قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية غوثهم يا صبر أيوب ج2 للكاتبة شمس محمد الفصل الثامن

رواية غوثهم يا صبر أيوب ج2 للكاتبة شمس محمد الفصل الثامن

رواية غوثهم يا صبر أيوب ج2 للكاتبة شمس محمد الفصل الثامن

نهوى الرحيل لكننا نبغض الهجر،
نخشى الفراق وفي دمنا الغدرِ. ربما نحن من الأساس مستضعفين، لكن لا شك أننا في إنتظار شروق الشمسِ،
فنحن وإن رحلنا هُنا، حيث المكان الذي لم يلق بغيرنا.
زحام شديد بدأ يمر في رأسه متوغلًا في خلاياها بعدما مر أكثر من نصف الوقت عليه لكي يصل إلى المحافظة المطلوب منه التوجه إليها، وحينها زفر هو بقوةٍ ونظر في ساعة معصمهِ يطالع الوقت بها وحينها بدأ الملل يحاوطه،.

الجميع شبه نائمين عداه هو والسائق وحينها سحب الهاتف الموضوع أمامه وفتح شاشته ثم قام بتشغيل وضع الطيران حتى لا يتم التوصل إليه وحينها فتح الهاتف على صورة قمر لتزاحم البسمة موضعها على شفتيهِ وتُذهب الوجوم من على ملامحهِ، ثم مرر إبهامه على الشاشة لتظهر صورة عهد وكأنها تلومه على ما فعل، هي لم تنظر له بهذه الطريقة لكنه خُيْلَ له ذلك فأغلق الهاتف وتنهد بثقلٍ لكن للأسف الهموم تظل ساكنة بين جنبات فؤادٍ موجعٍ.

في محافظة القاهرة.
عند حلول الساعة الثامنة صباحًا تحديدًا في منطقة
حارة العطار بشقة غَالية كانت هي أول من تلقى الصدمة حينما وجدت غرفته فارغة من كل ما يخصه ومحتوياته وقد بحثت عن كل ما يُخصه لكنها وجدت منه خطابًا تركه على طاولة السُفرة وقد أمسكت الورقة التي وضع بجوارها وردة بيضاء اللون وحينها أمسكت الورقة تمرر مُقلتيها فوق الحروف المكتوبة بواسطته وكأن قلبها شعر بحالته إبان كتابته لهذا الخطاب:.

مش عاوزك تزعلي يا غالية بس والله أنا أقل من إني أقف أبص في عينك أشوف قهرتها عليا، وأصغر من إني أحط عيني في عينك وأكدب عليكِ، علشان كدا مشيت، مشيت بس شوية وهرجع تاني، علشان برضه أنا أضعف من إني أعيش من غير حضنك بعدما بقى دنيتي كلها.

مش عاوزك تزعلي مني علشان مشيت، مسيرك تعرفي إني لما مشيت كل حاجة اتحلت قبل ما تخسريني علطول، بحبك يا جنة أيام يوسف وعزها وخيرها، عاوزك تبوسيلي قمر وعرفيها إني بحبها أوي أوي أوي ويمكن أكتر من أي حد تاني، قوليلها تخلي بالها من شعرها ولو قصته أنا هاجي أقص لسانها، أنا هرجع تاني، زي ما رجعت أول مرة واللي فرق بينا كان الموت، وحتى لو هموت، فأنا عاوز أموت في حضنك، أدعيلي زي ما طول عمرك بتدعيلي وأنا كنت فاكرها شطارة مني، طلعت بفضل دعائك بعد فضل ربنا اللي كل مرة كنت بتأكد إنه رحيم وكريم بيا أوي.

عند كتابته لأخر سطرٍ نزلت دمعة من إحدى مُقلتيه وظهر أثرها في الورقة وقد بكت هي الأخرى وأرتخى جسدها أثناء استقراره على المقعد الخلفي لها، وحينها ضمت الورقة بكلا كفيها لصدرها وظلت تمسح عليها كأنه بين ذراعيها لكن البكاء ازداد بخوفٍ عليه، لو كان رجل بصورةٍ طبيعية لكانت الأمور أهون عليها، لكنه رحل حزينًا، رحل وأخذ معه العذاب مرافقًا له وياليته اكتفى بالرحيل، لكنه ترك خلفه ذكرى مؤلمة للقلب أنه رحل بكتفين متهدلين إثر هزيمةٍ ساحقة.

في محافظة أسوان...

بعد مرور ساعات أخرى وتحديدًا بمقر العمل الخاص بالبحث والتنقيب عن المواد البترولية ومشتقاتها أو كل ما تخرجه الأرض من باطنها، نزل يوسف من الحافلة بعدما وسار حيث مقر العُمال الذين وقفوا في إنتظاره حتى يطل عليهم المهندس الجديد، وقد سار المدير مهرولًا إلى حيث مقره وفي يده الكشف الخاص بالاسماء وخلفه كان يسير أحد الشباب العاملين بالمكان وهو يسأله بلهفةٍ أعربت عن صوتٍ مُضطربٍ: يا ريس أحمد عرفني بس، اسمه إيه المهندس اللي جاي دا، على الأقل علشان نكون عارفين إحنا داخلين على إيه؟

توقف الآخر يزفر بقوةٍ بث فيها كل حُنقه وهتف مُقتضبًا حينما استأنف سيره من جديد نحو مكان استقبال المهندس: اسمه يوسف مصطفى الراوي يا سيدي، ارتاحت؟

ألقى الاسم كاشفًا عن هوية الأخر أثناء تحركه فيما وقف العامل مصعوقًا بخوفٍ ما إن استمع لاسمه وتعرف عليه، مَن في هذا القطاع لم يعرفه؟ صاحب القوة المنفردة والصوت الآمر، جاذبيته الخاصة به تنعكس عليه وكأنه أرضٌ صلبة تجذب الناس إليها، طلته المَهيبة في قطاع العمل خاصةً ومع الجميع بصفةٍ عامة تجعله محط أنظار الرهبة والوقار من الحشد الكبير.

وصل العامل مهرولًا إلى حيث الصف الواقف وقد أقترب منهم يوسف شامخ الهيئة، حُر الحركة، قوي العزيمة على عكس الوجع الساكن بين جنبات صدره، كان يرتدي حلة سوداء أنيقة تناسبت مع جذابيته وانعكست عليه عند وقوفه أمامهم يتنهد بقوةٍ وهتف بنبرةٍ قوية كعادته مُعرفًا عن نفسهِ:.

صباح الخير، معاكم الباشمهندس يوسف الراوي مهندس حفر بترولي، ومهندس جيولوجي في تحليل المواد البترولية ومشتقاتها، منكم اللي يعرفني أو سبق واتقابلنا قبل كدا، ومنكم اللي سمع عني، ومنكم الجديد اللي مشتغلتش معاه قبل كدا، أنا بقى أتمنى تكونوا عارفيني كويس، أنا طالما في الشغل معنديش أي حاجة تانية تتعمل، طول ما أنتَ في إطار الشغل وفي ساعات العمل، مش مسموح ليك بأي حاجة غير كدا، مجرد ما الدقيقة الأخيرة ليك في الشغل تنتهي، أعتبر نفسك حُر.

توقف عن الحديث يدرس ملامح وجوههم مُستبينًا ردود الأفعال المختلفة على حديثه وقد عاد للحديث مُجددًا بنفس القوةِ مُتابعًا على سابق كلماته:.

تاني حاجة بقى، أنا مبعرفش الهزار في الشغل ولا بحب الفهلوي، بحب الشخص الواعي، يعني تركز في شغلك بس، تخصصك وشغلك ومش مسموح ليك أو مرحب إنك تتفلسف في حاجة متخصكش، كل واحد عارف شغله هنا، سواء عامل الحفر أو التركيب أو الرفع أو حتى الميكانيكا ومراجعة المَكن، كل واحد في شغله وبس، تمام؟ اتفضلوا يلا وأنا ساعة وهتلاقوني موجود عندكم.

ألقى كلماته ووقف يتابع نظراتهم لبعضهم البعض ومن ثم ولاها الإنسحاب الهاديء من سلطة قوته وهيبة شخصيته الفارضة لنفسها على الجميع تحت نظراته التي ادعت اللامبالاةِ مناقضةً لما يدور بداخلهِ من إهتمامٍ وحينها وقف ينتظر إنسحاب آخرهم من إمام مرأى عينيه والتفت متوجهًا إلى المقر الذي سيتخذه مبيتًا له خلال عمله هُنا بعدما سبقه العامل ووضع أمتعته هناك.

هذا الذي تحدث وقال أنا هُنا، أضاف حرفًا ليكون هُناك، حيث المدينة البعيدة عن مدينته الأساسية، هرب من المقر وأتى للأطراف يُفتش بداخلها وأوسطها عن المفر، لكن! إذا كانت الروح تسكن الروح فكيف لها أن تجد من مقرها المفر؟..

يوم الجمعة بداخل هذه الغرفة المتواضعة له الطقوس الخاصة به، حيث غرفة أيوب الممتلئة برائحة المسك وصوت القُرآن بتلاوة الشيخ محمد صديق المنشاوي حيث تلى سورة الكهف، بينما وقف أيوب يُتمم على هيئته وخصلات رأسه مُهندمًا على عباءته البيضاء الناصعة بهدوءٍ آليٍ، أما عن داخلهِ فكانت ثورة عارمة يحاول تجاهلها بشتى الطرق لكي ينسْ ليلة الأمس وما مر بها عليه من بعد مواجهته مع سامي ثم ما عقب ذلك من أحداثٍ سوف يتم كشفها خاصةً مع رحيل يوسف.

أخرج أنفاسه المحبوسة وأغمض جفونه مُقررًا التحلي بالثبات والهدوء وقد سحب هاتفه من مقبس الشاحن ليجد رسالة وصلته من يوسف بعد بزوغ الفجر بلحظاتٍ؛ أي منذ عدة ساعات في لحظتهِ هذه:
أنا سمعت كلامك ومشيت أهو، بس لو حد عرف سبب إني مشيت صدقني هتبقى بأخر اللي بيننا، وعلى فكرة أنا مش ماشي خوف ولا حتى ماشي أنانية مني، أنا مشيت بس علشان لما أرجع هاخد حقي مش هسيبه، وساعتها متبقاش تلوم عليا، سلام يا شيخنا.

كانت هذه هي الرسالة التي كتبها له يوسف لتزداد هالة الغموض أكثر حول أمر رحيله، رحيله الذي لم يعلم سببه سوى أيوب خاصةً بعد مضي تلك الليلة الماضية التي كانت مفاجأة من كل الجوانب وقد انتهى الأمر بتركه كافة شيءٍ من أيديه يترك الجميع خلفه عدا أيوب الذي علم بهذا الأمر.

خرج أيوب من غرفته يمر بالطابق الفارغ من ساكني البيت ثم نزل للأسفل حيث الطاولة التي جمعت الكل لتناول الفطور الصباحي قبل الذهاب إلى المسجد وقد جلس أيوب بمحاذاة أبيه الذي ابتسم له مُرحبًا فيما ألقى هو التحية على الجالسين مبتسمًا في وجههم ولم يلحظه إلا إياد حينما لمح كدمة جديدة في وجهه فسأله ساخرًا:
جرى إيه يا أيوب؟ هو كل يوم ضربة جديدة؟ مين ضربك فوق عينك اليمين كدا؟

سأله الصغير أمام الجميع دون أن يُبالي بحاله فيما رفع أيوب كفه تلقائيًا يتلمس موضع حديث الصغير ومن ثم نظر في أوجه البقية ثم هتف بنبرةٍ هادئة رغم محاولته للكذب:
دي قديمة بس تلاقيها التهبت أكتر، متشغيلش بالك.

ألقى الجملة ثم بدأ في تناول الطعام تحت أنظار والده الذي تفحصه وتيقن من كذبهِ عليهم، هي فقط نظرة واحدة يُلقيها في وجه صغيره يقرأ من خلالها عينيه ثم بعدها يتيقن مما يريد، وقد أتخذ الصراحة سبيلًا صريحًا وهتف بنبرةٍ قوية بعض الشيء يستفسر منه:
هو أنتَ لما جالك مكالمة امبارح وقولتلي رايح ألحق يوسف كان إيه حصل؟ وجيت متأخر كدا ليه؟

في هذه اللحظة أحيانًا قد يتمنى المرء أن يصبح سرابًا أو حتى تنشق الأرض وتبتلعه في جوفها لعل ذلك يحفظه من ورطةٍ أوشك على الوقوع بها، وقد التزم الصمت التام باحثًا عن حُجة قوية تخرجه من هذا الوضع وقد أشفق عليه أخوه الذي هتف بنبرةٍ هادئة يتولى مرافعة الدفاع عنه:
مش وقته يا بابا، خليه ياكل بس وبعدين يروح يلحق المسجد ويفتحه، الأكل قرب يبرد وهنقعد نستفسر؟ تلاقي يوسف أتعصب ولا حاجة وهو راح يهديه، كلوا بقى.

أشار أيهم للجميع بتناول الطعام وفي هذه اللحظة ابتسم له أيوب مُمتنًا كونه تطوع وأنقذه من ورطةٍ وقع بها كمن وضعت رأسه بين المطرقةِ والسندان، فيما راقب عبدالقادر وجه ابنه المُلتهب بعض الشيء نتيجة الضربات التي تلقاها غدرًا قبل خروج يوسف من قسم الشرطة، وزفر بقوةٍ ثم شرع في تناول الطعام هو الآخر.

إن الكرامة هي الرادع الوحيد الذي يحفظ الإنسان حتى لا يُنال منه، فإذا تخلى عنها؛ نال منه كل وضيعٍ ونهش فيه كل جبانٍ، لذا إذا خسرت كرامتك فأعلم أنك المُلام الوحيد في هذا الأمر كونك مُضحيًا بما يحفظك.

هُنا في الشقة التي كبر وترعرع بها وقف يرتدي ملابس رياضية بعض الشيء أو أقرب ما تسمى ملابسة بيتية تجهيزًا للنزول إلى الصلاةِ في المسجد بعدما قام بالعناية الكاملة بنفسهِ في هذا الطقم الرياضي الأسود ثم خرج من الغرفةِ إلى صالة الشقة حيث جلوس نجلاء التي كانت تمسك كتاب الذِكر الحكيم وما إن رأته أغلقت المُصحف الشريف ثم رفعت رأسها نحوه تسأله بنبرةٍ حنونة:
نازل يا تَيام؟

أقترب منها يُلثم جبينها وألقى عليها التحية ثم هتف بصوتٍ هاديءٍ يُخبرها:
آه هروح عند آيات الأول بعدها هروح المسجد مع أيوب ولو اتأخرت أعرفي إني روحت عند مُنذر أقعد معاه شوية، عاوزة حاجة أجيبها وأنا جاي؟

حركت رأسها نفيًا وهي تبتسم له بعينيها وقد ارتسم الرضا على ملامحها، حيث ما كان يؤرقها ليلًا ويُتعبها كل يومٍ بدأ يتلاشى ونيرانه تخمد للأبد حتى تصل لمرحلة الانطفاء، لكن لكن رُبما تأتي كتلة رياحٍ تضرب السطح لتزداد النيران اشتعالًا فوق لهيبها، وتحديدًا هذا ما حدث حينما صدح صوت جرس الباب مُعلنًا عن قدوم زائرٍ، وقد تحرك تَيام نحو الباب يفتحه لتظهر له نيفين شقيقة أمه وما إن رآها ابتسم لها بعينيهِ وهتف مرحبًا بها:.

نورتي يا خالتو، اتفضلي.
ابتسمت له باقتضابٍ وعبرت الشقة ولازالت تقف أمامه وقد تجاهلت ترحيبه بها وهتفت بحديثٍ خرج منها جامدًا:
غريبة إنك هنا يعني، أنا قولت أكيد هتمشي بعد اللي حصل، بس إزاي؟ شكلك حبيت القعدة هنا والمكان على كيفك، ماهو اللي يلاقي دلع وميتدلعش ربنا يحاسبه.

هتفت جملتها الأخيرة بتهكمٍ وهي تشمله بنظراتها فيما وقف هو مدهوشًا كمن مسته الصاعقة وكأنه قاب قوسين أو أدنى من الانصهار محله ولم يخرجه من حالة الصدمة هذه إلا خروج نجلاء لهما وهي تسأل بنبرةٍ جامدة:
خير يا نيفين؟ فيه إيه على الصبح؟
ألقت الأولى السؤال وقد رفعت الثانية رأسها نحوها وهتفت بلينٍ مصطنعٍ تتلون به وتبرزمن خلاله الحقائق الظنية لها:.

مفيش يا نوجة دا أنا بس كنت بقوله إني مستغربة إنه هنا ممشيش بعدما عرف إنه مش ابنك، كتر خيرك لحد كدا كبرتي وعلمتي وصرفتي دم قلبك حتى ورثك في أبوكِ خده وصرفتيه عليه، علشان كدا مستغربة إنه لسه هنا.

تحدثت نيفين وهي تطالع هذا الواقف بطرف عينيها فيما شهقت نجلاء تلقائيًا وحركت رأسها نحو تَيام الذي سكنت الغصة حلقه واتخذت المقر لها وصولًا إلى أذنيه، ووقف يطالعها بانكسارٍ رغمًا عنه ظهر عليه وقد هتفت نجلاء بنبرةٍ عالية توبخ شقيقتها:.

وأنتِ مالك؟ هو أنا كنت اشتكيت؟ دا ابني وليه فيا زي ما أنتِ ليكِ وأكتر، ماليش غيره وإن شاء الله حتى ياخد روحي بس يكون مبسوط ساعتها أنا هكون راضية كمان، وورثي من أبويا دا حقي وشرع ربنا، صرفته على ابني، أنتِ إيه اللي مزعلك يا نيفين؟
اندفعت الأخرى على اندفاع شقيقتها وهتفت بنبرةٍ محتدة لا تعلم إن كانت في وضع الهجوم أو الدفاع:.

اللي مزعلني هو إنك مفضلة الغريب على الكل، عيل مش مننا ومن دمنا وقولنا معلش، لكن توصل إنه يبقى ليه نصيب في كل حاجة وإحنا عيالنا تتمرمط لأ كدا كتير أوي، دا إحنا أخواتك عمرك ما شغلتي بالك بحد فينا، وكل اللي همك البيه بتاعك، ومختاراه، وبكرة يسيبك ويمشي وساعتها هتفضلي لوحدك وهتيجي لينا تاني.

يبدو أنها كانت تحمل بداخل قلبها الكثير وما أن أُتيحت لها الفرصة حينها انفجرت كما البركان الثائر الذي تأججت النيران بداخلهِ، وحينها وقبل أن تتحدث كلتاهما هتف تَيام بنبرةٍ جامدة ويبدو أنه خفى عنها أثر صدمته:.

حقك إنك تشوفيني كدا وأكتر كمان، بس أنا غصبٍ عنك وعن أي حد ابنها وهي أمي، ولو على الفلوس اللي زعلانة عليها فأنا بقى عندي اللي يكفيني وزيادة أوي، وممكن أردلك كل حاجة أضعاف مُضاعفة، وأبقي اسألي أنا طلعت ابن مين وأنتِ هتعرفي إني مش قليل، وإذا كنت لسه هنا فأنا هنا علشان أنا مش قليل الأصل، وهي أمي اللي ربتني حتى لو كنت مش ابنها، بس دي حاجات اللي زيك ميعرفهاش، أصلها بتتحس، عن إذنك.

رمى حديثه ومقصد كلماته ثم خرج من الشقة يهرب من أمامهما، لكن بحالٍ أختلف كُليًا عن جلوسه هنا قبل ظهور هذه المرأة، لقد عكرت صفو لحظته وأفسدت عليه اليوم بقدومها، هذه التي لازالت تكرهه حتى الآن منذ صغره الآن تصرح له بما تحمله بداخلها تجاهه كما لو كان عدوًا لها.

خرج من البنايةِ بأكملها ورغمًا عنه وجد عقله يَكُف عن التفكير إلا بهذا المكان الذي قرر أن يتجه إليه لعله يهرب من نيرانه التي تأججت بداخله فور وصول الحديث إليه والمساس بكرامتهِ وعزة نفسه وهذا مالم يقبله هو حتى لو من أقرب الأقربين إليه.

في منطقة نزلة السمان.

تلك المنطقة الأثرية التي شهدت الكثير من الصراعات والمصائب بأنواعها المختلفة، اليوم ترى الهدوء في أجواءٍ شتوية رائعة وخاصةً حول طاولة الطعام ألتفوا الشباب وعلى رأسهم جلس نَعيم يترأس الطاولةِ لكنه جلس شاردًا في أمر يوسف وأمر ابن شقيقه والمعضلة الأكبر كانت من نصيب ابنه البكري، هذا الذي أصبح يشتاق له بعدد أنفاسه ويحبه بحجم ذرات الرمل المحيطة للبيت، لكن عزة نفسه تمنعه من أن يفرض نفسه عليه.

وقع نَعيم في صراعٍ يصعب عليه أن يتجاوز أثره على النفس الضعيفة التي تأمل في تحقيق ما أرادت، وقد جاوره الشباب يتناولون الطعام قبل الذهاب إلى المسجد بصحبتهِ، حيث كانت الجلسة صامتة وساكنة ولم يقطع الصمت سوى صوت تحية مدبرة البيت وهي تركض بفرحةٍ نحوهم هاتفةً بحماسٍ جليٍ نبع من فرحتها:
يا حج! يا حج الغالي هنا، وصل يا حج.

وصلت عندهم تزامنًا مع نطقها للجملة الأخيرة وقد وقف في مواجهتها نَعيم الذي هتف بنبرةٍ متعجبة كليًا:
هو مين دا؟ مين اللي هنا يا ست تحية؟
قبل أن تجاوبه جاوبه صاحب السيرة بنبرةٍ هادئة:
أنا يا بابا.

هتفها بنبرةٍ هادئة وربما هي مجرد أحرف جاورت بعضها لتتشكل بداخلها الحياة، كلمات حوت في لُبها مصدر العيش لشخصٍ آخر ألتفت برأسهِ لتلمع على الفور عيناه كما تضوي النجوم في السماء ليلًا، وقد أقترب منصاعًا لرغبة قلبه الذي قاده إلى الآخر حتى وقف في مواجهتهِ مباشرةً لينطق تَيام بنبرةٍ تائهة كحالهِ:
أنا معرفش جيت هنا إزاي بس أنا مرة واحدة حسيت إني عاوز أشوفك، أو بمعنى أصح أنا جيتلك علشان وحشتني.

ترقرق الدمع في عيني نَعيم وهتف بنبرةٍ مُحشرجة:
أنتَ اللي وحشتني أوي، تيجي وقت ما تحب يا حبيب أبوك، وفي أي وقت، تعالى أفطر معانا، يلا علشان خاطري، قولي تاكل إيه؟ أخليهم يعملولك لحمة؟ ولا بتحب الفراخ؟ ها؟ أجيبلك إيه تاكله؟ نفسك في إيه؟

ظل يلقي عليه الأسئلة بلهفةٍ وهو يقدم عروضه السخية ممنيًا نفسه بقبول الآخر أي شيءٍ قد يريحه لكنه أباد كل ظنونه حينما هتف بنبرةٍ شبه باكية يشتاق للمكان الذي ينتمي إليه من الأساس:
أنا عاوزك تحضني، ينفع أحضنك دلوقتي؟

ألقى الجملة بنبرةٍ غريبة عليه وعلى الجميع حتى أنها أذهلت نَعيم نفسه لكن تَيام كان صاحب الفعل الأسرع حينما ألقى نفسه بين ذراعيهِ متشبثًا به بعدما ترك الشقة إثر حديث نيفين الذي ألمه وذكره كونه غريبًا عن هذا البيت ولم ينتمي له، حتى أنه يتمتع بحقوقٍ لم تكن له.
ضمه نَعيم بسعادةٍ وهو يمسح على ظهره بسعادةٍ بالغة وقد هتف بنبرةٍ باكية لم يقو على احتواء الفرحة حتى طفقت تعلن نفسها في آذان الجميع:.

دا أنا عيشت عمري كله بستناها منك، متعرفش أنتَ بترد الروح فيا إزاي لما بسمع كلمة منك ليا، نورت بيتك يا حبيب أبوك وروحه كلها.
ابتسم تَيام براحةٍ وأرخى ذراعيهِ عن جسد والده ومرر عينيه في أوجه البقية ثم هتف بنبرةٍ صبغها بالمرح:
طب ينفع بقى نقعد نفطر؟ علشان أنا جعان؟
تدخلت تحية تهتف بلهفةٍ فور وصول الحديث لها:
بس كدا؟ هوا يا غالي، أقعد دا البيت نور.

ابتسم لها تَيام فيما تحرك إسماعيل الذي كان يجلس بمحاذاة نَعيم وترك المقعد للآخر هاتفًا بنبرةٍ هادئة:
تعالى بقى أقعد جنب الحج وأنا هقعد جنب سراج.
أوقفه تَيام بلهفةٍ أعربت عن خزيه وإحراجه من الموقف ككلٍ:
أنا مش جاي آخد مكان حد، خليك زي ما أنتَ، أنا ممكن أقعد جنب مُحي الكرسي جنبه فاضي.
ابتسم له مُحي وأفسح له مجالًا لكي يجلس بقربه وهتف بنبرةٍ مُرحبةٍ وأكثر من ذلك كون شقيقه يشاركه هذه اللحظة:.

وأنا بناديك تعالى يلا.
أقترب منه تَيام يجاوره وقد عاد إسماعيل للجلوس بجوار نَعيم في مواجهة إيهاب الذي جلستا بجواره جودي و سمارة وقد مرر نَعيم عينيه نحو صغيريه بجوار بعضهما وحينها رفع رأسه للأعلى يمتن للخالق سبحانه وتعالى حامدًا وشاكرًا بقلبه رغم أنه يود الإطمئنان على يوسف الذي يعلم أنه تسبب في كارثةٍ لا محالة من ذلك وهذا ما أكده كذب أيوب.

في بيت الراوي بمنطقة الزمالك.
جلس سامي شاردًا لكن بوجهٍ تُرِكت عليه بصمات الغريب، الكدمات غطت وجهه والضربات التي تلقاها ظهر أثرها في جسدهِ ووجهه، كان يجلس مُغتاظًا وهو يفكر كيف نجا بأعجوبةٍ من الموت أمسًا وأرسل الله الغوث له لتُكتَب له الحياة من جديد.
وقد أتت له شهد تجلس في مواجهته وهي تسأله بلهفةٍ:
مين اللي عمل فيك كدا يا أنكل؟ هو صح؟

كانت نبرته مُلحة وهي تسأله وقد زفر بقوةٍ ثم مال بجسدهِ للأمام يُشبك كلا كفيه معًا وهتف بنبرةٍ جامدة أوضحت الغِل الدَفين الموجود بداخله:.

مين غيره؟ عمل زي الأسد اللي فكه القفص عليه بعدما جوعوه، ملحقنيش منه غير أيوب على آخر لحظة قبل ما يجيب رقبتي امبارح، بس أقسم بالله ما هسيبه، لا هو ولا اللي يخصوه، وحق ابني هجيبه وحقك هييجي من قمر مش عاوزك تقلقي، بس الصبر علشان أنا كدا مش هقدر أتحمل وجود يوسف أكتر من كدا في الدنيا.

عادت بظهرها للخلف تستند على ظهر المقعد بغضبٍ تفاقم عن السابق والمتسبب الوحيد في ذلك لم يكن غيره، وبالرغم من ذلك سكنها الخوف حينما تيقنت أن أمر فرارها منه في غاية الصعوبة عليها إذا أنتبه لها من وسط زحام المُشكلات التي تحاوطه
في إحدى المشافي الاستثمارية الكبرى.

كان نادر راقدًا في مضجعه بالمشفى حيث الغيبوبة المُطولة التي دلفها رغمًا عنه والأجهزة الطبية موصولة بجلده العاري مباشرةً وكذلك بعض الأسلاك التي تم غرزها في وريده مباشرةً، وقد جاورته فاتن التي سحبت المقعد الحديدي تلصقه في الفراش ثم رفعت أحد كفيه تُملس عليه بكلا ابهاميها وهي تقول بصوتٍ باكٍ وكأنه يستمع إليها:.

قوم يا نادر قوم علشان أنا ماليش حد غيرك، أنا لولاك كان زماني موت نفسي من بدري أوي، محدش هنا يهمه أمري غيرك، آخر أيام أنا شوفت حبي في عينك، قوم وأنا هاخدك من هنا ونمشي خالص، هحميك منهم كلهم، قوم ومتخلينيش لوحدي معاهم، مصطفى سابني ومشي، و يوسف بقى بيكرهني ودا حقه، بس أنا عاوزاك أنتَ، عاوزاك علشان أنتَ حتة مني، وأنا محتاجالك، محتاجالك قبل ما أموت، قوم يا أغلى حاجة في حياتي وأوعدك. مش هزعلك خالص، حتى شهد هحبها خلاص، هحبها علشانك أنتَ، بس قوم علشان خاطري.

أنفجرت باكيةً في البكاء تتوسله إن يفيق لها حتى نكست رأسها للأسفل تستند على كفه وقد لمست العبرات كفه في هذه اللحظة لكن قطع بكائها دخول مادلين التي أقتربت منها وضمتها بكلا ذراعيها تسمح على كتفيها وحينها وضعت فاتن رأسها على أحد كتفي الأخرى تأخذ من هذا المكان موضعًا يساهم في ارتياحها بينما الأخرى نجحت في دورها كرفيقةٍ جيدة تقوى على المواساةٍ في أشد الليالي الظلماء.

لا شك أن هذا الصباح لم يُنس بتاتًا.

لقد قضت ليلها تُكذب عينيها وتنفي لنفسها خبر رحيله بهذه الطريقة، ترك لها رسالة حزينة خطها بيده وكأنه أمسك القلم وقام بغرزهِ داخل قلبها، يبدو أنه خائنٌ لكل العهود وهي من أختلقت الوفاء في صفاته، لقد فهل الكثير ثم مسح كل ما قام بفعله بلحظة تهور واحدة قضت على كل ما كان جميلًا بينهما، وها أنتَ أيها الغريب، لقد عُدت لمكانتك القديمة وأنا من جديد أصبحت طيرًا فقد جناحيهِ.

جلست عهد في غرفتها بصراعٍ نُشِبَ بين العقل والقلب وكلاهما يتنازع في أمر الأخر ورحيله، حيث القلب يصنع له المُبررات والعقل يصده بالدلالات وبين هذا وذاك هي تتراوح ذهابًا وإيابًا تقف في صف كليهما ثم تعود لرشدها من جديد، وقد دلفت لها مي تهتف بنبرةٍ حائرة:.

مالك يا عهد؟ من الصبح ساكتة ودي مش عوايدك؟ مالك يا حبيبتي؟ حد زعلك طيب؟ ما أنا قولتلك خلاص مش هاجي جنبه تاني، أشبعوا ببعض بس لو حصلك حاجة مترجعيش تزعلي لما أ
قف في وش الكل علشانك.
رفعت عهد رأسها لها وقد ظهر البكاء المكتوم في عينيها وهتفت بصوتٍ مختنقٍ تبيد به حديث والدتها وظنونها:.

مبقاش هنا خلاص يا ماما، مشي والله أعلم بيه وبحاله، مشي وساب كل حاجة وراه وأنا أولهم، مبقيتش عارفة ألوم عليه ولا على الناس ولا اللي حواليه، مشي يا ماما، مشي وهو تعبان وزعلان والمرة دي أنا مش معاه، مشي ومعرفش هو فين ولا هيرجع إمتى؟

بكت وهي تنطق بجملتها الأخيرة وقد ضمتها مي بين ذراعيها تواسيها وهي تحتضنها مُربتةً فوق ظهرها وحينها ازداد البكاء أكثر ليصبح مريرًا وهي تتمسك بأمها التي دُبَّ الخوف في قلبها على ابنتها المسكينة التي تنعي نفسها بهجران الحبيب المُغادر.
في الطابق الأسفل
تحديدًا بداخل شقة فضل جلس بجوار شقيقته التي أخذت تسرد له وجعها برحيل ابنها هاتفةً بنبرةٍ باكية:.

مشي تاني يا فضل، مشي وسابني وساب أخته، منهم لله بحق حرقة قلبي عليه وعلى وجعه، ابني دمع وهو بيكتبلي الورقة يا فضل فاضل إيه تاني؟ حرام بقى أنا تعبت والله، تعبت وتعبت لتعبه معايا، طب هو راح فين؟
تنهد فضل بثقلٍ بعدما استمع لوجعها ثم مسح على كفها وهو يقول بنبرةٍ أظهرت الحزن لأجل شقيقته وكأنهما يتقاسمان الحزن سويًا قبل الفرح:.

هو مش صغير، هو راجل كبير وعنده حياة يا غالية طالما كتب إنه ماشي تلاقيه راح لشغله، يوسف كبير وعاقل وكل حاجة عدت عليه كان قدها، مين كان يصدق إنه يشوف كل اللي شافه دا ويفضل كدا، ادعيله يا غالية وأوعي تغفلي عنه، ربنا يرده ليكِ من تاني، بعدين هو أكيد مكسور من بعد اللي حصل، ومحتاج يكون لوحده، خليه ياخد وقته وبكرة يرجع ليكِ تاني.

حركت رأسها موافقةً ورفعت أحد كفيها تمسح عبراتها المُنسابة، بينما قمر كانت تجلس على مقعد طاولة السُفرة تتابع الحوار بعينيها، وبين يديها استقر الخطاب الذي تركه هو لتقرأه والوجع يخرج من قلبها ليرتسم في عينيها، لقد أرادت أن تشاركه وجعه وتبقى بجوارهِ لكنه أبى ذلك ورحل بعيدًا وكأنه يهرب بقنبلةٍ موقوتة تتمثل في شخصهِ قبل أن ينفجر في البقية ويطولهم منه الأذى.

أما عن ضُحى فكانت تحاول الوصول إليه من خلال التحدث مع إسماعيل الذي أخبرها أنه لم يلمحه منذ رحيله أمسًا بغضبٍ من بيت نَعيم وأخبرها بفشل الآخر في تجاوز ما حدث حتى آلت الأحوال إلى وصلت إليه وما إن أغلقت معه أخبرت عُدي بأسفٍ:
للأسف يا عُدي محدش فيهم يعرف حاجة عنه من امبارح، وأنا عمتو صعبانة عليا أوي، و قمر كمان باين إنها زعلانة أوي، متعرفش صرفة توصله أو حتى تقنعه يرجع يقعد وسطنا هنا علشان خاطر عمتو؟

سألته بنبرةٍ آملة قضى هو على الأمل فيها حينما هتف بقلة حيلة تزامنًا مع تحريكه لكتفيه:
للأسف معرفش يا ضُحى اللي أعرفه إن مواقعه مش ثابتة، يعني بيتحرك في محافظات كتيرة وأماكن مختلفة، بس أكيد هيرجع لأنه مش هيقدر يبعد عن عمتو كل دا، دا روحه فيها وفي قمر.

حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة ثم حركت رأسها نحو قمر التي بكت وهي تجلس بمفردها حينما كانت تقرأ الخطاب للمرة التي فشلت في عدها، تقرأ كلماته حينما أختار الوداع، لو كان سبق وأخبرهم أنه رحل في ظروفٍ طبيعية لكانت طمأنت نفسها، لكنه رحل بألمه دون حتى أن يخبر أحدًا بما يضمره بداخلهِ، ليترك لهم العذاب هنا يأكل فيهم وجعًا وكمدًا عليه.

بعد مرور عدة ساعات وتحديدًا مع بدء توقيت الغروب.
أمر عبدالقادر بقدوم أيوب إليه فور عودته إلى البيت وقد جلس في غرفة مكتبه ينتظره حتى وصل إليه أيوب ودلف بعدما طرق الباب وأستأذن بالدخول حتى حصل على الموافقة.
دلف وجلس على مقعد المكتب وحينها أشار له عبدالقادر بالحديث عن ما سبق وأخفاه الآخر عنه قائلًا:.

شوف! أنا ساكت وعارف إنك مخبي عني بس بمزاجي هفوتلك يا ابن عبدالقادر بس مش هسكت إنك تكدب عليا، حصل إيه يومها يخليك ترجع وشك مضروب تاني، ومن بعدها يوسف يمشي ويسيب القاهرة كلها؟ راح فين؟
زفر أيوب بقوةٍ وتذكر أمر رسالة يوسف الصباحية التي أرسلها له ثم أغلق هاتفه كُليًا وكأن عقله ينبئه بالأمانة التي ألقاها عليه يوسف وفي هذه اللحظة أعتذر لوالده قائلًا:.

أنا آسف يا بابا، مش هقدر أقول حاجة علشان هو أمني قبل ما يمشي، مش هكدب وأقولك محصلش، بس مسيرك تعرف لو هو حابب يعرفك، ومتقلقش عليا أنا بخير الحمدلله.
رفع عبدالقادر كلا حاجبيهِ وهو يرى إنسحاب أيوب من المكان متجهًا إلى غرفتهِ وكأنه يهرب من سطوة والده الذي لم يقبل بتلك المحادثة بل يصر على معرفة كافة التفاصيل، وحينها دلف أيوب غرفته وجلس على طرف الفراش يتذكر ما حدث ليلة أمسٍ.

في مكانٍ آخرٍ تحديدًا بمحافظة أسوان.
جلس يوسف في الخارج أمام إحدى البُحيرات المائية في هذه المحافظة ومعه بين أنامله سيجارةً ينفث هوائها خارج رئتيه ومعه في يده دفتر ورقي وقلمٍ وما إن أنهى سيجارته المُدخنة ألقاها بطول ذراعه ثم فتح دفتره يكتب بداخله (1) وبدأ في رسم عيني عهد بعدما اندمج فيما يفعل وقد قطع اندماجه شرود ذهنه في موقف الأمس الذي تسبب في مجيئه إلى هنا.
(قبل عدة ساعات من هذا اليوم).

رحل يوسف من بيت نَعيم بغضبٍ تفاقم عن السابق دون أن تخمد نيرانه وقد سبق وخطف مدية حادة من غرفة إسماعيل ووضعها في جيبه ثم ركب سيارته ولم تلحظه سوى سمارة التي ركضت نحو إسماعيل وأخبرته بما رآته.

قاد يوسف سيارته إلى بيت الراوي ثم ولج البيت سرًا وتوجه إلى غرفة سامي يفتحها كما تعلم ذلك حتى أن أعتى الأبواب لم تستعصى عليه في فتحها، وقد أقترب من فراش الآخر وفتح المدية يمررها على وجنته وهتف بنبرةٍ هامسة تشبه فحيح الأفعى:
نوم العوافي يا ابن الرقاصة قوم علشان دي هتبقى أخر نومة في حياتك إن شاء الله، مكتوبالك تموت على أيدي.

أنهى حديثه ثم فتح نزل بالمدية يستقر بها على كف سامي وترك بها الأثر الأول لهذه الجولة التي منذ بدايتها تم معرفة الرابح بها والبقية سنعلمه سويًا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة