رواية نوفيلا جنون تحت السيطرة للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس
قبل ما حدث بقليل، كان «يزن» جالسًا بجانب «ريان» وأمامه الشباب الخمسة يقفون مُطرقين الرأس كالمذنبين، هُنا تسائل «ريان» مُوجهًا حديثه ل«يزن» بعتاب: في إيه يا يزن مذنب العيال كدا ليه؟
لوى «يزن» شفتيه بتهكم مُجيبًا إياه بسخرية وهو يُشير للشباب: البهوات فاكرين نفسهم فتوات، رايحين حارة هارون وبيتخانقوا مع عياله هناك، وياريتهم رِجعوا منصورين، دول اتضربوا واتهزقوا واتهانوا زي الكلاب.
جعد «رياض» وجهه مُعترضًا بضجر: بس متقولش اتضربنا يا عمو، احنا كُنا بناخد ونِدي بشكل وِدي مع بعض.
تحدث «يزن» بغتةً: والقلم اللي معلَّم على قفاك بقاله يومين دا تسميه إيه!
اعترض بقوة صائحًا: لأ دا من إسحاق مش من الرجالة.
التوى ثغر «يزن» ساخرًا: لا طالما إسحاق هو اللي ضربك تبقى راجل.
تحدث «سليم» تلك المرة مُوجهًا حديثه لوالده: يا بابا كان موضوع وخِلص بقى، خلي قلبك أبيض.
نهره «يزن» بحدة وتعابيره تشتد قسوة: أنت تسكت خالص، قال وأنا اللي بتفشخر بيك طلعت عِرة زيهم.
وضع «إسحاق» يده على صدره يضرب عليه بضربات خفيفة: الله يكرمك يا عمي والله، طول عمرك أصيل.
طالعه «يزن» ببرود مُجيبًا إياه: دا غصب عنك يا ابن موسى.
قاطع تلك المُشاحنة هاتف «ريان» المُسترخي على الأريكة يتثائب، فتح عينه بصعوبة ناظرًا لشاشة هاتفه فوجده رقم ابنه «مدثر»، قذف الهاتف في وجه «سليم» بغتةً ليصتطدم بوجهه قائلًا: خُد رُد على صاحبك عايز أنام.
وضع «سليم» يده على وجهه بألم ناظرًا ل«ريان» بغيظ، كز على أسنانه بحنق ثم فتح الهاتف قائلًا بغضب يكتم غيظه من «ريان»: عايز إيه يا زفت!
أتاه صوت آخر غير «مدثر» يُخبره بعملية: ألو يا فندم، صاحب الموبايل دا في المستشفى وحالته خطيرة للأسف.
انتفض «سليم» بفزع يصرخ به: بتقول إيه! مستشفى إيه!
انتفض الجميع من محلهم عقب قوله الأخير، وأولهم كان «ريان» الذي انتشل الهاتف من على أذنه: ابني فين!
أعاد الرجل نفس كلماته بأسف على مسامعه، مما شل جسده جاعلًا إياه يتصنم مكانه من الصدمة، تسائل «يزن» بقلق، خاصةً بعد أن لاحظ الصدمة المُرتسمة على وجهه كليهما: في إيه! إيه اللي حصل!
ارتعش جسد «ريان» وهو يُتمتم مع ذاته بصدمة: ابني!
لم يجد «يزن» نفعًا من سؤاله، لذلك استدار ناحية «سليم» يسأله بنفاذ صبر: في إيه يا سليم انطق.
وبصعوبة خرج «سليم» من حالة الصدمة التي تلبسته ناظرًا حوله بتيهة، ليجد والده وجميع الشباب ينتظرون إجابته على أحر من الجمر، فتح فمه ثم أردف بصعوبة بالغة: مدثر في المستشفي وبين الحيا والموت.
استمع الجميع إلى صوت جلبة تأتي من خلفهم، فاستداروا مُسرعين، ليجدوا «غزل» واقفة تُحدجهم بصدمة، وصينية المشروبات تقع أسفل قدميها، يبدو بأنها استمعت لحديثهم على الأغلب.
تقدمت منهم ببطئ رهيب، ثم توقفت أمام «ريان» المُنصدم هو الآخر تسأله بعدم تصديق: ابني! ابني فين يا ريان!
أسندها «إسحاق» مُمسكًا إياها من كتفها، ثم أردف بإرتعاش: متقلقيش يا طنط، هيبقى كويس والله.
هبطت دمعة شاردة من عينها ومازالت غير مُصدقة، تشعر بأن قلبها يكاد أن يُفتك من شدة آلامه، لذلك وضعت يدها على صدرها قائلة بصوت مبحوح: عايزة ابني، عايزة أروح لمدثر ابني.
تلك المرة خرج صوت «يزن» الواثق: متقلقيش يا مدام غزل، كلنا هنروح دلوقتي المستشفى اللي محجوز فيها وهنبقى نطمن حضرتك.
هزت رأسها نفيًا بهستيرية قائلة بإصرار: لأ هاجي معاكم، هشوف ابني.
خرج «ريان» من صدمته ذاهبًا إليها، ثم أحاط وجهها بين كفيه مُردفًا بدموع حبيسة في مقلتاه: عشان خاطري يا غزل خليكِ هنا، واحنا هنوصل لعنده وبعدها هبعت حد من الشباب ياخدك لو الموضوع كبير بعد الشر، عشان خاطري متوجعيش قلبي أكتر من كدا.
هبطت دموعها بشدة ترجوه بنحيب: ابني يا ريان، لو جراله حاجة هروح فيها قسمًا بالله، أنا معنديش غيره.
قبَّل جبينها ثم وعدها بحنان مُحاولًا كتم الألم داخله: هيبقى كويس، إن شاء الله تكون حاجة بسيطة.
ابتلعت ريقها بصعوبة مُفسحة لهم الطريق، فجلست على المقعد تنزل لأثرهم الراحل بحسرة، ثوانٍ وكانت تنفجر في البكاء، وضعت يدها موضع قلبها لتُقلل من ألمه، ابنها الآن بين الحياة والموت، لقد استمعت لحديثهم كاملًا، تعلم ان «ريان» يكذب عليها ليُطمئنها، لكن انقباضة قلبها هي ما تُخيفها، تشعر بشعور سيء يتملك منها، تشعر بأنها لم تكن سوى النهاية!
وصل الجميع إلى المشفى مهرولين نحو الداخل، وأولهم كان «ريان» الذي سأل الإستقبال متسائلًا بهلع: لو سمحت عايز أعرف ابني فين!
قطب الرجل جبينه ثم تسائل بهدوء: ابن حضرتك اسمه إيه يا فندم؟
أجابه مسرعًا: مدثر ريان الطحاوي.
نظر للحاسوب الذي أمامه يبحث عن الإسم الذي أملاه «ريان» له، وبعد عدة ثواني رفع رأسه لاه ثم تحدث بعملية: المريض دلوقتي يا فندم موجود في العناية المركزة عشان حالته كانت حرجة.
تلك الكلمات هبطت على أذن الجميع كالصاعقة، قلوبهم تقرع كالطبول من شدة خوفهم، خاصةً ذلك التائه الذي ينظر أمامه بأعين فارغة، شعر بالأرض تميد به وأول من لحقه كان «يزن» الذي اسنده يهتف له بتشجيع: فُوق يا ريان، ابنك محتاجلك أكتر من أي وقت هتيجي دلوقتي وتضعف!
تسللت الدموع لأعين «ريان» متحدثًا بما يرفضه عقله: ابني بيضيع مني يا يزن.
وقف «إسحاق» من الناحية الأخرى له واضعًا يده على كتفه بإرتعاش: متقلقش يا عمي هيبقى كويس بإذن الله، تعالى نطلع دلوقتي ونطمن على حالته.
هز رأسه له وكأنه وجد الحل للإطمئنان عليه، ثم صعدوا جميعًا للأعلى حتى وصلوا إلى الردهة الموجود بها غرفة العناية، وقفوا أمام الباب المعدني الكبير فوجدوا المصباح الأحمر مُضاء دليلًا على وجوده بالداخل حتى الآن.
ظلوا منتظرين عدة دقائق ليست بالأخيرة، حتى شعروا بحالة من الهرج والمرج تحدث حولهم، رأوا تلك الممرضة تهرول للخارج فسألها «ريان» بهلع: في إيه اللي بيحصل! ابني ماله!
أجابته بإستعجال وهي تذهب من أمامه: المريض قلبه وقف مرتين ومحتاج نقل دم ضروري.
صمت كلماتها أذنه، ولا يتكرر بعقله سزى جملة واحدة كادت أن تُصيبه بذبحة صدرية المريض قلبه وقف مرتين! .
هو لن يخسر ابنه، هز رأسه مستنكرًا لصوت عقله الذي يرسم له الكثير والكثير من السيناريوهات الشيطانية، حتى إنه لم يستمع إلى صوت الشباب وكذلك يزن وفارس الذين يُنادوه للإطمئنان على حالته، فلقد شحب وجهه بشدة حتى أصبح يُحاكي شحوب الأموات تقريبًا.
هزه فارس بقوة مُمسكًا إياه من ذراعه: ريان فوق، متستسلمش كدا، مدثر لسه عايش وكويس، فوق عشان تتبرعله بدمك، فصيلة دمكم متشابهة، فوق عشان تنقذ حياة ابنك.
وكأن كلماته أعادته للواقع، حدجه بنظرات ضعيفة مُنكسرة، إن حدث شيء له سيكون هو التالي بعده، هو ليس فقد ابنه، بل صديقه ورفيق دربه أيضًا، هبطت دموعه بأسى وتلك الأفكار المزعجة لا تغادر عقله، ليحتضنه «فارس» معانقًا إياه بقوة هامسًا له:
هيبقى كويس والله العظيم، اهدى كدا وسلم أمرك لربنا.
رفع «ريان» عيناه الدامعة للأعلى متضرعًا، وهو يهمس برجاء: يارب.
تجمع الفتيات معًا على سطح المنزل جالسين على الأرضية الصلبة وهم ملتفون في شكل حلقة دائرية، أمسكت «ميادة» بالزجاجة البلاستيكة ثم وضعتها أرضًا، لتُديرها برفق، ظلت الزجاجة تلتف حتى توقفت على كُلًا من «جميلة ومنار»، أشارت «ميادة» ناحية «جميلة» قائلة بحماس: جميلة هي اللي هتسأل، ابدأوا.
حكت «جميلة» رأسها قليلًا، تُفكر في سؤال صعب تستطيع سؤالها عليه، وبعد تفكير دام لثوانٍ، أردفت مُتسائلة وهي تنظر ل«منار» بترقب: كنتِ متخانقة أنتِ وعدي الفترة اللي فاتت صح! كان باين في معاملتكم.
حدجتها «منار» بثبات قائلة: مشاكل عادية زي ما بيحصل بين أي اتنين مرتبطين، اختلفنا في حاجة كدا وبعد كدا اتصالحنا والأمور رجعت زي ما كانت.
هزت رأسها بعدم إقتناع مُضيقة عيناها تُحدجها بشك، لكنها لم تتحدث حتى لا تتطرأ لأحاديث قد تُزعجها، أمسكت «ميادة» الزجاجة مرة أخرى وأدراتها بقوة مثلما فعلت في السابقة، لتتوقف فجأة على كُلًا من التوأمتان «ميادة وزينب»، والدور على زينب لسؤالها.
ارتسمت ابتسامة خبيثة على ثغر «زينب» أقلقت «ميادة» كثيرًا، ابتلعت ريقها مُتحدثة بتوتر: أنا أختك وتوأمتك ها، خليكِ رئيفة بيا.
التوى ثغر «زينب» بعبث وهي تُجيبها بسخرية: رئيفة دي تبقى خالتك يا عين أختك.
حدجتها «ميادة» باستنكار لم تلتفت «زينب» له، وبحماس شديد اعتدلت متسائلة بنبرة لعوب: كنتِ بتدايقي لما سليمان كان بيهزر معايا ليه!
صُدمت «ميادة» من معرفتها بحبها ل«سليمان»، هو حتى الآن لم يُفاتح والدها كما أخبرها هو، لكن كيف علمت شقيقتها! خرج صوتها مُتلعثمًا تسألها بدهشة: ب. بتقولي. إيه! م. مفيش حاجة من الكلام دا.
غمزتها «رهف» بمشاكسة: يابت! يابت مش علينا الكلام دا، دا أنتِ عنيكِ فضحاكِ.
وبعفوية تسائلت «ميادة» ببلاهة: بجد والله!
نكزتها «زينب» في جانبها بقوة آلامتها، ثم حدثتها بعتاب: يعني أنا أختك وتوأمتك وتخبي عليا! دا أنتِ نتنة.
جعدت «ميادة» وجهها بسخط زائف، وبتوتر أمسكت بالزجاجة لتُديرها مرة أخرى لتُلهيهم عن إستكمال أسئلتهم المزعجة، دارت الزجاجة ببطئ حتى توقفت على الخصم القوي، وكانوا هم «لوچي وحور».
كان الدور على «لوچي» لسؤالها، حدجتها بسخط جاززة على أسنانها بغيظ، اعترافها ل«مدثر» بحبها يُصيبها بالضيق، وأحيانًا تشعر بحاجتها للتنفيس عن ذاتها بضربها، جالت الأسئلة الكثيرة بعقلها، وأهمهم قامت بسؤالها على بغتة لكن لم تسأله بطريقة مباشرة حتى لا تقوم بإحراجها أمام الفتيات: بتحبي مين!
ارتسمت ابتسامة جانبية على ثغر «حور»، تعلم كل ما يدور بعقلها من أسئلة، وعلى التفكير في سؤالها؛ ذهب عقلها بدون وعي له هو، ونطق لسانها عفويًا: إسحاق.
مين!
نطق الجميع بتعجب وذهول مُحدقين بها بدهشة، لم تُظهر أي من مشاعرها أو حتى عبرت عنها من قبل، وأول من فاقت من صدمتها كانت «لوجي» التي تسائلت بشك: حبيتي قبله!
أجابتها «حور» دون مراوغة أو كذب: مكدبش عليكِ آه، أنا مش بحب إسحاق من كتير، بحبه من شهر تقريبًا، حسيت إن فيه حاجة جميلة بتشدني ليه، رغم إنه قدامي طول السنين دي كلها إلا إني مفكرتش فيه غير دلوقتي، هو اللي ساعدني إني اتخطى الشخص اللي حبيته قبل كدا، مكنش حب على قد ما كان إعجاب، كنت بحب الشخص الأول دا لسنتين، حسيته لطيف ودمه خفيف، وطول الوقت كان قدامي اللي يستاهل إني أديله مشاعري وأنا مطمنة، وعشان كدا أنا بقيت أحب إسحاق، مدخلتش في مرحلة العشق وكدا، بس حاسة نفسي معاه، عارفة إنه راجل وقد المسؤولية، وعشان كدا اختارته هو.
كان الجميع يُحدجها بسعادة جلية، أحاطت «رهف» بكتفها قائلة بسعادة: الله أنا مبسوطة بجد، أنتِ وإسحاق لايقين على بعض جدًا والله.
ارتسمت ابتسامة طفيفة على ثغرها، فحولت نظرها ل«لوچي» فوجدتها تبتسم بارتياح هي الأخرى، بادلتها بسمتها تلك وهي تعلم أن حديثها أراح قلبها كثيرًا، يبدو أنها كانت مازالت تشعر بالقلق حيالها.
أمسكت «ميادة» بالزجاجة لإستكمال اللعب، وما كادت أن تُديرها حتى استمعوا جميعًا لصوت «غزل» التي تُصيح ببكاء: أنت بتقول إيه! ابني جراله إيه يا إسحاق.
انقبض قلب الفتيات زُعرًا من حديثها المُبهم هذا، ثم وقفوا مُهرولين للأسفل بفزع، فوجدوا «إسحاق» يقف أمام «غزل» مُمسكًا إياها من أكتافها يُحاول تهدأتها: اهدي يا مرات عمي، والله هو كويس بس لسه محجوز في العناية.
هرعت كُلًا من «لوچي ومنار» له نحوه على أثر كلماته، وأول من تحدثت كانت «لوچي» التي أردفت بفزع: عناية إيه! ماله مدثر!
رفع يده أمام وجهها يُهدئها وهو يُقاوم دمعاته العالقة بين أهدابه: اهدي يا لوچي مفيش حاجة، مدثر كويس هي بس حادثة بسيطة.
شهقت ببكاء يعلو تدريجيًا وهي تهز رأسها نفيًا، بينما «غزل» تحدثت ببكاء: وديني عند ابني يا «إسحاق»، عايزة أشوفه.
أغمض «إسحاق» عيناه بيأس، هو بالأساس قادم لطمأنتهم كما أخبره «ريان»، لكن هو بالكاد يُسيطر على ذاته، وجاءت «غزل» بغريزتها الأمومية حركت فيه مشاعر البكاء أكثر، وبالنهاية هزَّ رأسه بالإيجاب قائلًا: ماشي، بس مش هينفع تيجوا كلكوا سوا.
هُنا وتدخلت «حور» التي رأت تعبه البادي على وجهه مُتحدثة: خلاص متقلقش احنا هنفضل كلنا هنا وخُد معاك طنط غزل ولوچي ومنار عشان يطمنوا على مدثر.
حدجها بإمتنان راسمًا بسمة بسيطة على محياه، ثم أفسح الطريق لثلاثتهم ليهبطوا للأسفل منتظرين إياه، دلفت الفتيات للداخل والقلق ينهش بقلوبهم على ابن عمهم المُصاب، بينما تقدمت «حور» من إسحاق قائلة برقة: متقلقش هيبقى كويس وهيقوم بالسلامة.
ابتلع غصته العالقة بحلقه وهو يُردد برجاء: يارب يا حور يارب، ادعي كتير، مدثر محتاج دعواتنا كلنا دلوقتي.
سألته بإرتعاب وصوت مرتعش: هو. هو حالته خطيرة أوي كدا!
طالعها بتمعن، ثم أومأ لها يدرس إنفعالات وجهها بدقة، ليجدها تدعو بتضرع مُشجعة إياه: بإذن الله ربنا هيعديها على خير، ابقى اتصل عليا طمني لو حصل أي جديد.
أومأ لها وهو يزفر بتعب، ثم همس لها قبل أن يتركها ويهبط للأسفل: حاضر، خلي بالك من نفسك أنتِ بس، يلا سلام.
تابعته بصمت وهي تُتمتم مع ذاتها بتمني: سلام.
وقف سليم بالحديقة الخاصة بالمشفى بعد أن شعر بجدران المشفى تطبق على أنفاسه، لا يطيق التواجد بدون صديقه، هو مُحتجز في غرفة مليئة الأجهزة وجسده مُوصل بالأسلاك التي تُساعده على العيش، شعر بيد تُوضع على كتفه وظهر بعدها «عُدي» المُرتسم على وجهه الحزن الشديد.
استدار له «سليم» بأعين متوعدة، قائلًا بشر مُخيف: حق مدثر مش هنسيبه، اللي عمل فيه كدا هخليه يتمنى الموت وميطلهوش.
مش لما نعرف مين اللي عمل كدا أصلًا!
سؤال صعد من فم «رياض» الذي جاء من خلفهم ومعه «سليمان»، رفع «سليم» رأسه لهم ثم زمجر بشراسة: هنعرف، وديني هنعرف مين هو ومش هحله.
ربت «سليمان» على كتفه عدة ضربات خفيفة أثناء قوله المتوعد: مش هنحله، اسمها مش هنحله، اللي يجي على واحد فينا يستاهل اللي يحصله.
أكد «عدي» على حديثه قائلًا بتفكير وهو يوجه حديثه ل«سليم»: خلي عمو يزن يستعمل نفوذه ويعرفلنا مين اللي عمل كدا كاميرات المراقبة.
كز «سليم» على أسنانه بحقد مردفًا بغضب عارم: هيكونوا مين يعني غير ولاد الحاج هارون! مفيش غيرهم هما اللي عملوا كدا.
هُنا وصعد صوت «رياض» الصارخ: قسمًا بالله لو هما لهنخربها فوق دماغهم، بس لسه هنستنى كاميرات المراقبة!
صعد صوت «سليم» الذي تشدق بجمود: واحنا لسه هنستنى! بينا على هناك، وأنت يا رياض كلم حد من الحرس بتوعنا يجوا للمكان من غير ما بابا يحس بحاجة، وكلم إسحاق يحصلنا على هناك.
أومأ له «رياض» بالإيجاب وفعل ما طلبه منه، وبعد عدة دقايق كانوا جميعًا يصعدون للسيارة لينطلقوا بها بسرعة شديدة دلالة على الغضب الجاقم فوق صدورهم.
وصل «إسحاق» بسيارته وتعجب عندما وجدهم يسيرون بالسيارة من جانبه ولم يروه، قرر توصيل الفتيات ثم الإتصال بهم ليعلم إلى أين يذهبوا، توقف بسيارته ثم هبط منها وكذلك الجميع، ثم دلفوا إلى داخل المشفى مسرعين، ودموعهم تنهمر بقلق على وجوههم.
وصلت «غزل» إلى الردهة، فوجدت «ريان» واقفًا يستند على الحائط بإنهاك، و«يزن» يُعطيه علبة من العصير يرتشفها بهدوء، اقترب منه ببكاء حاد تسأله بانهيار: ابني فين يا ريان! إيه اللي حصله.
حدجها «ريان» بدهشة من مجيئها، فحول نظره ل«إسحاق» بعتاب على جلبه لهم، هز «إسحاق» كتفه بيأس قائلًا: هما اللي أصروا يجوا والله يا عمي.
زفر «ريان» بتعجب ثم استدار ل«غزل» التي تشهق ببكاء شديد آخذًا إياها في أحضانه مُربتًا على ظهرها بهدوء: اهدي يا غزل. اهدي يا حبيبتي هيقوم بالسلامة إن شاء الله.
هزت رأسها بعدم تصديق مُردفة بألم: إيه اللي حصله! الدكتور قالك إيه!
مسح على وجهه بقلة حيلة ولا يعلم بما يُجيبها، حالة ابنته خطرة وتحتاج إلى عملية دقيقة للغاية، خاصةً وأن الآلة الحادة التي دخلت في معدته استقرت عند كليته اليُمنى مُدمرة إياها، لذلك هو يحتاج لنقل دم سريع بعد أن نفذت منه الكثير من الدماء.
خرج الطبيب في تلك اللحظة خالعًا الماسك عن وجهه، ليلتف الجميع حوله يتسائلون بإهتمام: مدثر عامل إيه يا دكتور!
أجابهم بأسف: مخبيش عليكم الحالة جيالنا بعد ما فقدت دم كتير، والكلى شبه متدمرة بس احنا هنعمل أقصى ما عندنا عشان نعالجها ومتتشالش، لكن اللي محتاجينه دلوقتي هو نقل دم ليه ضروري غير اللي والده اتبرع بيه، وفصيلته نادرة شوية.
سارعت «غزل» بسؤاله: فصيلة دمه إيه يا دكتور أنا ممكن اتبرعله.
أجابها بتمني: فصيلته O+، وياريت نلاقي متبرع في أسرع وقت.
هُنا وتدخلت «لوچي» التي كانت تتابع حديثه بصدمة جمدتها لثوانٍ: أنا. أنا فصيلة دمي زيه يا دكتور، أنا هتبرعله.
أشار لأحد الممرضات التي تقف بجانبه قائلًا براحة: طيب كويس أوي، روحي مع الممرضة خليها تسحب منك دم بسرعة، عامل الوقت مهم جدًا معانا.
هزت رأسها بهستيريا ثم جاورت الممرضة التي أخذتها معها، دالفين إلى إحدى الغرف مُختفيين عن الأنظار.
وصل «إسحاق» إلى حارة هارون بعدما هاتفه أحد الشباب مُخبرين إياه على وجهتهم المُحددة، هبط من السيارة مُسرعًا ثم سارع بخطواته إليهم عندما استمع إلى صوت شجار عالي يأتي من على بُعد أمتار ليست بالكثيرة.
وصل إليهم فوجد «سليم» ممسكًا ب«يعقوب» من ياقة ثيابه يهزه بعنف ساببًا إياه بسباب رديء، اشتعلت عيني «يعقوب» من وقاحته فسدد له لكمة عنيفة في وجهه صائحًا بحدة: أنت اللي زيك مينفعش معاه الإحترام.
سيطر «سليم» على توازنه بصعوبة، ثم بادله لكمته بنفس القوة أو أكثر قليلًا وهو يُصيح بهيجان: أنا هربيك يا ابن ال...
تفاقم الغضب على أوجه أشقائه من سبته وتطاوله على أخيه وعائلته، وأول مَن تحدث غاضبًا هو «مجاهد» الذي تطاول على «سليمان» من قبل: ما تحترم نفسك يا جدع أنت وبلاها قلة الأدب دي، احنا محترمينك بس عشان أبويا، غير كدا وكتاب ربنا ما كنا هنسيب في جتتكوا حِتة سليمة.
هُنا وتدخل «إسحاق» بسخرية قاسية: والله عاملين احترام لأبوكم! ومعملتوش ليه احترام ليه لما غدرتوا بواحد مننا وبقى مرمي في المستشفى بسببكم! دي حركة متطلعش غير من أشكال.
هدأ «يعقوب» قليلًا بعدما استمع لكلماته، ثم قطب جبينه بتعجب وهو يسأله بترقب: غدرنا بيكوا ازاي مش فاهم!
التوى ثغر «عدي» باستنكار متشدقًا بسخط: على أساس أنت مش عارف ازاي! بس احنا هنعمل فيك جِميلة ونقولك، مدثر اللي كان معانا المرة اللي اتخانقنا فيها معاكم، شوية عيال طلعوا عليه وضربوه بالسكينة في جنبه، ومفيش غيركم اللي له مصلحة من ورا ا كله.
تدخل أحد الأشقاء والذي يُدعى «مصعب» قائلًا: لأ كدا كخ يا بابا، احنا لما نحب نضرب بيبقى Face to face، لكن جو اضرب واجري دا مش بنحبه لأ.
قطب «سليمان» جبينه متسائلًا: يعني إيه!
تحدث «يعقوب» مُتدخلًا: يعني مش احنا اللي عملنا كدا مع صاحبكم دا، احنا ولاد حارة اه بس مش بلطجية.
كان «هارون» يُتابع الموقف من البداية دون تدخله، يريد أن يرى ردة فعل أبنائه الرجال وكيف سيتعاملون مع الوضع، وللحقيقة شعر بالفخر حيالهم، تقدم منهم مُستندًا على عكازه ثم وقف أمام الشباب هاتفًا: أظن خدتوا جواب لكل أسئلتكم، وولادي عداهم العيب وأزح.
شد «سليم» على خصلاته بغضب يُفكر في حل لتلك المعضلة، يستشف منهم صدقهم وبنفس الوقت قلبه يتآكل على صديقه.
وعلى بُعد منهم، كان «بدير هارون» يجلس على مقعد القهوة يُتابع هذا الشجار بتسلية كبيرة أثناء تناوله لقطع البسكويت مع الشاي الساخن، وبعدما أنهاه قام بالنداء على صبي القهوة بصوت عالي هاتفًا: واد يا ريشة، أنت ياض يا ريشة!
أتى إليه المدعو «ريشة» بضجر، والذي كان يُتابع الشجار هو الآخر قائلًا بحنق: اؤمر يا معلم!
أملى عليه «بدير» طلبه قائلًا: هاتلي ياض كوباية موز باللبن أعمل بيها مزاج عشان أنا نفسي اتفتحت.
حدجه الآخر بصدمة وهو يشير تجاه أشقائه: بس يا معلم اخواتك بيتخانقوا وأنت قاعد لمؤأخذة كدا!
سدد له «بدير» نظرة نارية وهو ينهره بعنف: يعني إيه أنا قاعد كدا! أنت متعرفش إن دوري في الخناقة دي أهم منهم كلهم ولا إيه!
تسائل «ريشة» بإهتمام: إزاي يا معلم!
شرح له «بدير» بعقل مدبر ومخطط: يا غبي أنا بفضل اتفرج وأشوف أدائهم عامل إزاي في الخناقة عشان أنبههم بعد كدا عن الأخطاء اللي عملوها في المرة الأولى.
حدجه باستنكار شديد فاتحًا فمه ببلاهة، ثم أردف بعقل مشوش من حديثه الأبله قائلًا: أنا هروح أجيبلك الموز باللبن أحسن يا معلم.
في تلك الأثناء صعد رنين هاتف «رياض» والذي أجاب مسرعًا عندما وجد أن المتصل هو عمه يزن: أيوا يا عمي خير حصل حاجة!
جاءه صوت «يزن» الحاد وهو ينهره بعصبية شديدة تعجبها: أنت فين أنت والبشوات التانيين! مختفيين ومش حاسين بالمصيبة اللي حصلت هنا!
تسائل «رياض» بريبة وهو يوجه أنظاره لتلك الأعين المُحدقة به: مصيبة إيه يا عمي!
مدثر دخل في غيبوبة.