قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني والعشرون

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني والعشرون

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني والعشرون

كارل: ارتشفت من كوب الشاي وتفقدت لاري الذي يجلس على الأرض أمام التلفاز ويشاهد برنامجه المفضل بإنهماك شديد، رغم أنها مجرد اعادة لحلقة الأمس!
لمحت كيفين في الممر وقد عاد للتو من الخارج يلهث بتعب ولم يستدعي ما أراه أي تخمين أو تفكير، فمن الواضح أنه كان يهرب من تلك الجماعة كعادته.
تنهدت بعمق وأمسكت الكوب بيمناي بينما أمرر يدي الأخرى خلف عنقي.

خرجت من غرفة المعيشة وقد لمحت أبي الذي خرج من غرفته ليسألني فوراً ببرود: لازال يجلس أمام الباب؟
ابتسمت بلا حيلة وأومأت إيجاباً: مضى أكثر من ساعة على خروج الآنسة كتاليا ولا يزال يجلس بثبات هناك.
أغمض عينيه قليلاً ومرر سبابته وإبهامه على صدغيه قبل أن يقول: سأرى كم سيواصل عناده ويتصرف بصبيانية، تارة يكون ناضجاً وتارة أخرى مجرد أبله يعجز عن التفكير.

تذمر بصوت خافت ودخل إلى غرفة المعيشة فوجدت نفسي أنزل الدرج، رأيته لا يزال يجلس أمام الباب فتقدمت أكثر حتى رأيته يحدق إلى هاتفه ويضع سماعاته في أذنه، انتبه لي ورمقني باستغراب قبل أن يعيد ناظره إلى هاتفه.
هل لجلوسك هنا أي معنى؟
بقي على حاله فاقتربت وانتزعت السماعة من أذنه اليمنى فعقد حاجباي ورمقني بإنزعاج: ماذا تريد!

نهرته بهدوء: ما الذي يسيّرك لهذه التصرفات دان؟ هل سينتظر الآنسة كتاليا شجار آخر عند عودتها؟ متى ستكتفيان بحق الإله!
انتزع السماعة من يدي واعادها متمتماً بينما يرفع ساقه اليسرى على مسند الكرسي ويجلس مميلاً ظهره أكثر: ربما بدأ أبي يسير في اتجاه معاكس بعيداً عن مبادئه بعد انتقاله إلى المدينة، حُري بأحدنا أن يتصرف اليس كذلك؟
ياللوقاحة دان! حقاً؟ ستٌقوّم أنت المسار الصحيح؟ بشجار آخر؟

زفر بملل وضجر: لن أتشاجر كارل! سأطردهما فقط.
لا فائدة.!
نظر كلانا إلى الباب الذي دُفِع ببطء وقبل ان نكتشف هوية من يدفعه أسرع يقف تاركاً هاتفه على الكرسي وجمدت ملامحه بترقب.
كانت ثواني فقط.
حتى نظرنا بإستغراب إلى من دفعت الباب وبقيت واقفة في مكانها تنظر إلينا بأعين بُنية مترددة حائرة.
ساد الصمت المطبق المكان واقتصر الأمر على النظرات المتبادلة فقط!

نظرتُ بدوري إلى دانيال الذي بدى حائراً قبل أن يستوعب الأمر ويتداركه ينظر من حوله مشيراً: إ. إنه محل لحلاقة الرجال!
هل أخطأت هذه المرأة المكان؟
بقيت تقف مكانها حتى جابت عينيها على بتمعن وتركيز قبل أن تنظر إلى دانيال، ما الأمر الآن ما سر هذا الهدوء!
امرأة أنيقة المظهر بملابسها الطويلة البيضاء القطنية وشعرها البني الذي أجمرته للأعلى ما الذي قد تفعله هنا تحديدا.؟

طرفت بعيني بتدارك وتجاوزت توتري لأقول بهدوء: هل يمكننا مساعدتك؟
بقيت تحدق إلى حتى خرج صوتها هامسة: هذا أنتَ كارل.
هاه؟ كيف تعرف إسمي!
ثم لماذا يبدو صوتها مألوفاً؟
نظرت بدورها إلى دانيال وقالت مبتسمة بضمور: دانيال. لم تتغير إطلاقاً!
جابت عينيه الزمردية عليها للحظة قبل أن ينظر إلى ووكزني بقوة هامساً: من هذه!
رفعت كتفاي بعدم معرفة فتساءل بدوره بإستنكار: هل نعرفك؟

انتبهنا لصوت خطوات على الدرج فاستدرنا لنلقي نظرة ولم يكن سوى أبي الذي نزل بوجهه الحازم المعتاد، وما ان انتبه إلى هذه المرأة حتى وقف قليلاً في منتصف الدرج باستغراب قبل أن ينزل وسألنا بكلتا عينيه بصمت عن هويتها وكان جوابنا الصمت!
بدت المرأة هادئة جداً إلا أنها توترت بوضوح وقد أطرقت رأسها تشبك يديها بقوة.

بطريقة ما تبدو مألوفة! أين رأيتها مسبقاً؟ لا تبدو صغيرة فعلى أقل تقدير هي في نهاية عقدها الرابع ربما.
مهلاً.
أظنني. تذكرت أين رأيتها ولكن. غير معقول!
نال الذهول مني ولا سيما حين طرفت بعينيها ببطء تنظر إلى أبي بصمت حتى قالت: مضى وقت طويل هاريسون.
التفت أنظر إلى أبي الذي جمدت ملامحه وقد ارتخت بشدة.
كما توقعت.
إنها هي! رأيتها مرات معدودة فقط ولكنني أتذكرها!

أيقنت الأمر ما ان تساءل أبي يعقد حاجبيه بعدم تصديق: مارثا.!؟
اتسعت عينا دانيال بتفاجؤ وكذلك نظرت بدوري إليها بتركيز، إنها هي.! تغيرت كثيراً إلى درجة أنني لم أتعرف عليها!
تبدو أنحف عما سبق! أنيقة المظهر وقد اعتدنا رؤيتها بمظهر أبسط، هي مختلفة من كل النواحي!

بقي أبي واقفاً في مكانه متفاجئاً بوضوح فبادرت بدورها وبقيت تشبك يديها بتوتر حتى عقدت حاجباي بضيق وتساءلت: هل الوقت مناسب؟ مضى وقت طويل جداً. أعلم أن لا أحد قد توقع رؤيتي ولكن. ل. لدي الكثير لأقوله!
أعقبت تنظر إلى أبي بلهفة وقلق: هاريسون. أريد رؤيتهما! من فضلك.
رفع دانيال يديه فوراً يستوقفها بتشتت: أنتِ مارثا! لحظة واحدة بحق الإله ما الذي يحدث! ظهرتِ فجأة كما اختفيت فجأة!

أضاف بحزم قد أجفلها: تركتهما طوال هذه السنوات وقد عدت الآن راغبة في رؤيتهما وكأن شيئاً لم يكن؟ بل وتبدين في أفضل حالاتك! أفضل بكثير عما كنتِ عليه!
ربت على كتفه مهدئاً في حين دمعت عينيها وأومأت: لهذا أقول بأنه لدي الكثير لأتحدث بشأنه ولكنني وقبل كل شيء. أرغب في رؤيتهما!
أضافت تتحرك مقتربة من أبي بقلق: من فضلك هاريسون! كيف هو كيفين؟ هل تحسنت صحته؟ هل هو بخير؟ ماذا عن لاري؟

نبرتها، عينيها وكافة تحركاتها.
كل شيء يدل على قلقها!
إن كانت قلقة بالفعل فلماذا تخلت عنهما!
لماذا تركت كيفين وهو في أمس الحاجة إليها؟
ولأكن صريحاً فيصعب وصف ردة فعلها الآن بالتزييف أو الكذب! فكتفيها يرتجفان بشكل متواصل، لم تتوقف عن العض على طرف شفتها بتوتر وجزع. لا تبدو مرتاحة البال، وها هي قد وقفت أمام ابي الذي كان هادئاً جداً وقال بجمود: من الأفضل أن نتحدث في الخارج. المكان هنا غير ملائم.

أومأت برأسها بإرتباك: لا بأس ولكن. أريد رؤيتهما أولاً! من فضلك هاريسون لا فكرة لديك كم اشتقت إليهما.
نظرنا جميعنا إلى أعلى الدرج حيث مصدر صوت ضجة لوقوع شيء لم يكن سوى كتاب سميك الغلاف.
يقف كيفين و يحدق إليها بعدم استيعاب وعينيه البنية تجوب على وجهها بذهول.
أخفضت رأسي بأسى وتنهدت بعمق، ربما حان الوقت للتدخل وتهدئة الوضع، أعلم جيداً ما ستكون عليه ردة فعله!

تقدمت لأصعد الدرج ولكنني سرعان ما توقفت حين تساءل بصوت متهدج: ما الذي. تفعلينه هنا!
اغرورقت عيناها بالدموع تتجاهل سؤاله وهي تتأمله ترفع يدها نحو ثغرها متمالكة نفسها.
بل وابتسمت من بين دموعها وهمست بصوت خافت: كيفين! هذا أنتَ بُني.

تحركت قدميها بتلقائية وتجاوزتني لتصعد الدرج بخطوات سريعة، وما ان وصلت حيث وقف متسمراً في مكانه حتى وضعت كلتا يديها على وجنتيه تتأمله ثم جذبته نحوها تعانقه بقوة وقد علا صوت بكائها وهي تضمه بقوة مربتة على رأسه ومداعبة شعره، بقيت تمرر يدها على ظهره ورأسه بينما يقف بوجه مليء بالجمود والجفاء.
طرف دانيال بعينيه ببطء يحدق إليهما قبل أن يتحرك نحو أبي ووضع يده على كتفه يتفقده.

رمقه أبي بنظرة هادئة غريبة قبل أن يشيح بناظره واستدار ليعطي الدرج ظهره.
بقي صوت بكاؤها يعلو وقد خرجت الكلمات من فمها متقطعة: اشتقت إليك! أنت بخير بني؟ أنظر إليك كم تغيرت!
أجفلتُ لتأوه السيدة مارثا لأدرك أن كيفين قد انتزع نفسه منها وتسارعت أنفاسه قبل أن يزمجر بسخط غير معهود: ابتعدي!

حدقت إليه السيدة مارثا بذهول حتى ومضت عينيها بخيبة وضيق وأومأت بتفهم من بين شهقاتها: لا حق لي بلمسك. سأبتعد الآن ولكنني بحاجة لتنصت إلي! عليك أن تسمعني وتعرف كل ما حدث كيفين. لم أكن لأتركك أنت أو أخاك يوماً. أنا لم أتخلى عنكما أقسم بهذا!
اشمئزت ملامحه وقد رمقها بجفاء أزعجني شخصياً، تهدج صوته أكثر وهو يقول ينزل الدرج بخطوات سريعة: لا تعودي، أن تتخلي عنا أهون بكثير من رؤيتك مجدداً.

استوقفته يد دانيال وأرغمه على الوقوف مهدئاً بجدية: أنتَ لم تسمع ما تريد قوله لك بعد!
أيدت دانيال بهدوء: انتظر كيفين من حقها أن توضح ما حدث وسبب غيابها فجأة.
نزلت السيدة مارثا الدرج وقالت راجية تمسح دموعها بسرعة: لا فكرة لديك عما حدث في السنوات الماضية كيفين، أرجوك امنحني فرصة لأتحدث إليك وأخبرك بما حدث!
ابعد يد دانيال عنه وصاح بوجهها بسخط: لا تقتربي مني. لا شيء يربطني بكِ عودي من حيث أتيتِ!

أضاف بما جعل الصمت المثقل يسود المكان: تهربتِ من مسوؤليتك، تركتنا خلفك، أنتِ لا شيء في حياتي منذ تلك اللحظة! أنتِ مجرد امرأة كاذبة! أنتِ غريبة عني.
لم يكن صمتاً مثقلاً فقط.
فلقد كان لدموعها ثقلاً أسوأ وهي تحدق إليه بإنكسار شديد وقد أخفضت رأسها تكبح نفسها بوضوح.
اتسعت عيناي أنظر إلى أبي الذي تقدم نحو كيفين يمسكه من ياقة قميصه ونهره بجمود: تهذب عندما تتحدث إليها، أياً يكن ما تريد قوله لك فستنصت إليها.

جز كيفين على أسنانه ينظر إلى أبي بشراسة قبل أن يقول: هذا أنا، لست مهذباً بما يكفي، ولن أكون كذلك أمام امرأة هاربة كاذبة. أو أنكَ قررت أنها فرصة جيدة لتتخلص مني أيضاً؟
تدخل دانيال فوراً يوقف يد أبي التي كادت تنهال على وجه كيفين!

أبعده عنه مهدئاً في حين شهقت السيدة مارثا بتوتر وقلق، مرر كيفين يده على عنقه وانزل ياقته، أخذتُ شهيقاً عميقاً وقلت بهدوء: هل نصعد جميعنا؟ أبي. هل تحتاج إلى الخصوصية معهم؟ سنتركك أنا ودانيال.
اعترض كيفين: لا داعي، سأخرج حتى تعود أدراجها.
تحرك بالفعل فلحقت به استوقفه ولكنه فعل من تلقاء نفسه لصوت طفولي يتسائل باستغراب: هل تتشاجرون مجدداً؟

نظرنا إلى لاري الذي يقف بحيرة أعلى الدرج قبل أن ينتبه لمارثا ويعقد حاجبيه منزعجاً ومعترضاً: امرأة جديدة في المنزل!
نزل الدرج ينوي التوجه إلى دانيال لولا أن استقبلته مارثا جاثية تعانقه تغمض عينيها بِفم مطبق.
أخشى ان. يتعقد الوضع أكثر! كيفين يبدو على وشك الإنفجار ولن يهدأ.
ولكن السيدة مارثا لا تبدو بخير أيضاً وقد شحب وجهها أكثر بينما تضم لاري إليها، أما الأخير فيطرف بعينيه بعدم استيعاب.

رفعت يدها ومررت أناملها التي ترتجف على رأسه قبل أن تغرس وجهها في عنقه باكية: كبرت وتغيرت لاري. أنا آسفة. آسفة. كنت مجرد طفل صغير بين يداي أنظر إليك الآن! آسفة. أنا آسفة!
بقيت تردد اعتذارها دون أن تبتعد عنه بل وتقربه إليها بقوة أكبر وقد أبت تركه رغم محاولته للتملص حتى بدأ يعترض: لا بد وأنكِ هنا بسبب تلك المزعجة! المزيد من النساء.!
تحدث أبي بهدوء دون أن ينظر إلى أحدنا: لنصعد.

اكتفى بقولها وهو يتجه إلى الدرج ولكننا تفاجأنا بكيفين الذي تقدم نحو لاري وسحبه من يده بقوة يبعدها عنه!
صاح في وجهها بحقد: دعيه وشأنه.
سحبه معه يرغمه على التحرك فنظرت إلى أبي بتشتت حتى تحرك دانيال من تلقاء نفسه وقال بجدية: سألحق بهما، التحدث إلى كيفين الآن فكرة سيئة. أبي تفاهم حول الموضوع ريثما يسترد هذا الأحمق عقله.

أضاف يرمق السيدة مارثا بحِدة: من الافضل أن يكون بحوزتك سبباً مقنعاً. عدى ذلك فلا تتوقعي أن يقتنعا بعودتك.
أسرع يخرج خلفهما فزفر أبي الهواء ببطء ووضع يمناه على خصره يفكر قبل أن يقول مشيراً لها يرمقها بنظرات متقطعة: تفضلي.
ولكنها بقيت تحدق إلى الباب من حيث خرجا للتو وقد تساءلت بقلق بوجهها المتورد إثر البكاء: ألا بأس بتركههما؟ أين سيذهبان؟
أومأت مطمئناً: لا بأس، دانيال معهما. أ. أنتِ بخير؟

زمت شفتيها بقوة وهمست: كيف من المفترض أن أجيب بنعم بحق الإله. وكيف أقول لا وقد تأكدت بنفسي أنهما بخير بالفعل!
دانيال:
أمسكت بيد لاري أرغمه على السير معي وقد كانت خطوات كيفين واسعة وسريعة أمامنا ولا أظنه قد وضع وجهة محددة في رأسه.
ظهورها كان مفاجئاً ويصعب استيعابه! تركت كيفين ولاري قبل ستة أعوام تقريباً وها هي الآن تظهر فجأة! لا يمكنني لومه على تفاجؤه ولكن. لا حق له في معاملتها بتلك الطريقة أيضاً!

أقصد.
لا أدري.!
الحال الذي تركته عليه. لا بد وأنه ترك في نفسه أثراً وجرحاً يصعب التئامه.
عليها أن تتفوه بسبب مقنع لعله يعقل.
ناديته محاولاً استيقافه: إلى أين تذهب تحديداً؟
تجاهلني تماماً ودخل من بين زحام المارة فتبعته مع لاري الذي تذمر متسائلاً: من تكون تلك المرأة داني؟
نظرت إليه بهدوء: ستعلم لاحقاً. اسمع لاري هل تريد الذهاب إلى الشاطئ؟
تلألأت عينيه بحماس: نعم!

نظرت بدوري إلى كيفين وسحبت لاري معي بسرعة حتى وصلت إليه واستقوفته ممسكاً بكتفه بقوة فوقف ورمقني بجفاء، أشرت إليه برأسي نحو اليسار: لنسلك هذا الطريق، الشاطئ قريب من هناك.
لوى شفته بإنزعاج ورغب في استكمال طريقه ولكنني أمسكت بذراعه وأرغمته على التحرك معنا.
بقي يعترض حتى استسلم يلتزم الصمت.

وبعد مدة تركت كلاهما لنسير ثلاثتنا حتى وصلنا إلى الشاطئ، تقدم لاري فوراً من تلقاء نفسه نحو الرمال ليلعب بها وبدأ يبحث عن الأصداف وما شابه.
جلس كيفين متكتفاً على أحد الأحجار الكبيرة وقد جلست بجانبه على حجر مجاور وابتسمت ممازحاً بسخرية: الفتى البارد تقمص دور مختلف اليوم! وأخيراً.
لم يعلق على قولي وقد بقي يحدق إلى الأمام بصمت، تشكل الضباب قليلاً على نظارته واتسخت بالرمال فنزعها وتركها بين أنامله.

يشبهها كثيراً. لا عجب!
نسيت ملامحها فلم تكن سوى مرات معدودة فقط قد رأيتها فيها.!
احنيت جذعي للأمام قليلا وقلت: لم يكن عليك معاملتها بعدائية إلى هذا الحد.
حقاً؟ وكيف كان من المفترض أن أعاملها! تلك المرأة تخلت عني وعن لاري، أبي من قام بالعناية بنا وتخلى عن الكثير من ممتلكاته بسببي! عادت وكأن شيئاً لم يكن!
تمتمت على مضض: ولكن. لقد عادت!

اشتعل غيظاً إثر قولي وعقد حاجبيه يحكم قبضته على نظارته دون أن يشعر: لن تفهم ما مررت فيه، لا تتحدث ببساطة!
لا أحد سيفهم جيداً ما يمر فيه الآخرين ولكنني أقدم لك نصيحة أيها الغبي! حاول أن تهدأ وامنحها فرصة لتنصت إليها على الأقل.! كل من في القرية يعلم جيداً أن السيدة مارثا كانت تبذل جهدها في فعل ما بوسعها لأجلكم!

أضفت بجدية: أعلم أن اختفائها المفاجئ أمر يستحق الغضب ولكن ليس قبل أن تسمعها.! ثم. لاري لا يزال صغيراً! أخبرني، هل حقاً ستسمح له أن ينشأ ويتقدم في العمر بعيداً عن والدته؟ لا تفكر في نفسك فقط!
وما الفرق! نشأ طوال هذه السنوات دون الحاجة إليها! لا أنا أو لاري بحاجة إليها.
أعقب بما ألجمني واشعل في نفسي ضيقاً مزعجاً: نشأتم أنتم أيضاً دون والدتكم فهل سيشكل وجودها فرقاً لو كانت هنا!

عضضت على شفتي أحاول كبح جماح غضبي جاهداً. ولكنه لمس في داخلي وتراً جعلني أحدق إليه بغيظ شديد!
ومع ذلك جادلته بجفاء: بالطبع سيشكل وجودها فرقاً كفاك حماقة! ثم والدتك على قيد الحياة، مقارنتك فاشلة لا تتحدث بغباء!
ردّ بحدة: الأمر سيان!
كيف يكون سيان بحق الإله؟ ماذا لو كان بحوزتها سبباً مقنعا؟ ألن تندم لاحقاً على اهدار الفرصة!؟
لن أندم! لا أريدها في حياتي وحسب. عليها أن تتركني وشأني كما تركتني مسبقاً.

أغمضت عيناي بصبر قبل أن أحاول محاورته: أنصت! جميعنا نعلم أنها استكملت العمل في محل الحدادة الخاص بوالدك بعد وفاته رغم صعوبة ومشقة الأمر عليها! كل من في القرية كان يعلم كم عانت لأجلكما، أعترف أن رحيلها المفاجئ أمر يثير الغضب والأسئلة ولكن لا يمكن أن قررت العودة الآن دون سبب أيضاً! ما الذي ستخسره إن.

قلتها بنفسك! تركتنا رغم علمها ان لا أحد سيكون معنا فكيف من المفترض أن أنصت إلى امرأة مثلها؟ الليلة التي غادرت فيها كنت على وشك أن ألفظ آخر أنفاسي!
وقف وأضاف يصرخ بإنفعال لفت انتباه من حولنا: لو لم يتدخل والدك لكان لاري الآن وحيداً! كنتُ سألحق بأبي بلا شك!

علا صوتي بغضب: وبحديثك عن لاري لماذا تقرر نيابة عنه الآن؟ ماذا لو كان بحاجة إليها؟ لا يزال صغيراً ويحتاج إلى أم في حياته كفاك حماقة! أنظر إلى ما آل إليه الحال؟ أخاك يكره الجنس الآخر ولا يكف عن إيذاء الفتيات قولاً وفعلاً وبسبب من؟ بسببنا نحن!

أردفت التقط أنفاسي وقد وقفت مواجهاً له: هل يعجبك هذا الوضع؟ هل ترى مدى صعوبة ما نعانيه أنا وكارل بسبب انغلاقنا على أنفسنا منذ الطفولة؟ هل ترى كيف تأثرت أنت كذلك بما نمر فيه؟ ألا بأس لديك برؤية أخاك ينشأ بطريقة مماثلة!؟
طرف بتشتت للحظة قبل أن يعترض: منذ متى كان هذا رأيك!
منذ الآن!

لم تكن لتجادلني بهذا الشأن! أو أن وجود تلك الآنسة المصورة إلى جانبك طوال الوقت قد غيّر وجهة نظرك؟ حتى وإن كان الأمر كذلك. هذا لا يغير حقيقة أن تلك المرأة تركتنا في أمس الحاجة وترغب الآن في تسويغ فعلتها.
أرغب في تهشيم وجهه!

تقدمت نحوه ودنوت نحوه قليلاً محذراً: لا تتشعب في حديثك كيفين ولا تتهرب من حقيقة أنك عاملت والدتك بوقاحة! فلنعد إلى المنزل، أنصت إليها وإن كنت تكره هذا، جاملها لعلك تسمع أمراً يغير طريقة تفكيرك برمتها.
لوى شفته بعدم اقتناع ونظر بعيداً يتمتم: أنت آخر من يتحدث! لا تحاول لعب دور الحكيم هنا وتقدم النصائح الفارغة.

أضاف يرمقني بطرف عينه بجمود: حري بك أن تبدأ بنفسك أولاً، لا زلت حتى اليوم تدافع عن أخاك الذي لوث يداه بجريمته البشعة، ولازلت تخفي رغبتك في عودته، والأدهى أنك ستفعل العكس بصورة غير مباشرة إن عاد بالفعل.
أفعل.
العكس؟
ما الذي. يشير إليه؟
نالت الحيرة الشديدة مني وقد ارتخى كتفاي أحدق إليه بعدم فهم.!

شعور الضياع والتشتت قد سيطر على ولكنه تنازل أمام شعور الريبة والتوجس رغماً عني! شيء غير مفهوم يسري في أعماقي وصوت يصعب تفسيره يحاول محاورتي في عقلي.!
أنا. أدافع عنه وأقوم بالعكس أيضاً؟ ما الذي من المفترض أن يعنيه هذا؟
لسبب ما شعرت ببرودة أطرافي رغم حرارة الجو وقد وجدت نفسي متسمراً في مكاني دون حركة.
حتى عندما تحرك فم كيفين ليستكمل جداله معي لم يعد بوسعي سماعه!

اللحظة التي عاد فيها صوت الموج إلى كلتا أذناي وصوت الأطفال في المكان أدركت أن يداً صغيرة قد أمسكت بيمناي، أخفضت ناظري لأجد لاري الذي يتحدث بحماس حول عثوره على صدفة كبيرة يعيش فيها سرطان البحر، نظرت إليه بصمت قبل أن تتحرك قدماي بصعوبة أجر جسدي معي.
لا رغبة لي في الوقوف هنا.
ولا الحديث.
ولا حتى الجدال، أريد العودة إلى المنزل.

لا أدري كم خطوة قد خطوت ولكنني رأيت كيفين يستوقفني وقد احال طريقي ليقول يشيح بوجهه بعيداً: انسى الأمر لم أقصد، أياً يكن يمكنكما ان تسبقانني بالعودة إلى المنزل سأبقى هنا قليلاً.
كارل:
ارتشفت من كأس الماء وبقيت تمسك به بيديها تنظر إلى الفراغ بِصمت.
بقي أبي يجلس على الأريكة المقابلة لها متكتفاً بصمت منذ ذلك الحين!

في حين كنت إلى جانبه أترقب أن يبدأ أحدهما الحديث، ولكن لا أحد منهما قد بادر لذا وجدت نفسي أقول بهدوء أوجه حديثي إليها: تشعرين بالتحسن؟
أومأت برأسها وقد رفعت عينيها تنظر إلى أبي بشحوب: لقد أحدث وجودي جلبة، أنا آسفة.
لم أجد ما أقوله إذ أنها لم تتوقف عن الاعتذار منذ ذلك الحين مهما طمأنتها.
أخيراً كسر أبي صمته حين قال ينظر إلى الفراغ بهدوء: تبدين بخير. أين كنتِ طوال هذه السنوات؟

نظرت السيدة مارثا إلى أبي لتجيبه بضيق: قصة طويلة جداً هاري، كل ما يمكنني قوله ان ستة أعوام مضت بسرعة بالنسبة إلى امرأة لم تكن في وعيها منذ البداية.
عقدت حاجباي باستغراب: ما الذي تقصدينه؟

وضّحت لتتحدث بصوت خافت: كنت أعلم أنني أحسنت الاختيار، لا عجب أن الجميع يثق في والدك كارل، عندما غادرت لم أتردد في ترك رسالتي لوالدك، وبرؤية لاري وكيفين بخير لا يسعني سوى أن أبدأ بشكركم أولاً. على العناية بهما طوال هذا الوقت!
تمتم أبي بهدوء: لم أفعل شيئاً يستحق الشكر.
نفيت برأسها واعترضت تحدق إليه بإمتنان واضح: بلى هاري، أخبرني الطبيب ابراهام بكل شيء!
هاه!

ردد أبي بإستنكار شديد: خرج الطبيب ابراهام من القرية منذ عامين تقريباً، أين التقيتِ به؟
تنهدتْ بعمق: ولكن شقيقه لا يزال هناك، كما ان الطبيب ابراهام كان السبب في وجودي هنا اليوم، إنها قصة طويلة جداً ولا أدري من أين على البدء.
أردفت بتردد: علمتُ مؤخراً فقط بما حدث.

بدى لي أنها ستتحدث حول حادثة الحريق فأسرعت أغير مسار كلماتها: ابدئي من حيث غادرتِ! لماذا رحلتِ عن القرية وتركتهما خلفك فجأة؟ كان كيفين مريضاً وطريحاً للفراش آنذاك!
ظهرت تقطيبة يأس بين حاجبيها وهي تقول عاجزة عن رفع عينيها نحو أبي: تعلمان كم نفد صبري حينها وأنا أرى ابني طريحاً للفراش وانا عاجزة عن فعل أي شيء، لم يكن إلى جواري من استطيع الاعتماد عليه! كما لم أعد أحتمل فكرة رؤية صحته تسوء أكثر فأكثر!

أعقبت بضيق وهي تخفض صوتها: تلك الليلة خرجت وكل ما أنوي فعله هو زيارة عمي الذي يعيش في جنوب العاصمة، كنتُ قد قررت اللجوء إليه لأقترض منه مالاً وفقاً للنقود التي استطاع جمعها في التجارة!، تلك الليلة لم يتوقف عقلي عن التفكير والتخطيط! إلى من على اللجوء! مع من سأترك أبنائي لحين عودتي؟ من سيعتني بهما! فكرت في الكثير من الاحتمالات ولكنني في النهاية لم أجد أفضل من هاريسون الذي لم يقصر يوماً مع أي شخص في القرية. كما انني استشرت السيد ستانلي والد كيدمان صديق دانيال المقرب، أخبرني ألا أتردد في طلب مساعدته لذا تشجعت وعزمت أمري، ولكن الوقت لم يكن حليفي!

تمتم أبي بهدوء: أعلم بكل هذا مسبقاً، أخبرني ستانلي أنكِ قررت اللجوء إلى ولكن ما الذي يلي قرارك لماذا اختفيت طوال هذه السنوات!

أومأت موضحة: عندما تركت لك رسالة طلب العناية بكيفين ولاري خرجت فوراً من القرية وقد كنت واثقة أن الأمر لن يطول! توجهت فوراً إلى عمي لأقترض المال منه، ولكنه وكعادته لم يرق قلبه لطلبي حتى بعد ان علم بسوء حالة ابني! حاولت اقناعه بشتى الطرق بل وعرضت له التقرير الطبي وتكاليف العملية الجراحية الباهظة ليقتنع بصدقي ولكنه طردني من منزله بدم بارد. لم يعد بوسعي آنذاك سوى العودة إلى القرية مجدداً والبحث عن حل آخر.

سألتها بإهتمام: ولكنكِ لم تعودي؟ ما الذي حدث!

ارتجفت شفتيها تكمل بكتفين مُثقلين بوضوح: كانت تلك السنوات بمثابة الغياب لعام أو عامين فقط! طوال تلك الفترة كنت مجرد جسد خامد لا يقوى على الحركة! بخروجي من منزل عمي لم أعد أبصر شيئاً أمامي وقد انشغل عقلي بالأفكار السوداوية، أنا حتى لم أبصر الواقع أمامي وقد أدركت أنني تعرضت في طريقي لحادث سيارة دخلت على إثره المشفى.! لم يكن لدي أي فرد من عائلتي يفتقد غيابي، تعلمان جيداً أنني نشأت دون عائلة عدى من عمي الذي لم يهتم يوماً بشيء عدى أمواله، كما وظن أهل القرية جميعهم أنني خرجت هاربة وتاركة أطفالي خلفي. لم يحاول أحدهم الوصول إلي!

اتسعت عينا أبي وكذلك انتابني الذهول أحدق إليها بعدم استيعاب.!
اعتدل أبي في جلسته واستند بمرفقيه على مسند الأريكة: تعرضتِ لحادث؟ كم لبثتِ في المشفى؟

ازداد ارتجاف شفتيها وقد انتابتها الرجفة وعلا صوتها الضعيف المبحوح بتلقائية: منذ ذلك الحين حتى العام الماضي هاري، كنت في غيبوبة منذ ذلك الحين! كنت أرقد في المشفى بينما ابني يعاني طريحاً للفراش، أنا. أمٌ بلا فائدة! أنا لا أستحقهما. يحق لهما أن يكرهانني. يحق لهما الشعور بالإشمئزاز مني! كنت ضعيفة إلى درجة الإستسلام على فراش المشفى بدلاً من العودة إليهما.

شعرت بالإستياء الشديد وقد نظرت امامي إلى المناديل وجذبتها لأعطيها إياها، تناولتها مني وهمستُ بضعف: علمتُ من الطبيب إبراهام بكل ما قمتَ به هاري لأجل كيفين ولاري، ولاسيما كيفين! أخبرني أنك قمت ببيع أرض جدك الزراعية والحظيرة لتغطي تكاليف علاجه! أخبرني أنك فعلت المستحيل ليستكملا الدراسة، أخبرني أنك عاملتهما كجزء لا يتجزأ من عائلتك!

بدى أبي هادئاً جداً وقد أخفى إحباطه وإستياءه وهو يشيح بناظره للحظة، قبل أن تلمع عيناه الزرقاء بالرغبة في تهدئتها: هما بمثابة أبنائي لا داعي للتهويل. تلك الأرض كانت تجارية على أي حال، والحظيرة مجرد شيء بسيط، لا بأس. ولكن قلتِ أنكِ استيقظت من غيبوبتك العام الماضي، لماذا ظهرتِ الآن فقط؟ لماذا لم تعودي في وقت أبكر؟

ارتخى جفنا عينيها بينما تجيبه: عندما استيقظت كان جسدي خامداً بشدة، عضلاتي لم تكن تستجيب لي والحركة لم تكن سهلة! أمضيت فترة طويلة في العلاج الطبيعي والتأهيل، وعندما خرجت من المشفى عدت إلى القرية وتوجهت فوراً إلى منزلي هناك وبالطبع لم يكن لهما أثر، أيقنت أنهما في منزلك لذا ما ان توجهت إلى هناك حتى تفاجأت بخلو أرضك تماماً.

أعقبت بتردد وقلق: كما وجدت الأراضي الزراعية المحيطة بها في حالة يُرثى لها، أخبرني سكان القرية أنكم انتقلتم إلى المدينة منذ ستة أشهر ولم يتعاون معي أياً منهم على الإطلاق مهما حاولت السؤال، حتى ستانلي تجنبني ولم يمهلني فرصة! رأيت كيدمان وأخبرني أنكم هنا ولكنه لم يمنحني عنواناً واضحاً وقال أن هذا كل ما يعرفه.
أكملت بضيق: سمعت من إحدى النساء عما حدث، قالت أن داميِن قد اختفى بعد اندلاع الحريق في ال.

استوقفها أبي بجمود أرعبها: لا تذكري هذا الإسم مجدداً. إيّاكِ.
أخفضتُ رأسي بدوري قبل أن أقول لها مغيراً الموضوع: سيدة مارثا، ماذا عن السيد إبراهام؟
القت نظرة قلقة على أبي قبل أن تعيد بصرها إلى وقالت بصوت خافت تحت تأثير ضغط نظراته الحازمة جراء غضبه: يعمل في المشفى الذي نُقلت إليه، عندما استعدت عافيتي اكتشفت أنه من تولى دفع تكاليف علاجي منذ ذلك الحين حتى أثناء التأهيل.

ارتختف ملامحها كثيراً وهي تقول وقد ابتسمت بضمور: لم يقصّر معي بأي شكل من الأشكال، كان لطيفاً وفعل كل ما بوسعه بل وأكثر، والأدهى أنه من قام بمساعدتي بالعثور على عنوانكم، أخبرني أنه قبل بضعة أيام لمح شاب أثار ضجة في المركز التجاري أمام لاعب خفة، أخذ النقود منه واعادها إلى صاحبها وهناك ادرك انه كان دانيال وقد تذكره جيداً، وقال لي أنه تبعه حتى علم بعنوانه وما ان تأكد حتى منحني إياه فوراً.

لكوارث دانيال فائدة يرجى منها إذاً.
علي أي حال الطبيب إبراهام كرس حياته في العمل في عيادة القرية منذ زمن، لم يتزوج حتى ذلك الوقت حسب ما أذكر، وكان هذا ما سهل عليه الانتقال للعمل في إحدى مستشفيات المدينة. أتذكره جيداً، كيف لا وقد كنت أكثر من اعتاد زيارة عيادته منذ طفولتي!
لم أكن فقط من يضطر لزيارته بكثرة.
داميِن. كان كذلك كثير الذهاب إلى هناك، ولكن شتان بين أسبابي. وأسبابه!

حاولت طرده من عقلي جاهداً ووليت اهتمامي لها وهي تكمل برجاء: كيف لي أن أشكرك هاري؟ فعلت ما لم يفعله أفراد عائلتي! توليت العناية بأبنائي طوال هذا الوقت، ما الذي يمكنني فعله؟ كيف أرد اعتباري لك! أخبرني أرجوك.
لزم أبي صمته حتى عاد بظهره نحو مسند الكرسي وقال يطرف بهدوء: ردي الاعتبار بتوضيح قصتك لهما وحسب.

ثم وقف وقال بجدية: تلك الليلة التي وجدت فيها رسالتكِ أسفل باب بيتي، كتبتِ فيها أنكِ تريدين مني العناية بهما لحين عودتك، كما وضحتِ أنكِ ستفعلين المستحيل لئلا تتأخري ليجري العملية، في الواقع أخبرته بهذا ومنحته الرسالة حتى لا يسيء فهمكِ، كيفين يعلم جيداً لماذا غادرتِ وبقي ينتظركِ مهما تظاهر بالجفاء. كنت أعلم أنه عاد إلى منزلكم مرارا وتكرارا وجلس هناك بالساعات ثم يعود إلى منزلي خائباً. ابنك كان مؤمناً بكِ لوقت طويل، ولكن الوقت الذي مضى جعله يتخذ طريقاً ليحمي نفسه من رغبته في انتظارك، حتى لو واصل التصرف معكِ ببرود. حاولي معه حتى يرضخ. حتى يهدأ ويستسلم.

أكمل يرسم على ثغره ابتسامة باهتة: حتى يعلم أن الأهم هو الوفاء بالوعد مهما طال الانتظار، لا يهم كم ينتظر المرء، فلعل الانتظار كان سبباً كفيلاً في إدراك المرء لدوافعه الحقيقية.
أضاف مستديراً ليخرج: سأخرج قليلاً.

تابعته بعيناي وقد استشعرت مدى رغبته في الاختلاء بنفسه! من النادر لأبي الخروج من المنزل، وحين يفعل هذا فهو بلا شك حبيس لعشرات الأفكار في ذهنه.! نظرت إلى السيدة مارثا التي بقيت تحدق حيث كان يقف أبي قبل أن تقول بشرود: إنه محق. ضريبة نومي طوال تلك المدة. أنا مستعدة لدفعها الآن. سأزورهما مراراً وتكراراً حتى يعيدانني كجزء لا يتجزء من حياتهما. لا. بل حتى أصبح كل شيء في نظرهما، وحتى أروي ظمئي منهما. رغم صعوبة الاكتفاء.

وقفتْ ونظرت إلى بإمتنان: شكراً جزيلاً لكم، على الكثير.
ثم سرعان ما عقدت حاجبيها وتساءلت بإستيعاب: كارل أنتَ. تتحدث معي بأريحية؟
ارتفع حاجباي بإستغراب بينما أكملت: لم يكن هناك أي امرأة او فتاة تجرؤ على الاقتراب من أبناء هاريسون! مجرد الحديث معكم كان خطوة مستحيلة، لقد. تغيرتم كثيراً!
ابتسمت أشيح بوجهي: مضى أكثر من ستة أشهر منذ انتقالنا إلى هنا واضطررنا لمواكبة كل هذه التغييرات.

أومأت بِفهم فسألتها بينما تتحرك لتخرج من غرفة المعيشة: بمناسبة ذكرك لكيدمان، عندما رأيته. هل كان بخير؟ هو لا يجيب على مكالمات دانيال مؤخراً مهما حاول مراسلته.
نعم بدى لي بخير!
ماذا عن شقيقته الصغيرة؟
رفعت كتفيها: بصراحة لا أعلم. ولكن لماذا لا يجيب على مكالماته؟
لا فكرة لدي، رغبت في الإطمئنان فقط.

بدت تفكر قليلاً حتى قالت: آه صحيح! سمعتُ من إبراهام أن كيدمان كان يفكر في الانتقال من القرية قبل بضعة أشهر، لربما يكون سبب انقطاعه المفاجئ!
ينتقل من القرية!؟ لم يذكر أمرا مماثل لدان!
سألتها بحيرة: هل هذا كل ما تعرفينه؟ هل شقيقته بخير؟
هذا كل ما أعرفه فعلاً. آسفة.
لا بأس سيدة مارثا.
كتاليا:.

خرجت من المتجر بعد ان قمت بشراء الكثير من المستلزمات لبينديكت الذي أحمله في الصندوق المتنقل الخاص به، اشتريت طوقاً جديداً، طعاماً وعِطراً والعاباً والكثير من الأشياء الأخرى.
ابتسمت له بينما أضعه على احد المقاعد العامة وتساءلت: تشعر بالملل من بقائك هنا؟
نبح مؤيداً بقوة فاقترحت مفكرة: واثق بأنك ترغب بان تكمل طريقك بنفسك؟ قال الطبيب انه لا بأس ولكن إياك وانهاك نفسك!

عاود ينبح لاهثاً بحماس ففتحت باب الصندوق لأخرجه وما ان فعلت حتى بدأ ينبح بقوة وهو يحوم حولي بسرعة مما لفت انظار المارة، هناك من وقف يلتقط له مقطعاً بينما يضحك، في حين علق رجل مسن يشير إليه بلطف: فتاكِ الصغير مفعم بالطاقة!
ابتسمت ضاحكة بخفوت واومأت: بالفعل!
نظرت إلى بينديكت وقلت محاولة تدارك الوضع: هذا يكفي! حسناً يحق لك الاحتفال ولكن ليس هنا.

ولكنه تجاهلني وبقي يلهث وينبح بحماس فجثيت اداعبه حتى عانقني بقوة قبل ان ينزل من على حجري ويقف بجانبي يهز ذيله مترقباً فقلت: سآخذك إلى منزل السيد هاريسون، يحق لك الشعور بالغيرة هناك كذلك، إنه منزل يعج بالرجال ولكنك ألطفهم بينديكت.
وقفتُ بعد ان وضعت الطوق حول رقبته وأمسكت بالحبل بينما أمسك بيدي الأخرى الصندوق الذي وضعت بداخله المشتريات ليسهل الأمر علي.

قطعت مسافة طويلة حتى وصلت إلى تقاطع يبعد عن المنزل أكثر من عشر دقائق، عقدت حاجباي حين لمحت كياناً مألوفاً يجلس على أحد المقاعد هناك.
بقيت واقفة بحيرة حتى تأكدت من هويته فسلكت الطريق وعبرت الشارع اتجه إليه وما ان وصلت حيث يجلس حتى قلت بتدارك: هذا أنت بالفعل سيد هاريسون.!
أسرعت نحوه حتى انتبه لصوت بينديكت الذي لازال يلفت أنظار الجميع من حوله.

لانت ملامحه ونظر إلى فابتسمت له ملوحة ووقفت أمامه: أعرفك على بينديكت، رجل لطيف وشجاع يُعتمد عليه!
أومأ بابتسامته الجافة وقال يحني جذعه يحدق إليه: ضئيل الحجم بشكل غير معقول! واثقة أنه بإمكانك الاعتماد عليه؟
نبح بينديكت بقوة يهز ذيله فقلت ممازحة: ها قد أزعجته باهانتك!
نظرت من حولي قبل أن أتساءل: أنت هنا وحدك؟
نعم.
أجاب فوراً باختصار فاستغربت قليلاً قبل أن أتساءل: و. ستبقى هنا وحدك؟
نعم.
هل. أرحل؟

يمكنكِ ذلك.
عقدت حاجباي بحيرة شديدة وتساءلت ما ان كان على المغادرة بالفعل! لماذا يجلس هنا تحديداً؟
أخفضت رأسي أنظر إلى بينديكت قبل أن أقول: إ. إذاً سأكمل طريقي إلى المنزل!
لم يعلق واكتفي بإيماءة صغيرة برأسه، حينها تحركت مبتعدة عنه بصمت.
هل هو بخير؟
أعلم أنه متجهم طوال الوقت ولكن يبدو مختلفاً! كما لو. كان كئيباً؟

تنهدت بلا حيلة وتوقفت التفت حتى استدرت وعدت أدراجي، جلست بجانبه على المقعد فرمقني بإستنكار وترقب فقلت: وجهتنا واحدة اليس كذلك؟ لنعد معاً!
أخفض رأسه ينظر إلى بينديكت فقلت ممازحة: دعني أخمن! تشاجر دانيال وكيفين كالعادة فخرجت وتركتهم؟
نفي برأسه فخمنت بتفكير: إذاً كارل ودانيال؟
لم يتشاجر أحدهم.
أضاف بهدوء: كنت أفكر للتو. بحاجتي إلى شخص حيادي.

شخص حيادي؟ ما هذا فجأة؟، قرأ امارات الإستغراب وعدم الفهم على وجهي فقال بجدية: أحياناً يحتاج المرء إلى شخص لا علاقة له بالأمر، لئلا تتحكم به مشاعره ويتخذ قرار قد يندم عليه.
تساءلت أرفع بينديكت واضعه على حجري: ما الذي تحاول قوله سيد هاريسون؟ هل أنا الشخص الحيادي الذي تشير إليه؟
متى ستتوقفين عن قول سيد هاريسون! نادني بعمي واختصري الموضوع سماع اسمي في كل حين يستفزني!

نهرني بإنزعاج فقلت على مضض: إذاً توقف عن قول آنسة كتاليا انت أيضاً!
امتعض قليلاً وسرعان ما طبق الأمر وهو يقول بجدية: لم أتوقع يوماً ضرورة اللجوء إلى فتاة بعمر أبنائي، أنصتي كتاليا لدي معروف أطلبه منكِ.
أومأت فوراً: ما هو؟
أرجو ألا يكون امراً عكس أياً من دوافعي! أن لا يتعلق بدانيال او حتى بعملي. كل شيء عدى ذلك فلا بأس به!
كيف هي علاقتكِ بكيفين؟
سطحية جداً!

وهذا هو المطلوب، كيفين لن ينصت إلى من هو مقرب منه أصلاً، لعل تأثير كلمات الأشخاص الآخرين يترك فيه نفسه أثراً! فلا كارل سيتمكن من التأثير عليه ولا عصبية دانيال ستجدي نفعاً.
أعقب بما جعلني أحدق إليه بتفاجؤ: أعتقد أنكِ منطقية جداً وأحياناً تجيدين التحكم بعاطفتك، لذا قد تصل كلماتك إلى شخص مثله.
ما الذي. حدث؟ لم أرك بهذه الحيرة من قبل!

تنهد ونظر من حوله قليلاً قبل أن يضع كلتا يديه على المقعد بجانبه وتمتم: عادت والدة كيفين ولاري.
أومأت بفهم للحظة قبل أن أردد بتعجب واستيعاب: ماذا؟
والدتهما؟
لماذا. خصص اسميهما فقط؟
والدة كيفين ولاري؟ فقط؟
عقدت حاجباي بدهشة قبل أن أقول: هل والدة كيفين ولاري تختلف عن والدة دانيال وكارل؟ لا عجب في أن الاثنان الأصغر لا يشبهان الاثنان الأكبر! تزوجت من امرأتين سيد هاريسون؟

هكذا الأمر إذاً! هذا بديهي! كارل ودانيال لديهما ملامح مشابهة للسيد هاريسون بالفعل، عدى أن ملامح دانيال أكثر حدة من كارل، كيفين ولاري يتشابهان أيضاً بالشعر البني والعيون المماثلة!
طرف بنفاذ صبر وقال بحزم: لا تخمني من تلقاء نفسك، تزوجت من امرأة واحدة فقط وقد توفيت أثناء ولادة دانيال.
ف. فهمت لا داعي للغضب!، ماذا عن. هاه؟ مهلاً! هل هذا يعني ان كيفين ولاري ليسو ابنائك أصلاً؟
اعتنيت بهما فقط.

لقد. فاجأني سماع هذا قليلاً.!
ومع ذلك لم أستبعده أيضاً.
ولكن معاملته للجميع يصعب التفرقة فيها! أقصد. الجميع سواسية! لم يقم بتمييز أحدهم لذا لم أشك في الأمر أو افكر كثيراً!
فهمت، و عادت والدتهما اليوم؟ لماذا أنت متضايق إذاً؟
لست متضايق.

اعترض بحدة فأجفلت وتحركت يدي فوراً لأداعب رأس بينديكت، أضاف بنبرة غريبة وبدى صوته متهدجاً: اعتنيت بكيفين منذ أن كان في الثانية عشر تقريباً من عمره، كان مجرد فتى بجسد هزيل وضعيف وصحته سيئة، مرّ بالكثير حتى تحسن وأجرى عملية جراحية في القلب وكبر أمام عيناي، لاري كان طفلاً صغيراً جداً كذلك وتعلق بنا بسرعة، أي طفل في عمره كان ليسهل عليه التعود والتكيف على محيطه بسرعة. تطبع بطباع ابنائي وشيئاً فشيئاً كان يتغير حتى أصبح يقلدهم في الكثير من التصرفات والسلوكيات.

أردف بذهن شارد: اعتقد أنني. اعتدت وجودهم في منزلي، اعتدت تواجدهم أمامي طوال الوقت! شعرت بثقل الأمانة التي على الحفاظ عليها حتى انسلخت عن هذا الشعور، لم يعودا مجرد أمانة ولكنهما جزء من عائلتي.
لماذا قد.
يتعلق بهما إلى هذا الحد؟ أعلم جيداً أنه من الممكن حدوث هذا ولكن. هناك أمر غريب!
يوجد شيء يسيّرني للتساؤل حول ما هية الأسباب التي ستجعله يتعلق بهما إلى هذه الدرجة؟

سيد هاريسون ألم تكن. مستعداً لهذا اليوم؟
خرجت تنهيدة عميقه من صدره وهو يقول: هل الأمر متعلق بالاستعداد؟ ربما.
أضاف يتجاوز سؤالي: يبدو لي أن والدتهما السيدة مارثا ستزورهما حتى يعتادان عليها، إلى ذلك الحين. أريدك أن تتكفلي بأمر كيفين، أعلم أنني ربما أطلب منكِ الكثير ولكنني لا أريد من دانيال التدخل في هذا الأمر تحديداً، كيفين لن يمانع التفوه بكلمات جارحة وهناك وتر لا أريد منه أن يلمسه.

أعقب بكلمات مبهمة: كارل يجيد التصرف ولكن. اعتاد كيفين سماع النصائح منه وقد لا يتأثر بما يقوله. هل تفهمين ما أحاول قوله؟ الأمر حساس جداً بالنسبة لكيفين! عليه أن يعود مع والدته.
ماذا عنك أنت؟ لماذا لا تتحدث إليه!
نفي برأسه بصمت فقلت بتردد: هل تخشى أن. تتصرف بأنانية؟ أن تحاول اقناعه بالعكس دون قصد؟ إلى هذه الدرجة تعلقت به سيد هاريسون؟

ارتخت ملامحه ينظر إلى بشيء من التعجب قبل أن يبتسم بضمور ونظر إلى بينديكت وهمس مردداً: أتصرف بأنانية.؟
أعتقد أنني محقة!
تعلق بهما وليس من السهل عليه أن يقوم بنفسه باقناعهما بالابتعاد عنه بعد مرور هذه السنوات!
بطريقة ما يمكنني فهم هذا الشعور جيداً.
الفرق أنني من كنت أقوم باقناع نفسي بالتخلي عن عائلتي لأحميهم مني.!

كنت في صراع عنيف مع ذاتي التي ترغب في البقاء معهم وفي المقابل ستحل عليهم اللعنة بسبب مشاكلي والكوارث التي أتسبب فيها دون كلل أو ملل، وذاتي التي ترغب في تركهم ليعم الهدوء والسلام عليهم.
في حين يرغب هو في انتزاع نفسه من هذا الأمر لئلا يؤثر عليهما.!
هذا الرجل.
زميت شفتاي بقوة أحدق إليه بأسى قبل أن أكبح نفسي.
هذا الرجل ليس مجرد أب.! هو دافئ بقدر عصبيته وانفعاله السريع.
دافئ جداً.!
ماذا لو. رفضت؟

ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه فأسرعت أقول مبتسمة بلطف: لست الأنسب لهذا الدور!
أكمل ادوس على مشاعر الخجل من نفسي: أنت لا تعرفني جيداً سيد هاريسون، لا فكرة كافية لديك عني، في الحقيقة لست منطقية دائماً ففي أحيان كثيرة تسبب مشاعري كوارث لا يحمد عقباها، كما أنني. اتخذت قرارا فيما مضى. قد يكون مماثلاً لما يرغب فيه كيفين الآن، وهو ما سترفضه أنت تماماً.

نظر إلى بهدوء وتركيز فقلت أتنهد أنظر إلى بينديكت: تركت عائلتي خلفي لأسباب خاصة، أنت تطلب من فتاة اتخذت قرار مماثل ان تمنع كيفين من التخلي عن والدته. هذا. صعب!
لا يجب أن أتدخل.
إن تدخلت في شؤونهم فسأزيد الوضع سوءاً وحسب!
كما لا أستطيع تنفيذ هذا الطلب تحديداً.!
من هو الأنسب برأيكِ؟
أنت.

أكملت وقد شجعته بجدية: أعلم جيداً سيد هاريسون أنك لا تريد التصرف بأنانية تجاههما، ولكن لا مانع من ابداء رغبتك أيضاً! ماذا لو كانت مشاعرك تجاههما هي السبب في اقتناع كيفين بالعودة مع والدته؟ أقصد. ماذا لو استشعر مدى تعلقك به ومدى رغبتك في لم شمل عائلته أيضاً؟ قد يكون هذا سبب كافياً! كما أنك لست مجرد رجل قد اعتنى بهما، أنت والدهما كذلك! ومن حقكم اللقاء والتجمع في أي وقت، اليس كذلك؟

أضفت اربت على كتفه: لاري متعلق بدانيال كثيراً، حتى لو عاد مع والدته هو لن يتركه وشأنه!، وعلى الرغم من جدالكم الدائم ولكن كيفين كذلك لن يبتعد عنك بسهولة أنا واثقة من هذا.!
الكثير قد استوعبته الآن فقط! لربما لهذا السبب كان يرفض المنحة الدراسية التي يرغب فيها كيفين!
لأنه يخشى فراقه وهو أمانة عليه الاحتفاظ بها جيداً! لأنه يخاف ان يبتعد في حين عليه العناية به!

شعرت بالغصة في حلقي وقد تحرك فمي من تلقاء فمه هامسة: أنت رجل. نادر!
تجنب النظر إلى قبل ان يرفع يده ويربت على رأسي قليلاً فانزلت يدي عن كتفه وتمتمت: يمكنني فهم كيفين ولاري! لا أحد سيبتعد عنك بسهولة.
من الصعب عدم تذكر أبي بوجود هذا الرجل.
ينتابني الدفء والأمان!
بطريقة ما أرغب في سماع صوت أبي حالاً.!
حاولت تجاوز ما أمر فيه متسائلة: هل كانت والدتهما في قرية كلوفيلي طوال هذا الوقت؟

لا، إنها قصة طويلة جداً، أياً يكن حتى لو كانت بعيدة عنهما ولكن بحوزتها أسبابها وهي مقنعة جداً ولا ذنب لها.
أومأت بفهم فقال متداركاً: قلتِ ذات مرة أنكِ تعرفين شخص قد ترعرع هناك؟
آه نعم، كما أنه كان يقوم بزيارة القرية بين الحين والآخر ولكنه توقف ما ان بدأ ينشغل بالعمل.
أضفت ممتعضة: من فضلك لا تذكر أمره.
لا تطيقينه؟
مشاعر متبادلة.
آه تباً لا أريد التفكير بأمر لارز مجدداً!

لازال على اقناع دانيال بمواعدتي او العثور على فتاة يواعدها هذا المزعج لارز ليفقد أبي هذا الأمل بشأنه!
هز رأسه بصمت ثم رفع يده يلمس رأس بينديكت وقال: واثق أن جميعهم سيشعرون بالحماس لوجود فرد إضافي.
ابتسمت أنظر إلى بينديكت حتى تعالى رنين هاتفي فأسرعت أخرجه من جيبي، ديفيد؟
أجبت فوراً: مرحباً دي.
لديكِ مُتسع من الوقت؟

تساءل فوراً بنبرة غريبة وقد بدى صوته مبحوحاً مخنوقاً بوضوح! انتابني القلق وقلت: ما الأمر؟ أنت بخير؟
أريد التحدث إليكِ قليلاً. أو ربما. غَداً؟
بدى منزعجاً بشدة فقلت فوراً: أين أنتَ الآن؟
سآتي لإصطحابكِ أين أنتِ؟
تقاطع الشارع العام قبل الجسر الرابع، هل كل شيئ على ما يرام أخبرني لأطمئن؟ روز! هل هي بخير؟
سألته باندفاع فقال مختصراً: مجرد حديث كات، سأكون عندك في غضون دقائق.

أنهى المكالمة بعصبية فنظرت إلى هاتفي بعدم استيعاب!
ما كان هذا للتو؟ هل تشاجرا مجدداً؟ ولكن. بدى أغرب بكثير من المعتاد؟
ستنتظرين شخص ما؟
تساءل السيد هاريسون فأومأت بحيرة: آه نعم، سأخرج قليلاً مع أحد الأصدقاء قد أتأخر قليلاً بالعودة.
بدى يفكر قليلاً قبل ان أستشعر الاهتمام في صوته: كوني حذرة ولا تتأخري كثيراً، ماذا عن الجرو؟

سآخذه معي لا بأس. لم يخرج او يتنزه منذ فترة طويلة وسيسره البقاء في الخارج لوقت أطول.
سأنتظر معك حتى تذهبي.
نفيت بسرعة: لا داعي لهذا يمكنك العودة سيد هار.
اعترض بحزم: قلت بأنني سأنتظر!
كانت دقائق من الانتظار حتى لمحت سيارة ديفيد، أوقفها بجانب الرصيف فقلت للسيد هاريسون: ها هو ذا، سأذهب الآن.
وقف وحذرني مجدداً: لا تتأخري كثيراً، اتصلي بي أو بدانيال أو حتى كارل إن احتجت إلى أي شيء.

ابتسمت ولوحت مبتعدة احمل بينديكت بعد ان أصر السيد هاريسون على أخذ الصندوق معه: حسناً، سأفعل.
وجهت ناظري حيث سيارة ديفيد وفتحت الباب لأجلس بجانبه.
بقي يحدق بعينيه الخضراء للأمام ولم ينبس بكلمة!
اغلقت الباب وتمتمت بإستنكار وقلق: أنت. هل كل شيء بخير! هيه أنت! ديفيد؟
ضربت كتفه فقال يجز على أسنانه يحكم كلتا يديه على المقود: لقد كانت تكذب.
هل يتحدث عن روز؟

توترت وانتابني القلق، بدى غاضباً ولكن غضبه لم يخفي مدى الضيق الذي يشعر به!
تفاجأت ببينديكت قد نبح واقترب من ديفيد حتى استقر على حجره يلعق مرفقه فأخفض ناظريه نحوه يحدق إليه.
رغب الجرو بمواساته! لقد استشعر مدى الضيق الذي يعتريه!، وهذا ما جعلني اسأله فوراً: تحدث! ما الذي حدث؟

ابعد ناظريه عن بينديكت وابتسم لي بضمور وقد ومضت عينيه بالضيق ليهمس: هل أنا بهذا السوء؟ هل كنت أفرض نفسي على روز طوال هذا الوقت؟ ربما. لم أفعل ما يكفي لأجلها؟
ما الذي. تقوله! لماذا تشك في كل ما قدمته لأجلها! كلاكما يحب الآخر، هل. تشاجرت معها؟
ابتسم بتهكم وسخرية قبل أن ينظر للأمام، زفر الهواء وقال بإستهزاء: تشاجرت؟ نعم. حدث هذا.
لماذا؟

ساد الصمت قليلاً حتى كسره بما جعلني أحدق إليه دون أن أطرف: لأنني لمحتها صدفة في سيارة رجل ما، وحين اتصلت بها لأسألها أين هي أجابت بأنها تتبضع وتشتري الحاجيات من المركز التجاري! رغبت في تكذيب أذني وعيني وسألتها أنني قصدت عن مكان تواجدها الآن في هذه اللحظة وأصرت على إجابتها. هل.

أعقب بمرارة: هل بالغت في أفكاري هذه المرة؟ هل افتريت بظنوني يا ترى؟ لم أرى تلك السيارة مسبقاً! لم أرى روز تركب سيارة فارهة مماثلة من قبل! كذبت وأنهت المكالمة فوراً.! من يكون؟ ولماذا أصرت على الكذب علي!
ما الذي. يقوله!
روز تحب ديفيد لا شك لدي في هذا.!
عليه أن.
يلتمس لها عذراً!
ربما يكون.

ربما شخص تعرفه وحسب! ربما لم تستطع اخباره بالحقيقة آنذاك لسبب ما! ربما ستذهب بالفعل للتبضع في المركز التجاري لاحقاً! أو ربما خرجت منه؟
نفيت برأسي واعترضت مهدئة: مهلا ديفيد، إياك وان تظن بها سوءاً!، روز لن تفعل شيئاً مما يجول في عقلك!، حتى لو رأيت هذا بكلتا عينيك لا زال عليك مصارحتها.
عقد حاجبيها يستنكر كلماتي: عفواً؟ كتاليا هل تمازحينني!

أضاف بغضب أفزعني ونبح بينديكت جراءه وقد عاد إلى حجري فوراً: وماذا لو أخبرتكِ أنها في الأمس قد أخبرتني بأنها ستتأخر في المجلة، واحزري ماذا! في الأمس مررت لأخذ بعض الملفات ولم أجدها هناك بعد انهاء مكالمتي بدقائق فقط! اختفت؟ عادت فوراً؟ دون أن ألمحها أو أراها؟ بهذه السرعة!

ارتجف صوته في كلماته الأخيرة ونفي برأسه منزعجاً ومتضايقاً يلوم نفسه بوضوح: لا أريد التفكير بطريقة مماثلة! أكره نفسي لمجرد الشعور بالشك نحوها! ولكنني واللعنة لا أتخيل فكرة أنني. أقوم بفرض نفسي طوال الوقت! لربما روز لم تعد تريدني جزءاً من حياتها ولا تستطيع الانفصال عني! ولكنني لست مستعد للانفصال عنها ولا أفكر في فعل هذا حتى! ما الذي تخفيه عني! لماذا لا زال هذا الحاجز بيننا؟

أردف وقد شعرت بالضيق الشديد في صدري: هي المرأة الوحيدة في حياتي فقط كات! أخشى عليها من نفسي ولم أحاول يوماً إيذائها أو حتى جرحها! تارة تكون قريبة مني وتارة أخرى بعيدة جداً! هل أنا رجل مرغوب أو مرفوض لم أعد أفهم! هل أنا شيء مهم في حياتها حتى؟ ماذا لو صارحتها وكانت المصارحة الأخيرة بيننا؟ ماذا لو. كنت أسيء الظن بالفعل؟ هل هذا يعني أنني شخص سيء حقاً؟

رفعت يدي أربت على كتفه: اهدأ ديفيد، هون عليك سيتم حل الأمر أنا واثقة أنه سوء فهم وحسب ولا تقلق أي رجل كان سيشعر بما تشعر به، روز تحبك ثق بي! هل يمكنك قيادة السيارة؟ لنتنزه قليلاً ونتحدث في مكان ما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة