رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثامن والثلاثون
قرأت ريتال رسالة تليد بأعين متسعة من الصدمة، تحاول جاهدة إستيعاب ما قرأته قبل قليل وإن كانت بداخلها لا تدري من أين جاء بتلك الجرأة والوقاحة لإرسالة رسالة كتلك في حين أنه كان سبب كل هذا العذاب الذي يُعاني منه كلاهما بل وياسين كذلك الذي أفتقد صديق عمره في يوم هام كهذا!
بأي حق يراسلها مُعلنًا عن مدى اشتياقه ولائمًا على القدر و الظروف التي فرقت بينهم على الرغم من أنه يعلم جيدًا أنه من تسبب في كل تلك المعاناة والآن يراسلها بعد تجاهل دام لأشهر ليُخرب عليها كل محاولاتها للنسيان ومتابعة حياتها فهي لم تكن تنوي أن تبكي على الأطلال وتقوم بتجميد حياتها وترك مستقبلها ينساب من بين يديها وهي تنتظره في حين أنه ذهب راكضًا وراء حلمه وسعيًا لمستقبل أفضل من أجل نفسه.
قوليلي بجد أيه رأيك في السلسلة؟ شكلها تحفة أوي مش كده؟
ها؟ اه حلوة أوي،.
أنتِ مش معايا خالص، مالك أيه اللي حصل؟ سألتها فريدة بقلق وهي تقترب من الفراش لتجلس إلى جانبها، حاولت ريتال إخفاء الحزن بداخلها ورسم ابتسامة صغيرة على ثغرها فهي ليست أنانية لكي تقوم بتخريب سعادة صديقتها المقربة وشقيقتها من أجل رسالة تافهة كتلك، في تلك اللحظة دلفت نانسي إلى الحجرة لتقف أمام المرآة وتُطالع إنعكاسها قبل أن تقول: حاسة البيچاما ضايقة سيكا بس أشطا يعني لحد الصبح إن شاء الله، أنا جيت في وقت مش مناسب ولا أيه مالكوا متنحين ليه؟ سألت حينما رأت تعابير وجه كلًا من الفتاتين قبل أن تُجيبها ريتال بنبرة مرحة:.
ولا أي حاجة أحنا زي الفل، دي تتنيحة الفرحة زي دموع الفرحة كده.
طب أيه بقى يا عروسة هتاخدينا تفسحينا فين بكرة إن شاء الله؟ أنتِ الإسكندرانية اللي بجد اللي فينا وهتعرفي تقترحي أماكن حلوة.
هعملك برنامج للفسح هايل ومش طويل علشان تلحقي تروحي أنتِ وصالح بليل إن شاء الله.
قالت فريدة لتومئ نانسي بحماس شديد، خلد الكل إلى النوم على الفور فيما عدا فريدة التي كانت تنتظر رسالة من ياسين تطمئنها بأنه قد وصل بسلام إلى القاهرة هو وأسرته وبمجرد أن وصلتها تلك الرسالة تمكن منها النعاس حتى أنها لم تستطع الإجابة عن رسالته بل قرأتها بصعوبة بأعين شبه مغلقة.
علي الجانب الآخر وبمجرد أن وصل ياسين إلى منزله جاءته مكالمة فيديو من تليد، أجاب ياسين على الفور بحماس شديد لتظهر صورة تليد غير واضحة في البداية قبل أن تضح تدريجيًا ويأتيه صوته وهو يقول بسعادة: يا عريس! ولع الدنيا! وكمان لسه بالبدلة؟
عقبالك يا عم بس تخلص تعليمك وترجع كده على خير إن شاء الله ونشوفلك عروسة، قولت تشوف البدلة وكده، لسه راجعيين أصلًا. فسر تليد ليقهقه كلاهما قبل أن يبتسم تليد ابتسامة طويلة قبل أن يقول الآتي بتأثر حقيقي: يعم سيبك مني دلوقتي، ألف مبروك يا ياسين أنتَ بجد إنسان كويس وابن حلال وهما زادو شرف أصلًا إنك تناسبهم.
مش للدرجة يا تليد بلاش أ?ورة.
بتكلم جد والله، أنتَ شاب صغير بس طلبت إنك تقرب منها في الحلال محبتش تلعب ولا تلف من ورا أهلها.
الحمدلله ربنا يديم علينا فضله، المهم كان نفسي تبقى معايا أوي النهاردة بس تتعوض إن شاء الله.
طب أنتَ هتعمل الخطوبة أمتى؟
في أجازة نص السنة، قولي إنك هتعرف تاخد اجازة وتيجي. تحدث ياسين بحزن واضح بنبرة لم يسمعها تليد من قبل، صمت الأخير لبرهة قبل أن يقول بضيق: للأسف مش هعرف خالص، نسيت أقولك إن أنا بدأت شغل كده في كافية قريب من المكان اللي أنا قاعد فيه دلوقتي علشان يبقى معايا فلوس لأن بابا قالي أي فلوس للرفاهية أو الهيافة مش هيبعتلي هو هيبعت على قد مصاريف الجامعة والأكل والشرب بس.
طب حلو أوي، أسترجلنا أهو وبقينا نشتغل، بس قولي بتشتغل أيه بالضبط؟
باريستا في الكافية، الناس لذيذة ومعظم اللي بيجوا المكان طلاب برضوا أو ناس رايحة شغلها فالدنيا حلوة.
طب ومرتاح في المكان اللي قاعد فيه؟ قصدي على لوچين يعني وأهلها. سأله ياسين لتضطرب معالم وجه تليد قليلًا ويسود الصمت لبرهة قبل أن يُجيب عن سؤال صديقه قائلًا: بصراحة لا، بفكر أنقل في أستوديو بس للأسف بيبقوا غاليين شوية لو جنب الجامعة فبفكر أشوف سكن مشترك مع ولدين ولا حاجة.
طب حلو بس اتأكد إنهم ناس محترمة، أنتَ فاهمني طبعًا. قال ياسين ضاحكًا ليرفع تليد أحدى حاجبيه قبل أن يُعلق على حديثه مُردفًا بغيظ: عيب يسطا الكلام ده أحنا رجالة أوي، قولي بقى مين كان موجود في قراية الفاتحة؟
يعني أنتَ مشوفتش الصور؟ كان معايا الأسرة الكريمة وهما بقى كانوا عدد ما شاء الله، باباها ومامتها وأخوها وجدها، أحنا كنا في شقة جدها أساسًا بس قالوا الخطوبة هنعملها في بيتهم هما وكان موجود ريتال ومامتها وجوزها ونانسي وصالح. أجاب ياسين على سؤاله بإسهاب، زم تليد شفتيه قبل أن يزفر بضيق.
أنا مش قادر أفهم بصراحة أيه اللي جاب الإتنين دول يقربوا لفريدة أيه يعني؟
الإتنين ولا قصدك صالح؟
الإتنين بصراحة، نانسي دي مش بتنزلي من زور ومش قادر أفهم ريتال ازاي سامحتها بعد كل اللي هي عملته ده!
يا سيدي أنتَ مالك؟ هما أهل ودم واحد مهما أي حصل هيجي يوم ويتصالحوا ويتصافوا، المفروض إن دي حاجة تفرحك مش تضايقك يعني.
بص خلاص مش فارقة. نبس تليد لكن سرعان ما تذكر الرسالة التي أرسلها لريتال قبل قليل، لقد كان أنانيًا في فعلته تلك فهو واثق من أن كلماته ستعصف بقلبها لكن لم يكن بيده حيلة فلقد حاول منع نفسه طوال المدة الماضية من التحدث إليه لكنه لم يستطع الإستمرار في ذلك لمدة أطول.
المهم ألف مبروك يا حبيبي وربنا يتمملك على خير إن شاء الله، أنا لازم أقفل بقى علشان الوقت اتأخر وعندي جامعة وشغل بكرة إن شاء الله.
الله يبارك فيك، خد بالك على نفسك. قال ياسين قبل أن تنتهي المكالمة عند هذا الحد.
لم يستطع كلاهما النوم في تلك الليلة، ياسين من فرط السعادة لأنه قد سار خطوة نحو حلمه الجديد وإن كان في الأمر صعوبة وهناك العديد من الأشياء التي سيتوجب عليه فعلها وكل ذلك سيحتاج منه أن يبذل جهد مضاعف في عمله لتوفير أكبر قدر ممكن من المال لكنه سيفعل عن طيب خاطر ورضا تام فقط من أجلها، على الجانب الآخر لم يستطع تليد أن ينام من فرط التفكير في ريتال، إنه يشتاق إليها لدرجة لم يكن يتصور أن يصل إليها وليست هي وحدها بل وعائلته، منزله، صديق المقرب وبلده التي كبر وترعرع على أرضها...
بالعودة إلى الإسكندرية وفي صباح اليوم التالي كانت فريدة قد وضعت خطة لقضاء يومهم معًا، جاء صالح في تمام العاشرة وانتظرهم أسفل المنزل كان فؤاد قد أرسل سيارة بسائق من أجلهم لتسهيل رحلتهم لليوم، كانت ريتال أول من غادر المنزل لتجد صالح يقف متكئًا على السيارة مرتديًا تي شرت قطني باللون الأبيض، بنطال فضفاض باللون الأسود ويحمل على يده معطف أسود اللون.
أيه يا ابني ده؟ أنتَ مش بردان؟ سألت ريتال التي كانت تضم المعطف نحو جسدها أكثر لبرودة الطقس، أشار صالح برأسه ب لا.
طب خد بالك علشان ممكن يجيلك برد، لما نطلع نقعد عالبحر أبقى إلبس الچاكيت.
خايفة عليا؟ سأل صالح مع ابتسامة واسعة ولقد كان يدعو بداخله أن تُجيبه ريتال بنعم فهو يتحرق شوقًا لبعض الإهتمام منها، طالعته بثغرٍ مفتوح حيث لم تجد الرد المناسب على سؤاله وقبل أن تبحث عن الإجابة أنقذها صوت نانسي وهي تقول بمرح:
إسكندرية المحروسة، المحروسة، مش هنتحرك ولا أيه؟
هنتحرك أهو أونكل فؤاد بعت عربية هتبقى معانا طول اليوم.
بسم الله ما شاء الله، الله يرحم يا ريتال. علقت نانسي ساخرة لتدعس فريدة على قدمها، في ذلك الوقت كان صالح ما يزال يُطالع ريتال متأملًا وجهها وربما كان ما يزال في انتظار الرد.
يلا؟ سألته ريتال ليخرج من شروده قبل أن يومئ ب نعم ويجلس إلى جانب السائق بالأمام.
بدأت رحلتهم من عِند أحد مطاعم الفول والفلافل وقاموا بأخذ طعامهم وجلس الكل على سور يُطل على مياه البحر اللامعة ليتناولوا طعامهم في نهم وقد خيم الصمت على المكان لبعض الوقت.
مش عارف ازاي هرجع القاهرة وأسيب البحر و، وهسيبك. قال صالح لريتال التي كانت تجلس إلى يساره والتي سعلت بقوة بمجرد سماعها جملته التي كانت مُبتذلة وغير متوقعة في الوقت ذاته، انتفضت نانسي من مقعدها وهي تمنحها زجاجة مياه قبل أن تصيح موبخة صالح:
قولتلها أيه خليتها تشرق كده؟ منك لله هتفطسلنا البت اللي حيلتنا!
معملتش حاجة، أهدي أهدي أشربي مياه وخدي نفسك براحة. قال صالح لتومئ ريتال قبل أن تُنهي زجاجة المياه الصغيرة كاملة دفعة واحدة.
أنا تمام أنا تمام، مفيش حاجة شكرًا.
أنا هروح أشتري سجاير وأجي. أعلن منتظرًا ردة فعل من ريتال لكنها لم تفعل لذا ظل واقفًا لبرهة قبل أن تقول هي:
خدني معاك عايزة أجيب حاجة أشربها.
هاتيلنا حاجة نشربها معاكي بس متكونش حاجة مقاطعة ها؟ طلبت منها فريدة لتومئ ريتال قبل أن تذهب برفقة صالح للبحث عن أقرب كشك.
ريتال هو ليه كلامك بقى قليل معايا؟ مبقتيش تهتمي وطريقتك إتغيرت خالص،.
فاكر يا صالح زمان لما كنت بتقعد تقولي لما كنت اسألك عن رأيك في حاجة أو أعلق على أي تصرف من تصرفاتك كنت دايمًا بتقولي لما تكبري وتدخلي الجامعة هتعرفي أنا ليه بفكر كده وبعمل كده، كنت دايمًا بتقول إنها فترة مهمة في تكوين الشخصية والرأي وإن نظرتي قبل ما أدخل الجامعة غير بعد ما أدخلها وكان عندك حق فعلًا.
وضحت ريتال ليسب صالح نفسه داخليًا، أخذ يلعن حديثه السابق الذي كان منطقيًا تمامًا لكنه لم يُفيده كثيرًا الآن، أجل لقد كان محقًا لكنه لا يريد أن ينطبق حديثه على ريتال لهذه الدرجة، فعقله لا يكاد يصدق أنه يُجري محادثة مع نسخة ريتال الباهتة الصامتة تلك بل يشتاق إلى ريتال الفتاة المرحة الضاحكة التي تحاول لفت انتباهة بكل الطرق الممكنة، يشتاق إلى ريتال التي ربما، فقط ربما أحبته يومًا...
أنتِ مكنتيش كده يا ريتال،.
مش أنتَ كنت بتقولي إنشفي؟ لازم تبقى أقوى، حاولي تسيطري على مشاعرك ولازم تحكمي عقلك في كل حاجة وقبل ما تنطقي بكلمة تفكري فيها كويس أوي.
أيوا أنا قولت كده بس مقولتلكيش تستغني عن قلبك وتلغيه تمامًا! عينك يا ريتال، عينك، بقت باهتة مش بتلمع زي زمان.
كان الحزن والإنكسار ربما يفوح من حديث صالح، لقد شعر بالذنب لأنه واثق تمام الثقة بأنه كان أحد أسباب وصول ريتال إلى تلك المرحلة حتى وإن لم يكن مدركًا لذلك الأمر حينها لكنه الآن على عِلم بكل شيء ويريد إصلاح ما يمكن إصلاحه لكن لسوء الحظ ذلك لم يكن قابل للتنفيذ فالقلوب التي تُكسر لا يُعاد تشكيلها بل تبقى مليئة بالشروخ وشظايا صغيرة تؤلم صاحبها قبل أن تؤلم من حوله...
اللي شوفته مكنش قليل وأنتَ عارف، أنتَ بنفسك يا صالح كنت جزء منه وأنا مش زعلانة منك ولا بلومك أنتَ كنت صح، أنا كنت مجرد عيلة، مراهقة مشاعرها سارقاها وفاكرة نفسها عايشة جوا قصة حب ولا رواية رومانسية بائسة لكن للأسف دي حياتي بائسة وصعبة لكن هي حياتي.
أفصحت عما يجول في خاطرها تعقيبًا على حديثه ولقد كانت جملتها ثقيلة، جارحة، وصادمة بالنسبة إلى المستمع فهو لم يتوقع أن تقوم ريتال بوصف ما حديث بهذه الدقة وهذا القدر من الآلم، لقد كان يرى الندوب التي خلفتها التجارب السابقة داخل قلبها من خلال النظر في عينيها، تلك الأعين التي نظر إليها لسنوات ولم يراها سوى الآن...
ريتال أنا،.
أنا هجيب عصير أنانس، ونانسي بتحب التفاح وأظن فريدة هتحب برتقان من غير سكر، شوف لو هتجيب سجاير أو، لو عايز تحافظ على صحتك يعني ممكن تجيب عصير زينا. قالت ريتال قاطعة حديثه فهي لا تود سماع ما يلي كلماته الأولى، تكملة جملته ليست بالأمر المضمون وهي ليست مستعدة لسماع كلمة واحدة تُشتت كيانها من جديد.
أخذ صالح يُطالعها بغيظ شديد وبداخله يُفكر هل يتوجب عليه الأخذ بنصيحتها أم يُعاند تلك النصيحة ويقوم بتدمير صحته فقط في سبيل إزعاجها؟ في النهاية قرر أن يبتاع علبة سجائر فقد لإثارة غضبها، أشعل واحدة ونفث أدخنتها بضيق لكن ريتال لم تُعلق بل تجاهلته تمامًا، أنقضى اليوم بسلام وإن كان قد ضم عدة محاولات من صالح للتقرب مرة آخرى من ريتال لكنها قابلتها بالرفض وقد حاولت إشراك الفتاتين في الحديث معها بحيث لا تقتصر المحادثة عليها هي وصالح فقط.
في صباح يوم الثلاثاء كان من المفترض أن يكون موعد عرض البرزنتيشن خاصة مشروع مجموعة ريتال، كانت ترتدي ثياب رسمية قميص باللون الأبيض ومعطف قصير رسمي باللون الأسود متماشيًا مع تنورة باللون نفسه مع حجاب باللون الأبيض.
وقفت المجموعة لمراجعة ما سيتم قوله أثناء العرض وبعد تكرار التدريب أكثر من ثلاث مرات قررن الفتيات أخذ راحة فيما عدا ريتال التي ظلت واقفة داخل القاعة بمفردها أو بمعنى أدق كان برفقتها مازن لكنه كان يقف على مسافة منها لكنه أقترب بصعوبة حينما لاحظ توتر ريتال والذي لم يكن مجرد توتر بل بداية نوبة هلع لم تأتيها منذ مدة طويلة لكن تفكيرها في الصعود والتحدث أمام الجميع داخل قاعة كبيرة جعل معدتها تنزعج ونبضات قلبها تتسارع وكأنها في سباق ماراثون.
ريتال أنتِ كويسة؟ سأل مازن بقلق حينما رأى حالتها، تتحرك حركات مُفرطة، وجهها يتعرق على الرغم من برودة الطقس، يدها ترتجف بقوة بدرجة ملحوظة ولكن كان ذلك مجرد توتر أو هكذا كان يحسب مازن حتى بدأ وجهها يحتقن وكأنها على وشك الإختناق.
ريتال، ريتال أنتِ سمعاني؟ سألها بفزع حقيقي وهو يمد يده نحوها لكنها ابتعدت عنه خطوتين كرد فعل تلقائي تمامًا لكنها في النهاية فقدت القدرة على التحرك وتوقفت حيث كانت.
أنا، أنا، مش عارفة أخد، مش عارفة أخد نفسي. قالتها ريتال من وسط دموعها التي انهمرت فجأة، أقترب منها مازن خطوة وقبل أن يقترب الثانية سقطت ريتال أرضًا مُغشيًا عليها...
أمسك مازن برأسها حتى لا ترتطم بالأرضية في مشهد مُكرر قد حدث معها من قبل، في غضون ثانية كان الكل قد اجتمعوا من حولها وعلى الفور طلبت المُعيدة من جميع الحاضرين من الذكور إخلاء المكان كي تستطيع نزع حجاب ريتال وفتح بعضًا من أزرار قميصها حتى تستطيع التنفس بصورة أفضل، أحضرن زميلاتها في المجموعة زجاجة مياه وزجاجة عطر وبدأت محاولات جعلها تسترد وعيها.
بمرور دقائق معدودة فتحت ريتال عيناها بوهن وفي بداية الأمر لم تستطع تذكر ما حدث حتى أنها لم تكن تُدرك أين هي لكنها سرعان ما استردت وعيها بالكامل واستطاعت الجلوس.
أنتِ كويسة؟ سألت المعيدة وهي تناولها زجاجة المياه لترتشف منها القليل قبل أن تقول بإرهاق:
أنا، تمام، أنا تمام مفيش حاجة.
لو تعبانة أوي ممكن تروحي.
شكرًا أنا كويسة مفيش حاجة، غالبًا أتوترت بس شوية علشان ال، البرزنتيشن وكده، قامت ريتال بتفسير ما حدث بأكثر تفسير منطقي، ابتسمت المُعيدة ابتسامة حنونة قبل أن تقول برأفة:
بس كده؟ خلاص علشان أنتِ تعبانة متطلعيش تعرضي خلي بقيت مجموعتك تطلع تتكلم.
طب والدرجات،.
متقلقيش يا، ريتال مش كده؟ هتاخدي الدرجات كاملة متقلقيش خالص، أنا شوفت مجهودك في الباور بوينت والمعلومات والمراجع اللي حطيتيها وهقدر المجهود ده. قالت المُعيدة بلطف شديد وتفهم لتبتسم ريتال قبل أن تشكرها بإمتنان حقيقي.
غادرت ريتال القاعة بعد أن عدلت من هيئتها وإرتداء حجابها مرة آخرى، كانت تستند على ذراع رزان من ناحية وعلى خاصة ندى من الجانب الآخر، بمجرد أن وطأت قدمها الممر لمحت مازن يقف في أحد الأركان متكئًا على عكازه يُطالعها في قلق شديد وبمجرد أن لمحها انتفض من موضعه وسار بخطوات تُعد سريعة نسبيًا تتناسب مع حالته قبل أن يسألها بإهتمام:
أنتِ كويسة؟ بقيتي أحسن دلوقتي؟
أنا تمام الحمدلله، شكرًا بجد.
متأكدة؟
اه الحمدلله، شكرًا مرة تانية مش عارفة لولا إن أنتَ خدت بالك كان ممكن يحصل أيه،.
أنا معملتش حاجة بجد، أهم حاجة إنك خلاص بقيتي أحسن، طيب أجبلك حاجة مسكرة تاكليها أو عصير؟ عرض عليها مازن بكرم شديد وقبل أن ترفض بأدب سبقتها رزان وهي تعلق بإستنكار:
يا ابني ضغطها كان واطي ووقعت مننا هتأكلها حاجة مسكرة؟ عايز تموتها خالص ولا أيه؟
صح عندك حق، طيب أجبلك أكل؟
لا لا شكرًا بجد أنا كلمت بابا وهو جاي في الطريق علشان ياخدني.
نطقت ريتال لفظة بابا مُشيرة إلى فؤاد دون أن تُدرك ولسبب ما شعرت بطمأنينة داخل قلبها لم تشعر بها من قبل أو ربما فعلت في الصغر لكن عبدالرحمن والدها البيولوجي قد سرقها منها لكنها قد استردتها الآن حينما هاتفت فؤاد وأخبرته بما حدث ليُجيبها بقلق أبوي حقيقي قبل أن يُخبرها أنه سيحضر في غضون خمسة عشرة دقيقة على الأكثر، الآن باتت تشعر بأن لها سند في هذه الدنيا.
طيب تعالي نقعد لحد ما باباكي يوصل.
عرضت عليها ندى لتومئ ريتال والتي حينما اتجهت نحو المقعد كان مازن يتبعها لكنها لم تنتبه لوجوده لكن رزان فعلت، طالعته بطرف عيناها قبل أن تقول بنبرة ساخرة:
خليك أنتَ بقى مع صحابك بنقولك أبوها جاي ياخدها ولا أنتَ نفسك رجلك التانية تتكسر علشان متبقاش واحدة فيهم غيرانة من التانية؟
لو أحتاجتي حاجة رقمي متسجل عندك. قال مازن متجاهلًا تمامًا حديث رزان قبل أن يُغادر المكان ويغيب عن أنظارهم، جلست ريتال بضعة دقائق قبل أن يأتي فؤاد.
حبيبتي أنتِ كويسة؟ سأل فؤاد بمجرد أن لمحها، استقامت ريتال من موضعها واتجهت نحوه وبعد أن ألقت عليه التحية أجابته قائلة:
أنا بقيت كويسة الحمدلله بس دماغي مصدعة شوية وحاسة محتاجة أنام.
طيب الحمدلله، تعالي أوصلك البيت وهناك نطمن عليكِ كويس. قال فؤاد لتومئ ريتال وقبل أن يرحل كلاهما قام بشكر زميلاتها على مساعدتهن لها.
شكرًا إنك جيت معرفش كنت هروح ازاي بصراحة وخوفت أكلم جدو لأنه هيقلق أوي.
يا حبيبتي أنا زي بابا مفيش شكرًا بينا، وكويس طبعًا إنك مكلمتيش عمي، المهم قوليلي حد زعلك ولا بس من التوتر؟
توتر بس، أنا كنت كويسة ومتدربة كويس بس معرفش أيه اللي حصل.
مش مهم المهم إنك بقيتي كويسة.
ممكن أطلب طلب؟
أكيد يا حبيبتي.
ممكن متقولش لماما إني تعبت؟ هتقلق أوي وهي حامل مش ناقصة ضغط أعصاب. طلبت منه ليصمت فؤاد لدقائق وهو ينظر إلى الطرق أمامه لكنه في النهاية أومئ ب حسنًا محترمًا رغبتها.
قام فؤاد بإيصالها لمنزل جدها، بعد أن ودعها وتأكد من سلامتها غادر المكان عائدًا إلى مقر عمله، ألقت ريتال التحية على جدها والذي حينما سألها عن يومها وعن سبب عودتها باكرًا أخبرته ريتال الحقيقة ومرة آخرى قد طلبت إبقاء الأمر سرًا بينها وبين جدها كما فعلت المثل مع زوج والدتها.
في تلك الليلة وقبل أن تحصل ريتال على قسط من الراحة وصلتها عدة رسائل من المجموعة خاصتها بالجامعة على تطبيق الواتساب يطمئنون على صحتها وكان من ضمنهم مازن والذي احترمت ريتال كثيرًا أنه لم يراسلها في محادثة خاصة بل تحدث إليها كسائر المجموعة أمام الكل وعلى الرغم من أنها لم تراه غير زميل فقط لا غير إلا أن إنقاذه لها اليوم جعل شيء بداخلها يضطرب.
في النهاية قررت نفض تلك الأفكار إلى مؤخرة رأسها محاولة الخلود إلى النوم لكنها لم تستطع فلسبب تجهله تمامًا أخذت ذكرياتها التي تجمعها بتليد أخذت تغزو رأسها، تلك المرات التي أنقذها حينما أُصيبت بنوبات الهلع ذاتها، حينما كان يحضر الطعام والحلوى من أجلها وحديثه المعسول الممزوج بنكهة ساخرة، كل شيء كان يجمعها به قد خطر على بالها الآن كان الأمر يبدو أقرب للشعور بالذنب لمجرد التفكير في مازن بدلًا من تليد وكأنها بتفكيرها هذا تخون ذلك الذي وقعت في حبه رغمًا عنها...
في وقتٍ متأخر من مساء هذه الليلة وبعد عودة فؤاد بالقرب من منتصف الليل نظرًا لكثافة أعماله ولأن ما حدث مع ريتال قد جعله يقوم بتأجيل مواعيده وجد زينة في انتظاره، ألقى عليها التحية وقام بإيجاد حجة مُقنعة لتأخره الليلة وقد استطاع إقناع زينة، بدل فؤاد ثيابه قبل أن يُلقي بجسده على الفراش محاولًا الخلود إلى النوم سريعًا لأن مضطر للذهاب إلى المستشفى باكرًا في صباح الغد.
فؤاد، فؤاد قوم كلمني.
في أيه يا حبيبتي؟ سأل فؤاد بقلق وقد انتفض من فراشه ظنًا أنها تشعر بالتوعك لكن ردها كان غير متوقع بتاتًا بالنسبة إليه.
رقم مين ده؟ الرقم ده أتصل بيك أكتر من 3 مرات يا فؤاد، هي دي اللي كنت بتكلمها عالواتساب الأيام اللي فاتت مش كده؟
واحدة واحدة عليا يا زوزو أنا مش فاهم حاجة رقم مين وواتساب أيه؟
الرقم ده يا فؤاد! صاحت زينة وهي تُريه رقم قد سجلته بخط يدها في ورقة بعد أن حفظته عن ظهر قلب حينما رأته متكرر الظهور على هاتف زوجها.
أنا معرفش رقم مين ده ومش فاهم حاجة! قال بتعقد هي ذراعيها بإعتراض واضح، تنهد فؤاد تنهيدة طويلة قبل أن يقول:.
طيب هاتي تليفوني من عالكومودينو ونشوف أيه حكاية الرقم ده مع بعض. ناولته زينة الهاتف ليفرك فراد عيناه التي كانت تحرقه من شدة رغبته في النوم، أخذ يعبث في الأرقام المجهولة في قائمة الإتصالات بحثًا عن ذلك الرقم اللعين الذي حرمه من النوم بهناء، كانت زينة تراقبه بأعين فضولية قبل أن تقول بإنتصار:
أهوه، هو ده الرقم مين دي بقى؟
يا بنتي الله يهديكي ما هو قدامك رقم غريب ما هو لو حد أعرفه ما كنت سجلت رقمه! قال فؤاد بضيق فلقد بدأ ينزعج من تلك المحادثة بأكملها.
مش يمكن دي تكون خدعة يا أستاذ؟ دور أنتَ كده مع نفسك في الواتساب وشوف هو نفس الرقم ولا لا.
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، استغفر الله العظيم يارب، أتفضلي يا زينة الواتساب كله أهو خديلك لفة كده ولو لاقيتي الرقم أبقي صحيني.
استنى هنا أنتَ هتنام؟ سألت زينة ليُعيد فؤاد خصلات شعره نحو الخلف بضيق قبل أن يعتدل في جلسته مرة آخرى قبل أن يقول:
صاحي يا زينة، صاحي يا روح قلبي.
وجدت زينة المحادثة بينه وبين هذا الرقم لكنها لم تقوم بفتحها بل أعطت فؤاد الهاتف لترى ردة فعله من تصرفها، قام هو بفتح المحادثة بنفسه والتي لم تكن سوى بعض الأسئلة عن تشخيص مرضي محدد والتأكد من جرعات بعض الأدوية المحددة، ابتسمت زينة ابتسامة واسعة مطمئنة قبل أن تندثر على الفور وتُبدلها بنظرات ندم أقرب إلى نظرات قطة صغيرة مشاكسة خربت أغراض صاحبها.
شوفتي بقى إنها مجرد مريضة وبتابع حاجات معايا؟ ده أولًا، ثانيًا بقى دي تقريبًا من سن ريتال أو أصغر كمان ده ثانيًا، ثالثًا بقى وأهم حاجة في كل ده إن دي خصوصية مرضى وخصوصية أي حد في كلام بيني وبينه ومينفعش تقرأيه بس أنا عملت كده المرة دي علشان تهدي وتصدقيني.
أنا أسفة، أنا بس،.
عارف، عارف إن الحمل ضاغط على أعصابك وإن كل ما بيعدي يوم زيادة في الحمل بتتعبي أكتر وأكتر وعارف إن التجربة اللي مريتي بيها قبل كده مش سهلة وكانت جارحة جدًا بس صدقيني يا زينة أنا مش بحب حد غيرك ولا عمر عيني ما تشوف أي ست غيرك في الدنيا فطمني قلبك يا حبيبتي.
شكرًا يا فؤاد، شكرًا على كل حاجة وإنك بتطمني أنا بحبك أوي أوي.
وأنا كمان يا حبيبتي، ممكن أنام بقى علشان بصي الساعة بقت كام؟ مش هعرف أصحى الصبح.
لا خلاص هتنام على طول أهو. قالت زينة وهي تقوم بإحتضانه بعد أن لفحته بالغطاء لتتأكد من أنه يشعر بالدفء.
في صباح اليوم التالي قامت زينة بالإستيقاظ باكرًا وقامت بتحضير وجبة إفطار كبيرة تحوي كل أصناف الطعام التي يُفضل فؤاد تناولها في الصباح وكأنها تقدم إعتذارًا لذيذًا بسبب ما فعلته بالأمس ولقد سعد فؤاد كثيرًا بفعلتها تلك بغض النظر عن أنه قد تخطى ما حدث بالفعل إلا أنه كان من اللطيف أنها قامت بتذكيره بكم تُحبه ومدى أهمية مشاعره بالنسبة إليها، في كل يوم يمر يحمد الله على نعمه كاملة وفي أول القائمة زوجته الحنون.
بعد مرور شهرين أي بعد أن انتهت اختبارات ريتال للفصل الدراسي الأول من عامها الأول في الجامعة كانت قد انشغلت في تجهيزات حفل خطبة فريدة، قضت ريتال الليلة في بيت خالتها وهو أمر لم تعتاد فعله لكنها اضطرت هذه المرة نظرًا لأن حفل الخطبة سيتم في منزل خالتها لذا يتوجب عليها تكرار زيارتها إلى هناك لمساعدتهم في تنفيذ ما تم ترتيبه.
بقولك أيه صحيح، هو أنتِ مش هتوري ياسين الفستان قبل الخطوبة؟
لا أحنا اتفقنا على اللون بس وقولتله هتتفاجئ بقى، وأنتِ يا هانم هنشتريلك فستان أمتى إن شاء الله؟
مش لاقية أي فستان عاجبني خالص بجد كلهم مبينين إني رفيعة أوي مع إن وزني زاد خمسة كيلو المفروض،.
خمسة كيلو فبقى وزنك كام بقى؟
53 كيلو. قالت ريتال لتُطالعها فريدة بثغرٍ مفتوح كاد أن يلامس الأرض قبل أن تقول:
بسم الله ما شاء الله يا ريتال، طب ممكن تاخدي سبعة كيلو من عندي؟ وأحنا الإتنين هنبقى مبسوطين.
يا سكر؟ دمك مش خفيف على فكرة، عامة يعني المفروض إن أنا هبات عند ماما بكرة فهننزل بليل نبص على فساتين تاني لو عايزة تيجي معانا ياريت بس أنا عارفاكِ هتكسلي.
لا هنزل معاكي يا ستي أنا نزلتك معايا كتير الفترة اللي فاتت دي، صحيح صالح أتصل عليكِ من شوية بس أنتِ كنتِ بتاكلي. قالت فريدة وهي تغمز بإحدي عينيها إلى ريتال لكن الأخيرة طالعتها بتملل قبل أن تقول بعدم إكتراث:
أنا شوفت المكالمة بس مش عايزة أرد عليه.
غريبة، مش ده صالح اللي كنتِ هتموتي عليه من شهور؟ أو يعني بقيت سنين، سنتين مثلًا. لم تكن تقصد فريدة أي إهانة ولربما كانت جملتها سخيفة لكن الغرض من وراءها هو معرفة سبب التغير التام والمفاجئ في مشاعرها تجاه صالح.
أنا عارفة بس، شعوري ناحيته أختلف دلوقتي، أنا مش جاهزة لأي حاجة ومش حابة بصراحة حد من طرف عائلة بابا يحوم حواليا الفترة دي مش طالبة معايا ضغط بصراحة.
لا أنا مش فاهمة حاجة.
حاسة إن صالح كان مرحلة، حلم جميل أتمسكت بيه علشان كنت مقهورة وحزينة وكان لازم ألاقي حاجة تخليني متمسكة بالحياة وعايزة أصحى لكن دلوقتي مبقتش أحس إني محتاجة لوجود صالح زي زمان، بصي صالح كان حبي الأول، أول ولد عيني وقعت عليه من لما جيت الدنيا دي وهتفضل ليه مكانة في قلبي لكن كل ده مش معناه إني أحب يحصل بينا حاجة دلوقتي.
أفصحت ريتال عن الأسباب خاصتها والتي كانت منطقية تمامًا، فصالح لم يُمثل أي شيء بالنسبة إليها سوى البطل المغوار الذي كان دائم الدفاع عنها ضد كل ما يؤذيها، ولن تنسى ريتال فضله بالطبع حينما أقدم على إنقاذها من تلك الكارثة التي كادت أن تنفذها في تلك الليلة المشئومة أعلى سطح منزلهم لولا أن رأها ومنعها من ذلك لكن كل ما سبق لا يعني أنها مازالت تكن له مشاعر حقيقية، مشاعر تجعل منه زوجًا لها في المستقبل.
يااه يا ريتال، شخصيتك أختلفت أوي من وقت ما دخلتي الجامعة، طبعًا العلاج النفسي والتوعية فرقت في شخصيتك لكن الجامعة كان ليها أثر مختلف خالص بقيتِ تبصي لكل حاجة من زاوية مختلفة وبتحللي الحاجة بعمق.
الحمدلله، الواحد اتبهدل كتير لحد ما قدر يوصل للمرحلة دي بس الرحلة كانت تستاهل. أردفت ريتال برضا تام فالآن بدأت تجني ثمار الأرض التي قامت بإستصلاحها بدموعها، أعصابها، تحملها للآلم والفراق الآن باتت تحصد ما زرعته في نفسها.
طيب وتليد؟ حينما سألت فريدة نبض قلب ريتال بقوة وكأنها تخشى سماع اسمه، لقد كانت تتوقع صدور هذا السؤال لكن وقعه على أذنها كان مختلفًا، أبتلعت الغصة في حلقها قبل أن تدعي الحماقة وهي تُجيب عن سؤال فريدة بآخر:
مش فاهمة، ماله تليد؟
ماله أيه؟ يارب يكون بخير وصحته كويس أكيد قصدي شعورك ناحيته يعني!
مش عارفة يا فريدة مشاعري متلخبطة، ممكن أكون زعلانه منه ومجروحه أوي بس، هو برضوا مأجرمش هو كان بيدور على مستقبله بس طالما هو مقرر يمشي ليه يقولي إنه بيحبني؟ ليه يبعتلي يقولي إن أنا وحشته؟ ليه بيعلقني بيه بزيادة طالما البعد مكتوب علينا؟ على الأقل دلوقتي يعني.
كانت مشاعر ريتال مضطربة، تارة تراه مخطئ وتارة آخرى تراه على صواب فهو لم يفعل شيء أي سوى محاولة جعل نفسه شخص أفضل من أجل نفسه ومن أجلها هي كذلك فيما بعد هكذا قال هو بنفسه.
ده نفس رأيي أنا كمان، هو مكنش غلطان لما قرر يسافر ويشوف مستقبله ودراسة أحسن لكن اللي مش من حقه إنه يرجع يفتح في القديم.
على العموم كل ده مش فارق دلوقتي أنا ورايا حاجات كتير أتشغل بيها يعني خطوبة حضرتك ولادة ماما كمان كام شهر وأخد بالي على جدو حبيبي وكمان في دراسة كده يعني.
صح، هما الرجالة بيجي من وراهم أيه غير الهم ووجع الدماغ؟ علقت فريدة ساخرة لترفع ريتال أحدى حاجبيها قبل أن تسألها مستنكرة:
وبالنسبة لياسين أيه؟
لا ده سيد الرجالة عمومًا مش راجل والسلام. تمتم فريدة بأعين يتطاير منها القلوب وهي تُطلق تنهيدة طويلة في نهاية جملتها لتقلب ريتال عيناها وهي تقول الآتي بتملل:
ماشي ياختي.
بعد مرور ثلاثة أيام من تلك الليلة جاء اليوم المنتظر، كان ياسين قد بقى هو وأسرته في أحد الفنادق القريبة من منزل والدي فريدة وفي الصباح الباكر لهذا اليوم قد حضر عدد محدود من أقاربه وأصدقائه من القاهرة، داخل منزل فريدة كانت الأجواء متوترة والكل يركض في اتجاهات معاكسة وعلى الرغم من محاولاتهم المستميتة لإنجاز كل شيء في الأيام السابقة إلا أنه تم تأجيل بعض الأشياء عن غير عمد.
لكن لحسن الحظ لقد كانت نانسي متواجدة لمساعدة الفتيات في إرتداء ثيابهم ووضع مساحيق التجميل أما عن صالح فلقد كان يساعد الرجال في التأكد من أن كل شيء من ما سيتم تقديمه قد حضر وأن عدد المقاعد متوافق مع عدد المدعوين.
ريتال، ريتال إلحقيني! صاحت نانسي فجأة لتنتفض ريتال من مقعدها وتهرول نحو المتحدثة وهي تسألها بفزع:
أيه في أيه؟ أيه اللي حصل؟
دكتور أدهم اللي حكيتلك عليه عمل ريبلاي على الإستوري بتاعتي اللي فيها صورتي دلوقتي!
هو أنتِ لحقتي تنزلي صورة يا بنتي؟ ده الخطوبة لسه مبدأتش ده العروسة لسه بتلف الطرحة. سألت ريتال مستنكرة لتتأفف نانسي بملل فقبل أن تُجيب عم سؤالها قائلة:
ياستي ما أنا أنجزت قبلكوا، كل ده مش مهم المهم إن هو عمل ريبلاي على حاجة نزلتها أخيرًا!
وقالك أيه بقى إن شاء الله؟
مكنتش أعرف إن الكريز بيطلع في الشتاء، بعتلي ده وإيموشن بيغمز. قرأت نانسي محتوى الرسالة المُريبة من طبيبها الغامق لتُطالعها ريتال بإشمئزاز قبل أن تسألها مستنكرة:
أيه يا بنتي القرف ده؟
أصل هو قصده يعني أن أنا كريزة وبما إننا لسه مش في الصيف وأنا موجودة فا، مش عارفة بصراحة أيه القرف اللي هو بيقوله ده؟ ده كان مؤدب خالص لما كنت بشوفه معرفش بقى أتهبل ولا ماله في أيه.
شوفتي بقى إن عندي حق؟ مترديش عليه دلوقتي أو أقولك فكك منه أساسًا. أقترحت ريتال لكن ما قالته لم يروق لنانسي كثيرًا وقبل أن تُبدي إعتراضها صرخت فريدة بحماس شديد قائلة الآتي وهي تنظر من خلال نافذة حجرتها:
يالهوي ياسين جيه! الطرحة مضبوطة؟ الروچ ده مش فاقع أوي؟ الجزمة باينة من الفستان؟
بس بس أيه أديني فرصة أجاوب يا بنتي! شكلك زي القمر ما شاء الله، إلبسي بقى السلسلة اللي كان جايبها بما إن الشبكة كده كده مفهاش سلسلة.
حاضر، أنا متوترة أوي بجد، يارب الصور تطلع حلوة، أنا قولت مش هعمل سيشن وقررت أعتمد عليكوا أنتوا وواحد صاحب ياسين بيصور حلو يارب مندمش على القرار ده.
متقلقيش أحنا هنصورك كل خمس ثواني، خدي نفس بقى وأهدي خالص علشان أنا سامعة صوت زغاريط وخلاص شكلهم طلعوا.
قالت ريتال لتومئ فريدة ويسود الصمت لبرهة قبل أن تقطعه ريتال وهي تقول الآتي من وسط دموعها بينما تجذب العروس في عناق دافئ:
مش متخيلة أنا فرحانة بيكي ازاي، ألف مبروك يا روح قلبي وربنا يتمملك على خير.
الله يبارك فيكي يا ريتال بجد عمر ما كنت هفرح كده في يوم زي النهاردة لو أنتِ مكنتيش موجودة في حياتي، شكرًا على كل حاجة.
كان المشهد مؤثرًا للغاية وقد دمعت عين الفتاتين حتى نانسي قد دمعت عيناها وإن كانت تشعر ببعض الغيرة بداخلها فهي التي تربت وترعرعت إلى جانب ريتال لكن العلاقة بينهم لم تصل لنصف ذلك القرب والمحبة والد بينها وبين فريدة التي عرفتها بالكاد من سنتين تقريبًا.
غادرت فريدة الحجرة برفقة والدتها بخطوات متوترة لتُطل على ياسين والحضور معه، كانت ترتدي فستان فضفاض باللون الأبيض المُنطفئ - أوف وايت- مُطرز من حول الرقبة والكتف وكان وشاح رأسها باللون نفسه، وضعت مساحيق تجميل بدرجات مختلفة من اللون البني الذي كان يناسب لون بشرتها تمامًا، أما عن ياسين فلقد كان يرتدي بذلة رسمية سوداء وقميص بنفس لون ثوب فريدة.
ابتسم ياسين ابتسامة واسعة وقد لمعت عيناه وهو يتأمل حسنها لا يكاد يُصدق أن هذه الفتاة أوشكت على أن تُصبح من نصيبه، ألقى التحية عليها ومنحها باقة الزهور خاصتها قبل أن يجلس كلاهما على المقاعد المُزينة بالورود والتي من خلفها كانت هناك لافتة كبيرة مضاءة شُكلت على عبارة:
أي أفضل معًا Better together.
وأنا جاي طول الطريق كنت مستغرب القمر مش باين في السماء ليه مكنتش أعرف إني هلاقيه قاعد عالكوشة مستنيني. صدرت ضحكة عالية رنانة من فريدة ولكن لحسن الحظ أنها لم تكن مسموعة للكل بسبب الأغاني الصاخبة.
ما أنتَ بتعرف تقول كلام حلو أهو؟ نطقت بها فريدة مع ابتسامة خجولة ليبادلها ياسين الإبتسام قبل أن يقول هو الآتي بلطف:
كنت شايل الحلو للحلو كله، نكتب الكتاب بس وهسمعك كلام أحلى من أحلى حاجة كانت ممكن تيجي في بالك.
ياسين هو أنتَ مش عايز تقولي حاجة كده؟ سألت فريدة بمراوغة وهي تعبث في أصابعها التي سيُزينها خاتم الخطبة بعد قليل ليضحك هو ضحكة كشفت عن أسنانه اللامعة قبل أن يقول:.
بحبك يا فريدة. نطق بها ياسين ليُصبغ وجهها بالحمرة وتُشيح بنظرها بعيدًا عنه وعلى الرغم من أنها من طلبت سماع تلك الجملة إلا أن وقع الكلمة على أذنها كان مختلفًا تمامًا وللمرة الأولى شعرت بأن قلبها قد نمى له جناحين وأنها بإمكانها التحليق.
على فكرة دي أول مرة أقولها لبنت في حياتي، علشان بس تعرفي يعني إنك أنتِ الأولى والأخيرة يا فريدة. أضاف ياسين إضافة جعلت المشهد بأكمله أكثر رومانسية ولطفًا وقبل أن تُجيب عن ما قاله سبقها تعليق صدر من شخص آخر.
ده أنت طلعت ماية من تحت تبن يا سي ياسين، بتعاكس وحركات وأنا اللي كنت فاكراك مؤدب. كانت صاحبة التعليق هي ريتال التي ظهرت فجأة من اللامكان فلم ينتبه أيًا منهم أنها تقف على مقربة من مقعدهم فلقد كانوا غارقين داخل حديثهم.
لو سمحتِ يا آنسة ريتال متدخليش بيني وبين خطيبتي. علق ياسين ممازحًا إياها لتومئ فريدة مؤكدة على كلامه، شهقت ريتال بصدمة قبل أن تسأل بغيظ شديد:
كده يا فريدة؟ ماشي ياختي خليه ينفعك بقى.
طب ماهو هينفعني فعلًا ماهو هيبقى جوزي.
وكنتِ هتتعرفي عليه ازاي من غيري بقى يا ذكية؟ شوفتي بقى إن أنا اللي وفقت راسين في الحلال.
تصدقي عندك حق، خلاص يا ريتو أحنا أسفين. أعتذرت منها فريدة لتضحك ريتال بإنتصار شديد، وقفت على مسافة كافية من العروسين لتلتقط لهم بضع صور قبل أن تتوقف حينما تجد صالح يقف أمام كاميرا الهاتف بحيث أصبح هو الكادر بالصورة لتُخفض ريتال الهاتف على الفور.
حركة بايخة أوي مش كده؟
جو أفلام بداية الألفينات أوي. سخرت ريتال من تصرفه المُبتذل ليقلب عيناه قبل أن يُعقب على جملتها بسخرية كذلك قائلًا:
محسساني إنك مولودة 1920 مثلًا ما أنتِ نفسك بداية الألفينات يا بنتي! عيلة صغيرة يعني.
ماشي يا عم العجوز.
علقت ريتال ساخرة من حديث صالح وهي تضحك ضحكة مستهزأة لكن سرعان ما أختفت تلك الضحكة وتحولت إلى ابتسامة لا تخلو من التعجب حينما وصلتها رسالة من مازن يطمئن عليها فهي لم تحضر مؤتمر هام بشأن طب الأسنان قد حضره جميع طلاب الفرقة الأولى تقريبًا فيما عدا هي والذي لم تستطع حضوره نظرًا لإنشغاله في تجهيز حفل الخطبة لكن مازن كان يظن أنها قد مرضت مرة آخرى، لم تُجيب ريتال عن الرسالة بل ظلت تقرأها في صمت.
مساء الخير، ريتال عاملة أيه؟ أسف على الإزعاج بس حبيت اتطمن عليكي علشان مشوفتكيش في المؤتمر النهاردة، أتمنى تكوني بخير،.
في تلك اللحظة كان صالح يتحدث إليها وقد أخرجها من شرودها في تلك الرسالة الغير متوقعة والتي لم يكن تأثيرها على ريتال مفهومًا بالنسبة إليها.
هو أنا قولتلك إنك شكلك حلو النهاردة؟ البُنيات بيبقى شكلها حلو أوي عليكِ عامة،.
قال صالح مغازلًا إياها لكن ريتال كانت تسمعه بنصف عقل في البداية لكن سرعان ما طالعته بدهشة لأنها لم تعتاد منه الغزل المُباشر دون أن يكون متبوعًا بعبارات مثل: (حقيقي أجمل أخت، أختي الصغيرة القمر، ريتال النونو كبرت خلاص) لكن مرة آخرى قد عجز لسانها عن التعبير ولم تجد الرد المناسب على حديث لطيف موجهًا إليها لكن كل ما استطاعت هي فعله هو الإبتسام بخجل، ابتسامة لم تدوم طويلًا، ابتسامة قد اندثرت بمجرد أن لمحته...
تليد، يقف بطلته البهية بالقرب من الباب، قد قام بحلاقة شعره المموج بحيث أصبح بالكاد على رأسه، قد أطلق لحية بُنية اللون خفيفة جلعت ملامح وجهه أكثر رجولية، يرتدي بذلة رمادية داكنة تتناسب تمامًا مع لون عيناه الزاهية، وقف تليد شامخًا واثقًا يبتسم ابتسامة صغيرة سرعان ما تحولت إلى آخرى واسعة مُختلطة بنظرات حب واشتياق حينما وقعت عيناه عليها، تلك الفتاة السمراء التي سرقت قلبه أو بمعنى أوضح قد تركه هو أمانة عندها حينما رحل، تلك الفتاة التي لو رأى مئات غيرها لن ينبض قلبه لسواها.
أما عنها هي فلقد أختلطت مشاعرها وإن غلبتها الصدمة فهي لا تكاد تُصدق ما تراه عيناها، تليد التي ظلت لأشهر تُحدق في صوره وتعاتبه داخليًا كلما خطر على بالها يقف الآن أمامها وفي يده يحمل باقة من أزهارها المُفضلة - هذا إن كانت الباقة من أجلها هي بالطبع - الآن هي تقف في حيرة تام لا تعلم ما الذي يتوجب عليها فعله؟ حتى أنها لا تعلم إن كان عليها الإبتسام في وجهه أم أن تُكشر عن أنيابها وتذهب للشجار معه وتُلقي عليه اللوم بكلمات قاسية مُعاتبة إياه على غيبته الطويلة؟ أم ربما عليها أن تُخبره بكم تشتاق إليه؟ هي لم تعرف، لم تعرف ما هو التصرف الصحيح في مثل هذا الموقف...
لكن ذلك لم يكن الجزء السيء في كل ذلك الأمر بل كان الأسوء هو كون صالح واقفًا إلى جانبها، مازن يراسلها في الهاتف وأمامها يقف تليد!
في الوقت نفسه وبالعودة إلى القاهرة، كان المنزل هادئًا نظرًا لغياب صالح وعطر التي أصطحبها معه هو ونانسي في زيارتهم إلى الإسكندرية وأما عن الجدة فقد خلدت إلى النوم باكرًا تاركة ابنتها تشاهد التلفاز أما عن عبدالرحمن فكان يجلس في الطابق العلوي يُشاهد التلفاز ويتناول العشاء في هدوء.
عبدالرحمن أنا عايزة أتطلق. قالت سالي دون أي مقدمات وهي تقف أمام شاشة التلفاز مانعة إياه من رؤية ما كان يشاهده.
خشي نامي يا سالي ولا شوفيلك حاجة تعمليها جوا الله يرضى عليكِ والصبح نبقى نتكلم ونشوف موضوع الطلاق ده إن شاء الله. قال بتملل شديد وهو يُشير إليها بأن تبتعد، كان حديثه ساخرًا فهو لا يُبالي بالهراء الذي تقوله فكلمة الطلاق دائمة التكرر على لسانها في الآونة الأخيرة.
الصباح مش هيطلع علينا غير وأنتَ رامي عليا اليمين، طلقني.
طب بركة إنها جت منك، أنا خلاص جبت آخرى وقرفت من العيشة معاكي خلينا نفضها ونخلص.
حلو أوي الكلام ده، أحنا كده متفقين يبقى نروح نطلق عند أقرب مأذون وزي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف.
بس علشان بقى أوافق أطلقك ونمشي كل حاجة بسهولة هتبريني من كل مستحقاتك. قال ببساطة شديدة وكأنه يطلب منها إزاحة شيء عن الأرض، طالعته هي بإحتقار شديد قبل أن تقول الآتي بنبرة أقرب إلى الصراخ:
أنا بقول برضوا أنتَ واحد واطي رمى مراته أم بنته في الشارع أكيد مش هتنهي الموضوع كده.
احترمي نفسك يا سالي!
احترم نفسي؟ ماشي يا عبدالرحمن هحترم نفسي وهحط جزمة في بوقي بس هتطلقني وهاخد كل مستحقاتي.
ملكيش حاجة عندي وأخبطي دماغك في أقرب حيطة يا سالي.
ماشي أنا كده كده كنت عاملة حسابي!
عاملة حسابك؟ يعني أيه عاملة حسابك؟ سأل عبدالرحمن بهلع غلفه بغضب شديد بينما في داخله كان يرتجف وهو يخشى سماعه ما ستقوله لأنه كان قد توقع بالفعل ما تنوي فعله، تجريده من كل قرشٍ يملكه تاركه إياه مُعدم!
يعني كل فلوسك اللي كانت في البنك بقيت في حسابي والمشاريع المشتركة بينا بح، أو علشان أكون دقيقة يعني نسبتك فيها لا تتعدى ال 3? يعني من الآخر يا حبيبي بقيت عالحديدة وبراحتك بقى عايز تخلص الموضوع ودي وأديلك كام ألف كده تستر نفسك بيهم ولا نوصلها للمحاكم وتطلع من غير ولا جنيه!
نطقت سالي كلماتها ببطء واستمتاع شديد وكأنها انتظرت طويلًا لتُفصح عن نواياها الخبيثة، لقد كان هو مجرد رجل أحمق إنجرف وراء إمرأة أتقنت تمثيل دور العشيقة ومن بعده الزوجة المُخلصة لكنها في النهاية لم تكن سوى صائدة ثروات والآن قد ظهرت الحقيقة ولقد أفصحت بكل وقاحة أنها قد جردته من كل ما يملك، ذلك المال الذي تغرب سنوات لجمعه...
المال الذي ترك من أجله زوجته التي أحبته لتذبل وابنته لينهش وحش الإهمال والوحدة لحمها، المال الذي جعله يشعر بالسلطة ولقد ظن أنه بواسطته سيجعل سالي إلى جانبه للأبد وسيحطم كبرياء زينة لتبقى هي الآخرى إلى جانبه لكنه في النهاية أدرك أن تلك العملات الورقية لم تضمن له أي شيء بل قد خسر كل شيء كان يملكه والآن حتى ماله قد خسره بسبب حماقته وطمعه...
شعر عبدالرحمن بالتيه، لا يعرف ماذا عليه أن يفعل وبما يُجيب عن ما قالته سالي التي لم تنفك تسبه وتلعن اليوم الذي قابلته فيه وتُخبره كم تكرهه ولكن ذلك لم يكفيها بل قامت بطعن رجولته قائلة:
أنتَ فاكر نفسك راجل يا عبدالرحمن؟ أنتَ كاسر، زينة سابتك ولاقت الأحلى والأغنى منك وخلاص العيشة إرتاحت وبقت مبسوطة وأنا كمان هاخد ابني وهروح لواحد راجل بجد يقدرني وليه كلمة ودماغه حلوة وغني مش نص راجل زيك!
لم يُدرك عبدالرحمن ما يفعله وكأن عقله قد توقف عن العمل وحده جسده يُعطي ردة فعل عن ما يمر داخل أذنيه، جذب سالي من ذراعها بقوة وإنهال عليها باللكمات والسباب وقد أختلطت الأصوات بين سالي تطلب النجدة ويوسف الصغير يبكي في هلع شديد وصوت عبدالرحمن الغاضب وهو يلعن زوجته التي اختارها قلبه وشهوته في يومٍ ما.
أنا مش راجل يا، أنا هعرفك مقاك، ابنك ده مش هتشوفي وشه تاني وهعيشك خدامة ليا ولأهلي كلهم يا خاينة يا، أنا هفرجك مين هو عبدالرحمن يا سالي!
صاح عبدالرحمن وهو يتوالى بالصفعات على وجهها قبل أن يدفعها بكل قوته بعيدًا عنه قبل أن تسكن الأصوات فجأة، توقف الوقت في تلك اللحظة وجميع الأجساد قد سكنت حركتها، وحدها فقط قطرات الدماء الحمراء القانية أخذت تنهمر من رأس سالي...