رواية جواد بلا فارس للكاتبة منى سلامة الفصل الرابع
- انتى اتجننتى يا آيات. ازاى هتطلعى الرحلة باباكى مستحيل يوافق؟
صمتت آيات وهي تنظر الى صديقتها وبدا وكأنها تشعر بتردد كبير. فهتفت أسماء: - آيات ردى عليا
قالت آيات بشئ من الخجل: - بابا مش هيعرف انى هطلع الرحلة دى
قالت أسماء بدهشة: - ازاى يعني مش هيعرف؟
قالت آيات بعزم وإصرار: - هقوله انى بايته عندك عشان نذاكر للإمتحانات....
نظرت اليها أسماء بصمت. فقالت آيات تبرر لنفسها قبل أن تبرر ل أسماء: - أعمل ايه يعني مش قدامى حل غير كده. مفيش فرصة تانية ممكن يشوفنى ويتعرف عليا. عنده 300 بنت في الدفعه ايه اللى هيخليه ياخد باله منى أنا بالذات
قالت أسماء ساخرة: - أمال راح فين أنا مش هلفت انتباهه مش هضربه على ايده عشان يحبنى.
قالت آيات بحده: - أنا مش هحاول أقرب منه ولا هلفت انتباهه أنا بس هكون موجوده معاه في مكان واحد. حس بيا حس. محسش خلاص
أومأت أسماء برأسها وقالت بلامبالاة: - حتى لو حاولتى تلفتى انتباهه أنا شايفاها حاجة عادية مفيهاش حاجة
قالت آيات بحماس وهي تخرج مع صديقتها من الكلية: - يلا عشان عندنا حاجات كتير لازم نحضرها قبل معاد الرحلة.
اشترت آيات ملابس جديده من أجل الرحلة. لتظهر بأفضل مظهر أمام آدم عله يتلفت اليها ويدق قلبه بحبها. كانت متحمسة للغاية وسعيدة للغاية. لم يعكر صفو تلك السعادة سوى الإحساس بالذنب الذي تشعر به كل حين وآخر. بسبب اضطرارها الكذب على والدها. كادت أن تتراجع عن الفكرة ككل. لكنها تذكرت أن هذه هي فرصتها الوحيدة حتى يراها آدم بعيداً عن العلاقة الأكاديمية التي تجمعهما. أقنعت نفسها قائله: - أنا مش هعمل حاجة غلط. أنا بس هكون موجودة في الرحلة. وزيها زى أى رحلة. مش هحاول أكلمه. ولو اضطريت أكلمه هتكلم عادى. لكن أنا مستحيل أقوله مشاعرى نحيته. لازم تيجيى منه هو. أنا مش هعمل حاجه غلط. مجرد رحلة.
ظلت تردد تلك الكلمات الى أن اقتنع بها ضميرها وراح في سبات عميق.
كانت إيمان في هذا اليوم تشعر بتوتر بالغ فهذا هو اليوم الموعود. اليوم الذي سيتصل بهم العريس ليعرف ردهم ويعلمهم برده. استخارت الله كثيراً ودعته أن يبيض وجهها أمام عائلتها. وألا يضيف جرحاً آخر لحياتها التي امتلأت على آخرها بجروحاً وشروخاً وكدمات!
رن جرس الهاتف فإنتفضت في وجل. دخلت غرفتها لتجلس على فراشها في توتر. ضمت كفيها الى بعضهما البعض أمام وجهها وهي تردد: - يارب مفيش حاجة وحشة تحصل. يارب.
دقائق مرت كالسنوات. قبل أن ينفتح الباب. بمجرد أن طالعت وجه والدتها الحزين وعلامات الأسى على وجهها حتى علمت الرد. الرد الذي توقعته قبل أن يغادر بيتهم. الرد الذي تسمعه دائماً. والذي أصبح أمر مسلم به. رفضها. حاولت حبس عبراتها. فلا ينقصها الآن سوى شفقة والدتها. لكنها لم تستطع. انفجرت في بكاء مرير. أغلقت أمها الباب وجلست بجوارها وأخذتها بين ذراعيها قائله: - يا بنتى وحدى الله. بكرة ربنا هيبعتلك نصيبك لحد عندك.
ثم قالت لتحاول أن تخرجها من حزنها: - وبعدين أصلاً مكنش عاجبنى كان اتم كده وبارد ودمه تقيل
هبت إيمان واقفة والعبرات تغرق وجهها وهي تصيح بغضب: - كفاية بأه كفاية. مش عايزة أتهان أكتر من كده. كل مرة تجيبولى عريس ويرفضنى. كل مرة أطلع أدامه أكنى بعرض نفسي عليه ويايشترى ياميشتريش. كفاية بأه ارحمونى أنا معدتش هقابل عرسان تانى. ريحى نفسكوا بأه.
وقفت أمها في مواجهتها وهي تقول: - انتى اتهبلتى في عقلك يا بت انتى
قالت إيمان بصوت باكى: - افهمى بأه وكلكوا افهموا مفيش واحد هيبص لواحدة زيي
ضربت أمها على صدرها وهي تقول: - ليه ان شاء الله ناقصة ايد ولا ناقصة رجل ده انتى زى الفل
هتفت إيمان وهي تهزى من الغضب: - مش شايفة أنا عامله ازاى. مين هيرضى يتجوز واحدة شوال زيي.
ثم فتحت دولابها بعصبيه وأخرجت ملابسها والقتها أرضاً وهي تصيح: - بصى شوفى مقاسى كام. عمرى ما دخلت محل إلا وألاقى البنت تقولى معلش يا مدام مقاسك مش عندنا. مين هيرضى يتجوز واحدة زيي
انهارت على الأرض باكية فوق الملابس التي ألقتها أرضاً. صاحت أمها وهي تغادر الغرفة: - بت مجنونة صحيح. لما يجيى أبوكى يبقى يشوفله صرفه معاكى
ثم أغلقت الباب خلفها بقوة.
جلست ساندى مع صديقاتها في النادى لتقول بتفاخر: - طبعاً يا بنتى هو يقدر ميجيش. اسألى ريم هي اللى شفته
قالت ريم صديقتها: - أها دخل الحفلة من هنا والبنات كلها كانوا هياكلوه بعنيهم. بس سابهم كلهم وأعد مع ساندى
ابتسمت ساندى وقالت بتعالى: - وكمان جبلى هدية عيد ميلادى
قالت أحدى الفتيات بخبث: - طب ايه؟
ضحكت ساندى قائله: - ايه ايه يا بنت انتى.
قالت الفتاة: - يعني أنا شيفاه مهتم. حفلة عيد الميلاد. وهدية. وكمان رجع في كلامه وسمحلك تحضرى المحاضرات. أكيد كل ده مش لله وللوطن
قالت ساندى بدلال: - الله أعلم
قالت فتاة أخر: - هتطلعى الرحلة يا ساندى؟
قالت ساندى: - أهاا طبعا طالعاها
قالت الفتاة بخبث: - من امتى بتطلعى رحلات تبع الجامعة. من أول سنة وانتى بتطلعى تبع النادى ومبترضيش تطلعى معانا
قالت ساندى بلؤم: - المرة دى هطلع.
قالت الفتاة ضاحكة: - ايه هو اللى طلب منك ولا ايه؟
قالت ساندى كاذبه: - أيوة قالى ياريت تطلعيها يا ساندى
ضحكت الفتاة قائله: - ده شكل دكتور آدم وقع ولا حدش سمى عليه
تعالت ضحكات الفتيات حول ساندى التي كانت في قمة سعادتها لأنها محور حديث الفتيات. و سبب غيرتهن.
جلس آدم في غرفته أمام حاسوبه يتصفح بتململ. طرقت أمه الباب فأذن لها بالدخول. دخلت وقدمت له كوب من الشاى فقال بعبوس: - شكراً يا ماما
ثم عاد لمطالعة حاسوبه وقد بدا شارداً حزيناً. فوجئ بأمه تجذب احدى المقاعد وتجلس بجواره. نظر اليها ففهم أنها على وشك القاء محاضرة أخرى عليه فزفر بضيق وعاد ينظر الى حاسوبه مرة أخرى. فقالت أمه: - مش هكلمك في الموضوع اللى كل شوية أكلمك فيه. انا هكلمك في حاجة تانية خالص.
لم يبى آدم أى رد فعل فقالت أمه بعتاب: - سبت الصلاة ليه يا آدم؟
بدا وكأنه بوغت بالسؤال. ظل ملتزماً الصمت فقالت أمه بأسى: - ليه يا ابنى كده. ده هي الحاجة اللى بتعصمك من الشيطان. ليه تسيب الصلاة وهي عماد الدين يا ابنى. ودى أول حاجة هتتسأل عنها في قبرك. لو كنت بتصلى وربنا قبل صلاتك هينظر في عملك. أما لو مكنتش بتصلى أو ربنا مش قابل صلاتك عملك كله هيضيع يا ابنى مهما كانت أعمالك دى كويسه. طالما مفيش صلاة. يبأه كل أعمالك دى هتضيع على الأرض.
أطرق آدم برأسها دون أن يجيب. فأكملت وقد اغرورقت عيناها بالعبرات: - أنا خايفة عليك يا آدم. خايفة عليك أوى
ثم قالت: - ده ربنا قال إن من صفات المنافقين وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى. فما بالك باللى مبيصليش خالص.
ثم قالت بحنان: - تعرف يا آدم ان الصلاة هي الطاعة الوحيدة والفرض الوحيد من فرائض الاسلام اللى ربنا عرِج بنبيِّه إلى فوق السماء السابعة وفرض عليه الصلاة من فوق سبع سماوات. فرضها خمسين صلاة. كل يوم خمسين صلاة. لكن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من ربنا انه يخففهم لخمسه بس فربنا استجاب له. وبقت خمسة في العدد وخمسين في الأجر والثواب. أما باقى الفرائض والعبادات سيدنا جبريل كان بينزل للنبى ويوحى له بيها. شوفت بأه الصلاة مكانتها مهمة ازاى عند ربنا.
تنهد آدم وعقد ما بين حاجبيه وهو مازال ينظر الى الحاسوب أمامه. فنظرت اليه أمها وقالت باكية: - يا آدم النبي قال بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. أنا خايفة عليك يا ابنى.
أجهشت في بكار حار. التفت آدم ينظر اليها وقد اغرورقت عيناه بالعبرات. مد يده وهم بأن يضعها على أمه ليخفف حدة بكائها. لكنه قام فجأة بعصبيه وحمل هاتفه وغادر البيت. جلست أمه في مكانها تكفكف دمعها وهي تدعو من اعماق قلبها: - يارب اهديه ونور بصيرته.
جلست إيمان تشاهد التلفاز حاملة علبة حلاوة كبيرة تأكل منها بنهم شديد وعلامات الوجوم على وجهها. اقتربت منها أمها هاتفه بحده: - وترجعى تقولى تخينة وأد الشوال. حد يعمل عملتك السودة دى
قالت إيمان بحدة: - ايه أموت من الجوع يعني
قالت أمها بعصبيه: - ما قولناش تموتى من الجوع بس اهتمى بأكلك شوية. اعملى رجيم. مش طول ما انتى أعده وانتى عماله تلغى كده
تركت إيمان علبة الحلاوة بعصبية وصاحت قائلاً: - مش طافحة.
دخلت غرفتها وأغلقت الباب بعصبيه وجلست على فراشها وقد تركت العنان لعبراتها. ثم قالت بغضب وهي تلقى بالوسادة أرضاَ: - مش عايزة أعجب حد أصلاً. محدش له دعوة بيا.
جلست ساندى تطالع الحساب الشخصى ل آدم على الفيس بوك. اتسعت ابتسامتها في سعادة عندما قبل طلب اضافتها لقائمة أصدقائه. بدأت المحادثة قائله: ساندى: هاى دكتور
آدم: هاى ساندى
- ازيك عامل ايه
- بخير ازيك انتى
- تمام. عرفت انك طالع مشرف على رحلة العين السخنة
- أيوة
- مفاجأة حلوة. على فكرة أنا طالعه الرحلة
- كويس. طلعتيها قبل كده
- يوووه كتير بس مش تبع الجامعة. بحس رحلات الجامعة مملة ومش بكون فيها على راحتى.
-معايا مش هتكون مملة
-هههههههه اكيد طبعا. متشوقة للرحلة أوى. وأعرف أماكن كتير حلوة ممكن نزودها للبروجرام هبقى أقولك عليها يوم الرحلة
- خلاص اتفقنا. باى دلوقتى نتكلم بعدين
- باى دكتور
ابتسمت ساندى ثم هبت واقفة وفتحت دولاب ملابسها وأخذت تفكر كيف تستعد لتلك الرحلة. والأهم. كيف تجعل آدم لا يرى سواها في هذه الرحلة.
كانت آيات واقفة أمام المكتبة تصور بعض الأوراق فأقبلت أسماء من خلفها وقبلتها قائله: - سورى اتأخرت عليكي يا يويو
هتفت آيات بحنق: - اتأخرتى كده ليه. بقالى ساعة واقفة أصور في ورقى وورقك
قالت أسماء وهي تتفحص الأوراق التي في يد آيات: - شوية بنات وقفت أتكلم معاهم. بنستعد للرحلة
ثم التفتت تنظر الى آيات قائله: - على فكرة ساندى طالعة الرحلة
قالت آيات بلامبالاة: - ما تطلع.
قالت أسماء بتردد: -بصى في حاجة كدة عرفتها. مش عارفه أقولهالك ولا لأ
التفتت اليها آيات قائله: - قولى طبعا حاجة ايه؟
ترددت أسماء قائله: - خايفة تضايقي
قالت آيات بقلق: - قولى يا أسماء قلقتيني
قالت أسماء بتهكم: - دكتور آدم حضر عيد ميلاد ساندى من كام يوم في بيتها وجبلها هدية كمان
اتسعت عينا آيات من الدهشة وهي تمتم قائله: - ازاى يعني. ده طردها أدامنا من المحاضرة.
مطت أسماء شفتيها قائله: - معرفش يختى. ده اللى سمعته
قالت آيات بعدم تصديق: - أكيد اشاعة
قالت أسماء بتأكيد: - لا يا بنتى مش اشاعة أنا كنت واقفة مع ريم والبنات وعرفت كمان انه طلب منها انها تطلع الرحلة دى
شعرت آيات بحزن شديد. واغرورقت عيناها بالعبرات وقالت وهي تحاول أن ستتجمع رباطة جأشها: - خلاص انسى أنا مش عايزة أطلع الرحلة
هتفت أسماء بحده: - انتى غبية يا آيات هتسيبيلها الجمل بما حمل.
التفتت آيات تنظر الى أسماء بحيرة وضيق قائله: - أمال أعمل ايه يعني. خلاص هو طالما بيحبها خلاص ربنا يهنيهم
هتفت أسماء بحدة أكثر: - يا بنتى هتجننيني. بطلى شغل العبط بتاعك ده. أنا لو منك هروح الرحلة وأدب صوابعى في عنيها أحاول ألفت انتباهه وأخليه يسيبها ويجيلى على ملا وشه.
قالت آيات بكبرياء: - أنا مش هعمل كده. مش هلفت انتباهه. هو لو محسش بيا من نفسه خلاص. انا كنت طالعة الرحلة بس عشان بس أديله فرصة للكلام لو هو حابب يتكلم معايا. لكن طالما مهتم ب ساندى فخلاص هو حر
قالت أسماء بغيظ: - يا بنتى ومين قالك انه مهتم ب سادى أصلاً. مش يمكن كدبت وقالت للبنات انه طلب منها تطلع الرحلة. عايزة ترسمى نفسها يعني.
صمتت آيات وهي تشعر بالحيرة. فقالت أسماء: - لازم تطلعى الرحلة دى. عشان حتى تعرفى آخرة الموضوع ده ايه. وتحطى النقط على الحروف بينك وبين نفسك. اتفقنا؟
نظرت آيات الى أسماء قليلاً. ثم قالت: - خلاص اتفقنا
شردت آيات وهي تتساءل. تُرى أهناك شئ بينهما. أيحبها. تمنت أن تكون الإجابة. لا.
وقف آدم يودع زياد قائلاً: - هتوحشنى يا زياد
عانقه زياد قائلاً: - وانت كمان يا آدم. هستنى منك زيارة زى ما وعدتنى. بجد هتقضى يومين حلوين في شرم
ابتسم آدم قائلاً: - خلاص اتفقنا ان شاء الله. خد بالك من نفسك
ربت زياد على كتفه قائلاً: - وانت كمان يا آدم خد بالك من نفسك.
أوقف آدم سيارته أمام الكورنيش وأخذ يتمشى وهو ينظر الى النيل ويتأمله. وقف وأسند ذراعيه على السور وهو يتأمل ظلام السماء. شعر بأنه ينظر داخل قلبه. فحال تلك السماء كحال قلبه. ظلام في ظلام. ثم نظر الى القمر الذي لا يظهر منه سوى هلال صغير. تماماً كقلبه. يشعر بوجود ضوء صغير يحارب ليظهر ويتغلب على الظلام. لكن آدم لا يسمح بهذا الضوء بأن يكبر ويُنير ظلام قلبه. لا يسمح ولا يريد. يريد قلبه أسود كما هو. كيف سيحقق انتقامه ان اختفى هذا السواد؟ يريد أن يرجع حقه ممن نهبه. لا يريد أكثر من حقه المسلوب. فلماذا يُلام على ذلك؟ لماذا يُلام على رغبته في استرداد حقه. شعر بأنه يقترب شيئاً فشيئاً من هدفه. خطوة وراء خطوة وسيصل الى مبتغاه. عليه فقط. الصبر. والإنتظار.
فى صباح اليوم الموعود. يوم الرحلة. لم تستطع آيات النوم من فرط حماسها. كانت تتمم على حقيبتها للمرة التي لا تتذكر عددها. اتصلت بها أسماء قائله: - أيوة يا آيات نتقابل في مكان الباص
قالت آيات بحماس: - تمام يا أسماء. يلا سلام
توجهت الى سيارتها ووضعت حقيبتها. تذكرت محادثتها مع والدها منذ يومين حين قال والدها: - طيب وليه أسماء متجيش تبات هنا وتذاكروا سوا
- مامتها مش راضية.
- يعني هي مامتها مش راضية. وانتى ملكيش أهل
قالت آيات بسرعة: - لا مش قصدى يا بابا. قصدى ان في بيت أسماء طنط موجودة. أما هنا فأنا وحضرتك عايشين لوحدنا. فعشان كدة الأحسن أنا اللى أروح أبات معاها
فكر عبد العزيز قليلاً ثم قال: - مش عارف يا آيات مش حابب حكاية البيات دى.
ألحت آيات قائله: - عشان خاطرى يا بابا بجد محتاجين نذاكر سوا. خلاص الإمتحانات قربت وأنا بركز أكتر لما بذاكر مع أسماء. عشان خاطرى يا بابا وافق دول هما ليلتين بس. عشان خاطرى وافق يا بابا. وكمان لو تحب خليك معايا على الموبايل على طول نطمن على بعض
وافق عبد العزيز مرغماً وهو يقول: - أعمل ايه يعنى. خلاص يا بنتى
عانقته آيات في سعادة قائله: - ميرسي يا بابا.
قال عبد العزيز محذراً: - ممنوع الخروج بعد 10 يا آيات. وياريت متخرجش أصلاً انتى رايحه تذاكرى مش تتفسحى
قالت آيات بحماس: - متقلقش يا بابا متقلقش.
انتبهت آيات الى اشارة المرور التي أرغمتها على التوقف. توقفت وهي شاردة فيما تفعل. زفرت بضيق. فلم تتصور أن يصل بها الحال الى الكذب على والدها بهذا الشكل والسفر الى بلد أخرى والإقامة فيها دون علم والدها. لكنها أخذت تقنع نفسها بأنها لن ترتكب أى شئ خطأ. هي فقط تريد استغلال فرصة لن تتكرر. تريد أن تكون قربه تريد أن تفهم مشاعرها وتعرف هل هناك أمل في أن يشعر بها يوماً. أم أنها تجرى خلف سراب. أرهقها التفكير فزفرت بضيق وأدارت المسجل لتنساب نغمات احدى الأغنيات الى أذنيها.
وصلت آيات لمكان التجمع. رات مجموعات صغيرة بدأت في التزايد رويداً رويداً. بحثت بعيناها عن آدم فلم تراه. أقبلت نحوها فتاتين فابتسمت ووقفت تتحدث معهما. سمعت صوت سارة قادمة فالتفتت لتقع نظراتها على آدم خفق قلب آيات بقوة. وارتسمت رغماً عنها ابتسامه على شفتيها. حاولت اخفاء تلك الإبتسامه لكنها لم تستطع. كانت تشعر بشعور لذيذ وبسعادة غامرة. اقترب آدم من الجمع وألقى عليهم التحية وسألهم قائلاً: - جاهزين يا شباب.
قال أحد الطلاب بحماس: - طبعاً جاهزين يا دكتور
نظر آدم الى الساعة وقال: - طيب على العموم لسه خمس دقائق وعايزكم تقفولى صف ومتطلعوش الباص إلا لما أتمم عليكم
قالت احدى الفتيات ضاحكة: - ايه شغل ابتدائى ده يا دكتور
ابتسم آدم ابتسامته الجذابه التي خفق لها قلب آيات قائلاً: - ده نظامى. لو عندكوا اعتراض ممكن اعتذر عن اشراف الرحلة وأخلى دكتور مسعد يطلع بدالى
صاح الجميع في استنكار: - لا أبوس ايدك يا دكتور.
- اعمل الى انت عايزه يا دكتور بس بلاش دكتور مسعد
ابتسم آدم والتفت يبحث بعينيه عن ساندى. لكنه لم يجدها بين الحضور. كانت آيات واقفة تتأمله. التحمت نظراتهما. فجفلت. وأخفضت بصرها في توتر. ألقى آدم عليها نظرة لامبالاة وماهى إلا لحظات حتى حضرت ساندى و أسماء واكتمل العدد. نظرت آيات بحده الى ساندى الواقفه تتحدث بميوعه مع آدم وقالت ل أسماء بحنق: - شايفه واقفه تكلمه ازاى
قالت أسماء: - سيبك منها.
وقف الجميع صفاً وتقدم كل طالب ليخبر اسمه ل أدم الذي وقف بجوار باب الأتوبيس من الأسفل. تابع آدم الكشف الذي بيده وهو يستمع الى اسم كل طالب على حدى. اتى دور آيات فنظر اليها منتظراً أن تقول اسمها ليبحث عنه في الكشف. قالت بتوتر وهي تنظر اليه مبتسمه: - آيات عبد العزيز حسان اليمانى
تصلب جسد آدم وهو يستمع الى اسمها. رفع رأسه ونظر اليها بتمعن قائلاً: - انتى من عيلة حسن اليمانى؟
شعرت آيات بالسعادة فلربما يعرف أحد أفراد عائلتها وتجد مدخلاً للحديث معه. قالت بحماس: - أيوة
قال آدم بلهفه وعيناه الزرقاوين تكاد تخترقانها من فرط امعانه فيها: - سراج حسن اليمانى يقربلك ايه؟
ابتسمت آيات قائله بحماس: - ده يبقى عمى
تجمدت ملامح آدم وظلت نظراته مثبتة عليها كالليزر. شعرت آيات بالتوتر من نظراته التي لم تستطيع تفسير معناها. قالت بإرتباك: - اطلع الباص؟
أومأ برأسه دون أن يرفع بصره عنها. صعدت وضربات قلبها تزداد اضطراباً. وقف آدم لحظات جامداً. ثم ما لبثت تعبيرات الغضب أن ظهرت على ملامحه واشعلت نظراته وهو يتمتم بصرامة: - عمك!
جلست آيات بجوار أسماء وقالت لها بلهفه وسعادة بصوت منخفض خشية أن يسمعها من حولها: - دكتور آدم اتكلم معايا
ضحكت أسماء قائله: - صلاة النبي أحسن. ده احنا لسه بنقول يا هادى
ثم غمزت بعينها قائله: - يا يويو يا جامد
ثم قالت: - احكيلى قالك ايه
قالت آيات بحماس: - سألنى على عمى سراج
قالت أسماء بإستغراب: - عمك؟ وهو يعرفه منين؟
قالت آيات بسعادة: - معرفش. بس مش مهم. المهم انه اتكلم معايا يا أسماء.
التفتت آيات تنظر الى آدم الواقف بجوار الأتوبيس التفت فالتقت عيناهما. خفق قلبها. لكنها هذه المرة لم تشح بوجهها. وهو أيضاً لم يفعل. حاولت أن تفهم معنى نظراته وسببها. لكنها لم تستطع. ولم تحاول كثيراً أن تفهم. فكل ما كانت تشعر به الآن هو السعادة. السعادة لأنه أخيراً التفت اليها.
صعد الجميع وانطلق الأتوبيس بهم في طريقهم الى العين الساخنة. كان آدم يجلس في الأمام على بعد ثلاث مقاعد من مقعدى آيات و أسماء. التفت ينظر في اتجاه آيات فانتبهت لتلك العينان الزرقاوان اللاتات تتفرسان فيها. شعرت بإرتجافة في أوصالها. ثم عاد لينظر أمامه مرة أخرى. ضحكت أسماء ضحكة خافته ووكزت أسماء في ذراعها قائله: - ايه يا آيات ده. لحقتى وقعتيه
قالت آيات بإرتباك: - والله ما عملت حاجة.
قالت أسماء بلؤم: - أمال لو عملتى.
ثم انفجرت مرة أخرى ضاحكة. لم تشاركها آيات ضحكاتها ولا مزاحها. لأن عقلها كان في مكان آخر. كان مع والدها. والدها الذي كذبت عليه. وهاهى في طريقها خارج القاهرة. لتمضى ليلتين في هذا البلد الغريب. ودون علم والدها. الذي كان ومازال كل ما تملك في هذه الحياة. شعرت بألم شديد في قلبها. وصوت يهتف بداخلها: - أهذه ثقة والدكِ فيكِ يا آيات. أيستحق منكِ تلك الخيانة. وهو الذي لم يقصر في حقك يوماً وهو الذي وثق بكِ دوماً. وهو الذي كان الأب والأم والأخ والصديق وكل عائلتك. أيستحق منكِ تلك الطعنة. ماذا لو علم. كيف يتكون نظرته اليكِ. الى ابنته التي تعب وعانى في تربيتها وتعليمها وأوصلها الى ما هي عليه الآن. كيف ستكون خيبة أمله فيكِ يا آيات.
كانت آيات تنظر من الشباك المجاور لها وهي شاردة واجمة وعلامات الحزن على وجهها. لم تنتبه الى ساندى التي حضرت من الخلف في اتجاه آدم ونظرت اليه قائله بدلال: - تسمحلى يا دكتور عايزة أتكلم مع حضرتك في بروجرام الرحلة.
ابتسم لها آدم ووقف لتجلس على المقعد المجاور له. كان عقل آدم في مكان آخر تماماً فلم يستمع الى ساندى التي تلقى على مسامعه اقتراحاتها بشأن تطوير برنامج الرحلة والأماكن التي تعرفها في العين الساخنة. كان عقل آدم منشغل بتلك الفتاة التي تجلس خلفه بثلاث مقاعد. قال لنفسه: - ما هذه المصادفة يا آدم. واحدة من عائلة اليمانى تحت رحمتك. وفي قبضة يدك. يبدو أن حظك بدأ في الإبتسام لك أخيراً يا آدم.
فجأة وبدون سابق انذار هبت آيات واقفة وهي تأخذ حقيبتها التي وضعتها في الرف العلوى. نظرت اليها أسماء بدهشة قائله: - بتعملى ايه يا آيات؟
قالت آيات بحزم وهي تضع الحقيبة على ظهرها: - نازلة
قالت أسماء غير مصدقة: - نازلة. يعني ايه نازلة؟
قالت آيات بحزم وهي تنظر اليها: - مش عايزة أطلع الرحلة دى. غيرت رأيي.
فتحت أسماء فمها دهشة وقبل أن تتمكن من الرد عليها توجهت آيات الى السائق وأمرته بالتوقف توقف السائق لتنزل منه آيات. أسرع آدم ينزل درجات الحافلة خلفها وجذبها من ذراعها قائلاً: - انتى راحه فين؟
التفتت اليه آيات بدهشة ونظرت الى يده الممسكة بذراعها وقالت: - غيرت رأيي مش طالعه الرحله
قال آدم بدهشة: - هو لعب عيال
جذبت ذراعها من يده وقالت بإضطراب: - انا آسفة. بس غيرت رأيي.
التفتت لتغادر مشرعة. رآها آدم وهي تبتعد. كانت تسير في طريق العودة الى القاهرة على هذا الطريق الصحراوى الذي يخلو من السيارات في هذا الوقت من الصباح الباكر. شعر آدم بأن هذه هي فرصته. وأراد استغلالها الى أقصى درجة ممكنة. توجه مسرعاً الى الأتوبيس وأخذ حقيبته وقال للمشرفة التي معه: - أنا مضطر اروح معاها عشان مش هتعرف ترجع لوحدها. وهبعتلكوا دكتور مسعد. هتعرفى تتصرفى لوحدك يا دكتورة؟
ابتسمت قائله: - أيوة يا دكتور متقلقش. المهم متسبش البنت لوحدها
نزل آدم من الأتوبيس وهو يحمل حقيبته على كتفه ويقول لنفسه بقسوة وغل وحقد دفين: - متقلقيش مش هسيبها. أبداً.!