رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس والعشرون
برود!
من الجميل البقاء دائماً بجانب من نحب، ولكن احياناً الابتعاد يكون منطقي كي يقينا شر الصدمات المتتالية! نبتعد، نأخذ نفساً عميقاً. عميقاً جداً! ونفتح اعيننا ببطئ لنحدق بالوحدة التي تحيطنا. نعم هي جيدة، ولكن في كل ركن من اركانها ستتخيل من تحب وتتمنى لو انه هنا، عندها ندرك اننا لانحب فقط، بل نحن عاشقين!
اطال ادم النظر الى عيون ريم. حاول عقله تقبل تلك الكلمات الغريبة. ولكنه فشل! طرف برموشه عدة مرات يحاول اعادة الروح لجسده المتصلب الى ان هتف بها فجأة بأستنكار:
ماذا؟
ارتعش جسدها من دون ارادة منها مع صرخته هذه التي اخترقت السكون فجأة ليكمل هو هتافه:
هل الامر لعبة بالنسبة لأسرتك؟ اليوم تزوجو وغداً انفصلو؟
فأجابت ريم وهي تحاول ان تشرح له الاسباب التي اخبرتها بها والدتها:.
قالت لي ان العلاقة بين الاسرتين من المستحيل ان تصبح افضل وبالتأكيد ستبقى المشاكل لذلك لافائدة من ارتباطنا!
لحظة لحظة، هل تحاولين الان اقناعي بوجهة نظرها؟ هل اقتنعتي انتِ؟
ليس اني اقتنعت او لا ياادم ولكن وجهة نظرها صحيحة. مااريد قوله ان كان الزواج قد فشل في اصلاح الامور ربما علينا ايجاد طريقة اخرى.
كتف يديه امام صدره وهو يقول:
طريقة مثل ماذا؟ ان ننفصل عن بعضنا؟
فهتفت به بنفاذ صبر:.
لما لايمكنك ان تستوعب مااقول؟ ألم تسمع مني غير هذه الكلمة؟ ألا ترى المشكلة الاكبر التي نحن في خضمها؟ الاسرتين على وشك الوقوع من جديد في دائرة الانتقام وانت لاتبالي سوى بأنفصالنا او عدمه؟
فتقدم خطوتين منها ليشتد صوت صياحه:
لأن هذا الامر هو الاهم بالنسبة لي!
ابتلعت بقية حروفها فوراً امام ثورة غضبه واشاحت وجهها جانباً تبكي بصمت!
ربما ثلاث ثواني لااكثر حتى سألها ادم بصوت مقتضب:
وبماذا اجبتها انتِ؟
انا لااعلم!
ومع هذه العبارة فتح عينيه بصدمة وقطب حاجبيه وهو يقول بأستنكار: لاتعليمن؟ هل الامر قابل للحصول بالنسبة لكِ وهناك فرصة ان تقبلي به؟
نظرت اليه بحيرة من وسط دموعها وكأنها تستغيث به لينتشلها من هذا الضياع وقالت له بصوت ضعيف: احتاج فرصة ياادم كي افكر. كي اعرف قراري النهائي بشكل صحيح من دون اي تأثير. على ان اعرف طبيعة مشاعري اتجاهك!
رفع حاجبيه بدهشة وهو يسألها بعدم تصديق: طبيعة مشاعركِ؟ بعد كل الذي حصل. وبعد كل تلك الايام، لازلتِ الى الان لاتعرفين طبيعة مشاعركِ؟
فحاولت جمع حروفها الصحيحة كي تبرر له. ولكنها دائماً تفشل في ايصال وجهة نظرها: ليس هكذا، ولكن هذا القرار الذي سأتخذه سيمثل بقية حياتي ياادم لذلك على ان اكون واثقة مما اريد دون ان اندم لاحقاً على اي شيء، فقط اعطني فرصة لأفكر!
توقعته ان يثور مجدداً، ان يقلب البيت رئساً على عقب بصراخه، ان تدوم المناقشة ربما لساعات. لم تتوقع ان يكتم غضبه فوراً ويقول لها بأقتضاب: لاداعي لتفكري طويلاً، اعتقد ان جوابك وصلني. فلو كانت هناك احتمالية انكِ احببتني لما فكرتي بالامر مرتين!
ثم استدار تاركاً الغرفة ومن ثم الشقة بشكل نهائي دون ان يبالي بهتافها بأسمه وترجيه ان يفهمها!
فأحياناً كلمة ما تخرج من غير قصد تسبب لنا جرحاً لن يداوى ولو بألف قصد!
تكورت ريم حول نفسها فوق سريرها لتكمل بكائها هناك كطفلة وحيدة وسط ظلام دامس! لامت نفسها تارة. ووجدت الحق معها تارة اخرى، لديه حق في ان يغضب. ولها الحق في ان تفكر في قرار سيقرر بقية حياتها. فهل تعتذر؟ ام تبتعد فحسب؟، اشياء متناقضة لايمكنها ابداً جمعها مع بعضها البعض لتستمر ببكائها فقط وكأن هذا هو الحل الوحيد!
جلست ميسم امام قبر زوجها العزيز ليجاورها سامي ويرى والدته كالعادة لاتظهر ضعفها ودموعها الغزيرة ألا في هذا المكان! وضعت ازهاره المفضلى فوق القبر وهي تهمس له:
لقد اشتقت لك كثيراً ياحبيبي العنيد، واعلم انك كذلك ايضاً ياعشقي وعاشقي المجنون!
ومن ثم غلفت وجهها فوراً بكلتا يديها ليرتفع صوت بكائها اكثر ونيران قوية تلسع قلبها من غير رحمة، فالزمن قد اخذه منها وهي بالكاد قد ابتدأت حياتها معه! شعرت بيدا ابنها الناعمة تبعد يديها عن وجهها ليمسح لها دموعها وهو يقول بصوته الطفولي:
لاتبكي ياماما ارجوكِ!
تبسمت ميسم من بين دموعها ومسحت برفق فوق شعره الناعم وهي تقول له:
ما رأيك ان تعطي لبابا القبلة المعتادة كي يعرف انك اتيت ايضاً؟
اقترب سامي من شاهد القبر وطبع قبلة فوق اسم ابيه وبدأ فوراً ثرثرته الطفولية المعتادة وهو يخبره كما علمته امه كلما حصل معه في الفترة الماضية وعن الالعاب الجديدة التي اشتراها وميسم تكتفي بالتحديق بالقبر بصمت تتواصل من خلال عينيها مع حبيبها كما كانت تفعل دائماً، فلايوجد غيره من يفهم صمتها ويقرأ حروف عينيها. وهذا ما كان يزيدها عشقاً به! فجأة ارتفعت زاوية فمها بأبتسامة رغم دموعها وذكرى من الماضي تتخاطر الى ذهنها.
(حلت الساعة الثامنة والنصف ودخلت ميسم نحو غرفتها لتستلقي على سريرها بملل. تصفحت هاتفها بضجر دون ان تجد منه اي رسالة هذا اليوم، هل يعقل انه سافر؟ دون حتى ان يودعها؟ هل سيغيب عنها سنة كما اخبرها؟ القت الهاتف بأستياء تحاول قدر الامكان اخراجه من عقلها ولكنها تفشل! فجأة سمعت صوتاً ما في الصالة فأدركت ان ضيوفاً قد زاروهم. مطت شفتيها بملل وزفرت بضيق وهي تتوقعهم احد اقربائهم. وخشيت ان يكونو بيت عمها خالد وابنهم رامز! فمزاجها لايسمح لها بمقابلة احد الان لاسيما هؤلاء ومشروع الخطوبة الذي يحاولون اقناعها به لأبنهم رامز!
دقائق قليلة وفتح باب غرفتها لتدخل اختها الصغيرة روان وقفزت فوق سريرها وهي تقول بحماس طفولي: هناك شاب وسيم جداً اتى لخطبتك اختي!
نظرت اليها ميسم بعدم اهتمام وهي تقول:
هل حضرو بيت عمي؟
لالا ليس بيت عمي خالد، انه شاب وسيم جداً حضر مع اسرته!
قطبت ميسم حاجبيها بأستغراب وهي تقول:
أتعنين انهم غير بيت عمي خالد؟
يااللهي مامشكلتك؟ اقول لكِ انه ليس هم!
وفجأة انسابت لمسامعها صوت ضحكة تحفظها جيداً، هزيم!.
شهقت بفزع وقفزت من سريرها كالمجنونة والصقت اذنها بالباب كي تستمع فوصلها صوت امرأة رصين لاتبدو صغيرة في العمر فأدركت انها والدته:
اعلم اننا اتينا من غير موعد وهذا غير لائق ياسيدتي ولكن عندما يكون لديك ابن مجنون مثل ابني فبالتأكيد ستعذريني!
ضحكت السيدة سعاد والدة ميسم بلطف وهي تجيبها:
لاتشغلي بالك اهلاً بكم في اي وقت!
لينبعث صوت هزيم فوراً:
اذاً ما قرارك ياسيدتي؟
ليلومه ابيه فوراً:.
يا ولدي اصبر قليلاً لم ندخل سوى من خمس دقائق!
فضحكت سعاد لتشاركها ميسم ضحكها بسرية على جنون حبيبها وضربات قلبها تكاد تكسر لها عظام قفصها الصدري لتحلق قربه وتراه!
قالت بلقيس بعد ذلك:
واين هي عروستنا الجميلة. أيمكننا ياترى رؤيتها؟
شهقت ميسم فوراً بفزع اشد ووجهها تلون بصبغة حمراء داكنة، هي بالتأكيد ستفقد وعيها ان خرجت لهم الان!
وقبل ان تتمكن من استيعاب الامر وجدت والدتها تفتح عليها باب غرفتها لتفزع ميسم فوراً وتبتسم والدتها على منظرها المرتبك هذا وهي تقول لها ممازحة:
اذاً ايتها الشقية. هل كنتِ تعرفين بقدومهم؟
فهزت ميسم رأسها بالنفي فوراً وهي تقول بتوتر:
لالا اقسم لكِ اني لم اعرف هو لم يخبرني بذلك!
اوه هكذا اذاً؟ هناك اتصالات بينكما؟
اطرقت ميسم رأسها بخجل وعبثت بأصابع يديهم لتزيل توترها بينما تقول بتلعثم:
ل ليس. دائماً!
فنظرت سعاد نحو روان وهي تقول لها:
حبيبتي. اتركينا قليلاً!
فأطاعت روان فوراً امر والدتها وخرجت من الغرفة لتسحب سعاد ميسم من يدها وتجلس معها على السرير ومسحت على شعرها برفق وهي تقول لها:
انا اعلم انكِ فتاة قوية ياصغيرتي. ومنذ وفاة ابيكِ والى اليوم انتِ تحملتي القدر الاكبر من مسؤوليتنا انا واختك. لذلك انا اثق بقراراتك كثيراً!
صمتت سعاد لثواني وهي تمسك يد ابنتها برفق وتكمل:.
ولكن هؤلاء ليسو من ذات طبقتنا. فهل انتِ واثقة ان هذا ما تريديه؟
انه، انه مختلف امي!
حسناً. لايمكنني نكران ذلك، فمن طريقة حديثهم يبدون لطفاء. ولكن لايمكنني الحكم عليها من خمس دقائق فقط رأيتهم فيها. وانتِ رأيتي الفتى من قبل لذا. هل انتي واثقة؟
نظرت لها ميسم بأبتسامة خجولة وهي تقول:
اجل. انا اثق به!
تبسمت سعاد وهي تقول:
حسناً، ولكن تبقى لدينا مشكلة عمكِ خالد!
فأنقبضت فوراً ملامح ميسم فأردفت سعاد فوراً:.
اخرجي الان لتقابليهم وسنتحدث لاحقاً بأمر عمكِ خالد!
اومأت برضا وخرجت والدتها قبلها لتغير ميسم ملابسها وتتبعها!
مرت طوال حياتها بمواقف محرجة. ولكن ماتعيشه الان هو اسوأها والجميع يحدق بها اول مااطلت عليهم للصالة!
قالت بصوت ناعم وخجول كعادتها:
مر. مرحباً!
فقام هزيم فوراً وسط رد الجميع تحيتها ليخصها بنبرة مميزة ونظرة تعرفها جيداً وهو يرد تحيتها. جلست بجوار والدتها بخجل والقت نظرة سريعة على هزيم الذي لم ينزل ابصاره للحظة عنها! توردت وجنتيها بخجل وانزلت عينيها نحو الارض فوراً!
احتسو القهوة بادئ الامر. تبادلو احاديث بشكل عام. وبالطبع حديث لايخلو من اسئلة موجهة نحو ميسم ليجبروها على رفع ابصارها الخجولة اليهم لتشاركهم حديثهم. وفجأة استدارت دفة الحديث نحو الموضوع الاساسي عندما قال سيف:
اذاً ياسيدة سعاد. ما هو رأيك؟ بعد فترة سيسافر هزيم خارج البلاد ليكمل دراسته واردنا ان نعقد قرانهما ونقيم الزفاف قبل رحيله كي ترافقه الانسة ميسم الى هناك!
فقالت سعاد بأحراج:.
ان هزيم بالفعل شاب مهذب تتمناه كل ام لابنتها. ولكن اتمنى ان تمنحونا بعض الوقت. فعم الفتاة قد طلب يدها لأبنه مسبقاً والقرار عائد لميسم في اختيارها فيمن تريد ان.
وقبل حتى ان تكمل جملتها نزع هزيم قناع العاقل المهذب لتكتشف سعاد شخصيته المجنونة. المجنونة بأبنتها!
فنهض فوراً من مكانه وهو يهتف بهم:
ماذا ماذا ماذا؟ تخطب لمن؟
ثم نظر نحو ميسم ليكمل:
بماذا تريدين التفكير يابلهاء؟ تريدين ان توافقي على ابن عمك؟
لم تفد معه ايماءات ميسم له بأن يصمت ولا سحب امه من يده لكي يجلس واكمل هتافه المجنون:
حتى التفكير بالامر لن اسمح لكِ به. هل فهمتني؟
هزت سعاد رأسها بيأس وهي تكتم ضحكتها من هذا المجنون بينما وجه ميسم اصبح كالبندورة الناضجة! )
عادت لواقعها وابتسامتها اتسعت اكثر مع ذكراها هذه
ماما. عدتي مجدداً للضحك وانتِ تبكين!
ضحكت ميسم على تعليق ابنها هذا وقبلته بقوة من خده وهي تقول له:.
هل يريد اميري الصغير ان اخذه نحو هيلين ونذهب الى حديقة الحيوانات؟
صفق بيديه بطفولية وهو يقول:
اجل اجل اجل.
حسناً هيا بنا ايها المشاكس!
فقبل يده ونفخها بأتجاه قبر ابيه وكأنه يرسل اليه قبلة هوائية ثم نهض مع والدته التي فعلت مثله لترسل قبلة هوائية من خلال يدها نحو قبر حبيبها محملة بأشواقها وحنينها له!
حل الظلام. ساد صمت مخيف ارجاء الشقة، قطرات الماء داخل حوض المغسلة. تكتكة ساعة الجدار. تلك كانت الاصوات الوحيدة التي تكسر السكون، عاد ادم محملاً بخيبة امله وسخطه ولكنه على الاقل قد افرغ بعض شحنات غضبه في قيادته المجنونة للسيارة التي كادت ان تتسبب له بحادث يودي بحياته! رمق ارجاء الشقة بنظرة فارغة ووقعت عيناه على صحون الغداء فوق طاولة الطعام. لاتزال حيث تركها، هذا يعني ان اميرته العنيدة لم تفارق غرفتها ايضاً! لكن هذه المرة سيطر على ضعغه ولم يذهب اليها. فتوالي الطعنات يسبب لنا برود مخيف حتى مع الاحب الينا!
اتجه نحو غرفته وارتمى فوق سريره يحدق بالسقف بنظرة متعبة، هل على الحب ان يتعبنا بهذا الشكل؟ يضعفنا؟ يجعلنا نتمسك اكثر بسبب اذيتنا؟ فأين الجميل به؟، فهو لايحمل سوى العذاب بين صفحاته، فهل يعقل ان عذابه جميل؟ ام اننا نعشق فقط تلك الخفقات الغريبة التي ينبض بها قلبنا؟ هل تلك النبضات جميلة الى هذا الحد؟ الى الحد التي تجعلنا نتحمل كل هذه المعاناة؟
مرحباً!
تلك الهمسة. هذا الصوت، يحاول بشدة مقاومته. ولكنه يفشل في كل مرة!
تنهد بضيق قبل ان يجيبها:
اهلاً!
هل احضر لك العشاء؟
توقعته ان يحافظ على نفس هدوئه ويجيبها بكلمة واحدة. لا. ليختم النقاش. ولكنه لم يفعل! نهض فوراً من السرير واتجه نحو خزانته ليخرج بعض الملابس ليقول لها بسخط:
لو ان واجبك اتجاهي هو فقط اعداد الطعام فسأحضر خادمة بدلاً منكِ!
اغمضت عيناها بتضايق وهي تحاول قدر الامكان امتصاص عصبيته بدل الدخول في نقاش حاد وعقيم مرة اخرى. تنهدت بملل قبل ان تنظر اليه وتجيبه:
ادم، لمرة واحدة بحق السماء دعنا نتناقش بهدوء دون ان يصاب احدنا بالجنون!
اغلق باب الخزانة بعنف وهو يصرخ بها:
ولما لايمكنك ان تسأليني بحق السماء الى اي حد اذيتني بكلامك ذاك بدل ان تسأليني هل كنت اريد عشائاً ام لا؟، اي حياة بائسة هذه التي نعيشها!
حدقت داخل عيناه بجمود رغم دموعها ثم قالت له ببرود:
ولذلك انا اخبرتك اني اردت فرصة للتفكير، فعندما افكر لم اكن اعني التفكير بنفسي فحسب. اردت ان اتأكد ايضاً انك مستعد على تمضية هذه الحياة البائسة معي دون ان تشعر بالتعب في منتصف الطريق وتتركني وحدي لتمضي بحياتك!.
كنت مستعداً لتمضية هذه الحياة ياريم، ولكني لم اعد اثق بأي شيء الان!
قطبت حاجبيها بأستغراب وهي تقول:
ماذا تعني؟
حدق داخل عيناها ببرود تلمحه لأول مرة يرمقها به قبل ان يجيب:
اعني اني سمحت لمشاعري اتجاهك بأضعافي اكثر واكثر متجاهلاً حقيقة انكِ من المستحيل ان تحبيني في يوم، اجل ربما ستريني لطيف. ربما ستعجبين بي. ولكن حب؟، لااظن ذلك!
ثم تركها وسط صدمتها وخرج من الغرفة بأتجاه الحمام! هذا الذي امامها. لم تعرف انه موجود داخل هذا الانسان الهادئ! انه بالفعل يصبح شخصاً اخر عندما يغضب لينطق كلمات لايهمه ابداً ان جرحتها او لا!
خلدا للنوم كلاهما في تلك الليلة بصعوبة. ادم يشتعل بغضبه وريم تخمد اكثر ببكائها!
حل صباح اليوم التالي وكلاهما لم يأخذ كفايته من النوم! اتجهت نحو الحمام بخطوات متململة لتغسل وجهها. خرجت منه تمسح بقايا الماء المتراكمة فوق بشرتها لتجده يقف امام باب الحمام بذات ملامحه المقتضبة التي تركتها به البارحة! اول ماوقعت عيناها داخل عيناه قال لها فوراً ببرود:
ستحضر سلوى على الغداء!
اومأت قبل ان تردف بهدوء:
حسناً!
ومع كلمتها هذه استدار عائداً نحو الغرفة من دون كلمة اخرى! زفرت بضيق وهي تكره بشدة عندما تؤول الامور بينهم الى هذا الشكل. فهو حتى لايعطيها الفرصة لتفكر بالامر بذهن صافي. لايساعدها بأتخاذ قرارها. انما يزيد من صعوبة الامر فحسب!
شغلت نفسها طوال فترة الصباح بأعداد الغداء وتجهيز نفسها لحظور سلوى! وبالتأكيد طوال هذه الفترة لم يخرج ادم من الغرفة!
رن جرس الشقة يعلن عن قدوم سلوى فسمعت صوت انفتاح باب غرفته ليتجه نحو باب الشقة، انهت بسرعة مابيدها لتخرج لاستقبال سلوى وهي تسمع صوتها تلقي التحية على ادم! رسمت ابتسامة لطيفة فوق ثغرها وهي تخرج من المطبخ اتجاههم. استطاعت بسهولة لمح نظرة ادم المطولة اليها وكأنه اشتاق لرؤيتها بشدة خلال هذه الساعات القليلة التي اخفى نفسه عن مقابلتها، الامر الذي دفع بسعادة دافئة نحو قلبها! القت التحية على سلوى وحملت ريناد بين يديها لتقبلها ورمقت ادم اثناء ذلك بنظرة سريعة فاشاح بصره عنها جانباً فوراً كطالب يغش ولمحه معلمه فجأة! كتمت ابتسامتها وهي تشغل نفسها بملاعبة ريناد!.
جلسو في الصالة لتبادلها سلوى السؤال فوراً:
اذاً كيف هو حالك عزيزتي؟
لاتعلم ريم لما احست بنبرة حزن داخل هذا السؤال ولكنه خمنت لربما هي مخطئة:
الحمدلله، ماذا عنكِ؟ لم نراكِ طوال الفترة التي مضت!
اجل. هذه المشاكسة كانت مريضة جداً ولم استطع حتى الخروج من المنزل!
طبعت ريم قبلة فوق شعر ريناد وهي تقول بلطف:
سلامتها!
فألتفت سلوى نحو ادم وهي تقول بنبرة ذات معنى:
وانت ايها المجنون. كيف حالك؟.
اجابها بملل:.
بأفضل مايكون!
كان واضح لكلتاهما انه يسخر بأجابته هذه فقالت سلوى مدعية التصديق:
اجل، هذا واضح!
استأذنت ريم من سلوى وتركتهما بمفردهما لتكمل اعداد طعام الغداء، وما هي ألا دقائق حتى تجهزت المائدة بأصناف مذهلة حتى ريم تعجبت لنفسها كيف استطاعت ان تتطور بالطبخ بهذا الشكل!
تذوقت سلوى الملعقة الاولى منه وهي تقول بتلذذ:
سلمت يداكِ على هذا الطعام!
تبسمت ريم بلطف بينما تجيبها:
بالهناء والعافية عزيزتي!
اما ذلك العنيد اكتفى بالصمت من دون ان يبدي اي تعليق عليه ولكن كان سهلاً على ريم قرائة ملامح وجهه لتدرك انه اعجبه!
بدأو بتناول الطعام دون ان يتكلم ادم بشيء بادئ الامر، اعتقدت ان زيارة سلوى عادية ككل المرات. لم تكن تعرف انها بطلب من ادم! ادركت ذلك عندما اخترق صوت ادم السكون وهو يسأل سلوى دون ان يرفع رأسه عن صحنه:
هل نفذتي ما طلبته منكِ ياسلوى؟
تنهدت سلوى بحسرة وقلبت نظرها بشفقة بينهما قبل ان تقول:.
بالفعل صدمتني بمكالمتك الهاتفية البارحة! عندما زرتمانا للمرة الاولى في منزل جدي اعتقدت ان الامور اصبحت بخير بينكما، لم اكن اظن انكما لاتزالان مصرين على ذلك القرار السخيف!
مع جملتها هذه انقبض قلب ريم بقوة رغم انها ليست واثقة بعد مما تقوله سلوى. ادارت بصرها بخوف نحو ادم الذي نظر اليها بعيون هادئة وهو يقول:
لقد اتفقنا انا وريم على كل شيء.
ثم حول ابصاره نحو سلوى ليكمل:
لذلك اتركينا من ثرثرتكِ هذه!
انتما بالفعل غريبا الاطوار ولايمكنني فهمكما! على اية حال. لقد اتفقت مع الفتاة وستقابلك غداً في المطعم المقابل لشركتنا!
وهنا قالت ريم بتلعثم وهي تشعر بكل جزء في جسدها يرتجف:
عن. عن اية فتاة تتحدثان؟
وهنا فقط ادركت سلوى ان ريم لاتعرف اي شيء عن الموضوع فنظرت لها بتوجس وارتبكت حروفها داخل فمها وهي ترى نفسها في موقف لاتحسد عليه! فأجاب ادم بكل برود يمتلكه وهو ينظر لريم بعدم اهتمام:.
فلتباركي لي، وجدت الفتاة التي سأتزوجها!