رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل الثامن عشر
تأكدت الشابات من جمع كافة المتعلقات الشخصية الخاصة بهن قبل ترك الغرفتين، والتوجه إلى بهو القصر الفسيح، حيث انتظرتهن الحاجة بهية، قامت بتوديع كل واحدة منهن على حدا، وأوصتهن في حنان أمومي: -خدوا بالكم من حالكم يا بنات، وزي ما فهمتكم، ده بيتكم في أي وقت تحبوا تاجوا تعالوا.
انتظرت ياقوت حتى النهاية لتحتضنها في محبة وهي تخبرها: -ربنا يخليكي لينا، وعقبال ما نسمع البشارة من سندس.
رفعت الأخيرة كفيها للسماء مرددة في تضرعٍ: -إن شاء الله يا رب، وعقبال فرحتنا بيكم يا غاليين.
جاءت إحدى الخادمات من الخارج، وتكلمت بصوتٍ مرتفع نسبيًا: -الشناطي كلها يا حاجة في العربية.
في التو قامت الشابات بتوديع مُضيفتهن للمرة الأخيرة قبل مغادرتهن للقصر. كانت ياقوت آخر من تحركت، فقد طمعت في تحين الفرصة لرؤية صفوان قبل ذهابها؛ لكنها لم تتمكن. شعرت بالحزن يجرف داخلها، وأخفت ذلك وراء ابتسامة مهذبة، لتودعها بغصة عالقة في حلقها: -نشوف وشك بخير.
شددت من ضمها لها، وقالت في ودية: -هتوحشيني يا غالية، نورتي المُطرح.
وكأن دفقة من السرور قد غمرت روحها المشتاقة، رأته واقفًا بجوار الحافلة الصغيرة، لم تمنع نفسها من النظر إليه، أرادت التمتع بهذه اللحظات الثمينة قبل أن تُحرم منه للأبد. وجدته يُملي أوامره على خفره وهو يشير بيده: -تخلي عينكم عليهم لحد ما يوصلوا بالسلامة.
تقدمت تجاهه وهو لا يزال يتكلم في صوته الآمر: -ولو حاجة نقصت عليهم تجيبهالهم.
رد عليه أحد الخفر في طاعة: -أوامرك يا كبير.
وقفت قبالته، متوقعة أن يطرق رأسه كعادته حين يراها، دهشها تمامًا لحظة أن رفع حدقتيه ليطالعها بهذه النظرة المهتمة، تلك التي نفذت إلى داخلها كسهمٍ أصاب هدفه، رمشت بعينيها في ارتباكٍ مشوب بالخجل وهو يخاطبها: -شرفتوا.
ردت عليه باسمة في أدبٍ: -شكرًا على ذوقك.
اقترب خطوة منها، فتلبكت أكثر، ومع ذلك لم تحد بناظريها عنه، تدلى فكها للأسفل وقد اعتذر منها دون تمهيدٍ: -حقك على راسي إن كان في حاجة ضيقتك إكده ولا إكده.
ازدردت ريقها، وقالت في ربكةٍ ملحوظة: -حصل خير، كفاية كرمكم واستضافتكم الحلوة.
ضغطت على أناملها في توترٍ، وودعته بصوتٍ حاولت أن يبدو ثابتًا: -نتقابل على خير.
تراجع عنها قائلًا في جدية واجمة غطت على كامل ملامحه: -مع السلامة.
ابتسمت ولم تزد حرفًا، وركبت الحافلة وهي لا تزال تاركة لعينيها فرصة الاستمتاع باللحظات الأخيرة في وجوده بقربها، فلا تعرف متى وأين يمكن أن يجتمعًا معًا!