قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع والخمسون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع والخمسون

رواية حارة القناص الجزء الأول للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع والخمسون

عادت أهلة وزوجها إلى منزلهم بعد أن انتهوا من إجراءات الخروج من المشفى، وضعت أطفالها الثلاثة في الغرفة المُخصصة لهم والتي تُجاور غُرفة أولاد ريماس، ثم اعتدلت في وقفتها واستدارت ل قاسم مُتحدثة على عجالة: هروح أشوف معاذ وسما وبعد كدا هاجي أشوفهم.

أومأ لها قاسم بحنان ثم تركها تذهب، بينما هو استدار لأطفاله ثم جلس القرفصاء أمام فراشهم الصغير، مال على وجوههم يُقبلها بحنان، ورفع كفه يُمسك بكف حوريته الصغيرة التي تتململ بانزعاج، ضحك بخفة عندما وجدها تفتح فاهها بطريقة لذيذة، فمال عليها يُقبلها بحب مُدغدغًا إياها بأنفه، لكن انتفض فزعًا عندما وجد صراخ الصغيرة يعلو ببكاء!

اعتدل قاسم في وقفته ناظرًا حوله بتوتر، لكنه لا يعلم ما يجب فعله ليُصمتها، لذلك لم يجد مُهربًا سوى بحملها، وبتروٍ وحذرٍ شديد قام بحملها وهدهدتها على ذراعه، حتى أنه أخرج أصواتًا غريبة من فاهه حتى تستمع إليها وصمتت، وبالفعل صمتت الصغيرة، لكن تلك المرة سلبت لُبه بالكامل، حينما فتحت عيناها فوجدها سوداء لامعة تُشبه عيون المها كوالدتها تمامًا، انتفض فؤاد قاسم عشقًا، وبهمسٍ مُتحسر تسائل لذاته:.

أنا لحد دلوقتي معرفتش أتعالج من عيون أمك، هتعالج من عيونك إزاي دلوقتي؟
حملها قاسم بحنوٍ ثم رفعها أمام وجهه يهتف بقلق: تبقى مصيبة سودة لو إخواتك الولاد واخدين نفس العيون، أنا كدا مش هلاحق عليكم.
سمع ضحكة خافتة تأتي من جانبه، فنظر لليمين ليجد أهلة تقترب منه وتُحيط بخصره أثناء قولها المُشاكس: ومالها عيوني يا قاسم بيه؟
تعبوني.

همس بها بهيام أثناء اسناده جبينه على جبينها، فيما أكمل حديثه العاشق: عينيكِ سلاح مُدمر أقسم بالله، وأنا قدامهم ضعيف.
مسدت بكفها على جانب وجهه تلتمس لحيته النابتة قليلًا، ثم تحدثت بهيام: ويا بختي إني الوحيدة اللي عرفت أسيطر عليك بعيوني يا قاسم.

احتضن قاسم حوريته بذراعٍ، والذراع الآخر قام بلفه حول خصر أهلة إلى فؤاده، اشتم عبقها مُتلذذًا باقترابها ثم همس لها بحب: أنتِ النعمة اللي هفضل أشكر ربنا طول حياتي على وجودها، أنا كنت زي الغريق في الدنيا دي ومفيش غيرك اللي نجاني، قلبي كان مليان ضلمة وأنتِ اللي نورتيه، كنت يائس وفاقد الأمل في إني أعيش حياتي بشكل طبيعي بس أنتِ غيرتي فكرتي، بقيت أحارب أفكاري ودماغي علشانك، كان كل همي إني أنقذك بدل ما أنقذ نفسي، كنت عايز أسعدك وأسعد قلبك قبلي، وفي اللحظة دي اتأكدت إن أنتِ اللي هتنوريلي حياتي.

أدمعت عيني أهلة بقوة فغطت وجهها بكفها وهي تقول ببكاء: يا قاسم والله هعيط كفاية، محدش غيرك اللي يستاهل الشكر، وقبلت بيا رغم كل عيوبي، كملت حياتك معايا وأنت عارف أنا بنت مين، أنت مش بتتعوض ولا هتتعوض أبدًا.

ابتسم قاسم بحنين وهو يُقبل خصلاتها بحب، وما كاد أن يفتح فاهه ليتحدث، حتى استمع إلى صوت الصغيرين يبكيان معًا، خرجت أهلة من أحضان قاسم تُجفف دموعها، ثم نظرت للصغيرين أولًا، وبعدها نظرت ل قاسم قائلة بتوتر: قاسم الاتنين بيعيطوا مع بعض أعمل إيه؟

أنهت حديثها تزامنًا مع صدوح صرخات الصغيرة هي الأخرى، فأصبحت الغرفة مُعبأة ببكاء الثلاثة أطفال، فرغ قاسم فاهه ناظرًا للوضع بحيرة، ظل يُفكر كثيرًا بعد أن أعطى حوراء إلى والدتها وبدأ بالبحث عن قنينة الرضاعة التي اشتراها مؤخرًا، لكن انقطع حبل أفكاره عندما استمع إلى صوت الصغيرين معاذ وسما يبكيان في الغرفة الأخرى!

مسح قاسم على وجهه بعصبية من صوت الصراخ، ثم اتجه إلى الغرفة الأخرى لجلب الصغيرين، بينما أهلة بدأت في إرضاع صغيرتها أولًا والتي كانت جائعة للغاية، وكذلك أتى قاسم ب معاذ وسما ومعهما قنينة الرضاعة الخاصة بكلِ منهما، ثم وضعهم على الفراش المُهتز ووضع وبدأ بإرضاع كُلًا منهما بحذر حتى لا يتوقف الحليب بحلقهما، وهكذا لم يتبقى سوى بكاء غيث ومُغيث، فجهزت أهلة قنينة حليب واحدة ثم وضعتها بفمِ غيث، و مغيث قامت بحمله بحذرٍ شديد ثم قامت بإرضاعه في الناحية الأخرى، وأخيرًا عم الصمت الغرفة مُجددًا!

نظر قاسم لزوجته وتحدث بنبرة ساخرة: دا إحنا شكلنا داخلين على أيام فحلقي.
أكدت له أهلة ضاحكة: لأ هو مش شكلنا، هو أكيد، بس متقلقش حبيبة هتساعدني في تربية سما ومعاذ عشان هي بتحبهم أوي وأنا اللي كنت بمنعها عشان ابنها.
علي خيرة الله، المهم بس نربيهم كلهم كويس علشان لما يكبروا يشرفونا.
قالها بحنين، لترد عليه أهلة مُبتسمة: كفاية إن أنت أبوهم يا قاسم، دا شيء يخليهم مفتخرين عمرهم كله.

ألقى لها قاسم قُبلة عابثة في الهواء، ثم قال: حبيبة قلب قاسم والله.
ضحكت بخفة، فاستمعت إليه يتسايل بجدية: المهم دلوقتي هتعملي إيه؟ هترضعي معاذ وسما زي ما حبيبة عملت ولا هتكتفي بولادك بس؟
ردت عليه أهلة بسرعة: لأ طبعًا هرضعهم، معاذ وسما هما كمان ولادي وبحبهم، ومفيش أي فرق بينهم وبين غيث ومغيث وحوراء، الخمسة هيبقوا إخوات.
تنهد قاسم براحة: طيب كدا تمام أوي، الولاد ناموا يلا نحطهم على سرايرهم.

قالها ثم أبعد قنينة الحليب عن فم الأطفال، فحمل كل منهم على حدة ووضعهم في سريره الخاص، ثم عاد إلى أهلة يحمل منها غيث أولًا واضعًا إياه على فراشه الخشبي المُحاط بأعمدة خشبية، وبعدها أخذ مُغيث كذلك ووضعه بجانب أخيه، وأخيرًا حمل حوريته منها ثم وضعها بجانب أخواتها بعد أن طبع قُبلة حنونة على خدها.

عاد إلى أهلة فجعلها تتمدد على الفراش وقامت بتغطيتها جيدًا وهو يقول: يلا يا حبيبتي نامي وارتاحي أنتِ كمان لحد ما أغير هدومي وآجي أنام جنبك.
أومأت له بحب، فطبع قُبلة رقيقة على خدها ثم اتجه إلى الخزانة وقام بتبديل ثيابه إلى ثياب أخرى مُريحة.

وفي حين أن الجميع نيام والصمت يعم الأرجاء، كان رائد يجلس أمام صغيره والذي لم يُكمل شهره الرابع بعد ويُطلق الزغاريد حتى يتوقف الآخر عن البكاء، وبالفعل كان الصغير يكف عن الصراخ ليستمع إلى أبيه الأبله، وعِند توقف رائد عن التصفيق يعود ليبكي مُجددًا!
لطم رائد على وجهه وهو يصرخ بغيظ: يالهوي أعملك لأمك إيه تاني؟ أقوم أرقصلك طيب ولا أنيل إيه؟

ارتسمت ابتسامة واسعة على فمِ الصغير مما أدى إلى تشنج وجه رائد الذي هبط لمستواه وتحدث بفحيح: أنت بتتريق عليا ياض؟ واد يا يامن أنت هتبقى ابن عاق ولا إيه؟
رفع يامن أصابعه الصغيرة يضعها على وجه أبيه وابتسامته مازالت مُرتسمة على وجهه وكأنه يرمي إليه إحدى النكات، فيما أكمل رائد حديثه: أنا طول عمري متربي ومحترم وبسمع كلام أبويا، عشان كدا عايزك تطلع زيي.

دخلت في تلك الأثناء ملك التي قطبت جبينها بتعجب وهي تتسائل: بتعمل إيه يا رائد؟
رفع رائد رأسه إليها قليلًا مُطالعًا إياها بطرف عينه، ثم أجابها بلامبالاة: بهدده عشان أربيه من صُغره.
التوى فم ملك باستهزاء ثم اتجهت إليه ودفعته بخفة، قبل أن تنحني وتحمل صغيرها تُقبله من وجنته بقوة وهي تقول بحب: أنا ابني هيبقى متربي أحسن تربية وبكرا هتشوف.

اقترب منها رائد مُحيطًا إياها من الخلف، ثم مال على وجنتها يُقبلها بحنان وهو يقول: ابني هيطلع قمر زي أمه بالظبط.
اتسعت ابتسامة ملك ثم طالعته بأعين هائمة وهي تقول بحب: ربنا يديمك ليا يا رائد.
أجابه بعشق: ويديمك ليا يا قلب وروح رائد.

عادة ما تكون العائلة هي الداعم الوحيد للإنسان، وما يريد المرء سوى شخص حنون يُسانده للتقدم، يدٌ مُشجعة تأخذ بيده للأمام، كلماتٌ مُحفزة للمضي قدمًا، وهذا ما ركَّز عليه شخصيات حكايتنا لتربية أطفالهم تربية سوية نظيفة خالية من الشوائب والحقد، وكان قد حدث!

بعد مرور ست سنوات.
يا بنتي بقى متعصبنيش وروحي لأبوكِ أنا مش ناقصة.
هتفت أهلة تلك الكلمات بعصبية وهي تكاد تجذب خصلاتها من شدة الغضب بسبب برود ابنتها فيروزة والتي تعدت عامها الثاني منذ خمسة أشهر تقريبًا! طالعتها فيروزة باشمئزاز والتي كانت تلعب بالعجين الذي تعده والدتها من أجل الكحك بمناسبة عيد الفطر، ثم عادت إلى لهوها ولعبها بالعجين مُجددًا وكأن شيء لم يحدث!

جزت أهلة على أسنانها بغيظ من ابنتها التي اكتسبت كل صفات والدها، وأهم العناد، على عكس حوراء التي تُشبهها كثيرًا حتى في مظهرها، أتى قاسم لهم والذي تحدث بتعجب: في إيه يا أهلة بتصوتي ليه؟
تهللت أسارير فيروزة ما إن استمعت إلى صوت والدها الحبيب، لتقف من مكانها بسرعة ثم هرولت إليه وهي تهتف بسعادة بالغة: بابا.

التقطها قاسم بين ذراعيه وهو يضحك بصخبٍ على مظهرها المُشعث وثيابها المُمتلئة بالدقيق، اقترب منها طابعًا قُبلة على خدها المُنتفخ وهو يقول بمرح: حبيبة عين بابا، فيروزتي مزعلة ماما ليه؟
تجعد وجه فيروزة بضيق ثم أشارت إلى والدتها التي تجلس مُتربعة على أرضية المطبخ قائلة بنبرة يشوبها السخط والاشمئزاز: ماما!

التوى ثُغر أهلة بابتسامة حانقة وتحدثت قائلة: ما هو أنا لو مرات أبوكِ قوليلي! مش معقول المعاملة التي تقرف دي!
تجاهلتها فيروزة واستدارت إلى والدها ثم قبلت جنته بحبٍ وأحاطت عنقه بحنان، هزت أهلة رأسها بيأسٍ ثم عاودت خلط العجين جيدًا، اقترب منها قاسم ثم جلس بجانبها وعلى قدمه ابنته ثم أردف بضحك: يا بنتي قولتلك نجيب كعك وبسكوت جاهز أحسن.

هزت أهلة رأسها بالنفي وهي تُجيبه بحسم: لأ طبعًا، حاجة بيتي أنا اللي هعملها ومش حد غيري.
اقترب منها قاسم يُشاكسها بوجهه قائلًا بمزاح: مراتي الناضجة العاقلة يا ناس؟
ضحكت أهلة بخفة على مُشاكسته التي تعشقها، بينما مدت فيروزة يدها لتلتقط قطعة أخرى من العجين لتأكله، طالعتها أهلة بغضب، فرسمت الصغيرة ابتسامة بلهاء على وجهها وهي تقول بضحك: ماما!

استطاعت سحب غضبها بضحكتها، فانتقلت ابتسامتها إليها تلقائيًا عقب نطقها للكلمة التي تُشعرها بأنها في خضم سعادتها، اقتربت أهلة من فيروزة ثم قبلتها من وجنتها بقوة وهي تقول بحب: قلب ماما يا فيروزتي.
أمسكت فيروزة وجه والدتها بكف يدها المُلوث مما أدى إلى تلطخ وجه أهلة، لكنها لم تعي لفعلتها ثم اقتربت منها مُقبلة وجنتها كما فعلت والدتها منذ قليل!

ضحكت أهلة بخفة وهي تهز رأسها بيأس، ثم أردفت ضاحكة: لولا البوسة أنا كان هيبقى ليا تصرف تاني معاكِ.
لم تفهمها فيروزة كثيرًا، لكنها اعتدلت واقفة من على قدم أباها ثم جذبت يده بقوة تدعوه للوقوف، تنهد قاسم بيأسٍ وهو يسألها بعدم فهم: عايزة إيه تاني؟ أنا من الصبح بلف في الشقة زي الأراجوز علشانك.

امتعض وجه الصغيرة وهي تجذبه رغمًا عنه، فوقف معها ثم سار للخارج تاركًا نظرات أهلة الشامتة تُلاحقه: أحسن، عشان تفضل تدلعها.
توقفت فيروزة مع قاسم أمام شاشة التلفاز، ثم توجهت نحو الطاولة الزجاجية وأمسكت بجهاز التحكم ثم أعطته له وهي تُسدد له ابتسامة واسعة قائلة: كرتون.
بقى أنتِ جيباني مخصوص عشان الكرتون؟

أومأت له فيروزة بالإيجاب، فجذب منها قاسم جهاز التحكم بحنق، وظل يُقلب بين قنوات التلفاز للبحث عن كرتون مِناسب لصغيرته، وبعدها أتى لها بكرتون الصغيرة والوحش الذي تعشقه!
ظن قاسم بأن مهمته قد انتهت، لكنه وجد صغيرته تدفعه نحو الأريكة ثم أجلسته رغمًا عنه، وبعدها صعدت هي للجلوس على قدمه! تشنج وجه قاسم بسخط ثم صاح مُعترضًا: بس أنا مش عايز أتفرج عليه دلوقتي، أنا سمعته 5000 مرة بسببك لغاية دلوقتي.

رفعت فيروزة وجهها تُطالع وجه أبيها الذي يظهر عليه الضيق، ثم امتدت بحسدها قليلًا وطبعت قُبلة صغيرة على ذقنه رامية إياه بابتسامة ساحرة بددت من ضيقه وكأنه لم يكن موجودًا من الأساس، وبالفعل بدأ كلاهما يستمعان إلى التلفاز بانتباه، فيروزة تجلس على قدم أبيها، و قاسم يُحيط بها يضمها إليه، ومن الحين للآخر ترفع كفها الصغير له حيث فمه، فيُمسكه هو ثم يُقبل باطن كفها بحنانٍ شديد.

وبالأسفل حيث التجمع العائلي الكبير، هتف غيث والذي يبلغ من العمر ست سنوات: إزيك يا أولغا عاملة إيه؟
طالعته أولغا ابنة آلبرت بعدم فهم للغته الغريبة بالنسبة إليها، واكتفت بتسديد ابتسامة صغيرة له حتى لا تُحرجه، بينما هو أكمل حديثه العابث والذي اكتسبه من صهيب وكثرة جلوسه معه أثناء مُغازلته ل حبيبة :
عينيكِ لون الخضار بتاع المحشي، حلوة أوي.

أرادت عدم إخجاله فتحدثت شاكرة رغم عدم فهمها للحديث: . (شكرًا لك).
قطب غيث جبينه وهو يسألها بغباء: عايزة كيمو كونو؟ تعالي معايا وأنا هجيبلك من فلوسي، علشان تعرفي إن هبقى قد المسؤولية لما نكبر.
وبالفعل أخذ غيث الفتاة البلهاء والتي تُشبه والدتها في كل شيء، ثم ذهبت معه بابتسامة واسعة سعيدة رغم عدم فهمها لكل حديثه تقريبًا!
وعلى الجانب الآخر. جلس آسر على قدم أبيه يحيى يطلب منه بحنق: بابا عايز أدخل الحمام.

ربت يحيى على ظهره ثم أشار إلى والدته التي تجلس مع مجتمع النساء قائلًا: روح لماما وخليها توديك الحمام.
هز آسر رأسه بالنفي وهو يقول بعناد: لأ أنا عايزك أنت اللي توديني.
رد عليه يحيى بتشنج: وأنا مالي هو أنا كنت خلفتك ونسيتك؟
وتلك المرة جاءته الإجابة من صهيب الذي تحدث ساخرًا: مش عايز أصدمك يا يحيى بس أنت فعلًا اللي خلفته.
أكد آسر على حديثه بقوله الطفولي: أيوا يا بابا أنا ابنك، وديني الحمام بقى.

تأفف يحيى بسخط، ثم هب من مكانه حاملًا ابنه من ياقة ثيابه ثم اتجه به نحو المرحاض ليقضي حاجته.
وبعيدًا عنهم قليلًا، وقف يزيد ابن صهيب أمام حوراء التي تُربع ذراعيها أمام صدرها ويظهر على محياها الضيق والغضب، فصدح صوت يزيد الطفولي المُبرر: يا حوراء قولتلك اللي بيني أنا و آلاء شغل مش أكتر، وبعدين هي أصغر مني بسنتين يعني يستحيل أبصلها، دي صغيرة وأنا كبير.

ردت عليه حوراء بغضب: لأ مليش دعوة أنا قولتلك متكلمهاش تاني بس أنت برضه بتكلمها، أنا زعلانة منك يا يزيد.
تنهد يزيد بضيق ثم اعتذر بطفولية بحتة قائلًا: خلاص آسف متزعليش مني، وأنا مش هكلم آلاء تاني.
نظرت إليه حوراء بطرف عينيها وهي تقول بحذر: بجد ولا بتضحك عليا؟
أسرع يزيد يقول بلهفة: لأ بجد طبعًا، أنتِ عارفة إن أنتِ زي سديم أختي ومش بحبك تزعلي مني.

انكمشت ابتسامة حوراء تدريجيًا وبدون أي حديث طالعته باشمئزاز ثم ذهبت وتركته ينظر لأثرها ببلاهة.
هبط قاسم وعلى كتفه فيروزة بعد أن انتهيا من الاستماع إلى الفيلم الكرتوني، بينما أهلة اتجهت نحو مجلس الفتيات، هبطت فيروزة من على ذراع أباها وأخذها يامن ابن رائد ثم خرجا ليمرحا سويًا!
نظر قاسم لأثر يامن باشمئزاز ثم نظر لأبيه مُتحدثًا بحنق: ابنك دا مترباش.
ربت رائد على صدره وهو يقول بفخر: حبيب قلبي تسلم.

هز قاسم رأسه بيأس ثم صافح جميع الرجال وجلس بجانب آلبرت الذي مال عليه وتحدث بعبث: كنت فوق لحد دلوقتي بتعمل إيه ها؟
أجابه قاسم بسخط: بخلص ذنوبي.
حمحم رائد بجدية والءي تحدث موجهًا حديثه ل قاسم: حيث كدا يا قاسم بقى كنت عايز أقولك إن الواد يامن ابني هيتجوز البت فيروزة بنتك لما يكبروا.
التوى ثغر قاسم بتشنج والذي قال بسخط: ابنك أنت يتجوز بنتي أنا؟ دا في أحلامك.

عدل رائد من ياقة ثيابه قبل أن يُجيبه بغرور: على فكرة يامن بيحب فيروزة جدًا، وصدقني مش هتلاقي حد أحسن منه يخاف عليها ويحميها.
وما كاد قاسم أن يُجيبه، حتى دخل عليهم يامن للكن بيد فارغة دون فيروزة التي ذهبت معه منذ قليل، اعتدل قاسم بسرعة ثم سأله بقلق: فين فيروزة يا يامن مش خرجت معاك من شوية؟

أومأ له يامن بابتسامة مُفتخرة وهو يُجيبه ببلاهة تُشبه بلاهة أبيه: الكلب بتاعنا كان جعان فإديتها ليه عشان ياكلها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة