قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل مئة وستة عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل مئة وستة عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل مئة وستة عشر

صعق آيوب حينما انبلجت الصورة من أمامه كاملة، إيثان يراقص سيف الذي خلقت بينهما محبة فجأة، ولجوارهما يتمايل يونس رفقة جمال، أما على الأريكة الخشبية يجلس علي ولجواره يوسف وكلاهما يتابعان ما يحدث بين الشباب بدهشةٍ تشاركها معهما آيوب، وأزداد لمركبهم الطاووس الذي انهى إتصاله للتو مع حسام السكرتير الخاص بمكتبه، وولج للداخل، فعقد حاجبيه بسخرية خبيثة، اختلج عنها بنبرته التي فرقت الجماعات: هو انتوا كده أخركم المهرجنات التافهة اللي زيكم!

ركض سيف يغلق الهاتف المتصل بالسماعات، وهو يردد بتذمرٍ: بنحاول نحتفل بالعريس.
استند على مقدمة المقعد بيديه، واجابه ساخرًا: واضح أن احتفالكم نال كامل إعجابه لدرجة أنه لزق مكانه ومش قادر يتحرك.
انتقل برماديتاه صوب جمال، قيمه بنظرة ساخرة قبل أن تطول حديثه: دراسة في لندن كل السنين دي، وأخرتها بترقص على شوح الكبدة يا عبحليم!

استدار يرتب قميصه الأبيض داخل بنطاله، متهربًا من لسان الطاووس الوقح، بينما يجيبه يونس: مش إحنا يا بشمهندس والله، ده إيثان اللي مصمم نشوح الكبدة معاه!
سحب بصره للمتهم الذي أشارت كافة الأدلة إليه، فزم شفتيه ساخطًا وهدر بصوتٍ منخفض ولكنه كان مسموعًا: هيعملنا فيها خواجة بقى.
ورفع من نبرته بعدك مبالاة: أنا مبعرفش أفرح الا كده، صاحبي دخلته بكره وفرحان بيه أيه الإشكال هنا!

استقام بوقفته يطالعه بثباتٍ، ويده تشير على الأريكة القابع عليها علي: يعني عشان سيادتك تفرح تجيب لأخويا تلوث سمعي!
اتجهت الأعين جمعيها إليه، فابتسم وقال وهو يعدل نظارته الطبية: أنا تمام جدًا، إتفضل يا إيثان كمل إحتفالك.

قاطع يوسف حديثه بانزعاج: يكمل أيه يا علي، ده أفسد أخلاق دكتور سيف، أنا مش مصدق أن ده أخويا اللي تعبت عليه ليل نهار عشان يكمل تعليمه ويبقى دكتور محترم، أخرتها بيحط مش عارف أيه ده في الزبدة يا علي!
لوي إيثان شفتيه بتهكمٍ: متعرضهوش يا دكترة منك ليه.

تحرك آيوب عن محله الصامت، وأتخذ من جاكيت إيثان مأوى ليده المتعصبة، صارخًا فيه من بين أسنانه بغيظٍ: إنت عايز أيه يا إيثان، عايز تعرنا قدام دكتور علي، ودكتور يوسف، الناس دي راقية جدًا ومش شبهنا، أبوس إيدك تلم المصمت اللي فتحته ده!
وأشار ليونس يطالبه بالدعم: تعالى يا يونس لم صاحبك.
إلتقط يونس زجاجة المياه من جمال، وقبل أن يتجرعه قال: معرفهوش!

اعتلاه الغضب من تخليه عن مسؤوليته، فاستدار تجاه منقذه الوحيد، الذي يطالعه ببسمة ماكرة، وكأنه كان يتوقع طلبه للدعم، وأتاه حينما مال يشير بيديه، يفسح له الساحة: طلعتك يا طاووس، إتفضل.
بقى عُمران محله ونظرته الخبيثة تقيم إيثان من الأسفل للأعلى، فارتبك قبالته، وأحاط صدره بيديه في حركة درامية أحاطت حديثه المرح: هتعمل أيه بعد البصة دي!

سقط جمال ضاحكًا، حتى يوسف كاد بالسقوط عن الأريكة من الضحك، بينما يكسر خشونة صوت عُمران الضحك: معلم يونس.
أسرع يونس إليه ضاحكًا، وبتسلية قال بنبرة شعبية تواكب نبرة عُمران الشعبية: أومرني يا خواجة.
قال ومازال يتطلع تجاه إيثان المترقب لما سيفعله به: مفيش مكان هنا بيبيع كبدة درجة أولى.
علم ما يدبره عُمران لرفيقه، وصاح بحماس: أعرف طبعًا.
عاد يحدد له ما يريد: نية، عايزاها نية يا معلم!

صدر عنه ضحكة مسموعه وقد تبين له الصورة كاملة: عنيا حاضر، هنزل حالًا اجبلك أحلى كبدة، كده كده الشيخ مهران هيضحي كمان ربع ساعة عشان الفرح، ألحق الكبدة وهي طازة بقى.
قالها وأنطلق، بينما ازدرد إيثان ريقه بارتباكٍ، وصاح: عايز أيه من الكبدة النية يا خواجة، لا لو فاكر أني لقمة سهلة تبقي متعرفنيش.

ضحك آيوب وقال بشماتة: هو تقريبًا حس إنك بتتوحم على الكبدة فقال يجبهالك، بس السؤال هنا هتأكلها نية ولا هتسويها يا إيثو.
أحاط عُمران كتف آيوب وقال بغمزة: لا طبعًا هيسويها وإحنا عشان بنحبه هنأكل معاه كلنا.
واضاف وهو يتطلع لايثان الذي أختمر وجهه من شدة الغضب: ها يا إيثو هتأخد وقت أد أيه لحد ما تشوح الكبدة وتحط الزبدة؟!
استدار للخلف، يستعين بأخيه قائلًا: عجبك كده يا دكتور علي، أخوك بيتمسخر بيا!

ترددت ضحكات على ولجواره يوسف، فتخطى عُمران آيوب ووقف قبالة إيثان يردد ببسمة ساخرة: بتشكيني لولي أمري! قولتلك قبل كده أنا متربتش فريح نفسك وإدخل حط الطاسة على البوتجاز.
رفع اصبعيه للاعلى وقال بغيظٍ: حسبي الله ونعم الوكيل، ربنا على المفتري الظالم.
قالها وانطلق على المطبخ، بينما يهدر جمال ضاحكًا: الواد ده عنده وحدة وطنية عالية أوي!

نطق سيف أخيرًا من بينهم وهو ينهض من جوار أخيه: حرام عليكم كبدة أيه اللي هيقف يعملها دلوقتي، أنا هروح أساعده وخليكم قاعدين كده.
جحظت عيني آيوب صدمة، ومن جواره يوسف، الذي نطق بصعوبة: الواطي ده عمره ما غسل طبق ولا عمل لنفسه كوباية شاي حتى! هو في أيه؟
رد عليه على وهو يربت على كتفه المشدود: الظاهر أنه وأخيرًا قرر يعتمد على نفسه يا دكتور يوسف!
أجابه باستهزاء: ولما قرر القرار المصيري ده جاي يقرره هنا!

إزدادت ضحكات على بشكلٍ جعل عُمران يتابعه بسعادة، بينما يقاطعهم آيوب متسائلًا بدهشةٍ: آدهم فين؟!
بزقاق شوارع حارة الشيخ مهران، كان يستند على مقدمة سيارته، يعبث بهاتفه وملامحه مطعمة بالانزعاج والضيق لما إنجبر قسرًا لفعله، وها قد تمت مهمته على أكمل وجه، حينما توقفت قبالته آحدى السيارات السوداء، وهبط منها ذلك الشاب يهرول إليه، وبكل حماس يؤدي تحيته العسكرية قبالة رئيسه.

إلتفت آدهم من حوله، وهو يهدر بصرامة: نزل إيدك بسرعة مش ناقصة فضايح الله يكرمك.
إنصاع له الشاب وقد أخفض يده، قائلًا بنبرته الرسمية التي أعتاد عليها تحت قيادته: جبت المطلوب وكله تمام يا باشا.
تشربت بشرته حرجًا لما وضع به، فتنحنح بخشونة قائلًا: تمام يا محمود، بعتذر لو أزعجتك في الوقت ده.
رد في حبورٍ ومازال يقف بآلية تامة قبالته: أنا تحت أمرك في أي وقت يا عمر باشا، تحب حضرتك أدخل الحاجة اللي معايا جوه.

أسرع بإيجابته: لا أنا هخدها منك، وإرجع إنت.
وأبرز تحذيراته بقليل من الصرامة المفقودة: وأتمنى الموضوع ده يفضل بينا، مرحش الصبح ألقى الجهاز كله عارف بطلبي الغريب ده.
منع الشاب ضحكته بالظهور، وقال بنفس الثبات وكأنه يقدم تحيته العسكرية على الملأ: اطمن يا باشا، وألف مبروك لأخو حضرتك ربنا يتمم عليه بخير.
منحه ابتسامة جذابة، وقال بلباقةٍ: تسلم يا محمود، عقبالك.

فتح آدهم باب سيارته وحمل الأكياس البلاستيكة التي يحملها الشاب، ثم غادر عائدًا لوجهته مرة أخرى، وهاتفه على أذنه يهتف بنزقٍ: طلبات جنابك كلها اكتملت!
صفقت بيديها بعدما ألقت الهاتف بحماسٍ، وبتفاخرٍ قالت للفتيات: آدهم لاقى نوع الحنة اللي عايزنها، عشان تصدقوني لما قولتلكم إنه الوحيد اللي هيجبلنا كل اللي عايزنه.

أثنت زينب عليها قائلة: جدعة يا بت، أنا كنت هزعل أوي لو اتجبرنا نعمل بالحنة المنيلة اللي جابها فارس دي.
ضحكت خديجة ومالت تطبع قبلة على خد ابنها، قائلة: الراجل حاول يخدم يبقى ده جزاته!
مالت مايا تتلقفه من يدي والدته، وضمته تقبله في حنانٍ ولين: سيبك منها يا فارس، أنت شهم وراجل كفايا أنك عرضت مساعدتك.

أضافت فاطمة وهي تمرر يدها على خصلات شعره الطويل: القمر ده تعبان معانا لف من ساعتها، ربنا يباركلك فيه يا خديجة.
قاطعتهن شمس التي جذبت حجابها تعقده جيدًا: انا هنزل أجيب من آدهم الحاجة وجاية.
أسرعت من خلفها سدن تهتف بحماس: أنا يروح معاك شمس، عاوز شوف حنى.
ضحكت الفتيات على حديثها، ورددت صبا بمرح: والله سدن دي زي السكر.
أخبرت ليلى شمس: خديها معاكي يا شمس بس الاحسن متطلعوش من البيت، اقفي تحت وخديهم منه.

هزت شمس رأسها بخفة، ثم سحبت كف سدن وهبطوا معًا للاسفل.
راقب آدهم مدخل منزل الشيخ مهران بتأففٍ، فاستند بجسده على مقدمة سيارته مجددًا، حتى أتاه صوتًا ينادي: عمر!

أغلق عينيه بانزعاجٍ وضيق من الموقف الذي وضع فيه برمته، وباتزانٍ مفاجئ إستعاد هيبته المفقودة، ورفع رأسه تجاه محل صدور الصوت، حيث وجد أبيه يجلس بالشرفة قبالة الشيخ مهران، ويحمل بيده كوبًا من الشاي، واليد الاخرى التسالي، فكسر حالة الصمت والترقب بسؤاله المتوقع من مصطفى: أنت سايب أخوك وبتعمل أيه هنا؟
بدى كأنه تائهًا، يحاول الوصول لبرٍ آمن، فقال: جيت أطمن على حضرتك لو محتاج حاجة.

ابتسم الشيخ مهران وقد لمح شمس تشير لآدهم أمام باب المنزل، وقد لاحظ أبيه ذلك، فقال ساخطًا: تطمن عليا أنا بردو!
واشار للشيخ مهران مستطردًا: إبقى إديله خطبة عن الكذب، وأكد عليه إن نهايته النار.
اتسعت ابتسامة الشيخ حتى برزت أسنانه البيضاء، وقال: حضرة الظابط مكدبش يا مصطفى، جاي يطمن عليك وعلى أهل بيته.

وأضاف ومازالت ابتسامته البشوشة تزين وجهه: متقلقش يابني البيت أمان هو وسكانه، إديك اطمنت على والدك إطمن على الجماعة وإرجع لصحابك.

أشار له آدهم بامتنانٍ، وخاصة بعد أن قطع المعركة التي كانت بدايتها لأبيه، فأسرع بما يحمله تجاه محل وقوف شمس، وعينيه تجتاحها عاصفة رعدية، انصهرت فور أن رأى السعادة تلمع بمُقلتيها، حماسها جعله يبتسم ببساطةٍ وكأنها استمدت عنه كل الضيق والسخط، فتمنى لو تبقى يتأملها لاخر لحظة بحياته!
لطالما كان يتمنى من الله أن يودع دنياه شهيدًا، وهو يدافع عن وطنه، ويحمل أمنية آخرى أن تكون هي أخر من يراه.

أفاق آدهم على صوتها الرقيق: كنت عارفة إنك هتعرف تتصرف، ما أنا جوزي مش أي حد بردو.
وإلتفتت تجاه سدن، تريها ما وضع بالأكياس: بصي يا سدن، الأشكال اللي جابها تحفة ورقيقة مووت.
حملت منها النقوش التي شكلت على شكل عقد من الزهور، ونقوش متعددة منها، فرددت بانبهار: ده حلو أوي أوي، شكرًا كتير آدهم.
إنتبه لوجود زوجة أخيه، فاستعاد صوته الغائب عنه: العفو، لو احتاجتوا حاجة تانية إبعتولي مسدج.

ناولت شمس الاغراض بأكملها إليها، وقالت بنبرة حويطة: خدي الحاجة وإطلعي وريها لزينب وأنا شوية وهحصلك.
حملت الاكياس وهي تبتسم ساخرة منها: إنت بتوزع سدن عشان تتكلمي كلام سر مع آدهم، قولي عاوز أتكلم معاها وأنا هطلع.
ردد باستنكارٍ: معاها!
تحلى ببسمة زائفة وهو يخبرها: أنا بقول تعملي بنصيحة عُمران وتتكلمي معانا بالانجليزي أهون من ضياع نص الهيبة دي.
تساءلت شمس بصوتٍ منخفض: والنص التاني ضاع في أيه!

أجابها والغيظ يتنافر مع هدوئه المخادع: مع وصول أوردر الحنة بتاع جنابك!
غردت ضحكتها بصوتٍ أخلج قلبه بينما تشاكسه: الشرطة في خدمة الشعب يا حضرة الظابط، ما بالك بقى بزوجة مقدم له قدره ووزنه في الجهاز!
مال بكتفيه العريض على الحائط، فأصبح على مقربةٍ من طولها، هامسًا بصوتٍ مغري: من غير المقدمات الطويلة دي، أنا في خدمتك دايمًا شمس هانم.

تلاشت أمامه كأنها قد غادرت للتو ولم يتبقى سوى عبيرها، تتأمله بابتسامة ناعمة، وأصابعها تعبث بأطراف حجابها الطويل، تختطف نظرة عابرة سريعة من عينيه، وتعود لمستقرها أرضًا جوار بقعة حذائه الثمين بالتحديد، فاذا به يرفع ذقنها عاليًا، يمازحها بصوته الذكوري: هنتكسف لحد أمته! كلها كام شهر والباشا الصغير يشرفنا، فطمنيني هتأخدي عليا في الطفل الكام عشان أعمل حسابي بس!

تنافر عنها ملامح الخجل، وصرخت مستنكرة جملته: ليه هو حضرتك ناوي نجيب كام طفل؟
رفع عينيه لسقف المدخل بتفكيرٍ: أممم، خمسة ستة مثلًا!

أبعدت كفه عن ذقنها بنفورٍ، وكأنها لم تكن تلك ذابت فيه غرامًا منذ دقائق، على الأغلب تحمل إنفصام بالشخصية، وقبل أن تفكر في قولًا يُقال، أتاه هلاك موته مع رنين هاتفه، فرفع الهاتف مرددًا بضحكة مكبوتة لتوقيت إتصاله وكأنه ينصت لهما بجهاز لاسكي: البشمهندس عُمران سالم الغرباوي بيتصل بيا بذات نفسه!
ده يعرفك أنك مبقتش شخص عادي، غلاوتك زادت شوية يا حضرة الظابط.

وردد ساخرًا قبل أن يتحدث آدهم: أخوك بيعيط عايزك وملهوف عليك!، بصعوبة سكته وقولتله هكلم أخوك يجيلك حالًا يا حبيبي، وأهو بالمرة أنبهك إن الوقفة الكتير غلط على شمس، ولا فراقها عنك ببيت الشيخ مهران صحى مشاعر المراهقة المكبوتة عندك!

إلتفت آدهم للخلف، وخرج للطريق المتوازي، فرأى عُمران يقف بشرفة شقته، ينتزع هاتفه عن أذنيه ويغمز له بخبثٍ جعل الاخير يبتسم، ويعود ليودع زوجته قائلًا: إطلعي للبنات قبل ما عُمران ينزل، فقدت الأمل أنه يتغير!
حملت طرف الاسدال بدلال، وبعنجهية قالت: مضايقك إني أبقى مسنودة من برنس عيلة الغرباوي، مش هقدر أطمنك، هفضل طول عمري على رأس قائمة اهتماماته، فحاول تتأقلم يا كابتن.

قالتها وإختفت من أمامه للطابق العلوي، فتحررت عنه ضحكة مسموعه، وإتجه لسيارته يقود للامام قليلًا، حتى صفها أمام مبنى إيثان.

انهمرت دموعه بغزارةٍ حتى أغرقت وجهه، ومن جواره يجلس يونس على رخامة المطبخ، يقدم له منديلًا ورقيًا بابتسامةٍ متشفية، يلتقطه إيثان منه بغيظٍ، يزيح دموعه ويلقي المنديل أرضًا جوار باقة المناديل المتناثرة أرضًا، حتى أنتهى من تقطيع كميات البصل بأكملها، وسكبها بالمقلاة، وما ان نضج حتى وضع قطع الكبدة.
مال عُمران على باب المطبخ يراقبه ببسمةٍ خبيثة: ها يا إيثو أخبار الكبدة أيه؟

لكم المعلقة بالمقلاة بحدة، وعينيه تلتهمه بعدائيةٍ شديدة، يود لو ألقى الوعاء الساخن بما يحمله بوجهه، ولكنه تماسك ليحقق غايته الخبيثة التي يريدها بحفل زفاف آيوب، فلزم الصمت حتى أنهى ما يفعله.
وضع سيف السلطات التي أنهاها بمعاونة جمال على السفرة البسيطة، ووزع آيوب الخبز ثم اتجه لعمران يسأله: آدهم قالك أيه؟

تأمله قليلًا، ثم ضحك: في أيه يا آيوب، أنت ليه محسسني إنك بيبي صغير منتظر رجوع مامته! ما تسترجل شوية يا عريس!
احتقنت ملامح آيوب غيظًا، فغمز عُمران بسخرية: متعيطش يا حبيبي، ماما طالعه على السلم وحالًا هترن الجرس.
وما أن إنتهى من قوله حتى دق جرس الباب، فهرول آيوب مفتقدًا وجود آدهم جواره، فصاح بتذمر: كنت فين لحد دلوقتي يا آدهم؟!

ابتسم آدهم باستغرابٍ، حينما تأكد من صدق حديث عُمران فور رؤيته للهفة أخيه بحضوره، فأغلق الباب وإتجه برفقته للداخل: كنت بجيب حاجة لشمس.
وإتجه للردهة حيث محل جلوس علي و يوسف، جاور جلستهما حتى إنتهى الشباب من رص طاولة الطعام الصغيرة، فاجتمعوا من حولها يتناولون الطعام بجو من المرح والمزح، وخاصة حينما طرق فارس باب الشقة، وولج يحمل طبق من الطعام، قدمه لايوب قائلًا: الشيخ مهران بعتلك كفتة الرز المسروقة!

وقفت سدن أمام المرآة تتأمل إنعكاس نقش الحنة المغربي أعلى كتفها، حيث وشمت بالحنة إسم آيوب كاملًا باللغة الانجليزية، انبهرت بالرسم المتقن، وأبدت إعجابها: حلوة أوي أوي زينب، إسم آيوب طالعه حلوة أوي أوي، هو أنا ينفع أروح أوريهالها؟
تبادلت الفتيات النظرات بصدمة مما قالت، وفجأة انطلقت الضحكات تجلجل بينهن، وكانت كرستين أول من قالت: مينفعش طبعًا يا سدن، آيوب لو شافك كده هيقع من طوله، ده شاب خجول!

مالت الفتيات على بعضهن من كثرة الضحك، وقد تحرر عن مايا: مستعجلة على أيه يا سدن، كل شيئًا هينكشف ويبان لوحده!
لكزتها فاطمة بصدمة: بس يا مايا بتقولي أيه؟ عيب كده!
رفعت كتفيها ببراءة: أنا قولت غير الحقيقة! هنغش الولية يعني!
اقتحمت شمس حديثهما قائلة: على فكرة سدن من الغرب، وبنات الغرب مفتحين جدًا، إحنا اللي كوتي أوي.

تصاعدت ضحكة صبا بقوةٍ، وهتفت ببشرة قد صبغها الحياء: مهو باين من قرارها المفاجئ إنها توريه! أنا بقول بجملة السهرة الجميلة دي نعلمها تتعامل إزاي!
تركت زينب ما تحمله ونزعت القفازات قائلة بنزق: ما تسيبوا البت تتعامل بحريتها، دول صبروا صبر آيوب، خطوبة وجواز وجواز تاني والفرح كل شوية يتأجل، هتبقوا أنتوا والزمن عليهم!

ربتت خديجة على ساقها، ومنحتها كوب العصير قائلة: هدي أعصابك يا زوزو، وخدي اشربي العصير ده.
منحتها قبلة بالهواء وقالت: حبيبي اللي فاهمني إنت، انزلي عليا بطبق الحلويات اللي محدش بصله من ساعة ما دخل علينا ده.
قربت الصينية منها بترحابٍ، ينما تتخذ ليلى خطوة حازمة لتسطو عليهن بصرامة: ما خلاص يا جماعه هي البنت قالت أيه لكل ده، هتقيموا عليها الحد!

راقبت سدن حديثهن بتشتتٍ، إتبع نبرتها: أنا مش فاهم حاجة منكم، هو أنا عمل حاجة غلط يعني.
نهضت فاطمة تحمل طرف جلباب الحاجة رقية التي أصرت أن تبدل الفتيات الفساتين بالجلابيب المنزلية المريحة، وإتجهت إليها تطمئن قلبها بابتسامتها النقية: لا يا حبيبتي معملتيش حاجة غلط ولا حاجة، هما بس بيقولولك إنك توريه للعريس بكره عشان دي زي المفاجأة كده مينفعش توريه من دلوقتي، فهمتيني؟

اتسعت ابتسامتها وانزوت بين أحضان فاطمة، قائلة: فهمت، أنت بتتكلم بهدوء وبتخلي سدن يفهم أنا بحبك كتير كتير فاطم!
شددت من ضمتها والابتسامة تتسلل للوجوه بأكملها بفرحة نشوب علاقة قوية بين الفتيات بأكملهن بدايتها من حفل زفاف سدن البسيط!
تفرق الشباب على الأرائك الخشبية، وكلا منهم يحمل كوب الشاي بالنعناع الذي أعده إيثان للجميع، والصمت يتراقص بينهم، حتى مزقه آيوب: وحدوه.
أجابوه معًا: لا إله الا الله.

عاد آيوب يردد في حسرةٍ: هو إنتوا جايين عزايا ولا أيه، هو ده اللي هتحتفلوا بيا وتعملولي حفل توديع العزوبية.
صفق إيثان كوبه على الطاولة بغضب: وأنا كنت بعمل أيه يعني، إنت اتقمصت والخواجة البلطجي بتاعك عقابني!
أجابه آيوب بسخط: وهي دي أغاني تتسمع يا كابتن! دي عايزة تتذاع في مصمت مش هنا!
شارك جمال بمقترحه: طيب ما عُمران يغني لينا بدل التلبك المعوي ده، ولا إنت رأيك أيه يا دكتور علي؟

منع عُمران على من الحديث حينما شدد على كفه، وقال غاضبًا: هو كل اللي عايز مني حاجه بيطلبها من على ليه، مش مالي عين أمكم أنا!
ومال لأخيه يشكو له: دول بيعاملوني كأني طفل صغير وليا ولي أمر يا علي!
منع ضحكاته من الانبلاج بصعوبة، ورفع يده يحاوط كتفه: هو أنت بتكبر لحد يا وقح! هما بس بيحاولوا يعملولك كنترول بوجودي، يلا قوم غني حاجة لآيوب يودع بيها العزوبية زي مهو عايز.

رد ببرود مضحك: خليه يشوف غيري أنا توبت.
وأضاف وهو يتطلع تجاه آيوب الحزين: عايزني أغنيلك وأطلع الفجر أم بالناس يابن الشيخ مهران!
ربع يديه أمام صدره بضيق مضحك، فردد يوسف ضاحكًا: فتح الله عليك يا عم الشيخ، الله يرحم أيام الجامعة، الجيتار بتاعك لسه في شقة لندن يشهدلك بالتقوى!
انزعج آدهم لحزن أخيه، فمال لعُمران يخبره بلطف: مفيش معازف ولا نغمات هنا، غنيله أي حاجة هادية.

تفحص عُمران ملامح آيوب، وقال بانزعاجٍ: مبقتش حافظ حاجة والله، بس لو مصرين فاغنية واحدة بس اللي معلقة معايا، كلت معاكم كان به ومكلتش أقعد وشغلوا انتوا تشويح الكبدة بتاعت الكابتن.
صاح آيوب وسيف بحماس: موافقين.

نهض إيثان ويونس يبعدون الطاولة الصغيرة، ويفرغون الساحة لعمران الذي بدأ يدندن لهم إحدى الأغاني، جذب يونس آيوب وبدأ كلاهما يتشاركان الرقص الشرقي برفقة إيثان، وبدأ يوسف قرع الطاولة بيديه، أما جمال فقد أقدم على مغامرة خطيرة حينما جذب عُمران وبدأ يتمايل قبالته، فاستجاب له وتمايل برفقته بحركات رجولية أبهرت إيثان، فترك آيوب ويونس، وأتجه يوازيه.

اكتفى على بالمتابعة وهو يراقب رقص أخيه بذهول، بينما اختطف آدهم هاتفه وأخذ يسجل مقاطع للفيديو بسعادة، وأولى اهتماماته إلتقاط حركات أخيه وعُمران، الذي قلب الاغنية الراقية لما جعل الجميع يتهاوى من الضحك حينما قال
«يا ليل يا عين، يا ليل يا ليل، يا يا عين
كان ليا في يوم حبيب يا خسارة باعني
بالغالي إشتريت وبالرخيص باعني
وأنا لا ندمان عليه
ولا هبكي في يوم عليه
وأنا
أجابه إيثان وسيف وآيوب ضاحكين: أيه؟

عاد يخبرهما وهو يرفع أصبعه مشيرًا لذاته بعنجهيةٍ: أنا
قال فارس تلك المرة وابتسامته الجميلة تزين وجهه: أيه.
حمله عُمران والتقف ذراعه وراح يتمايل به مستكملًا: أنا لا مسطول ولا بطوح
أنا جاي أجامل ومروح
وأشوف اللي باعني وسابني وخاني
خلى قلبي بيتمطوح!
تعالت ضحكات آدهم حتى كاد هاتفه الباهظ بالسقوط، بينما مال على وهو يخفي وجهه من شدة الضحك، والآخر يتابع: آه ياما آه وآه يابا
دي عيلة واطية ونصابة!

أخرج إيثان مدته (مطوة)، وأخذ يتراقص بها بمهارته الشعبية، وهو يصيح بحماس: آه يمة آه وآه يابا
دي عيلة واطية ونصابة.
إلتقفها عُمران منه، وحركها ببراعة أدهشت إيثان وعلى الذي انصدم من أخيه، بينما يصيح: والليلة جينا نهنيكوا
هتف الشباب بأكملهم ضاحكين: هاتوا الفلوس اللي عليكوا!
ضحك عمران وغنى بصوت مرتعش من الضحك: عادوا يرددوا مرة أخرى بضحك: هاتوا الفلوس اللي عليكوا
هاتوا الفلوس اللي عليكوا!

سقط عمران جوار على يضحك بقوة جعلت وجهه يحمر، والجميع يسيطر الضحك عليهم، ردد على بسخرية: الاغنية دي معلقة معاك ومكبوتة طول السنين اللي فاتت دي، مجتش تطلعها الا لآيوب الغلبان!
رفع كتفيه ببراءة زادت من ضحك الشباب: ابن محظوظة هعمله أيه يعني!
رد عليه آيوب بمرحٍ: طبعًا محظوظ ده الطاووس الوقح غنالي أغنيتين!

ضحك سيف وحذره: لا وكان السبب في إننا نكتشف مواهب ابن الشيخ مهران بالرقص، وللعلم يا آيوب أخوك صورك من أول هزة لأخرها، شكله ناوي يبلغ عنك الشيخ مهران!
تلاشت ضحكة آيوب، وهرع تجاه آدهم الذي يتابعه من اعلى قامته الطويلة مقارنة له: آدهم إنت ناوي تغدر بيا!
تحررت ضحكته الجذابة، ونطق: هعملها إزاي وإنت ساحبني حيطة سد في وش أي مشكلة تتحط فيها! تفتكر هحطك وهحط نفسي في وضع زي ده؟
أجابه ببسمة ثقة: لا.

إتجه إيثان ليجاور عُمران بمحل جلوسه، وبنفس دهشته التي إحتلته فور رؤية حركاته الراقصة بالمدة، قال: إنت بتعرف ترقص بالمطوة إزاي! خواجة أنت بلطجي مش مهندس!
اعتدل يعدل من قميصه الغير مرتب، وببراءة لا تمت له بصلة قال: عيب تقول عني كده يا إيثان، طيب حتى أعمل احترام لاخويا الكبير!
رفع على آحدى حاجبيه بنزقٍ لحق نبرته الشبيهة بالقنبلة بالنسبة للشباب المندهشين: على بابا يلا!

تهاوى الشباب ضحكًا، وعلى رأسهم آدهم الذي هدر بخبث: أنا أكتر واحد فاهم مضمون كلام البابا علي!
عدل على من نظارته الطبية: ميبقاش قلبك أسود يا حضرة الظابط.
سحب آيوب المساند الخاصة بالآرائك، ووضعها أرضًا، فجلس من فوقها جمال ويونس وإيثان، واستقر على وعمران فوق الاريكة، أما آدهم فجلس على المقعد المقابل لهم.

قضوا الليل بأكمله بالحديث المرح، كانت جلستهم تلتهم الوقت كاشتعال عود ثقاب، حتى اقترب موعد آذان الفجر، فقال عُمران إلى على وهو يراقب ساعته: الوقت أتاخر جدًا، ده مش فاضل على الفجر غير ساعتين، هنصلي الفجر بالمسجد وهنرجع القصر.
تذمر آيوب وقد أبدى ذلك بحديثه: أنت وعدتني تكون معايا طول اليوم إنت والشباب.
أجابه آدهم بعقلانية: لازم نرجع البيت يا آيوب عشان نغير هدومنا، أنت عايزنا نحضر الفرح كده.

أتت فرصة إيثان على طبق من ذهب، فنهض يصيح: الحل عندي يا باشا، أنتوا مش عايزين تزعلوا العريس، يبقى تباتوا وتقضوا اليوم كله معاه، وبليل نطلع على البوتيك بربطة المعلم واختاروا اللي يناسبكم، ومن غير ولا مليم، خير الخواجة سابق ومغطي لسنين جاية قدام.
وأضاف قبل أن يعترض أحد منهم: لو مقلقين من الاختيار ف الفاشونيستا معانا، البشمهندس عُمران ذوقه عالمي، هيكجولنا كجولة بنت ناس.

تمتم عمران من بين اصطكاك أسنانه: فاشونيستا! مبدئيًا الكائن ده يخرس خالص، كلامه بيخرجني عن شعوري وأنا إنسان آرستقراطي محترم، أخويا الدكتور على الغرباوي مربيني تربية محصلتش في تاريخ لندن ستين سنة جايين.
شهد على حديثه علي: طبعًا أمال أيه.
وهمس بخفوتٍ: أنا دافن كل بلاويك يا حبيب قلب أخوك.
تنهد آيوب بنفاذ صبر: ها يا عُمران هتباتوا؟

منحه ابتسامة هادئة، لم يرغب بها كسر خاطره وفرحته: معاك لحد ما نزفك لعروستك يابن الشيخ مهران!
إنقسم الشباب على الثلاث غرف، حيث إحتل إيثان و يونس غرفة، و آيوب و سيف غرفة، وجمال ويوسف غرفة، أما على وعمران جلسا بالخارج على الأريكة، بعد خروج آدهم المفاجئ لظروف عمله العاجل.
وضع علي الوسادتين على الاريكتين، حيث كان يجلس عمران قبالته يتحدث بالهاتف، ويردد بحبٍ شديد: أيه اللي مسهرك لحد دلوقتي يا حبيبتي؟

تعجب على مما يستمع إليه، لم يصدف لعُمران التحدث مع زوجته أمامه قط، فأتاه ظنونه حينما ابعد الهاتف وفتح كاميرا المكالمة، مبتسمًا: وريني فيروزة هانم الشقية دي، من أولها رافضة تنام ومسهرة فريدة هانم، لأ انا هشد عليها بنفسي، وريهاني بس من فضلك.
ضحكت فريدة برقة، وعكست الهاتف لوجه صغيرتها، قائلة: أخوكي هيبهدلك عشان مسهرة مامي.

ترقبت سماع ما سيقول من حزمٍ مضحك، ولكنها وجدته يتمعن بها هامسًا بحنان: يا روحي على الجمال، معقول الملاك الصغنن ده يعمل مشاكل، أكيد فريدة هانم بتتبلى عليك يا صغنن.
رددت فريدة بضيق مضحك: ولد بكاش، بعتني بسرعة كده!
ضحك وقال: غصب عني صدقيني، أنا شكلي كده هخالف بوعدي مع آيوب وهاجي.
وإتجه إلى علي، يجلس جواره ويشير لهاتفه بسعادة: بص يا علي، أول مرة أشوفها وهي مفتحة عيونها بالوضوح ده.

تناول على الهاتف من أخيه، وأخذ يراقب الصغيرة ببسمة جذابة، ثم قال: ملاك فعلًا تبارك الله.
نادته فريدة بلهفة: على أنت مرجعتش ليه؟!
رد عليها بهدوء: آيوب مصمم أننا كلنا نفضل معاه، هرجع على بليل إن شاء الله.
وأضاف وهو يتمعن بوجه والدته: وش حضرتك مجهد أوي، لو حاسة بتعب أجي أنقل حضرتك للمركز أو أجيب دكتور يوسف يبص عليكي.

اتسعت ابتسامته سعادة وفرحة به: لا يا حبيبي ده بس من قلة نومي، بعد كده هسيبها معاكم وأعوض الاجهاد ده.
مال عُمران برأسه تجاه كاميرا الهاتف يخبرها: أنا جاهز لده بس بعد رجوعي من السفر، زي ما قولتلك يا فيري هسافر أحضر فرح موسى وأرجع.
تنهدت فريدة والخوف يتعمق على تعابيرها: ما تبعتلهم برقية مع بوكيه ورد شيك وخلاص، مش لازم تسافر يا عُمران.

تطلع لعلي بنظرة علم مكنونها جيدًا، وبالرغم من أنه يوافق حديث والدته لخوفه الشديد على أخيه من أي سفر مفاجئ يعيد ذكرياتهم السيئة، الا أنه قال برزانة عقله: مينفعش، دول ناس بسيطة ملهمش في جو مجاملات رجال الاعمال دول يا فريدة هانم، وكمان الناس دي كانت السبب بعد ربنا في رجوع عُمران لينا من تاني، فده أقل واجب يقدر يعمله معاهم، وخصوصًا المشروع اللي هنعمله انا وعمران هناك، فلازم يسافر بنفسه.

هزت فريدة رأسها بخفة، ولكن الخوف مازال يتعمق على ملامحها، وعادت تسلط الهاتف للصغيرة، حتى انتهت المكالمة.

نهض على يعود للاريكة المخصصة به، انتزع جاكيته الذي حمله له فارس وللشباب بأكملهم، ثم جلس يطويه ويضعه على الطاولة الصغيرة من جواره، تفحص محل أخيه باستغراب حينما لم يجده على الاريكة المقابلة له، واذا به يشعر بثقل على ساقيه، فابتسم بقلة حيلة حينما وجده تمدد على أريكته واضعًا رأسه على ساقي أخيه، ضحك على وردد: مبتفوتش فرصة إنت!

سحب كفه يضعه على شعره الذي بدأ بالنمو بشكلٍ كثيف: تقدر تروح مكاني بس لما أروح في النوم!
اتسعت ضحكاته، وأخذ يمرر يده على خصلات شعره، حتى غفى تمامًا، فعاد القلق يتفرس ملامح على من جديد، لا يرغب بسفره مجددًا، وحتى وإن أراد السفر برفقته لن يستطيع، كيف له بترك والدته وزوجته وشئون المركز بالوقت الحالي!

مال للخلف مستندًا برأسه للخلف، متنهدًا بحزنٍ شديد، وهو يعود للدعاء مجددًا أن يحفظ الله أخيه من كل مكروه، هامسًا: اللهم أخي لا تُصعب عليه أمراً، ولا تحنِ له ظهراً، ولا تُريني فيه ضرر، اللهم احفظ أخي أينما حلّت خُطاه.
تحلى بالصمت والسكون، وبالرغم من تثاقل عُمران بالنوم الا أنه لم ينسحب لمحله، طالته الأفكار وهو يرتب أموره عساه يتمكن بالسفر رفقته، وإذا بباب غرفة يوسف وجمال ينفتح ويخرج كلاهما إليهما.

وقف جمال يبرق للمشهد الذي يراه بدهشةٍ، ومن جواره يوسف الذي هتف مستنكرًا وهو يشير على عُمران الذي يغفو بسلامٍ: هو ده البلطجي اللي مربيلنا الرعب!
ضحك جمال وبسخرية قال: نايم بسكينة زي الاطفال!
سحب يوسف هاتفه وناوله لجمال ثم ركض ينحني جوار محل عُمران متخذًا وضعية السلفي: صور صور خلي الهيبة تضيع على الأرض.
وجد قبضة تعتصر رقبته وصوتًا خشن يهتف بوعيد: هيبة مين اللي تضيع يا حيلة أمك!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة