رواية قربان للكاتبة سارة ح ش الفصل السادس عشر
عزيزتي..
كان صوت الزجاج فوق الارضية كافياً ليخرس الافواه ولتبدأ النظرات تحتدم ببعضها تفسر رد فعل الطرفين.
بدأ وجهها الشفاف يكتسي بطبقة حمراء لم يراها تغزو ملامحها منذ اسابيع، انه غضبها الذي كان يتحاشاه!
قالت له بنبرة عصبية حاولت قدر الامكان ابقائها منخفضة: هل هذه مزحة ياآدم؟
تقدم لها خطوة وهو يقول بنبرة متوسلة: ريم! لقد طلبت جدتي مني ذلك. وانا لم ارفض لجدتي طلب في يوم!
فصرخت به بأنفعال: هذه مشكلتك انت انك لاترفض لها طلباتها ولكني لست مضطرة ان اخضع لكم جميعكم ولن تجبرني على الذهاب!
انا لااجبرك ياريم. انا اطلب ذلك منك.
وطلبك مرفوض ياآدم!
زفر بضيق محولاً بصره الجهة الاخرى محاولاً قدر الامكان ان يحتوي غضبها بدل ان ينفعل مثلها. عصر قبضته بقوة يفرغ بها شحناته المتوترة ثم التفت اليها بملامح جامدة وهو يقول: لااريدك ان تجيبي الان انما فكري بالامر لعلك ستقتنعي!
تقدمت نحوه خطوات اخرى لتقول بعناد وغيظ: لن افعل. ولن اذهب!
لن نتأخر اكثر من ساعات قليلة. واعدكِ هذه ستكون المرة الاولى والاخيرة.
اخبرتك اني لن اذهب ياآدم ومستحيل ان اعدل عن رأي هذا!
انا اعلم ان الامر صعب فقد جربته. ولكنه ليس مستحيلاً!
هكذا اذاً؟ لأنك دخلت الى منزلنا تريد اجباري الان ان ادخل منزلكم؟
ليس ل.
قاطعته بحدة:
ام حان الوقت لأرد لك افضالك بأطاعة طلباتك الغبية؟
فتح فمه ليعلق ولكنه صمت فوراً مع كلمتها الاخيرة هذه وتغيرت ملامح وجهه فوراً لتلك الشخصية الغاضبة التي تبث الرعب بداخلها والتي لاتخرج ألانادراً!
تقدم نحوها خطوات سريعة ورفع يده يريد ان يمسكها بقوة ولكن قلبه لايطاوعه ان يقسو عليها لاسيما مع نظرة الخوف تلك التي تزايدت في عينيها ماان رفع يده، عصر قبضته بغضب ورفع اصبعه في وجهها مهدداً وهو يقول:.
انتبهي لألفاظك معي ياريم، لم يجرؤ احد ان يحادثني بطريقتك او يقلل من احترامي مثلما تفعلين، لذلك لاتستغلي مشاعري لكِ!
ثم استدار بغضب وخرج من المطبخ قبل ان يفقد اعصابه بشكل اكبر معها!
ماان خرج حتى اطلقت انفاسها المرتجفة وتحرك جسدها المتصلب لتمرر اصابعها من بين خصلات شعرها بتوتر واستياء.
انها في حالة غضب فظيعة لم تتعرض لها طوال حياتها، غضب ممزوج بغيض من امر ذهابها وندم بسبب ماتفوهت به!
دخلت الى الغرفة وعجزت عن البقاء ثابتة. تتحرك ذهاباً واياباً من دون ان تجلس. احدى يديها تسندها على خصرها والاخرى تقضم اضافرها بفمها من شدة التوتر والتفكير!
نظرت الى صورة اخيها بينما كانت تسير وقالت بتذمر:
انا لن اذهب. هذا مستحيل، انا بالكاد اعتدت عليه فكيف سأعتاد اسرته؟
تخلخلت اصابع كلتا يديها بين خصلات شعرها وقبضت عليهن بقوة وابقتهما فوق رأسها وكأنه سينفجر ان ابعدت يديها!
اغمضت عينيها تحاول استجماع افكارها المتناقضة وازداد ضغط اصابعها على جمجمتها الى ان انزلت يديها بقوة ونفثت انفاسها بعصبية ومن دون تفكير او حتى ان تعرف لما هي تفعل ذلك وجدت نفسها تفتح باب غرفتها لتتجه الى غرفته!
طرقت بابه بشكل سريع وقوي واول مااطل عليها وجه آدم اطلقت كلماتها مرة واحدة تخشى حبسهم داخل صدرها فتقتلهم الى الابد تأبى اخراجهم:
سأذهب معك ولكن بشرط.
اغرق يديه داخل جيوبه وقال:
تفضلي.
لااريدك ان تبتعد عني ولا حتى لدقائق. لااريد ان ابقى بمفردي بينهم!
ضم شفتيه ليكتم ابتسامته ثم قال وهو يتكأ بكتفه على الباب: أهذه مكافأة ام شرط؟
انا جادة!
وانا كذلك!
تنهدت بعمق لتقول: أتعلم شيئاً. انت اكثر انسان متغ.
رفع حاجبيه بتحذير لتبتلع باقي حروفها بخوف وغضب واستدارت نحو غرفتها كطفلة متذمرة! هز رأسه بيأس منها وهو يضحك ثم عاد لغرفته بأوسع ابتسامة ترتسم على وجهه بعد ان اعلنت قبولها وخضوعها له بشكل غير مباشر، هذه الريم بدأت تتغير بالفعل!
حل اليوم التالي بشمس مشرقة ولكن بنسمات باردة. الشتاء يبدو بارداً هذه السنة اكثر من غيرها!
دفئ آدم يديه بزفيره وهو يكورهما امام فمه بينما ينتظر اكتمال القهوة!
صباح الخير!
نظر لها بأبتسامة وهو يقول:
صباح الخير!
نظر لها وهي تتجه الى الثلاجة ثم اعاد بصره للقهوة قائلاً:
ارتدي شيئاً دافئاً بدل منامتكِ هذه. قد تمرضين!
لاتقلق. لاامرض بسهولة!
قالتها ثم ارتشفت الماء الذي اخرجته. اعادت القنينة حيث كانت واقتربت من الطباخ حيث يقف وقالت بينما تجهز كوبها: أيمكنك ان تعد لي كوباً معك؟
وماان انهت جملتها عطست فنظر لها بلوم فوراً فلوحت بيدها وهي تقول: حسناً حسناً سألبس ملابس دافئة.
من الاساس جهزي نفسك، سنذهب بعد نصف ساعة.
ولكني لم افطر بعد!
سأعد لكِ شطيرة، لقد استيقظتي متأخرة ولم يتبقى سوى ساعتين على موعد الغداء. يجب ان نذهب قبل الموعد بساعة على الاقل.
تنهدت بضيق وهي تتجه الى الغرفة لتغير ملابسها. وقفت امام خزانتها محتارة بالذي سترتديه واخيراً استقر رأيها على بنطال من الجينز وبلوزة بنية ضيقة!.
خرجت من الغرفة لتجده امامها يمد صحن الشطير اليها وماان مدت يدها لتأخذها حتى اعاد يده للخلف وهو يرمق ملابسها بنظر حادة فقالت بعدم فهم:
ماذا هناك؟
فأشار بذقنه نحوها وهو يقول:
تنوين الخروج بهذه الملابس سيادتك؟
نظرت نحو ملابسها تتفحصهم بعينيها ثم نظرت له وهي تقول:
ومابها ملابسي؟
ألا تجدينها ضيقة؟
عفواً؟ هل ستتدخل بملابسي ايضاً؟
فقال بشيء من العصبية:.
مادمتي زوجتي فنعم سأتدخل بملابسكِ ولن اسمح لكِ الخروج بهذه السخافة!.
فأعادت كلمته بغضب:
سخافة؟ منذ متى وانت تعترض على ملابسي بالضبط؟
منذ اننا ذاهبون نحو منزل اسرتي انا حيث هناك ابناء عمي الكثر، ولسنا ذاهبون لمنزل اسرتك حيث لايوجد هناك شاب غريب! وحتى امام ابناء عمكِ انتي غير مسموح لكِ ان ترتدي هذه الملابس ابداً، وادخلي لتغيريهم فوراً بدل ان افقد اعصابي.
عصرت قبضتها بغيض وكادت ان تعاند ولكنها تراجعت، فهي لن تستطيع ابداً مجاراة عناده هو!
عادت الى غرفتها بقلة حيلة يشوبها غضب واستبدلت ملابسها هذه بفستان ازرق باهت يغطي ركبتيها وحذاء طويل يغطي ماتبقى من ساقيها ورفعت شعرها نحو الاعلى ليبرز جمالها المخبئ تحت خصلاتها الفاحمة!
فتحت الباب لتجده في مكانه ينتظرها واول مااطلت عليه توسعت عيناه بذهول وهو يطالع جمالها ثم تمتم بتذمر:.
لو ابقيتك على ملابسك القديمة لكان افضل لي!
ماذا؟ هل ستعترض على هذه ايضاً؟
تنهد بقلة حيلة وهو يناولها صحن شطيرتها ويقول:
يبدو ان النقاب هو الحل الوحيد الذي سيحل مشكلتكِ!
ثم تركها وسط علامات الاستفهام والتعجب ودخل الى المطبخ!
اكلت شطيرتها وتبعته لتجده يجهز لهما كوبين من القهوة فتناولت كوبها من امامه من دون تعليق وبدأت بأرتشافه فنظر لها بنظرات دافئة مع ابتسامة عذبة تحتل شفتيه جعلتها تتوقف عن احتساء القهوة لتنظر له بتساؤل وارتباك فقال فوراً بينما يقبض برفق على اصابع يديها:
شكراً لكِ ريم!
حاولت قدر الامكان ان تدعي الثبات امامه واوهامه ان يده الممسكة بيدها لاتؤثر بشيء على ضربات قلبها المجنونة. ولكنها فشلت! فقالت بينما وجنتيها تشعان احمراراً:
ع على. على ماذا؟
لأنكِ تفعلين هذا من اجلي!
فأشاحت ابصارها لأي مكان بعيداً عن تلك الفيروزيتين اللاتي يحدقن بها وقالت بتلعثم:
ليس. أأ أنا ليس.
اكمل جملتها المبعثرة:
لم تفعلي هذا من اجلي؟
نظرت اليه لتجد تلك الابتسامة الواثقة تزين ملامحه ليكمل فور ان التقت ابصارهما:
من اجل من فعلته اذاً ياريم؟
لم تجد ماتعلق به. فأي كلمة منها ستكون غبية. فمن اجل من قد فعلته لسواه هو؟
ارتجف قلبها بين ضلوعها وهي تدرك ماتقحم نفسها به من مشاعر قد حرّمتها على نفسها لاسيما معه هو. فسحب يده من فوق اصابعه وقال بينما يتجه خارج المطبخ:
انهي قهوتك ووافيني الى السيارة. سأنتظرك هناك!
اول ماخرج ازدردت ريقها بصعوبة واصابعها لاتزال معلقة في الهواء وكأنه لايزال يمسك بها، حدقت بأناملها بأستغراب، وبأستنكار! تكره شعور الاطمئنان الذي يغزوها ماان يكون بقربها. تكره تلك النبضات الغبية التي تتزايد يوماً بعد يوم ماان تلتقي ابصارهما او يلمس اصابعها ليبثها ذلك الدفئ داخل جسدها البارد منذ سنين! انها داخل عالم فوضوي لاتعلم بدايته من نهايته!
احتست قهوتها ولكنها لاتزال تشعر بالارتعاش يهز لها اطرافها، ارتجاف ارتباك وخجل وليس برد!
نزلت نحو السيارة لتجده قد انهى قهوته لتوه وهو يتحدث عبر الهاتف، انصتت جيداً بينما ترتدي حزام الامان، لم ترتخي عضلات جسدها المتشجنة ألا بعد ان ادركت انه يتحدث مع اخته سلوى. وليس مايا!
انطلقت السيارة وسط السكون الذي لايخترقه سوى صوت الاغنية، وهذه المرة ركزت في الاغنية التي دائماً مايشغلها آدم عندما تركب معه، لا تعلم أهو متعمد لتشغيل هذه الاغنية بالاخص عند ركوبها. او انه معتاد على ذات الاغنية! ولكن ماتعرفه انها ركزت بها جيداً ليتم سحبها نحو عوالم اخرى من الرومانسية لم تطرق ابواب قلبها منذ سنين!
لقد وصلنا!
نطق هذه العبارة بعد نصف ساعة تقريباً لينقبض قلبها وتلتفت دفعة واحدة نحو ذلك المنزل القابع على يسار آدم، تسارعت انفاسها واصبح صوت زفيرها مسموعاً وانقبضت ملامحها المشرقة وهي تحدق بذلك المنزل وعيناها تجدح شرراً وومضة من الماضي تضيء في رأسها، ومضة تعود لثلاث سنوات مضت.
(وقفت ريم امام مراد بأنفاس متسارعة ودموع جفت من كثرة الهطول ووجه اختفت منه كل ملامح البراءة واللطف التي كان يحملها قبل ايام فقط! ولكن موت هزيم جعلها تصبح شخصاً اخر خلال ساعات فحسب!
كان افراد العائلة ينظرون نحوها مابين المتأسي لحالها ومابين البارد الذي لايهتم بما تعانيه هذه الشابة من فقد اخيها، ومابين الشامت ببكائها! ولكن مراد لم يكن اياً من هؤلاء، كان يقف امامها بصلابة يقدم يديه امامه ليرتكز على عكازه وخلفه يقف بعض ابنائه وينظر نحوها بجمود وهدوء غير مبالياً ولاغاضباً من صراخها عليه الذي يملأ المنزل منذ ساعة!
تقدمت نحوه خطوة وهي بالكاد تلتقط انفاسها من العصبية ورفعت اصبعها امام وجهه مهددة بصوت يحمل كل الحقد خلفه:
ان كان جدي سمح لدم اخي ان يذهب هدر، فأنا لن اسمح بذلك، أتسمعني يامراد؟ سأذيقك من ذات الكأس الذي اذقتني منه!
قال بهدوء لايناسب عصبيتها:
ايتها الشابة، تأكدي ممن قتل اخاكِ وبعدها ارفعي اصابع الاتهام هذه!
انه واحد منكم ايها الاوغاد. ان كانت الشرطة صدقت نكرانك فمن المستحيل ان اصدق انا!
لم يعلق مراد بشيء بل حول نظره بهدوء الى يساره حيث يجلس هناك ذاك الشاب الذي كان يبدو في حالة صدمة من شيء ما. شاب يرتدي الاسود وكأن العزاء في اسرته، ذلك الشاب الذي توسل جده قبل مقابلته لها ان يترفق بالحديث معها ولايسمعها مايجرحها، آدم! )
ريم؟
صوت همسته ويده التي تقبض على يدها كانتا كفيلتان بأخراجها من دوامة ماضيها لتلتفت إلى اليه وهو يقول:
أننزل؟
اخذت نفساً عميقاً وفتحت بابها لتنزل. لم يتقدمها بخطوات بل فضّل ان يسير بجانبها ليدخلا معاً.
فتح الباب ليدخلا معاً نحو الحديقة الضخمة حيث افراد الاسرة-لاسيما النساء- يجتمعون هناك!
شعر بأرتباكها من حركات يدها المتوترة فمد يده وقبض على يدها فنظرت له دفعة واحدة ليقابلها بأبتسامة وهو يقول:
اذاً. انتِ بخير؟
تبسمت وبعض الاطمئنان يتخلخل قلبها وبدل ان تسحب يدها قامت بشد قبضتها اكثر على يده لتمد نفسها ببعض الشجاعة لاسيما وان البعض بدأ يتوجهون اليهم!
كن بعض النساء تتقدمهم سلوى ورزان. هنا شعرت ريم ببعض الراحة انها تعرف اثنين على الاقل. سحبتها رزان اليها لتعانقها ولكنها ابقت يدها بداخل يد آدم وهي تلقي عليها التحية. لما انتهت رزان نظرت نحو أدم وقرصته من خديه بقوة وهي تقول:
ارى ان وزنك بدأ يقل ياولد؟
فأجاب ممازحاً:
الامهات الطبيعيات يلقين التحية ويسألن عن الاخبار قبل ان يقسن اوزان ابنائهن، من اي كوكب انتي ياامرأة؟
ضحكت وهي تضمه اليها وتقول:
من ذات الكوكب الذي رماك الينا!
كان دور سلوى لتعانق ريم وهي تبتسم من منظر يديهما المتعانقة. ولكنها لم تعلق بشيء خشية ان تصيبها بالاحراج. لذلك اكتفت بألقاء التحية والتعبير عن شوقها لها ولآدم...
تقدمت الفتيات بمختلف الاعمار ليلقين التحية. مابين المراهقة ومابين الشابة ومابين التي بالكاد بلغت سنها العاشرة، كلهن لم يجذبن نظرها، بل واحدة من بين الجميع ركزت معها، كان سلامها بارد ولم تصافحها حتى. ولكنها رغم هذا القت تحية شوق كبيرة وسلام خاص على آدم، سوزان ذات ال24 عاماً! بعد ان عانقت آدم التفت نحو ريم من دون قصد فوجدها تنظر اليه بحدة. اختفت ابتسامته فوراً مستغرب هذه النظرات، جعل النساء يبتعدن عنهما قليلاً ليسألها:.
ماذا هناك؟
سحبت يدها من يده وقالت وملامحها لاتزال متجهمة ونبرتها حادة:
لاشيء! ولكني اتسائل متى سألتقي برأفت فحسب.
قطب حاجبيه ليسألها:
ولماذا؟
لأعانقه كهذا العناق الذي منحته اياك تلك الفتاة!
سكت لثواني يحاول ضبط اعصابه ثم تبسم وقال:
جربي ذلك.
ثم اختفت ابتسامته فوراً ليقول بأستياء:
كي أدعكِ تجربين شعور كسر العظام ايضاً!
كتمت ابتسامتها لاتريد ان تفسد غضبها امامه فأشحت وجهها لتتفاجئ بيده تقبض على يدها مرة اخرى ويسحبها معه وهو يقول:
دعكِ من سوزان ودعيني أخذك للأجمل منها!
قطبت حاجبيها وهي تتخيل فتاة شابة قد تكون ابنة عمه او ابنة عمته. قد تكون حازت على قلبه في يوماً ما ولكن زواجه منها منعه من زواجه بتلك، ولكنها رفعت حاجبيها بدهشة وهو يأخذها لأريكة في الحديقة تجلس عليها عجوز ذات وجه بشوش تستكين المسبحة بين يديها البيضاء. التفت اليه بتفاجئ لتجد تلك الابتسامة الدافئة التي تحتل ملامحه. فأدركت فوراً انها جدته رباب التي يعشقها!
ماان اقتربا من الاريكة حتى انسابت اصابعه من بين يديها ليجلس بجوار جدته ويعانقها بقوة وهو يقول:
اشتقت لكِ كثيراً يافتاة!
ضحكت وهي تقرصه من كتفه وتقول:
اخرس يااحمق! ابتعد عني ودعني ارى تلك التي سلبت عقلك وجعلتك تنسى رباب!
عانقها بقوة اكبر وهو يقول:
لاشيء يشغلني عنكِ حبيبتي!
متأكد؟
ابتعد عنها قليلاً وهو يقول ممازحاً ليغيظها:
بالطبع لا. مابالك لايمزح معكِ احد؟
ضحكت ريم على طريقة لقائهما فأشارت لها رباب ان تأتي وتجلس بقربها فأطاعتها ريم فوراً وجلست بقربها، نظرت نحوها رباب بأبتسامة دافئة ثم قبلتها برفق فوق جبينها وهي تقول:
ليحفظ الرب هذا الجمال الذي تملكيه ياصغيرتي!
انقبض قلب ريم وشعرت بغصة تسد حنجرتها من هذا اللطف الذي استقبلتها به عائلة آدم لاسيما جدته رغم ان ابنها وحفيدها قد ماتا على يد جدها، لطف لاتعرف بأي تصرف تقابله سوى انها ابتسمت بأمتنان لرباب وهي تقول بخجل:
شكراً لكِ سيدتي!
فسمعت ريم تنهيدة آدم العاشقة وهو يقول:
لو اني اعلم منذ البدء ان جدتي ستجعلكِ خجولة هكذا لأحضرتها لتسكن معنا في الشقة!
فنظرت ريم له فوراً بحدة تطلب منه ان يغلق فمه قليلاً ويكف عن هذه التعليقات ولكنه ابتسم واشاح وجهه الناحية الاخرى مدعياً عدم فهم المغزى من نظرتها
وبالطبع لم يكف عن التعليقات بل وقد اكتشفت انه ورث هذه التعليقات من جدته. احدهما يطلق تعليق والاخر يجيبه لتغرق هي بنوبة ضحك صامتة تحاول قد الامكان كتمها ولكنها تفشل. وكلما فشلت كلما زادت سعادة آدم من سرعة انسجامها مع جدته، ولكنها سعادة لم تدوم!
فسرعان ماتغيرت ملامحها بحظور جده يتبعه حمزة، حمزة الذي كان من المفترض ان يتزوج هو ريم وليس آدم!
شاهد سرعة تغير ملامحها فجأة فألتفت خلفه ليرى جده!
وقف هو وريم وكلاهما تحولا فوراً للجدية، صافح مراد آدم واستطاعت ريم بسهولة ملاحظة الاحترام المتبادل بين الطرفين! ثم حوّل بصره نحو ريم. تبادلا نظرات جامدة لاتحمل اي تعبير من طرف مراد ولكنها تحمل الاستياء والبرود من طرف ريم!
مد يده اليها ليصافحها فأنزلت انظارها ببرود نحو يده ثم رفعت بصرها اليه بحدة وبعد مصارعات داخلية وتردد ونظرات مشجعة من آدم مدت يدها بأتجاه مراد لتصافحه! قال مراد بهدوء:
اهلاً بك بيننا!
شعرت بنيران تلهب روحها ماان صافحته وكرامتها تدعس تحت اقدامها، والاهم من ذلك صورة هزيم تحت ذلك المطر! فسحبت يدها فوراً واغمضت عينيها بألم وهي تشيح وجهها جانباً. احترم مراد رد فعلها وتركها من دون تعليق اخر وجلس بجوار رباب، ابقت ريم عينيها مغمضة تحاول قدر الامكان السيطرة على مشاعرها وان لاتفقد اعصابها لتقلب الامور رئساً على عقب، في تلك اللحظة شعرت بما يشعر به آدم عند دخوله لمنزلها. ولكنه رغم هذا لم يبين هذا لها ابداً!
أحست بأقترابه منها ولامس ذقنه جانب شعرها ويده امتدت بهدوء ليقبض على يدها يحاول اطفاء نيرانها وهو يعرف مايعتمر بداخلها فهمس لها:
هل كل شيء بخير؟ أتريدين ان نرحل؟
اخذت نفساً عميقاً واستدارت بوجهها اليه ليستكين ذقنه فوق جبينها وهي تقول له هامسة:
لا، لااريد افساد الامور بعد كل هذا!
تبسم بأمتنان وهو يقول:
شكراً لكِ عزيزتي!
كانت تلك المرة الاولى التي يناديها بهذا الشكل، كلمة ارجفت قلبها بقوة جعلتها تخمد كل تلك النيران التي اشعلها حضور مراد!
ابتعد آدم قليلاً عنها ليذهب لمصافحة حمزة لتشعر بذلك الفراغ فوراً ويده تترك يدها، نظرت نحو حمزة الذي نظر نحوها بأزدراء واكتفى بالقاء التحية على آدم فقط دون ان يبالي بها، او حتى ان تبالي هي به!.
ولكن هل هذا كل شيء؟ وماالذي سيغيره حمزة من مشاعرها اتجاه آدم؟ وكيف ستكون نهاية هذه الزيارة؟