قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول

شيء من عبق الماضي..
هزيم؟ اخي؟ فقط استمر بالتنفس. فقط انظر الى عيناي اتوسل اليك. اياك ان ترحل، استمر بالتنفس وكل شيء سيكون بخير انا اعدك، فقط تنفس معي!
توسلات كثيرة تبعتها صرخة قوية مع انسدال عينيه ثم صرخة اخرى في الواقع هزت لها جسدها وايقظتها من سباتها العميق وكوابيسها المتكررة، او بصورة اكثر صحة كابوسها المتكرر.

ارتفع جسدها بتلقائية من فوق سريرها وارتعشت انفاسها كأرتعاشة اطرافها. ادارت حدقتيها المشوشة بفعل الدموع من حولها لتتأكد انها بين جدران غرفتها. وان المطر توقف بل ولم يهطل من الاساس. وان الصباح حل منذ فترة طويلة. كان مجرد كابوس مخيف من الماضي لا اكثر. كابوس حقيقي يكرر نفسه عليها وكأنه يمنعها من نسيان ما ترفض التخلي عنه من الاساس!

تطلعت ريم بيديها المرتجفة ومسحتهما بهستيريا اقرب الى الجنون وكأن الدماء لا تزال عالقة بهما ثم رفعتهما بأنفعال اتجاه وجهها لتعيد بعض الشعيرات الملتصقة بجبينها المتعرق وعنقها نحو الخلف. لملمت جسدها بعضه الى بعض. الصقت ركبتيها بصدرها واحاطتهما بيديها لتعانق جسدها بقوة وهي تدفن رأسها بين فخذيها وتبكي بمرارة. هذه هي المراسيم المعتادة عليهت في كل يوم ريم ذات ال25 ربيعاً. ام يجب ان نقول خريفاً، فهي لم تعد تلك الفتاة المشرقة التي تتشابه مع الزهور بعنفوانها بقدر تشابهها مع اوراق الخريف المنتهي اجلها! من يرى شكل ريم الان للمرة الاولى يجدها فتاة ذات مظهر مزري وغير جذابة على الاطلاق. عينيها ذابلة طوال الوقت من كثرة البكاء، بشرتها شاحبة. لها هالات سوداء تحيط عينيها الزرقاء كان الكحل سبباً كي يزيد من اسودادها. فالكحل هو الشيء الوحيد الذي كانت تضعه داخل عينيها، او بعبارة اخرى الكحل هو الشيء الوحيد الذي لايزال يربطها بعالم الفتيات، لقد تناست امر الموضة منذ سنين. تناست امر مساحيق التجميل. شعرها دائماً غير مصفف وتربطه بأهمال، ولكن رغم هذا كان بها شيء مميز يجعلها جملية بكل مظهر كانت به، ستحدق بها مطولاً ولكنك لن تعرف اين يكمن سر جمالها بالضبط!

قامت من سريرها بخطوات غير متوازنة وجسد لايزال اثر الارتعاش يكتنف اطرافه. اتجهت نحو علبة دواء قد تركتها على طاولة تزيينها بالامس. فتحتها بيديها المرتجفتين وهي تتنفس بصعوبة ودموعها تنزل من غير رحمة وكأنها تستعجل اخراج هذه الحبوب وألا لن تبقى حية لدقيقة اخرى!.
وضعت حبتين في راحة يدها وابتلعتهما فوراً ثم دفعتهما نحو بلعومها بجرعة ماء قليلة!

تنفست بأرتياح وهي تشعر بالحبوب قد دخلت الى جسدها ثم عادت بعدها نحو سريرها لتغط بسبات عميق بعد ان اخذت حبوب المهدئ تلك، عميق لدرجة يمنعها من تلك الكوابيس. من تلك التسجيلات القديمة التي يصر عقلها على الاحتفاظ بهن!.

وهكذا هو حال كل يوم، تستيقظ مرعوبة من كابوس يحمل عبق الماضي فتأخذ تلك المهدئات التي ادمنت عليها وتعود لسبات يسحبها من واقعها الذي ترفض تصديقه، واقع لايحوي اخيها ورفيق طفولتها وتوأمها هزيم، هزيم الذي لفظ انفاسه الاخيرة بين يديها!

دقت الساعة الرابعة عصراً، فتحت ريم عينيها بتثاقل متمنية النوم اكثر ولكن جسدها تشبع بمافيه الكفاية! قامت لتأخذ حبتين اخرتين ولكن صوت ضحكات صغيرة جذب انتباهها فجذبت يدها من العلبة وقررت النزول، فلايمكنها تجاهل هذه الضحكات ابداً!

ارتدت مئزرها البيتي الابيض فوق منامتها ولملمت خصلات شعرها الحريرية بشكل عبثي فتساقطت بعض الخصلات على جانبي رقبتها لتصبح هيئتها مهملة اكثر لاسيما مع تلك العيون الحزينة التي لم تخلو يوماً من اثار دموع متراكمة دائماً ورموش غالباً ماتجدها مبللة، حزينة بشكل ملفت للانظار تجعلك تعلق ابصارك بها دون ان تعرف سر هذه الجاذبية. مثل ابتسامة الموناليزا الغريبة، معقدة رغم بساطتها، وعميقة رغم وضوحها!.

نزلت من السلم واتجهت نحو المطبخ وحاجبيها يرفضان ان يبتعدا عن بعضهما ويفتحا جبينها المقتضب.
كانت نسرين الاخت الاكبر ذات ال33 عاماً تجلس هناك.
نسرين كانت شبه مقيمة في منزل اسرتها هي وابنتها هيلين ذات ال3 سنوات بسبب سفر زوجها الدائم من اجل عمله وكرهها للبقاء وحيدة في منزلها.
قالت نسرين بسخرية وهي ترتشف كوب قهوتها المعتاد وتحدق بأتجاه اختها:
هل نقول صباح الخير ام مساء الخير؟

اجابت ريم ببرود وهي تتجه نحو الثلاجة:
اغلقي فمكِ ولاتقولي شيئاً.
زفرت الاخرى بضيق من دون تعليق فالجميع قد اصبح معتاد على اسلوب ريم الجاف وبرودها في السنوات الاخيرة. عكس ماكانت عليه في الماضي تماماً!
اخرجت كوب ماء بارد ارتشفته كله دفعة واحدة ثم اغلقت الثلاجة غير مبالية بأصناف الطعام الشهية المعروض امامها...

اقتربت تلك الضحكات الصغيرة اكثر منها اعقبه ركض بخطوات متراقبة ثم تشبث ايادي ناعمة بساقيها، التفت بلهفة ورفعت ذلك الصغير سامي عن الارض وهي تدور به بضع دورات حول نفسها واخيراً تبسم وجهها العبوس وتزين ثغرها بأبتسامة تمنحها له فقط.
ختمت هذا الاستقبال بقبلة طويلة وعميقة فوق خده الوردي وبعدها عناق اطول وكأنها لم تراه منذ اسبوع رغم انها هي من وضعته في فراشه بالامس بعد ان غلبه النعاس في سريرها!.

كان يحمل عينا ابيه. رائحة ابيه. ضحكة ابيه. ببساطة كان سامي ذو الثلاث سنوات نسخة مطابقة عن ابيه هزيم!
احاط وجهها بكفيه الصغيرتين وقال بأبتسامة عريضة: اين سنذهب اليوم عمتي؟
داعبت انفه الصغير بأنفها وهي تقول: الى اي مكان تأمر به يااميري الصغير!
لوى شفتيه الكرزيتين وضيق مابين عينيه بتفكير ثم هتف بسرعة: اهاا، سنذهب الى المركز التجاري اولاً كي تشتري من اجلي البوضة ثم ستأخذيني الى الحديقة!

فأخترق المسامع فوراً صوت رقيق وهادئ:
يالك من طماع صغير!
التفتت ريم بأبتسامة لطيفة نحو زوجة اخيها ميسم ذات ال23 عاماً والتي فضلت البقاء معهم في المنزل بعد وفاة هزيم كي تربي ابنها وسط اسرة ابيه ولاتبعده عنهم لاسيما وهي تعرف مدى تعلقهم به وانه الشيء الوحيد المتبقي من ذكرى ابنهم الميت!
قالت ريم وقد عادت لتنظر بوجه صغيرها المدلل:
فليكن طماعاً كما يشاء، فكم سامي لدي انا كي لاانفذ اوامره؟
قالت ميسم ممازحة:.

تعلمين انه يستغلكِ بشدة!
فعانقته ريم بقوة وهي تقول:
ان كان كُل استغلال جميل هكذا فيا لي من محظوظة حقاً!
ثم انزلته من بين يديه ودفعته من كتفيه برفق تحثهُ على الركض بأتجاه امه وهي تقول:
هيا بسرعة تذهب نحو الماما لتغير لك ملابسك كي نخرج!
اطاع سامي امرها بفرحة ورافق ميسم نحو جناحهما الخاص كي يغير ملابسه. ماان غاب عن ملامحها حتى غابت ابتسامتها معه وكأنهم فصلو سلكها عن الكهرباء لتعود نحو عالمها المظلم...

كان المطبخ ذو تصميم امريكي. هناك نصف سور رخامي مغطى بالمرمر على شكل نصف دائرة يتوسط المطبخ يقع خلفه الطباخ والثلاجة واشياء اخرى وامامه عدة كراسي يجلس عليها احدهم ليتناول وجبة خفيفة او يحتسي مشروب ما.
وهناك تجلس نسرين. فجاورتها ريم على الكرسي الاخر وهي تفرك صدغها بأصبعيها لتزيل عنه صداعها. قالت نسرين بعطف:
هل اعد لكِ وجبة ما؟
لا شكراً.
لكنكِ.

لم افطر ولم اتغدى ولم اتناول عشائي بالامس، اعرف تكملة الجملة.
جيد انكِ تعرفيها، وهل تعرفين الحال المزرية ايضاً التي اصبحتي عليها؟ ووزنك الذي يقل بشكل ملحوظ بين يوم واخر؟ والهالات السوداء التي تحيط عينيكِ بسبب تلك المهدئات اللعينة التي تشربيها؟
نظرت ريم نحوها ببرود وملل وقالت بعدم مبالاة:
هل انتهيتي؟
ثم سحبت كوب القهوة من امام نسرين واكملت:
قومي لتجهيز هيلين كي ترافقني.

تنهدت نسرين مرة اخرى بضيق فهي لاتملك شيئاً اخر لتفعله مع هذه العنيدة التي تقتل نفسها ببطئ منذ وفاة اخيها، قامت بقلة حيلة واكملت ريم احتساء قهوتها التي اخذتها لتبعد عنها صداع معتاد في كل يوم لدى استيقاظها واذا كان راحماً لها قد ينتهي بعد ساعة اذ لم يستمر لعدة ساعات اخرى...

رفعت الكوب الى فمها لتدفع بعض ذلك الشراب الدافئ نحو بلعومها فأستنشق انفها عبق القهوة المميزة وسحبتها الذكريات بقوة نحو سنين طويلة.

(هزيم يقف في المطبخ يعد قهوة الصباح المعتادة التي يفضل اعدادها بنفسه فلا احد يجيد صنعها بمهارته، تنزل ريم راكضة من السلم وتجلس على الكرسي امام الطاولة الرخامية ذاتها واستنشقت عبق القهوة التي ملأت ارجاء المنزل حتى وصل نفسها لأخره ثم طرحته بصوت مرتفع جعل هزيم يلتفت نحوها بأبتسامة ويقول:
هذا يعني انكِ تريدين كوباً.
وهل يحتاج الامر الى سؤال؟

ضحك وملأ كوبين قد حضّرهما مسبقاً بجانبه فهو يعلم بتوأمه المشاكسة التي لن تستغني عن قهوته الصباحية حتى في ايام العطل، وضع كوبها امامها وارتشف من كوبه وهو يقف على الجانب الاخر امامها يرتكز بمرفقيه على الرخام الذي يفصل بينهما. ارتشفت رشفة سريعة ولكن ابتلعت اكبر قد ممكن منها ثم زفرت بأرتياح وهي تستلذ بهذا الطعم الرائع وقالت:
سأدفع اي شيء مقابل تعلم وصفتها!

سحبها من انفها بشقاوة كما اعتاد دائماً منذ طفولتهما وقال ممازحاً:
السر في الاعداد وليس في الوصفة ايتها الحمقاء.
ومع ذلك. علمني اياها علني استطيع فعلها بمثل مهارتك، نحن توأمين قد نتشابه بهذا ايضاً!
تبسم بأستفزاز وقال:
لن افعل.
هتفت به بحنق طفولي:
يالك من شرير متمرد. لماذا ترفض ذلك؟
سحبها من انفها مرة اخرى وقال:.

لأن قهوتي هي من تدفعك ان تستيقظي مبكراً كل صباح كي تنظمي إلى ونشربها معاً وان علمتكِ اياها قد لانجلس معاً في الصباح ككل يوم، وايضاً.
صمت قليلاً وهو يعلم تأثير الجملة الثانية عليها وبعدها اكمل:
اريد ان اخطر على بالك كلما شربتي قهوة غير قهوتي بعد ان اسافر وانتي تستشعرين الفرق بين الطعم وتفتقدين روعة قهوتي. انا متأكد انك ستتذكريني كلما ارتشفتي القهوة.

انزلت الكوب من يدها وهي تنزل ابصارها معه وقد استبدلت ملامحها بأخرى كئيبة وقالت بحزن:
ألم تغير رأيك؟
ارتشف من كوبه قليلاً ثم قال:
هذا رأي ابي وليس رأي.
رفعت رأسها نحوه بقوة دفعة واحدة وقالت:
اذاً ارفض.
تبسم بعطف وقال:
انها مجرد سنتين ياعزيزتي. ادرس معهد الاعمال هناك كي انضم الى عمل ابي في الشركة بمهارة عالية. هذا من اجل مصلحتي ومصلحة العائلة.
زفرت بضيق وقالت:
اذاً خذني معك.
ضحك بقوة وهو يقول:.

ماما لن تتأخر ياصغيرة. مجرد سنتين واعود لكِ.
انا جادة ياهزيم، انت تعلم اني قليلة الاختلاط بالاخرين وانت رفيقي الوحيد. انا لااحب ان اجلس او اتحدث مع احد سواك. وان رحلت، سأبقى وحدي.
مسح على شعرها بعطف وقال:
لذلك انا وافقت على قرار ابي لاحقاً عندما رفض طلبي بأخذك معي.
ماذا تعني؟

صغيرتي. عليكِ التخلص من هذه العادة، انتي ستصبحين فتاة جامعية وانا لن اكون معكِ هناك. الى متى ستظلين ملتصقة بي كظلي؟، عليكِ التعرف على صديقات وألا سيعتبروكِ غريبة الاطوار وقد يسخرون منكِ او يعزلوكِ عنهم وتبقين وحيدة...
ثم هتف بها بمزاح:
والصراحة انتِ عليكِ ان تصادقي فتاة ما فأنا قد مللت مرافقتكِ لمراكز التبضع كي تشتري الملابس واضطر للتجوال معكِ لساعات. اي مصيبة وابتلاء هذا الذي جعلكِ اختي.

تبسمت من بين دموعها وهي تقول:
انت لست مضحك.
أحقاً؟ أنا متأكدة اني رأيت اسنانكِ الان، والدليل هناك بقعة قهوة بنية عالقة بين نابك الايسر.
مسحت اسنانها وقد صدقت خدعته التي لم تكتشفها ألابعد ان قهقه عالياً. ضربته برفق فوق كتفه وهي تقول:
وتستطيع ان تضحك ايها القاسي بارد المشاعر.
سحبها من رأسها وقبلها فوق شعرها بحنان وهو يقول:
سأتصل بكِ كل يوم لأزعجكِ.

سكتت راضخة بعدم رضا لقرار غير عادل حسب ماترى، عندما لمح بعض اثار الحزن لاتزال متشبثة بقوة داخل عيونها الزرقاء اكمل ممازحاً في محاولة لأنتشالها من هذا:
ومن يعلم. قد اتعرف على فتى وسيم هناك واخبره ان لدي اخت جميلة جداً وقد يتقدم لخطبتك وتتزوجين ونرتاح من مشاكلكِ وطلباتكِ.
قالت وهي تبادله مزاحه:.

أذ كان الامر كذلك فسافر غداً بدلاً ان تتأخر اكثر ياعزيزي وأذ لم تتعرف على فتى وسيم فأبقى هناك لتكمل الكلية ايضاً علك تتعرف على واحداً.
هكذا اذاً؟
هكذا واكثر.
ضحك بقوة على حماسها الذي اصطنعته فجأة ثم حدق فيها بأبتسامة هادئة يتأمل تلك الملامح الطفولية وبعدها قال:
سأضرب زوجكِ بقوة في يوم زواجكما.
ولماذا؟
كي احذره ان لايتجرأ ويمد يده عليكِ في يوماً ما وألا اني سأقتله.
فضربته على كتفه بضحكة وقالت:.

هكذا سيطلقني من قبل ان يتزوجني ايها الاحمق. ارحمني يرحمك الله ولاتأتي ألى زفافي وألا فسيعيدني معكم.
أتعلمين، احياناً اراكِ حقيرة حقاً!
ضحكت بقوة وفجأة انقطعت سلسلة ذكرياتها، ).

قطعها سامي بدخوله المفاجئ تتبعه هلين وقد احدثو ضوضاء من ركضهم السريع فوق الارضية المرمر. تبسمت ريم لقدومهما ثم حملتهما معاً تغدقهما بوابل من القُبل والدغدغة، فمع هذين الاثنين فقط تعود جزء من ريم القديمة التي دفنتها بداخلها ترفض خروجها لضوء الحياة، انزلتهما بعد مداعبة استمرت لبضع دقائق وقالت:
انتظراني قرب السيارة ايها المشاغبين سأغير ملابسي وانزل...

صعدت السلم بخطوات سريعة وذهبت نحو غرفتها لتغير ملابسها. فتحت الخزانة وتجمدت عينيها فوق قطعتين من الملابس، بلوزتين متشابهتين تماماً وتختلفان في اللون فقط. احدهما بيضاء والاخرى سوداء مرسوم على صدر كلتيهما وجه ضاحك. مدت يدها بتردد نحو السوداء وتلمستها بأطراف اصابعها وكأنها تخشى ان يعلق عطرها هي فيها وتختفي رائحة اخيها. قربت انفها اكثر من البلوزة واستنشقت رائحتها العطرة ونزلت دموعها بقوة اكبر وهي تعتصر عينيها غير تاركة مجال لأي دمعة ان تبقى حبيسة جفونها، همست للبلوزة وكأنه امامها:.

ذكراك في كل شيء حولي. انت في كل مكان ولست في مكان!.
لاتزال البلوزة رغم السنين تحمل رائحته الزكية. تلك الرائحة المميزة التي تعرف من خلالها ماان كان موجوداً حولها او لا، عادت ذكرى اخرى وصدى اخر ليصدح في عقلها من سنين غابرة.
(هل اعجباك؟
ماهذه؟
انهما بلوزتين متشابهتين سنرتديهما ونأخذ بهما صورة لأحتفظ بها. البيضاء لي لأنها تعكس شخصيتي الطيبة والمتسامحة والسوداء لك لأن شر العالم كله يكمن في قلبك.

امسكها من رقبتها من الخلف وامالها للأمام وهو يهتف بها ممازحاً:
حسناً سأريكِ الشر كيف يكون ياانسة ريم).

كفكفت دموعها شبه المستمرة وسحبت قميص بلون الكراميل ارتدته فوق بنطال جينز ازرق مع وشاح اسود تلفه حول عنقها. فتلك البلوزة البيضاء لم تضعها مجدداً فوق جسدها منذ وفاته واصطفت بجانب رفيقتها السوداء وكأن مالكيهما كلاهما قد ماتا، فريم تعيش في جسد ميت. كل ماتشعر به هو دقات ما في جانبها الايسر وارتفاع صدرها وانخفاضه بين ثانية واخرى، فقط! لاشيء اخر، لاطعم، لااحساس. لا حياة!.

نزلت بأسرع مايمكنها بعد ان رتبت شعرها بأهمال بالكاد قد جمعت خصلاته مع بعضها وخرجت تقلب مفاتيح السيارة بين يديها لترى الصغيرين ينتظراها على احر من الجمر يتشاجران كالعادة فيمن سيجلس بالمقعد الامامي بالقرب من ريم وكالعادة ختمت هذا النقاش وهي تفتح الباب الخلفي وتقول:
لاتكونا واثقين من نفسيكما كثيراً ايها المشاغبين. كلاكما ستركبان في الخلف لايجوز لطفل ان يجلس في المقدمة...

بالطبع لم يرحماها هما من تذمرهما وبعض الكلمات المتمتمة التي لم تسمعها فهما يحرصان على ابقائها منخفضة كي لايتم حرمانهما من هذه النزهة.
اول مكان توجهو اليه كان المركز التجاري لتشتري لهما بعض البوضة ومن ثم الى الحديقة، اول مافتحت لهما الباب انطلقا راكضين قبلها ليحتل كل واحد منهما ارجوحة يسابقان فيها الرياح. جلست على مسطبة مقابلة لهما على بعد مسافة تراقبهما بأبتسامة...

(انا سأركب بهذه الارجوحة ياهزيم انها ترتفع اعلى.
بل انا من سأفعل.
ولما تكون انت وليس انا؟
لأني اكبر منكِ.
نحن توأمين يااحمق.
اجل ولكني خرجت قبلكِ بدقيقة.
وما ادراك؟ هل كنت حاضراً؟
لا، ماما من قالت هذا.
كانت غائبة عن الوعي كيف لها ان تعرف. بالتأكيد هم خدعوها. انا من خرجت اولاً.
بل انا...
لاتعليق من ريم الصغيرة ذات السنوات السبع. مجرد وجه مستاء على وشك البكاء فتبعتها زفرات متتالية من هزيم وهو يقول لها بتذمر:.

كفي عن النظر إلى بهذه الطريقة...
ولكنها لم تبعد تلك النظرات مما جعله يرضخ لها فوراً بقلة حيلة ويجعلها تركب في الارجوحة التي تختارها. فهو لايمكنه مقاومة تلك العيون وهو يراها حزينة.

لم تكن خاتمة الذكريات بمنظرهما وهما يلعبان في طفولتهما بل غزت عقلها لقطة اخرى لاتفارقها، يرفع بصره اليها غير قادر على التكلم، جسده يرتجف بين يديها مثل ارتجاف شفتيها وهي تجحظ بعينيها تحوط رأسه الذي فوق حجرها بيديها الملطختين بدمائه، شيئاً فشيئاً انفاسه تتباطئ وارتجافه يختفي، وجفونه تنسدلان بهدوء كمغيب شمس وهي تختفي داخل جوف الارض، ولكن هو لن يملك القدرة على الاشراق في صباح اليوم التالي، بل هذا مغيبه الاخير، صرخة قوية بأسمه داخل ذكرياتها جعل جسدها يرتجف بالواقع وكأن احدهم قد صرخ بقربها وليست صرخة ذكريات، رنين هاتفها جعلها ترفع يديها المرتعشتين لتمسح دموعها التي تنزل لأي ذكرى حزينة او سعيدة بشأنه، اجابت بعد ان تماسكت قليلاً:.

اجل ميسم؟
عزيزتي، جدكِ هنا.
اقتضبت ملامح وجهها واغمضت عينيها وكأنها مشمئزة من ذكر هذا الاسم امامها، فكبير عائلة ياسين هذا هو من قرر بعدم اخذ الثأر او حتى الدية من عائلة مراد الذي كان احد افرادها هو من قتل اخيها دون ان تعلم هل كان من الابناء او الاحفاد كل ماعرفته ان احداً منهم قد فعل...
ماذا يريد؟
ربما عليكِ القدوم. الامر يتعلق بعائلة مراد، واظن ان هناك ثأر جديد، علينا وليس لنا.

ثأر جديد، كلمة قد جعلت العالم من حول ريم يتموج وتصبح كل الاصوات كالصدى، فهاتين العائلتين لم تكفان عن الثأر من بعضهما البعض واراقة دماء افرادها منذ اكثر مايزيد عن خمسة عشر عاماً والوحيد الذي لم يتم اخذ ثأره هو هزيم لأسباب لايعرفها سوى بعض الافراد في عائلة ياسين لم تكن هي من ضمنهم بالطبع!.

هناك دم جديد سُيراق. عزيز اخر ستحتضن جثته تحت المطر. طفل اخر سيبقى من دون اب. وزوجة اخرى ستترمل، واخت اخرى ستُفجع، انتفض جسدها فوراً من مكانه وقالت بعصبية:
انا قادمة!
حملت سامي وقادت هيلين من يدها دون الاستماع الى تذمرهم وشكواهم في البقاء لفترة اطول مجرد منحتهم قُبل سريعة واعدة اياهم بفسحة اخرى...

لولا وجود الاطفال في السيارة معها لقادت كعادتها بسرعة جنونية ومتهورة عندما تغضب. وصلت الى منزلها وانزلت الاطفال بسرعة وتركتهم يلعبون في الحديقة كي لايسمعون البركان الذي سيثور بعد دقائق ودلفت مسرعة الى الداخل...

تباطأت خطواتها شيئاً فشيئاً وهي تقترب من اجتماعهم في الصالة. اجتماع كلما انعقد حمل معه مصيبة أذ كان من يترأسه جدها ياسين، تطلعت بعينيهم واحد تلو الاخر ابتداءاً من ابيها سيف الى امها بلقيس الى اختها نسرين ومن ثم ميسم واخيراً في تلك العيون المطلية دائماً بالاحمر، عيني جدها الذي يرتكز كعادته بيديه المجعدتين فوق عكازه الخشبي...

لم تفهم ريم سبب تلك النظرات المشفقة التي منحتها اياها نسرين وميسم وهي تجلس على الكرسي المقابل لجدها، جلوس علمو انه لن يطول قبل ان تقوم مرة اخرى منتفضة، لم يكن هناك عتاب من جدها لأنها لم تلقي عليه التحية فهي منذ ثلاث سنوات على خلاف معه بسبب ماحصل، قال بعد ان اتخذت موقعها:.

حفيدي رأفت قد قام بتصرف متهور من دون ان يستشير اسرته، حاول ان يقتل احد افراد مراد هو على خلاف شديد معه ومع الاسف بعض ابنائي قد ساندوه في خطته هذه. ولكن من الجيد ان ابن مراد لم يمت.
ضحكة خفيفة ساخرة اطلقتها ريم قطعت بها حديث جدها وهي تكتف يديها امام صدرها وتقول:
من الجيد؟ احياناً اشك بكونك من اسرتنا، فدفاعك لأسرة مراد لايعقل انك ضدهم.
ضرب بقاعدة عكازه مرة فوق الارض بغيض وهو يقول بعصبية:.

لست بجانبهم ولكن موت اخر يعني ثأر اخر، يعني ضحية اخرى...
فأكملت بأستفزاز:
يعني ضعف اخر وتخبئة رؤوسكم كالجبناء متغاضين عن ثأركم وواهبيهم مسامحة لن يهبوها لكم.
زفر بضيق وهو قد تعب من فتح ذات الموضوع معها دون ان يصلو لنتيجة في الحديث، اكمل وقد تعمد اضفاء بعض الهدوء لحديثه محاولاً الحفاظ على تماسك اعصابه حالياً، فالخبر الاعظم لم يطلقه بعد والذي سيضطر لأن يفقد اعصابه به:.

نتيجة لأغتيال ابنهم فعائلة مراد قررت اخذ دية، ولكن ليس اموال.
رفع بصره فقط بأتجاهها من دون تحريك رأسه بنظرات صارمة وهو يكمل:
الدية ستكون امرأة!
قطبت حاجبيها بأستغراب وهي تحدق فيه تريده ان يكمل ما لا تستطيع استيعابه فلم يبخل عليها ببقية الحديث:
لقد قررنا ان نصل الى حل يقطع بيننا هذه الدماء، احدى نسائنا تتزوج احدى رجالهم ك دية عما فعله رأفت بدل ان يثأرو بطريقة اخرى.
قطبت حاحبيها اكثر وهي تقول:.

كيف يعني ك دية؟
اي من دون زفاف، من دون مهر. من دون اي حقوق قد تملكها اي زوجة اخرى. سنحدد اليوم الذي ستنتقل به من بيت اهلها لبيت زوجها، لايحق لها معارضة زوجها بأي قرار. لايمكنها ان تطالب بأي شيء لايريد منحه لها. لن يكون لها حفلة خطوبة ولاحفلة زفاف، وان لم يقرر بأرادته ان ينفصل عنها فليس من حقها ان تطالب بالطلاق، فأنفصالها عنه يعني انسحاب الدية، ويعني وجوب اخذهم للثأر حينها...

صمتت. لاتعليق، لاحركة، لاتزيح عينيها من عينيه، تنتظره ان يكمل. فبالتأكيد ليس هذا فقط ما جاء من اجله. وبالفعل قد اكمل:
شروط الدية ان تكون المرأة ذات صلة قريبة بكبير العائلة. اي انا. ولايجب ان تكون ذات صلة بعيدة، اما ان تكون ابنة او حفيدة، وليس هناك احد غير متزوج سوى لمار وهذه لازلت صغيرة لم تكمل العاشرة بعد.
ثم اكمل وهو ينظر اليها بصرامة اكبر:
وانتِ!.

قطبت حاجبيها اكثر وقد اشتعل وجهها بتوهج احمر حبست نيرانه داخلها لم يحن الوقت بعد لتطلقها، قالت وهي تجحظ بعينيها:
الى ما تحاول الوصول؟
قال بحزم ومن دون اي تردد:
انتِ ستكونين هذه الدية!.
اوه حقاً؟ ومن المفترض ان اقول الان حاضر جدي ويحل الامر بهذه البساطة؟!
ضربه بعكازه بغضب وهو يهتف:
ريم.
قامت وقد قررت ان الوقت قد حان لأطلاق نيران بركانها. هتفت بأعلى ماتملكه من صوت:.

هذا يكفي! أتظنون اني سأرضخ لقراركم هذا ايضاً؟ هل انت جاد في ماتطلبه مني؟.
عائلة مراد؟ تريدني ان ارتبط بواحد من عائلة مراد؟ انا ان رأيت واحد منهم سأقطعه بأسناني واقتله وانت الان تريدني ان ارتبط بواحد منهم؟ ممن قتلو اخي؟
ثم صرخت بهم جميعاً:
هل فقدتم عقلكم؟ ماهذا الهراء الذي يحصل؟
قام جدها بعصبية اعقبه قيام الاخرين معه وقال:
الخيار ليس عائد لكِ. الامر قد تم مسبقاً.

لم يتم ولن يتم، سأقتل نفسي قبل ان اتزوج واحد منهم.
ثم نظرت لهم بحدة وهي تكمل:
وتعلمون اني قادرة على هذا!.
ثم تركتهم وصعدت نحو غرفتها فمنح الجد والدتها بلقيس نظرة ذات معنى فهمت من خلالها مهمتها قبل ان يغادر المنزل.
طرقات خفيفة فوق باب غرفتها عرفت من خلفها فلم تجب وهي تعلم ان الطارق سيدخل لامحالة. ثواني من الانتظار من دون اجابة حتى فتحت والدتها الباب ودخلت...

كان منظر ريم ك لبوة هائجة تنتظر فريستها لتكون ضحية انيابها الجائعة. تجوب الغرفة ذهاباً واياباً وهي تقضم اظافرها بتوتر او تعيد شعرها للخلف بعصبية بين لحظة واخرى. دخلت والدتها بهدوء وجلست على حافة سريرها بكل رصانة امام هذه النيران المتحركة وقالت بعد ثواني من الصمت:
أيمكنك ان تهدأي قليلاً لنتفاهم؟
فنظرت لها ريم دفعة واحدة وقالت بحدة:
اياكِ ان تطلبي مني ان اهدأ امي!

ثم اكملت بأنفعال وكأن والدتها طلبت منها ان تنفجر وليس ان تهدأ:
كيف امكنكم ان تطلبو شيئاً كهذا مني؟ بل ولما انتِ وابي كنتما صامتين ولم تعترضا؟
اجابت بلقيس بكل برود:
لماذا سنعترض على شيء نحن موافقين عليه؟
سكون تام لايقطعه سوى صوت انفاسها اللاهثة من الغضب. تمتمت بعدم استيعاب:
ماذا؟
اشاحت بلقيس وجهها الناحية الاخرى لثواني وهي تنظم طريقة تنفسها كي تحافظ على هدوئها ثم عادت تنظر في وجه ابنتها واكملت:.

حاولنا ايجاد حل اخر. ولكننا فشلنا. عائلة مراد مصرة على هذا القرار. ونحن ليس بيدنا شيء اخر لنفعله.
اجابت ريم بعدم تصديق وهي تحدق في امها بذهول:
كيف أمكنكِ ان تقولي شيئاً كهذا؟ أستقدميني ضحية هكذا ببساطة للعائلة التي قتلت ابنكِ؟
عند هذه الجملة قامت بلقيس بأنتفاضة وهي تعصر كفيها ببعضهما ولكن من دون ان تعلق فأكملت ريم بعصبية:.

أستفعلين امي؟ ألا يكفي مافعلتموه بي منذ وفاة اخي والى اليوم؟ ألا يكفيكم ماتعذبت بسببه؟.
اقتربت اكثر من والدتها وقد برزت كل شرايين رقبتها من الغضب واحمرار وجهها يكاد يبعث شرارات تحرق ماحولها وهتفت بوجه امها بصوت اعلى:.

سنة كاملة بعد وفاته وانتِ لاتنظرين في وجهي امي لأني احمل الشكل ذاته. سنة كاملة اهملتي ابنتك ونسيتي ان لكِ ابنة، مات هزيم فأجبرتني ان اموت معه. لم تنظري في وجهي بعدها ولم تتصرفي وكأن لديكِ ابنة لاتزال حية. موته كان كافياً ليجعلني افقد الرغبة في الحياة. وبسببكِ انتي ازدادت لدي هذه الرغبة. الرغبة بالموت. الرغبة بترك حياة ليس فيها هزيم.
ثم ضعف صوتها بالبكاء اكثر وهي تقول:.

تخليتي عني في الوقت الذي احتجتك فيه بشدة. والان عدتي مرة اخرى لتتخلي عني!
التفتت اليها والدتها وقالت بكل هدوء:
انا لااتخلى عنك ريم، انا احاول حماية ماتبقى لدي.
انتي لاتحمين شيئاً امي. انتي تقدميني قربان فحسب.
احاطت بلقيس وجه ابنتها بقوة وقالت وقد سمحت لدموعها اخيراً بالهطول:.

اخيكِ لم ينجب فتاة يا ريم. اخيكِ انجب صبي، صبي سيغدو في يوماً ما رجلاً ليضموه لدائرة الانتقام. لدائرة الثأر، للقتل، ألا تريدين ان تحافظي على حياته؟ ألا تريدين ان تتنهي هذه العداوة كي لايطالبو بالدم يوماً ما ويكون دم سامي هو القربان لثأرهم؟
هذا كل ماتبقى لدينا من هزيم، أتريدينا ان نفقده ايضاً؟

سامي! نقطة ضعفها. سبب حياتها. كيف لها ان لاتفكر به في هذه اللحظة؟ ألم تعاهد نفسها انها ستفعل اي شيء وستضحي بكل شيء فقط من اجل ان تحميه؟ حان الوقت لتنفذ وعدها، حان الوقت لتلبس كفنها كي تمنحه الحياة قبل ان يسلبوه منها كما سلبو اخيها...

اما اسرتها لاسيما والدتها فهي قد اعتادت ان يتخلو عنها في الوقت الذي تحتاجهم فيه. لم يكن احد يساندها ويحميها سوى هزيم، وهزيم رحل، وحمايتها رحلت معه. ستغدو لعبة بين الاسرتين لايوجد من يطالب بحقها ويساعدها، هذا واقعها، وسترضخ له...
تركتها والدتها متصلبة في مكانها تجحظ بعينيها بقوة. مصدومة، ومذبوحة ببطئ، تحتاج الهواء ولن تجده هنا. قادت سيارتها بسرعة تطالب ببعض الهواء. وهي تعلم اين ستجده...

اول ماوصلت الى قبره اطلقت صرخة مكتومة في صدرها منذ وقت طويل، صرخة وبكاء ونحيب وهي تجلس على ركبتيها تحني جذعها العلوي فوق شاهد القبر وتتلمس بأصبعها حروف اسمه وكأنها تتلمس وجهه، انها منبوذة ومنفية ولاوطن لها سواه، هزيم!
نوبة بكاء قوية لم تمكنها حتى من الكلام استمرت لمدة نصف ساعة ثم بعدها بدأ صراخها ينخفض تاركاً خلفه دموع صامتة فحسب، جلست امام القبر تحتضن ركبتيها وتحدق فيه بدموع احرقت روحها.

قالت بأرتجاف وضعف:
انا احتاجك هزيم، احتاجك بشدة!.
ثم رفعت يديها نحو رأسها بهستريا ومررت اصابعها من بين خصلات شعرها وهي تقبض عليهن بغضب ثم قامت فجأة وقالت وهي تحدث القبر بعصبية وكأن هزيم جالس امامها:.

انت مثلهم، لقد تخليت عني ورحلت، وعدتني انك ستبقى، وعدتني انك ستظل بعيداً عن تلك العائلة كي لايسلبوك مني. ولكنك لم تلتزم بأياً من وعودك، لما فعلت هذا ايها الاحمق؟ لما تركتني ورحلت؟ انظر ماذا حصل لي. انظر ماذا تفعل اسرتنا بي؟.
ثم عادت لتضعفها دموعها وتقع مجدداً على ركبتيها وهي تحوط رأسها بيديها وتعود لبكائها القوي وتقول بنحيب وضعف:.

لم يعد اي شيء مثلما كان، ولن يكون اي شيء مثلما تخيلته! حياتي تصبح اسوأ واسوأ في كل يوم يمر على من دونك.
ثم ضربت ارض القبر بقبضتيها بقوة وقالت:
ياليتني مت معك في يومها. ياليتني ارتحت من كل هذه المعاناة...
ولكن. لا حياة لمن تنادي، فالموت لايعيد ما اخذ، وتراب القبر لن ينقشع ليعيد لها اخيها الذي يخفيه بين ذراته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة