قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رغم ظلمة السماء، والعتمة السائدة، إلا أن الإضاءات البراقة، والأنوار الملونة، جعلت هذه القطعة تحديدًا من الأرض تشع نورًا وبهجة، حيث تحول قصر العائلة إلى قطعة متلألئة تحت وطأة الضوء الصناعي الذي يغلف جدرانه من كل ناحية. بدأ أهل البلدة في الاحتشاد بالخارج للاحتفال بليلة الحناء، وانقسم محيط القصر إلى منطقتين: الخارجي خاص بالرجال، وبهو القصر خاص بالنساء. ارتفعت أصوات المزامير، والدفوف، وامتزجوا مع أصوات الزغاريد، الكل يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة، بينما الخادمات يتنقلن بين الداخل والخارج لتقديم صواني الطعام والشراب لجميع الحاضرين في همةٍ ودون كلل أو شكوى.

جلست ياقوت بين النساء تصفق وهي تضع على شفتيها ابتسامتها الرقيقة، لن تنكر أن عناء السفر الطويل، مع قلة الراحة والإرهاق، قد بدأ يؤثر سلبًا عليها، حاولت قدر جهدها مغالبة شعور التعب، والاندماج مع رفيقاتها في إظهار مشاعر المحبة والسعادة ل سندس. كانت الأخيرة في قمة دلالها وحُسنها، تجلس كالأميرة بين الجميع، تبتسم تارة وتضحك تارة أخرى، وحين تدعوها إحداهن للتمايل تنهض على استحياء لتحرك جسدها قليلًا ودون مبالغة ثم تعاود الجلوس تاركة هذه المهمة لغيرها.

أحست ياقوت باهتزاز الهاتف في يدها، فنهضت بحذرٍ من مكانها، واتجهت للأعلى، حيث تتواجد الغرفة المخصصة لها ولمجموعة من رفيقاتها، كانت خالتها هي المتصلة، صوت الضوضاء والصخب حال دون سماعها لها بوضوح، لهذا اضطرت للانعزال بداخل الغرفة حتى تتمكن من الحديث إليها، ما إن أجابت عليها حتى جاء صوتها معاتبًا:
-هي دي اللي هكلمك يا خالتو كل شوية؟

تناست في غمرة انشغالها الاتصال بها، مما جعلها في وضع شبه حرج، ومع ذلك حاولت التدلل عليها وهي تبرر لها تأخرها في مهاتفتها:
-والله غصب عني يا شيري، وبعدين ما إنتي عارفة جو الأفراح بيبقى عامل إزاي.
ضحكت شيرين في لطافةٍ، وقالت:
-ماشي، المرادي هسامحك، بس طمنيني عليكي كل شوية.
-حاضر.
سألتها خالتها في استفهامٍ:
-مبسوطة عندك؟
أجابتها باسمة، وإن كانت تعلم أنها لن ترى ملامحها المسرورة:.

-المكان جميل الصراحة، والناس كُرمة أوي.
تنهدت شيرين في ارتياح لكون ابنة شقيقتها الراحلة قد وجدت أن تكبدها لمشقة هذه الرحلة الطويلة استحق العناء. أخبرتها بصوتٍ هادئٍ، وبما يشبه التوصية:
-طب الحمدلله، خدي بالك من نفسك، ونامي كويس.
كان من العسير عليها محاولة التأقلم مع تغيير الأماكن، وخاصة الأسِّرة، لهذا ردت بعد زفرة سريعة:
-هحاول.

أنهت معها المكالمة، وحررت زفيرًا آخرًا عميقًا من رئتيها، لم ترغب في النزول سريعًا ومشاركة الأخريات مظاهر الغناء والرقص، أرادت إعطاء رأسها الذي يئن من ألم الصداع فسحة من الوقت ليستريح، فكرت في فتح الشُرفة والتطلع منها، وكان قرارها مثاليًا، فالأجواء اللطيفة ليلًا بعثت على نفسها السكينة.

طافت بعينيها على المدى الممتد أمامها، استطاعت أن ترى احتشاد الرجال في بقعة ليست ببعيدة عن مرمى بصرها وهم يتبارون بالعصي ويرقصون بشكل ذكوري على الأنغام الشعبية الشائعة هنا، ومن خلفهم حفنة يرقصون بالخيول في تناغم بديع، استمتعت بالمشهد الحي إلى أن سمعت جلبة قريبة تأتي من جهة اليسار، تحولت بنظرها إلى هناك، وأمعنت النظر في العتمة المنتشرة محاولة تبين ما يحدث، رأت أحدهم يطرح الآخر أرضًا بعد وكزه في ظهره، وآخر يقوم بتوثيقه من يديه كأنما يأسره، سرعان ما حل الخوف على محياها وقد لمحت سلاحًا مصوبًا إلى جبهة ذلك الأسير، هتفت لنفسها في توجسٍ متعاظم:.

-هما هيقتلوه ولا إيه؟
هوى قلبها في قدميها فزعًا عندما طاف بعقلها فكرة مفاجئة، نطقت بها في التو:
-لأحسن يكون السواق بتاعنا اتخانق تاني!
غالبت خوفها، وانطلقت للأسفل وهي تردد لنفسها بعزمٍ شديد:
-أنا لازم أمنع الجريمة دي قبل ما تحصل!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة