قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السابع والعشرون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السابع والعشرون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السابع والعشرون

مساء الخير يا ميس زينة، طيب يا مستر رضوان أنا مضطر استأذن بقى علشان متأخرش على البيت أكتر من كده وشكرًا على وقت حضرتك وكلامك، عن إذنكوا. أردف فؤاد بنبرة هادئة تمامًا قبل أن يستقيم من مقعده ويُعدل من بذلته الرسمية.
أنا، مش فاهمة حاجة، مع السلامة،.

مع السلامة. تمتم وهو ينظر بطرف عيناه إلى الحقائب التي في يدها قبل أن تنمة ابتسامة جانبية صغيرة على ثغره، لم تستطع زينة أن تتفوه بحرف حتى أنها لم تقوم بفتح الباب من أجله بل فعل ذلك بنفسه وهو يضحك ضحكة بالكاد كانت مسموعة.
بابا هو في أيه؟ فؤاد، دكتور فؤاد كان بيعمل أيه هنا وليه حضرتك مقولتليش إنه جاي؟

وأقولك ليه؟ هو جاي يتكلم معايا أنا. كان رد والدها غير متوقع بالنسبة إليه ولقد كان مُحرجًا بعض الشيء هكذا كانت تظن قبل أن ينفجر والدها ضاحكًا وهو يشير إليها بأن تأتي لتجلس إلى جانبه في نفس الموضع الذي كان يجلس فيه فؤاد قبل دقائق من الآن.
تعالي تعالي أنا برخم عليكِ.

براحتك يا حبيبي بس ممكن تفهمني في أيه بقى؟ علشان أنا مش مستريحة خالص وفين ريتال مش سامعة صوتها ليه؟
ريتال وفريدة نزلوا يشتروا حاجات من تحت وأنا تعمدت أخليهم ينزلوا علشان أعرف أتكلم أنا وفؤاد على راحتنا. أجاب والدها وهو يبتسم ابتسامة صغيرة، عقدت زينة حاجبيها وهي تسأله الآتي بقليل من الدهشة:
فؤاد؟ فؤاد من غير دكتور؟ هو أنتوا تعرفوا بعض كويس أوي كده؟
مش أخو مريم الكبير، أكيد أعرفه طبعًا.

طب يعني يا بابا أنتَ عايز تفهمني إن الزيارة دي علشان تسترجعوا ذكريات الثانوية العامة وأيام الدروس الجميلة؟ أكيد لا يعني.
سألت زينة ساخرة ليبتسم والدها وهو يخلع نظاراته الطبية قبل أن يسألها بنبرة لا تخلو من المراوغة وقد ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغرة:
أنتِ عايزة تسمعيها صريحة وواضحة مش كده؟
أنا مش فاهمة حضرتك قصدك أيه يعني بس لو في حاجة محتاجة اسمعها فأحب اسمها بطريقة صريحة وواضحة.

دكتور فؤاد طلب إيدك مني. على الرغم من أن زينة كانت تعلم بداخلها أن هذا هو سبب هذه الزيارة إلا أنها صُعقت حينما سمعت جملة والدها صريحة وواضحة، أزدردت زينة ما في فمها وهي تحاول أن تحافظ على توازن ضربات قلبها.
مالك سكتي ليه؟ مش كنتِ عايزة تعرفي السبب.

بابا هو، هو بجد طلب إيدي؟ يعني هو قالك أيه بالضبط؟ بالتفصيل. سألت بتعلثم واضح ليبتسم والدها قبل أن يُجيب عن سؤالها قائلًا: بصي يا ستي دكتور فؤاد اتصل بيا من يومين كده وطلب مني ميعاد وأنا أديته ميعاد النهاردة علشان كنت عارف إنك هتبقي مشغولة، وعلى فكرة هو اللي طلب إنه لما يفاتحني في الموضوع نكون لوحدها الأول وبعدها أن أتكلم معاكي، بصراحة هو شاب قمة في الذوق والإحترام.

هو محترم طبعًا وكويس مفيش شك في ده، طب كمل يا بابا. كانت تتحدث بنبرة أقرب إلى الهمس وكأنها تُخبر ذاتها بما تقول لا والدها، أفاقت من شرودها وهي تطلب من والدها أن يُكمل حديثه ليتابع بنبرته الهادئة المعتادة قائلًا: جيه قعد طبعًا جاب علبة شيكولاتة شيك جدًا زي ما أنتِ شايفة، وجيه قالي يا عمي أنا شوفت بنتك أكتر من مرة من خلال مريم وحبيت أتعرف عليها وأتكلم معاها أكتر بس بصورة رسمي وأنا ظروفي واحد اتنين، أظن يعني إنك عارفة إنه أرمل ومعاه بنوتة صغيرة اللي بتيجي عندك الحضانة.

طب وحضرتك كلمته على ظروفي أنا بقى؟ كانت زينة تسأل بمرارة واضحة وكانت تتحدث عن الأمر بقليل من الحرج وكأنها مذنبة على الرغم من أن زوجها السابق هو المذنب والملام الوحيد فيما حدث لكنها كانت على دراية تامة أن المجتمع لطالما يقوم بإلقاء اللوم على المُطلقة بإعتبار أنها من المؤكد قد اخطأت في شيء ما أدى لفشل حياتها الزوجية وهدم أسرتها الثمينة.

هو عارف إنك منفصلة، أنا قولتله من غير تفاصيل طبعًا إن حصل خلاف بينك وبين جوزك والسبب وإننا كنا عايزين ننهي الموضوع بشكل ودي لكن هو أصر على المشاكل فرفعنا قضية علشان النفقة والكلام ده، أنا حبيت أوضحله كل حاجة علشان في ناس بتخاف من موضوع القواضي من غير ما يسمعوا الطرف المظلوم أصلًا.

جميل وهو قال أيه؟
هو واثق من أخلاقك ومن كلام أخته عارف إنك مش بتاعت مشاكل، هو عالعموم قالي إنه مستعد يكتب الكتاب في خلال شهر أو اتنين بالكتير وطبعًا هياخدك أنتِ وريتال تعيشوا معاه في ال?يلا بتاعته مع فريدة طبعًا حتى إنه عرض عليا أروح معاكوا.

وحضرتك، حضرتك رأيك أيه ورديت بإيه
رديت إن أنا هشورك الأول طبعًا لأن قرارك ودي حياتك الخاصة، أما عن رأي أنا بقى فشايف إنه إنسان كويس جدًا وابن ناس ومحترم، بس أنا شايف في عينك تردد أو يمكن رفض؟

مش رفض في المطلق، أنا يا بابا مريت بتجربة قاسية كفيلة تكرهني في الرجالة كلها وفي الدنيا في العموم، أنا حاليًا تركيزي كله مع ريتال هي ملهاش حد غيري وهي نفسيًا تعبانة والموضوع بدأ يأثر عليها جسديًا.

مش يمكن الحل يا بنتي يكون في أنها تعيش في أسرة مستقرة وتبدأ حياة جديدة؟ مش يمكن يكون ده العلاج ليكي أنتِ كمان؟ سأل والدها بجدية ولقد كان مُحقًا بنسبة لكن في حالة زينة هي كانت بحاجة إلى العلاج والتأهيل النفسي وكذلك ريتال قبل أن يستطيعوا البدء من جديد.

هو كلام جميل طبعًا يا بابا بس أنا شايفة أن قبل ما نبدأ حاجة جديدة لازم ننضف الجرح القديم ونتأكد إنه أتعالج وخف خالص وأنا جرحي لسه بينزف يا بابا،.

بعد الشر عليكي يا نور عيني، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب في اللي وصلتوا ليه بس مش مهم، أنتوا هتروحوا لدكتورة وبإذن الله هتبقوا زي الفل.

كان والدها يتحدث بآلم شديد فهو يشعر بالذنب كلما تحدثت زينة عن تجربتها المريرة، على الرغم من أنه وافق على تلك الزيجة بعد العديد من محاولات الإقناع والبكاء وأنه فعل على مضض إلا أنه يلوم نفسه لأنه يرى أنه لو كان أصر على رفضه لما كانت ابنته في هذا الوضع المحزن الآن.

يارب يا حبيبي، بص يا بابا أنا هفكر تاني برضوا في موضوع فؤاد وسواء وافقت أو رفضت هطلب منك تخليه يجي هنا وأبلغه قراري بنفسي قدامك.

أومئ والدها بتفهم وقد وافق على طلبها وبمجرد أن انتهى الحوار الذي دار بينهم عادت ريتال من الخارج هي وفريدة وفي يدهم عدة حقائب كان محتواها أغلبه حلوى وتسالي.

أحنا جينا في وقت مش ملائم ولا أيه؟

لا طبعًا أنتوا نورتوا ده أنا ومامتك كنا بندردش مع بعض شوية، تعالي وريني جبتوا أيه؟ لاقيتي درجة الطرحة اللي كنتِ بتدوري عليها؟

سأل جدها بإهتمام حقيقي لتهرول ريتال لتجلس إلى جانبه وهي تُريه ما قامت بشرائه بحماس شديد فهي لم تعتاد على الحصول على هذا القدر من الإهتمام فهي كانت بالكاد ترى والدها من الأساس.

في صباح اليوم التالي استيقظت ريتال باكرًا بلا سبب محدد، لم تكن تنوي مرافقة والدتها إلى العمل في ذلك اليوم لذا أخذت تعبث في هاتفها بتملل حيث كانت تُعيد قراءة بعض الرسائل القديمة وتقوم بحذف بعضها كان ذلك قبل أن تقع عيناها على المحادثات التي تم وضعها في خانة الأرشيف والتي ظهر إلى جانبها رقمٍ يعني وجود رسالة جديدة في تلك المجموعة.

فتحت ريتال الرسالة ظنًا منها أنها غير مهمة حتى وجدتها رسالة من صالح، والذي قد نسيت تمامًا أنها وضعته هو وتليد في الأرشيف لمنع لنفسها من التحدث إليهم لكنها لم تكن لتتوقع قط أن يُراسلها صالح بنفسه.

فريدة، صالح بعتلي مسدچ،.

بعتلك دلوقتي؟ هو مش الوقت دلوقتي متأخر سيكا ولا أيه؟

لا لا مش دلوقتي، المسدچ مبعوتة يوم الخطوبة بليل متأخير يعني غالبًا لما رجع البيت.

وكاتبلك أيه بقى البني آدم اللذيذ ابن اللذيذ ده؟

سألت فريدة ساخرة، لم تكن فريدة تشعر بالراحة تجاه صالح قط في الواقع هي لم تراه من قبل لكن من حديث ريتال عنه شعرت بأنه شخصًا غير واضح لا يستطيع تحديد أهدافه ولا يستطيع حتى أن يفهم ما يرغب فيه وما لا يفعل، بإختصار هو تائه وريتال ليست بحاجة إلى مزيد من التيه في حياتها...

بيتأسف على اللي حصل، اللي حكتهولك يعني واللي أتقال يومها، عايزني أعتبره مقالش حاجة من الأساس.

طيب جميل أوي.

جميل أوي؟

أيوا يا ريتال أنتِ منتظرة أقولك أيه؟ أفرح إن هو كل شوية بحال ومرة يقولك أنتِ أختي ومرة يتعامل على أساس إنكوا أكتر من كده؟ هو مش خسران حاجة من الهبل اللي بيعمله ده بس أنتِ خسرانة نفسيتك وصحتك ومخليكي مشتتة.

أنا عارفة إن موضوع صالح ده مينفعش خالص، بس أنا كان نفسي يحبني، كان نفسي يحبني ولو ليوم واحد بس يا فريدة. كانت ريتال تتحدث بهدوء في البداية قبل أن تنفجر باكية حينما تفوهت بجملتها الأخيرة، جذبتها فريدة في عناقٍ قوي وهي تربت على ظهرها بينما تقول:.

أما عارفة إن الموضوع صعب وصدقيني أنا مريت بحاجة شبه كده، تقريبًا مفيش حد فينا مش بيختبر في حياته الحب من طرف واحد وحقيقي أنا عارفة إنك موجوعة بس صدقيني إنك تتوجعي دلوقتي شوية أحسن بكتير متتوجعي لسنين وأنتِ معلقة نفسك بأمل من حِبال دايبة،.

بس هو لمح إنه ممكن يكون بينا حاجة،.

التلميح مش دليل على حاجة ومش كفاية أصلًا، لو هو راجل وفعلًا بيحبك بجد هيقولها صريحة وهياخد خطوة لكن هو معملش كده، صالح مش عارف هو عايز أيه أساسًا يعني راح يخطب سارة وبعدها بيقولك كلام غريب بيلمح بيه عن وجود مشاعر إعجاب حب بينكوا بذمتك ده شخص تعلقي نفسك بيه؟

علي الرغم من مرارة حديث فريدة وصعوبته إلا أنها كانت محقة تمامًا، لقد كانت نسبة كبيرة من المشكلة تكمن في عدم إدراك ريتال لقيمتها لقد كانت تشعر على الدوام بأنها أقل من أن تنال إعجاب صالح لذا حينما لمح تلميحًا بسيط حول ذلك الأمر شعرت بأن قلبها على وشك التوقف من فرط الصدمة ولحسن الحظ أنها تحكمت في ردة فعلها وقامت بصده وإلا لكان وضعها ليكون أسوء بكثير من الآن.

خلاص أنا أصلًا مش هرد عليه هفتح المسدچ وهسيبه Seen، وبعد كده كل اللي هيجمعني بيه مجرد قرابة والتجمعات العائلية اللي ممكن تحصل كل كام شهر مش أكتر من كده.

جدعة هو ده الكلام، وبعدين سيبك من صالح ده وركزي مع تليد أو سيبك من الإتنين أصلًا وخليكِ في الثانوية العامة وبعدها إن شاء الله لما تكبري كده وتدخلي الجامعة نبقى نشوف مين بيحب مين والكلام ده.

حاضر. تمتمت ريتال بعد أن أطلقت تنهيدة طويلة فهي لم ترغب في البداية أن تنخرط في أمور الحب والإعجاب تلك والأسوء شعور المنافسة بين شابين من أجلها، لقد كان الأمر معقدًا ولم تكن هي تملك ما يكفي من الطاقة أو روقان البال الذي يسمح لها بالإستمتاع بمثل تلك الأشياء فهي مازالت تحاول أن تتعافى من التجرب القاسية التي مرت بها منذ أشهر قليلة مضت.

في مساء اليوم التالي وبالعودة إلى القاهرة داخل ذلك المنزل الكئيب كانت نانسي تجلس في حجرتها بتملل وهي تعبث في هاتفها بلا هدف كان ذلك قبل أن تبحث عن حساب ياسين لتتأمل حسابه وصورته الشخصية للمرة العاشرة تقريبًا في ثلاثة أيام، لقد كانت تتابعه تتابعه بهوس واضح، تراقب جميع المنشورات العامة التي ينشرها والتي كانت متنوعة بين المزاح والجدية وبالطبع لم يخلو الحساب من بعض الأدعية والمنشورات الدينية.

يالهوي أنا عملت أيه؟ صاحت نانسي حينما قامت بضغط زر الإعجاب بإحدى المنشورات، حاولت إلغاءه سريعًا لكن الهاتف لم يستجيب ليصيبها الهلع وتبدأ في الضغط على الشاشة بطريقة عشوائية لينتهي بها الأمر وقد أرسلت إليه طلب صداقة عن طريق الخطأ.

في تلك اللحظة كان ياسين مُمسكًا بهاتفه ولقد وصله إشعار بطلب الصداقة، في البداية لم يتذكر من تكون نانسي لكن حينما رأى صورتها الشخصية تذكر على الفور وإن كان يرى أنها في الحقيقة أكثر جمالًا ورقة من تلك الصورة التي وضعتها حيث غمرت وجهها بمساحيق التجميل المبالغ فيها.

أخذ يتأمل الصورة لثوانٍ وهو يُفكر هل عليه قبول أم رفض طلب الصداقة فهو في العادة لا يقبل العديد من الفتيات على حسابه فقط يكتفي بالأقرباء وربما بضع فتيات من أصدقاء شقيقته والذين تفوق أعمارهم عمره بسبعة أعوام تقريبًا.

ياسين بقولك، الله الله! هي دي صورة نانسي ولا نظري ضعف ومبقتش أشوف كويس؟ سأل تليد بمراوغة وهو يبتسم بإستفزاز لتضطرب معالم ياسين قليلًا لكنه يحاول جاهدًا الحفاظ على هدوءه قبل أن يقوم برفض طلب الصداقة ويُغلق الهاتف ثم يطالع تليد بهدوء شديد قبل أن يقول:
اه هي نانسي فعلًا، كانت عملالي Add بس أنا معملتش Accept أنتَ عارفني مش بخلي بنات غريبة عندي عالأكونت.

يا ولا يا مؤدب ولما هو الموضوع كده قاعد متنح في صورتها ليه؟ مش كنت بتتريق عليا لما كنت بعمل كده مع ريتال.

هو أنتَ سامع طيب أنا بقول أيه ولا أنتَ حابب تعمل سيناريوهات وهمية كده في دماغك؟ سأل تليد بإستنكار واضح ليبتسم تليد ابتسامة سمجة لينقض عليه ياسين ويضرب كلاهما الآخر بمزاح.

على فكرة ماما أو تسنيم لو شافوا هزارنا ده مش بعيد يطردونا أحنا الإتنين من البيت.

ما أنتَ بطل استفزاز وأنا مش هضربك. أردف ياسين وهو يقوم بهندمة ثيابه وخصلات شعره التي تبعثرت قبل أن يسحب هاتفه ويعاود الجلوس على الفراش مرة آخرى.

في تلك الأثناء أدركت نانسي رفض ياسين لطلب الصداقة الذي أرسلته وعلى الرغم من أن الأمر برمته كان عن طريق الخطأ ألا أنها شعرت بإهانة كبيرة نتيجة لفعلته تلك، ألقت بهاتفها بعيدًا وهي تستقيم من جلستها وتذهب لتبديل ثيابها وقد قررت الخروج للتسكع وحيدة لإستنشاق الهواء دون أن تهتم أن الوقت يُعد متأخرًا.

بالطبع لم تعترض والدتها كالمعتاد ولم يكن صالح في المنزل لكي يُبدي أعتراضه كالمرة السابقة، أرتدت بنطال من الچينز المقطع ليكشف عن أجزاء متفرقة من ساقيها بالإضافة إلى بلوزة قصيرة نسبيًا وقد تركت خصلات شعرها الطويلة الناعمة لتنسدل على كتفيها، وضعت القليل من مساحيق التجميل وطلبت سيارة أجرة متجهة إلى أحد المقاهي التي ليست ببعيدة كثيرًا عن المنزل.

جلست نانسي في المقهى وحيدة لمدة ساعة تقريبًا قبل أن يُصيبها الشعور بالممل مجددًا، حاولت مهاتفة ريتال لكن الأخيرة لم تُجيب وكذلك ثلاثة من أقرب صديقاتها لذا انتهى بها الأمر وهي تغادر المكان وتذهب للتمشية قليلًا.

بِس، بِس، ما تيجي أوصلك بعربيتي؟ دي عربية جامدة موت ولسه جديدة نو?ي. صدرت هذه الجملة الوقحة من شاب ثلاثيني يجلس داخل سيارة فارهة سوداء وقد أخرج رأسه من الشرفة موجهًا حديثه إلى نانسي بينما يفحصها بطريقة مقززة، في البداية لم تُعيره نانسي أي إهتمام لكنه تابع السير خلفها بالسيارة لذا توقفت إلى الجانب وهي تصيح قائلة الآتي بحنق:
أنتَ عبيط يالا ولا أيه؟

طب وليه العصبية والغلط بس يا قطة؟ أموت أنا في الصنف الشرس ده! أردف بنبرة لعوب لترمقه بإشمئزاز قبل أن تتابع السير ظنًا منه أنه قد يأس لكنه في الحقيقة لم يفعل بل أسرع من خلفها بالسيارة وقبل أن صدمها توقف مسرعًا ليتسبب في صوت ضجيج عالٍ.

صُعقت نانسي من ما حدث لتفقد توازنها وتسقط على الأرضية الحادة الباردة ليجتاح الآلم ركبتيها وذراعها على الفور وقبل أن تُدرك ما يحدث وجدت رجل ينقض على الشاب ليقوم بإخراجه من السيارة بعنف قبل أن يقوم بلكمه عدة لكمات متتالية، على الفور تجمع العديد من المارة ليحاولوا فض الشباك الذي حدث.

أنتِ كويسة يابنتي؟

سأل الرجل بقلق حقيقي وهو يفحصها لترمقه بأعين قد لمعت ليس بسبب الدموع بل بسبب لفظة بنتي والتي لم يسبق لها سماعها من رجلٍ في عمر والدها من قبل، شعرت برجفة تسري في جسدها كانت واضحة ليخلع معطفه على الفور ويضعه أعلى كتفها بحركة تلقائية.

أنا، أنا كويسة شكرًا، هو أنا شوفت حضرتك قبل كده؟

تعالي بس نشوف صيدلية قريبة من هنا وبعدها نبقى نتكلم. أردف وهو يمد إليها بيده ليساعدها على النهوض، طالعت يده لثوانٍ بتردد قبل أن تمدها نحوه بطمأنينة لم تعلم سببها.

ساد الصمت لدقائق معدودة حتى وصولهم إلى أحدى الصيدليات، قامت الطبيبة بجلب اللازم لتطهير الجروح السطحية خاصتها، وقف بالقرب من الباب في انتظار الطبيبة لتنهي ما تفعله قبل أن يدفع ثمن كل شيء تم استخدامه.

يلا أنا هطلبلك عربية توصلك لحد البيت الوقت اتأخر أوي.

هو أنتَ مين وبتعمل معايا كده ليه؟ أنا يمكن أبان ساذجة اه بس أنا مش ساذجة ولا عبيطة وفاهمة اللي أنتَ بتعمله ده كويس. صاحت نانسي وهي تبتعد عنه بمسافة كافية، ليأخذ نفس عميق قبل أن يسألها الآتي بهدوء شديد:
وفاهمة أيه بقى يا ست الكبيرة الواعية؟

طبعًا أنتَ فاكرني عيلة صايعة مليش أهل بس على فكرة بقى أنا ورايا عائلة توديك ورا الشمس لو فكرت تعمل حاجة كده ولا كده!

استغفر الله العظيم، يا بنتي أنا مش عايز منك أي حاجة من اللي في دماغك أنا خايف عليكي! صاح موضحًا نيته لها بنبرة جادة، ساد الصمت لبرهة قبل أن تقول نانسي بإستنكار واضح:
تخاف عليا بتاع أيه أصلًا؟ أنتَ تبقى مين يعني ولا تعرفني منين؟ وبعدين أيه حوار بنتي بنتي كل شوية ده؟

أنا طلبت عربية والكابتن جاي.

وطلبتها على فين بقى؟ ولا أنتَ يا عمو المحقق عارف عنوان بيتنا؟

سألت بنبرة لاذعة ولم يكن هو متوقعًا لذلك السؤال بتاتًا لذا اضطربت معالمه للحظة قبل أن يحدث المثل معه وهي تسأله بنبرة أكثر جدية:
هو، هو أنتَ عارف عنوان بيتي بجد؟ سألت برعب وهي تبتعد خطوة نحو الخلف على إستعداد أن تركض لولا أن أوقفها صوته وهو يقول:.

استني يا نانسي متخافيش، أنا مش حد غريب. ألتفت نانسي لتقابلها، لقد كان يعرف اسمها ولقد كانت نبرته صادقة إلى حدٍ كبير ولسبب ما انتابها شعور بالأولفة غير معهود، أخذت تطالعه بصمت ليمد بيده إليها وهو يقول بنبرة هادئة حنونة:
تعالى نقعد في حتة وأنا هفهمك كل حاجة.

ترددت لبرهة قبل أن تومئ له وفي اللحظة ذاتها قامت بمشاركة موقعها الجغرافي المباشر أو الحالى (Live location) مع ريتال وقد أرسلته مع رسالة كُتب فيها الآتي:
ريتال أنا قاعدة مع حد معرفهوش كويس، لما تشوفي المسدچ دي كلميني لو لاقيتي تليفوني مقفول أوي مش برد أبعتي اللوكيشن لصالح أو أي حد من البيت عندنا بسرعة. بعثت بالرسالة وهي تدلف إلى داخل مقهى قريب من الذي كانت تجلس فيه قبل قليل.

قام بسحب كرسي من أجلها وجلس هو على المقابل قبل أن يطلب من النادل كوبًا من الشاي وعصير الليمون بالنعناع المثلج من أجلها، لم تستطع أن تُخفي تعبيرات الدهشة عن وجهها وهي تسأله:
أنتَ طلبت ليمون بالنعناع ليا على أساس أيه؟ مش يمكن مش بحبه؟

بتحبيه، أنا عارف، بتشربيه من وأنتِ طفلة، أنا كنت بستغرب أوي كنت بحس طعمه حامض أوي عليكِ بس أنتِ كنتِ بتحبيه، دايمًا بتحبي تيجي على نفسك كده والغريب إنك بتبقي مبسوطة. رمقته بتعجب شديد، لقد كان محق فهي تعشق ذلك المشروب منذ أن كانت طفلة لطالما أخبرتها والدتها بذلك، بدأت تشعر بالتوتر أكثر من حديثه ولقد كان ذلك واضحًا من إرتجاف أصابعها وعيناها التي أخذت تتجول في المكان بمعدل سريع.

أيوا يعني هو حضرتك هتفضل عامل جو التشويق والإثارة ده كتير؟ أنتَ مين برضوا عايزة أعرف؟ قدامك خمس دقائق تفهمني يا إما هقوم أمشي.

كانت نبرتها حازمة أو هكذا كانت تحاول أن تجعلها حتى لا تجعله يشعر بالإنقباضه التي أصابت قلبها، رمقها في صمت وهو يبحث عن شيء في جيوبه وقد وجده في النهاية، لقد كانت صورة فوتوغرافية قديمة، ليست قديمة بالمعنى الحرفي لكنها تعود إلى حوالي خمسة عشرة عامًا قد مضت، ابتسم وهو ينظر إلى الصورة قبل أن يمنحها إياها، تناولت الصورة من يده قبل أن تُطالعها بإندهاش شديد وقد نمت ابتسامة صغيرة على ثغرها فتلك الصورة تخصها وهي طفلة.

كانت في الثالثة من عمرها تقريبًا حينما تم إلتقاطها هكذا أخبرتها والدتها فلقد كانت تملك نسخة من تلك الصورة في المنزل لكن مع وجود فارق بسيط، في الصورة التي بحوزتها في المنزل لقد كانت تقف وحيدة أو بمعنى آخر لقد تم تكبير الصورة بحيث لا تظهر ذلك الرجل الواقف إلى جانبها والذي كان يحمل في يده لُعبة من أجلها.

أنا، أنا مش فاهمة، كادت أن تُكمل حديثها لولا أن رفعت عيناها لتُقابل خاصة الرجل الجالس أمامها، لقد كان هو، لقد كان هو الشخص ذاته الذي يقف إلى جانبها في تلك الصورة القديمة لكنه الآن قد ظهر عليه بعض آثار التقدم في العمر.

نانسي أنا بابا. تفوه بها بتوتر واضح، وكأنه قرر الإفصاح عن ذلك السر الذي كتمه لوقتٍ طويل.

لم تستطع نانسي التفوه بحرفٍ واحد كانت تشعر كما لو أن أحدهم صدمها بشيء حاد في رأسها، المكان يدور من حولها والأصوات قد تداخلت فلم تعد تميز حرفًا واحد مما تسمعه، لو كان أقسم لها أحدهم أنها ستقابل والدها بعد كل تلك السنوات وأنه سيعاود الظهور في حياتها ما كانت لتُصدقه قط...

لو، لو مش مصدقاني دي بطاقتي، شوفي اسمي بالكامل علشان تقتنعي. أردف وهو يُخرج البطاقة الشخصية خاصته، لقد كان يظن أن ردة فعلها تلك نابعة عن التشكيك لا عن الصدمة.

طالعته نانسي بأعين زائغة ومن ثم طالعت البطاقة لتراجع الاسم بعيناها قبل أن تسحب حقيبتها في حركة سريعة وتغادر المكان على الفور غير مُبالية بأبيها الذي يحاول اللحاق بها، أخذت تركض في الشوارع الخالية دون وجهة محددة لقد كانت تريد الإبتعاد عن ذلك المكان بقدر الإمكان، لم تتوقف عن الركض على الرغم من شعورها بالتعب لينتهي بها الأمر وهي تسقط على الأرضية بينما تبكي بصوتٍ مسموع سامحة لشهقاتها بالخروج.

استمر الوضع على هذا النحو لدقيقتين تقريبًا قبل أن تحاول النهوض وعلى الفور تتجه نحو الطريق لتقوم بإيقاف سيارة أجرة وتتجه إلى المنزل، كفكفت دموعها وحاولت إزالة بقايا مساحيق التجميل من وجهها حيث كانت أشبه بساحرة شريرة من فيلم مرعب بعد أن تلطخ وجهها من فرط البكاء.

بمجرد أن غادرت نانسي سيارة الأجرة اصطدمت بصالح من الخلف والذي كان بالخارج وعاد لتوه مثلها، طالعته بصدمة لكن سرعان ما تحركت مبتعدة عنه دون أن تعتذر منه ليعقد حاجبيه قبل أن يسأل بسخرية مستنكرًا:
طب مش هتقولي أسفة؟

أسفة. أردفت نانسي بنبرة خاوية من الروح، أدرك صالح على الفور أن هناك شيء على ما يرام ففي العادة نانسي لا تعتذر قط حتى ولو على سبيل المزاح، ألتفتت صالح بحيث يقف أمامها لينصدم من رؤيته لعيناها المنتفخة من البكاء والمُلطخة بكحل العيون الأسود بالإضافة إلى تلك الخدوش في ركبتها الظاهرة من البنطال والذي كان متسخًا من الأساس.

نانسي أيه اللي حصل؟ أنتِ وقعتِ ولا دي حادثة ولا حد عملك حاجة؟

محصلش، محصلش حاجة.

هو أيه اللي محصلش حاجة؟ تعالي نقعد جوا فهميني مالك.

كانت تنوي الإنسحاب والهروب إلى حجرتها وعدم التحدث إليه لكن الاهتمام الواضح والخوف الحقيقي الذي ارتسم على وجهه جعلها توافق على الجلوس معه وإخباره بما حدث بالتفصيل، كان يستمع إليها في هدوء دون أن يقاطعها قط منتظرًا أن تفرغ تمامًا من حديثها كي يُعلق.

أنا مش عارف المفروض أقول أيه في موقف زي ده بصراحة بس كل اللي أنا عارفه إن أنا أخوكي وهفضل جنبك طول ما أنتِ محتاجاني. أردف صالح بجدية تامة لتنظر نحوه بإمتنان شديد وقد نمت ابتسامة صغيرة على وجهها قبل أن تقول:.

شكرًا يا صالح بس أنا، أنا مش عارفة أيه اللي أنا فيه ده ومش عارفة في أيه ولا أنا محتاجة أيه، أنا أصلًا معرفش حاجة عن الراجل ده غير اسمه، هو رماني 13 سنة ولسه فاكر يجي دلوقتي ويمشي ورايا ويحاول يكلمني! كانت تتحدث في البداية بهدوء بينما تنهمر دموعها لكن في النهاية ختمت حديثها بنبرة أقرب إلى الصراخ وهي تبكي بحرقة قبل أن تصمت لبرهة ثم تتابع قائلة:.

سنين وأنا بكدب على صحابي يا صالح وبقولهم إن بابا مسافر برا مصر بيشتغل وإنه كل سنة بيجي وبيجيب هدايا وحاجات علشاني، سنين وأنا بشوف كل اللي في سني وهما بيخرجوا مع باباهم وبيتصوروا معاه، بشوف أبوهم معاهم في حفلات نجاحهم ولما بيتعبوا ولما بيفرحوا، هو كان فين في كل ده؟ كان يتخلل حديثها صوت شهقاتها دون أن تُبالي بوصول صوتها إلى داخل المنزل.

أنا عارف إن الموضوع صعب جدًا،.

لا أنتَ مش عارف حاجة، بص يا صالح، شايف العلامة دي وأنا صغيرة وقعت ودماغي اتفتحت وخيطتها هو مكنش معايا، لما في سنة طلعت الأولى عالفصل وأنا صغيرة مكنش هنا، ولما عملوا حفلة لينا في 3 أعداداي لما نجحنا مكنش معايا،.

نانسي، نانسي، بس أهدي، خدي نفس! صاح صالح وهو يحاول جعلها تسترد انتباهها وتفيق من حالة الصدمة والإنهيار تلك.

أنا زعلانة أوي يا صالح، زعلانة أوي. أردفت وهي تُخفي وجهها بيدها، طالعها بحزن شديد وهو يمنحها مناديل ورقية ومن ثم كوب مياه.

اشربي مياه كده وأهدي، أنتِ ليكي كامل الحق في الزعل والإنهيار بس أنتِ كده بتدمري نفسك!

أنا، هقوم أنام، دماغي صدعت. أردفت وهي تكفكف دموعها وتستقيم من مقعدها، كادت أن تغادر لكنها توقفت لثانية وهي تطالع صالح وتقول:
شكرًا يا صالح. تمتمت بإمتنان قبل أن تتجه نحو الداخل تاركة إياه واقفًا في حيرة من أمره...

في صباح اليوم التالي قررت زينة أن تصطحب ريتال للتنزه سويًا بمفردهم كنوع من أنواع التغير وفي الواقع كانت تريد أن تُفاتحها في أمر الطبيب فؤاد والذي لم تكن قد أخبرتها به بعد فهي لم تجد الوقت المناسب لعرض مسألة كتلك.

مالك يا ماما في أيه؟

ها؟ مفيش حاجة يا حبيبتي.

لا شكلك مش كويس، حصل حاجة طيب ولا أنتِ مخبية عني حاجة ولا في أيه؟

بصي يا ريتال أنتِ كبيرة كفاية وأنا هقولك كل حاجة على طول، دكتور فؤاد أخو مريم طلب إيدي من بابا. أفصحت والدتها بتوتر واضح وهي تتحاشى النظر إلى وجه ريتال لكن سرعان ما عاودت النظر إليها وهي تراقب ردة فعلها والتي كانت عكس ما توقعت تمامًا حيث ابتسمت ريتال وقالت:
طب ما أنا عارفة.

عارفة؟ هو بابا قالك حاجة؟

لا، فريدة، هي يعني خمنت إن في حاجة لما جدو طلب مننا ننزل نشتري حاجات بعد ما جاله مكالمة من عمو فؤاد واليوم ده لما رجعنا كان باين عليكِ وشكلك متوتر أوي.

طب يا ست المفتش كرومبو أنتِ رأيك أيه بقى؟

معرفش يا ماما، دي حياتك أنتِ في الأول وفي الآخر لو أنتِ شايفة إنك هتقدري تثقي فيه وعايزة تديله فرصة عادي. أردفت ريتال بنبرة لم تستطع زينة أن تفهمها ربما كانت مزيج بين الحزن والتيه، أمسكت زينة بيدها ونظرت إلى عيناها بينما تقول:
لا يا ريتال الموضوع ميخصنيش أنا لوحدي، أنتِ معايا وأنتِ رقم واحد وعلشان أوافق أو أرفض لازم أسمع رأيك.

بصراحة يا ماما أنا مش عارفة لو كنت هتحمل تغير تاني في حياتنا يحصل بسرعة كده وفي نفس الوقت مقدرش أكون أنانية وأقولك أرفضي، يمكن تلاقي السعادة معاه ويمكن لا، مش عارفة، بس هو باين عليه إنسان كويس أظن يعني.

أنتِ كده خلتيني في حيرة أكبر، فؤاد واضح عليه إنه إنسان كويس وابن ناس وشاريني بس أنا مش قادرة أوافق، أنا مش حِمل إن أنا أتوجع تاني وفي نفس الوقت بقول لنفسي مش يمكن يكون هو ده العوض؟

أنا شايفة إنك تصلي صلاة استخارة وتاخدي رأي جدو وبعدها تشوفي أنتِ قررتي أيه.

هعمل كده حاضر، بس سواء وافقت أو رفضت أحنا محتاجين نبدأ جلسات علاج نفسي في أقرب فرصة ممكنة. قالت زينة مع ابتسامة صغيرة لتومئ ريتال موافقة على حديثها.

في الواقع كانت ريتال مرتبكة من تلك المحادثة التي حدثت قبل قليل والتي كانت قد توقعتها منذ أن أخبرتها فريدة بتخمينها، لقد كانت ريتال تتمنى الخير والسعادة لوالدتها بلاشك لكنها كانت تخشى عليها كذلك فلقد رأت كيف تدمرت والدتها بعد ما فعله والدها وهي لا تريد أن تراها في الحالة ذاتها مرة آخرى وفي الوقت ذاته هي لا تستطيع تقبل بسهولة فكرة وجود شخص آخر في موضع والدها وكذلك لم تكن مستعدة للمزيد من الإضطرابات في حياتها.

بعد عودتهم إلى المنزل قضت زينة الليل بأكمله وهي تُفكر وتقوم بوضع تصورات لكيف يمكن أن تكون الحياة وفي النهاية طلبت من والدها أن يهاتف فؤاد وأن يخبره بأن يأتي لتناول الغداء معًا في الغد ولكي يخبره كذلك بقرار زينة النهائي فيما يخص عرض الزواج، وافق فؤاد على الفور وحينما علمت مريم بالأمر أرادت أن تذهب برفقته لكنه رفض فهو لم يُريد أن يُسبب لنفسه أو لزينة المزيد من الحرج إن كان جوابها هو الرفض ولا يريد كذلك أن تتأثر علاقة شقيقته بصديقتها.

بالفعل وصل فؤاد في الموعد المحدد بعد انتهاء عمله الصباحي في المستشفى، استقبله والد زينة ورحب به بلطفه وكرمه المعتاد وكان فؤاد يجلس على أحر من جمر في انتظار معرفة الرد لكن والدها أخبره أنها هي من ستتحدث إليه وتُفصح عن قرارها بنفسها.

مساء الخير يا دكتور فؤاد.

مساء النور يا ميس زينة.

الأكل جاهز على السفرة ممكن تتفضلوا يا بابا، أنا هاكل جوا مع ريتال وفريدة. أردفت بخجل واضح ليقول والدها بتفهم:
تمام يا حبيبتي، أتفضل يا دكتور عالسفرة.

حاضر بس، هو أنا مش هعرف ردك على طلبي؟ كان الشق الأول من الحديث موجهًا إلى والدها أم الثاني كان موجهًا لها هي.

بعد الأكل نتكلم يا دكتور. تمتمت مع ابتسامة صغيرة قبل أن تستأذن منهم وتتجه إلى الحجرة بخطوات سريعة.

جلس فؤاد يتناول الطعام اللذيذ الذي أعدته زينة بنفسها والذي كان عبارة عن دجاج مشوي، طاجن معكرونة (بالباشميل) بالإضافة إلى البطاطا المقلية وسلطة وبعض المُقبلات، كان يأكل بإستمتاع شديد بينما يُثرثر مع والدها في أمور عشوائية.

بعد الإنتهاء من الطعام قامت زينة بإعداد ثلاثة أكواب من الشاي وتوجهت للجلوس برفقة والدها والطبيب والذي كان غاية في التوتر في انتظار سماع قرارها النهائي وهو يدعو بداخله أن يسمع الإجابة التي يأملها.

دكتور فؤاد، أنا مش عارفة أبدء كلامي ازاي، طبعًا العرض بتاع حضرتك جميل جدًا وأي واحدة في مكاني تتمناه بس، كانت زينة تتحدث بتعلثم وهي تتحاشى النظر نحوه، عقد فؤاد حاجبيه وقد زالت ابتسامته قبل أن يسألها بقلق:
بس أيه يا ميس زينة؟

بس مش هينفع،.

تمام أنا مُقدر جدًا لمشاعرك ولرفضك، خسارة كبيرة ليا إن أنا مكنش ليا الشرف أكون جوزك وأحاول أعوضك عن كل اللي حصل.

دكتور فؤاد حضرتك بتحرجني حقيقي بأدبك وذوقك بس أنتَ فاهم كلامي غلط، أنا مش رافضة رفض مطلق، كل الحكاية إن أنا حاليًا مش مستعدة ولا ريتال كمان لحاجة زي كده في الوقت الحالي، التجربة اللي مرينا بيها مكنتش سهلة أبدًا علينا أحنا الإتنين والتعافي منها وتخطيها محتاج وقت مش قليل وأكيد أنا مش هقدر أطلب منك تستناني دي تبقى أنانية مني.

حاولت زينة أن تقوم بإيصال مشاعرها وتكفيرها دون أن ترفضه رفضًا صريح بإسلوب مباشر مراعاة لشعوره، كانت تتابع تعبيرات وجهه عن طريق نظرات خاطفة ولقد كانت تنتظر أن ترى تعبيرات الحزن أو الغضب على وجهه لكن على العكس تمامًا لقد ظهرت ابتسامة صغيرة على ثغره قبل أن يقول:.

بس أنا موافق يا ميس زينة، موافق استناكي شهر، اتنين، عشرة، معاكي لحد ما تعرفي تعدي الأزمة دي وترجعلك الثقة تاني في الحياة، في نفسك في الرجالة.

شكرًا، شكرًا بجد على تفهمك وأدبك.

شكرًا ليكي أنتِ إنك مقفلتيش الباب في وشي، أظن إن أنا لازم أمشي، عن إذنكوا. كالعادة كان إنسحابه سحري، لقد كان يعرف كيف يتحدث وماذا يقول ومتى يكون الوقت المناسب للوداع والمغادرة، أراد والدها أن يطلب منه البقاء لكنه أعتذر منه بحجة الذهاب إلى عيادته الخاصة.

بني أدم محترم أوي يا زينة خسارة إنك رفضتيه بس طالما ده اللي هيريحك يبقى خلاص.

أنا مرفضتوش رفض تام يا بابا، أظن إنه فهم قصدي ووصلتله مشاعري. تمتمت بثقة تامة مع ابتسامة صغيرة ليومئ والدها وهو يدعو الله أن يرزقها راحة البال والسعادة.

في ذلك الوقت وبالعودة إلى القاهرة عاد عبدالرحمن من العمل وقد صعد إلى الأعلى بإستياء واضح دون حتى أن يُلقي السلام على والدته كما أعتاد أن يفعل دائمًا، لمحته والدته وأخذت تناديه لكنه لم يُجيب.

سالي، أنتِ ياللي اسمك زفت سالي! صاح عبدالرحمن بغضب شديد وهو يصفع باب المنزل من خلفه لينتفض ابنه الصغير من مقعده ويهرول نحو حجرته ليختبأ في خوف، لم يهتم عبدالرحمن بل لم ينتبه من الأساس لما حدث لا هو ولا زوجته التي طالعته بإزدراء قبل أن تستقيم من مقعدها بحنق وهي تسأله بإستنكار واضح:
مالك يا عبدالرحمن بتجعر كده ليه عالمساء؟ في أيه حصل أيه؟

حصل أيه؟ أنتِ بتستعبطي يا هانم؟ فين رصيد البنك يا سالي ازاي تصفري الحساب كله! سألها وهو يستشيط من الغضب حتى برزت عروق وجهه كلها وهو يجذب من ساعدها بقوة، حاولت الإفلات منه قبل أن تقول:
بقولك أيه بقى دي فلوسي وفي حسابي وأسحبها كلها زي ما أنا عايزه محدش ليه عندي حاجة!

نعم ياختي! فلوس مين يا أم فلوس؟ دي فلوسي تعبي وشقايا في الغربة سنين أنتِ فلوسك دي كنتِ بتخليها على جنب دايمًا!

بقولك أيه يا بودي يا حبيبي أنتَ حولتلي الفلوس دي كلها على حسابي بمزاجك محدش ضربك على إيدك وبعدين ما أنتَ شغلك دلوقتي بتكسب فيه الحمدلله أنا بقى بشغل فلوسنا التانية دي على جنب وأكيد ليك نسبة من الربح. حاولت إقناعه بنبرة أكثر هدوء ودلال وهي تضع يديها أعلى عنقه.

هو أيه اللي نسبة من الربح؟ بقولك دي فلوسي يا سالي يعني حتى لو هتشغليها يبقى بإذن مني وكمان أكون صاحب أكبر نسبة في الربح!

طب روق وأهدى كده وبلاش الزعابيب اللي داخل بيها دي، أدخل خد دش كده وأنا هحضرلك العشاء وبعدها نقعد وأفهمك كل حاجة.

ماشي لما نشوف. أردف بنبرة أكثر هدوءًا وهو يُبعد يدها عنها ويتجه نحو الداخل، سرعان ما تلاشت تلك الإبتسامة المزيفة التي كانت قد رسمتها منذ قليل وأخذت تطالعه بتوعد.

في تلك الأثناء كانت نانسي تجلس بالأسفل داخل حجرة جدتها في الطابق الأرضي، كانت تنظر بشرود من الشرفة نحو الحديقة الصغيرة وقد أسندت رأسها على باب الشرفة، جاءت جدتها وتحدثت إليها لكنها لم تستمع لحرفٍ مما قيل بل لم تنتبه من الأساس أن جدتها تتحدث إليها.

يا نانسي، أنتِ سمعاني يا حبيبتي؟

بتكلميني يا تيته؟ معلش مش سامعة.

مالك يا حبيبتي فيكي أيه؟ سألت جدتها بقلق لترسم نانسي ابتسامة صغيرة مزيفة على ثغرها قبل أن تُجيبها قائلة:
مفيش حاجة، أنا هقوم أجهز العشاء مع ماما.

ماشي يا بنتي.

توجهت نانسي إلى المطبخ لتساعد والدتها في إعداد الطعام وبينما كانت تقوم بتقطيع الخضروات ودون أن تنتبه جرحت أصبعها جرحًا غائر نسبيًا لينهمر منه الدماء، أمسكت بإصبعها ووضعته أصفل الصنبور في اللحظة التي دلف فيها صالح إلى الداخل والذي في البداية لم يستوعب ما حدث لكنه عند رؤيته للدماء خطر على باله أمرٍ واحد!

أيه ده؟ أنتِ عملتِ أيه؟ سأل وهو يجذب يدها فاحصًا إياها ظنًا منه أن سيجد جرحًا في ساعدها، سحبت نانسي يدها على الفور وهي تقول:
في أيه أنتَ؟ عورت نفسي بالغلط وأنا بقطع الطماطم مفيش حاجة.

يا شيخة خضتيني عليكِ! طب ركزي شوية وخدي بالك الله يرضى عليكِ مش ناقصة.

مجنون ده ولا أيه؟ همست إلى نفسها وهي تبحث عن ضمادة لإصبعها لكنها لم تجد، في تلك الأثناء كان صالح قد غادر المطبخ لكنه سرعان ما عاد وهو يحمل في يده ضماده.

خدي حطي دي على صباعك، وبقولك أيه أطلعي برا أنا هحضر العشاء مع عمتو.

يلا أحسن. تمتم بلا مبالاة وهي تتجه نحو الخارج ولوهلة شعرت بدهشة من كون صالح قد أظهر الكثير من الإهتمام مرة آخرى وهو أمر غير معهود منه فهو كان يصب إهتمامه على ريتال في أغلب الأحيان.

بقولك أيه يا صالح نانسي من إمبارح شكلها مش مضبوط خالص، سرحانة ومش بترد عليا وعنيها محمرة طول الوقت باين عليها معيطة، حاولت اسألها مالك أتشنجت عليا ومردتش تحكيلي حاجة هي محكتش معاك؟

مفيش حاجة يا عمتو متقلقيش، هي بس دماغها مشغولة بالثانوية العامة والحاجات دي.

نانسي بنتي أنا دماغها مشغولة بالثانوية العامة؟ مش مقتنعة بالكلام ده بصراحة.

عادي يا عمتو الثانوية دي بُعبُع للناس كلها وكمان هي متخانقة مع صحابها علشان ساعات بيخرجوا من غيرها وبتاع وعالعموم أنا هتكلم معاها. حاول صالح إقناعها بتلك الأشياء العشوائية كي لا يُخطئ ويُخبرها بشيء لا تود نانسي منها أن تعلمه على الأقل في الوقت الحالي، تنهدت عمته قبل أن تقول:
أيوا يا حبيبي ربنا يخليك، من ساعة ما ريتال مشيت من هنا ونانسي بقت وحيدة أوي وبحس إنها على طول مكتئبة وزعلانه.

متقلقيش بقى يا حبيبتي ويالا نكمل تحضير زمان تيته جاعت أوي.

أومئت عمته بقلة حيلة قبل أن يتابع كلاهما ما يفعله، بعد عشرة دقائق تقريبًا كان الطعام قد وُضع على الطاولة وجلس خمستهم لتناوله حيث شاركتهم عطر التي كانت تلهو في حديقة المنزل، كان الصمت يغلف المكان فيما عدا جمل عشوائية كانت تصدر منهم مثل ناولني رغيف عيش/ الفول حلو أوي/ الشاي عايز سكر،.

كان كل شيء يسير على ما يرام حتى قررت نانسي أن تقطع الصمت بسؤال صادم لم تنتظر أن تكون هي ووالدتها بمفردهم كي تطرحه وقررت طرحه أمام الجميع أثناء تناولهم الطعام...

ماما هو بابا سابنا ومشي ليه؟

الفصل التالي
بعد 01 ساعات و 23 دقيقة.
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة