رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثلاثون
كارل: واصلت النظر إلى هاتفي أعجز عن التخلص من شعور القلق والتوتر الذي ينتابني منذ الأمس.
لا أحد منهما يجيب على هاتفه! عندما تأخر الوقت ولم يعودا لم أتوقف عن الاتصال بهما، بدى أبي كذلك قلقاً وغاضباً واستمر هو أيضاً في محاولة التواصل معهما دون جدوى!
زفرتُ بيأس وأعدتُ هاتفي إلى جيبي وقد استقرت كلتا يداي في جيب سترتي الخفيفة أعبر اشارة المشاة أتجه إلى الطريق المؤدي إلى المقهى.
لا أريد التفكير أكثر ووضع فرضيات سخيفة ولكن ما الذي قد يجعلهما يتجاهلان اتصالاتنا؟
هل سار كل شيء على ما يرام في الحفل؟ هل هما بخير؟
توقف كارل لا تكن سلبياً إلى هذه الدرجة، ربما.
انتهى الحفل في وقت متأخر ولم يعد اليخت بعد واضطر كلاهما لأخذ قسط من الراحة، أو ربما.
آه يا الهي لا يمكنني التماس أي عذر مناسب يلطف شعوري بالقلق! هذا الأحمق. أرجو أن يكون بخير وحسب.
سأحاول الاتصال بهما مجدداً بعد فترة من الوقت ربما على الإنتظار قليلاً، ولكن هذا غريب حقاً ليس من عادة دانيال تجاهل أي اتصال يرده منا.!
لمحتُ في طريقي الآنسة تاتيانا التي تحمل على ظهرها حقيبتها التي تحشوها بالكتب والمراجع بينما تمسك بين يديها كيس أبيض مُعتم كبير الحجم نسبياً.
أبطأت من خطواتي لئلا تلمحني وتعكر صفو مزاجي بجدالها المعتاد، ستتهمني بأنني أتبعها أو أتعمد الوصول في الوقت آنه معها، أعلم جيداً مدى صعوبة مِراس هذهِ الفتاة ولا أنوي أن يسوء الوضع بيننا أكثر، كل ما أريده هو أن أمضي أيامي في العمل بسلام.
عقدت حاجباي باستغراب شديد وتوقفت عن السير أنظر إلى أفواج الشبان والفتيات الذين قطعوا الشارع المقابل معاً مفعمين بالطاقة والغضب!
كان الناس من حولي يحدقون إليهم كذلك باستغراب وحيرة ولا سيما وقد صرخ أحدهم يشير بسبابته محفزاً إياهم بإنفعال: يا رفاق، إنها هناك!
هل.
يشيرون إلى الآنسة تاتيانا تحديداً؟
اتسعت عيناي مدركاً لحقيقة الأمر ما ان التفتت فوراً تحتضن الكيس وتطلق العنان لقدميها لتركض بأسرع ما لديها تتراجع وهي تصرخ وتلتفت نحوهم في كل حين!
ما الذي. يحدث!؟
تسمرت في مكاني ما ان لمحتني وقد صاحت بي: سأعفو عنك! سأسامحك بشأن مكافأتي التي تم سرقتها ولكن افعل شيئاً حالاً.
نفيت برأسي بعدم فهم اتراجع للوراء أنظر إلى المجموعة القادمة والتي لا تقهر غير آبهة بأيٍ من المارة والمشاة والسيارات أمامهم، تفاجأت بِها تنزع حقيبتها من على ظهرها وقد قالت بغضب تلقيها علي: انفذ بجلدك! إياك وأن تسلمهم الحقيبة مهما حدث، قيمة الحقيبة أكبر وأغلى بكثير من حياتك هل تفهم!
ماذا؟
أمسكت بالحقيبة بتشتت فقالت بصوت عالي تشير إلي: المراجع معه! هو من قام بأخذها لا شأن لي.
انهت كلماتها وقد تفاجأت بها تكمل الركض لتسلك الطريق المجاور وتقطع الشارع، أخفضت ناظري إلى الحقيبة حتى سمعت صراخ إحدى الفتيات في المجموعة: أمسكو به، تلك الحقيبة ستحدد مصيرنا يا رفاق! إن أردتم تخطي الاختبارات النهائية فاحصلوا على كافة المراجع التي سَرقتها تلك المحتالة.
مراجع! لا يمكن. ما الذي ورطتني به هذه الفتاة!
هل التفاهم معهم ممكن حتى؟
ربما على تسليمهم الحقيبة وحسب!
آه تباً ولكنها استئمنتني اياها!
ازدردت ريقي ونظرت من حولي قبل أن أتخذ قراري وقد زفرت بغيظ شديد لأركض أبتعد عنهم وتبعت الطريق الذي لمحتها تسير إليه.
هرع الجميع خلفي وقد أبقيت الحقيبة بين يداي قبل أن أضعها على ظهري ليحيط حبلها بكتفي الأيمن، تجاوزت حشداً من المارة في الطريق المجاور وأكملت الركض حتى وقفت بتوتر أبحث بناظري، لم ألمحها في أي مكان فوجدت نفسي أنزل الدرج المؤدي إلى محطة القطار.
دخلت المحطة لاهثاً وأسرعت نحو دورة المياه لألتقط أنفاسي.
ما الذي أفعله بحق الإله!
لم يكن على الهرب وإنما ترك هذه الحقيبة وحسب! لا أدري ما الخطأ الفادح الذي ارتكبته تحديداً ولكنني على أتم الثقة أن لقائي بهذه المندفعة عقاب إلهي بلا شك.
وقفت شاخصاً حين سمعت أصواتاً خارج دورة المياه وخمنت تواجدهم في الأرجاء لذا أسرعت لأدخل إلى أحد الحمامات وأغلقت الباب بسرعة.
بقيت واقفاً أسند رأسي على الباب وسمعت أصواتهم العالية وقد تذمر أحدهم بإنزعاج بالخارج: آه تباً لقد فقدنا أثره! من يكون بحق الإله لم يسبق لي وأن رأيته في الجامعة!
حاوره الآخر بإمتعاض: يبدو مألوفاً لي! أين رأيته يا ترى؟
أبدو مألوفاً؟
آه يا الهي لا يمكن أنه ذلك المقطع السخيف المُصور.
أغمضت عيناي بلا حيلة قبل أن أتسمر مدركاً دخولهما إلى دورة المياه ليستكملا الحديث وقد اخفضا صوتيهما قليلاً ليقول الآخر: تلك الداهية، التقت بخريجي الدفعة السابقة قَبلنا وأخذت المراجع منهم لتحصل على المعدل الأعلى، هي ستفعل المستحيل لتحظى بالنصيب الأكبر من المكافآت المالية، لن أتركها وشأنها على أن أجتاز الفصل الأخير وأتخرج! التقيت قبل أسبوع بزميل يصغرني سناً تخرج العام الماضي، هو واللعنة قد باشر بالعمل قبلي!
تنهد رفيقه وقال بلا حيلة: يصعب تعقبها، ليس من السهل معرفة مكان عيشها لنستعير منها المراجع، والأدهى أنها لا تبني أي علاقات مع أي شخص في الجامعة! أنصت ماذا لو أخذنا عنوانها من سجل بيانات الطلبة؟
استكملا حوارهما في حين أغلقت المرحاض وجلست عليه أترقب خروجهما أنظر إلى الساعة في هاتفي.
سوف أتأخر عن المقهى، إن لاحظ المدير الأمر فلن يَتردد في تحذيري! لا زلتُ جديداً في العمل لا يجب أن أترك انطباعاً كهذا!
وضعت الحقيبة على حجري واسندت مرفقاي عليها.
لا أدري متى ينويان المغادرة، يبدو أن خطتهما تحتاج إلى دَهر ليتم حياكتها في دورة المياه!
طرفت بعيناي بحيرة وقد لفت انتباهي الجيب الخارجي للحقيبة، كان مفتوحاً بشكل جزئي ويُظهر ورقة بملمس رقيق.
سحبتها بخفة وابتسمت بفتور وتهكم، أحد المراجع التي تعتبر كنزاً بالنسبة لطلاب الجامعة؟
لا يبدو الأمر. كذلك!
ما هذا؟
استغربت محتواها وأعدت قراءتها مجدداً، وصفة طبية!
هذا النوع من الأدويه.
أعدت قراءة الدواء مرارا وتكرارا أحاول تذكر ما يختص فيه، بالطبع ليس أحد الأدوء في مجال الطب البيطري ولكنني أتذكر جيداً أنني قرأت عنه مسبقاً، إن لم تخني الذاكرة.
أعتقد أن هذا الدواء يتم صرفه لحالات الخرف! والذي يليه. مُسكن لالتهابات المفاصل وهشاشة العِظام؟
وذلك الأخير. لم يسبق لي وأن قرأت اسمه!
أجفلت لصراخ أحد الشابين وقد قال ممتعضاً: اللعنة، لا جدوى من التجول في الأرجاء لنمسك بها في الجامعة وحسب.
ابتعدت خطاهما فأسرعت أدخل الورقة حيث كانت والشعور بالخجل من نفسي يلازمني، لم يكن على التطفل وقراءة ما يخصها!
أغلقتُ جَيب الحقيبة جيداً وَوضعتُها على ظهري لأتفقد المكان قبل أن أخرج بحذر.
استغرق الأمر مني بضع دقائق أخرى لأتأكد من خلو المكان وعدم تواجدهم في الأرجاء، اضطررت لأن أشتري في طريقي عند مدخل محطة القطار قناع للوجه بلون أسود وقد ارتديته أتلفت من حولي قبل أن أطمئن لعدم تواجد أي شخص في الأرجاء مِنهم.
وصلت إلى المقهى وقد تنهدت بإنزعاج مدركاً أنني تأخرت عن الوقت المحدد، دخلت لأرى ويل وزاك يقومان بتجهيز ركن المخبوزات والقهوة ولحسن الحظ لا يوجد زبائن بعد، أتى صوت انثوي من ناحية الدرج مترع بالحيرة: تأخرت بالوصول اليوم كارل!
كانت مويرا التي أومأت لها بهدوء وأخفضت ناظري أنزع القناع: ازدحام مروري.
أشار ويل مُرحباً: صباح الخير أيها الكسول، أسرع وغير ملابسك، معظم طلاب الثانوية قد بدأو بالدروس الإضافية لذا سينهالون على المقهى للدراسة.
رسم زاك ابتسامة عابثة هادِئة وتمتم مفكراً بمكر: هل ستحتاج أي فتاة مساعدة يا ترى؟
زفر ويل وقال بفتور ينظم المخبوزات الطازجة على الرف: لا ترتكب أي حماقة قد تجعل مرتادي المَقهى يطيلون البقاء والزم حدودك.
دخلت حيث غرفة تبديل الملابس ولم ألمح هناك أي أحد، تركت الحقيبة على الأريكة و بدلت ملابسي، كنت أضع المئزر البني وأحكم رباطه خلف ظهري عندما أجفلت لدخول عنيف ولم تكن سواها وهي تلهث تسند يديها على ركبتها ووضعت الكيس الأبيض بجانب قدميها.
بقيت تحاول التقاط أنفاسها حتى رفعت كف يدها لتمسح العرق عن جبينها، ثم سرعان ما انتبهت لي وتساءلت باندفاع: لقد نجوت! أنت لم تخسر أي مرجع من الحقيبة صحيح؟
اهدأ كارل، لا تغضب لا يجب أن يعلو صوتك.
تمالكت نفسي وأشرت إلى الحقيبة بهدوء شديد: أنا أعتذر لصراحتي، ولكن ذلك التصرف كان فظ جداً، لا تقحمي الآخرين بمشاكلك فجأة!
تفاجأتُ بها تشير بيدها بلا اكتراث!، أسرعت نحو الحقيبة تبتسم بانتصار لتتمتم مُحدثة نفسها: بذلت كل جهدي في الحصول عليها لماذا على أن أتنازل عنها!
أين تكمن المشكلة إن قامت بنسخها لأجلهم؟ ما الذي قد تخسره بحق الإله!
انتابني الإنزعاج ولكنني التزمت الصمت تماماً وقررت الخروج من الغرفة ولكنها قالت بثقة تستوقفني: لم تفعل ذلك مجاناً لا تقلق، لقد سامحتك على فقدان مكافأتي لذا كن سعيداً.
لا أطمحُ لِنيل عفوك آنسة تاتيانا.
كيف تجرؤ أيها ال.! آه لا بأس سأتجاوز هذا.
أعقبت تبتسم بملل تأخذ الكيس وتفتح خزانتها لتضعه فيه بحرص: ساعدتك في الهَرولة وتنشيط دورتك الدموية كن شاكراً.
ل. لا بأس، حافظ على هدوئك! خذ نفساً عميقاً إنها مجرد فتاة غير ناضجة لا تنجرف للجدال معها.
مجرد حديث يهدف إلى استفزازك تجاهلها.
وهذا ما فعلته فلقد اكتفيت بالصمت المطبق وخرجت من الغرفة وباشرتُ بالعمل مع ويل وزاك.
مضت ساعة على الأقل منذ أن بدأت العمل حتى وقفت أمسح طاولة ركن القهوة بالممسحة أزيل بقع القهوة التي انتهيت من اعدادها قبل لحظات، اسند ويل مرفقيه على الطاولة من الخارج وابتسم ليقول بخبث: بالمناسبة كارل، العارضة التي زارتك مسبقاً.
الآنسة ستيلا!
جذبني قوله فالقيت عليه نظرة مترقبة فوراً.
غمز لي وهمس بمكر: ما رأيك؟
نظرت إليه بعدم فهم قبل أن أتمتم أعقد حاجباي: بِماذا؟
زفر بملل وضرب على الطاولة بخفة ليهمس ممتعضاً: هيا يا رجل لا تدعي البراءة أراهن أن لعابك كاد يسيل في الأمس! قد يكون مظهرك رزيناً ولكن من بحق الإله سيصمد أمام مظهرها.!
ما الذي تتحدث عنه؟
ارتفع حاجبيبه يحدق إليه للحظة قبل أن يقول بإستغراب: يبدو أنك. فوّت ذلك البث! انتظر.
أخرج هاتفه من جيبه يبحث عن شيء ما، وضعت المنشفة في مكانها المخصص ورتبت باقي الركن أمسك بمجموعة الأكواب الورقية لأضعها في الركن الجانبي حتى قال بشيء من الحماس: قامت ستيلا بتصوير بث من خلال حسابها في الأمس، لم يتوقف الجميع عن الإشادة بمظهرها الملفت! هذه العارضة فاتنة بالفعل.
أدار شاشة هاتفه نحوي ليريني ما كان يحدق إليه بحماس.
تعلقت عيناي على شاشة هاتفه وبالكاد طرفت بهما!
ابتلعت ريقي بصعوبة في حين قال بمكر: أنظر إليك!
لم يكن مظهرها لطيفاً ملفتاً فقط. ولكن حديثها العفوي خلال البث وهي تصور الحفل وتلقي الطرف اللطيفة.
جعلني أقرب وجهي قليلاً من هاتفه.
فستانها الأبيض.
يبدو مناسب جداً!
الطريقة التي صففت فيها شعرها، ابتسامتها اللطيفة بينما تتحدث مع زميلاتها، كل ذلك جعلني أتمنى ولو للحظة.
أنني رأيت هذه الإطلالة أمامي مباشرة!
ما الذي أقوله الآن!
علي رسلكَ! الأكواب كارل.
طرفت بإستيعاب مدركاً إلى أنني أحكمت قبضتي دون شعور على الأكواب!
ابتسم بسخرية قبل أن يضحك بخفوت ورفع جذعه أكثر يقلص المسافة من خلف الركن ليصل إلى ويضرب كتفي ممازحاً: مفتون إلى هذه الدرجة؟ كيف تجرؤ على تفويت هذا البث؟
ابعد الهاتف قليلاً ولكنني سرعان ما لمحت الاستغراب على وجهها أثناء التصوير فقلت له بحيرة: ما الذي كانت تتحدث عنه في البث؟
نظر إلى الهاتف قليلاً قبل أن يتنهد: آه لقد كان البث طويل جداً، هذا التصوير كان بعد التكريم وعلى الأغلب في وقت العشاء.
أضاف مبتسماً ينظر إلى تعليقات البث ويميل بهاتفه لأشاهده معه: قالت بأنها ستعلن عن أنباء سعيدة خلال الفترة القادمة ولكن لاحقاً بدى الاستغراب جلياً على وجهها بسبب ثنائي قد. آه كما ترى أمامك. صحيح عندما شاهدت البث في الأمس ذكرني هذا الرجل بك لسبب ما، ربما تشبهه كارل، هل لاحظت هذا؟ شبيهك كان على متن يخت يحتفل وكما ترى رفيقته امرأة فاتنة كاللعنة! بينما تعمل أنت في هذا المقهى تأمل فقط العثور على مكان أفضل، يبدو أنه.
غاب صوته عن أذني وقد غاصت عيناي ولم تبصرا سوى شاشة هاتفه!
أنا حتى لم أدرك أنني انتزعت الهاتف من بين يديه سوى عندما همس بإسمي باستغراب وتعلقت يده في الهواء حيث كانت.
دانيال. ما الذي.
وضعت الهاتف على الطاولة وجلست فوراً على الكرسي بلا حيلة كما لو خارت قواي.
لماذا.!
قد أتفهم فكرة أن تبادر هي بذلك ولكن. دانيال! ما الذي يفكر فيه بحق الإله ولماذا أمام الجميع!
هل الاعجاب ما قد يسيره للتصرف هكذا حتى؟ غير وارد. ومع ذلك اريد ان اثق به وحسب!
مررت يداي على صدغي بإنهاك أتجاهل تساؤلات ويل الذي بدى بالفعل قلقاً.
تهوّر كثيراً. لم يفكر بالأمر ملياً أو يتأنى في اتخاذ قراره!
ما الذي سيّره لفعل هذا فجأة؟ بدت لي متفاجئة جداً في حين يبدو دانيال غريباً. لم يكن وجهه مضطرباً أو محرجاً حتى!
لم أرى يوماً هذا التعبير يعتلي ملامحه.
ما الذي دهاه؟
هذا المتهور.
أخرجتُ هاتِفي أنظر إليه بعجز تام، لم يُجب أحدهما ولم يبادرا بالاتصال ما الذي يَعنيه هذا؟
آه يا الهي. مررت يدي في شعري وقلت بعدم اتزان: سأغادر.
اتسعت عينا ويل بعدم استيعاب: ماذا!؟ لماذا فجأة!
نفيت برأسي وبالكاد خرج صوتي: سأخبر المدير بنفسي، أنا آسف على المغادرة الآن.
مهلا كارل!
اتجهت إلى غرفة التبديل أتجاوز تاتيانا التي خرجت للتو، استبدلت ملابسي وأسرعت لأخرج من المقهى أغلق كلتا أذناي عن أصوات كل من حولي.
لم يكن ما فعله متوقعاً، أنا واثق أنه يوجد ما دفعه لفعل هذا.
دانيال لن يقدم على فعل مماثل إلا في حالة واحدة!
لقد انتابه الخوف من أمر ما، تحكمت مخاوفه به وسيّرته ليتصرف باندفاع، ولكن ما الذي كان يخشاه آنذاك؟
كيف أخذت الأمور هذا المنحنى؟ اعتقدت أنني سأتحدث مع الآنسة كتاليا وأخبرها بكل شيء ثم سأحاور دانيال ولكن لا شيء يسير كما هو متوقع.
لا يجب أن يعلم أبي فجأة وإلا انفعل وانتابه الجنون، على ان أمهد الموضوع بتروي وتأني شديد.
توقفت أتنهد بعمق أنتظر في التقاطع حتى اهتز هاتفي قبل أن يتعالى رنينه فأسرعت لأخرجه منفعلاً وقلقاً فلعل أحدهما قد استجاب ليتصل أخيراً!
كيفين؟
عقدت حاجباي بحيرة بينما أجيبه وأكمل سيري في التقاطع: ما الأمر كيفين؟
همس بإسمي بنبرة غريبة فالتزمت الصمت بترقب حتى لفتني بقوله بينما ألتمس الضيق في صوته رغم محاولته الحفاظ على بروده: ورد أبي اتصالاً وتصرف بغرابة، هل أخبرك شيئاً؟
انتابني القلق وقد جف حلقي لأتساءل: اي اتصال؟
لا أعلم، ولكنه قد خرج من المنزل قبل قليل فقط، كارل أبي يبدو غريباً شاحباً! قال بأنه سيتأخر في العودة.
متى. سيعود!
قال لي أن أخبركم. بأن لا ننتظر عودته اليوم!
ماذا!
أخذ مَعه حقيبة صغيرة ويبدو لي أنه وضع فيها بعض المستلزمات والملابس، هل. ينوي الذهاب إلى مكان بعيد؟
أغلق كيفين!، سأتصل به حالاً.
انهيت المكالمة معه ودمائي تفور في عروقي بشراسة حتى اشتد بي القلق وأرغمني على أن أهرول لأعود إلى المنزل أتخبط في خطواتي.
اتصلت به اترقب رده ولكنه لم يجب!
توقفت عن الحَركة شاخصاً في مكاني.
تعلقت يدي على أذني وبقيت أحدق نحو الشارع المجاور حيث لوحة الإعلانات الكبيرة المجاورة لمحطة انتظار الحافلات حيث كانت اللوحة تعرض صورة دانيال في دور القرصان!، تسمرت عيناي على من يقف أمام الإعلان يرتدي قميصاً أسود فضفاض والقلنسوة فوق رأسه كما جرت عادته! هذه الهيئة.
تسارعت أنفاسي رَغماً عني مدركاً ليده التي استقرت على اللوحة تحديداً على وجه دانيال!
دامين.
بالكاد كان صدري يستنشق الهواء بينما أحدق إليه وهو يسند جبينه على اللوحة.
هل. شاهد البث؟
ارتخت يدي من على أذني أحكم قبضتي على الهاتف بقوة.
إن تبعته.
ألن تكون فرصة جَيدة ليتم. القبض عليه؟ ألا يجب أن ينتهي كل هذا وحسب؟ إلى متى علينا الشعور بالقلق من بقائه حراً يتنقل هنا وهناك! ما فعله دامين لا يُغتفر، مهما كانت الأسباب التي دفعته لافتعال الحريق. ولكن هناك أبرياء لا ذنب لهم قد فارقوا الحياة!
مؤخراً شقيقة كيدمان قد توفيت ولم أعد استبعد أن يسوء الوضع أكثر! ترك خلفه فوضى يصعب تنظيفها. سمعة أبي في القرية ليست سيئة وحسب ولكنه عانى حتى قرر الخروج من القرية تاركاً كل شيء خلفه وقد قطع عهداً على تسديد كل الديون التي على عاتقه. على الابلاغ عنه لقد سئمت هذا الحال!
أجفلت أنظر إلى هاتفي لأرى أي اتصال قد وردني فجأة، أبي!
بقيت عيناي معلقة على دامين الذي لا يزال على وضعه بينما أجيب بسرعة بصدر مقبوض: أبي. هل كل شيء على ما يرام؟
أتى صوته بنبرته الجامدة المعتادة: يُفترض أنك في العمل، ما الأمر؟
هل ستقصد مكان معين؟
ساد الصمت للحظات مطولة كانت ثقيلة وقد جزيت على أسناني أترقب اجابته بإضطراب حتى تحركت أنوي قطع الشارع ما ان لمحت دامين قد ابتعد عن اللوحة يسير بخطواته الهادئة.
اعتني باخوتك كارل، سأعود إلى كلوفيلي مؤقتاً، قد أعود غداً أو بعد غد.
س. سيعود.
فغرت فمي بعدم استيعاب وبدى الجميع من حولي في أقصى سرعة قد يدركها عقلي أو يستوعبها! أو ربما. أنا من كان بطيئاً في الإدراك وقد تعطلت حواسي! يعود إلى القرية؟
توقفت في مكاني بذهول وبالكاد خرج صوتي لأسأله: لماذا.!
سمعته يتنهد قبل أن يقول بحزم: يبدو أنك اتصلت لتثرثر، هناك أمور على التعامل معها هناك لذا أغلق.
اعترضت فوراً: ما الذي قد يرغمك على العودة! لم ننتهي من جمع مستحقات الديون بعد فلأي سبب قد تذهب ولماذا وحدك!
يا لك من مزعج كارل!
قالها بغضب وأعقب: لا تزعجني أخبرتك أنه لدي أمور لأهتم بها لذا أ.
لن تذهب وحدك!
صرخت بإضطراب وأكملت أمرر يدي في شعري: أين أنت تحديداً؟ سأرافقك.
أتى صوته ينهرني بحدة: ابقى مع كيفين ولاري إياك وان تتركهما وحدهما، كما أنني أخبرت مارثا بالفعل أن تستغل الفرصة وتزورهما، عليك أن تكون حذراً بشأنهما.
أردف بجفاء: وإن عاد دانيال. أخبره أنني سأمزق وجهه حتى يفقد ملامحه.
هل. علم بما حدث؟ كيف؟ من الذي أخبره! كيفين لا يهتم بتلك البثوث فمن أين علم بالأمر؟
اعترضت وقلت بإصرار: من فضلك أبي، دعني أرافقك لا يجب أن تعود وحدك! نحن لم نسدد الدّين بعد لذا لن يتهاون أهالي القرية في القاء كلماتهم المسمومة ومحاولة مضايقتك! توقف عن.
تفاجأت به ينهي المكالمة ويغلق في وجهي! وقفت في مكاني أنظر إلى الهاتف بقلق وعاودت الاتصال به ولكنه تجاهلني فحاولت للمرة الثالثة ثم الرابعة.
لماذا قد يعود وحده؟ لن يتركه المتضررين هناك وشأنه، لن يتوقفوا عن إيذائه لفظياً!
انتابني الضيق واليأس وقد احكمتُ قبضتي على هاتفي أمرر يدي على وجهي بتشتت.
علي أن أتبعه، لن أقف مكتوف الأيدي و.
ولكن كيفين ولاري!
آه لا بأس ستبقى والدتهما معهما. ثم كيفين لم يعد صغيرا يمكنه العناية بنفسه و بلاري.
هذا ما كنت أفكر فيه عندما استوعبت أنني أطلت الوقوف في مكاني وقد فقدت أثر دامين الذي لا أدري واللعنة أي طريق قد سلك!، تلفت من حولي قبل أن أتقدم أكثر بتشتت، على البحث عنه لا يزال في الأرجاء! ولكن أبي.
زفرت وأغمضت عيناي منهكاً والتردد يسيطر علي، على الذهاب خلف أبي، كما يمكنني الإبلاغ حالاً حول تواجد دامين في هذه المنطقة الآن ربما سيسهل هذا البحث عنه.
رأيت اسم كيفين على الشاشة يتصل بي.
لا أدري كم مضى من الوقت وأنا أتأمل اسمه. هل على تركهه هو ولاري حقاً؟ أنا واثق أن كيفين يمكنه تولي الأمر لا داعي لتعقيد الأمور!
استمر في الإتصال فأجبت على المكالمة ليأتي صوت طفولي مترع بالقلق والخوف: كارل أين أنت!
عقدت حاجباي بإستنكار: لاري؟ ما الأمر!
سمعت صوت نباح الجرو بوضوح وقد بدى عصبياً قلقاً!، اتضحت الغصة في جوف لاري وهو يجيبني متلعثماً: كيفين. لا يَبدو بِخير!
دانيال:.
ما أراه لم يكن من ضرب الخيال! تلك الضربة على رأسي لا يبدو أنها سترغمني على رؤية أطياف من حولي! تسارع نسق أنفاسي أحدق إلى وجهه المُنهك وهو يلهث بالكاد يلتقط أنفاسه.
كيدمان!
فغرت فمي بذهول وعدم تصديق أعجز عن إحالة ناظري عَنه! أنا لا أتخيل إنه كيدمان.
همست بإسمه بتعجب وذهول فبقي عَلى وضعه دون أن يلتفت نحوي، بل و رسم ابتسامة بالكاد تُرى وقد خرج صوته مبحوحاً يعيد إلى صدري الإطمئنان لسماعه أخيراً: علمتُ أنني سأنال عقابي، ولكنك تبالغ كثيراً سيد آرثر.
لماذا يعرفه! عن أي عقاب يتحدث؟
بقيت أحملق في ملامحه حتى رمقني بطرف عينه.
حملقت فيه ولكنه انتزع عيناه فوراً.!
كانت ثواني فقط حتى تحرك آرثر بخطى متزنة رغم وَجهه المتجهم، سار نحوه ووقف مقابله مباشرة، حتى قال بجمود: هذا أقل ما تستحقه بعد تجرؤك على استغلال ابنتي لصالح أمورك الخاصة.
تفاجأت بكيدمان الذي ضحك بخفوت يترنح قليلاً قبل أن يقول من بين ضحكاته: ياللقسوة، لم يكن استغلالاً!
ارتخى جفنا عينيه قليلاً وحافظ على ابتسامته ينظر إلى بتمعن.
جابت عيناه على مطولاً فبقيت أحدق إليه بتشتت.
حينها همس ينتزع ناظره عني: لم يكن استغلالاً وإنما استرداد لمفقودات معينة سيدي، إنها تصفية لحسابات ضرورية.
ما الذي. يحدث هنا؟
نظرت إليه بضياع وعتاب: لماذا أنت هنا! أين اختفيتَ في الفترة الماضية؟ لماذا لم تُجب عَلى اتصالاتي؟
أعقبت اعجز عن السيطرة على انفعالي: ما الذي يَجمعك بِهذا الرجل تحدث! كيدمان لا تخبرني أنك تعمل لديه! صدفة كهذه لن تحدث حتى في الخيال!
وجدت آرثر الذي زفر بشيء من التهكم وقد قال ببرود يحدث أحد رجاله: لن أهدر وقتي أكثر، اجلب تلك المجنونة حالاً.
ثم عاد بخطوات موزونة ليجلس على الأريكة بجمود، حتى لفت انتباهي لارز الذي أمال برأسه بتبرم يتكتف بضجر واضح وهو يشير إلى أحد الرجال بذقنه، تحرك اثنان منهما وجلب أحدهما الكرسي بينما دفع الآخر كيدمان نحوه ليقيده!
ما كل هذه الفوضى بحق خالق الكون؟
كان يتم تقييده عندما فقدت صبري وسألته بحنق: تحدث كيدمان ما علاقتك بهذا الرجل؟ مُحال أن تكون صدفة، لماذا هو من بين الجميع؟
لم يلتفت نحوي أو يكلف نفسه عناء الإجابة على تساؤلاتي، بدى شاحباً منهكاً بوضوح وقد رسم ابتسامة مضمرة على ثغره يتجاهلني فزادني ذلك حنقاً وسخطاً!
وجهت عيناي نحو لارز وقلت بحزم: لماذا كيدمان هنا؟ منذ متى على علاقة بكم؟ تحدث!
أردفت بغيظ: لماذا أوسعتموه ضرباً ما الخطأ الذي ارتكبه! حرّك لسانك ولا تتجاهلني.!
نظر إلى كيدمان للحظة قبل أن يتمتم ببرود: لماذا تم ايساعه ضرباً؟، لأنه ببساطة لم يُحسن التصرف.
عقدت حاجباي بعدم فهم ونظرت إلى كيدمان الذي تم تقييده بقوة على كرسي مجاور لي، أخفض رأسه قليلاً يتنفس بعمق وقد تبعثر شعره البني بفوضوية وأغمض عينيه يعلق على قوله: ولكنكم أفسدتم المتعة قبل أن تبدأ حتى. هذا مزعج.
يتصرف كما لو انه.
لا يراني!
يرفض الحديث إلي؟
شيء في داخلي قد انقبض بشدة وبقيت أحدق إليه والقلق يتصاعد في جوفي، هو حتى لم يكلف نفسه عناء قول كلمة لي منذ ان ظهر!
من أين على البدء بترتيب أفكاري! أولاً التقيت بكتاليا التي كانت حريصة على اقناعي بالعمل معها، ثم رأيت والدها مرتين وقد كنت أعتقد أنها مجرد صدفة ليتضح أنه تعمد الظهور أمامي وقد أدركت أنه ظهر بنفسه ليقتنع بمدى سوء نيتي تجاه ابنته! ثم يظهر لارز الذي كان مصراً على تحذيرنا من التهور وضرورة التراجع، والآن يعلن كيدمان عن وجوده بعد ان تجاهل اتصالاتي لوقت طويل! والأدهى أنه يعرفهما!
ما الذي يربطه بهم؟
ولماذا الآن فقط بعد ما حدث في الحفل؟ هل يوجد أي رابط بين هذا وبين. كيدمان بذاته؟، الرسالة التي أرسلها إلى على هاتفي.
نهرته بغيظ أتجاوز شعور الضيق الذي يعتري صدري و القلق لا ينكف يتشكل كالغصة في حلقي: لماذا تتجاهلني أيها الوغد أنظر إلي! كيدمان أنا أتحدث إليك بحق خالق الجحيم!
حاولت تحريك يدي المقيدة بتلقائية راغباً في تحريرها دون جدوى ثم سرعان ما ضاقت عيناي أجز على أسناني بقهر حين أصر على تجاهلي وهو يغمض عيناه ولم ينبس ببنت شفة!
عندما ذكر آرثر أمر دامين. هل يعقل أن لحذره وقلقه من هذا الشأن كان سبباً في الاستعانة بكيدمان مثلاً؟
صحيح. إن كان قد تحرّى حول ما يخص عائلتي وكل ما حدث في كلوفيلي فلا عجب في أنه سيعرف بأن كيدمان يكون صديق طفولتي كذلك! هل انتقى الشخص الذي يعرفني جيداً؟ تعمد الاستعانة به؟ ولكن ما نوع هذه الاستعانة تحديداً؟ ولماذا؟
ولكن كيدمان توقف عن التواصل معي قبل أن أعرف ابنةُ آرثر حتى! لماذا قد يفعل كيدمان أمر كهذا؟ أحاول التخمين بأنه وآرثر تعرفا على بعضهما قبل أن ألتقي بكتاليا ولكن هذا غير مقنع. أرجو أن ما أفكر فيه.
خاطئ وحسب!
ازدردت ريقي بصعوبة وتلك الغصة الغريبة تتفاقم حجماً أكثر وأكثر حتى شعرت بالإختناق!، بقيت أحدق إليه والتشتت يجتاحني والمزيد من القلق يسيطر علي!
علي الأقل. هو بخير بعد ان انقطعت أخباره تماماً.
ولكن. هل كان الشخص الذي أدلى بكل شيء لوالدها؟ هل منحه حق البحث عني ببساطة؟
انتبهت لوقوف لارز أمامنا يضع كلتا يديه في جيب بنطاله، وقد نظر إلى بهدوء: ستسمع جواباً يرضي فضولك عندما تصل ابنة عمي، كن صبوراً.
حدقت إليه بصمت للحظة مطولة قبل ان أفشل في اطباق فمي وقد تساءلت بجمود: ما الذي عنيته للتو. بأنه لم يحسن التصرف؟ لماذا تجاوزتم حدودكم معه!
رفع كتفيه وتحدث بنبرته الهادئة التي تميل إلى البرود: نتجاوز حدودنا عندما يتم التعدي عليها من قِبل الطرف الآخر وحسب.
ما الذي ارتكبه ليستحق ما حدث له؟ ما طبيعة عمله معكم؟
كم أنت مُزعج
همس كيدمان بها بصوت منهك ثم فتح عيناه بضجر ونظر إلى بنفاذ صبر، لمعت مقلتيه ببريق بني مترع بأمر يصعب تفسيره وهو يردف: انشغل بِنفسك وحسب.
انفجرت غيظاً لأجادله بغضب: تباً لك توقفت عن التواصل معي لفترة طويلة ثم تظهر وكأن شيئاً لم يكن، ويفترض أن ألتزم الصمت فقط؟ لماذا تتصرف بغرابة! تحدث معي ما علاقتك بهم كيدمان! أنت في حال يرثى لها!
انتزع عيناه عني ونظر إلى لارز ليقول بجفاء: أنا متعجب لحفاظك على هدوءك سيد لارز! تتظاهر أن الخطأ كله يقع على عاتقي في حين أنك أكثر من حاول أخذ هذا المنعطف منذ البداية.
أردف يبتسم بتهكم يجوبه مكر: السيد آرثر ليس عادل بما يكفي.
كيدمان لا يتجاهلني وحسب.
ما قصة تلك النظرات الموجهة نحوي!
رمقه آرثر بطرف عينه وقد لمحت الاستنكار يعتلي ملامحه.!
تجهم وجه لارز بشدة وقد اقترب بضع خطوات منه يقف أمامه مباشرة ليقول ببرود: تجرؤ على قول الهراء بعد الفوضى التي تسببت بها.! يا لك من جريء.
اتسعت ابتسامته وجادله بسخرية: ستلقي اللوم كله على الآن؟ هل ستنكر رغبتك في التملص من مصيرك الذي يربطك بالآنسة كتاليا؟ لم يُخفى على رغبتك منذ البداية بأن يأخذ الأمر هذا المنعطف، كنت ستغامر بالفعل ومستعد لإحداث هذه الفوضى، ستفعل أي شيء مقابل أن تنتزع نفسك من أي فرصة قد ترغمك على الارتباط بها.
ضاقت عينيه وأكمل يشدد على كلماته: هل ستخبرني الآن أنك كنت جاهلاً عن نواياي في تحريضها على التهور؟ أنت حتى لم تستجوبني تلك الليلة رغم أنك على علم بأنني انفردت بها وتحدثت معها قليلاً. هاه؟
سيفعل أي شيء. لئلا يرتبط بها؟
مهلا كيدمان سبق وأن تحدث إليها؟
بقيت أحدق إليهما بترقب أحاول جاهداً السيطرة على نفسي وعدم التفوه بحرف واحد!، رأيت آرثر الذي ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه ووقف ينظر إليهما بترقب، استنكرت اختفاء التعبير الهادئ عن وجه لارز الذي قال بجمود وهو يخرج يديه من جيب بنطاله يحكم قبضته بقوة: إما أن يتوقف لسانك عن التفوه بالهراء أو سأرغمك على ابتلاعه حالاً.
بقي كيدمان يبتسم بإستفزاز حتى قلّب عينيه بلا اكتراث وتنهد: لا يوجد ما أخسره حقاً، كما أنني أتلقى اللوم الكامل وأنا أعلم منذ البداية أنك تحاول جاهداً تسيير الأحداث بهذه الطريقة، أنت تتبع مبدأ تنظيف الفوضى بعد أن تحدث ولا بأس طالما ستكون فوضى مؤقتة وفقاً لما تفكر فيه، لهذه الدرجة تمقتها سيد لارز؟ ستفعل أي شيء لتضمن ان تبقى بعيدة عن طريقك؟ هل يدرك عمك الذي يثق بك مدى الكراهية التي تجتاحك لمجرد ذكر اسمها؟
بقي يحكم قبضته بقوة بالغة وقد جز على أسنانه بوضوح، لمحت سبابته التي بدأ يحركها بطريقة دائرية والرجفة الواضحة تسري في أنامله!
برزت عروق صدغيه واستمر في التحديق إلى كيدمان ثم اتخذت عيناه طريقها نحوي وقال بجفاء يُحدثه: لو لم يكن هناك ما تخسره حقاً لما غامرت ببيع صداقتك به.
جمدت ملامح كيدمان بوضوح وبقي ينظر إليه قبل أن يحكم قبضتيه على مسندا الكرسي المقيد به وهمس بوعيد وصوته يرتجف بوضوح: اخرس.
ما الذي تلمح إليه يا فتى!
تساءل آرثر بحدة وقد وقف بجانب لارز يرمقه بنظرات متقطعة، حينها تمتم كيدمان ببرود: ما ألمح إليه واضح، كان يعلم بنواياي ولم يفعل ما يردعني، ربما قمت بتحريض الآنسة كتاليا ولكنه كذلك حاول جاهداً قطع أي رابطة ممكِنة بينه وبينها.
أعقب يغمض عينيه والنبرة الباردة تسيطر على صوته أكثر: لقائي الأخير بها، أخبرت أميرتك الصغيرة أن والدها ينوي تسريع الأحداث في الحفل، لذا حاولت بدورها جاهِدة التصرف، في حين كان السيد لارز بلا شك يعلم بكل تحركاتي ولكنه تركني افعل ما أشاء! لم يقم رجالكم باستجوابي بعد ان تركتها مباشرة، وهذا على غير العادة.
أميرتك الصغيرة.
نظرت إليه بذهول فبدى وكأنه استشعر تحديقي إليه! فتح عيناه ببطء يرمقني بنظرة سريعة وأطبق فمه بجمود.!
الشخص الوحيد الذي يعرفني جيداً وفي الوقت آنه يَملك فِكرة كافية عنها نظراً لعمله مع والدها أياً يكن سببه. هو كيدمان! تلك القصاصة. كانت مرسلة منه إلي! راودتني الشكوك ولكنني الآن. واثق من الأمر! عندما قال الفتى أرنولد أنه عثر على القصاصة في جيبه فجأة تزامن هذا مع ظهور رجال قد أخذوها معهم ثم اتضح أنها كانت مع والدها! هذا يُفسر أن كيدمان ربما كان أحدهم.!
الرسالة التي وصلت إلى هاتفي من رقم كيدمان كانت تحمل التعبير نفسه كذلك. هذا يعني أن من رآه أرنولد آنذاك كان كيدمان!
أجفلت لأفيق من أفكاري إثر حدة صوت آرثر الذي ينظر إلى لارز بجفاء: لديك أمر لتقوله؟
أخفض الأخير عينيه قليلاً قبل أن يلقي نظرة سريعة على كيدمان وقال بهدوء: عمي، لقد.
قاطعه قول كيدمان بتهكم: لا بأس سيد لارز تحدث بصراحة! إن كنت قد أخبرته حول حديثي مع الآنسة كتاليا وتحريضها فيمكنك اخباره أيضاً أنك ومنذ البداية كنت تتلاعب بكلماتك معي.
ما الذي.
حاولت التوقف عن الجز على أسناني بينما يستمر لارز في تحريك سبابته في حين تساءل آرثر يعقد حاجبيه بنفاذ صبر: تحدث لارز! لا تخبرني أنك بالفعل دفعته لتحريضها على التهور!
سلكت عينا لارز طريقها نحوي يحدق إلى بهدوء قبل أن يتمتم: أخبرتك مسبقاً عمي، سأفعل كل ما تمليه على ولكنني لن أرغم نفسي لأجلها. مجدداً.
مُجدداً؟ استنكرت قوله في حين استمرت عيناه بالتحديق إلى حتى استكمل قوله ببرود: هي لا تستحق أي تضحية أخرى.
تفاجأت بآرثر الذي أمسك بياقته بوجه مليء بالوعيد والتجهم وهو يهمس بصوت مبحوح جراء غضبه: لارز! لابد وأنك فقدت عقلك.
أعقب يدفعه بغيظ: أخبرتك أنه مجرد حل مؤقت لماذا تصرفت من تلقاء نفسك! اعتمدت عليك في كل شيء ولكنني خائب الأمل! أفسدت كل شيء الآن واللعنة!
سأتحمل مسؤولية ما حدث.
بعد ماذا؟ سحقاً لارز كنت واثق بطريقة تسييرك للأمور!
أعتذر.
أشار آرثر إلى بغضب بينما يحدثه بعتاب: كان بإمكاننا تدارك الموضوع ولكنه قد تشعب أكثر من اللازم الآن! لقد تورط هذا المتهور الأحمق في شؤونها فعن أي مسؤولية تتحدث! كنا نتحمل مسؤولية أمرها وحسب ولكننا الآن سنضطر لتحمل مسؤوليته هو الآخر!
أعقب يشير إلى كيدمان بسخط: وبسبب من؟ بسبب حقود مليء برغبة الانتقام عاهدنا أن يساعدنا ولكنه بدلاً من ذلك أخلف بوعده وزاد الطين بلة.
نظرت إلى كيدمان باستنكار قبل أن أزمجر بنفاذ صبر: إلى متى ستتحدثان بالألغاز هذا يصيبني بالصداع!
رمق آرثر لارز بإزدراء وغيظ ثم صرخ في وجه أحد الرجال: أين هي؟ لماذا تأخرت؟
أومأ الرجل وقال فوراً: سأتفقد الأمر سيدي.
أسرع ليخرج في حين اتجه آرثر نحو الأريكة يجلس عليها يمرر يده في شعره بإنهاك واضح وقد شحب وجهه قليلاً!
التفت لارز نحوه يطرف بهدوء واقترب منه فأسرع ينهره بإزدراء: اغرب عن وجهي وحسب!
توقف عن التقدم نحوه وبقي واقفاً فتحرك لساني لأنظر إلى كيدمان بحِدة: علمتُ انه نشأ في كلوفيلي، كان في ملجأ الأيتام هناك، هل تعرفه منذ ذلك الوقت؟ لهذا تعمل معهم؟ ما هي طبيعة عملك!
يستمر في تجاهلي!
نفيت برأسي بعدم استيعاب: لماذا ترفض الحديث إلي! ما خطبك بحق الإله؟ إلى متى ستتجاهلني!
تلقى قولي الباب الذي فُتح بعنف وقوة مصدراً صوتاً مدوياً في المكان.
كان من الواضح أن اليخت فارغ تماماً من كافة ضيوف الحفل بالفعل وهذا ما جعل الهدوء يعم أرجاءه، تلى صوت الباب صوت حازم أنثوي مليء بالغضب: ابعد يدك عني على التحدث إلى أبي حالاً!
سمعت صوت نقرات كعبها على الأرضية حتى رأيتها تسير بعصبية ما ان لمحت والدها ولكنها سرعان ما توقفت تنظر إلى بعدم استيعاب.
انخفض ناظري نحو مرفقها بهدوء.
يوجد كدمة واضحة على مرفقها! هذه المغفلة. لن تكتفي أبداً!
شهقتْ بذهول تحدق إلى بغضب، تفاجأت بها تقترب مني على عجالة تنظر إلى بتمعن بل وأمسك برأسي بكلتا يديها حتى صرخت بإنفعال: من الذي تجرأ وقام بضربه!
أخفض الكهل المدعو آرون عينيه وهو يقول بهدوء: آنسة كتاليا اهدئي هو بخير، إنه مجرد.
أبعدت يديها قاطعته بغضب: هل كان عليكم اللجوء إلى العنف! أخبرتكم أن الأمر برمته كان خطأي منذ البداية! فليعترف حالاً من قام بضربه!
أنا.
قالها والدها بجمود ينظر إليها بترقب فاتسعت عينيها بدهشة.
القلق المعتاد لأجل العمل. تنهدتُ بلا حيلة والشعور بالإنهاك يعتريني، بينما نظرتْ من حولها قبل أن تعيد ناظرها إلى والدها وقد اخفضت صوتها بإضطراب: ل. لم يكن. عليك فعل هذا أبي!
أردفت بعدم رضى: لماذا هو مقيد على الكرسي أصلاً!
ثم نظرت إلى كيدمان ليرتفع حاجبيها باستنكار شديد: هذا أنت.! لماذا أنت أيضاً مُقيد بحق الإله!؟ أبي ما الذي يحدث هنا! لماذا كل هذه الكدمات التي تشوه وجهه؟ متى تنوي اخباري بما يحدث من حولي؟
هي بالفعل.
تعرف كيدمان مسبقاً.
أردفتْ بنفاذ صبر: أخبرتني أن أكون حذرة ولكنك لم توضح أي شيء! ممن على الحذر تحديداً؟ وما الذي يقصده لارز بعدم التهور؟
أشار والدها إليها بذقنه ببرود: اجلسي والتزمي الصمت.
لوت شفتيها بإمتعاض وتحركت بِخطوات منزعجة وهي تقول: لا داعي لتقييد دانيال، كما ان ظهره مصاب بشدة ولا يجب أن.
قاطعها بجفاء: قلت التزمي الصمت وحسب!
شيء غريب يجتاحني.
شعور مألوف. يعتريني!
تجاهل كيدمان إياي يرغم لساني على الشعور بثقل مريب.!
بطريقة ما أنفاسي سريعة ولا أعلم لماذا؟
يتجاهلني.
كما لو لم أكن موجوداً.
هل أُعامل من قِبله كشخص غير مرئي؟ هل انا أقف في الخلف؟ في مكان بعيد!
ربما.
صوتي مجدداً.
لا يُمكن سماعه!
كتاليا:
لماذا لا يستوعب أبي أن ما يقوم به جريمة اختطاف فعلية!
هل تم لكم دانيال؟ تباً لقد آل الوضع إلى منحنى سيء بالفعل، كما لا يمكنني الهرب من الشعور بالقلق كلما تذكرت تحذيرات لارز!
ولكن ما الذي جعل أبي ينفعل إلى درجة لكمه؟ هل حاول استفزازه؟ آه تباً لقد تسببتُ بالفوضى حقاً.
ثم ما كل هذه النقود على الأرضية بحق الإله! وهذه الصور. ما قصتها؟
مهلاً لماذا الحارس. في حال يرثى لها؟ لا يُمكن!، جلست على الأريكة المقابلة لأبي وقد تحرك فمي لأتساءل بإضطراب: هل تم ضرب هذا الرجل بسببي أيضاً؟
سمعته يقول بتهكم: تشعرين بالقلق آنسة كتاليا؟
رأيت دانيال ينظر إليه بِصمت وقد تعجبت بشدة ارتخاء جفنا عينيه! هل دانيال بخير؟ لماذا يحدق إليه مطولاً!
استنكرت كلماته وهو يقول بهدوء: أنا لا أفهم، لا تمانع التحدث إلى الجميع ولكنك تعاملني كما لو كنت لا تراني.
أضاف بما جعلني أحدق إليه بعدم تصديق: أرجو أن بحوزتك سبب وجيه كيدمان.
كيدمان؟ هذا الاسم.!
ألم يُذكر اسم هذا الرجل كصديق طفولة لدانيال؟ ما الذي يحدث هنا؟
نظرت إليه بدهشة وقلت: أنتَ كيدمان!
غمز لي بسخرية: يبدو أنني غني عن التعريف هاه؟
كيدمان صديق طفولة دانيال يعمل لدى أبي! ما معنى هذا؟
وجهت ناظري إلى دانيال الذي رأيته ينظر إلى الأرض يستمر في خفض ناظريه واستنكرت بشدة الهدوء الذي يعتريه، لمحت كلتا يديه المقيدة ترتجف بشدة وبوضوح!
قال له للتو أنه يستمر في تجاهله!
ما الذي يحدث بينهما؟
نظرت إلى أبي بضياع وتشتت فقال بدوره لجميع رجاله المتواجدين: انتظروا في الخارج.
خرجوا جميعهم وكذلك السيد آرون الذي كان آخر من خرج وأغلق الباب خلفه، ساد الصمت في الغرفة وقد كان صمت مثقل مترع بالغرابة بشدة!
عاودت اختلس النظر نحو دانيال فوجدته على حاله، يفترض أنه سينفعل على أبي ويصرخ ليأمر الجميع بأن يفكوا قيده، سيغضب ولن يطرف له جفن حتى يقلب المكان رأساً على عقب! هل أتخيل أم أنه وبطريقة ما. قد استسلم للوضع تماماً؟ هل لكيدمان هذا دور في تصرفه بهدوء بالغ؟
زميت شفتي بقوة وبقيت أترقب أبي الذي قال أخيراً بجفاء وقد كان من الواضح مدى سوء وتعكر مزاجه: اعتقدت أنني سأعاتبكِ وحدك على تهورك الدائم ولكن لدي الآن حفنة من المتهورين ولا أدري واللعنة بمن على البدء حتى.
تفاجأت بنظرة اللوم والعذل التي القاها على لارز الذي طرف بعينيه ببطء ونزع نظارته يفرك عينيه يتحاشى النظر إلى أبي.!
ماذا الآن؟ هل كان ضمن حفنة المتهورين. لارز أيضاً؟
أحكمت قبضتي أخفف من توتري وتساءلت: أبي. كلي أذان صاغية ولكن وقبل كل شيء، دانيال مصاب ولا يجب أن يجلس بهذه الوضعية لوقت طويل.
لا داعي للقلق آنسة كتاليا
قالها المدعو كيدمان بنبرة غريبة يجوبها التهكم وهو يردف ينظر إلى بابتسامة هادئة: يُجيد تقمص دور الرجل الخارق الذي لن يتأثر بأي إصابة ولن يعني له الألم شيئاً. لا بأس.
هاه! لسبب ما.
انقبض صَدري أرى التعبير الهادئ الذي لا يزال يعتلي ملامح دانيال!
لن يعني له الألم شيئاً! هذا. ربما مألوف بالنسبة لي؟
هل تعتقدين أنتِ أيضاً. أن الشعور بالألم وحده من يجعل من المرء إنساناً؟
سألني دانيال ذات مرة عن هذا فور أن نهرته لتجاهله اصابة ظهره!
ما الذي يحاول هذا الكيدمان قوله!؟ يتقمص دور الرجل الخارق؟
هو لا يتصرف على سجيته لماذا كل هذا الهدوء والصمت؟ ها هو الآن يحدق إلى سبابة لارز بشرود تام!
تجاهلت الأفكار التي عصفت عقلي وقلت بتدارك: هل أنت صديق طفولته حقاً؟ إن كان الأمر كذلك. فلا شيء منطقي يحدث الآن! قبل كل شيء ما الذي تحاول قوله والتلميح إليه!
نفي برأسه بضجر وأجابني بسخرية: قلتها بنفسك، لا شيء منطقي.
تدخل أبي بجمود: يكفي ثرثرة الوقت يداهمنا، أنصتي إليّ جيداً.
ثم نظر إلى دانيال كذلك بجدية وقال: وأنت أيضاً، كلاكما عليكما التركيز جيداً بما سأقوله.
أتى صوت دانيال الذي لا يزال يحدق إلى سبابة لارز بشرود: مَن الشخص الخامس الذي لقي حتفه؟
ثم تحركت مقلتيه الزمردية ينظر إلى أبي وقال بكلمات بطيئة: ذكرت أمر الانتقام، إن كان كيدمان مليء برغبة الانتقام وينتابه الحقد، فهل كل هذا موجه إليّ أنا؟ هل هذا ما يدعوه إلى تجاهلي تماما؟ ما الذي تخفيه تحدث!
ماذا؟ انتقام؟
أعقب بنبرته: قلقك الشديد وعلمك بكل ما يتعلق بأخي، عمل كيدمان معك، ووجوده الآن هنا في هذه الحال، هل تم استفزازه دامين عمداً من قبله هو؟ عندما ذكر أمر حديثه إلى ابنتك. هل حرّضها على التهور ليستفزه؟
أعقب بتشتت واضح ومقلتيه ترجو بوضوح لتلقي الاستيضاح: وأنا انصعت لرغبته في استفزازه ونفذت ما يريده! الشخص الخامس الذي لقي حتفه.
قال كلماته الأخيرة بتلعثم وقلق وهو ينظر إلى كيدمان الذي تجهم وجهه بشدة وقد انكفأ لونه يجز على أسنانه بقوة!
شقيقته
تمتم أبي بهذه الكلمات بهدوء يشيح بناظره قليلاً ويضع يديه في جيب بنطاله.
بقيت أنظر إلى أبي ثم كيدمان الذي أشاح بوجهه فوراً وشفتيه ترتجفان بشدة!
شقيقة كيدمان. قد لقيت حتفها! ما علاقة دانيال بهذا؟ ولماذا يبدو.
اتسعت عيناي أنظر إلى الذهول الذي يعتلي ملامحه بينما يحدق إلى أبي بعدم تصديق وأنفاسه تتسارع بشدة!
عقد حاجبيه واستمر يتنفس بصعوبة فوقفت في مكاني بتشتت وقلت بإندفاع: هل أنت بخير!
غاصت عينيه في الفراغ وبقي يَلهث حتى قال لارز بجدية: لا يبدو بخير! عَمي.
زفر أبي بإنزعاج وهمس: تباً.
تحدث إلى لارز: أخبرهم بنقله إلى الغرفة المجاورة ليستلقي.
تحرك لارز في حين اتجهت نحو دانيال لأقف أمامه بإرتياب!
هو لا يحدق إلى أي شيء ومع ذلك تتحرك مقلتيه كما لو يبصر أمامه مشهداً بوضوح!
صدره يعلو ويهبط بقوة، أنفاسه عالية وقد بدأ جبينه بالتعرق.
انقبض صدري وبقيت أقف بتشتت! سألته أقترب أكثر: دان! ما الذي حدث لك!
رغم حالته الغريبة الا انه همس بصوت مبحوح ضعيف: لقيت حتفها. كانت مُنهكة بعد الحريق. من البديهي ألا تتحمل لفترة أطول!
لأول مرة أراه بهذه الحال! أنا حتى لم أعلم ما على فعله حتى نظر إلى كيدمان وقال من بين أنفاسه المتقطعة: كان على الابتعاد عنك. بل عن الجميع!
كيدمان. يلتزم الصمت والرجفة تسري في كامل جسده!
نظرت إلى أبي بضياع وارتياب فوجدته ينظر إليهما بصمت وشيء أشبه بقلة الحيلة يلمع في كلتا مقلتيه.!
أعقب دانيال يحدثني بالكاد يرفع عيناه نحوي: ابتعدي عني. ل. لا! أنا من عليه الابتعاد وحسب!
تفاجأت بثغره الذي بدى سريعاً وهو يستكمل دون توقف: لم أكن حذراً، لم أحتوي دامين بما يكفي، كان على المحاولة أكثر! وعدته أن ألازمه، لم يكن على التخلي عنه وتركه، على التراجع حالاً. يفترض أن.
أجفلت لصوت كيدمان الذي انفجر فجأة ليصرخ: هذا يكفي دانيال لقد ضقت ذرعاً!
تسارعت خفقات قلبي أحدق إلى تورد وجهه بشدة وعيناه التي ترجمت مدى غضبه وهو ينظر إلى دانيال الذي توقف عن الحديث تماماً ينظر إلى الفراغ!
دخل لارز وخلفه الرجال ليقول بهدوء: ساعدوه على الاستلقاء في الغرفة المجاورة.
تفاجأنا بكيدمان الذي انفعل ليستكمل كلماته حتى بحّ صوته: رجل مثله لا يحتاج إلى الاستلقاء وانما صفعة يفيق بها!، اللعنة لقد اعتدتَ بالفعل أن تغيّب عقلك عن واقع الأمور، أفق وانظر إلى ما تقوم به! دامين عانى بسببك أنت قبل أن يترك القرية! وصل إلى حده بسببك! لن يتوقف عقلك عن نسج الأحداث والذكريات بما تريده أنت! هذا ما اعتدتَ عليه. هذا ما تريده وحسب!
سرت برودة غريبة في أطراف جسدي أحدق إلى كيدمان الذي بدى كالطفل الذي يعلو عن السيطرة على نبرة صوته ويتحدث بأسلوب يخلو من الاتزان! ولا سيما عندما أكمل يعقد حاجبيه بضيق ونفاذ صبر: هذا كثير جداً! حاولت مرارا وتكرارا ولكنني فشلت! لا يهم كم من الوقت أهدرت بينما أحاول مساعدتك على ادراك الواقع! أنت فقط تستمر في اتخاذ طريق ستؤذي الآخرين من خلاله وتفعل المستحيل فقط لتشعر بالرضى!
ما الذي.!
استرسل بانفعال: حتى كارل قرر أن يبتلع كل افعالك وكلماتك المسمومة في حقه! تقبل كل اهاناتك الموجهة إليه لأجلك أنت فقط! إلى متى ستواصل التصرف بِهذه الطريقة! هذا. لا يُحتمل. هل لقي أؤلئك الناس حتفهم بسبب دامين وحده؟ أفق دانيال لقد تفاقمت حالة أخاك بسببك أنت، اكتفيت من محاولة الدفاع عنك وتحريرك من الظلام الدامس الذي تغرق نفسك فيه باستمرار!
هل قال حالة أخاه؟ وعن أي اهانات موجهة لكارل يتحدث؟
تلك البرودة التي تسري في جسدي جعلت من فرائصي ترتعد تماماً!، وكم كان من الغريب رؤية الضياع على وجه دانيال الذي جابت عيناه الزمردية على كيدمان بعدم فهم وضعف. وانكار شديد.
التفت أنظر إلى أبي أتساءل باضطراب بالغ: ما الذي يحدث؟
بادلني النظرات بهدوء، حتى أخذ نفساً عميقاً وقال يوجه حديثه إلى كيدمان: هذا يكفي، لا تساهم في زيادة الأمر سوءاً، سيتطلب الوضع وقتاً ليدرك كل شيء، من الأفضل أن يرتاح توقف وحسب.
حاول أن يجادله بغضب: ولكن.
قاطعه أبي بحزم: قلت لك امنحه الوقت الكافي!
أضاف بجدية يقترب ليقف بجانبي: وعدتُ هاري أن أساهم في حل المشكلة لا أن أزيد من مشاكله الخاصة مع أبناءه.
توقف الزمن للحظة وتلاشى كل شيء من حولي حتى فغرت فمي بذهول أردد: وعدتَ من؟ السيد هاريسون؟
نظر إلى لمهية قبل أن يمرر يده على صدغيه بإنهاك وهمس: سيطول الحديث بلا شك.
أردف يحدث الرجال: افعلوا ما أمرتكم به ما الذي تنتظرونه؟
نظرت إلى دانيال بقلق فوجدته مرهقاً بوضوح وقد ارتخت ملامح وجهه بشدة، لم يكن شاحباً وحسب ولكن الرجل الذي اعتدت رؤية السيطرة في تصرفاته والقوة التي يظهرها وسلوكه الجانح الشرس بات مجرد. رجل يعلن استسلامه للصمت وانكماشه على نفسه فقط!
دانيال. اختفى بريق عينيه تماماً وباتت مقلتيه باهتة جداً!
هل سيكون بخير؟
ما قصة شقيقة كيدمان تحديداً ولماذا انفعل دان بشدة؟ الأهم. اخفى السيد هاريسون عني حقيقة وجود أمر بينه وبين أبي! ولماذا لم يصارحني أبي بالأمر مسبقاً؟
يبدو أن الحديث سيطول حقاً!
كارل:
دفعت باب المحل لأدخل بالكاد التقط أنفاسي، صعدت الدرج بخطوات واسعة وسمعت صوت لاري الذي من الواضح أنه قد اجهش في البكاء منذ ان انهيت المكالمة!
عندما دخلت حيث غرفة الجلوس انتابتني القشعريرة أرى لاري الذي يبكي وبجانه الجرو بينما أمامه كيفين الذي يسند ظهره نحو الحائط يضم قدميه إليه، وجهه متعرق وشاحب اللون يهذي دون توقف بكلمات عشوائية! تقدمت بسرعة نحوه وناديت بإسمه بقلق لأجثو أمامه فصاح بي لاري بخوف: كارل ما الذي حدث لكيفين؟
هدأته رغم الاضطراب الذي يكاد يخنقني: اجلس والزم الهدوء لاري، كيفين بخير لا تقلق.
تحركت لأقترب من كيفين أكثر ولكنني انتبهت لنظارته التي كانت متهشمة يمسك بها بين يديه!
امسكت بيديه بسرعة انتزعها بحذر ولحسن الحظ كانت مجرد خدوش بسيطة في كلتا كفيه، ربت على رأسه مهدئاً أتجاهل رغبتي العارمة في نهر لاري الذي لا يتوقف عن البكاء وكذلك استمر الجرو في النباح معه باستمرار!
تجاهلتهما وحاولت التركيز مع كيفين احاول سماع ما يهذي به، لم تكن كلماته واضحة بما يكفي لذا واصلت التربيت على رأسه وقلت بهدوء: انت بخير، اهدأ!
نظر إلى للحظات مطولة حتى ارتجفت شفتيه يهمس بإسمي فأومأت له إيجاباً وابتسمت مطمئناً: نعم انه انا، ما الذي يقلقك؟ انظر! كل شيء على ما يرام. ما الذي تشعر به؟
نفي برأسه بحركة سريعة وبقي جسده يرتجف دون توقف حتى قال: لا شيء على ما يرام!
أردف بكلمات متقطعة: عاد أبي إلى القرية، لم يعد دانيال يهتم، لم يعد كارل كما في السابق، لا أحد يكترث. لا أحد.
ماذا؟
عقدت حاجباي بعدم فهم ونفيت برأسي: سيعود أبي لن يتأخر لذا لا داعي للقلق، دانيال يهتم بك وبالجميع كما تعلم! ما الذي تحاول قوله كيفين!
اعترض على كلماتي بصوت ضعيف يتحاشى النظر إلي: لا أحد يكترث. أنا. الشخص السيء في المنزل، سيتم التخلي عني مجدداً.
كيفين!
هل يمر في. نوبة هلع؟
لماذا بحق الإله؟
تمالكت نفسي أتجاهل لاري والجرو وقلت بجدية: انظر إلي!
عاودت طلبي مجدداً وبصوت عالي عندما لم يستجب، بل ووضعت يداي على كتفيه بقوة وقلت بحزم: ما هذا الهراء الذي تردده؟ ما الذي دفعك لتعتقد هذا؟
أجابني فوراً وبسرعة: تحاولون التخلص مني وارغامي على العودة معها بعد ان تخلت عني، ان عدت معها مجدداً فلن تتردد في تركي مراراً وتكراراً، أنا لا أعني أي شيء لأحدكم، دانيال يحاول اقناعي بالعودة معها ولم يتردد في الخروج للتحدث إليها، أبي عاد إلى القرية وأخبرني ألا أنتظر وقت محدد لعودته، الوقت الذي تمضيه معي ليس كما السابق، لم تعد تحاول محاورتي والحديث إلى بما يكفي. لا أحد يكترث!
خروج دانيال واختفاءه منذ الأمس، والآن خروج أبي ليعود إلى القرية، وتواجدي كذلك خارج المنزل. هل دفعه ذلك للإصابة بنوبة هلع؟ هل يتذكر شعور الوحدة الذي انتابه عندما غابت السيدة مارثا وهو في تلك الحالة السيئة؟
تنهدت بعمق وبلا حيلة لأنفي برأسي: ما الذي تقوله كيفين! إيّاك وقول هذا أنت تعلم أننا عائلة واحدة.
أردفت اربت على كتفيه: حتى هذا الجرو الصغير يشعر بالقلق عليك فما الذي تقوله بحق الإله؟
ابتسمت له لأعقب ممازحاً: لهذا حاولت مضايقة الآنسة كتاليا؟ انتابتك الغيرة عندما وجدت دانيال يوليها اهتماماً خاصاً؟ كم أود لكمك كيفين! حتى وإن كانت الفترة التي أمضيناها معاً قصيرة ولكننا نبقى عائلة، لا أحد سيتخلى عن الآخر، لا أحد منا ينوي ترك الآخر خلفه. دانيال في الحقيقة انهمك في أمور الحفل والعمل مع الآنسة كتاليا لذا لم يظهر بعد، كما يبدو أن أبي يحاول التعامل مع بعض الأشياء في القرية، هو حتى لم يخبرني بالأمر سوى قبل قليل، ألا يحق لي أنا أيضاً الشعور بالضيق؟ لا يمكنني أن اصدق أنه تجاهلني تماماً ولم يخبرني بالأمر مسبقاً!
أضفت اتذمر بلا حيلة: آه وكن شاكراً أنك لا تهتم بالبثوث الخاصة بالمشاهير وإلا كنت سترى الكارثة التي قام بها أخاك الأحمق! توعّد أبي بتمزيق وجهه فور عودته!، كيفين الجميع ينغمس في مشاكله ويضيع رغماً عنه بين الأحداث التي تتوالى عليه!، إيّاك وأن تتحدث هكذا مجدداً.
أردفت بجدية: كما أن حوار دانيال مع والدتك مارثا كان بطلب منها هي.
همس وقد بدأت أنفاسه تهدأ: ما الذي تريده منا! تخلت عنا في وقت صعب وعادت لتتعذر محاولة أن.
قاطعته فوراً: عندما رحلت والدتك وضعت كل ثقتها في أبي، لم تنوي التخلي عنكما كيفين، فعلت كل ما بجهدها لتوفر لك مستحقات العلاج ولكنها تعرضت رغماً عنها لعقبات أرغمتها على.
وضع كلتا يديه على اذنيه فوراً يرفض الانصات إلى وقد اعترض ينفي برأسه: مجرد هراء وأكاذيب.
زميت شفتي أحدق إليه بتمعن، نظرت إلى لاري الذي يتمعن النظر إلى كيفين بصمت وقلت له بهدوء: هل تتذكر والدتك لاري؟
أخفض عينيه قليلاً وبدأ يشبك كلتا يديه ببعضهما وأومأ برأسه بصمت فابتسمت له: المرأة التي زارتنا مؤخراً، تلك الأنيقة التي تشبهكما. لا يعقل أنها لم تبدو مألوفة لك!
تفاجأت بقوله بينما يتمتم ينظر إلى يديه: أولاً لم تكن أنيقة، ثم أنني لا أحتاج سوى أبي، ودانيال، وكيفين وأنت، وبينديكت، عدى ذلك لا أحتاج إلى أي شخص!
زفرت بإنهاك ونظرت إليهما بتفكير قبل أن اعتدل بالجلوس بجانبهما وقلت اداعب رأس الجرو الذي اقترب مني: تقول هذا الآن لاري لأنك لا تدرك مدى أهميتها، لقد منحت الآنسة كتاليا فرصة العيش هنا معنا، ألن تمنح السيدة مارثا فرصة التحدث إليك والتنزه معك أنت وبينديكت؟
قلّب عينيه بعناد: أنا لم أسمح لخطاف الزمرد بالعيش معنا، هي من احتالت على الجميع لتبقى هنا.
ارتفع حاجباي وقلت بإمتعاض: بالمناسبة، ماذا لو قررت الآنسة كتاليا الرحيل والعودة إلى شقتها! ستلعب مع بينديكت في أحلامك فقط!
شهق معترضاً: سيبقى بينديكت معي أنا.!
أغمضت عيناي بلا حيلة وتجاوزت الأمر لأقول: والدتكما قد تصل في أي وقت اليوم، أخبرها أبي أن تمضي وقتها معكما لذا أرجو ان تحسنا التصرف معها.
بدى كيفين سيعترض بغضب ولكنني سبقته القول بهدوء: غابت عن وعيها لفترة طويلة إثر الغيبوبة التي تعرضت لها، وما ان استيقظت بذلت جهدها في التأهيل البدني للعودة إلى القرية، كيفين هل تملك أدنى فكرة عن شعورها فور ان عادت ولم تجد أحدكما هناك؟ عندما حاولت سؤال الجميع دون جدوى؟ لم تتوقف عن البحث عنكما في المدينة لذا لا تقسو عليها وتخبرني أنها لا تستحق أن تلتقط أنفاسها أخيراً!
جادلني بغيظ: كارل ما الذي تقوله لماذا لا تفهم!
ابتسمت له بضمور: بل متى ستفهم أنت تحديداً؟ عادت والدتك بعد ان أهدرت سنوات من عمرها طريحة الفراش غائبة عن الوعي، عادت إليكما والشوق يغمرها فلماذا ستعاقب شخص لم يرتكب خطأً؟ أعلم أنك تتذكر تفاصيل الليلة التي اعتقدت انك ستلفظ أخر أنفاسك فيها حتى هرع أبي لعلاجك، ولكن ماذا عن شخص غاب عن الوعي بينما يحاول انقاذك! هي لم تتخلى عنك وإنما تركتك في عهدة رجل تثق فيه، آملة أنها ستعود بسرعة وبحوزتها المال الذي تحتاجه، كانت ذليلة لهذا وذاك بينما تحاول اقناعهم باقتراض المال دون جدوى. من فضلك كيفين، إن كنت في مكان يخوّلك بمنح الفرص للآخرين بينما يستحقونها. فلا تقم يوماً بحرمانهم إياها.
تجهم بشدة وعقد حاجبيه بغضب فقلت اضرب كتفه بخفة: انتظرتها طويلاً، وهي كذلك انتظرت كلاكما، لننهي معاناة الطرفين، وإن كنت قلقاً بشأن ابتعادك عن أبي أو عن أحدنا فلا تفكر بالأمر كثيراً أنا واثق أن الأمور ستأخذ مجرى صحيح لذا لا تخشى شيئاً.
ابتسمت للاري الذي يحدق إلى كيفين بترقب، نظرت بدوري إلى كيفين كذلك وقلت له بجدية: صِفوا لنا ما هية الشعور الذي سيغمركم عندما تعود والدتكما، عندما تطهو لكما وتكافئكما أو حتى تعاتبكما وتعاقبكما.
ابتسمت أردف محفزاً: فلا أنا أو دانيال نعي ما يعنيه ان تتجسد الأم في تفاصيل يومياتنا.
ارتخت ملامح كيفين قليلاً وقد كانت بشارة يمكنها ان تمنحني شعور الطمأنينة ولو قليلاً، تساءل لاري يفكر بجدية: والآن سيكون لدي عقبة أخرى! هذا بالفعل مزعج.
سايرته بحيرة: ما الذي تنوي عليه؟ ستخيفها بالحشرات؟
ابتسم بمكر: هذه الحيلة قديمة جداً، لدي خطط أخرى. لا احتاج هذه المرأة التي تقول بأنها والدتي، لدي الكثير لأرغمها على الاستسلام.
رمقت كيفين بطرف عيني فوجدته قد احكم قبضته وهو يقف يلقي بالنظارة المتهشمة على الأرضية ويتجه إلى الغرفة بخطوات منزعجة بشدة.
علي الأقل توقف عن مجادلتي بشأنها!
تنهدت بلا حيلة وبدأت التقط النظارة وأجزاءها فتساءل لاري بحيرة: كارل، لن تعود إلى العمل؟
العمل.
لست في مزاج يسمح لي بالعودة إلى العمل حقاً، لا أريد سماع ويل أو زاك والباقين يتحدثون عن خروجي المفاجئ، كما على الاتصال بالمدير والتعذر حول الأمر.
لفت انتباهي طرقات على الباب في الأسفل، اتجهت إلى النافذة لأطل على واجهة المحل وحينها استغربت رؤية تلك الفتاة المدعوة إيما تقف أمام الباب بترقب.!
ما الذي أتى بها؟ لا أرى تلك المجموعة برفقتها، يبدو أنها أتت وحدها.
نظرت إلى النظارة بين يداي وقد تركتها على الطاولة بسرعة لأقول بهدوء للاري: لدينا ضيفة لا أدري إن كانت ستدخل أو لا، في جميع الأحوال كن مهذباً هل تفهم!
عقد حاجبيه بإستنكار دون أن يعلق بينما أسرعت لأنزل الدرج.
كتاليا:
طلب أبي من طاقم اليخت تأجيل العودة إلى الساحل!
هو حقاً لا ينوي العودة مهما حدث حتى يستيقظ دانيال ويستعيد وعيه.
تبادلت النظرات مع لارز الذي كان يجلس على الكرسي المقابل لي يتناول الطعام بهدوء وبكل برود! ثم وجهت ناظري نحو أبي الذي يرتشف من كوب القهوة حتى وضعها على الطبق الصغير على الطاولة منهمك بالنظر إلى هاتفه.
أخبرني أنه يرغب في قول الكثير وسيستكمل حديثه عندما يستعيد دانيال وعيه، ولكن ذلك الكيدمان لا يزال مقيد في تلك الغرفة! الا بأس بهذا حقاً؟
نظرت إلى كأس العصير الذي وُضع أمامي بصمت ولم أشتهي ولو رشفة واحدة.
لا أصدق أن دانيال انساق مع رجال أبي بكل بساطة ودون حول أو قوة، بل وفور ان لامس جسده السرير في الغرفة المجاورة أغمض عينيه دون حركة!
ذِكر أمر شقيقة كيدمان جعله يستمر في الهذيان والانفعال.
يسود الصمت بيننا منذ ان جلسنا في قاعة الطعام الصغيرة هذه، لا زالت الأمور ضبابية وغير واضحة بما يكفي!، نظرت إلى أبي مجدداً وإلى السيد آرون الذي يقف خلفه يشبك كلتا يديه خلف ظهره، فشلت في السيطرة على هدوئي لأتساءل: أبي لازلت انتظر توضيحاً منك. ثم هل سيكون دانيال بخير حقاً؟ ماذا لو.