رواية عشقها أحياني الجزء الثاني للكاتبة إسراء علي الفصل الرابع والعشرون
ما دمتِ لي،
فحدود الشمس مملكتي، والبر، والبحر، والشطآن، والجزر.
في تلك الشرفة التي تطل على البحر حيث الهواء الطلق و رائحة اليود المُنعشة جلست هي تتأمل المشهد في سكون قد طال. لتجده يدلف عليها ثم وضع يده على مكنبيها وتسائل
-الجو عاجبك؟
أماءت بمعنى نعم. ليُكمل هو حديثه
-طب مفيش أي تحسن!
رفعت أصابعها وضمتهم في إشارة منها أنها تحسنت قليلًا. جلس بجانبها وإبتسم ثم قال بحماس.
-طب حلو أوي. يعني يومين ونرجع عشان نكمل العلاج زي ما الدكتور قال
زمت شفتيها بضيق. ثم جذبت ذاك القلم والدفتر اللذان تستعين بهما في التواصل معه مؤقتًا وخطت ببضع كلمات ثم أعطتها له فقرأ ما قالت بصوتٍ عال
-بس أنا عاوزة أقعد كمان كام يوم
ترك الدفتر ثم إقترب منها وتناول كفيها بين كفيه وقال بحنان يُخالف شخصية مراد النويهي.
-يا دودو إحنا هنا بقالنا شهرين وبنروح ونيجي عشان المتابعة. يعني هنروح يومين وهنرجع أنتي مش عاوزة تخفي ولا إيه!
أماءت برأسها بنعم. ليبتسم هو مرة أخرى برضا وأكمل حديثه بجدية
-يبقى تسمعي الكلام. هنرجع يومين ونيجي. مش هسيبك إلا لما تخفي
لمعت عينيها بدموع. لتأخذ الدفتر وتخط بكلمات أخرى كانت فحواها.
-أسفة يا مراد. أسفة ع كل حاجة. يمكن أنت خسرت ثقتك فيا و يمكن أنا خسرت حبك لس أوعدك إني هتغير. الوقت دا عرفني قيمة اللي أنا فيه...
نظر إلى تلك الكلمات. ولا يستطيع إنكار ملبس السعادة الذي تلبسه منها. ولكن ما يصعب تصديقه هو أنها ستتغير. فأجابها بعد صمت دام بجدية.
-مقدرش أكدبك ف حاجة من دي يا دينا. أنا خسرت صاحب عمري بسببك. بس برضو متخلتش عنك ومفيش قوة دلوقتي تخليني أبعد. إنسي اللي فات وحاولي تثبتيلي العكس. رجعيلي ثقتي دي تاني
-كتبت في الدفتر: أوعدك.
ثم قذفته على الطاولة وجذبته هو في عناق مُبتسمة الثغر. تشعر بسعادة أن زوجها لا يزال يتمسك بها وأن بارقة الأمل لم تنطفئ. تعلمت مما أصابها أن الله يمنح الإنسان من الفرص ما لا يُمكن حصره. وهي أُنثى ذكية ستقتنص تلك الفرص و تحولها إلى صالحها. وهو يتمنى داخله أن تكون صادقة. فقد زرعت الشك في قلبه ويجب عليها إقتلاعها من جذورها...
صوت هاتفه أخرجهم مما فيه. ليبتعد عنها ثم أخرج الهاتف ليجده صديقه. فنهض و وضع الهاتف وقال ب إقتضاب
-أيوة يا زيد. خير؟
-جاءه صوت صديقه: ندى الأنصاري
-تأهبت حواسه وهو يرد ب إهتمام: مالها!
-إتقبض عليها
-قهقه مراد بشدة ثم أكمل بسخرية: ألف مبروك
-ليرد زيد بتعجب واضح: ألف مبروك ع إيه؟ بقولك مراتك إتقبض عليها!
-فأجابه مراد بلا مبالاه: أه منا اللي بلغت عنها. بتهمة تعدد الأزواج
-نعم؟ طب ليه!
-دس يده في جيب بنطاله وقال: كدا. أنا كنت متجوزها عشان دينا وأنت فاهم ليه. تيجي بنت ال تهددنى وكمان تلعب من ورا ضهري. لأ مبحبش الأسلوب دا
-فرد عليه زيد بضيق: يعني جواز حرام وعارف و تدخلها السجن. يابني أعقل بقى. مش كفاية...
ولكنه لم يُكمل عبارته. ليزفر بضيق وهو يُكمل بحدة
-أصره. هتنزل عشان تشوف الشغل ولا إيه؟
-أه يومين ونازل. وخد بالك أنت اللي هتمسك فرع القاهرة وأنا هرجع روسيا. مش طايق أقعد هنا.
-تمام. يلا سلام
أغلق معه وعيناه تطفقان بسعادة ظافرة...
جلست تنتظره في السيارة وبين كل حين وأخر تطمأن على فتاتها. حتى أعلن هاتفها عن وصول مُكالمة. أخرجت الهاتف من حقيبتها فوجدته رقم من خارج البلاد. عقدت ما بين حاجبيها ولكنها ردت بالنهاية. ليصلها صوت رجولي عميق
-روجيدا!
-ردت على ذلك الصوت المألوف: نعم إنها أنا. من يتكلم؟
-أنا هنري. حاكم ولاية هاواى
إنتفضت روجيدا من جلستها وتوجست من تلك المكالمة المُفاجأة بالنسبة لها. إبتلعت ريقها وردت بثبات.
-مرحبًا سيدي. م. ما الأمر؟
-رد عليها بصوت رخيم: لا تقلقي. لا يوجد خطب. ولكن لما زوجك يتدخل فيما لا يُعنيه؟
-قطبت بحيرة ثم تساءلت ب إندهاش: زوجي! تقصد جاسر الصياد
-فقال هو بتهكم: ومن غيره؟
-أنا لا أعلم سيدي. ولا أعلم أنه كان بالولايات المتحدة
زفر هنري بغضب جم ولكنه تماسك وأكمل بهدوء لا يعلم من أين أتى به
-إسمعي روجيدا. زوجك يتدخل ب شئوننا بطريقة حمقاء ستودي بالجميع بالتهلكة.
-هتفت روجيدا بعدم فهم: سيدي. انا حقًا لا أفهمك
-فعاجلها بالرد الحاد: لا أعلم لما أتى وقام بتهديد مارتن. بل والأدهى أنه يعلم بجميع قذارته وأعطانا تلك المعلومات. أنا لا أفهم كيف يُفكر ذلك الرجل
-سي.
-قاطعها هنري مُكملًا: ولم يكتفي بذلك. ولكنه قام بضرب ستيف صديقك الذي أخبرني بكل شئ لأنه علم بما يكنه مارتن لزوجك وما ينتويه.
شهقت روجيدا مما تسمع. ف زوجها أصبح هدفًا لتلك المنظمة. وقبل أن تُكمل عاد هنري يُكمل حديثه
-ألا يعلم كم من الأرواح أُزهقت لكي يتم حمايته؟ بفضلك أنتي عفوت عنه وساعدته. لا تسمحي له بتدخل مرة أخرى أنا بالكاد أستطيع حمايتك. مارتن ليس ك مصطفى سيكتفي برصاصة تُصيب صدره. المرة القادمة سأتركه لمصيره...
ثم أغلق الهاتف دون إنتظار ردها. قذفت الهاتف بعنف ثم وضعت يدها على فاها وقالت بداخلها.
-فيما يُفكر ذلك الأحمق؟
-إتأخرت عليكي!
قالها مُبتسمًا وهو يُدير المحرك. لتنظر هي له بغضب قبل أن تقول بحدة فاجأته
-لأ.
ثم أدارت رأسها ولم تتحدث فيُكفيها ما تشعر به الآن نحوه من غضب ومن ذلك الحديث الذي دار مُنذ قليل. ذلك الغبي يُلقي بيده إلى التهلُكة...
-وماذا بعد؟
قالها مارتن وهو يجلس أمام أحد رجاله الذي قال له برزانة
-سننتظر حتى ينتهي زفاف شقيقه. الوقت الآن ليس بصالحنا. وهو لا يترك قريته إلا لمامًا
ضرب مارتن الطاولة بعنف. ثم قال بغضب كبير
-وكم من الوقت سننتظر!
-أجابه الرجل و هو يضع لُفافة التبغ في فمه: ليس بكثير. قد يكون ثلاثة أيام أو خمسة
-هز قدمه بعصبية وقال: ذلك الوقت طويل. ألا نستطيع التعجيل!
أخرج الرجل سحابة رمادية من فاه. ثم نظر إلى مارتن بقوة وقال بحنكة
-لا نستطيع فعل شئ وهو في عقر داره. كما أن الحراسة مُنتشرة بشكل خطير لن نستطيع إخطاء خطوة واحدة بالقرب من قصره
مسح مارتن على رأسه بعصبية وغضب كادا يقتلعا فروة رأسه. فعاد صوت الرجل يُحدثه بتأكيد
-أكملت أنت باقي الخطة؟
-أجابه مارتن ب إقتضاب: نعم
-وماذا عن العمل الذي كُلفت به؟
نظر له مارتن طويلًا ثم قال.
-ذلك العمل سري هذه المرة. فتلك الساقطة تُعطيهم معلومات خطيرة
-قطب في تساؤل: من الساقطة؟
-همس بغل: روجيدا زوجة الصياد
قهقه الرجل بشدة حتى أدمعت عيناه وظل يُصفق بيده ونظرات مارتن تكاد تحرقه. ليقول الرجل من بين ضحكاته
-هى و زوجها؟ كلاهما داهية حقًا
-ولمَ تضحك يا رجل ف أنت ستكون في الجحيم معنا؟
-ضحك بتهكم وقال: أنا متأكد من ذلك
-فرد عليه مارتن بشرود: لا تقلق سأجعل الصياد يتآكل ندمًا على ما فعله بي.
تصوري، ماذا يكون العمر لو لم توجدي
وضعت الطفلة في مهدها تحت نظرات جاسر الحانية. ثم إعتدلت ونظرت له بغموض جعله يتعجب. ف إقترب منها وسألها بقلق
-مالك يا حبيبتي! من ساعة أما خرجنا من المستشفى وأنتي مش عجباني؟
-ردت عليه ب جدية: تعالى نتكلم ف الجنينة تحت عشان مش نقلق جُلنار
ثم تركته ورحلت. لينظر في إثرها بتعجب و ذهول. بينما هي في طريقها قابلت والدتها وطلبت منها ب إبتسامة باهتة.
-ممكن تخلي بالك من جُلنار عما أجي؟
-أجابتها والدتها بحنو: طبعًا يا قلبي. بس في إيه؟
-مسحت على ذراعها وقالت ب إقتضاب: مفيش
ثم تركتها ورحلت. ثوان ثم تبعها جاسر الذي قابل جين ف سألته بتعجب
-هى روجيدا مالها؟
-مط شفتيه دلالة على جهله: معرفش. أنا رايح أشوفها
ثم أكمل طريقه حتى وجدها تقف في جزء منزوي بعيد. إقترب منها بخُطى مُتعجلة وقد بدأ القلق يتسرب إلى داخله. وقف أمامها وتساءل
-في إيه يا روجيدا؟
-رفعت أنظارها له وسألته بجمود: كنت بتعمل إيه ف أمريكا؟
بُهت تمامًا ولم يستطع الرد. تجمدت عضلة لسانه فلم يستطع التفوه بحرف. لتعاود حديثها بحدة أكبر
-ما ترد ساكت ليه!
نظر لها بتحذير ثم قال بلهجة قاتمة
-وطي صوتك وإتكلمي عدل
-ولكن لم تُبالي ونطقت بغضب: صوت إيه؟ وأتكلم عدل إيه! شوف أنا بقول إيه وأنت بتقول إيه؟
-أشهر سبابته في وجهها وتحدث بشراسة: لأخر مرة هقولك إتكلمي عدل. وبعدين أنا حر أعمل اللي أنا عاوزه
قامت بلكزه عدة مرات في صدره بقوة دُهشت لها هي قبله. وهي تصرخ في وجهه
-لأ مش حر. ليه مصمم تتصرف بتهور وضيع كل اللي بعمله! هتفضل طول عمرك أناني ومتهور
أمسك إصبعها الذي تلكزه به وضغط عليه بقسوة آلمتها. ليردف بعدها بنبرة حادة وأعين مسودة مظلمة.
-أقسم بالله يا روجيدا إما إتعدلتي لاكون عادلك بمعرفتي. هو عشان سبتلك تسوقي فيها
إنفجرت دموعها بحزن قبل أن تكون ألم وهي تصرخ صراخ أدمى قلبه
-حرااام عليك يا جاسر. حرام عليك والله. أنا تعبت منك وتعبت من كل حاجة بسببك. ليه مصمم تضيع مني! ليه بتعمل كل حاجة بتقربك للموت! عايز تسبني و تبعد؟ إبعد بس مش تروح للموت برجليك.
قالت الأخيرة وصوتها بدأ في الخفوت وساقيها يخوران لتجلس على الأرضية. وهو يُراقبها في أسى وحزن. ليسمعها تُكمل
-لو مش خايف ع نفسك خاف عليا. خاف ع بنتك أنت بقيت أب. ومتشعلق ف رقبتك بنت. إحسب خطواتك عشانا يا جاسر. مش هقدر أكمل من بعدك
ثم وضعت يدها على وجهها وأكملت إنتحابها. فجثى هو على رُكبتيه وعيناه تشعان بحزن عليها. جذبها في أحضانه بقوة وردد بصوت هادئ.
-هشششش. خلاص أنا جمبك أهو يا حبيبتي ومش هسيبك وعد عليا مش هسيبك. أنا بعمل كل دا عش.
-قاطعته بشراسة: مش تقول عشاني. مش تعمل حاجة عشاني. أنا عوزاك يا جاسر. صدقني مش هعرف أكمل بعدك. مش بعد أما لاقيتك تضيع مني
أبعدها عن أحضانه ومسح دموعها المنهمرة ك أنهار. ثم قال بحنو
-ومين قالك إني هضيع. أنا مش ناوي أسيبك وأنا قايلك كدا. ليه مش عاوزة تصدقي إن دا نابع من خوفي عليكي. أنا اللي خايف تضيعي مني.
-عادت إلى أحضانه وتشبثت به قائلة: مش تروح هناك تاني. وبلاش تتصرف يا جاسر. هما. هما بيتصرفوا بلاش أنت
زرع قُبلة على رأسها ثم إشتم عبقها بقوة ويداه تسير على ظهرها من أجل تهدأتها. زفر بضيق كبير وهو يسب ويلعن ستيف في نفسه ظنًا منه أنه هو من أخبرها. ليشعر بجسدها يستكين وشهقاتها تهدأ. ليُبعد رأسها عنه ثم سألها بحب
-أحسن؟
هزت رأسها بنفي. لتتقلص عضلات وجهه إلى الإمتعاض. فعاد يُقبل وجنتها بعمق. ثم جلس بكامل جسده على الأرض العُشبية ومدد قدماه وهي في المنتصف. ليعود ويجذبها مرة أخرى في أحضانه. غافلًا عن قطرات المطر التي بدأت تتخذ مسراها على جسديهما. لا يهتم فقط ما يهمه هو أن يسري الطمأنينة في نفسها المُلتاعة، ظل يهمس بعذوبة في أُذنها حتى قال
-لو روحي فارفت جسمي. أنتي مش هتفارفيني...
تفاعل حلو علشان انزل الجزء الثاني الساعة 11.