رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الرابع والثلاثون
صباح الخير عليكم، للي بيسألوا عن مواعيد الرواية هي بتنزل مرتين في الأسبوع حد واربع ولو حصل ظرف بينزل نفس الفصلين اللي في الأسبوع بس يومين مختلفين
في يوم همست في اذني من يمسح عن قلبي حزني
يرجعني خضراء اللون اعشاشا للاطيار
في يوم همست في اذني من يمسح عن قلبي حزني
يرجعني خضراء اللون اعشاشا للاطيار
لحديقتنا في قريتنا باب و لها اسوار
لا يعلم احد ما فيها تخفي عنا الاسرار.
اقبلت بجد اسقيها اروي الاشجار احييها
و غدى من اجمل ما فيها زهر لا كالازهار
لحديقتنا في قريتنا باب و لها اسوار
لا يعلم احد ما فيها تخفي عنا الاسرار
ما أجمل أن تسقي الشجرة لتضاهي في الحسن القمر
أنا تغرس في اليائس أملا زرعا يعطي الأثمار
لحديقتنا في قريتنا باب و لها اسوار
لا يعلم احد ما فيها تخفي عنا الاسرار
لحديقتنا في قريتنا باب و لا اسوار
لا يعلم احد ما فيها تخفي عنا الاسرار.
(تتر بداية كارتون الحديقة السرية، ترشيح إحدى صديقات الرواية )
جلسن بخوف مدمر أمامه، هو حتى الآن لم يتفوه بكلمة واحدة ولكنهن يعلمن خطأهن، زاد الأمر سوء حين مسح على لحيته ناطقا بلهجة حملت من التحذير ما حملت: قولتولي بقى ايه اللي حصل؟
قالت إحداهن بنبرة حاولت جاهدة أن تخرج ثابته أمام هذا الذي طلب من الضابط مقابلتهم وحدهم وبالتأكيد له هدفه: احنا كنا في حمام المول ومراتك حاولت تزوقني وانا ماشية بنقولها عيب دخلت فينا شمال وحصل اللي حصل.
دقات ثابتة دقها حامي على مسند مقعده وهو يستمع لكلماته وبمجرد ان اختتمت ارتسمت البسمة الساخرة على شفتيه وهو يردف بتهكم: مختوم على قفايا انا بقى صح؟، هتقولوا مين اللي بعتكم ويبقى حسابي معاه ولا هنشتغل في اللوع واصفي حسابي معاكوا انتوا.
نظرت الفتاة لهم بخوف فهي تعلم أنه قادر على فعل ذلك، كانت اسوء الاحتمالات بالنسبة لها وجوده ظنت أن الأمر سينتهي هنا بتصالح ودي، رمقت الإصرار في عينيه فنطقت بحذر: واحدة هي اللي قالتلنا نعمل مشكلة في المول وبعد ما الموضوع يكبر واحدة فينا في وسط الزحمة تخدر بنت من اللي كانوا مع مراتك وتاخدها وتمشي.
صدق ظنه هنا هو شك أن الأمر مرتب له وليس مصادفة فاستجوبها قائلا: كان معاها اربع بنات مين فيهم؟
كانت الفتاة لن تبوح بكل شيء ولكن صديقتها أدركت خطورة الموقف وأن الكذب أمام من يجلس أمامهم حصاده الوحيد الندم فنطقت مسرعة تسرد كل ما حدث وسط نظرات تحذير الاخرى لها: البنت اسمها دنيا احنا كنا هنعمل خناقة علشان مراتك تبعت حد يندهلهم يلحقوها وفي النص واحدة فينا تخدرها وتاخدها وتمشي كأنها معاها، بس مدام حضرتك خرجت البنت الصغيرة اللي كانت معاها ولما بنت تانية جت تدخل خرجتها ومعرفناش نعمل حاجة لحد ما واحدة من البنات اللي كانوا واقفين طلبت البوليس، احنا منعرفش اسم الست دي ولا أي حاجة عنها هي بعتت حد يتفق معانا، والنهاردة اتصلت بينا قالت انهم موجودين في المول واحنا كنا قريبين من المكان فروحنا على هناك لأن دي الطريقة الوحيدة اللي كنا هنعرف ناخدها بيها ونخرج من الباب اللي معلهوش حراسة.
تابعت صديقتها حتى تأمن مكره وتضمن خروجها السالم من هنا: احنا كنا رافضين والله العظيم، بس اللي جه اتفق معانا قال انها بنت الست دي وان هي مش عارفة تاخدها منك وانت عامل للبنت مسح ومخليها كارهاها علشان كده وافقنا علطول.
أوقفها حامي وقد أوصله حديثها لنقطة هامة للغاية فسأل بتركيز: قولتيلي تبقى مين؟
أعادت الفتاة بحذر: الست اللي بعتت اللي يتفق معانا تبقى أم البنت دي.
صمت هو لتتوجه أنظاره إلى نقطة في الفراغ تاركا خلفه الفتيات ينظرن لبعضهن بترقب وقلق مما سيحدث وقد أنهكهم التفكير وتوصلوا إلى أن اعترافهم الصواب.
في المشفى.
وقفت دنيا في الخارج مع الطبيب الذي أردف بجدية: أنا اتصلت بوالده وللأسف مفيش اجابة، علشان كده اتصلت بحامي باشا، عمار في واحد دخل اوضته وكان في ايده عقار ومؤكد انه سام وده طبعا بعترف تقصير ان حد يستغل ثغرة ويدخل أوضة مريض عندنا لكن ربنا ستر على اخر لحظة والممرضة كانت داخلة فطلع يجري.
سألته دنيا بقلق: طيب لو سمحت هو كويس دلوقتي؟
هز الطبيب رأسه مؤكدا وهو يطمأنها: اه كويس جدا بس نفسيا لا والدعم النفسي ده المفروض يجي منكم، احنا عالجنا كل الكسور اللي كانت عنده هو هيقعد معانا بس يومين كمان علشان ايده وبعد كده هيخرج، وفي اتنين حراس بقوا واقفين على باب اوضته.
شكرته دنيا بأدب واستأذنته قائلة: ينفع ادخله؟
أشار لها الطبيب على بوابة الغرفة مرددا: اه اتفضلي.
تحركت بخطوات متمهلة نحو الداخل، هي تخشى مواجهته ولكنه يحتاجها، تذكرت كيف اتت إلى هنا فلقد طلب يحيي من عمر أن يكمل هو الطريق ويصتحبها معه برفقة زينة والصغيرة، وصوفيا، وهنا، ولكن الصغيرة أفصحت عن أمر ما رأته وبأن هناك عراك قد قام فجن جنون عمر حين علم أن يحيي أبعده حتى لا يعرف شيء ولكنه عاد ساكنا حين تيقن أن الموضوع قد انتهى وحدثته شقيقته تطمئنه، فانتهزت هي الفرصة وطلبت منه راجية أن يأتي بها إلى هنا، انتقل بهم أولا إلى أحد المنازل ثم نفذ طلبها واتى بها إلى المشفى.
فاقت من شرودها حين فتحت البوابة وظنت أنه نائم ولكنها اصطدمت بعينيه، ابتلعت ريقها بتوتر وأكملت خطواتها لتجذب أحد المقاعد جوار فراشه ناطقة بارتباك: ألف سلامة عليك.
أشاح نظره عنها ولم يجب فأعادت: أنا جيت قبل كده، بس انت كنت مش فايق، ورجعنا القاهرة النهاردة فطلبت من حامي اجيلك وهو بعتني مع عمر.
نطق ساخرا بضحكة متهكمة: كتر خيرك والله، بس ايه التغيير الجامد ده بقيت حلو دلوقتي أنا ما طلع عيني علشان اعرف انتِ مشيتي ليه.
حاولت التماسك وهي تقول برجاء: ممكن متتكلمش كده.
رمقها بحدة وهو ينطق: في طريقة معينة تحبي اتكلم بيها، أنا عارف ان كلامي كله مبيعجبش حضرتك اتكلم كويس تقولي شايفني كريمان وتسيبي الدنيا وتجري، اتكلم بأسلوب دلوقتي تقولي متتكلمش كده، ياريت اعرف اسلوب الكلام اللي بيريح الهانم بنت الباشا علشان ابقى استخدمه بعد كده.
نزلت دموعها من كلامه الجاف فاستقامت واقفة تردف باعتذار: آسفة اني جيت، مكنتش اعرف ان وجودي هيضايقك.
استني.
أوقف رحيلها كلمته النادمة فاستدارت له لتسمع قوله المتردد: انتِ لحقتِ تقعدي.
سألته بعتاب: اقعد ليه وانت مش طايقني كده، امشي احسن بقى.
طلب منها الجلوس مرددا باعتذار: اقعدي يا دنيا انا اسف.
عادت لمقعدها مجددا، كانت نظراتها للأرضية الوضع مربك والأجواء ليست هادئة، قطع الصمت نبرته الساخرة: اللون مش حلو صح؟
ارتفعت له تسأله باستغراب: لون ايه؟
أشار على الأرضية التي لم تكف عن النظر إليها فابتسمت بخجل تبعته بقولها: أنا اسفة اني مشيت.
نطق بجدية انتبهت لها: عايزة الصراحة، أحسن انك مشيتِ.
رمقته بغيظ فتابع بمزاح: أنا قولت كويس انها مشيت علشان لو كنت كلت العلقة اللي كلتها دي قدامك كان المنظر مش هيكون لطيف خالص.
ارتفعت ضحكاتها على كلماته وهي تتخيل أن يتم ضربه أمامها واختتمت ضحكتها بقولها: الدكتور بيقول ان حالتك النفسية وحشة بس طلع ان انا اللي حالتي وحشة.
قطع حديثهم دلوف إحداهن بحامل الطعام، رمقتها دنيا وهي تضعه على الطاولة بأدب ونطقت ممتنة: شكرا ل
يكِ
قالت الفتاة بود: على ايه ده شغلي، لو احتاج اي حاجة تقدري تندهيلي.
قابلت دنيا كلماتها بابتسامة مرحبة حتى رحلت تماما فقربت الحامل تضعه أمامه لتجده يقول برفض: سيبي الأكل انا مش هاكل.
استنكرت قوله وهي تردد بانزعاج: يعني ايه مش عايز تاكل؟، ولا انت مبتحبش غير الأكل البايظ بتاعك اللي كنت بتتحفنا بيه.
قربت طبق الحساء الساخن لتجده يقول بتمثيل: بس يا خسارة هاكل ازاي ايدي مبحركهاش.
رمقته بتحذير وقد كشفت لعبته فقالت بحدة: ايدك اليمين سليمة، اللي مبتتحركش الشمال.
ضحك وهو يتابع مؤكدا: لا ماهو انا الضرب أثر عليا بقيت اشول.
تجاهلت حديثه مرددة بغيظ: ده انت سوسة، بس انسى مش عليا يا بابا.
كتم ضحكاته وظل على وضعيته والوعاء بعيد تصنعت هي عدم الاهتمام ولكنها في النهاية التفتت له ناطقة برجاء: كل بقى.
ابتسم لطفولتها وتناول الملعقة ووضعها في طبق الحساء ناطقا بمرح: هاكل بس علشان اترجتيني.
حركت رأسها بمعنى لا فائدة منه، تنهدت بارتياح وهي تراه يتناول طعامه حامدة ربها أنها خففت عنه ولو قليل مما يعانيه.
جلس رياض جوار عدنان في سيارة الأخير، حل الصمت حتى قطعه صوت رياض: عرفت اللي حصل لابن السيد زيدان؟
هز عدنان رأسه بهدوء فتابع رياض سائلا بحيرة: واتصلت اطمنت على ابنه هو مش شريكك برضو؟
ضحك عدنان ساخرا وهو يردف بتهكم: اطمن على مين؟، هو نفسه مكملش يومين مع ابنه في المستشفى وبعدين اطمن على ايه، انا صحيح احب اقتل القتيل وامشي في جنازته بس المره دي مليش مزاج.
استدار له رياض ناطقا بذهول: يعني ايه الكلام ده؟
أجابه عدنان بمكر: يعني انا اللي عملتها.
كرر رياض كلمته بدهشة: انت، طب ليه؟
ضحك عدنان وتبع ضحكته بقوله الساخر: مالك اندهشت كده، اقولك الأكبر أنا قبلها حاولت اخطف بنت رضوان بس فلتت لكن على مين هتيجي هتيجي.
هنا لم يستطع رياض فقال بفضول و استغراب تملكه: بتعمل كده ليه؟، المفروض انك كنت عايزة الأوضاع بين رضوان والسيد زيدان تتحسن علشان شراكتكم.
تنهد عدنان عاليا وصمت ثوان ليتابع قوله: رضوان والسيد زيدان ولادهم اخر حاجة بيفكروا فيها لا اخر حاجة ايه، دول مبيفكروش فيهم اصلا، كل الحكاية ان مفيش واحد فيهم يستحمل انه يشوف التاني بيتحداه، انا لما بعتت اللي ضربوا ابن السيد زيدان عملت كده وانا واثق مليون في المية انه هيشك في رضوان لأنه هو بنفسه حكالي ان ابنه ماشي مع البت دي وهو عايز يخلص منها علشان رضوان مايستخدمش بنته كارت ويلعب بيه ويطلع كسبان، ده عايز يبعد ابنه عن دي والتاني بيعمل نفسه انه عايز يحمي بنته ويبعدها عن ده فنقوم احنا نعمل ايه بقى؟
ابن السيد زيدان يتضرب ويشك في رضوان ومش بس كده بعتت اللي بحاول يقتله كمان بس انا متأكد ان ابوه لسه معرفش بالموضوع فساعتها السيد زيدان يقوم على رضوان، و رضوان بنته تتخطف فيحس ان التاني بيتحداه ويعلي عليه فيقوم على السيد زيدان، ومشاكلهم تكتر مع بعض وفي الحالة دي في حاجتين إما يخلصوا هما الاتنين على بعض أو ابلغ انا السيد الكبير بمشاكل رضوان اللي مبتخلصش فيديني الأمر اخلص عليه وساعتها فعلا هبقى خلصت من راس الأفعى وطبعا عمر الشك ما هيلمسني ده انا كنت بحاول اصلح اللي بينهم.
كان رياض يحاول استيعاب القول هو كل يوم يكتشف أن مخططتاهم الشيطانية لم تنته بعد، سأل مستفسرا: وانت ايه مصلحتك في موت رضوان؟
قال عدنان بشر كسى عيونه: مصلحتي كبيرة اوي، اولا رضوان ده مضايقني علشان فاهمني وأخطر حاجة في الدنيا ان واحد زي رضوان ده يكون فاهمك، يعني تستنى في اي لحظة انه هيتغدى بيك، هيقرصك على غفلة وانت مش هتحس بأي تمهيد، بس ده مش السبب الأساسي اللي عايز اخلص منه علشانه.
بدت الحيرة في عيون رياض أثناء نطقه: ايه السبب الأساسي؟
تابع عدنان مخططه الشيطاني بحقد: أنا عايز اخلص من كل الدايرة اللي السيد الكبير مشغلها، عايز الدايرة دي كلها تفضى وما يتبقاش فيها غيري انا بس، ساعتها السيد الكبير ان انا الوحيد اللي استاهل مكانهم كلهم انا الشغل اللي رضوان ونادر بيعملوه اقدر اعمله، اني اخلص منهم كلهم ساعتها ثروتهم كلها هتبقى تحت رجلي وهبقى الدراع اليمين للسيد الكبير وكمان بدير الشغل كله، سنة والتانية اخلص من السيد الكبير نفسه ويبقى كل حاجة ليا انا وابقى انا السيد الكبير، نادر بقى اشتغلتله من سكة تانية رضوان رجع يلاوع سارة تاني اصل رضوان ده مبيهمدش، سارة دي المفروض انها كانت مراة نادر اللي لو عرف ان رضوان بيحاول يقرب منها هيقوم الدنيا مش علشان بيحبها ولا حاجة لا علشان رضوان مياخدش حاجة كانت بتاعته، بعت اللي يراقبها وكان خلاص هيخطفها بس اتلحقت، محاولتش تاني لأن بعدها جاتلي من عند ربنا ورضوان ونادر قاموا على بعض بس للأسف رجعوا اتحدوا تاني علشان اوامر السيد الكبير وعلشان العفريت اللي ظهر ده فجاتلي فكرة تانية.
أردف رياض بتوتر: ايه هي؟
تابع عدنان بتخطيط: لينا بنت نادر تموت وساعتها بس هيقوموا على بعض لأن نادر هيفتكر ان رضوان بيردله الضربة، أنا فاضلي على التنفيذ شعرة بس اللي موقفني الرسايل اللي بتتبعت والحاجات اللي تخلي اي حد يقلق، اني العب دلوقتي واسم محمد صادق العمري رجع يسمع تاني خطر عليا، حتى لو كان ظهوره ده لعبة فخطر برضو لأن اللي ورا ظهوره ده اكيد عارف كل حاجة عننا وعن الدايرة دي من قبل ما انا ادخلها حتى، علشان كده انا مستنى يوم ولا اتنين الدنيا تهدى واضرب ضربتي ويخلصوا على بعض كلهم، وبعدها بقى افضى لابن العمري واعرف العب معاه.
توقع رياض شره ولكنه لم يتوقع أن يكون لدرجة كهذه، فاق توقعاته ولكنه لم ينبهر فلقد رأى سابقا الأسوء من رضوان، دائرتهم هذه بالنسبة له لن تنتهي إلا بالدماء سواء دمائهم او دماء الاخرين.
وصلت سيارة حامي إلى وجهتها، نزلت نيرة تتفحص أين سيقنطوا هذه المره قائلة بمزاح: الناس الطبيعية بتقعد طول عمرها ساكنة في شقة واحدة بس ويوم ما بيغيروها بيكونوا رايحين يصيفوا، معاكوا بقى احنا بنغير مكان السكن أكتر ما بنتنفس.
تعلقت نيرة برقبة شقيقها متابعة بفرح: بس ايه الروقان ده، جاردن سيتي وشقة على النيل
اختتمت غامزة له: انت بتحب جديد وجاي للنيل ولا ايه؟
نزلت عائشة هي الاخرى لتسمع قوله المعجب: ومين يكره ده الروقان كله هنا، بس لازم تعرفي برضو ان لا في خروج ولا كافيهات ولا مول نروح نضرب فيه الناس.
صرخت نيرة باستنكار مدافعة: ايه امال في ايه بالظبط.
دفعها نحو مدخل المنزل ناطقا بتهكم: في بلكونة لما تحسي انك زهقتي ابقي اطلعي اقعدي فيها وملي عينك من النيل.
عادت إليه مجددا تقول بتصنع الجدية: طب نتغاضى عن موضوع الخروجة ده دلوقتي، بالنسبة لفستان فرحي ايه ر...
أشار لها بالصمت وجذبها من ملابسها من الخلف يلقي بها إلى مدخل البيت مردفا بتهكم: على فوق، ليكِ عين تتكلمي، الحرس اللي معاكم دول لما شوفتي الدنيا هتقوم مندهتيش عليهم ليه؟، بس انتوا واضح قعدة الأقسام بقت تكيفكوا.
هنا تخلت عائشة عن الصمت واقتربت منه رافعة إصبعها بتحذير: اسمع انا ما اسمحلكش.
استدار لها بنظراته القاتلة، فابتسمت نيرة وقد عرفت ما سيحدث مما جعلها تقول نصح ساخر: اه خناقة جديدة، طب بصوا لو هتتخانقوا في الشارع ياريت بشويش علشان احنا لسه جداد في المكان ومش عايزين شكلنا يبقى وحش من اول يوم كده علطول.
راقبت حرب النظرات هذه فاتجهت للأعلى هاربة وهي تردف: طب اطلع انا بقى علشان اتأخرت.
تخطته عائشة كي تلحق بنيرة ولكنه منع صعودها حين جذب مرفقها فهاجمت: سيب ايدي، انت مش قولت هتسافر، مش سيبتني؟، ولو مكانش موضوع الخناقه ده حصل ولا كنت هعرفلك طريق.
نزلت دموعها وتابعت بانهيار: ليه كل ده، علشان كلمتين قولتهم في لحظة كنت خايفة فيها ومش واعية لكلامي.
امتد كفه إلى وجهها، مسح دموعها مردفا بنبرة حملت الكثير: الكلام اللي بنقوله واحنا خايفين بيكون أكتر كلام صادق في حياتنا.
هزت رأسها نافية وهي تؤكد على صدق مبدأها بعيونها الدامعة والتي حملت الإنكار قبل فمها: لا مش صح، الكلام اللي بتقوله واحنا خايفين بيبقى أكتر كلام ميتصدقش في حياتنا، بنبقى ناس غير الناس تايهين ومش عارفين نقول ايه، ازاي مخدتش بالك اني حتى وأنا خايفة وبدينك انك السبب في كل اللي حصل عيطت في حضنك انت، يعني انت أماني حتى وانا واقفة بقولك انك سبب أذايا، لو كلامي وقت خوفي كان صح مكنتش حضنتك، في حد بيحضن أذاه؟
حاول إخماد ثورتها المطعمة بدموعها ولكنها تابعت بنفس النبرة: انت بقى عملت ايه؟، جريت وبعدت بعيد عني حتى لو انا اتسببتلك في أذية يبقى عقاب قاسي اوي انك تعاقبني بهروبك، شوف انا لما حسيت اني اتأذيت منك عملت ايه وانت عملت ايه، انت عارف ان انا روحي كانت بتروح لما يحيي قالي ان طيارتك طلعت، بقيت عاملة زي المسجون اللي جت لحظة إعدامه وطالب فرصة واحدة بس مجرد فرصة يبرر موقفه فيها، ويقول أعذاره، انت وصلتني لمرحلة عيلة صغيرة وقفت تقول ليحيي كلام يوصلهولك علشان يستفزك فترجع، خلتني نفسي في فرصة واحدة بس وحاسة انك انت اكتر انسان حبيته حرمني منها.
صمتت مختتمة بألم: لو هتمشي تاني امشي دلوقتي.
قطع كلامها بضمه لها فتشبثت به كالصغار وسمعته يقول بصدق: أنا معرفش امشي.
بس انت مشيت.
نطقتها بوجع فداواه بقوله: ورجعت تاني، من غير أي حاجة أنا كنت هرجع، مش هنكر ان الكلام وجعني بس أنا مكنتش زعلان منك أنا كنت زعلان على اللي وصلتيله، انا لما مشيت كنت عايز امشي بعيد عن عينك اللي شفت فيها نظرة بتحملني لوم الدنيا كله، بس اكتشفت ان نفس العين دي قلبي مبيرتاحش غير فيها.
ارتفعت له تحتضن زينونيتيه عيناها وهي تردف بندم: أنا اسفة.
ربت على كتفها مؤكدا: متتأسفيش انا مش زعلان يا وحش، اطلعي ارتاحي شوية بقى علشان هنخرج بالليل.
لمعت الفرحة في عيونها وهي تقول ببهجة: بجد.
هز رأسه مؤكدا وتحرك هو نحو سيارته مردفا بجدية: هخلص شوية حجات وارجعلكوا.
هزت رأسها موافقة وهي تتابع رحيله كادت ان تغادر ولكنه ناداها مردفا بضحك: عيوش، سايبلك حاجة في الأوضة ابقي شوفيها.
اختم حديثه غامزا بعينيه وهو يضحك ثم دخل إلى سيارته ليقودها راحلا.
علت الضحكة البلهاء وجهها وهي تراقب رحيله وقد أعلنت طبول قلبها الحرب عليها، حرب حب الفؤاد له.
انتهت دنيا من الزيارة ونزلت ل عمر الذي كان ينتظرها في المقهى المجاور للمشفى، ظهر الامتنان في عينيها وهي تشكره بصدق: شكرا جدا، أنا عطلتك انا اسفة.
هز عمر رأسه نافيا وهو يقول بود: يا ستِ عطلتيني عن ايه يعني. المهم هو اخباره ايه انا كنت عايز اطلعله بس انتِ اصريتي تطلعِ لوحدك.
اعتذرت مبررة موقفها: كنت عايزة اواجهه براحتي بصراحة، لو كنت طلعت معايا كنت هخاف ادخله وهحتاجك تدخل معايا وانا كان المفروض اتكلم معاه واواجهه لوحدي.
قطع حديثهما امرأة تأملتها دنيا، كانت أنيقة لم يبد عليها كبر السن ولكنك في الوقت ذاته متيقن من أنها ليست شابة ربما في بداية الخمسينيات أو أواخر الأربعينيات، كانت ترتدى فستان اسود طويل وخفت ملامح وجهها تلك النظارة الشمية وخفت جزء من خصلاتها تحت إيشارب من اللون الأحمر ساعد أيضا في إبهام ملامحها.
توقفت دنيا عن شرودها حين قالت السيدة: انسة دنيا ممكن كلمتين في الكافيه هنا.
تقدم عمر منها وقال باعتراض: كلمتين ايه حضرتك تعرفيها اصلا!
هزت السيدة رأسها ناطقة بثبات: اه طبعا اعرفها وكنت بروح المطعم بتاعها في تركيا كل يوم، بس هي حاليا قفلته.
استأذنت دنيا من عمر برجاء: معلش ممكن تستناني خمس دقايق كمان، هشوفها عايزة ايه؟
انتِ تعرفيها اصلا؟
نطق عمر جملته معترضا بشك فقالت دنيا بهدوء: لا متقلقش انا تقريبا فاكراها، استناني هنا بس.
أردف عمر بتحذير: أنا واقف هنا قدام الباب خمس دقايق وتخرجِ، و تقعدي على الترابيزة اللي جنب الإزاز هنا دي.
هزت دنيا رأسها بموافقة وتحركت معها إلى داخل المقهى، استتب الوضع وبمجرد أن جلسا أردفت دنيا بحدة: مين حضرتك وليه كذبتِ وقولتِ تعرفيني، انا عارفة زباين المطعم كويس اوي واقدر اقولك مين كان بيجي كل يوم ومين كان بيقطع فترة ويجي فترة، انتِ مين وعايزة ايه؟، وياريت تنزلي النضارة دي علشان اشوف ملامحك.
تنهدت الجالسة أمامها بتعب وهي تقول بنفي أبكى قلبها: مش هينفع.
قالت دنيا بجدية: مع حضرتك دقيقتين اما تقولي مين او همشي.
لم تجد دنيا استجابة فقامت الرحيل ولكن قبضت السيدة على كفها بحنان وهي تقول بنبرة باكية: أنا امك يا دنيا.
جلست دنيا مكانها مجددا وهي ترمقها بإنكار قائلة: أنا امي ماتت من زمان، حضرتك غلطانة روحي دوري على بنتك في مكان تاني.
نطقت الجالسة أمامها باستعطاف: أنا امك، أنا اللي وديتك لنهلة زمان علشان كنت عارفة انها هتقدر تحميكي، وانا اللي اتحرمت منك السنين دي كلها ويوم ما رجعت مصر حطيت السلاح قدام عينيا علشان انتقم من كل واحد حرمني منك.
هنا لم تمتلك دنيا نفسها فارتفعت ضحكاتها العالية والتي قابلتها السيدة بنظرة دهشة فصدمتها دنيا بقولها المستنكر: لو انتِ امي بجد مكنتيش سيبتيني للغريب رباني، انتِ مش امي الأم بتربي وأنا معرفكيش، وبلاش جو انا اتحرمت منك وانا راجعة انتقم، انتِ لو سيبتيني فده كان بمزاجك محدش ضربك على ايدك، انا الغريبة خافت عليا من اللي المفروض ابويا، انتِ كنتِ فين بقى.
أغمضت السيدة عينيها بتعب وهي تردف بتوسل: دنيا صدقيني.
هزت دنيا رأسها وهي تتصنع الموافقة: تمام انا موافقة اصدقك ممكن بقى حضرتك تقوليلي ايه الظروف القهرية اللي خلتك تختفي وترمي بنتك.
أردفت الجالسة امامها باعتراض خجل: أنا مقدرش اقول حاجة في الموضوع ده اكتر من اللي قولته.
دفعت دنيا كوب المياه الموجود على الطاولة بعنف فتناثر الزجاج على الأرضية وشهقت السيدة بصدمة وهي ترى حالة الهياج التي تملكت من دنيا وهي تصرخ بها: رميتك ليا بقت موضوع، السنين اللي عشتها كلها مع ست مفكراها امي بقت موضوع صح، السواد اللي انا عايشة فيه دلوقتي بسبب الراجل اللي المفروض ابويا بقى موضوع، جبروتك وعملتك دي لا وكمان قوتك انك تيجي تقوليلي انا امك يا دنيا بقوا موضوع، أد ايه انا رخيصة عندكم.
قبل أن تقوم خلفها اختتمت دنيا بتحذير وهي ترحل: اسمعي يا مدام أنا مش عايزة اشوفك تاني، ولا كأني قابلتك علشان انا مش آلة هتيجي تقوليلها انا امك هتجري عليكي تاخدك بالحضن، تنكرك ده لوحده دليل انك لسه وراكي كتير، وانا حياتي مش ناقصة الكتير بتاعك ده، عن اذنك.
اندفعت دنيا كالسهم تهرول إلى الخارج وحاولت السيدة اللحاق بها ولكن خاب أملها حين شاهدتها تركب السيارة جوار عمر وتفر راحلة من هنا أو بالأصح من هذه الكلمة، كلمة والدتك.
في ذلك المخزن البارد والمظلم
وُضِع مصباح للإنارة حتى لا يثير الظلام ذعر المتواجدة هنا، الطعام والشراب يقدما لها كل يوم ولكن حالتها في هذا الحبس الإجباري من أسوء إلى أسوء عدا اليوم.
استيقظت ميرال من نومها لتجد الطعام على الأرضية، رمقته بحسرة وهي تتوعد فور الهروب من هنا، وقعت عيونها على شيء ما أسفل ذلك المقعد المجاور لحامل الطعام هرولت تمد يدها فاتسعت عيناها بغير تصديق حين تيقنت من أنه هاتف ولكن أوشكت بطاريته على الانتهاء، لم تتخل عن أملها بل أسرعت تطلب رقم والدها الدولي والذي تحفظه عن ظهر قلب، لم تجد اجابة كادت أن تبكي وهي تردد بتوسل: رجاء أجب على هاتفك داد.
أعادت الكرة مرة ثانية وهنا اتتها الإجابة لتهمس مسرعة: أبي...
قاطع إكمال حديثها صوت جون صديق والدها المقرب والذي قال بلهفة بمجرد أن سمع صوتها: ميرال أين أنتِ، لقد بحث الوالد عنكِ في كل مكان حتى أنه نزل إلى مصر.
أردفت بصوت منخفض راجي: أرجوك سيد جون اجعل أبي يحدثني فورا، قم بفعل أي شيء.
قال مطمئنا: حسنا ميرال ابقِ ساكنة سأحادثه فورا في مصر وأجعله يهاتفكِ على نفس الرقم.
أغلقت وهي تنتظر على أحر من الجمر مكالمة والدها وأمنيتها الوحيدة أن يتم الهاتف معروفه معها للنهاية.
في مكان يخطف العيون ليس لشدة جماله ولكن لأنه يحتضن النهر، نهر النيل الذي جرى على أراضي مصر وتستطيع رؤيته هنا في القاهرة الساحرة.
طاولة مميزة أمامها النهر مباشرة ولا يوجد جوارها أي طاولة اخرى، ظنت أنها ستجلس مع البقية حيث أتوا جميعا ولكن عند وصولهم أخبرها النادل باحترام بأن تأتي معه، وعند هذه الطاولة وجدته يجلس منتظرا إياها اتسعت ابتسامتها حين وقعت عيناها عليه، ولمعت زيتونيتاه بإعجاب حين رأى ردائها والذي انتقاه لها خصيصا ووضعه على فراشها في المسكن الجديد كي ترتديه الليلة، كان فستان باللون الأزرق السماوي زينته فصوص لامعة وكأنها النجوم وقد احتضنتها السماء ولكن على بشرية وأكمل ذلك حجابها الذي تماشي بنعومة مع لون الرداء.
جلست على المقعد المقابل له وانصرف الذي اصطحبها إلى هنا، تنحنحت هي قاطعة الصمت ونظراته تقول باعجاب: حلو المكان اووي، القعدة على النيل وبالليل
دققت السمع فاستمعت لأنغام أم كلثوم فتابعت ضاحكة: وأم كلثوم كمان.
قطع حديثها سؤاله الماكر وقد تزين ثغره بابتسامته: مش هتسأليني حلو ولا لا؟
تصنعت عدم وقالت باستغراب: هو ايه ده.
أشار بعينيه على ردائها ضاحكا فابتسمت بثقة مرددة: لا انا عارفة انه حلو أصلا.
ارتفعت ضحكاته وهو يردد باعجاب: لا واثق يا وحش.
ضحكت وهي ترفع حقيبة الأطفال التي وضعت بداخلها الصغير فوجدته قد فتح عيناه يرمقها وهو يحرك كفيه الصغيرين، طلبت منه بإلحاح: حامي قوم تعالى بسرعة.
قام من مقعده وذهب ناحيتها فقالت له بحماس بص على محمد كده، شايف ايه؟
لم يدرك مقصدها فأردف باستغراب: شايف آمن.
حثته على التركيز وهي تقرب الحقيبة منه: ركز بس.
مط شفتيه بجهل فأشارت على عيون الصغير ناطقة بفرحة: عيونك اهي.
ظهرت ضحكته فاستدارت له عائشة مشيرة على (غمازته) وهي تقول: ناقصله دول بس.
انحنى ليقترب من صغيره وهو يدقق في عيونه وقد نطق قلبه بشعور غريب يستلذ به للمرة الأولى ومن جرته له هي أيضا، هي كل بداية جميلة ونهاية أجمل.
ارتفع يرمقها بحب أثناء كلماته التي أنعشت قلبها: يمكن الشكل بس، لكن الروح روحك يا وحش. اذا كنتِ زرعتي روحك في أبوه مش هتزرعيها فيه.
سندت الحقيبة بالصغير واستقامت واقفة، استدارت له واحتضنته مصرحة: أنا بحبك اوي.
شد من ضمها حتى وإن كانت جمرة من نار فسيقبض عليها بكل قوته هي الجميلة التي أحبت وحشا جامدا فاقد المشاعر أصعب الأمور لديه هو التصريح بالحب والتعبير عن الحزن، تحملت ظلامه وحاربت بكامل قوتها لتقضي على الظلام ومازالت تتحمل وتخبره دائما أنها ستتحمل الآتي بنفس راضية لذلك هي عنده مالكة القلب، سارقة العقل، جميلة الوحش.
في نفس التوقيت
ولكن على طاولة وقعت وسط باقي الطاولات هتفت نيرة بتذمر لعمر الجالس جوارها: اشمعنا احنا قاعدين هنا وهما راحوا قعدوا لوحدهم، انا عايزة اقعد معاهم، قوم نروح الترابيزة بتاعتهم.
أجلسها عمر مردفا بتذمر: ما تتهدي بقى، ما انتِ قاعدة على النيل اهو وفي ضهرك دفاية علشان قعدتي تقولي بردانة، عايزة ايه تاني تحبي اقوم اولع فيكِ بيها.
قالت الصغيرة باعتراض طفولي: عموري ما تزعقش لنيرو، انا كمان عايزة اروح معاها.
لفت كريم انتباه نيرة بقوله: عمو يحيي عايز يصالح مامته وهي مش راضية.
دققت نيرة النظر فيما يحدث في حين همس عمر للصغير: ده انت برنس، ده انا بقالي نص ساعة ومش عارف اخليها تقعد ساكتة.
ضحك الصبي على حديثه فلقد خدع نيرة ليصرفها عن رغبتها في الذهاب إلى طاولة شقيقها.
نظرت ليحيي الذي توسل إلى جميع أفراد الطاولة من أجل والدته حتى نطق بضجر: يا حماتي اتكلمي، طب ياللي هتبقي مراتي ا
تكلمِ
ثم نظر لعمر متابعا: يرضيك كده انا بقالي نص ساعة بصالح فيها وهي ولا معبراني.
قالت زينة وهي تربت على كتف هنا الممتنعة عن الحديث مدعمة موقفها: معلش يا يحيي سيبها تاخد وقتها براحتها.
وأيدت هنا الحديث حين اردفت بإصرار: أيوة براحتي بقى، زي ما بتختفي وتظهر براحتك، انا برضو هخاصم واصالح براحتي.
رمقها يحيي بغيظ بينما أشارت صوفيا بعينيها إلى نيرة على دنيا.
عرفت نيرة مقصد والدتها فملامح دنيا يبدو الحزن عليها ولكن لن يمكن أن تسألها هنا عن السبب فحاولت نيرة لفت انتباهها قائلة: دودو يا دودو يا حتة سكرة.
انتبهت لها دنيا بابتسامتها فتابعت نيرة: ايه رأيك تقومي معايا انتي ندور على ترابيزة عائشة وحامي.
ارتفعت ضحكات دنيا فلقد عادت نيرة للبحث مجددا، قطع جلستهم النادل وهو يقدم قوائم الطعام باحترام
تناول عمر القائمة وهو يقول بتركيز: احنا اتفقنا هناخد بيتزا شوفوا بقى كل واحد عايزها بإيه.
قطعت نيرة حديثه تقول بإصرار وهي تلوح أمامه بقائمة الطعام: عمر أنا عايزة هوت سيدر.
رفع عمر حاجبه الأيسر مردفا بتهكم: عايزة ايه يا ماما؟
أعادت طلبها قائلة ببراءة: هوت سيدر.
أردف عمر بغيظ: وحضرتك عارفة اللي انتِ طالباه ده يبقى ايه؟
قالت بحماس: لا ما هو انا طالباه علشان اعرفه، بس هو مشروب.
وجه عمر حديثه هذه المره لهم وهو يقول: انا لو خنقتها دلوقتي محدش فيكم هيمنعمي صح؟، الهوت سيدر ده يا نيرة يا حبيبتي مشروب أساسه التفاح، انتِ بتحبي التفاح؟
قالت مصارحة: لا خالص.
ضرب بالقائمة على يدها ناطقا بضجر: امال بتطلبيه ليه ها، بتطلبيه ليه.
تناولت القائمة الخاصة بها ناطقة بتذمر: الله بكتشف هو حرام الاكتشاف، اسكت مش عايزة حاجة خلاص.
صمتت حتى قال عمر: أنا هاخد بيتزا بالسي فود.
قاطعته مرددة: عمر لينا عايزة اسموزي باشون فروت.
ألقى عمر بالقائمة على الطاولة ومسح على وجهه وهو يسمع الصغيرة تقول بضجر: نيرة انا قولت عايزة اسموزي بطيخ.
انكمشت نيرة واستدار لها عمر قائلا بغيظ: يابنتِ اتلمي بقى، هو انتِ حد سلطك عليا وحلفك ما تسيبيني غير لما افقد النطق؟
أشارت بالنفي وهي تقول بضيق طفولي: يا عمر ماهو انا لازم اجرب حاجة جديدة، انا وعيوش لما كنا بنروح أي كافيه كنا بنجرب الحجات اللي مجربنهاش قبل كده.
نطق عمر بمحاولة لجلب الصبر: حاجة مجربتيهاش قبل كده بس عارفة هي عبارة عن ايه، تفرق عن حاجة مجربتيهاش ومش عارفة هي عبارة عن ايه وراحة تطلبيها يا متخلفة.
كان الجميع يضحك عليهم فقال يحيي لوالدته: طب علشان خاطر الضحكة الحلوة دي صالحيني.
رمقته بغيظ وهي تقول بإصرار: برضو لا.
حاولت دنيا كبت ضحكاتها وهي تقول: اطلبيه يا نيرة الفاكهة اللي معمول منها الاسموزي دي برازيلية وطعمها حلو جدا على فكرة.
قالت نيرة بانتصار للجالس جوارها: شوفت بقى عرفت ان اختياراتي صح؟
هنا ساندتها الصغيرة وقالت مؤيدة: وانا عايزة زي نيرو مش عايزة بطيخ.
ردد عمر بتهكم: اطلبي يا اختي الباشون فروت، عارفة يا نيرة انتِ اخرك قهوة بلدي واجبلك كوباية شاي حبر كده وتكون الكوباية اقدم كوباية عند القهوجي ومكسورة كمان.
قطع حديثهم زينة وهي تسأل يحيي: يحيي هو ايه اسموزي هاواي ده؟
صاح يحيي بعدم تصديق: هو انتِ اتعديتي منها، لا بصي أنا مفيش حيل للمناهدة معاكي ومع ست الحبايب.
نادى النادل مردفا بحسم: عايزين كلنا بيتزا بالسي فود، وهاتلهم كلهم عصير ليمون.
اتوا ليعترضوا فقال يحيي بنفاذ صبر: واللي هتقول انا مبحبش الليمون، لما تبقى تروح تبقى تخترع العصير اللي نفسها فيه في بيتهم.
رمقوه بغضب بينما كست نظرات التشفي عين عمر وارتفعت ضحكاته على هيئتهم المتذمرة، وقد استرد حقه بعد ان استنفزت نيرة صبره كله.
بعد مرور ساعة
وصل بديع إلى المكان الذي وصفته له ابنته وأخبرته بأنها محتجزة فيه، كان معه الكثير من الرجال ولكنه أوقفهم وأمرهم أن لا يدخلوا إلا إذا تأخر في الداخل وجلب معه اثنين فقط.
تحرك بخطوات مدروسة نحو البوابة فباغت الحارس الواقف عليها حين أشهر سلاحه وخلفه رجليه، رفع الحارس كفيه مستسلما فقال بديع: لو عايز حياتك هات المفتاح.
أخرج الحارس المفتاح من جيبه وألقاه على الأرضية بحذر، فأشار بديع إلى أحد رجاله فجلب له المفتاح، وقف الرجلان بجانب الحارس حتى لا تصدر منه أي خيانة وتوجه السيد زيدان إلى الباب يفتحه وبمجرد فتحه هرول للداخل، ودار بعينيه في المكان بيقين وجود ابنته لتسقط توقعاته أرضا حين وجد اخر من توقعه.
حامي جالسا على أحد المقاعد وكفاه مكبلتان من الخلف وبمجرد ان التقت عيونهم، فتح بديع فمه بينما علت ضحكات حامي وهو يقول خلال ضحكه:
شوف الدنيا يا جدع، اخر حد كنت اتوقع انه ينقذني هو انت.
تابع ضحكاته المجلجلة ليقطعها غامزا: قولي صحيح هو انت جيت لوحدك ولا الهوا اللي رماك.
ساد في الغرفة تناقضان، ضحكات غرقت في السخرية، ونظرات قتلها الأمل الكاذب وتحولت لكتلة من اللهب الحارق.