قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثامن والعشرون

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثامن والعشرون

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثامن والعشرون

كتاليا:
أُسدي له خِدمة؟، أومأت باستغراب فأردف: هاتفك.
تريد استخدامه؟ هل من مشكلة مع هاتفك؟
نفي بإرتباك: أحتاج إلى الاتصال بشخص ما الآن.
لماذا كل هذا التوتر والعصبية؟
في النهاية منحته هاتفي أنظر إليه بتركيز وترقب أحدق إلى تعبير وجهه وهو يأخذ هاتفه ويضغط على مفاتيح الأرقام ثم وضعه على اذنه وتحرك في مكانه ينتظر الرد من الطرف الآخر.

كان للتو يحاول الوصول إلى شخص ما دون جدوى، هل يحاول الاتصال به من رقم مختلف؟
لا أدري أحاول تخمين ما يحدث!
استمر في محاولاته حتى زفر وفرك عينيه بابهامه وسبابته يناولني هاتفي بنفاذ صبر واستسلام وقد أومأ لي بامتنان رغم حِدة التعبير الذي يَعتلي وجهه.
عاود ينظر إلى هاتفه وتلك التقطيبة الصغيرة بين حاجبيه تحافظ على موقعها ولكنه سرعان ما نظر إليّ ببعض التعجب ما ان تأبطت ذراعه.

بدى ينوي سحب ذراعه لولا أن قلتُ بهدوء: لِنتبع الرفاق.
نظر إلى ثم إلى ذراعه قبل أن يحكم قبضته على هاتفه ويدسه في جيب سترته وقد تحرك معي بصمت.
دانيال الذي اعتدت سلوكياته وتصرفاته العدائية كان ليبدو أكثر وضوحاً في عدم ارتياحه لهذه الأجواء، سيتذمر دون تردد، سيجادل جاك وفرانك ولن يساير أحدهما، كان سيعلق على أبسط الأشياء هنا وهناك!
الطريقة التي يتصرف بها مؤخراً.
لا تناسبه!

أو ربما. لست معتادة على رؤيته يتجاوز كل شيء حوله دون اكتراث.!
ما الذي يشغل تفكيره ويجعله يضطر لمسايرة كل ما يحدث الآن عوضاً عن التصرف على سجيته؟ ما الذي يزعجه في الآونة الأخيرة!

آه تباً ما الذي أفكر فيه أنا وليكن! أحتاج إليه لتحقيق منفعة متبادلة فلا يجب أن يثير فضولي، رفعت رأسي أسترق نحوه نظرة سريعة قبل أن أعيد ناظري إلى الأمام، خرجنا من هذه القاعة واتجهنا إلى الطريق المؤدي إلى المَسرح، وبينما نتجه إلى هناك لفت انتباهي السيد كوفمان الذي كان يقف في نهاية الممر برفقته بضع رجال يتحدث إليهم وقد لفت انتباهي فوراً أحدهم والأطول قامة من بينهم لأتوقف في مكاني أحدق إليه بتركيز لأحكم من قوتي حول ذراع دانيال أرغمه على التوقف.

نظر إلى بحيرة في حين بقيت أركز على من أراه يتحدث إلى كوفمان بينما يحرك سبابته كعادته بحركة دائرية باتجاه عقارب الساعة ولم يوحي وجهه المتململ سوى برغبته في انتشال نفسه من حديث كوفمان والرجال المحيطين به، تجولت عيناه الناعسة البنية بدرجتها الفاتحة على وجه الرجل الذي يقف على يمينه وبدى وكأنه قد سمع منه أمر يرغمه على التبسم بمسايرة وتكلف شديد.

دفع نظارته بسبابة يده الأخرى قبل أن يمررها على شعره الكستنائي الفاتح و حينها ابتلعت ريقي وهمست بحذر أحافظ على رباطة جأشي: دانيال، هل ترى ذلك الرجل هناك؟
نظر حيث أشير خلسة بذقني وتساءل: من فيهم!
ذلك الذي يقف مع مجموعة العجائز هناك! مقابل السيد كوفمان مباشرة، انظر هناك على يسار المِصعد.
ضيق عينيه بتركيز حتى أومأ بِفتور: الشاب الوحيد من بينهم؟ آه نعم يمكنني رؤيته ما خطبه؟

نظر إلى بترقب فأجبته أقلّص المسافة بيننا أكثر: إنه لارز.
ارتفع حاجبيه بِتعجب وعاود يحدق إليه بتمعن للحظات مطولة قبل أن يتمتم: هذا هو إذاً!
لم يتغير لارز ولو قليلاً، الكثير من النساء يلقين النظرات متقطعة نحوه، هالة الهدوء التي تحيط به ستلفت انتباههن بلا شك.
ليته لفت المرأة الأنسب ووقع في حبها وحسب بدلاً من كل هذه المآسي والخطط التي على تنفيذها الواحدة تلو الأخرى.

ومع أنني فعلت الكثير لأتجنب رؤيته منذ وقت طويل ولكنني لا أنكر الراحة والطمأنينة لرؤيته بِخير!
لطالما كان رزيناً هادئ الشخصية، يندر رؤيته غاضباً أو منفعلاً حتى عندما كنت أحاول استفزازه باستمرار كان يملك قدرة هائلة في ضبط أعصابه!
سمعت دانيال يتنحنح فأفقت من افكاري وانتزعت عيناي لأنظر إليه باستفسار!
تساءل ببرود ينظر إلى بترقب: ما هو منصبه تحديداً؟ لماذا يقف مع أؤلئك العجزة يبدو ضجِراً بشدة!

أجبته وقد تحركنا نحو اليمين حيث الزجاج لننظر إلى الساحل في الأجواء المُعتمة بينما أبعد يداي عنه: يدير قطاع يحتوي على أقسام عديدة في وكالة فنية، وكما ترى كل من سيحيط به هم رجال الأعمال أو ذوي المناصب المشابهة في المجال مثل كوفمان أو ذلك الذي على يساره، إنه يدير إحدى محطات الإعلام التابعة لمدينة أبي الإعلامية، وذلك الذي بجانبه مُنتج شهير، والآخر خبير ومطور العاب رقمية.

أومأ بِفهم ثم تكتف يرمي تعليقاً متهكماً بنبرة فاترة: إن كان الوضع لا يليق به فحري به الانسحاب من بينهم وحسب.
نظرت إليه بتهكم مماثل: لماذا لم تفعل أنت المِثل؟
عقد حاجبيه باستنكار فأكملت: الأجواء هنا لا تناسبك وليست ضمن اهتماماتك، ولكنك اضطررت لمسايرة الوضع بسبب عملك كعارض، وبسبب رغبتي المُلّحة أيضاً، الأمر سيّان.
رفع حاجبه الأيسر وقد قلّب عينيه يشيح بوجهه وتمتم بجفاء: سأكمل طريقي.

أسرعت أتأبط ذراعه قبل أن يتحرك ومشيت معه وقد حاولت قدر الإمكان ألاّ يلمحني لارز، توقفتُ باستغراب ما ان توقف دانيال وقد نظرت إليه أكاد أتساءل عن سبب توقفه، إلا أنني سرعان ما تعجبت لرؤية الاستنكار الشديد على وجهه بينما الوميض الزمردي في كلتا عينيه كان مترعاً بالإنزعاج وشيء أشبه بال.
الاستيعاب والإدراك؟ لا أدري ولكن.

استمرت عيناه في التحديق إلى لارز بالكاد يطرف بهما، وجدت نفسي اترك يده لأقف أمامه مباشرة وأمسك بربطة عنقه أرغمه على الإنحناء والنظر إلى مباشرة وقد قلت بحزم: ما خَطبك فجأة؟
قابلتني عيناه الجادة وقد تساءل بحزم: مَن يكون لارز؟ من هو تحديداً؟
هاه! لماذا هذا التركيز بشأن لارز؟

تجولت عيناه على وجهي بنفاذ صبر وقد تفاجأتُ بيده التي احكم قبضتها بقوة على يدي الممسكة بربطة عنقه وهو يسألني بكلمات سريعة: قلتِ بأن والدك يصر على مواعدتكِ إياه لذا لابد وأنكِ على معرفة به، من يكون تحدّثي!
أرخى قبضته فور أن قرأ الدهشة والقلق على وجهي! أشاح بناظره بعيداً واستقام يقف باعتدل ليمرر يده في شعره للوراء وهمس: آسف. لم أقصد.

نظرت إلى يدي التي كان يحكم قبضته عليها وقد قلت أترقب ردة فعله بتركيز: لارز يكون ابن عمي، لِماذا هذا الإهتمام فجأة؟
عقد حاجبيه ونفي برأسي بعدم اقتناع: ابن عمك؟
بقي الاستنكار الشديد واضحاً في كلتا عينيه كما لو أن ما قلته لم يكن مقنعاً بما يكفي!

إن قلت بأن لارز ابن عمي المتبنى فهل ستكون ردة فعله مختلفة؟، ترعرع في دار الأيتام في قرية كلوفيلي فربما سيكون لهذه الإجابة وقعاً مختلفاً عليه اليس كذلك؟ هل دانيال.
يعرف لارز في عمر مبكرة؟ ولكنه لم يتعرف عليه منذ الوهلة الأولى فلماذا الآن فقط؟
يبدو أن ابنة عمي فخورة بالتعريف بي للآخرين.

قيلت بصوت بارد خلفي فالتفت فوراً مجفلة لأرى عيناه التي رمقتني بنظرة سريعة يستمر في تحريك سبابته بطريقة دائرية قبل أن يقول بنبرته التي اعتدت الهدوء والفتور فيها: العارض دانيال، سمعت الكثير عنك مؤخراً، جسدتَ الأدوار المفوضة إليك ببراعة، حظيت الدعايات بنتائج مبهرة بالنسبة إلى شخص جديد في المجال.

أضاف يمد يده ينوي مصافحته بينما عيناه الناعسة لم تبدي أي حماس رغم قوله السابق: لارز، أدير قطاع مجال تعاقدات وشؤون المشاهير والمنتسبين الجدد في وكالة إل. كراون الفنية.
نظر دانيال إلى يد لارز وقد استنكرت بشدة الآلية التي يستمر فيها بالتحديق إليه! ومع ذلك رفع يده ببطء وصافحه ليقول بصوت عميق مترع بالجمود: تعرف الكثير مسبقاً، لا داعي للتعريف بنفسي إذاً.

ما هذا التصرف! كان يساير الجميع فلماذا لارز وحده من يتلقى هذه المعاملة الآن؟
تبدين بِخير
قالها لارز بصوت بارد ما أن دس كلتا يديه في جيب بنطاله، انتابني التوتر رغماً عني وقد رمقته بطرف عيني بحركة سريعة ابتلع ريقي واستعيد هدوئي قبل أن أتنحنح واقتربت من دانيال أتأبط ذراعه بينما أبتسم بهدوء: في أفضل حال، تبدو بخير أيضاً لارز.

أعقبت وقد اتسعت ابتسامتي أنظر إلى دانيال بتودد أتجنب قدر الإمكان التواصل البصري مع لارز: هل حان الوقت لنذهب إلى المسرح؟
القى نظرة متفحصة نحوه ولم يعلق، في حين نظر الآخر إلى ببرود وتحديداً إلى ذراع دانيال التي احتضنها وتمتم: لا أنوي تقديم أي نصيحة، ولكنكِ ستورطينه معكِ وحسب.
عقدت حاجباي بإستنكار أدرك ما يشير إليه!

هو يعلم أنني لجأت إلى هذا الحل وقد كان من طلب بنفسه أن أتصرف منذ البداية! فما مناسبة قوله الآن؟ يفترض أن يكون شاكراً ممتناً!
جادلته أحافظ على ابتسامتي: سأحرص على ألا يسوء الوضع، شكراً جزيلاً على نصيحتك.
ستستمرين في جلب المصائِب كلما حاولتِ معالجة الأمور.
انتابني الغيظ لقوله ونبرته المستفزه الباردة وقد قلت أتمالك نفسي: أعلم جيداً ما أقوم به، كُن ممتناً لي فهذا ما تريده أنتَ أيضاً.

لن تنطلي حيلتكِ على عَمي.
ولكنها ستنطلي على الجميع!
قلتها بحزم فظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وقد بدى مستنكراً لقولي قبل أن ينظر إلى دانيال للحظة وتمتم: لا تنجرف خلف اقتراحها.
اعترضتُ بإنزعاج: هذا يكفي!
طرف ببطء وقد زفر بشيء من التهكم يدفع نظارته بسبابته يتفحص النظر إلى دانيال الذي يلتزم الصمت: مُغفلة، لم تنتقي بِعناية.
هاه؟
لارز؟

سمعنا صوت أنثوي ينادي بإسمه، ولم تكن سوى ستيلا التي كانت تقف خلفنا وقد نظرت إلى لارز بشيء من الحماس في حين أومأ لها بهدوء: مَرحباً.
ثم بدى وكأنه يحاول التذكر ليتساءل: ستيلا؟
ابتسمت ستيلا وقد اقتربت أكثر لتقول تحكم قبضتها على هاتفها بتوتر واضح: صحيح، لقد سمعتُ أنك مدعو إلى الحفل واعتقدت أنها فرصة جيدة للقائك.
آه كيف نسيت هذا! ستيلا تحاول جاهدة الإنضمام إلى وكالة لارز.

ربما ستستغل الفرصة الآن لتتحدث إليه، من الصعب الوصول إلى قطعة الجليد بسبب انشغاله الدائم وازدحام جدوله وانهماكه في حل مشاكل الوسط الفني للمنتسبين إلى الوكالة، ولكنها الفرصة الأنسب لستيلا الآن.!
علينا أن ننسحب لنترك المجال لها قليلا، وهذا ما فعلته إذ حاولت أن أتحرك بينما أمسك بذراع دانيال وقد تحرك معي بصعوبة وخطى بطيئة!

تنهدت بعمق وتجاهلت جاك وجانيت بينما يتجادلان بصوت خافت حتى التفت نحونا أحد العاملين في المجلة وزميله لينظرا إليهما باستغراب وانزعاج، حينها قال سايمون محذراً: كفاكما! يفترض أن يعم الهدوء تماماً أثناء التكريم يوجد تغطية إعلامية لذا اصمتا! إنها فقرة تكريم العارضين تعلمان أنها الأهم بالنسبة للإعلاميين!
تلفت من حولي بقلق أتأكد للمرة المئة من عدم تواجد هَانا.
لم ألمحها حتى الآن!

هذا جيد سيحين دور دانيال قريباً ضمن فئة العارضين، سأنتظر تكريمه وبعدها سأنسحب فوراً فلازال أمامي الكثير لأقوم به.
عندما صعدت على المنصة للتكريم ضِمن فئة المصورين قبل بضع دقائق قمت باستغلال الفرصة لأحدق إلى كافة المتواجدين بين الحضور ولكنني لم ألمحها وتحديداً في الصف الثاني المخصص للشركاء، لذا أشعر بالإطمئنان قليلاً وكما توقعت هي لن تتواجد حتى يحين موعد تكريم شركاء المجلة.

لا أتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهتها الآن، أتمنى أن يسرع السيد كوفمان في التكريم لماذا هو بطيء جداً بحق الإله!
زفرت أستمر في هز قدمي دون توقف حتى نظرت إلى روز التي تجلس على يساري تمرر يدها بخفة أسفل ساقها ثم جلست باعتدال تعيد ظهرها للوراء، سألتها بإهتمام: تشعرين بالألم؟ لقد تحسنت اصابتك اليس كذلك؟
أومأت فوراً وقالت تتنهد: تمنيت فقط لو ارتديت حذاء أفضل، إنه عالٍ جداً ولكن لا بأس.

قالت ذلك بينما تنتزعه وتتركه أسفل مقعدها فابتسمت لها بهدوء.
استوعبتُ صمت دانيال الذي يجلس على يميني، إنه هادئ جداً منذ أن جلسنا. حتى عندما كان جاك يستفزه بالكاد كلّف نفسه بالقاء نظرة خاطفة عليه!
العارض دانيال هاريسون فريدريك
ابتسمت بحماس ما ان نادى مقدم الحفل بإسمه لأنظر إليه بترقب ولكنه بقي يتكتف بشرود ينظر إلى. لارز الذي يجلس في الصف الثاني!

عقدت حاجباي بحيرة وضربت كتفه بخفة فانتبه ولانت ملامحه بتدارك: ماذا؟
أشرت لأقول بصوت خافت مُحفزة بهمس: لقد حان دورك! أسرِع نحو المنصة.
تلفت من حوله بإستيعاب ووقف ليسير بِخطى بطيئة نوعاً ما، توجهت أنظار الجميع نحوه وقد سمعت تعليقاً خلفي لإحدى العارضات: لقد أدت كاثرين دور الشخصية الرئيسية معه.

أيدتها من تجلس بجانبها خلف مقعدي مباشرة: صحيح هو من أدى دور القرصان، لا يوجد بيانات واضحة وكافية عنه حتى الآن، على كل حال هو يتمتع بالجاذبية المطلقة!
مازحتها صديقتها هامسة: لا تحاولي، لقد سمعتُ أنه قد ترترع في إحدى القرى، كما يُقال أنه لا يميل إلى التعامل بسهولة مع النساء لذا لا فرصة لكِ.
إذاً فهو رجل صعب المراس، أين تكمن المُشكلة؟

الأمر يتعلق بنشأته أيضاً، لا بد أن معاييره تختلف عن كل من قابلتهم، ولكن لا بأس من اجراء محادثة معه بعد الحفل، ما رأيك؟
تنهدت بعمق وتجاهلت حوارهما لأنظر إليه أبتسم بِسعادة بينما يصعد الدرج قبل أن أتفاجئ بوقوفه في منتصفه دون حركة!
ل. لماذا توقف عن الصعود فجأة؟
تمتمت روز بإستغراب: ما خطبه؟
نفيت برأسي بعدم فهم: ل. لا أدري!

بدأ الجميع بالأحاديث الخافتة وقد اعترتهم الحيرة والترقب، بقي على حاله حتى تحركت يدي فوراً لأخرج هاتفي من حقيبتي وأتصل على رقمه بتوتر وإضطراب.
بقيت أحدق إليه ويبدو أن هاتفه قد بدأ بالاهتزاز في جيب سترته فلقد أخفض ناظره نحو جيب سترته ثم عاود يتحرك ليصعد على المنصة!

ألغيت المكالمة بينما أعض على طرف شفتي بإرتباك، على التحدث إليه في أسرع وقت! الأمر لا يقتصر على كونه يتصرف على سجيته فقط ولكنه لا يبدو بخير حقاً!
لماذا دخل في حالة من الهدوء والشرود منذ رؤية لارز؟

تلفتُ من حولي لأجد اعين الجميع تتفرس به، نظر السيد كوفمان على المنصة إليه وقال برسمية وامتنان ليلقي كلمته: العارض المستجد دانيال، يرى الجميع الموهبة التي تتمتع بها رغم كونك مستجد تماماً في المجال، حصدت الدعاية التسويقية التي جسدت فيها شخصية آلبرت أرماندو الكثير من الاعجابات في مختلف القنوات، كما وكانت ردود الأفعال الإيجابية حول الترويج للعبة رهينة القراصنة أفضل بكثير مما توقع الجميع، لذا نأمل أن تحقق المزيد من النجاح وتتألق معنا بل وتستمر في التوسع في العمل حتى تخوض التجربة في مجالات أخرى نثق بأنك ستنجح فيها كذلك.

ثم تناول من الرجل بجانبه شهادة التكريم ليمسك بها ويمدها نحو دانيال يبتسم بهدوء يترقب رد الآخر الذي.
بقي ينظر إلى الحضور بصمت!
دانيال!
لماذا هذا الصمت الثقيل؟ ما الذي يحدث له أنا لا أفهم!
تسارعت خفقات قلبي فرفعت يدي نحو صدري بتلقائية، ولا سيما عندما عادت الأصوات الخافتة من حولي تتساءل باستغراب عما يحدث! تجولت عيناه الزمردية على كافة الحضور ببطء وبدى لي وكأنه لا يُبصر أي شيء!

تحركت في مقعدي بتوتر وقاومت رغبتي في الصعود على المنصة لتدارك الموقف! المصورين يوجهون الكاميرات نحوه كما أن كل ما يحدث يتم تصويره ببثوث مباشرة على مواقع التواصل الإجتماعي! لا يجب أن. يحدث هذا!
هل أتصل به مجدداً ليفيق؟
هل يشعر بالتوتر؟ ربما ينتابه الإرتباك أمام هذا الكم الهائل من الحضور؟ لا أدري! لا يفترض أن يحدث هذا!، آمل حقاً أنه مجرد توتر! هل هو بخير حتى؟

بقيت عينيه تتجول بلا هدف حتى رفع يديه يأخذ الشهادة من كوفمان الذي كان يبدو مُضطرباً غارقاً في حيرته رغم حفاظه على ابتسامته الرسمية!
تساءل جاك يميل بجسده للأمام قليلاً لينظر إلى باستنكار: لا يبدو بخير! كتاليا هل حدث له أي شيء قبل دخوله إلى المسرح؟ بدى لي أنه بخير قبل ذلك!
أيدته روز بتعجب: يتمتع بكاريزما عالية فلماذا يبدو وكأنه يمر في أصعب موقف في حياته فجأة!؟

نظرت إلى جاك وروز بضياع ونفيت برأسي بتشتت قبل أن أقف هامِسة بنفاذ صبر: س. سأتصرف.
علي فعل أي شيء، الشحوب الذي يعتلي وجهه.
يصيبني بالإضطراب!
إن صعدت على المنصة فسيوبخني السيد كوفمان بعد الحفل بلا شك، ولكن لا بأس! لا بد أن.
لا بأس دانيال الجميع يتوتر أثناء تواجدهم على المنصة للمرة الأولى
هتف صوت أنثوي بهذه الكلمات بصوت عالي لفت انتباه الجميع!

نظرنا نحو المصدر وقد اتسعت عيناي أحدق إلى من تبتسم بثقة تحدق إليه بتحفيز!
كاثرين؟
بقيت أنظر إليها وقد تملكني شعور غريب يتصاعد في جوفي أعجز عن إحالة ناظري عنها.

أعادت خصلات شعرها الأسود المموج خلف أذنها بينما تصر عينيها العسلية على متابعته فوق المنصة، وربما ما جعل الدهشة والاستنكار يتمكنان مني هو تجاوبه مع ذلك التحفيز وقد ابتسم بهدوء قبل أن تميل ابتسامته إلى التعجرف وقال: إنها بالفعل التجربة الأولى للوقوف على منصة أمام عدد هائل من الحضور.
أضاف يرفع الشهادة: شكراً جزيلاً، آمل ان أحقق المزيد من النجاح مع المجلة أو حتى في المجالات الأخرى.

هذا ليس ما يقوله عادة حول العمل في هذا المجال. أعلم أنه يساير الوضع، ولكنني فقط.
زميت شفتاي بقوة ونظرت إلى كاثرين مُجدداً التي قالت بصوت عالي: زعيم القراصنة آتيوس، يتوق الجمهور لرؤيتك تأسر أميرة الغجر لذا احرص على تقديم أفضل ما لديك.
أخفضت رأسي وجلست فوراً على الكرسي بقوة اتكتف بينما أطبق شفتاي.

تجاوب معها الكثير من المتواجدين ممازحين ومؤيدين بينما تحرك لينزل من على المنصة بينما يصفق له غالبية الحضور.
أنفاسي سريعة.
أصوات الجميع تصبح مزعجة جداً بالنسبة لي!
بقيت أنظر إلى الامام بثبات وبرأس مرفوع أتجاهل حوار روز وجاك بجانبي.
ولسبب ما القيت نظرة جمود على روز التي علقت بحيرة: تلك الكاثرين يوجد فائدة ترجى منها بالفعل! لقد أنقذت الموقف بتشجيعها.

ابتسم سايمون بهدوء: كان الهدوء الذي يعم أرجاء المكان غريباً وثقيلاً.
أيده جاك يتنهد بلا حيلة: نقطة لصالح تلك العارضة، سأدعوها لاحتساء الشراب وقت العشاء.
تمتمت جانيت بإمتعاض: هذا كل ما تفكر فيه.

عندما رأيت دانيال على وشك الوصول شعرت بالإقتضاب الشديد والتفتُ لأنظر حيث تجلس كاثرين بتلقائية، فوجدتها تلاحقه بعينيها بينما ترسم على ثغرها ابتسامة واثقة، وجدت نفسي أقف بسرعة لأنسحب وقد قلت ببرود لروز بجانبي: سأذهب إلى دورية المياه.

رتبت الخصلات المتناثرة من شعري أمام المرآة وقد مررت المزيد من أحمر الشفاه على كلتا شفتاي قبل ان أعيده إلى حقيبتي وزفرت أستند بجذعي على الرخامة الداكنة للمغسلة خلفي.
هذا الأحمق.
يتظاهر بأنه نِد لكل شيء ولا يوجد أي صعوبة سيواجهها والأدهى أنه أفاق فقط إثر تشجيع تلك الكاثرين.

أخذت شهيقاً عميقاً بينما أرفع رأسي للسقف بإمتعاض، أردت تدارك الموقف كذلك! كنت أنوي التصرف وفعل أي شيء ليفيق من نوبة الهدوء الغريبة التي اجتاحته.
منذ متى بدأ يتصرف بهذا الهدوء؟ هل كان هذا بعد الكلمات التي تفوه بها كيفين؟
أو ربما قبل ذلك؟
أياً يكن الوقت الذي بدأ فيه كل هذا ولكن لماذا؟ ما الذي يزعجه إلى هذا الحَد؟

استدرت مجدداً أنظر إلى انعكاسي في المرآة لأرى تعبير الضيق يعتلي وجهي! ضربت كلتا وجنتاي بخفة ومطمئنة نفسي، لا بأس كتاليا ركزي على ما عليكِ فعله، العمل معه أولاً والمصلحة المتبادلة ثانياً.
رغم أن هذا ما أقوله الآن ولكن.
أعترف أنني منزعجة لتدخل تلك الفتاة!

هل اعتقدتُ طوال الوقت أنني الوحيدة التي ستقدم له الدعم المِهني والمعنوي؟ ربما بالفعل لم أستوعب سوى الآن أنه مُحاط بالكثير من الأشخاص المستعدين لدعمه! كاثرين لم تتردد في التصرف بجرأة أمام الجميع وقد كان صوتها جهورياً محفزاً بالفعل.
ربما اعتدت على فكرة أنني المرأة الوحيدة التي سيكون لها إما التأثير الإيجابي أو السلبي على دانيال!

انتبهت لدخول امرأتين تتبادلان الحديث وقد ابتسمتا لي برسمية قبل أن تنهمك كل منهما بتعديل زينة وجهها بينما تكملان الحديث بحماس: آه أخبرتكِ أن كاثرين معجبة به ألم تري مدى رغبتها للتو في تقديم كامل الدعم له!
أعتقد انهما من كانتا تجلسان خلفي!
ياللإزعاج!

تجاهلت ما تتحاوران حوله بينما أستعد للخروج وأخذت حقيبتي لولا أن توقفت لقول الأخرى: أنا واثقة أن لكاثرين فرصة معه، لا يمكن لأي رجل تخطي الموقف الذي حدث! كيف سيكون قادراً على تجاوزه ببساطة؟
أيدتها الأخرى بينما تزيد من وضع الملمع على شفتيها: بالطبع سيشكرها على هذا وبطريقة ما سيتطور الأمر بينهما.
هُراء.

تنهدت احداهما وقالت بلا حيلة: اعتقدت أن أوليفير سيجلس في الصف الذي نجلس فيه ولكن اتضح أنه في الصف الثاني!
علقت زميلتها بيأس: أرجو أن تكون هناك فرصة للقائه، مجرد اجراء حوار سطحي معه سيفي بالغرض! دخلتُ إلى هذا المجال وقد كنت أحلم دائماً بالتمثيل معه في فيلم واحد.
الممثل أوليفير! آه صحيح لقد أدى دور أداء صوتي في إحدى الألعاب القوية للموسم السابق!
أياً يكن.

أكملت طريقي لأخرج من دورة المياه ولكنني سرعان ما تراجعت لأعود بحذر وقد ارتعدت فرائصي ألمح من تمشي بخطى هادئة تطرق بكعب حذائها الأبيض العالي بينما يتحرك فستانها الماروني ذو الملمس الحريري بنعومة، إنها تتجه إلى الممر المؤدي إلى مدخل المسرح كما توقعت سيحين موعد تكريم الشركاء ولن تظهر سوى الآن!
بالكاد التقطت أنفاسي أحكم قبضتي على حقيبتي بقوة!
هانا!

لم تلمحني أو تنتبه لي! على الانسحاب حتى نهاية الحفل وبعدها سأعود لأستكمل ما على فعله حول موضوع مواعدة دانيال.
بقيت أنتظر في دورة المياه للحظات حتى عندما خرجتا الثرثارتين بينما تنظران إلى بحيرة واستغراب، سأنتظر قليلاً فقط وسأخرج لأستقر في أي مكان بعيد تماماً.

اهتز هاتفي قبل أن يتعالى رنينه، أخرجته بسرعة لأرى اسم دانيال، لويت شفتي بغيظ وتجاهلته أغلق في وجهه وتركت الهاتف على الوضع الصامت أعيده إلى حقيبتي.
تشجعت لأخرج بعد أن تأكد من خلو الممر تماماً، سرت بخطى حذرة وسلكت الطريق المعاكس تماماً، بل أنني اتجهت فوراً إلى المصعد ولا أهتم بالمكان الذي سأتجه إليه المهم أن أكون في أبعد نقطة وحسب.
انتهى الحال بي في الطابق الثاني لأتجول فيه.

معظم مرافق اليخت مفتوحة على بعضها البعض عدى الغرف، ولن يكون الولوج إلى الغرف أمر سهل طبعاً لذا على أن أستقر في مكان يمكنني المكوث فيه كما أشاء.
تنهدت بعمق أستمر في التجول دون كلل أو ملل، لم تتغير هانا ولو قليلاً، أنيقة ذات مظهر لطيف كعادتها، بدت جذابة جداً وهي ترفع شعرها الذي يميل إلى اللون الأشقر للأعلى بعفوية ويزين القرط الأبيض أذنيها.
ابتسمتُ دون شعور أحاول تخيل وجهها الذي لم أستطع رؤيته جيداً.

لا أنكر رغبتي في رؤيتها تصعد على المنصة ليتم تكريم جهودها في دعم المجلة بتقديم تصاميم الأزياء التي تعمل عليها.
أتمنى أن أصفق بحرارة واهتف بصوت عالي أمام الجميع بكل فخر في لحظة مماثلة!
كان هذا ما يجول في خاطري عندما وقفت أمام باب لغرفة بدت صغيرة في نهاية الرواق وقد كُتب عليها مَخزن
نظرت من حولي أتأكد من عدم تواجد طاقم العمل قبل أن أعيد ناظري إلى الباب بهدوء.
دانيال:
لماذا تستمر في تجاهل اتصالاتي!

نظرت إلى صديقتها الشقراء مجدداً وقلت بإستنكار: قلتِ أنها ذهبت إلى دورة المياه فلماذا تأخرت إلى هذا الحد؟
عقدت حاجبيها ونظرت من حولها لتنفي برأسها: لا أعلم! لا تقل ما يصيبني بالتوتر لا بد وأنها ستصل خلال لحظات!
زفرت بإنزعاج وأعدت ناظري إلى المنصة التي يتم تكريم الشركاء عليها الآن بينما أهز قدمي دون توقف.
لا تبدو المنصة مكان موحش، ولكنه ولسبب ما كان كذلك قبل قليل!
ما كان ذلك الذي غرقت فيه للتو؟

شعرت فجأة بصعوبة ابصار كل ما حولي، بدى الجمهور بعيد جداً! أنا حتى لا أدري كيف رأيت نفسي أقف في نقطة بعيدة جداً عن الجميع.
لم يبدو الأمر بطيئاً بل بدى وكأنني في مكان لا يجري فيه الزمن!
مهما حاولت فهم ما انتابني آنذاك لن يكون من السهل فعل هذا، ولكن ما أدركه جيداً هو أن الرغبة في النزول والمغادرة قد انتابتني بالفعل!

ذلك لم يكن توتراً، كما لم يكن خوفاً، أنا فقط لا أفهم ما الذي كان يسيطر على وجعل من حركة قدماي أمر في غاية الصعوبة!
النظر إلى الحضور من الأعلى.
لم يكن كافياً!
كما لا فكرة لدي ما ان تعالت أصواتهم أو لا فلقد بدت حاسة السمع لدي مُنهكة لسبب ما.
ما الذي أريده! ما الذي يحدث لي؟

ما الذي أسعى إليه؟ ولماذا ينتابني الغضب منذ أن تشاجرت مع كيفين؟ اعتدنا الشجار دائماً ولكن. كلماته هذه المرة بدت ثقيلة مزعجة جداً! ما الذي يسيّر كارل للتصرف بحذر كما لو كنت مجرد أحمق لن يدرك ما يحدث حوله؟ والأهم.
لا أصدق أنني قبلت مواعدة هذه الفتاة المتهورة بعد أن كنت أشعر بأهمية عدم مجاراة جنونها!
ما الذي سأجنيه من تأدية هذا الدور؟ عندما وافقت. لماذا اعتقدت أنني أحقق في نفسي شيئاً أحتاج إليه؟

وإن كان هذا صحيحاً. فما هو؟
بدت مضطربة ومتوترة بوضوح أثناء وقوفي على المنصة كالمغفل الذي لا يجيد التفوه بحرف واحد، لو لم يتهاوى على مسامعي ذلك الصوت الأنثوي العالي لما رأيتها تقف تنوي التوجه نحوي!
انتابني الخجل من نفسي وقد أدركت صعوبة الموقف الذي أرغمتها على المرور به، صوت تلك المرأة الذي تعالى من بين الحضور جعلني أفيق وأدرك أنني وضعت نفسي في موقف محرج أيضاً!

مهلاً تلك المرأة بدى صوتها مألوفاً! هل هي تلك العارضة التي عملت معها؟ آه ومن سواها لا تفكر كثيراً كما لو كنت ستضيع بين عشرات النساء في رأسك.
ما اسمي؟
ما اسم المرأة التي ستواعدها؟
تردد صوتها المترقب الممتعض في أذني.
تعلقت عيناي على المنصة وأخذت شهيقاً عميقاً أضرب بسبابتي بخفة على هاتفي.
اسمها.
هل من الصعب التفوه به إلى هذه الدرجة؟
لست خائفة من التقرب إليك
ليست خائفة؟ لماذا أنا من ينتابه الخوف إذاً؟

ما الذي أخشاه تحديداً ولماذا أشعر أن قرار مواعدتها. تهور كبير وإن كان مؤقت!
هل كنت أجاريها لأنها بحاجة إلى وحسب؟
أمر ما يزعجني مؤخراً، وزنه أثقل بكثير مما يمكنني تصوره ولا يمكنني تجاوزه كما لو يكاد يكسر عاتقي!
بطريقة ما أصبح الحديث منهكاً، التبسم وإن كان بضمور أو مجاملة بات جهد كبير، حتى الجدال. يستنزف طاقتي!
لماذا أصبح القلق يلازمني؟ ممن؟ أو من ماذا؟

شيء ما يفقدني شغفٌ كان ينتابني دائماً، هناك أمر خاطئ ولكنني عاجز عن تحديده.
لارز فريمان
أفقت من أفكاري وتساؤلاتي عندما وقعت عيناي على من صعد على المنصة بخطى واثقة موزونة يلقي كلمة الشكر رداً على تكريم المجلة له باعتباره شريك مهم.
لارز.
شعرت بالضيق يتصاعد في جوفي أحدق إليه تحديداً إلى سبابته التي يحركها بطريقة دائرية باتجاه عقارب الساعة.
ابن عمها.!

لماذا يوجد شخص لديه عادة تحريك يده بصورة مطابقة جداً لدامين؟ كيف يمكن لصدفة كهذهِ أن تحدث؟
أخفضت ناظري رغماً عني نحو يدي التي ادركت أن الرجفة قد سرت فيها فجأة!

أذى دامين نفسه عندما حرضته على تقليدي بأفكار طفولية حول صنع ساعة مؤقتة، ذلك الهراء جعله يقع ضحية مجدداً لأقاويل اهالي القرية دون توقف، ولكن الفكرة كانت تروقه حتى لو كان يفشل كل مرة في السيطرة على نفسه، تارة ينزف وتارة يترك أثراً يأخذ وقتاً طويلاً ليُشفى.
في النهاية بدأت ألاحظ حركة سبابته التي اعتاد القيام بها بطريقة دائرية في اتجاه عقارب الساعة!

ساعته المؤقتة باتت دائمة بسبب تلك العادة، الأفكار الطفولية منذ زمن بعيد تحولت إلى نتيجة حتمية.
الوقت الذي كان يشعر بتوقفه ويرغب في أن يمضي وحسب. بات يتحرك بالنسبة له!
كانت عادته التي يعجز عن التخلص منها، ربما رؤية هذا الرجل المدعو لارز أثارت في نفسي انزعاج شديد جراء ذلك!
أياً يكن ملامح هذا الرجل تبدو بطريقة ما مألوفة.

لو لم تقل أنه ابن عمها لاعتقدت أنه ذلك الصبي الذي نشأ في دار الأيتام في كلوفيلي! إنه يذكرني بِذلك المُستفز الذي لم يتوقف عن القاء كلماته التي تثير حنقي في كل مرة أزور فيها الملجأ مع أبي!
كان فتى بارد يتحدث بإيجاز دائم، لم يكن يتوقف عن انتقاد كل ما أقوم به مهما قدمت من مساعدة أو عون كبير له!
عندما نزل من على المنصة وضعتُ قدما على الأخرى واتكأت بمرفقي على المسند أنظر إلى هاتفي.

تلك الرسالة التي تلقيتها، بقدر شعوري بالإطمئنان لاستجابة كيدمان أخيراً إلا أنني أشعر بالقلق والغضب في آن واحد جراء كلماته!
فتحت الرسالة مجدداً أقرأها مراراً وتكراراً دون توقف.
أميرتك السيئة مفعمة بالحماس دان، هل سيقتصر الأمر على تشابك الأيدي؟ احرص على أن لا تخدشها بالخطأ
الأميرة السيئة.

الوصف المطابق لما كان مكتوب في تلك القصاصة! تلك لن تكون صدفة، ولكن كيف قد يحصل ذلك الفتى أرنولد على هذه الرسالة أنا لا أفهم!
ولماذا يقول هذا بعد غيابه كل هذه الفترة؟ كيف يكون على معرفة بِها أصلاً؟ من سيجيب على تساؤلاتي بحق الإله لقد ضقت ذرعاً!

اتصلت به من هاتفها لعله يجيب على رقم غريب بينما يتجنبني ولكنه لم يستجب! رغبت طوال الوقت في التأكد ما ان كان بخير واسأله عن سر اختفائه ولكنه عاد برسالة غامضة جعلتني أتلفت من حولي طوال الوقت وقد انتابني شعور تواجده حولي!
تباً له سألكمه بقوة إن رأيته أنا أقسِم بهذا.
زفرتُ أنظر إلى مقعدها الفارغ بنفاذ صبر.
لقد تأخرت كثيراً!

بقيت أسند مرفقي بضجر حتى وقعت عيناي على يدي قبل أن أرفعها أنظر إليها بشرود، هذا غريب. أصبحت لا أمانع تجاوزها لحدودها معي.
الأمر ليس بكوني لا أمانع فقط ولكن. تأثير لمساتها مختلف جداً عما سبق!
انتبهت لصوت صديقتها روز التي تحاول لفت انتباهي وما ان نظرت إليها حتى قالت تشير إلى المنصة: هل ترى تلك المصممة هناك؟

نظرت حيث تشير لأرى امرأة متأنقة تستلم الشهادة من كوفمان ودرع التكريم فأكملت قولها: إنها هانا، شقيقة كتاليا الأكبر.
شقيقتها!
تعجبت كثيراً لقولها وبقيت أنظر إليها أستغرب الهالة المختلفة التي تحيط بها، تبدو أكثر هدوئاً ورزانة ونضوجاً من تلك المتهورة! من السهل أن تترك هذا الانطباع من الوهلة الأولى.
شقيقتها مصممة، وابن عمها ذاك يعمل في المجال الفني.
عائلة طموحة تجيد التمسك بأهدافها!

لماذا هي مُجرد مصورة؟ يبدو لي أنها قادرة على تولي ما هو أكبر بكثير، ان كان والدها يدير مدينة إعلامية فلماذا لم تقم باستثمار كافة الفرص أمامها؟
هل أتخيل أم ان شقيقتها تبدو كما لو تبحث بعينيها عن شخص ما بين الحضور؟

آه تباً أياً يكن لماذا تأخرت كثيراً؟ هل أتصل مجدداً أم أخرج لتفقدها وحسب!، كان هذا ما يجول في عقلي قبل أن أنوي الوقوف ولكنني تفاجأت بمن تحركت أمامي تسحب مقدمة فستانها الأحمر وجلست على المقعد الفارغ بجانبي!
أجفلت وجلست مكاني بإضطراب حين قالت بصوت مليء بالغنج والدلال تقرب كتفها من كتفي: هنيئاً لكَ دانيال تستحق أن يتم تكريمك.
تنحنحت الشقراء روز وقالت ببرود وحدة: مهلاً عزيزتي كاثرين، إنه مقعد كتاليا!

أجابتها بينما تستمر في النظر إلي: لا بأس لن أطيل البقاء هنا أردت تهنئة دانيال فقط.
أسرعت أميء برأسي إيجاباً وقلت بصوت متهدج أنظر بعيداً: شكراً!
اتسعت عيناي ما ان مررت سبابتها على أحد عروق كف يدي هامسة تخفض عينيها: لا يوجد ما ترغب في قوله لي؟
هاه؟ اقول ماذا! تباً لماذا هي قريبة إلى هذا الحد؟ أبعدت يدي بسرعة وتنحنحت بإنزعاج أقول بإضطراب رغماً عني: المقعد ليس شاغراً كما تعلمين لذا عودي حيث مقعدك.

ابتسمت بعبوس: لئيم!
تدخلت صديقتها مجدداً لتقول بإمتعاض: هيه أنتِ! أخبرتكِ أنه مقعد كتاليا!
علي أن أنسحب من هذا المكان فوراً، لقد كانت محقة الأماكن المكتظة لا يشترط أن تكون آمِنة!
وفقتُ أنوي الابتعاد ولكنها وقفت كذلك بترقب! يا لها من. عنيدة مثابرة!
عمّ الهدوء المكان للحظة ما ان انقطع التيار الكهربائي على حين غرة! تلى هذا الصمت قلق الجميع والبعض كانو يلقون بطرف ممازحة جراء هذا الانقطاع.

المكان مظلم جداً، بدأ معظمهم بإنارة هواتفهم ليقول مقدم الحفل من على المنصة بصوت عالي قدر الإمكان: مجرد انقطاع في الكهرباء نأسف على هذا، سيعود الوضع إلى طبيعته بلا شك لننتظر.
لا يبدو أن الأمر يزعج أي شخص هنا فالغالبية يبدون مستمتعين بما يحدث!
سمعت صوت جاك الذي قال بملل: رغم أنه أحد أفضل اليخوت في البلاد، يا للإهمال.
أيده سايمون بعدم رضى: أمر غير متوقع.

شهقت بخفة أستشعر الجسد الذي اقترب مني وتلاه يدين تحتضنني ثم صوت أنثوي مضطرب: دانيال المكان مظلم جداً ابقى بالقرب مني!
اللعنة كيف من المفترض أن أتخلص من هذه العثة! حاولت ابعادها ولكنها عاودت تقول بإصرار تتمسك بي: لا تكن لئيماً في ظروف كهذه أيضاً!
إنها أقرب من اللازم بكثير! هذا خطير جداً تحركات هذه الفتاة غير معقولة!
من بحق الإله يشعر بالخوف بينما يتمسك بالآخرين بهذه الطريقة المريبة!

خرج صوتي حازماً أحاول ابعادها عاجزاً عن رؤية أي شيء بوضوح: لقد قلتُ ابتعدي و اجلسي وحسب! تحتاجين إلى دروس مكثقة في كيفية منح الآخرين مساحتهم الخاصة! ابتعدي ألا تسمعينني؟
م. مهلاً!
تسارعت أنفاسي المتقطعة عندما استشعرت عناقها إياي بل ولامس شعرها ذقني!
حسناً لقد طفح الكيل!

كنت على وشك دفعها مضطراً لاستخدام القليل من العنف معها ولكنني تقدمت للأمام رغماً عني وقد تأوهت هي جراء ذلك تتمسك بسترتي ما ان دفعني شخص آخر مِن الوراء!
عقدت حاجباي أحاول تضييق عيناي في الظلام اعجز عن رؤية من قام بالارتطام بي فجأة، الإنارة خافتة جداً وهواتف الجميع لن تكون كافية فمساحة المكان ضخمة جداً!
تداركت الموقف ودفعتها فتركتني تعترض بضيق: دانيال أنت بالفعل قاسٍ متبلد المشاعر!

أيدتها بغيظ: هذا صحيح لذا ابتعدي.
استدرت أمد يداي أتحسس المقعد لأجلس عليه وما ان فعلت حتى عاد التيار الكهربائي من جديد أخيراً!
صفق الحضور ضاحكين باستمتاع بينما القت هي نظرة منزعجة على وجلست على المقعد الشاغر بجانبي بعناد!
لقد فقدت الأمل.
ويتوجب على مغادرة هذه القاعة حالاً!

هذا ما فعلته وقد تجاهلتها تماماً، ولكن يُقال أنه يوجد أشخاص في هذا العالم لم يسمعو يوماً عن الكبرياء أو الحدود الشخصية! فلقد ابتسمت بحماس وترقب تتبعني!
اسرعت في خطواتي وتخطيت بعض المصورين لأخرج، ما ان خرجت من الباب ووصلت إلى المصعد حتى لمحتها قد خرجت كذلك.
هي ليست مثابرة وإنما مجنونة! هذه الكاثرين. كارثة حتمية!

ضغطت على أزرار المصعد ولكنه تأخر فاضطررت لصعود الدرج أتجاوز الكثير من الدرجات لأصل بسرعة، وصلت إلى الطابق الثاني وقد سمعتها تنادي معترضة: مهلا لا يمكنك أن تكون جاداً! الحديث لن يضرك بحق الإله.
وكأنها تنوي الحديث فقط!
مشيت بخطواتي الواسعة أتساءل عن افضل مكان مناسب لأتوارى فيه عن أنظار هذه العنيدة! لماذا كل المرافق هنا مكشوفة تماماً؟

ضيقت عيناي بتركيز نحو نهاية الرواق، إنه المكان الوحيد الذي يمكنني البقاء فيه مؤقتاً لذا لا بأس.
اتجهت حيث تلك الغرفة وقد تصرفت بهدوء ما ان لمحني أحد العاملين هنا، أكملت طريقي وما أن وصلت حيث اكتشفت انه مجرد مخزن!

قد تكون فكرة سيئة ماذا لو بدوت غريب الأطوار ان دخل أحد العاملين إلى هنا! سيتساءل بلا شك عن سبب وجودي فكيف من المفترض أن أبرر له بحق الإله؟ ثم ستأتي تلك المزيفة فجأة ولن تتوقف عن ازعاجي بعتابها.
دانيال عليك أن تنتبه لتصرفاتك وتتحمل المسؤولية ماذا لو أسأت إلى سمعة المجلة؟
هذا ما ستقوله بلا شك!
أفقت من أفكاري مذهولاً للباب الذي فُتِح وقد رأيت تلك العيون الرمادية تحدق إلى بتفاجؤ!
ما الذي. تفعله هنا!

نظرت إلى يساري ما ان سمعت صوت من نادت بإمتعاض: أين أنت! دانيال أريد التحدث معك فقط لماذا تتصرف بوقاحة!
شهقتْ بدهشة وهي تنظر إلى بعدم استيعاب ما ان تجاوزتها ودخلت إلى المخزن لأقول بتحذير: اخرجي وأغلقي الباب خلفك حالاً.
اتسعت عينيها بعدم فهم وما ان لمحت تلك الفتاة حتى عادت للوراء لتدخل وأغلقت الباب لتنظر إلى باستغراب: ما خطبك؟
هذا المخزن صغير جداً!
اعترضتُ أنظر من حولي: لماذا سقف هذا المخزن منخفض جداً!

أجابت ببرود: ربما المشكلة تكمن في قامتك، أياً يكن ما كان هذا للتو؟
سألتها أتجاوز قولها: ما الذي تفعلينه أنتِ هنا؟
رفعت كتفيها بفتور: أردت الاسترخاء قليلاً؟ ماذا عنك؟
الاسترخاء في مكان كهذا؟ كنت أعلم أنها كاذبة سيئة ولكن ليس بهذا المستوى!
ابتسمت بتهكم وتكتفت اسند ظهري على الباب: ببساطة هارب وأحتاج إلى ملجئ.
عقدت حاجبيها بعدم اقتناع: هارب؟ من تلك الفتاة؟

أومأت ونظرت إلى أحد الصناديق الفارغة قبل أن أجلبه لأطويه وأجلس فوقه أتنهد بعمق، بقيت تنظر إلى حتى رفعت رأسي وتساءلت باستنكار: ماذا!
ما هذا التعبير الذي يعتلي وجهها! ما قصة هذا الجمود الغريب؟
هارب إذاً.
قالتها بسخرية وأعقبت ببرود: لماذا قد تهرب من شخص بذل جهده في تحفيزك! ناكر للجميل.
أضافت تشير بذقنها نحو قميصي: تأخرت قليلاً بالهرب.

عقدت حاجباي بعدم فهم وأخفت ناظري نحو قميصي ولكنني لم ارى ما يثير الحيرة!، أخرجت من حقيبتها مرآة صغيرة والقتها على فالتقطتها لأنظر إلى انعكاس قميصي ولكنني ذهلت بأن ما تشير إليه لم يكن على قميصي تحديداً!
ابتلعت ريقي بصعوبة ورفعت يدي أمسح الأثر الأحمر أعلى ياقتي لأقول بغيظ وتوتر: ح. حدث هذا بالخطأ عندما انقطع التيار الكهربائي!
أضفت أنظر إليها بحزم: لا تحلقي بأفكارك كما يحلو لكِ لقد حاولت تلك الفتاة م.

قاطعتني تشير بيدها بعدم اكتراث: لا تنهك نفسك بالتبرير لست مضطراً لذلك كما لا يوجد سبب يدعوك لهذا أصلاً.
لا يمكنها أن تكون جادة!
زفرت منزعجاً ولم أعلق وقد اكتفيت برفع المرآة فأخذتها مني لتعيدها إلى الحقيبة.
جَلستْ على الكرسي الوحيد الموجود في هذا المخزن الصغير وقد وضعت قدماً على الأخرى بصمت.
لماذا تتصرف هكذا؟ بدت طبيعية منذ الصباح فما الذي حدث فجأة؟

هل لن تبوح بسبب وجودها هنا في المقام الأول، هل على أن. التزم الصمت هذه المرة؟
مضى وقت منذ جلوسنا على هذا الحال في صمت مطبق، في النهاية عجزت عن كبح رغبتي في السؤال وقد قلت بهدوء: تم تكريم ثلاثة من أفراد العائلة في يوم واحد، لديكِ عائلة طموحة ناجحة.
أطرقت برأسها وأومأت إيجاباً قبل أن تقول بصوت منخفض: لا بد وأنها كانت متألقة جذابة، أرجو أن الجميع قد صفق لها بحرارة.

لا تتحدث عنها بحماس رغم كونها شقيقتها!
لماذا هذا التحفظ الغريب؟
ربما على تغيير الموضوع، أو الصمت وحسب؟
اخترت الخيار الثاني وقد مضى المزيد من الوقت في هذا الصمت الثقيل، حتى كسرته هي هذه المرة تنظر إلى بترقب: تبدو الآن بخير، ولكنك لم تكن كذلك.

أشحت بوجهي بعيداً فاستكملت: لا أنوي التدخل في شؤونك، أعلم أن علاقتنا رسمية مهنية ولكنني لا أنكر أن رؤيتك تتصرف بهدوء شديد قد أزعجتني، إن كان هناك ما يضايقك بشأن العمل أو أمور أخرى فعليك أن.
صمتت بتردد واضح فقلت بفتور وسخرية: أن ماذا؟ استشيرك؟
قلّبت عينيها بإنزعاج وتمتمت: أياً يكن.
ربما لا مهرب من رغبتي في السؤال فلا يمكنني البقاء حائراً أكثر بشأن ذلك الرجل!، سألتها بجدية: ابن عمك، ذلك المدعو لارز.

أثارت كلماتي اهتمامها فنظرت إلي: ماذا بشأنه؟
ما الذي على قوله حتى؟ وكأنني أجد الطريقة الأمثل للسؤال!
بحثت عن الكلمات الأنسب ولكنني لم أجد، لذا بدلاً من ذلك وجدت نفسي أقول على مضض: لماذا ترفضين مواعدته؟ ثم ألا بأس بفرض والدك أمر كهذا؟ اعتقدت أن سكان المدينة أكثر حرصاً على عدم الارتباط بأفراد العائلة! من النادر سماع امر مماثل.

أتى جوابها بينما تحني جذعها للأمام تسند ذقنها على كفها بتفكير كما لو تردد كلماتي في عقلها بإنزعاج!
أشحت بوجهي فوراً مدركاً للطريق الذي سلكته كلتا عيناي، انتقاء هذا الفستان كان فكرة سيئة جداً.!

أخبرتها أن هذا الفستان يكشف الكثير ولا سيما ظهرها فلماذا بحق الإله لا تشعر بالمسؤولية ولو قليلاً؟، اعتدلت لأجلس أتعمد ان يكون كتفي الأيسر مواجهاً لها وقد ترقبت قولها حتى قالت: قام عمي بتبني لارز في عمر مبكرة، لذا لا يوجد ما يمنع أبي من فرض هذه المواعدة بيننا.
مُتبنى؟
مهلاً!
أين كان قبل ذلك؟ أين ترعرع تحديداً؟
سألتها باندفاع أنظر إليها بشيء من العصبية وقد استسلمت لعشرات الاحتمالات في رأسي!

عقدت حاجبيها بحيرة واستقامت على الكرسي بينما تجيب: قرية كلوفيلي، المكان الذي نشأت أنت فيه أيضاً، هل يشكل هذا فرقاً؟
تم تبنيه من كلوفيلي؟
نفيت برأسي بتدارك وقلت بكلمات سريعة: من أي عائلة؟ ما الذي تعرفينه عنه قبل تبنيه؟
لقد نشأ في دار الأيتام! ما الأمر؟
تساءلت تحدق إلى بتمعن في حين فغرت فاهي قليلاً باستيعاب.!
كما ظننت!
هذا. منطقي الآن!
نشأ في دار الأيتام في القرية!

لا عجب في الشكوك التي راودتني! لذا بدى مألوفا كنت أعلم أن ملامحه ليست غريبة علي! إنه ذلك الفتى بالفعل!
هل قابل دامين؟ هذا يُفسر حركة يده المماثلة له!
أتذكر أنه في مثل عمري تقريباً، هذا الفتى كان مُجرد. مصدر ازعاج حقيقي بالنسبة لي!
أغمضت عيناي بإنهاك وأسندت رأسي على الباب للوراء، سمعت دفعة خفيفة للكرسي وقد استشعرت ابتعادها عنه، فتحت عيناي فوجدتها تقف تنظر إلى باستنكار: إذاً لقد سبق ورأيته في طفولتك.

أومأت بشرود: هذا العالم صغير بشكل غير معقول.
جثت أمامي فوراً وارتخت ملامحها بعدم تصديق: هكذا إذاً! كيف التقيتما؟ منذ متى؟ هل درستما معاً؟

جلستُ متربعاً بينما أجيبها: كان أحد الأيتام الذين تميزو في الملجأ، اعتاد أبي أخذنا إلى هناك بين الحين والآخر، أحياناً كنا نساعده في اعداد الطعام لكافة الأيتام، وأحياناً كان يعلمهم شؤون الحراثة والزراعة، كما أنه كان يتبرع بالكثير من ممتلكات مزرعته لأجل الملجأ، بالإضافة إلى الهدايا التي كان يشتريها لأجلهم.

أومأت بفهم واهتمام وقلصت المسافة أكثر بتلقائية وهي تجلس أمامي: فهمت! السيد هاريسون رجل شهم بطبعه منذ زمن حقاً، ولكن ما الذي تميز به لارز؟
انتابني شيء من الانزعاج بينما أتمتم بإيجاز: لا شيء يُذكر.
اعترضت بعناد: مهلاً أخبرني ما الذي تميز به؟
تجاوزت الحاحها وقلت بجدية: يبدو بمثل عمري تقريباً، ولكنه يدير قطاع كامل. هل لنفوذ عمك دور في هذا؟
ابدت انزعاجها من تغيير الموضوع: ليس قبل أن تجيبني!

رفعت يداي اشبكهما خلف رأسي بفتور: رجل ناجح ومميز في مجاله ويبدو لي أنه سيكون نوع والدكِ المفضل، لماذا ترفضين مواعدته؟
طرفت بعينيها تنظر إلى بحنق قبل أن تتساءل: بماذا ستخدمك اجابتي دانيال؟ لقد لجأت إليكَ عوضاً عن أي شخص آخر وقد وافقت على تقديم الدعم!
إذاً. إن أصر والدك مجدداً هل ستستسلمين طوعاً؟ ما نفعله سيثير سخطه بلا شك!
سيغضب، قد أتلقى مختلف أنواع العقاب ولكن لا بأس، كما سأتحمل كافة المسؤولية.

ماذا لو. كان لارز نفسه من سيقدم على هذا الطلب؟
هاه؟ لماذا قد يفعل! بالطبع لا.
تبدين واثقة!
أومأت بهدوء دون أن تعلق، لا أدري ما الذي يثلج صدري ولكن. ينتابني شعور الطمأنينة على الأغلب!
تلك العارضة كاثرين.
تمتمت بهذه الكلمات تشيح بوجهها وأكملت على مضض: كنت شارد الذهن حتى هتفت لك بأعلى صوتها، بدلاً من الامتنان لها هربت منها، أنا لا أفهمك!

ما هذا فجأة!، اعترضت مزمجراً بإزدراء: كفاكِ سخفا عن أي امتنان تتحدثين انها لا تكف عن التصرف بتودد وجرأة مطلقة! حسناً لا أنكر أنها قدمت يد العون ولكن لا يجب أن تفعل هذا بمقابل أو تستغل الأمر بهذه الطريقة!
أردفت بإنزعاج: لقد كنتِ تقفين وبدوت على استعداد للصعود على المنصة لم أرغب في أن يسوء الوضع أكثر أنا لا أنوي احراجك أمام الجميع! ومع ذلك أعترف ان صوتها قد أرغمني على تدارك الوقت والمكان فوراً!

ارتفع حاجبيها بحيرة تحدق إلى بعدم استيعاب لتردد: لا تنوي. احراجي؟
زفرت بضجر ووقفت اهندم بدلتي: لست متفرغاً لعذلك المستمر وثرثرتك ان ساءت الأمور تكفيني خطتك المتهورة التي تنوين تنفيذها، كوني على يقين بأنني أضحي بشبابي لأجل أفكارك الطفولية!

بقيت تنظر إلى بتعجب حتى وقفتْ وتكتفت بحزم: وما سر تقلباتك المزاجية في الآونة الأخيرة إذاً؟ كيف أستطيع التوقف عن عتابك بينما تتصرف بغموض تارة وبطريقة مختلفة تارة أخرى؟
أضاف بما جعلني امتعض لقولها: هل تعاني من أي تغييرات هرمونية دانيال! تقلبات مزاجك أسوأ من امرأة على وشك ان تضع مولودها السابع!
يالوقاحتك! هل هذا ما تقولينه لرجل تسعين من خلاله لتحقيق غايتك!

اقتضبت ونظرت إلى الساعة حول معصمها ثم قالت: سيحين الوقت، مستعد؟
تفاجأت بها تقترب على حين غرة وقد رفعت يدها نحو عنقي تمسح بقوة لتقول بحدة: قم بمسح اثر احمر الشفاه جيداً أيها الأحمق! أياً يكن انصت إلي.
ابعدتُ يدها واستكملت بنفسي مسح الأثر جيداً لأنصت إليها بترقب.

أعقبت تتنهد بإنهاك: وهذا ما ستفعله في النهاية وبذلك سيتفاجئ الجميع ويقتنعون بمدى عمق علاقتنا، هل فهمت؟
نفيت برأسي بذهول وتراجعت للوراء: مهلاً! أنتِ مجنونة! لقد تماديتِ كثيراً ما تقولينه لن يصل إلى والدك فقط، قد تتداول البلدان المجاورة الهراء والعار الذي تنوين القيام به!
ابتسمتْ بثقة: كيف يفترض أن يقتنع إن لم يكن للأمر وقعاً ثقيلاً؟

اعترضت بحدة وقد نال مني الإرتباك الشديد لمجرد تخيل الأمر: لا يمكنك أن تكوني جادة! أخبريني حالاً أنها مجرد مقدمة شيقة سخيفة!
لوت شفتيها بإقتضاب وعقدت حاجبيها بعدم رضى: لديكَ طريقة أخرى؟ أطربني!
فكّرت بتشتت وتوتر: لا فكرة لدي ولكن أي شيء آخر سيكون افضل من هذا الجنون!
اقتربت وأحكمت قبضتها على يدي بجدية: لنذهب. لا تهدر الوقت علينا فعل هذا قبل أن يسلك اليخت طريق العودة!

رفعت يدي الأخرى استوقفها ورفضت التحرك ولو خطوة واحدة: قلتُ مهلاً! لا أؤيد هذه الفكرة أبداً، سيلاحقني هذا على مدار عقود طويلة، إن كنتِ تعتقدين أنني أنوي هدر سنوات عمري بالمعنى الحرفي فأنتِ مخطئة، سيكون لي مستقبل مع امرأة يوماً ما كيف بحق الإله سأكون قادراً على النظر إلى وجهها حتى!
طرفت بعينيها بتعجب قبل أن تضحك بخفوت!

استمرت في الضحك وقد تركت يدي حتى نفيت برأسها وقالت من بين ضحكاتها: أشعر بالشفقة دان، ولكنني مضطرة لأعترف لك بأن هذه الفكرة كانت الأفضل من بين الأفكار الأخرى التي راودتني.
إنها.
أخطر من كاثرين بمراحل عديدة!
هل يوجد امرأة عاقلة في هذه المدينة بحق خالق الكون؟
أشحت بوجهي بانزعاج وقلت ببرود: أعارض الفكرة، إنه قراري الأخير.

أخذتْ شهيقاً عميقاً وزفرته مفكرة: حسناً سأكون أكثر رأفة ورحمة، سأنتقي كلمات بمستوى أقل حِدة، أعدك.

أغمضت عيناي بنفاذ صبر قبل أن أنهرها: المشكلة ليست في الكلمات نفسها وإنما في الفكرة! ندخل إلى غرفة التحكم بصوت المسرح وقاعة الطعام ونفتح المايكروفون عن طريق الخطأ بينما نتحدث ك. كعشاق يحاولون الاختلاء في مكان بعيد؟ هل تعلمين ما يعنيه هذا بحق الإله؟ يا فتاة أنا واثق أن والدك هو الضحية في هذه القضية بِرمتِها الآن!

احتدت عينيها وعضت على طرف شفتيها بقهر قبل أن تدك بقدمها بحدة: أنت تهدر الوقت دانيال! لا انوي ان يمر هذا اليوم دون التخلص من مخاوفي هذه لذا سأنفذ ما أريده حتى لو.
ترددت بإمتعاض قبل أن تتحرك نحو الباب: حتى لو عنى ذلك اللجوء إلى شخص آخر.
اللجوء إلى شخص آخر! رجل سيقول ذلك الهراء ببساطة؟ وسيتعامل وكأنه مجرد دور عليه تأديته؟

أجفلتْ في مكانها باستغراب حين ارتد الباب الذي فتَحَتهُ عندما استوقفتها بيدي التي ضربتُ بها على الباب بقوة!
التفتت تنظر إلى بعدائية: ماذا؟ ابعد يدك!
أبقيتُ يدي بِجفاء وهمست بتحذير: لدي اقتراح آخر.
ابدت اهتمامها مرددة: اقتراح؟ أنا أنصت!

ابعدت يدي وتحركت لأجلس على الكرسي وقلت بجدية: إن عدتُ أدراجي فتلك العارضة التي لا تسأم ستحاول التودد مجدداً، حينها يمكنكِ التدخل وسنعلن ببساطة أننا نتواعد! تبدو لي فكرة أبسط وأقل تأثيراً، ليست معقدة ومنطقية أكثر!
عقدت حاجبيها بعدم اقتناع واسندت ظهرها على الباب بتفكير متمتمة: الاستعانة بكاثرين؟ اسمع، لا تبدو فكرة الاستعانة بها سيئة ولكن طريقتك مبتذلة وتقليدية جداً!

لماذا عليكِ ان تبدعي في أمر كهذا؟ إنها مجرد أدوار مؤقتة فلماذا يجب أن نتصرف وكأننا في فيلم غير اعتيادي!
كلما كان الأمر مفاجئاً كلما فقد أبي الأمل!
أعقبت بجدية: مهلاً، يوجد امرأتين لن تتوقفا عن الثرثرة!، تتحيزان لكاثرين بوضوح، إن استطعت لفت انتباههما لحقيقة مواعدتنا فأنا واثقة أن الأمر سينتشر في الأرجاء في طرفة عين!

عندما انهت كلماتها تعالى رنين هاتفها، نظرت إلى الشاشة وقالت على عجالة: إنها روز، سوف تقلق لتأخري، لنسرع دانيال فكّر معي!
الاستعانة بالنساء لنشر الأقاويل؟ ولكن. سيكون هذا بطيئاً في رأيي بينما تريد هي نشر الأخبار بسرعة وبشكل مفاجئ!

يبدو أنها قرأت التساؤلات على وجهي إذ علقت تبتسم بثقة: إياك والاستهانة بالنساء في أمور مماثلة، إن كانت فكرة غرفة التحكم بالصوت ستنشر الخبر للبلاد المجاورة فثق بي عندما أخبرك أن النساء وسيلة نشر عابرة للقارات.
إلى هذه الدرجة؟
ومع أنني لم أقتنع ولكنني حاورتها باهتمام: كيف سنلفت انتباههما؟

فكرت قليلاً قبل أن تقترح: قاعة الطعام التي كنا ننتظر فيها في البداية، رأيت أكثر من شرفة هُناك! سينسحب العاشقان إلى الشرفة للحصول على بعض الخصوصية، هناك نتظاهر ونحسن تأدية أدوارنا، الأهم هو استدارجهما وحسب!
آه نعم وكيف هذا!
أوليفير.
عقدت حاجباي بعدم فهم: من هذا؟
تحركت في مكانها غارقة في أفكارها: ممثل مشهور، إحداهما مُعجبة به كثيراً وتطمح لرؤيته شخصياً، سأستعين باسمه لذا لا بد وأنها لن تقاوم حماسها.

هذه الفتاة.
مخيفة!
كتاليا:
ما أن وصلتُ إلى المدخل الذي يسبق المسرح حتى ابتسمت لروز التي نهرتني تعقد حاجبيها: أينَ كنتِ لقد تأخرتي كثيراً كات! تجاهلتي رسائلي واتصالي يفترض أن تبرري غيابك المفاجئ، هل كل شيء على ما يرام؟

وقفت جانيت بجانبها تحدق إلى بتمعن قبل أن تلقي نظرة على دانيال الذي يقف منصتاً إلى حديث سايمون عن أحد المطاعم وأصناف الطعام فيها، ثم أعادت ناظرها إلى وقالت ببرود: أنتما الإثنان. تبدوان على وفاق تام! أقرب بكثير مما سبق، هل تطورت الأمور بينكما؟
فرصتي!
رسمت ابتسامة مُحرجة وقد أخفضت ناظري اعيد خصلات شعري خلف أذني: أ. أنتِ تبالغين في التفكير.

طرفت روز بعينيها باستغراب شديد وحدقت إلى دانيال ثم همست بعدم اقتناع: كتاليا، هل. تقدمت علاقتكما بعد كل هذه الفترة التي قضيتها في منزله؟ لقد انسحبتِ من مقعدك أولاً ثم لحق بكِ!
أكملت باستنكار ودهشة: هل تحرر من صعوبة التعامل مع النساء؟
ترقبتا ردي فقلت أشيح بوجهي: قلت بأنكما تبالغان في التفكير، إنه. مجرد صديق!

لوت شفتيها بعدم اقتناع في حين دفعت جانيت نظارتها بسبابتها وقالت ببرود تتمعن النظر إلي: اختفى كلاكما فجأة، ثم عدتما معاً. مجرد صديق؟
لا بأس بإثارة المزيد من الشكوك فسيكون الحدث الأهم مقنعاً أكثر!
ولكن.
ينتابني تأنيب الضمير!
لا اشعر بالراحة للجوء إلى هذه الأساليب مع روز وجانيت.
ابتلعت ريقي وقد انتابني التردد رغماً عني!
رأيت دانيال الذي كان يسأل سايمون بإنهماك: اللحم المشوي بصلصة المَحار؟ يبدو هذا لذيذاً!

ابتسم سايمون وأومأ فوراً: أكثر مما تتصور! لم تجربه مسبقاً؟ لا بد أن تزور المطعم كما أن أسعاره ليست باهظة جداً!
اعدت ناظري إلى روز وجانيت وقلت بلا حيلة: توقفا عن التحقيق بهذا الشأن، هل سنتناول الطعام أم لا؟

هانا ليست متواجدة هنا، على الأغلب ستفضل تناول العشاء بهدوء في المكان الذي يشعرها بالاستكنان، لطالما كانت تكره الاماكن المكتظة والأجواء المماثلة، اعتادت الاحتفال في أجواء هادئة جداً، مثلاً طاولة عشاء بسيط مع أفراد العائلة، مائدة يجلس عليها الأصدقاء المقربين فقط، أو قاعة تجمع من تشعر بينهم بالراحة.

كان سماع تواجدها في هذا الحفل منذ البداية مفاجئاً لي، ولكنني واثقة أنها ستختار البقاء في مكان يتميز بالهدوء لحين عودة اليخت إلى الساحل.
توقفت عن التلفت من حولي وتحركنا جميعنا نحو قاعة الطعام حيث بدأ معظم الحضور بالتجمهر فيها.
بحثت بعيناي عن المرأتين بينما أضع الطعام في الطبق واتبع روز وجانيت.

القيت نظرة خاطفة على دانيال فوجدته لا يزال منهمكاً في حديث مع سايمون ولكنه قد امتعض الآن ما ان اقترب منهما جاك كذلك.
ابتسمت بلا حيلة واستكملت وضع الطعام في طبقي، استشعرت وجود جَسد يقف إلى جانبي فالتفت لأستنكر وقوف لارز يحدق إلى بهدوء وتمعن!
هل ينوي لارز حقاً تنفيذ أوامر أبي؟ لماذا يبدو جاداً بهذا الشأن! يفترض أنني. أساعد كِلانا اليس كذلك؟
تساءلت بهدوء وحذر: م. ماذا؟

تقدمتا روز وجانيت أكثر وكدت الحق بهما لولا ان احال الطريق عني وتمتم بصوت بارد خافت رغم التحذير في كلتا عينيه: سيجن عمي إن نفذتِ أيا من أفكارك المجنونة، تعقّلي.
ابتسمت بهدوء: اتفقنا على العثور على حل مناسب، اليس كذلك؟
ولكنني واثق أن الحلول في جعبتك ما هي الا كارثة!
أعقب ببرود وقد اختلج صوته جمود محذر: طلبت منك التصرف قبل الحفل، وليس الآن!

ضاقت عيناي بشك: لماذا انت عاجز إلى هذا الحد أمام قرار أبي؟ هل هناك ما تخفيه؟ الأمر لا يتعلق بباتريك وحده صحيح؟
تجاهل سؤالي وقال: اتبعيني.
لن أفعل.
قلتها بحزم فقال بصوته البارد: طلب مني عمي اعلان أمر مواعدتنا في هذا الحفل، ولكنني أحاول مماطلة الموضوع لذا إياك والتهور.
نفيت برأسي بهدوء: لا أصدقك، أعلم بالفعل بما ينوي أبي فعله! لن تضعني أمام الأمر الواقع.
لا تتصرفي بطفولية!

حذرني وقد علت نبرته قليلاً، ابتعدت عن طريق من يرغبون في وضع الطعام وقد قلت أنوي التحرك خلف روز وجانيت: دعني وشأني أنا لا أفعل هذا لأجلي أنا فقط، فهذا ما تريده أنت أيضاً! لم تتوقف عن الاتصال بي وتهديدي بشأن دانيال لتتعاقد معه فلماذا تراجعت الآن؟
تفاجأت به يقف أمامي يمنعني من التحرك وقد تجهم وجهه وهمس: كل صغيرة وكبيرة ستصل إلى عمي فوراً، إن أدرك ما تنوين القيام به فثقي بأنكِ س.

ما الذي أنوي القيام به؟
سألته ببرود فأتى جوابه بشيء من التهكم: دخلتِ بينما تتأبطين ذراع ذلك الرجل فما الذي ستنوين فعله يا ترى؟
اشحت بوجهي واحكمت قبضتي على الطبق: أنفك كَبير جداً فلتبقيه بعيد عن شؤوني، لقد اتخذت قراري بالفعل.
عادت روز وجانيت أدراجهما تنظران إلى بترقب فقلت بصوت عالي بينما ابتسم: مهلاً أنا قادمة.

سمعته يزفر بنفاذ صبر وقد أسرعت نحوهما، حدقت روز إلى وقد تساءلت: كتاليا هل كل شيء بخير؟ لماذا تبدين في وضع فوضوي اليوم!
نفيت برأسي فوراً: مِن الطَبيعي الجدال مع لارز كلما التقينا لا داعي للقلق، هل نتناول طعامنا على تلك الطاولة هُناك؟
استمرت روز بالنظر إلى بتشتت وعدم اقتناع في حين اتجهت جانيت إلى الطاولة التي اشرت إليها.

وقبل أن أتبعها استوقفتني روز بنبرة هادئة قلقة: كتاليا! هل حقاً. كل شيء على ما يرام؟
أشعر بالذنب! لا أصدق أنني مضطرة لهذا الكذب الآن، لا أريد أن أصعب الأمر على نفسي! وكأنني قادرة على التفوه بأسبابي وبما يسيّرني لكل هذا!
ابتسمت لها مطمئنة وممازحة: لا ترهقي نفسك بالتفكير، لو كان ديفيد هنا لانشغلتِ بالشجار معه بلا شك، هيا تحركي!

استقر بنا الحال على الطاولة لنتناول الطعام، القت روز نظرة خاطفة على طبقي وقد ضاقت عينيها قليلاً وتجهم وجهها فقلت أشير لها بلا حيلة: لا تنظري، لا أريد الشعور بالحرج لرؤيتك تتقيئين كلما رأيت طبقاً مليئاً بالطعام.
أومأت واشاحت بوجهها متذمرة بإشمئزاز: الكثير من التحلية والطعام الغير صحي كات. أياً يكن.

سايرتها بملل: حسناً فهمت، ولكن لا يوجد في الأرجاء أطعمة تناسب ذوقك النادر لذا عليكِ التأقلم مع الوضع مؤقتاً.
علقت جانيت بهدوء: ابن عمك، لا يتوقف عن التحديق إليكِ.
نظرت حيث يقف لارز مع أحد الرجال وقد القى على نظرة خاطفة كما لو يخبرني بكلتا عينيه بحاجته إلى حديث منفرد!
حتى لو استمر بالتحديق إلى لثلاثة عقود مستمرة، وكأنني سأفعل هذا!

إنه مجرد فخ! إن كان لن يرفض لأبي أي طلب فأنا واثقة أنه سيفعل المستحيل ليحقق ذلك! مماطلة؟ لماذا إذاً لم يماطل الأمر منذ البداية؟
أخبرتها بتبرم: لا أرى سوى طبقي.
اسندت روز مرفقها على الطاولة وابتسمت تأكل من السلطة والدجاج المشوي في طبقها: يبدو ان العيش مع دانيال جعلكِ شرهة في تناول الطعام! هل كنتِ تتناولين هذه الكميات المهوولة مسبقاً؟

نفيت برأسي بسخرية: لم أكن أجرؤ، ولكن لا بأس لا أفعل هذا عادةً أنا فقط جائعة لم أتناول طعامي جيداً اليوم.
وفي الحقيقة.
اشعر بالتوتر الشديد لذا ربما أخفف من حدة هذا الشعور بالتهام الطعام، أرجو أن شهية دانيال المفتوحة ليست معدية!
نظرت إليه فوجدت عيناه قد اتجهتا نحوي في اللحظة آنها، أشرت له خلسة بأن ينتظر أكثر فاكتفى بإيماءة بسيطة وعاد لحديثه مع سايمون.

أحكمتُ قبضتي على الشوكة بين أناملي ونظرت من حولي أقيّم الوضع مبدئياً، باتت القاعة مكتظة ربما تكون فرصتي الأنسب الآن!
انتظرت للحظات قليلة فقط حتى تركت الشوكة وقلت لهما: هناك ما على فعله، لن أتأخر.
لاحقتني أعينهما المحتارة بينما أخطو نحو دانيال، كان سايمون منهمكاً جداً في حديثه لذا ابتسمت وقلت: هل أستطيع التحدث مع دانيال للحظات؟ أعتذر على المقاطعة سايمون.
نفي برأسه فوراً وقال: لا بأس كات!

وقف دانيال وقال يمازح سايمون: لم ينتهي الحديث بعد عليك أن تصف لي وصفة العجينة الإيطالية فور عودتي!
أومأ سايمون فوراً: من الجيد أنك ذكرتني بالأمر سأعثر حالاً على الوصفة التي ارسلتها زوجتي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة