قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن والسبعون

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن والسبعون

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن والسبعون

الحب، ماذا يعني الحب؟

طوال عمري لم أعرف معنى ثابتًا للحب، يتغير شكله في كل مرة أظنني حفظته، الحب الذي أحببته لصديقة الثانوية لم يشبه حبي لزميلة الجامعة، والاثنان لم يشبها ما شعرت به تجاه أول فتاة قررت أن أكمل حياتي معها وألبستها خاتم الخطبة، دائما أراه بصورة جديدة وكأنني لم أعرفه من قبل، ولكن كانت أجمل صورة فيهم هي التي رأيتها مع ملك، أخر فتاة على وجه البشرية توقعت أن يقترن اسمي بها، لم تكن دقات فؤادي في حضرتها تماثل دقاته في أي مرة سابقة، كل ما أردته البقاء عالقًا في سحرها، الحب الذي عرفته معها هو الشكل الذي أريده، ربما أنا حقًا جاهل بالحب وصوره التي يغيرها في كل مرة، ولكن هناك صورة بعينها حفظها فؤادي، اختارها الشكل الوحيد للحب، صورة عرفتها مع ملك وللدقة علمتني إياها ملك، حتى صرت على يقين من أنني: في ساحة الحب هذه هزمت الجميع ولم يغلبني سوى ملك، وقبلت أنا الهزيمة بكل رضا.

في السيارة وجوار أكثر من يبغض في هذا العالم أخذ عيسى يفكر فيما هو مقبل عليه، رأى سيارته في الخلف تتبعهما فعلق متهكمًا: جابر نال الشرف وركب عربيتي وماشي ورانا، هو بقى ال بتاعك ولا إيه؟
لم يعقب شاكر كانت نظراته مثبتة على الطريق فأكمل عيسى: مكنتش فاكر إنك مغفل لدرجة تظن إن جابر معاك مش عليك.

وهنا رد شاكر على قوله ساخرًا: محدش مغفل غيرك، طالما أنا محتاجه يبقى أخلص حاجتي منه، لكن ده مش معناه إني مش متأكد إنه ابن ××× عادي.
هنا فقط علت ضحكات عيسى، ضحك حتى أخذ يسعل وسط نظرات الاستغراب من الجالس جواره والذي تضاعفت حين سمع عيسى يقول: طب وليه بس تجيب سيرة الحاج مهدي ده كان راجل غلبان.
مالك ومال أبويا يا بن نصران؟

سأله شاكر بحدة وقد أبطأ من سرعة السيارة فابتسم عيسى وهو يرفع كتفيه متصنعًا البراءة وهو يخبره: أنت اللي جيبت سيرته مش أنا، أصلك شتمت أبو جابر واللي أنا أعرفه إن أبوه يبقى الحاج مهدي.
الاستنكار هو التعبير المسيطر على شاكر والذي نطق مكذبًا ما يقال: أنت بتخرف بتقول إيه؟
ثم ضحك بعدم تصديق وهو يسأله: لعبة جديدة منك مش كده؟

طالعه عيسى مبتسمًا قبل أن يلقي على مسامعه: أنا مش مضطر ألعب عليك يا شاكر، أنا اعتزلت اللعب معاك من زمان، أنا بقولك الحقيقة، جابر جالي وقالي إنه يبقى أخوك، الحاج مهدي الله يرحمه بقى عشم الخدامة عندكم وغدر بيها بس الشهادة لله هو شكله مكانش عارف إنها حامل منه، لكن الست كوثر كانت عارفة، واتصرفت علشان ميجيش ابن اللي بتخدمها يقش مع ابنها، كان حظها حلو إن أم جابر راحت للي خلقها وهي بتولده، وجايز هي اللي خلصت منها مش جديد عليكم يعني الله أعلم، وبعدها رمت جابر لصاحبتها مرات الحاج منصور اللي يا عيني اتحرمت من الخلفة وملهوفة على حتة عيل، وخلاص كده.

دقق عيسى في تأثير حديثه عليه فوجده وكأنه في عالم أخر، لا يصدق كل هذا، بدا مغيبًا فضربه عيسى على كتفه معترضًا: لا لو هتتوه كده يبقى اديني أسوق أنا.

لم ينطق شاكر بحرف، كان يفكر في أشياء عدة، أكد له بعضها حديث عيسى حين أكمل: بس أمك دي دماغ الصراحة، أنا لما جابر قالي مصدقتش، لكن علشان أنا مش مغفل زيك هو لما جالي وحكى الحكاية دي وطلب مني أقف معاه علشان يخلص حسابه منك ويحسر أمك عليك، أنا قولتله لا مع إنك عارف أنت غلاوتك عندي إيه، بس هو عرف يلعب بيك، ومش بعيد على فكرة يكون هو اللي عمل كده في أمك اللي في المستشفى دلوقتي، محدش له مصلحة غيره.

نطق شاكر أخيرًا يدعي تكذيب حقيقة بان على إنش فيه تصديقها: أنت كداب، لو كلامك صح مكانتش أمي عمرها هتقول ل جابر على مكاني وإنه يجيلي ولو على موتها.
مط عيسى شفتيه كدلالة على عدم معرفته قبل أن يعلق: والله أنا معرفش حاجة عن الموضوع ده، بس تقدر تبقى تسأل أخوك.
ثم شمله عيسى بنظرة ونطق ساخرًا: بالمناسبة أنت وهو لايقين أوي إنكم تبقوا أخوات، فيكم من بعض.

وأخيرًا وقفت السيارة، كان عيسى يطالع المكان من حوله، ويرى سيارته التي ركبها جابر وقد توقفت هي الأخرى، و شاكر ينطق بنظرة حادة: انزل.
هنا، حيث الأرض الزراعية التابعة لمنصور وكل شيء في الأجواء لا يذكر سوى بليلة واحدة تطارد عيسى حتى هذه اللحظة.

نزلت ملك وقد أوشك قلقها على الفتك بها فهو منذ أغلق معها لم يعد يرد على اتصالاتها، كانت متجهة نحو منزل نصران ولكن استوقفها نداء حسن الذي كان في مرسمه، دخلت له فوجدته يجلس على مقعد أمام طاولة في أحد أركان الغرفة يأكل إحدى الوجبات السريعة، سألها: مالك؟، وصاحية دلوقتي ليه؟
هو عيسى مجاش؟
ردت على سؤاله بسؤال ونفى هو برأسه تواجده، فقالت: طب أنا هدخل لعمو.

أخبرها وهو يغلق علبة الطعام الموضوعة أمامه: ولا بابا ولا طاهر هنا.
هوى فؤادها أرضًا وهي تسأله: ليه؟
مش عارف، بس هو بابا خرج يصلي العشا ومرجعش، وطاهر أصلا مش هنا من بدري، مالك يا بنتي قلقانة كده ليه اقعدي هعملك حاجة تشربيها واكلم عيسى.
طالبها برفق وهو يرى حالتها ولكنها رفضت الجلوس وأخبرته وهي على وشك البكاء: عيسى مش بيرد.

طالبها بالهدوء وقبل أن يحاول مهاتفة والده، وجد طاهر يتصل به، فهرعت قبله إلى الهاتف، شعرت بخيبة الأمل حين رأت اسم طاهر وأخذ حسن هاتفه ورد ليسمع شقيقه يلقي على مسامعه: حسن متتحركش من عندك، ولا تخلي أي حد يخرج، وعز هيجيلك دلوقتي، ولو احتاجتك هبعتلك location تجيلي عليه.

لم يعرف بماذا يرد أمام هذه الواقفة التي تتلهف لسماع أي شيء، قامت بأخذ الهاتف منه ونطقت بلهفة: طاهر هو في حاجة، طمني يارب يخليك، عيسى كويس؟
سعى لطمأنتها على عكس القلق الذي يعصف به ورد عليها: في إيه يا ملك هو عيسى قالك إنه في مشكلة؟
أنا كلمته من شوية وكان كويس.
لم تصدقه فسألته وقد أوشكت على السقوط: طب أنت مكلم حسن ليه؟

رد عليها يخبرها نصف الحقيقة: كنت بقوله إن عز هيجيله دلوقتي وإنه يقعده يستناني لحد ما أرجع علشان عايزه.
هناك شيء لا تعرفه، هذا ما كانت على يقين منه وهي تعيد الهاتف إلى حسن، والذي بمجرد أن أنهى المكالمة وجد عز أمامه، تحاملت على قدميها واتجهت للخروج من المرسم وهي ترحب به ثم قالت: أنا هطلع يا حسن وهحاول اتصل ب عيسى تاني وأنت كمان حاول.

وافقها، وخرجت بالفعل وتركتهما ولكنها لم تصعد كما كذبت عليه بل وقفت تختبأ جوار بوابة المرسم، استمر الصمت دقيقة تقريبًا حتى أخيرًا سمعت صوت حسن يقول: في إيه يا عز، أنتوا مخبيين إيه، طاهر اتصل وبيقولي متحركش إلا لو بعتلي وإنك هتجيلي، و ملك هتتجنن على عيسى.

شعرت بالأرض تميد بها وهي تسمع عز يرد عليه: عيسى راح ل شاكر و جابر، كان متفق مع الظابط اللي الحاج جابه هنا مره، بس فجأة بطل يرد عليا و طاهر والحاج رايحي...
لم يكد يكمل جملته بسبب هذه التي دخلت بانهيار تهتف: عيسى فين يا عز؟
هرول حسن ناحيتها وقد صدمه أنها مازالت هنا، لم تسمح له حتى أن يهدأ من روعها، كادت أن تقع على الأرضية لولا يده التي أسندتها وهو يسمع توسلها: علشان خاطري يا حسن وديني ليه.

ثم توجهت إلى عز سائلة وعبراتها لا تتوقف: طاهر وعمو رايحينله صح؟
وديني ليه يا حسن، لو ليا خاطر عندك متسيبنيش كده، أنا مش هقدر استحمل هيجرالي حاجة.
توسلها وهو يقسم لها: يا ملك علشان اللي في بطنك حتى اهدي، أنا والله العظيم ما أعرف طريق عيسى، لو كنت عارف كان زماني هناك دلوقتي.
أشارت على عز وهي تجاهد للاحتفاظ بأخر ما تبقى لديها من قوة: عز عارف، عيسى قالي إنه كان قاعد معاه، هو أخر حد عيسى كان وياه.

لا يستطيع إيقاف انهيارها أبدا، حتى عز شعر بالخوف عليها وهي بتلك الحالة، خاصة وهي تتحامل على نفسها هاتفة: أنا هخرج أدور عليه لوحدي.
هنا لم يتحمل حسن أكثر، تلفت أعصابه كليًا من ناحية شقيقه الذي يفتك به خوفه عليه ومن ناحية أخرى ملك، اعترض طريقها وهو يسعى لمنعها: لا يا ملك مش هتخرجي لوحدك أنا هوديكي.
ردعه عز بنظراته ولكنه أكمل حتى تهدأ: بابا و طاهر فين يا عز؟

لم يرد عز على السؤال بل نبهه: مش هينفع يا حسن.
صرخت به وقد أصبحت تستنشق أنفاسها بصعوبة: يعني إيه مش هينفع، أنا مش عايزة منك حاجة، أنا هخرج لوحدي.
لم تتحمل أكثر سقطت على الأرضية فأسرع هو و حسن الذي انحنى ينطق اسمها بذعر حقيقي فرأى دموعها وصوتها الذي يخرج بصعوبة وهي تجاهد لتنطق: علشان خاطري يا حسن.

كانت تحاول التنفس، ونظراتها الزائغة ضاعفت فزعه، فاعتدل لعز مطالبًا بحدة: قولي هما فين وملكش دعوة يا عز، أنا مش هسيبها كده.
في النهاية اضطر عز أن يخبره بوجهة والده وشقيقه، فأسندها حسن وهو يخرج معها، وطلب من عز: خليك أنت هنا، وكلم طاهر.
أنهى حديثه وغادر تاركًا عز الذي ضرب على جبهته بتشتت وهو يحاول الاتصال بطاهر.

استراح عيسى على أحد المقاعد في غرفة الاستقبال هذه التي تطل على الأراضي الزراعية، كان يطالع المكان تحت نظرات شاكر و جابر الذي دخل للتو مبقيًا من معه في الخارج، بمجرد دخوله واجهه شاكر بنظرة جامدة مما جعل جابر يقول: إيه يا شاكر أنا شايف عيسى قاعد واخد راحته كده، كنت فاكر مش هتوصلوا لحد هنا.

رد عليه عيسى الذي استقام واقفًا يوضح: ليه بس؟، لا وصلنا طبعا حتى في الطريق حكيت ل شاكر عن موضوع إنك أخوه ده، كنت فاكرك قايله، بس للأسف بقى.
هنا تحدث جابر بأريحية شديدة وكأن ما يقال لا يمسه: مفتكرش شاكر بيصدق أي كلام، خصوصًا لو طالع منك أنت.

اقترب منه شاكر وقف أمامه تمامًا وواجهه سائلا بنظرات حملت حقده: يعني أنت مروحتش ليه، وقولتله إنك عايز تحسر أمي عليا، وتنتقم منها على رميتها ليك، مروحتش حكيت ليه إنك ابن الخدامة من أبويا؟
رفع جابر كتفيه وهو يعلق على هذا الحديث: والله عايز تصدقه أنت حر، بس تفتكر لو عايز أنتقم من أمك فعلا، كانت قالتلي بنفسها عن مكانك، وطلبت مني أساعدك؟
اومال أنت عايز إيه يا جابر؟

سأله شاكر وكان الجواب بسيطًا للغاية حيث أشار جابر على عيسى الذي يطالعهما ناطقًا: عايز أخلص منه، وافتكر أنت كمان عايز ده، ومتقلقش أنا أعرف أخلص منه لوحدي، بس أنا عارف إنها هتوجعه أكتر لما أنت اللي تعملها، وبعدين مش جديدة عليك ما عملتها مع أخوه قبل كده.

وأكمل يذكره بما قاله له سابقًا: وعلى فكرة أنا خرجتك من عند الراجل اللي كان حاجزك إكرام لأمك اللي خدمتني خدمة أنا قولتلك عليها مقابل أساعدك، لكن مفيش مانع طالما عدونا واحد نصفي معاه حسابنا سوا، ولو هتصدق كلامه في موضوع إن أبويا يبقى أبوك فتمام بس يبقى حسابك مع اللي عرفني من الأول إن منصور مش أبويا، حسابك مع اللي خلاني أدور وأعرف ويبقى ليا حساب عندك، واللي عمل كل ده هو حبيبك.

ضحك عيسى قبل أن ينطق وهو يطالعه: مش بقولك شبه بعض، نفس ال ×××××.

حدثه جابر بابتسامة: بتزود في حسابك أوي، أنا بالمناسبة كنت ناوي أصفي كل اللي ليا عند العيلة دي من طاهر أخوك، بس أنت اللي خلتني أحب ابتدي بيك يوم ما اتصلت وهددتني إنك هتقول لأهل منصور على موضوع إني مش ابنهم، وقبلها من اللي اتربيت في بيته اللي عاش طول عمره يطبب كفتك أنت وأخوك مع إني كنت تحت رجليه، وهو عارف إني تحت طوعه وأحسن منك ومنه بس هو كده الإنسان بيفضل طول عمره نمرود لحد ما اللي في إيده يروح.

واقترب من عيسى مشيرًا بسبابته وهو يكمل: أنت مفكر إنك كاسر عيني لكن أنا محدش يكسر عيني، روحت البيت لمراتي تهددها علشان تعرف أنا فين، أنا كنت مستني أخوك بس طالما أنت اللي جيت يبقى خليني معاك أنت، أنا قدامك أهو يا عيسى، كنت عايز تعرف مكاني ليه بقى؟
ثم أشار جابر ل شاكر موضحًا: غيبت عن البيت كام يوم، بقى عمال يلف حوالين نفسه علشان يعرف أنا فين، عارف ليه؟، علشان شاكك إني عارف سكتك.

تنهد عيسى قبل أن يتحدث ردًا على كل ما قيل: والله صدقتك أنا بجد صدقتك يا جابر، أدائك هايل ومقنع، الظاهر إن الموضوع ده وراثة عندكم في العيلة.
واجه عيسى نظرات شاكر يخبره: بعيدًا عن الأداء بقى يا شاكر، هو كده كده هيخلص منك، زي ما عمل في أمك، أنا مش فارق معاه قدك، هو دلوقتي بس بيستخدمك وبعد كده هيصفي حسابه معاك.
وأنا موافق.

توقع عيسى هذا الرد والذي ظهرت معه ابتسامة النصر على وجه جابر والتي اختفت بمجرد أن قال شاكر: زي ما جبته هات ملك، مش هخلص عليه غير قدامها.
احتدت نظرات عيسى ووصل ل شاكر السبة النابية التي أطلقها مما جعله يستدير له مصرحًا: متخافش أوي كده، ماهي شافتني وأنا بعملها في أخوك قبل كده يعني مش جديد عليها، ما هو أنا مش هرتاح إلا لما أقهرها باللي هعمله فيك، وأقهرها لما أطولها.

وعقب قوله الأخير هذا تلقى لكمة عنيفة من عيسى والذي توالت ضرباته له وهو ينعته بكل ما هو نابي مما جعل جابر يأمر الواقفين في الخارج بالدخول لإحكام السيطرة عليه، نجحا في إبعاده بصعوبة واستقام شاكر واقفًا يحاول استدعاء أنفاسه وهو يمسح الدماء عن فمه وأنفه، وصل لأذنيه صوت عيسى وهو يسعى لإبعاد رجال جابر عنه ولم يتوقف إلا حين سمع جابر يقول: أنا مش هعرف أجيب حد تاني يا شاكر، كفاية أوي هو، عايز تخلص خلص، مش عايز يبقى هتطلع منها.

أخرج شاكر سلاح ناري، لم يتوقع جابر تواجده معه ولا أن يوجهه إليه وهو يصرح: هطلعك أنت منها، اوعى تكون فاكر إني مش مصدقه، أنا من أول لحظة وأنا شاكك في إن أنت اللي عملت كده في أمي، ثروت ميعملهاش ولا حتى هو يعملها
قال الجملة الأخيرة مشيرًا على عيسى وحين حاول رجال جابر الاقتراب هدد بسلاحه: عندك أنت وهو.
واستدار يواجه جابر من جديد هاتفًا: عملت كده في أمي ليه؟

رد جابر وهو يطالعه مدعيًا الاستخفاف: نزل اللي في إيدك ده يا شاكر، هو أنت مفكر إني مش معايا واحد زيه.
مش مهم مين معاه، المهم مين رافعه على التاني، رد على السؤال اللي سألتهولك.
احتدت نظرات جابر وهو يرد عليه: طالما عايز تصدقه في إن أنا اللي عملت فيها كده، يبقى صدق بقى الحكاية كلها، بس قولي يا شاكر شايفنا ننفع نبقى اخوات؟

رد عليه شاكر بما جعل الغضب يتراقص في عينيه: ولا اصحاب حتى ما هو لو كلامه صح يبقى أمي عندها حق، ابن الخدامة اللي جه في الحرام مينفعش يتساوى بيا، ده أنت كنت المفروض تبوس إيد أمي على إكرامها ليك، بدل ما كنت هتترمي في الشارع، اتربيت وعشت مع واحد من كبار البلد، بس أنت قولتها من شوية وأنا هصدق عليها، الإنسان فعلا نمرود.

شملهما عيسى بنظراته شامتًا، وفي غفلة منهما ومن رجال جابر الساعين لفرصة من أجل إبعاد تهور شاكر عنه أخرج سلاحه وأخفاه خلف ظهره وهو يسمع جابر يقول: عندك حق، وعلشان عندك حق أنا هعملك اللي أنت عايزه، هجيبلك ملك.
هتجيبله أمك.

قالها عيسى ساخرًا من قوله الأخير، وأكمل هو يشير على كليهما: مش هينفع تتفقوا، ولا حتى حد فيكم هيعرف يلعب بالتاني، ال ××××× مبتنفعش مع بعضها، والحقيقة أنا اللي عندي ليكم أنتوا الاتنين مفاجأة.

لم يكد يكمل جملته حتى وجدوا قوة أمنية تقتحم عليهم المكان، أمر رئيسها كل من معه سلاح بأن يضعه على الأرضية فامتثل جابر ورجاله والذي أسرع يبرر: أنا مليش دعوة بحاجة يا باشا، البيت ده بيتي والاتنين دول هما اللي...
قاطعه بإشارة من يده وواجه سمير شاكر بنظراته سائلا: مسمعتش اللي أنا قولته يا شاكر ولا إيه؟
نزل سلاحك.

علا صوت ملك في الخارج تنادي زوجها بنبرة ملتاعة وصلت إلى أذنه فهوى فؤاده أرضا من تواجدها هنا، ووصلت أيضًا إلى شاكر الذي هز رأسه للضابط قائلا بابتسامة: سمعت اه.
ثم استدار لغريمه وقال وهو يطلق عليه: وهو كمان سمع.

تعالت صرخات ملك في الخارج، خاصة وأن صوت العيار الناري تبعه دوي لأعيرة نارية أخرى وكأن حرب شرسة تدور في الداخل، منعها المتربصين على الباب من الدخول فهوت على الأرضية ولم يسندها سوى نصران الذي كان بحاجة لمن ينقذه من ذعره على فلذة كبده.

في عالم أخر، لا يتذكر سوى ملك، يرى عينيها وكأنه يراها للمرة الأولى، ويسمع نبرتها تهمس بإسمه: عيسى.
اقترب منها، لم تفلتها نظراته، مسح على كل إنش في وجهها، وهي تطالعه بعينيها التي خطفته مثل كل مرة يراها فيها، همس اسمها بشغف شديد: ملك.
تناول كفها، وكاد أن يقبلها ولكنها تبخرت من بين يديه، أخر ما وصل لأذنيه صوتها: مستنياك يا عيسى.
أين، ضل الطريق حين اختفت عن عينيه، صاح مستغيثًا: طب فين يا ملك؟

ولكن لا رد، تركته حائرًا، تائهًا، يبحث عنها في هذا المكان الفسيح ولا يجدها، هزمته وتركته، ولكن كيف تتركه حبيبته، كب شيء دفعه للتعبير عما في خاطره وهو يبحث هنا وهناك عنها: الحب، ماذا يعني الحب؟

طوال عمري لم أعرف معنى ثابتًا للحب، يتغير شكله في كل مرة أظنني حفظته، الحب الذي أحببته لصديقة الثانوية لم يشبه حبي لزميلة الجامعة، والاثنان لم يشبها ما شعرت به تجاه أول فتاة قررت أن أكمل حياتي معها وألبستها خاتم الخطبة، دائما أراه بصورة جديدة وكأنني لم أعرفه من قبل، ولكن كانت أجمل صورة فيهم هي التي رأيتها مع ملك، أخر فتاة على وجه البشرية توقعت أن يقترن اسمي بها، لم تكن دقات فؤادي في حضرتها تماثل دقاته في أي مرة سابقة، كل ما أردته البقاء عالقًا في سحرها، الحب الذي عرفته معها هو الشكل الذي أريده، ربما أنا حقًا جاهل بالحب وصوره التي يغيرها في كل مرة، ولكن هناك صورة بعينها حفظها فؤادي، اختارها الشكل الوحيد للحب، صورة عرفتها مع ملك وللدقة علمتني إياها ملك، حتى صرت على يقين من أنني: في ساحة الحب هذه هزمت الجميع ولم يغلبني سوى ملك، وقبلت أنا الهزيمة بكل رضا.

ولكن هزيمة حبها فقط، أما هزيمة أنها ليست هنا، هذه لا أقدر عليها، العودة تائها من جديد بعدما وجدت طريقي معك عذاب لا أستحقه يا ملك.
ومن جديد يبحث ولا يعلم الطريق، لا يعلم سوى أنه تائه ضل الحبيبة.

الفصل التالي
لم يكتب بعد...
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة