رواية نوفيلا جنون تحت السيطرة للكاتبة شروق حسن الفصل السابع والأخير
جاء اليوم الذي سيخرج به «مدثر» من المشفى، تجمعت جميع العائلة في الغرفة المُحتحز بها رغم إعتراض الطبيب على ما يفعلونه من ضجة وأصوات عالية، لكن «يزن الراوي» استخدم نفوذه وعلاقاته الكبيرة لتركهم كما يشاءون.
كانت الغرفة تعج بالضجة من أحاديثهم الكثيرة، حاول «سليم» التحدث لكنه لم يستطيع بسبب أصواتهم العالية، لذلك صاح بهم بصوت عالي: اسكتوا بقى خلوني أقول أم الكلمتين اللي عندي.
تلك المرة انتبه له الجميع صامتين بتعجب، نظر «سليم» لأبيه متسائلًا: هتتكلم أنت يا بابا ولا اتكلم أنا!
أشار له يزن بسخرية لاويًا شفتيه باستنكار: اتكلم أنت ياخويا، أنا مش عارف أنت مستعجل على إيه!
حمحم «سليم» ينظف حنجرته حتى يصعد صوته واضحًا، ثم نظر للجميع وتوقفت أنظاره على شهاب الذي يُتابعه بإهتمام كالبقية، ثم أردف مُوجهًا حديثه له بإحترام: بعد إذنك يا عمي أنا طالب إيد بنت حضرتك جميلة.
نظر شهاب خلفه ببلاهة صامتًا لبرهة، وبعدها تمتم ببلاهة: محدش ورايا، أومال بيكلم مين؟
أشار لذاته وهو يتحدث بغباء: أنت بتكلمني أنا يابني.
علق عليه يزن ساخرًا: لأ بيكلم أبوه يا شهاب، على العموم هو مش بياخد رأيك هو بيعرفك بس، ابني كدا كدا هيتجوزها، احنا قولنا نعمل بالأصول ونقولكم.
لوى شهاب شفتيه ساخرًا مردفًا بتأثر زائف: لأ كتَّر خيركم والله، متنسوش تعزموني بقى.
أجابه سليم بثقة مؤكدًا له: متقلقش يا عمو أنا ابن أصول ومتربي برضه وأكيد هعزمك.
هُنا واعترض إسحاق صائحًا بحنق: وأنا كمان عايز أتجوز اشمعنا أنا؟
حدجه موسى بإستنكار ثم هتف بتشنج: وأنت ملكش أهل يا روح خالتك ولا تكون لقيط وأنا مش عارف؟
جعد إسحاق جبينه بضيق بعد أن أمسكه أبيه من تلابيبه، ليُحاول فك حصاره وهو يقول مُبررًا: والله كنت هقولك يا والدي بس مجتش فرصة الله!
دفعه موسى بعيدًا عنه سائلًا إياه: وعايز تتجوز مين بقى إن شاء الله؟
رسم إسحاق إبتسامة بلهاء على ثغره، وبعدها وجَّه حديثه ل أحمد الذي يُتابع الحديث كالبقية، ثم أردف بحماس: أنا طالب إيد بنتك حور يا عمي تكون زوجة ليا وأم لعيالي وجدة لأحفادي وشريكتي في قبري بعون الله.
ورغم صدمة أحمد في البداية، إلا أنه لم يتفاجأ كثيرًا، فقد كان يرى نظراته العاشقة لإبنته وهو أدرى بتلك النظرات، أشاح بيده أمام وجهه ثم أردف حانقًا: خُدها ياخويا لو عايز من دلوقتي.
هبّ إسحاق من مجلسه بجانب أبيه، ثم ذهب إليها حيث تقف بجانب أبيها يرتسم على محياها الخجل: إي دا بجد عادي كدا؟
وما كاد أن يمد يده وينتشلها من جانبه، حتى منعه أحمد الذي هتف بسخط صارخًا به: ارجع ورا يا حيوان أنت ما صدقت؟
عاد إسحاق مكانه مرة أخرى بضجر غافلًا عن تلك التي تكاد أن تنصهر من الخجل، وهُنا صعد صوت سليمان حانقًا والذي أردف وهو ينظر لأبيه: أبا وأنا كمان عايز أتجوز.
وما كاد أن يُجيبه أبيه؛ حتى صدحت الزغاريد تملأ المكان من فم ميران والتي اتجهت إليه بسرعة تحتضنه قائلة: ألف مبروك يا روح أمك، ألف مبروك يا حبيبي.
صعد صوت محمود المُستنكر قائلًا: طب أروح أنا أدفن نفسي طالما معنديش رأي؟
شهقت ميران بعنف من حديثه، وبوقاحة اعتاد عليها الجميع اقتربت منه بعد أن دفعت سليمان الذي حدجها باستنكار، قائلة بحب: يقطعني اخس عليك متقولش كدا يا حودة!
تحدث ريان بعبث وقح قائلًا بمساكشة ل محمود: طب إيه يا كبير! نسيبلكم الأوضة ونمشي!
حمحم محمود بحرج من أفعال زوجته المعتوهة، فنظر لإبنه سائلًا إياه ليُغير مجرى الموضوع كُليًا: وأنت عايز تتجوز مين يا سليمان.
أجابه سليمان بوله: الحب الحب. الشوق الشوق. بولوبيف بولوبيف. عايز أتجوز ميادة يا حج.
أحنت ميادة رأسها بخجل شديد من أنظار الجميع المُصوبة عليها، ورغم فرحتها العارمة إلا أنها لم تستطيع التعبير عنها في وجودهم، تحدث معتصم براحة والذي كان يُجاور سجود في جلسته: طيب كدا الحمد لله واحدة وهتتجوز، عقبال التانية بقى.
حدجته زينب بإستنكار شديد، وبعدها تفوهت قائلة بما صدم الجميع: طب أنا كمان عايزة أتجوز بقى إشمعنا أنا.
ظن الجميع أن معتصم سيغضب، لكنه أطلق زغرودة من فمه تبعه قوله المُهلل: يا فرج الله، البنتين هيغوروا في ليلة واحدة، بركة يا جامع.
نكزته سجود بخفة في جانبه ليصمت، ثم استدارت لإبنتها تسألها بترقب: وأنتِ عايزة تتجوزي مين يا زينب ياختي؟
أجابتها زينب بحماس: الواد صاحب سليمان، وكان هيجي يتقدملي بس منه لله مدثر بوظلي السبوبة.
لوى مدثر ثغره بتشنج قائلًا: تسلمي يا متربية يا بنت الأصول.
ضجر رياض منهم والذي قال باقتراح ونبرة مرحة: كدا مفاضلش غيري أنا و رهف فأنا هتجوزها عشان بسكوتة زيي و...
وما كاد أن يُكمل حديثه، حتى وجد حذاء شهاب يحتضن وجهه بقوة، تبعه صوت شهاب الحانق: عايز تتقدم للبت اتقدملها بإحترام، مش هيبقى أنت والمُهزق التاني.
حكَّ رياض وجهه بألم صائحًا بحنق: جرا إيه يا عمي مش كدا الله؟ على العموم عمي يزن هيقول لبابا وهتجوز مع سليم.
صفق ريان بيده ليجذب إنتباه الجميع وبالفعل حصل على مراده، وبعدها أردف بصوت جاد وبه بعض المزاح: طيب بما إنكم قررتوا تدخلوا عِش الزوجية مع بعض، قررت أنا. وأعوذ بالله من كلمة أنا. ريان الطحاوي، إن الأسبوع الجاي هيكون فرح مدثر وعدي مع بعض بما إنهم كتبوا الكتاب، وآخر الشهر يبقى بقيت الشباب، إيه رأيكم؟
هلل الجميع بسعادة عارمة، لكن صاح عُدي مُعترضًا: لأ يا عمي أنا هتجوز مع الشباب آخر الشهر دا عشان الشقة فاضل فيها حاجات بسيطة وأنا ومنار متفقين على دا.
لم يهترض بل وافقه مُباركًا: مفيش مشكلة، على خيرة الله. مُبارك عليكم يا شباب.
ووسط كل التهيليلات والسعادة التي حلت على الجميع، سحب مدثر يد لوجي له لتجلس جانبه على الفراش، ثم قبلها بقوة على وجنتها قائلًا بسعادة: وأخيرًا هنتجوز يا لبابة القلب!
ردت له لوجي قُبلته مُتحدثة بسعادة: روح قلب لبابة القلب يا دوسي.
انتبه فارس له فقام بجذب لجانبه مُوبخًا إياه: ابعد عن البت يا قليل الأدب، أنت بتستغل طيبتها؟
ورغم غيظ مدثر منه؛ إلا إنه قام بتحريك حاجبيه معًا قائلًا بمشاغبة: على آخر الأسبوع هتكون في بيتي وفي حضني وفي أوضتي والجدع اللي يتكلم بعد كدا بقى.
شايف قلة أدب ابنك يا ريان؟
هتف بها فارس مُغتاظًا، يحاول بشتى الطرق أن يُلهي نفسه عن فكرة أن ابنته ستبتعد عنه بعد سبعة أيام فقط! ربت ريان على كتفه قائلًا بلطف: خلاص بقى يا فارس، ما ابنك عمال يحضن في البت اللي حيلتي وأنا متكلمتش يا جدع!
حوَّل فارس أنظاره لإبنه، فوجد عدي يُحيط ب منار من كتفها يهمس لها بكلمات مجهولة ومُبهمة بالنسبة لهم وهي لا تتحدث، بل تُخفض رأسها بحرج فقط!
نفخ فارس بضيق مُتمتمًا بصوت مسموع غاضب: عِيلة مشافتش خمس دقايق تربية قسمًا بالله.
مرَّ أسبوع وسط فرحة الجميع بعودة مدثر بينهم من جديد، وبدأوا في تجهيز الزفاف الذي سيُقام له، عرض عليهم يزن أن يكون حفل الزفاف في الفيلا الخاصة به لكنهم رفضوا ذلك، ومع إصرار سليم ورياض وافق الجميع أخيرًا.
كانت لوچي تجلس بالغرفة التابعة للفيلا والمجاورة لغرفة بيان إبنة يزن، إلتف الفتيات حولها يُطالعونها بإنبهار، فقط كانت كأنها أميرة تخرج من إحدى القصص، طالعتها بيان بأعين مُلتمعة ثم احتضنتها قائلة بسعادة: بجد You so beautiful.
نظرت لوچي لهيئتها مرة أخرى وكم نال مظهرها إعجابها وبقوة، عضت على شفتيها بحماس وهي تتخيل ردة فعل مدثر ما إن يراها، كم شعرت بالخجل خاصةً وأنها ستكون محل أنظار الجميع اليوم، ارتبكت عندما استمعت إلى صوت السيارات المُهللة بالأسفل، فجذبتها حور للشرفة لرؤية الإحتفال المُقام بالأسفل، وكذلك ذهبت جميع الفتيات الذين يرتدين ثيابهم هن الاخريات.
وبالأسفل، استقل كل شاب سيارة سوداء كلٌ منهم على حدة، منهم سيارة تابعة لعائلة النويهي، والأخرى لعائلة أبو زيد، وأربعة أخريات تابعة لعائلة الراوي، وثلاثة تخص أصدقاء مدثر، ولحسن حظهم كانت جميع السيارات سوداء اللون.
سارت خمس سيارات سوداء على الجانب الأيمن، وخمس على الجانب الأيسر، وبالمنتصف السيارة البيضاء التي يُزَف بها مدثر، توقفت السيارة بالمنتصف، ودارات السيارات حوله في مظهر دائرة يدورون حوله، تعالت التهليلات والصافرات خاصةً عندما أخرج رياض رأسه من السيارة مُطلقًا بعض الألعاب النارية التي تصاعدت في السماء، وكذلك تبعه الشباب في تلك الفعلة مرة أخرة.
وبعد الكثير من الرقص والإحتفالات، وجد الفتيات باب الغرف يطرق بخفة وبعدها دلف فارس الذي ما إن وقعت عيناه على إبنه وهي مرتدية زي الزفاف حتى أدمعت عينيه تأثرت، تسللت الدمعات لعيناها ثم انطلقت إليه قازفة بين أحضانه، إلتقطها فارس بين ذراعيه مُحيطًا إياها بقوة، وكذلك هي أحاطت برقبته كالطفلة الصغيرة المُتشبثة بأبيها، أبعدها قليلًا عنه مُقبلًا جبينها، ثم همس لها بعاطفة جياشة: أجمل وأحلى بنوتة شافتها عيوني، مُبارك يا قلب أبوكِ، ألف مبروك يا حِتة من قلبي.
شهقت لوچي ببكاء ثم أردفت من بين بكاؤها: والله هتخليني ما أتجوز وأقعد جنبك، وبعدها أمشي في الحرام مع الواد بسببك!
ضحك فارس بخفة مُعيدًا رأسها مرة أخرى على صدره قائلًا: قليلة الرباية ومفيش إختلاف على دا.
ابتعد عنها عندما استمع لطرق الباب والتي لم تكن سوى والدتها التي ما إن رأتها حتى انفجرت باكية، لطمت لوچي على وجهها قائلة ببكاء: يالهوي عليا عاملة ميكب ب5000 جنيه وهيبوظ بسببكم.
نسيت زهر بكاؤها ولطمت على صدرها بصدمة قائلة: يا مصيبتي! 5000 جنيه ليه هتنوري في الضلمة!
عدلت لوچي من فستانها وهي ترفع رأسها بتكبر: مدثر حبيبي مش بيستخسر فيا حاجة يا مامي.
أحنى فارس ذراعه لها لتُدخل يدها بينها، فأردف فارس بسخرية: طيب يلا ياختي عشان عريس الغفلة مستنيكِ تحت.
سارت مع والدها للأسفل وذلك بعد أن قام الفتيات بضبظ ثوب الزفاف الأبيض الخاص بها، هبطت السلالم وهي تتأبط بذراع فارس، وبالأسفل ينتظره مدثر الذي يرتدي بذلة سوداء حالكة، ويُمسك بيده باقة من الورود الحمراء، وما إن رآها حتى فتح عيناه بإنبهار بجمالها الخلاب الذي ازداد جمالًا، صفَّر بفمه ثم صاح عاليًا دون أن يُعطي إهتمامًا لمن حوله:
صلي على رسول الله، يمين بالله صاروخ وماشي على الأرض.
امتلأ المكان بصوت ضحكات المعازيم، بينما هو صعد الدرجتان المتبقيتان مُنتشلًا إياها من يد فارس الذي صاح به بحدة: خُد يلا واخد البت ورايح على فين!
قهقهت لوچي عاليًا وهبطت بتمهل معه، وأول ما فعله عندما هبطوا على الأرض السيراميكية؛ احتضنها بقوة هامسًا لها بشغف: كنتِ قمر وبقيتي قمرين، يا بختي بيكِ أقسم بالله.
دفنت لوچي وجهها بصدره وكم خجلت منه بشدة، رغم أنها مُعتادة على تلك الأحاديث منه، إلا أن تلك الليلة مُختلفة عن باقيها، فهي ستكون زوجته شرعًا وقانونًا، وهذا ما يُخجلها عند التفكير به.
طلب منهم مُجهز الحفلات الخروج إلى الردهة للرقص سويًا، عاد الجميع إلى طاولاتهم للجلوس عليها، بينما هو أخذها للمنتصف مُحيطًا لخصرها بيده، وهي أحاطت عنقه، وصمتوا.
صمتوا وتحدثت العيون بحديث طويل لم يعلمه سواهم، أفئدتهم تناسجت بخيوط عشقهم المتينة، وأجسادهم تتلاحم برقصة رقيقة المشاعر، وبعد دقائق معدودة، كرر مدثر مع الأغنية التي تصدح بمشاعر فاقته أضعافًا مُضاعفة، وكأنه يقصدها هي بكل كلمة مما قيلت:
ملكة جمال الناس. دلوقتي مِلكي خلاص. يا مثبت الإحساس جواها ثبتني. هقفل عليها بِبان. مرضاش جمالها يبان. من حقي ما انا كسبان. ويا بختي حبتني.
وعلى الجانب الآخر. كان ريان يجذب غزل رغمًا عنها لساحة الرقص ليشاركوا بها، حاولت غزل جذب يدها منه وهي تُصيح بغضب خافت: بس يا ريان الناس تقول علينا إيه؟
يا غزالتي تعالي بقى ومتغلبنيش، طب والله لهنرقص برضه ها.
خضعت له ولعناده وذهبت معه على إستحياء لساحة الرقص ليشاركوا مدثر ولوجي في رقصتهم، غمزه مدثر بعبث وهو يتحرك بخفة مع زوجته: والعة معاك يا والدي ها!
أحاط ريان بخصر غزل ثم أجابه بعبث مُماثل له: طول عمري رايق وأنا اللي معلمك ياض.
وجاء معهم عدي ومنار أيضًا ليُشاركوهم في الرقص، لتقول لوجي بمزاح: دا بقى رقص جماعي بقى.
ضحك مدثر بخفة وبعدها قال بمكر وهو يقترب منها أكثر: ما تجيبي بوسة يا لبابة القلب لحد ما نكون لوحدينا.
أجابته بدلال وهي تُحيط بعنقه: تؤ بتكسف.
انتبه مدثر لوالده وركز ببصره على حركة شفتيه ليستطيع فهمه، وبالفعل أدرك ما يريده وقام بتنفيذه، وبثوانٍ كان مدثر يدفع لوچي لأبيه، و ريان يدفع غزل ل مدثر، فأصبحت الأدوار مُتبادلة بينهم.
التقط ريان زوجة ابنه بفستانها الكبير والتي شهقت بخضة، ليقول لها بمزاح: اسم الله عليكِ يا مرات ابني.
تحدثت لوچي بخضة: حرام عليك يا عمو أنت وابنك والله.
دافع ريان عن ابنه قائلًا بمسكنة: والله ابني دا غلبان وطيب وعلى نياته، وأنا عايز أوصيكِ عليه يا بنتي، خلي بالك منه أصله بسكوتة خالص وبتكسف من خياله.
أكدت له لوچي ساخرة: مصدقاك يا عمو من غير ما تحلف، هو أنا هتوه عن مدثر وأخلاق مدثر العالية اللي الكل بيشهد بيها؟
وعلى الجانب الآخر. قبَّل مدثر وجه غزل مُردفًا بمزاح: إيه الحلاوة دي يا غزالة؟ أنتِ جاية تاكلي علينا الجو أنتِ وبابا ولا إيه؟
أجابته غزل بحنق: والله أنت مش هتتهد ولا تعقل أنت وأبوك أبدًا غير ما أطفش وأسيبلكم البيت.
عاتبها قائلًا: ومين اللي هيعملنا المكرونة بشاميل؟
كزت على أسنانها بغيظ، ليُقهقه هو عاليًا ثم قبَّلها من جبينها قائلًا بحنان: خلاص متزعليش أنا معنديش أغلى منك ومن بابا.
ابتسمت غزل بخفة ومازال هو يُراقصها: طالع بكاش زي أبوك، بكلمتين كنا نتخانق من هنا وأحلف يمين تلاتة ما أنا مكلماه، ويجي يقولي يا غزالتي ببقى هاين عليا أدوب من حلاوته.
قهقه مدثر عاليًا، وعلى حين بغتةً قاموا بتبديل الأدوار هو و عدي تلك المرة بعد أن أداروهم حول أنفسهم، لتُصبح غزل بين يدي عدي و منار بين يدي شقيقها.
طالعته غزل بغضب ليقول عدي بخوف مصطنع: مليش دعوة ابنك هو اللي غمزلي وقالي أعمل كدا.
صبرك عليا يا عدي، كلها أسبوعين وتكون جوز بنتي وهتشوف شغل الحموات اللي على حق.
اصطنع عدي الحزن وهو يقول: وأهون عليكِ يا حماتي يا عسل.
منعت غزل ضحكتها من الظهور قائلة بترفع: آه تهون عادي.
بينما على الجانب الآخر. هبط مدثر على وجنة شقيقته يُقبلها بحنان، تبعه قوله المُحِب: حبيبة أخوها يا ناس.
أحاطت منار بعنقه قائلة بحزن زائف: لأ ما أنت هتنساني بقى بعد جوازك من الست لوجي اللي هتاخدك مننا.
نفى قائلًا بحنان: عيب الكلام دي يا صعلوقة، دا أنا اللي مربيكِ يعني أنتِ بنتي مش أختي.
مازحته منار تردف بمشاكسة: أي نعم تربية مش ولا بُد بس همشيها عشان خاطر عيونك الرمادي دي.
ضحك مدثر عاليًا ثم غمزها قائلًا: تربية عسل ومحترمة يابت.
وكما حدث منذ قليل، أدار الشباب الفتيات وعاد كل منهم لموضعه ومسكنه الطبيعي، عادت منار ل عدي بعد أن رمت له إبتسامة ساحرة سلبته للمرة التي لا يعلم عددها، وعادت لوچي ل مدثر الذي شدد من احتضانها وكأنها غابت لسنوات، وأخيرًا عادت غزل ل ريان الذي همس لها بعشق بعد أن استند بجبينه على خاصتها: ودا يعلمنا إيه! إنك مهما تلفي وتدوري فمكانك هيفضل هنا. معايا وفي حضنك.
اقتربت الفقرة من الإنتهاء. وختمها مدثر بحمله ل لوچي يدور بها بسعادة وهو يصرخ عاليًا: بحبك.
ضحكت بشدة على فعلته المُتهورة وهمست له بعشق بعد أن أنزلها: وأنا بموت فيك.
جاء بعد ذلك الشباب لأخذه أما هي فجلست مكانها على مقعد العروس لترتاح من تعب النهار قليلًا، تاركة إياه مع حفنة من المجانين المُسمين بأصدقائه.
تيس تيس. الله. الله الرجاء الإنتباه.
هتف بها رياض الذي يرتدي نظارة سوداء كحال الشباب الباقيين والمُلتفين حوله، انتبه له جميع المعازيم، فكز يزن على أسنانه قائلًا وهو يميل على عمر الذي يُتابع ما يحدث بحماس: الله يخربيتك أنت وابنك يا عمر، الزفت دا بيتنيل بيعمل إيه هيفضحنا.
أشاح عمر بيده بلامبالاة قائلًا: اسكت بقى يا يزن وسيب الواد في حاله وسيبني أنا كمان أتفرج.
وعلى الجانب الآخر أكمل رياض حديثه مُردفًا بدرامية: سيداتي سادتي برجاء الإنتباه، اليوم هو حفل زفاف صديقي العزيز مدثر، يعني الحب والرجولة والمحترم أوي أوي أوي، فحبيت أنا والشباب نقدمله عرض كدا يليق بهيبته كعريس.
صمت قليلًا ثم غمز له قائلًا بغناء: تيچي نتچوز بالسر، تيچي ناخد بيت بعيد بيبي، ريمكس رياض حاحا، احم كنت بجرب الميكروفون بس.
قال جملته الأخيرة بإحراج عندما استمع لصوت الضحكات تعلو من حوله وبعدها قام بالإشارة إلى أحدهم بعد أن هبط وسط أصدقائه صارخًا به: شغَّل يا بلية.
وبعدها صدحت الأغنية ليرقصوا عليها بعد أن داروا على هيئة حلقة كبيرة تضم بها جميع الأصدقاء هاتفين بصوت واحد:
بصي يا دنيا أنا ضهري زميلي...
لو أقع في شدة في دقيقة بيجيلي.
أنا خصمي صاحبي خصمي يا ناس ميري.
ده أخويا يا جيهة.
ده بعلو صوتي بنده فوقوا بقى.
ده زميل تميلي، أخويا يا منطقة.
ضهره في ضهري في عراك أو شقى.
صاحبي قضيها.
وانقضت الليلة ما بين رقص ومرح ولهو وسعادة طغت على الجميع، سواء كبيرًا أو صغيرًا، وعاد العروسين إلى منزل الزوجية الخاص بهم، بعد معاناة كبيرة وسنوات قضوها معًا مليئة بالحب والأُلفة والمودة، حتى جاء هذا اليوم الذي انتظروه بفارغ الصبر وبصدرٍ رحب، ليُعلن مدثر للجميع بأنه يعشقها ولم يتوانى لحظة في إسعادها، حتى سلمت هي رايتها البيضاء، وأصبحت زوجته شرعًا وقانونًا.
باليوم التالي...
ظل فارس يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا وكأنه يسير على جمرات تقوم بإحراقه، بينما زهر تُراقبه بإبتسامة حاولة إخفاؤها قدر المُستطاع، ولسوء حظها لم تستطيع منعها أكثر ولاحظها فارس الذي صرخ قائلًا: بتضحكِ على إيه أنا عايز أعرف؟ وبعدين أنا مش عارف مين اللي المفروض يكون كدا، أنا ولا أنتِ؟
وقفت زهر من مكانها ضاحكة أثناء قولها الغير مُصدق: أنت بتهزر يا فارس؟ أنت عايزنا نروحلهم الفجر؟
برر فارس قائلًا: وفيها إيه يعني! أنا عايز جوز بنتي يصلي الفجر عشان ياخد بإيد بنتي للجنة، اسكتِ أنتِ إيش عرفك.
جذبت يده برفق حتى أجلسته على الفراش مُربتة على ذراعه بلين: طيب نام دلوقتى يا حبيبي والصبح هنروحلهم، على الأقل يكونوا صحيوا من النوم.
لم يقتنع من البداية، لكن مع إصراراها خضع أخيرًا وذهب في ثباتٍ عميق بسبب إنهاك جسده طيلة النهار، هو مُتعب ويحتاج للراحة لكن قلبه يتآكل على فِلذة كبده، لا يستطيع إستيعاب بأنها لا تبيت في منزل أبيها اليوم، لقد ذهبت إلى منزل زوجها للأبد!
مش أنا قولتلك يا زهر صحيني الساعة عشرة! لسه سبتيني دا كله؟
هتف بها فارس أثناء ربطه لرباط حذائه وبجانبه وقفت زهر التي تُمسك بعض المشتريات لإبنتها، والتي هتفت ساخرة: يا فارس أنت كنت نايم زي القتيل مش حاسس بأي حاجة وأنا مالي.
نفخ فارس بغيظ بعد أن اعتدل ثم حمل منها بعض الحقائب وهبط للأسفل، ليجد الجميع في إنتظارهم، ورغم أن منزل مدثر لا يبعد عنهم سوى ببضعة خطوات؛ إلا أنهم ارتدوا أفضل الثياب وأحسنها، خاصةً الشباب المُتلهفين لرؤية صديقهم بعد أول ليلة من الزواج!
دلف الجميع ثم صعدوا لمنزله وأول من طرق الباب هو ريان، ظلوا ثانية وثانيتان لكن لا يوجد رد، قام بالطرق مرة أخرى لكن كانت نفس النتيجة لا يوجد رد، فدفعه فارس حانقًا ثم طرق على الباب بحدة: افتح يلا يا ابن ريان. عملت إيه في البت يلا قتلتها صح؟
حدجه الجميع باستنكار لكنه لم يبالي وظل يطرق حتى فتح مدثر الباب بوجه مُمتعض صارخًا بهم: إيه قلة الذوق اللي حلت عليكم دي أنا مش فاهم، الرسول قال خبطوا 3 مرات وبعدها غورورا لو مفيش رد مش تخبطوا مليون مرة!
دفعه فارس من كتفه بحدة ثم سبه قائلًا: يعني أنت يا حيوان سامعنا ومع ذلك مفتحتش برضه!
كنت لسه هصحي البت بس انتوا قطعتوا عليا اللحظة اللي بتمناها من زمان.
قالها بحنق، فضربته غزل على كتفه بخفة وهي تضحك: يخربيت قلة أدبك ياريتك كنت طردتنا أحسن.
احتضنها مدثر ضاحكًا وهي كذلك، ثم أردف بعبث: لأ أنتِ عارفاني محترم مقدرش أطرد حد من بيتي.
تشنج وجه غزل مُكررة كلمته باستنكار: محترم آه على يدي.
أفسحت الطريق ل ريان الذي احتضن ابنه متشدقًا بمكر: ابني فخر العرب.
غمزه مدثر مُمازحًا: والمناطق والمجاورة وحياتك يا والدي.
وبعدها أكمل التحية مع أعمامه وأصدقائه الذي لم يسلم منهم ومن خبثهم المُشابه له، جلسوا جميعًا على الأريكة بعد تبادل السلام، فتسائل فارس مُمتعضًا: فين بنتي ياض.
أجابه مدثر باستفزاز: جاية أهي.
جاءت بتلك اللحظة لوچي التي تُعدل من حجابها ثم اتجهت تلقائيًا إلى أبيها الذي التقطها بين يديه مُحتضنًا إياها: وحشتيني يا قلب أبوكِ.
وقلب جوزها كمان يا حمايا.
قالها مدثر بكيد لإغاظة فارس وبالفعل نجح في ذلك، ليزمجره قائلًا: متدخلش بيني وبين بنتي يلا بدل ما أخدها وأمشي وربنا.
قضى الجميع وقتًا لطيفًا ما يقرب الساعتين، وكان كلًا من مدثر ولوچي فرحين بتلك الجلسة حتى جاء موعد ذهابهم، استأذنوا جميعًا بينما اعترض فارس مُتمددًا على الأريكة براحة: روحوا انتوا بقى أنا هبات مع بنتي الليلة دي.
كز مدثر على أسنانه قائلًا بحقد: يا رب الصبر بدل ما أخنقه ويقولوا قتل حماه واتسجن بسببه.
رسم مدثر ابتسامة صفراء على ثغره ثم أردف بإحترام زائف: كان نفسي يا عمو والله بس احنا بننام من المغرب معلش.
تصنع فارس الدهشة فتحدث بعدم تصديق: احلف! إيه الصدفة الحلوة دي! أنا كمان بنام من المغرب، حيث كدا بقى أنام معاكم المرادي.
ضجر ريان من مشاكسته لإبنه فذهب إليه ساحبًا إياه من مضجعه رغمًا عنه وهو يردف بحنق: تعالى يا فارس وسيب العيال براحتهم بقى متبقاش عامل زي العزول كدا.
سار معه فارس على مضض وإلتف مُسددًا نظرة مُتوعدة تجاه مدثر الذي ترتشم الشماتة جلية على وجهه.
أغلق مدثر الباب خلفهم مُمتنًا من داخله لوالده الذي أنقذه من خطة فارس التي كان ينتوي تنفيذها، استدار لها وتحولت عيناه للمكر الشديد عندما لمحها، ثم أردف وهو يغني: الجو ضالمة خالص. والدنيا هُس هُس. وأنا. وأنت. يا حبيبي. يا حبيبي.
بعد مرور شهر كامل، أمسك مدثر بيد لوجي قائلًا وهو يُشاكسها: براحة عشان حبيب بابا ميحصلوش حاجة.
قالها وهو يضع يده على معدتها التي لم تظهر بعد، لتضحك هي بخفة ثم عاتبته قائلة: يلا يا مدثر بسرعة بقى البنات هيزعلوا مني لو مروحتش بدري.
يا حبيبتي هما هتلاقيهم مشغولين دلوقتي وأنتِ عارفة، وبعدين الدكتورة محذراكِ من الحركة الكتير في الشهور الأولى عشان كدا موافقتش تروحي معاهم من الصبح.
حدجته بحب ثم أردفت بإمتنان: ربنا يديمك ليا يا حبيبي وميحرمنيش منك أبدًا يارب.
أمسك بكفها يُقبله متحدثًا بعشقك: ويباركلي فيكِ أنتِ وابننا اللي جاي يا روح قلبي.
وصلا أخيرًا إلى القاعة المُقام فيها الزفاف بعد أن استقل معه السيارة أبويه وحمويه أيضًا،.
دلفوا للداخل وجلسوا على المقاعد وسط المعازيم الكثيرة التي جاءت لتقديم التهاني والمباركات للعروسين، وما هي إلا دقائق معدودة واستمعوا إلى صوت أبواق السيارات تتعالى بالخارج، فعلموا بأن الجميع قد أتى الآن، خرجت العائلة بأكلمها، بينما جلس مدثر بجانب لوجي حتى لا يتركها وحدها، وكم كانت تلك الفعلة قريبة لقلبها حقًا.
وبعد وقت ليس بالقليل دلف الشباب وبأيديهم العرائس المُتزينين على أكمل وجه، دلف أولًا سليم وبيده جميلة، وبعده دلف إسحاق ومعه حور، تلاه رياض المُمسك بيد رهف، وبعدهم دلف سليمان وميادة، ثم أتبعه عدي ومعه منار، وأخيرًا دلف مصطفي ومعه زينب.
دلفوا كصفوف حتى وصلوا إلى منتصف الساحة، أشار إسحاق ل مدثر بحماس لوجوده، فرد له مدثر الإشارة سعيدًا بأصدقائه، أمسك كُلًا منهم بيد عروسه واستداروا كدائرة، وبالطبع تم اختيار قاعة كبيرة للغاية حتى تكفيهم، وبدأت ألحان الأغنية الرومانسية تصدح بالأرجاء وكُلًا منهم يُوجهها لشريكته.
فبدأ سليم أولًا بالغناء وهو يُردد بحب: عليكِ عيون. لا بتنافق ولا بتخون. وفيها من الأمان مخزون. وفيها من الجمال أسرار.
أكمل بعده إسحاق الذي نظر لعيني حور مُباشرة: عليكِ كلام. يمشي الحزن وأبقى تمام. يطمن قلبي يرجع خام. أكون أنا وأنتِ كالأطفال.
تلاه عدي الذي أحاط بخصر منار مُشددًا من إحتضانها: عليكِ سلام. يقويني على الأيام. فيه طاقة تزقني لقدام. وبيها بكمل المشوار.
وبعده تمتم رياض مُبتسمًا بحب: عليكِ هدوء. حلاوة صوت ونظرة شوق. أكون زعلان أشوفك أروق. وأحس براحة واستقرار.
تحرك سليمان بخفة على الإيقاع ثم أردف بغناء مع الأغنية التي تعكس مشاعره: عليكِ جمال. وقلبك صافي وابن حلال. معاكِ بعيش في راحة بال. ومن غيرك بكون محتار.
جاء دور مصطفي الذي كان يكن الإعجاب ل زينب لفترة كبيرة ثم تمتم أثناء نظره لمحياها: وجودك خير. بضحكة يومي جميل. بتسند ضهري وقت ما أميل. أنا فعلًا عرفت أختار.
ومع الإيقاع الذي يليه، أدار الشباب الفتيات حول أنفسهم مُكملين الغناء بصوت عالٍ نسبيًا: عليكِ سلام. يقويني على الأيام. فيه طاقة تزقني لقدام. وبيها بكمل المشوار.
وبعدها حمل كل واحدٍ منهم عروسه من خصرها للأعلى، ثم داروا بهم في مشهد مُهيب للأعين، قابض للأنفس، وكأنهم أميرات قد خرجن للتو من ديزني بمظهرهم الخلاب هذا، وهُم الأمراء الذين أكملوا الغناء بكل ذرة حُب تكمن في دواخلهم: عليكِ هدوء. حلاوة صوت ونظرة شوف. أكون تعبان أشوفك أروق. وأحس براحة واستقرار.
استمعوا إلى تصفيق حار من الجميع والشباب الذين أطلقوا صافرات تعبر عن مدى إعجابهم بذلك الزفاف الرائع.
بعد مرور تسعة أشهر.
انتفض مدثر فزعًا من صراخ لوجي الذي هز الأرجاء، جلس جانبها متسائلًا بخوف وبلاهة بذاتِ الوقت: مالِك يا لوجي؟
جذبته من ياقة قميصه وهي تُجيبه بعنف يشوبه الصراخ: مالي في جيبي يا روح لوجي، ااااه الحقني يا مدثر بولد.
صاح مدثر بسعادة مُهللًا: بجد! ألف مبروك يا حبيبتي. الحمد لله يا رب. الحمد لله.
صرخت به بنفاذ صبر أثناء إمساكها لبطنها بألم: هموت يابن المُتخلفة إلحقني.
حملها مدثر بفزع ثم انطلق بها إلى المشفى بعد أم اخبر العائلة التي هرولت خلفه إلى المشفى، ظلت نصف ساعة بداخل غرفة العمليات وقلبه يتآكل بخوف عليها، ابتلع ريقه بقلق فشعر بيد توضع على ذراعه كان صاحبها فارس الذي طمأنه بحنان: متقلقش عليها هتكون كويسة.
رفع مدثر رأسه للأعلى مُترجيًا: يارب. يارب.
انتظروا دقائق أخرى حتى خرج لهم الطبيب يخبرهم بإبتسامة عملية: ألف مبروك. المدام والولد بخير الحمد لله، ودلوقتي هيتنقلوا هما الاتنين لأوضة عادية.
احتضن مدثر أباه صائحًا بسعادة شديدة: بقيت أب يا بابا. بقيت أب.
أدمعت عين ريان بحماسة قائلًا: وهتكون أحسن أب في الدنيا كلها، ألف مبروك يا حبيبي.
بعد دقائق، دلف الجميع للغرفة فوجدوا لوجي مُستندة على ظهرها وبيدها الصغير النائم بملائكية، جلس مدثر بجانبها مُقبلًا جبينها بحب بعد أن همس لها بحب: حمدالله بالسلامة يا حبيبة قلبي.
أجابته بإنهاك طفيف: الله يسلمك يا حبيبي.
رأى الجميع الصغير ورحبوا بفردًا جديدًا ينتمي لعائلتهم الجميلة، فتحدث إسحاق بمزاح لصديقه: أكيد هتسمي ابنك على إسمي عشان يطلع شبهي صح؟
نظر له مدثر باشمئزاز قائلًا: إيه القرف دا! لأ طبعًا؟
تسائلت زهر بابتسامة طفيفة له: أومال هتسميه إيه يا مدثر؟
حمل مدثر الصغير من بين يدي زوجته بحذر، ثم اتجه به ناحية والده الذي يستمع للحديث بانتباه حتى وقف أمامه بصغيره، وبعدها تحدث بحب شديد: هسميه ريان. وهيبقى ريان مدثر ريان الطحاوي.
ورغم فرحة ريان العارمة، إلا أن غزل اعترض قائلًا: لأ سميه إسم تاني يا مدثر أنا محبش حد يشاركني في إسم جوزي، وبعدين اشمعنا ريان يعني؟
أجابه مدثر وأنظاره مُثبته على والده: عشان بابا يستاهل كل حاجة حلوة في الدنيا، وإن إسم إبني يكون على إسمه دي أقل حاجة ممكن أقدمها ليه، هو ضحى عشاني كتير، حرم نفسه من حاجات كتير أوي علشاني، أنا لو أطول أجيبله نجمة من السما وأقدمهاله هعملها، عشان الدنيا في كفة وبابا لوحده في كفة تانية، ورغم كدا كفته هي اللي هتفوز.
هبطت دموع ريان تأثرًا، فأحاط به مدثر وبيده الصغير قائلًا: بحبك يا بابا. ولو إن الحب كلمة قليلة على اللي أنا حاسس بيه.
أجابه ريان بصوت مُتحشرج: وأبوك فخور بيك لآخر نفس في عمره.
انقبض قلب مدثر من تلك الفكرة قائلًا بجزع: بعد الشر عليك يا حبيبي متقولش كدا عشان خاطري.
أومأ له ريان بنعم وهو يبتسم، ثم هبط على جبين الصغير يُقبله بلطف وحنان شديد، ابتعد قليلًا عنه ثم أحاط بكتف غزل قائلًا بإبتسامة مُتسعة: عندي ليكوا أنا وغزالتي مفاجأة.
مسحت غزل دموعها التي هبطت تأثرًا بحديث الأب وابنه وبعدها ابتسمت بإستحياء، ليتسائل معتصم بتعجب: مفاجأة إيه دي يا ريان؟
نظر ريان ل غزل متسائلًا: هتقولي أنتِ؟
أومأت له غزل بالإيجاب، ناظرة لأوجه الجميع التي تُطالعها بانتباه، ثم همست بخجل: أنا حامل.
تمت