رواية نيران الحب والقسوة الجزء الثاني للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثالث
وجدت زهراء أن هاتفها يصدر صوتا يعلن عن اتصال أحد، نظرت إلى إسم المتصل وابتسمت بودٍ حيث كانت السيدة وردة، ردت على الفور وكأنها كانت تنتظر اتصالها، فقالت برقة:
طنط وردة إزي حضرتك؟
ردت الٱخيرة بهدوء:
بخير حبيبتي طمنيني عنك أنتِ؟
بابتسامة أخبرتها:
الحمد لله كويسة.
طيب إيه رأيك أنا عازماكي على الغدا النهاردة وفي مكان برا ياستي عشان متتكسفيش في البيت
ضمت زهراء شفتيها معا بإحراج وهي ترد:.
مش عارفة أقول لحضرتك إيه بس أنا ممكن معرفش آجي.
السيدة بضيق:
ليه بس؟
زهراء بحيرة:
هشوف ظروفي وهبلغ حضرتك.
ماشي حبيبتي في انتظارك.
أغلقت زهراء الهاتف وجلست تفكر كيف تخرج من البيت وقد حذرها أخيها من الخروج خطوة واحدة؟, لكنها تريد تلبية دعوة السيدة وردة وبشدة، لذا لم يكن أمامها حل سوى أن تحاول إقناع شقيقها..
يجلسان على مائدة الإفطار سويًا في لحظة حالمة، يُطعمها وتُطعمه ثم يبتسمان لبعضهما، تشرد سيرين قليلا قبيل أن تقول وكأنها تذكرت شيئاً يُزعجها:
يزيد..
تغضن جبين ياسر وهو يرمقها بنظرة نارية مع قوله:
ماتعرفيش تفتكري حاجة أحسن من كدا على الصبح؟
تابعت بضيق شديد:.
أنا نفسي أذله حقيقي يا ياسر متغاظة، بيمشي كلامه عليا وعلى الأولاد وبيعمل أي حاجة عاوزها لأ اللي عمله فيا بقى أخر مرة دا كوم تاني هو والشرشوحة اللي متجوزها دي.
ياسر وقد ابتسم بخبث وهو يضغط على كف يدها:
يا حبيبي هنذله متقلقيش بس لازم نرقد له أولا وبعدين نديله الضربة القاضية يا عمري.
تنهدت سيرين بهدوء وهي تقول:
طيب والولاد؟ إزاي أخدهم منه؟
رفع ياسر حاجبا وهو يتناول الطعام في فمه قائلا:.
تقدري تكسبيهم في صفك بإسلوبك وهتاخديهم غصب عنه بالسياسة كله بيمشي.
هزت راسها موافقة على كلامه وهي تمنحه ابتسامه رقيقة، وختم هو متمتما ب:
بحبك.
بعد مرور الوقت ومع غروب الشمس، قد استيقظ يزيد من نومته وراح يفتح عيناه لتصطدم فورًا بعينيها الحزينتين، كانت تجلس على الأريكة وهي تعقد ساعديها وتنظر إليه بانكسار، عينيها حمراوتين من أثر البكاء، لكنه تجاهل كل الذي تراه عيناه, نهض جالسًا وهو يمسح على رأسه متنهدًا، استفزها تجاهله بشدة، فنهضت بعنف عن مجلسها لتقف أمامه وهي ترتعش من شدة الغضب ثم تهتف بصوت مختنق جدًا:.
أنت لحد امتى هتعمل نفسك مش شايفني قدامك؟!
نظر لها وقد لاحظ عصبيتها المفرطة وارتجاقة جسدها المتعب، ظل يتأملها للحظات ولا يعلم كيف يتصرف معها؟ ولمَ يشفق عليها من الأساس!
ليسمعها تتكلم مجدداً:
لو هتفضل تبصلي البصة دي وتعاملني بالتجاهل دا طلقني وإخلص مني وخلصني.
رفع حاجبه قائلاً بجمود:
ليكي عين تتكلمي معايا بالطريقة دي وبتزعقي كمان؟ مش فاهم أنا إيه اللي بتعمليه؟
ابتعدت عنه قليلا وقد مسحت دموعها باناملها مع قولها:
عشان أنا مش قادرة أستحمل معاملتك يمكن لو زعقت يبقى أهون من التجاهل دا..
زفر على مهل ثم حدثها بجدية:
ما هو أنا قاصد مريحكيش وأعمل اللي يضايقك..
نظرت له بصدمة فتابع متعمدًا مضايقتها:
بالظبط زي ما ضايقتيني وكذبتي عليا، مش معقولة بقى منتظرة مني إني أطبطب عليكي وأقولك سامحتك يا حبيبتي بس إوعي تكذبي عليا تاني ياروحي!
ثم نهض متجهًا نحوها مع قوله القاسي:.
أنا لا بعرف أطبطب ولا أدلع وتحمدي ربنا إنها جت على قد كدا معاكي، أنا شخصيا مستغرب رد فعلي معاكي جدا!
هزت رأسها إيجابًا وهي تبتعد عنه وقد أخبرته:
تمام، أنا بقى ماشية وسيبالك البيت مش عاوزة أعيش معاك ولا عاوزة أعرفك تاني، هروح لبيت أهلي مهما كانت معاملتهم ومش عاوزة أعيش مع واحد قاسي ومش بيسامح زيك..
صمت قليلاً وهو ينظر لها بحدة، ثم مشى إلى الحمام وراح يلتفت لها قائلاً:
لو خرجتي من البيت دا...
ترقبت قوله بحذر وقد سكنت حركاتها وهي قد توقعت كلمته الثانية حتما سيوعدها بالطلاق إن حاولت الرحيل، لكنه قال بجدية تامة:
لو خرجتي من البيت هقطعلك رجلك...
ثم دخل إلى الحمام فورًا صافقًا الباب خلفه بعنف، فجلست رنا ثم لم تستطع منع الابتسامة التي احتلت شفتيها وراحت تمسح دموعها بارتياح، إذا فهو متمسك بها ولن يتركها فقط تحتاج إلى بعض الوقت لتكسب قلبه الصلب هذا..
كان ينزل الدرج مستعدًا إلى الذهاب لعمله، فسمع صوت والدته وهي تنادي عليه بحدة عارمة، تنفس بضيق وغير مسار طريقه ليذهب إليها مع قوله الصارم:
نعم يا ماما.
ابتهال بلهجة آمرة:
اقعد عاوزة أتكلم معاك..
جلس مازن على مضض وهو يقول:
اتفضلي؟
أخبرته بنبرة حازمة:
حالك كله على بعضه مش عاجبني يا مازن من امتى وانت بتعصى كلامي؟
بلهجة صارمة أخبرها:
لأن اللي بتطلبيه صعب وأنتي واثقة إني عمري ما هنفذه.
بتهكم سافر ردت عليه:.
يا سلام؟ ولما أنت ميت فيها أوي كدا كل يوم ماشي مع واحدة شكل ليه يا حبيبي؟
نظر لها بصدمة وقد أظلمت عيناه، فتابعت:
أنت مفكرني نايمة على وداني مش عارفه ولادي بيعملوا إيه؟ لأ أنا عارفة كل حاجة فمتعملش فيها بقى مخلص ومش عارفه إيه، البنت دي مش لايقة عليك أصلا من الأول، أنا بحمد ربنا إنها مبتخلفش بقى دي تبقى ام لاولادك أنت يا مازن؟ راجع نفسك يا حبيبي راجع نفسك!
وثب قائما وقد حدجها بنظرة نارية مع قوله:.
أنا غلطان إني جيت اسمعك والله،
برح المكان فورًا بعد ذلك وتركها تستشاط غضبًا..
ضحكت زهراء بشدة وهي تقول من بين ضحكاتها:
رنا تسمحيلي أقولك إنك هبلة؟
ضحكت رنا وهي تضع يدها على وجهها بخجل، بينما تتابع زهراء بمزاح:
اومال لو كان قالك ماقدرش أعيش من غيرك كنتي عملتي إيه؟, فرحانة عشان قالك هقطعلك رجلك؟
حركت رأسها نافية وقالت بتلقائية:.
لأ مش فرحانة بس حسيت إن كدا متمسك بيا عشان لو مش متمسك مكانش قال كدا وكان طلقني فعلا هو أينعم دبش وقاسي شوية لأ مش شوية كتيييير وكمان مكشر ومش بيضحك خالص لكن طيب هو مش طيب أوي يعني بس كويس.
ضحكت زهراء متابعة:
كل دا؟ والله يزيد دا سكر بس عاوز حد يفهمه ويستحمله شوية،
لاحظت كدا
تابعت زهراء مبتسمة:
أنا هقوم ألحقه قبل ما يهرب للشغل عشان عاوزاه..
ثم مشت بخطوات مسرعة كي تلحق به، صعدت الدرج بعد أن ولجت إلى الداخل وقلبها يخفق سريعاً، كان قد ارتدى ملابسه وجاهز الآن للخروج، نظر لها بصمت قصير قبيل أن يقول بجمود:
مافيش خروج ومش هتروحي المحل بتاعك دا بالذات.
شعرت بالإحباط الشديد وهي تنظر له بحزن لكنها لم تيأس بعد وتكلمت في هدوء:.
أنا مش جاية أقولك إني أخرج للمحل يا يزيد، بس أنا ممكن أفهم أنت حابسني في البيت ليه، ما اللي حصل حصل خلاص والموضوع عدى على خير.
تابع يزيد متنهدًا بعمق:
عدى على خير أيوة لكن هو اتكرر مرتين وممكن اوي يتكرر لتالت مرة الخلاصة أنا خايف عليكي استحمليني بقى لحد ما تتجوزي وتروحي بيت جوزك وبعدها أنتِ حرة مع إني برضوه هفضل أخاف عليكي العمر كله.
ابتسمت بحب وهي تقول:.
أنا مقدرة خوفك عليا بس أنا بترجاك أخرج النهاردة ضروري.
ليه بقى؟
تابعت تخبره في صراحة:
طنط وردة عزماني على الغدا.
اه اللي هي تبقى مين طنط وردة دي؟
دي ست كويسة اوي وتبقى عمة الظابط اللي انقذني.
يزيد بجدية:
زهراء؟ دا كان موقف وعدى وخلصنا لزمته إيه يكون ليكي علاقة مع الظابط وعمته والكلام دا؟ أنا شايف إنك تسيبك خالص من اللي بتقوليه دا
زهراء وقد تذمرت قليلا:.
يعني أسيبني من المحل اللي طول عمري بحلم بيه وأسبني من الخروج والتعارف على ناس جديدة واسيبني من كل حاجة اومال أنا هعمل إيه في حياتي يا يزيد ممكن أعرف؟
زفر يزيد وهو يضم شفتيه معا في صمت، فتابعت بحزن:
خليني كدا ماليش لازمة في الحياة.
ضيق عينيه وهو ينظر لها قائلاً:
وإيه كمان يا زهراء قولي يا حبيبتي، مثلي عليا أكتر قولي متتكسفيش.
رفعت حاجبيها معا وقد عضت على شفتها السفلى ثم تنحنحت قائلة:.
طيب خليني أخرج مع حد من الحراسة وأمري لله عشان خاطري لو ليا خاطر عندك يعني.
قرص وجنتيها بغيظ وهو يقول:
موافق.
ضحكت بسعادة ثم واصلت بحذر:
طيب حيث كدا ممكن اطلب منك طلب تاني؟
إيه تااني؟
اردفت بارتباك:
بخصوص رنا يعني، ممكن تسامحها وتبدأ معاها من جديد؟
تحركت خطواته فورًا وانصرف دون أن يرد عليها فرمشت بإحراج وهي تتجه إلى غرفتها كي تتجهز لخروجة اليوم.
توجهت رنا إليه عندما وجدته يتجه إلى سيارته فلحقت به وهي تقول مُسرعة:
أنت خارج؟
فرد عليها باقتضاب:
أنتِ شايفة إيه؟
تنهدت تنهيدًا عميقًا ثم قالت:
طيب أنا حضرت لك الأكل مش هتاكل قبل ما تخرج؟
لأ مش هاكل قبل ما أخرج.
عاد يستفزها إسلوبه من جديد، فتملكت منها العصبية لكنها استطاعت أن تهدئ ذاتها وتابعت بهدوء:
وليه مش هتاكل قبل ما تخرج؟
كاد يركب السيارة لكنه توقف حين خبطت رنا على السيارة بيدها في عنف وهي تخبره بحدة شديدة:
إنت فعلا مستفز اوي!
اشتعلت عينيه بغضب وقد قبض على رسغها بكف يده وهو يخبرها بهدوء قاتل:
بصي! متختبريش صبري عشان لو أنتِ مجنونة أنا أجن منك وأوعي تفتكري إني هستحمل عصبيتك ولا أعدي لك الهفوة، تمام؟ اتعدلي معايا كدا عشان أيامك معايا تعدي على خير.
حاولت الإفلات من قبضته لكنها لم تفلح، بينما سألته بصوت مختنق:.
تمام وانت هتتعدل معايا امتى؟
حينها ترك يدها وقد أخبرها بجمود قاس:
لما يجيلي مزاج، يا رنا.