوت يقول تفضل. فتح الباب و تقدم نحو مكتب برنالد الجالس على كرسي مكتبه منغمساً بالأوراق أمامه و لم يدم الصمت طويلاً حتى قطعه جورج قائلاً أريد الحديث معك بموضوعٍ مستعجل قال ثم وضع كلا كفيه على المكتب أمامه.

ألا تستطيع تأجيل ذلك الموضوع المستعجل؟ قال دون أن يرفع نظره عن الأوراق أمامه.

هل يمكنك أن تعيرني انتباهك قليلاً؟ قال جورج بلهجة صارمة محاولاً جذب انتباه إدوارد إليه.

رفع برنالد نظره نحو جورج و طالعه من خلف نظاراته الخاصة بالقراءة ثم أردف ببرود:
جورج إن كنت ستحادثني في مواضيع مكررة و أشياء تخص أفكارك أو ستحدثني بشؤون أمور تهم عائلتك و تخص رفاهيتهم فأنا لست متفرغ لك أبداً قال له ثم عاد ليتفحص الأوراق.

أعرني انتباهك أرجوك قال متأففاً بعد أن نفذ صبره.

قام برنالد بإبعاد الأوراق أمامه بغضب ثم نزع نظارته و وضع كفه على جبينه محاولاً جمع كل قواه لمجادلة جورج ثم رفع سبابته مهدداً أقسم إن كان موضوعاً سخيفاً فسأقوم بدفنك هنا.

رفع حاجبيه و ابتسم بسخرية ثم قال:
أعدك أنه موضوع سيجعلك تشكرني كثيراً على مجيئي بهذه السرعة لإخبارك.

ماذا تريد أن تقول؟ قال برنالد محاولاً تمالك أعصابه.

أريد الحديث معك عن تلك الفتاة.

كشر وجهه غاضباً ثم قال:
أهذا ما تريد الحديث عنه؟ لقد تحدثنا أكثر من مئة مرة و ما زلت تعيد نفس الأسطوانة من جديد ألا تسأم و لا تمل أبداً يا جورج؟!

إن عرفت ماذا قالت لفهمت جيداً لماذا أعيد الأسطوانة، المياه تجري من تحتنا يا برنالد و لا تستبعد أن تجد نفسك بلا منصب فجأة قال جورج ثم ضرب بكفه على المكتب أمام إدوارد.

اتسعت عينا برنالد بصدمة ثم طالع تجاعيد وجه جورج و عيناه السوداء المتوهجة.

جورج لا تلعب بأعصابي تكلم فوراً و من دون مقدمات تعرف تماماً ما معنى كلمة الغضب بالنسبة لي قال برنالد بنبرة جعلت جورج الذي يقف ببرود أمامه يرتجف فهو يعرف تماماً نتائج ثوران برنالد فما هو إلا بركان ينذر بحممه قبل الفاجعة الكبيرة و الانفجار المميت.

أفاق جورج من أفكاره بعد أن أدرك أن البركان سينفجر في وجهه مباشرةً قبل أن ينطق: لقد لمحت إلى موضوع الكواكب الأخرى في المجرة.

ماذا تعني بتلمح؟ سأله بعد أن زم شفتيه دون أن يبعد نظره عن الواقف أمامه.

اسمع برنالد أنت أول من يعلم أن تلك الفتاة غريبة الأطوار إلى جانب شهرتها و من يتبعها كثيرون لذلك فإلقاء مزحةٍ كهذه يعني فقط بداية الطريق إلى مكان مجهول. لقد قالت لابنتي على سبيل السخرية بأن والدها قام بإعداد كوكب خاصٍ لهم ليقضوا إجازتهم لأنهم ملوا من كوكب الأرض.

لم يعقب بأي انفعال يذكر فبادر بسؤال جورج:
و ما أدرك بأنها حقيقة و ليست لعبةً من ألعاب ابنتك المرموقة قال ساخراً.

إدوارد ابنتي لا تعرف شيئاً عن هذا الموضوع و إن أرادت افتعال مشكلة لماذا تختار هذه المزحة بالذات؟

و لماذا لا تكون أنت من طبخت هذه الطبخة؟

لك حرية التصديق و لكن يمكنك التأكد من ابنك فلقد كان موجوداً هو و مجموعة من زملائه حتى لا تقول شهد شاهد من أهلها و تعرف شهادة الأهل باطلة كما هي شهادتي قال بحنق ثم وجه أصابع الاتهام نحو برنالد قائلاً جملته الأخيرة و لكن تذكر عندما تنقلب الأمور على رأسك بأنني نبهتك و أنت أخذت الأمر مستخفاً بي أنهى جملته ثم أستدار خارجاً يضرب الأرض بغضب تاركاً وراءه برنالد في شباك حيرته.

أستطاع جورج بنجاح إثارة قلق برنالد بطريقة مخيفة فقام من فوره باستدعاء ألفريد دون أن يفكر بسؤال ابنه عن الحقيقة فلن يكون من صالح جورج الكذب بهذه الأمور و رغم بأن قول فيوليت كان فعلاً مجرد مزحة عابرة لتستهزئ بأينجل و لكنها لعبت على الوتر الحساس و أثارت الشك حول أمرها. نظر برنالد عبر الواجهة الزجاجية لمكتبه حيث كان يطل على مدينة الأحلام الجميلة بأبنيتها الشاهقة و طبيعتها الجميلة، فكر لوهلة بإمكانية هدم كل شيءٍ بني منذ سنوات عدة. بعد أن انتهت الحرب و تم طرد سكان الجزء الجنوبي بنجاح و أعلن الملك النصر و أن الأرض أصبحت ملكهم وحدهم و ليس لأعدائهم مكانٌ على أراضيها و لكن لم تصبح الأرض لهم حقاً بل أصبحوا عبيداً لملكهم. كان الشعب يتأمل بعهدٍ جديد و لكن لم تكن تلك الآمال سوى أكاذيب كل ما حصل أن الوضع تدهور أكثر من ما كان عليه بالسابق فلقد أصبح الملك يستغل الشعب لبناء رفاهيته و يأخذ الضرائب ليتمتع بها حتى بدأت حرب جديدة. لم يكن الأمر بتلك السهولة فاستمرت تلك الحرب الأهلية لمدة سنوات حتى قتلت العائلة الملكية و انتهى عهدٌ جديد. أنشأت الكثير من الأحزاب كل منها ترشح شخصاً للملكية و رغم هذا لم يكن هذا الحل المثالي و أصبح الناس ضد أن يحكم شخصُ واحد حتى انتهى الأمر بحكم عسكري صارم. طُرق الباب فجأة قاطعاً على برنالد سلسلة أفكاره المتعبة ليقول من فوره تفضل.

دخل ألفريد و وجهه عابس كعادته لطالما كان من أقدر و أفضل المسؤولين لدى برنالد فهو يثق باختياراته و قراراته الصائبة. ألقى ألفريد التحية ثم أشار له إدوارد بالجلوس.

تعرف أنني أثق بك دون كل البشر و كذلك أحملك المسؤولية مطمئناً قال له دون مقدمات أو كلام مسبق.

صمت ألفريد يستمع لكلام برنالد دون أن يعرف ما يرمي إليه بالضبط.

تعرف تماماً أكبر مسؤولية و ثقة أعطيها لك و هي تربيت تلك الفتاة المجهولة قال يرمقه بنظرات كانت مجهولة المعاني بالنسبة له.

ما بها فيوليت؟ سأله من فوره.

أخشى أن تلك الفتاة تتلاعب بنا و تعرف جيداً ما معنى أن تنفذ جزءاً بسيط من تلاعباتها الخبيثة قال يطالع الفريد بنظرات مهددة غير مباشرة.

ماذا فعلت حتى اكتشفت تلك الحقائق المريبة؟ أجابه ألفريد ببرود غير أبه لما تلقاه منه من عتاب ممزوج بتهديد لا يقبله.

تلقي دعابات أمام الجميع تخص الكواكب ستقول لي مجرد مزاح و كلام عشوائي سأقول لك هذه فقط البداية و لا نعرف ما القادم خصوصاً أنها محط شبهات منذ البداية صمت قليلاً ثم أردف بحدة عندما يحدث أي شيء يضرني و تمطر المصائب فوق رؤوسنا فلن أجد غيرك لألومه عندها.

اتسعت عينا ألفريد و حمم الغضب الدفين تشتعل داخله مخلفةً شعوراً بالضيق جعله لا يستطيع استيعاب تلك المهانات التي وجهت له.

و ما المطلوب مني؟ أجابه بهدوء يخلف وراءه إعصار مدمر.

معرفة إدوارد لردات فعل ألفريد و انفعالاته جعلته لا يأبه لتعابيره الباردة المستفزة فهو يعرف تماماً بأنه ضرب على وتره الحساس و سبب لدماغه شللاً ناتج عن الصدمة.

- تذكر أنك تحمل المسؤولية و طبعاً سأترك لك زمام الأمور تصرف بما تراه مناسباً على أن لا يتكرر هذا الموقف مجدداً أجابه إدوارد بصرامة بينما كان الجالس أمامه يود أن يفرغ غضبه مهما كلف الأمر.

دخل ألفريد منزله كشيطان يشتعل غضباً و كأنه على وشك أن يحرق جميع من حوله بلهيب غضبه المشتعل. دفع الباب بقوة بينما كانت ساندرا ترتب المعالق و الصحون على مائدة الطعام و قد قامت بإعداد طعام شهي و أشعلت شموعاً عدة و موسيقى جميلة هادئة صدعت في أرجاء المنزل المرتب و لكن اقتحام ألفريد المفاجئ اقتلع تلك الأجواء من جذورها. لم يكن ليلحظ تلك الأجواء بسبب ذلك الغضب الذي سكنه فانطلق بسرعة البرق يصعد الدرج متجهاً نحو غرفة فيوليت. كانت ساندرا ما زالت تحت هول تلك الصدمة و لكن صوت الزجاج الذي صدع ليصدر صداً قوياً يرن في أذنيها فيوقظها من صدمتها و لم يمر وقتٌ طويل حتى سمعت صراخ ألفريد بكلمات لم تدركها فكانت هذه الصرخة كجرس إنذار لها. توجهت نحو الدرج و رفعت فستانها الطويل تصعد الدرج بسرعة لتصل بأقرب وقت و قلبها يطرق كلما تعالت الأصوات باقترابها من الغرفة. ألفريد لن يتغير أبداً، ألم يعدها صباحاً بأن يتغير و لكنها تذكرت من فورها أنه وعدها كثيراً من قبل. وصلت إلى باب الغرفة فاتسعت عيناها بدهشة و شهقت ضاربةً بكفها على صدرها و الصدمة تعتريها، كان الزجاج متناثراً في أرجاء الغرفة و الأوراق تتناثر في الهواء لابد أن ألفريد قد فرغ جم غضبه على تلك الفوضى التي سببها.

ماذا تفعل ألفريد؟ هل جننت؟ قالت له بينما كان يمزق أوراق كتب فيوليت.

لا شأن لك لا تقترب فيحل غضبي عليك أيضاً قال و الشر يتطاير من عينه لدرجة أن ساندرا هابته في تلك اللحظة.

ألفريد أرجوك أخبرني ما الأمر؟ لماذا أنت غاضبٌ هكذا؟ قالت محاولةً تهدئته بقدر المستطاع فهي دائماً تستعمل معه هذا الأسلوب عندما يحل عليه هذا الغضب.

لو لم أسمع كلامك لما أهنت هكذا، لقد تجرأ ذلك الوضيع على تهديدي قال ثم أمسك بمزهرية أزهار النرجس البنفسجي و رماها أرضاً ليتناثر الزجاج في الغرفة حتى أنه تناثر خارجها أيضاً.

ألفريد أهدأ و أخبرني ماذا حصل؟

عقد حاجبيه و أحمر وجهه معلناً عن البركان الذي أوشكت على الانفجار حتى أدركت ساندرا أنه وصل لذروة غضبه و لم يعد الحديث معه ينفع أبداً.

هل ترين تلك الكتب؟ أشار إلى كتب فيوليت الجامعية لعلوم الفلك هذه هي التي أفسدت عقلها، قلت لك أنه لا يجب عليها أن تدخل هذا القسم أبداً قال ثم شرع بتمزيق بقية الكتب.

ألم أقل لك أنك السبب، أنت السبب بكل شيء تمتم و هو يحاول تمزيق غلاف الكتاب بينما كانت ساندرا كالمسحورة لا تصدق ما يحدث أمامها لابد أنه أسوأ كوابيسها.

ابتسم فجأة بجنون و توقف عن تمزيق الكتب ليسأل ساندرا التي كانت تقف صامتة دون حراك هل تحبينها كثيراً؟ هل تحبينها أكثر مني؟ ألست رفيق حياتك، ألست أنا من أحببتك كثيراً أقترب من تسريحة فيوليت التي تقبع على الجانب الآخر من حائط الباب و صوت تكسر الزجاج تحت حذاء ألفريد قد اخترق أذناها. نظر إلى المرآة بحزن و حدقتاه ترتجف ثم صرخ قائلاً لماذا تحبينها أكثر مني؟ أمسك أحد العطورات على التسريحة و بدأ يرمى واحدةً مع كل سؤال. لماذا تفعلين كل شيء من أجلها فقط؟ لماذا تأذيني من أجلها؟ لماذا تقتلينني من أجلها؟ لماذا على أن أحبها من أجلك؟ لماذا لم تعودي تهتمين لأمري منذ أن دخلت هذا المنزل؟ لماذا كنت تريدين الانتحار من أجلها؟

كان قلبها يتحطم مع كل سؤال يصرخ به مكسوراً، كانت روحها تتناثر مع كل عطر يرميه بغضب.

ألست أستحق أن تعيشي من أجلي؟ لماذا لا تستشعرين آلامي؟ قال بأنفاس منقطعة فلقد نال التعب منه و أستنفذ الغضب طاقته.

أدركت ساندرا أخيراً أن ألفريد يغار من فيوليت منذ البداية و هذا ما جعله يحقد عليها و لكن هي أيضاً ذاقت مرارة الغيرة و هي تراه يذهب إلى زوجته الأخرى و يتركها فنطقت من فورها و الدموع قد غزت عيناها الخضراوان و أنا أيضاً كنت أذوق تلك المرارة عندما تزوجت و أصبحت تقضي الليالي مع زوجتك على الأقل أنا أحب فيوليت على أنها ابنتي، ألا يقتصر الحب عندك سعادة الطرف الآخر أيضاً؟ أم أنك أناني تريد كل شيء لك؟

ابتسم بسخرية ثم أجابها:
كنت أتمنى أن أراك تغارين علي، كنت أتمنى أن أرى الغيرة تشتعل بعينيك كالسابق و لكن لم أكن أرى سوى حبك لفيوليت صرت لا تهتمين لشيء و لا يهمك إن تزوجت أو لا فقط كنت تضعين آمالك عليها.

همت ساندرا بمعاتبته و لكن حضور فيوليت جعلها تتراجع عن الرد. كانت فيوليت تنظر إلى غرفتها بذهول فلقد عادت لترى غرفتها حطام فنطقت متلعثمة.

ماذا، ماذا حدث هنا؟

مشى ألفريد ثم وقف مقابلها يطالعها بنظرات غضب عارمة فهمس لها محاولاً كبح غضبه:
لا أريد أن أرى وجهك، اذهبي إلى الغرفة الاحتياطية و لا أريد أن أراك.

نظرت فيوليت نحوه ثم نحو والدتها عاقدةً حاجبيها باستغراب محاولةً معرفة سبب تلك المشاجرة و ما علاقتها بها و لكن والدتها قطعت عليها افكارها ثم قالت و ابتسامةٌ حنونة تعلو وجهها:
زهرتي اذهبي إلى الغرفة الآن سنتحدث في ما بعد.

ليس قبل أن أعرف ماذا حصل، انظري إلى غرفتي لقد تدمرت قالت غاضبة بينما رمقتها ساندرا محاولةً اسكاتها قليلاً قبل أن تنفجر قنبلة ألفريد الموقوتة في وجهها.

زفر ألفريد بغضب و أشاح بنظره نحوها ثم وضع يده على كتفها و قال:
قلت لك أذهبي إلى غرفتك حالاً قبل أن تندمين شد قبضته على كتفها بطريقة أوجعتها فنفضت يده عنها متأففة.

كف عن إلقاء الأوامر دائماً، ماذا تفعل سوى أن تجرحني و تؤلمني بكلماتك المليئة بالسموم؟ لقد دمرت غرفتي و تريدني أن أتبع كلماتك كدمية مسرحية قالت عاقدةً حاجبيها ثم صرخت غاضبة كأنها تفرغ عن جم غضبها السابق أنت تحلم.

غلت الدماء في عروقه فرفع يده ليسدد صفعةً قويةً على خدها و لكن ساندرا وقفت حائلاً بينه و بينها.

يكفي ألفريد قالت ساندرا ثم أخذت بيد فيوليت لتوصلها للغرفة قبل أن تحل مصيبةٌ حقيقية. كانت فيوليت تبكي بحرقة و قد شعرت أنها حقاً لن تشعر بالانتماء أبداً.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة