قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السادس والأربعون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السادس والأربعون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السادس والأربعون

غلفت الدموع عيناها على الفور رغمًا عنها على الرغم من أنها كانت تنوي سماع تفسيره قبل إتخاذ أي ردة فعل لكن ذلك لم يمكن كافيًا لمحو الآلم الذي شعرت به، الخيانة، الغدر، الكذب، ربما لم تكن تلك الصورة حديثة لكن ذلك قد حدث على الرغم من قسمه المستمر أن الحياة الليلة لا تهمه وأنه لا ينخرط في مثل تلك الأمور!

ربما كان لديه تفسير لكنها ستبقى في حالة الإنهيار تلك حتى يأتيها تفسيره، كانت تنوي إرسال رسالة أو محاولة مهاتفته لكنها كانت تخشى كونه نائمًا ولسبب وعلى الرغم من كونها مستاءة منه إلا أنه لم تود أن يبدأ يومه الأول في عامه الجديد في شجار وتبريرات لكن ذلك كان مجرد تأجيل حكم الإعدام لا إلغاؤه بكل تأكيد.

كانت دموع ريتال نابعة عن ضيق وغيرة وغيظ شديد لا حزن، لقد شعرت بأنها مغفلة للمرة التي لم تعلم عددها لكنها في الوقت نفسه كانت تعلم أن تليد لا يكذب وفي الغالب يفي بوعوده فما باله نكسها هذه المرة؟

لم تجد إجابة وكاد عقلها أن يشت وشعرت بأنها إن كتمت كلماتها داخل صدرها فقد تغرق داخل نوبات غضب يليها نوبات هلع لا داعي لها، أرادت أن تُخبر والدتها بما حدث لكنها كانت تعلم أن ذلك سيُزيد الأمر سوءًا فإن كان تليد يملك تفسيرًا فيما بعد فستكذبه والدتها وستطلب منها عدم مسامحته وقد يتفاقم الأمر ليصل إلى إقناع ريتال بالإنفصال عنه، إذًا والدتها ليس الشخص المناسب، على الأرجح جدها قد غاص في نوم عميق منذ ثلاث ساعات على الأقل وفريدة تكون منهكة من كثرة جولاتها للانتهاء من تجهيز منزلها لذا لم يكن أمامها سوى نانسي أو...

ريتال أنتِ لسه صاحية يا حبيبتي؟ جاءها صوت زوج والدتها الذي طرق باب الحجرة حينما لمح الضوء داخل حجرتها، وبخت ريتال نفسها كيف لم تفكر فيه؟ والدها الذي يعود متأخرًا من عمله.
أتفضل يا بابا.

أيه ده؟ مالك يا ريتال في أيه؟ حد ضايقك؟
مفيش يا بابا أنا كويسة،.

لا أقعدي بس كده وقوليلي في أيه، استني جبتلك الشيكولاتة اللي بتحبيها كليها وفهميني حصل أيه تنهدت ريتال تنهيدة طويلة وهي تفكر كيف عليها أن تبدأ تلك المحادثة وفي النهاية قررت أن تجعل والدها ينظر إلى تلك الصورة أولًا ومن ثم سيأخذ الحديث مجراه الطبيعي.
هو أيه ده؟ سأل فؤاد مستنكرًا وقد عقد حاجبيه قبل أن يخلع نظارة النظر الطبية خاصته ويعيد إليها الهاتف مرة آخرى قبل أن يقول:.

حاسس الصورة قديمة، شكلها من فترة.
هو فعلًا تليد مش حالق الحلقة دي دلوقتي بس برضوا الصورة شكلها مش قديم أوي، وبعدين مش فارقة وقت الصورة بالضبط الفكرة إنه وعدني ميروحش أماكن زي دي، وعدني إنه مش بيشرب ولا هيشرب وإن مفيش بنات في حياته وهو كدب عليا يا بابا! استغل إنه بعيد عني ومش قدام عيني وعمل كده لا ومنزل صورة عادي جدًا ولا كأن فارق معاه زعلي ومشاعري!

انفجرت ريتال متحدثة ببعض الإنفعال - الذي كان منطقيًا تمامًا في مثل هذا الموقف - أمتعض وجه فؤاد استياءًا من تليد وفي داخله قرر أنه سيكون هناك حديث صارم بينه وبين زوج ابنته المستقبلي ليس من أجل هذا الموقف بالتحديد لكن بشكل عام ليذكره بأنها ليست وحيدة وأنا الإساءة إلى ابنته وجرح مشاعره أمر لن يمر مرور الكرام.

كلمتيه؟ سألها وقد توقع مُسبقًا أن تكون إجابتها أجل ولقد تشاجرنا وطلبت منه الإنفصال لكن ريتال أجابت بالعكس تمامًا وفاقت توقعاته حيث أجابت ببساطة أنها لم تفعل، بعد!

لسه، لما شوفت الصورة فقدت أعصابي وكنت عايزة أتصل اتخانق معاه بس تراجعت، حسيت محتاجة أهدى الأول وبعدين أتكلم معاه علشان حتى أبقى مدركة أنا بقول أيه.
أنا فرحان بيكي أوي يا ريتال بجد، تفكيرك بدأ يتغير وبقى أهدى كتير بس المرة دي بقى هقولك حاجة مختلفة تمامًا اتخانقي معاه. تمتمت فؤاد ببساطة وهو يضحك بخفة لتقوم ريتال برفع أحدى حاجبيها بتعجب ليوضح والدها قائلًا:.

كنت فاكر إنك هتبقي أتخانقتي معاه وخدتي موقف ورد فعل في لحظة غضب لكن إنك تقعدي شوية تفكري وتهدي قبل ما تكلميه حتى لو ناوية تشدي معاه في الكلام هو تصرف عاقل ومنطقي. ابتسمت ريتال حينما سمعت كلمات المدح من والدها لكن سرعان مازال أثر كلامته وعاد الشعور بالضيق يراودها مرة آخرى.
شكرًا يا بابا عالمدح الجميل ده بس ممكن نشوف اللي بيكدب عليا وبيخوني ده!

أنتِ مصدقة إن تليد بيخونك فعلًا ولا دي جملة مجازية علشان أنتِ متضايقة؟
أنا زعلانة علشان كدب وعلشان بيخبي عليا يا بابا، يمكن أنا من جوايا مصدقة إنه عمره ما يخوني بمعنى يخوني خيانة صريحة لكن، لكن الكدب صورة من صور الخيانة يا بابا، خيانة العهد اللي بينا وخيانة لحبنا والأحلام اللي بنبنيها مع بعض، أحنا اتفقنا مفيش كدب وتخبية بس هو بيكدب وبيخبي.

فسرت ريتال ما شعرت به بكلمات واضحة وصريحة معبرة عن ما يدور في ذهنها الأمر الذي لم تستطع فعله في السابق، استمع لها فؤاد بهدوء قبل أن يقول الآتي بنبرته العقلانية والتي لم تخلو من الحنان في الوقت ذاته: مش دفاع عنه طبعًا بس تليد لسه صغير، طايش وعنده صحاب من دول تانية ومن ثقافات تانية وبأفكار تانية وهو مش قادر يتجنب الناس دي تمامًا علشان ميحسش بالوحدة وفي نفس الوقت مش قادر ينخرط معاهم تمامًا علشان حرام ده أولًا ثانيًا علشان دي مش حياته ولا أفكاره من الأساس وثالثًا علشان أنتِ في حياته.

بابا أنتَ كده بتبرر.

لا أنا بشرحلك القصة من منظوره هو، لازم قبل ما تاخدي رد فعل أو تكوني وجهة نظر تبصي على الأمور من كل الإتجاهات ومن بعدها تقدري تاخدي رد فعل على الحاجة، تليد غلطان وعايز ياخد قلم على وشه طبعًا بلا شك لكن في نفس الوقت هو بيحاول يجاهد نفسه لكن الموضوع باظ منه المرة دي ومع قرصة ودن مش هيكررها تاني.

وضح فؤاد مقصده والذي كان ينم عن عقل واعٍ، لم يروق حديثه كثيرًا لريتال لكن على الرغم من ذلك استطاعت فهم ما يرمي إليه حديث والدها لكن في الوقت ذاته شعرت بآلم داخل صدرها بسبب كلمات أرادت أن تبوح بها لكنها كانت تمنع نفسها ليس لشيء لكن لأنها لا تقوى على النطق بتلك الكلمات التي ستؤذي قلبها حينما تتفوه بها...

بابا أنا خايفة يحصل زي ما، زي ما، عبدالرحمن عمل مع ماما، أديتله الأمان وأستغل إنها بعيد.

لم تستطع ريتال نطق لفظة بابا أثناء ذكرها والدها البيولوجي فلقد فقد استحقاقه لهذا اللقب منذ زمن بعيد، أجبر فؤاد نفسه رسم ابتسامة صغيرة تنم عن تعاطف شديد وآلم لرؤية صغيرته على هذه الحال، ربت على كتفها بحنان بينما يقول:
أنا فاهم ومقدر خوفك وعارف إن التجارب اللي بنمر بيها بتشكل تفكيرنا ومشاعرنا في التجارب اللي بتيجي بعد كده لكن لازم تبقي عارفة إنكوا مش نفس الأشخاص ومش في نفس الظروف.

بس هو يا بابا عمل نفس الحاجة حتى لو مكنش قاصد أو مكنش متوقع إنها هتتفهم كده،.

عارف وعلشان كده لازم تعاتبيه وتتكلمي معاه بكل صراحة، قوليله الموضوع جرحني بزيادة مش علشان بس كدبت ولكن علشان بيتشابه مع تجربة مؤلمة مريت بيها، لو هو إنسان كويس وبيحبك فعلًا هيتفهم وهيدرك أد أيه هو جرح شعورك وهيحاول يخليكي تسامحيه بكل الطرق.

طالعته ريتال بأعين دامعة قبل أن تقضم أظافر يدها بتوتر شديد بينما تسأل سؤال تخشى سماع إجابته:
ولو متفهمش شعور وأتهمني بالجنون وإني بسقط كل حاجة بنمر بيها على تجربة ماما؟

يبقى مش ده الإنسان اللي يستاهل إنك تكملي حياتك معاه.

أغمضت ريتال عيناها سامحة بالدموع بالإنهمار قبل أن تومئ بحسنًا وتكفكف دموعها، استقام فؤاد من مقعده ليطبع قبلة على جبهتها قبل أن يقول:
نامي وإرتاحي دلوقتي والصبح إن شاء الله تتكلم أنتِ وهو وأكيد الموضوع هيتحل متقلقيش.

حاضر، تصبح على خير.

وأنتِ من أهله يا حبيبتي. أردف فؤاد متجهًا نحو الباب، فتحه بهدوء بعد أن خفض إضاءة الحجرة وقبل أن يغادر أوقفه صوت ريتال وهي تقول الآتي بإمتنان حقيقي.

بابا، شكرًا. ابتسم فؤاد قبل أن يغادر حجرتها تاركًا إياها تغرق داخل دوامة من الأفكار اللامنتهية، وبعد ما يقرب من الساعة ونصف من المحاولات الفاشلة للنوم توصلت ريتال أخيرًا إلى ما تنوي قوله لتليد في الصباح وتمكنت من النوم أخيرًا.

في صباح اليوم التالي استيقظت ريتال على رسالة من تليد، لقد أدرك حماقة ما فعله في الصباح لذا قرر أخذ الخطوة الأولى والإعتراف بالخطأ الذي أرتكبه.

صباح الخير يا حبيبتي، ممكن لما تصحي تكلميني وأنا هفهمك كل حاجة ليها علاقة بالصورة بهدوء وأرجوكي متاخديش أي رد فعل غير لما تسمعي مني الأول. قرأت ريتال رسالته بمشاعر مختلطة قبل أن تتجه إلى تطبيق الإنستجرام لتبحث عن الصورة لتجد أن تليد قام بحذفها بالفعل.

توجهت ريتال نحو الأسفل لتناول الفطار لتجد أن فؤاد لم يذهب إلى العمل بعد بل جلس إلى الطاولة إلى جانب يحيى وفريدة بينما كانت تُحضر والدتها الخبز، كان الضيق واضحًا على ملامح والدها لكنها لم تستطع أن تسأله بصراحة عن إذا ما دار شجار بينه وبين والدتها لوجود الصغار.

بابا حضرتك كويس؟

دماغي مصدعة شوية بس تمام.

سلامتك، هو أنتَ مش رايح المستشفى ولا أيه؟

قولت نفطر مع بعض الأول وبعدها هتحرك وبالمرة أوصلك الكلية في سكتي. أردف والدها وهو ينهي حديثه بغمزة لم تفهم ريتال مغزاها في البداية لكن سرعان ما أدركت أنه يريد منها التحدث مع تليد على راحتها خارج المنزل وفي الوقت ذاته وهو معها وأمام عيناه.

طول عمري بقول إن أنتَ أحلى أب.

صباح الخير. قالت زينة بحنق وهي تضع الطبق بقليل من العنف أعلى الطاولة ليرمقها فؤاد بنظرة حادة بعض الشيء لكن سرعان ما بدلها بواحدة أكثر حنانًا وهو يقول:
كلوا يا حبايبي.

يحيى تعالى جنبي علشان تاكل. وجهت زينة حديثها نحو صغيرها والذي لم يستجيب لها فورًا فلقد كان يحاول وضع ثلاثة من أصابع البطاطس المقلية داخل فمه لولا أن أوقفه فؤاد.

أنا هأكله يا زينة سيبيه.

مش هتعرف تأكله يا فؤاد وهدومه هتتبهدل.

ليه حد قالك إني جاهل في التعامل مع الأطفال؟ كنت عايش ببنتي لوحدي وبأكلها وأشربها وألبسها وكانت زي الفل عادي.

صدرت كلمات فؤاد حادة كنصل سيف في معركة، لم يرفع صوته ولم يُغير من تعابير وجهه الهادئة لكن كلماته تلك كانت كفيلة بدق ناقوس الخطر لدى زينة، للمرة الأولى منذ زواجهما يتحدث فؤاد عن حياته السابقة بصورة إيجابية أو بمعنى أدق بطريقة يُشير فيها إلى أن حياته لم يكن ينقصها شيء قبل ظهورها، بالطبع لم يتعمد فؤاد ذلك لكن تصرفاتها في الآونة الأخيرة كانت تثير غضبه حد الجنون لكن كونه حليمًا هادئًا بطبعه فلقد كان يحاول التحكم في أعصابه أغلب الأوقات وتجاهل عباراتها المستفزة لكن هذه المرة لم يستطع فعل ذلك.

ساد الصمت أثناء تناولهم للطعام قبل أن ينهض فؤاد أولًا عن الطاولة ليذهب لتبديل ثيابه ليقوم بإيصال فريدة إلى الأتوبيس الخاص بالمدرسة ومن ثم عاد إلى الداخل مرة آخرى لينتظر ريتال حتى تفرغ من تجهيزاتها ليقوم بإيصالها إلى الجامعة.

ماما أنا نازلة عايزة حاجة؟

لا، متتأخريش وخلي بالك على نفسك.

حاضر.

غادرت ريتال المطبخ لتجد أن فؤاد كان ينتظرها داخل السيارة بالفعل دون أن يودع والدتها على الأغلب مما جعلها تشعر بمزيج من الحزن والضيق فهي لم تراهم في هذه الحال من قبل حتى في ظل الخلافات التي نشبت بينهم مؤخرًا.

معلش كانت طريقتي مش لطيفة شوية على الفطار. كسر فؤد الصمت بمجرد تحركه بالسيارة إلى خارج المنزل، ابتسمت ريتال ابتسامة حزينة قبل أن تقول:
ولا يهمك يا بابا بس أنا قلقانة، مش عارفة ليه بقيتوا كده، الأول كان اللي يشوفكوا يسحدكوا من كتر ما أنتوا متفاهمين مع بعض.

ما غالبًا في عين حد رشقت في حياتنا بقى! بهزر، ده طبيعي بين أي اتنين بعد فترة بيحصل خلافات مع ضغوطات الحياة والزهق في بعض الأحيان بس كله بيتحل بإذن الله.

أتمنى يا بابا أنا بس خايفة، خايفة على أخواتي، مش عايزاهم يكبروا وهما حاسين بإن في مشاكل وعدم استقرار. ربت فؤاد على يدها برفق قبل أن يقول الآتي بلطف:
متقلقيش أوعدك محدش فيهم هيحس بحاجة واللي حصل الصبح مش هيتكرر المهم هركن قبل الجامعة عندك بشوية علشان تكلمي تليد. أومئت ريتال ولم تجادل كثيرًا، توقف فؤاد بالسيارة وقبل أن تتصل ريتال بتليد سبقها هو بمكالمة فيديو.

ردي عليه.

أجابت ريتال على المكالمة بتردد واضح، قامت بإسناد الهاتف على الحامل المتصل بالسيارة بيد مرتجفة فلقد وصل توترها إلى أقصاه.

صباح الخير.

صباح النور.

عاملة أيه؟ شوفتي المسدچ بتاعتي؟

شوفتها. أجابت ريتال بإقتضاب شديد ليعيد تليد خصلات شعره نحو الخلف بقليل من التوتر قبل أن يسألها:
طيب مردتيش عليا ليه؟

قولت نتكلم أحسن بدل ما أرد في مسدچ فطرت وجهزت للكلية وكنت هكلمك بس أنتَ سبقتني، وأدينا أهو بنتكلم وعلى فكرة أنا في العربية مع بابا. وضحت له ريتال وأعلمته بوجود فؤاد إلى جانبها فعليًا وليس مجازًا.

طيب كويس أوي، أول حاجة عايز أقولها إن الصورة دي قديمة والله العظيم.

قديمة من أمتى يعني يا تليد؟ من قبل ما نبقى مع بعض؟ من قبل قراءة الفاتحة؟

سألت ريتال بشك واضح فهي تعلم جيدًا أن تلك الصورة حديثة نسبيًا لأنها ببساطة تحفظ تفاصيل تليد عن ظهر قلب ومن السهل عليها تذكر الفترة الزمنية لكونه بلحية أو بدونها وكذلك تصفيفة شعره.

مش أوي يعني،.

تليد لو هتفضل تلف وتدور أنا هقفل الموضوع مش مستحمل تطول فيه خليك دوغري وصريح وقولي. كانت نبرة ريتال حازمة حادة لم يعهدها تليد من قبل لكنه كان متقبلًا لها فلقد كان لها كامل الحق في الشعور بالغضب والإستياء الشديد منه.

فاكرة ساعة قراءة الفاتحة لما قولتلك إن صحابي معملوش حفلة؟ كدبت، عملوا حفلة وروحنا سهرنا مع بعض، كانت مفاجأة ووالله أنا مشربتش أنا مسكت الإزازة أتصورت بيها علشان هما أصروا عليا.

لا وهي حاجة حلوة تتصور بيها فعلًا. سخرت منه بمرارة وهي تتحاشى النظر إلى وجهه.

أنا عارف إني غلطت بس والله كمان مرة أنا محطتهاش في بوقي والبنات دول مش تبعنا أصلًا دول موجودين في المكان وعيني عاملة كده من الإضاءة وعلشان كنت مطبق.

فسر تليد كل شيء أزعج في الصورة ولقد كانت تفسيراته منطقية قابلة للتصديق هذا من ناحية منطقية الأمر لكن بالنسبة للجرح الذي تسبب فيه فلم يتم حل تلك المشكلة بعد.

لم تُجيب ريتال عن أيًا مما قاله بل رفعت نظرها نحو فؤاد الذي جلس يستمع إلى ما قاله تليد في صمت، حينما لمح تليد نظرتها شعر بقلبه يحترق، لقد طعنها تليد في أكثر المواضع إيلامًا بالنسبة إليها؛ الثقة! الثقة التي عمل جاهدًا حتى يكتسبها ها هو ذا يضيعها بسذاجته من أجل متعة لحظات ضئيلة.

أنا عارف إني غلطت وعارف إنك كل مرة بتثقي فيا بخذلك بس صدقيني عمري ما كان قصدي، ريتال أنتِ أغلى حاجة في حياتي.

أغلى حاجة في حياتك تكدب عليا؟ تخدعني؟ تضيع في لحظة ثقتي فيك اللي قعدت وقت طويل أبني فيها؟ بتستغل إنك غايب عن عيني وإن عمري ما هعرف؟ كانت ريتال تتحدث بهجوم، ترمي تليد بالإتهامات التي نهشت عقلها منذ أن وقعت عيناها على تلك الصورة المشئؤومة، صُبغ وجه تليد بالحمرة وهو يحاول الدفاع عن نفسه.

يا ريتال مفيش الكلام اللي أنتِ بتقوليه خالص ده صدقيني أنتِ كده فاهمة غلط.

فاهمة غلط؟ يا تليد أنت قولت هتسافر علشان تدرس وتشتغل وبابا برضوا قال إنه مسافر يشتغل علشان نعيش حياة أحسن والنتيجة؟ بطل يحب ماما، واحدة تانية لفت عليه وخلته ينسى إننا موجودين وحتى لما أتجوزها على سنة الله ورسوله معدلش بينهم زي ما الشرع قال ده فضل معاها وبطل ينزل اجازات وتجاهلنا تمامًا، أنا مش هقدر أعيش نفس الجرح مرتين، هموت يا تليد لو بقيت مكان ماما هموت مش هستحمل.

كانت ريتال تتحدث بحرقة شديدة، قلبها ينزف مع كل كلمة تغادر ثغرها ودموعها لم تنفك عن الإنهمار بغزارة شديدة ولبرهة شعرت بالذنب أنها تُسقط عقدتها النفسية على تليد الذي لا ذنب له في تجربتها السابقة حتى وإن كان مخطئًا في هذا الموقف.

شعر تليد بغصة في صدره لرؤيته لحالتها تلك ولقد أدرك أن ذلك الجرح الذي خلفه والدها لن يُشفى أبدًا وأنه يتعين عليه طيلة حياتهم معًا أن يطمأنها بأن تلك التجربة لن تتكرر ولقد كان مستعدًا تمامًا لفعل لذلك حتى يومه الأخير في هذه الدنيا لكن بحماقته تسبب في جرح جديد بدلًا من العمل على إشفاء جرحها القديم، لقد أدرك مدى إخفاقه فبدلًا من أن يعمل على زيادة ثقتها فيه وأنه مختلفًا عن والدها فلقد جعلها تتأكد من أن جميع الرجال كاذبون مخادعون تجري الخيانة في عروقهم مجرى الدم.

أنا أسف أنتِ عندك حق في كل كلمة بتقوليها، أنا غلطان وأستاهل تزعلي مني بس أنا والله ما كان قصدي أزعلك، أنا خبيت علشان كنت عارف إنك هتضايقي وبصراحة مجاش في بالي حد يتذاكى وينزل الصورة.

يعني أنتَ شايف إنها غلطة اللي نزل الصورة مش غلطتك أنت من الأول؟

غلطتي والله العظيم غلطتي وأنا معترف بيها وأوعدك مش هتتكرر تاني وخلاص هانت وشوية وهرجع وهعيش في مصر تحت عينك ومعاكي. تحدث تليد بندم حقيقي جعل ريتال تتأثر قليلًا لكن سرعان ما تذكرت أن فعلته لا يجب أن تمر مرور الكرام وأن عليها التمسك بموقفها للمزيد من الوقت.

مش المهم تحت عيني المهم تبقى عارف إن ربنا شايفك ده أولًا ومن بعدها تبقى عارف إني واثقة فيك ومديالك الأمان ودي حاجات مش المفروض تضيعها علشان نزوات ووقت لطيف!

صح عندك حق وأنا كلمت عمو فؤاد وأعتذرتله وحكيتله كل حاجة ووعدته إني مش هعمل كده تاني. أفصح تليد عن ما أخفاه فؤاد عنها لحين الوقت المناسب، رفعت ريتال نظرها نحو والدها بتساؤول ليُشير لها بأن تُكمل المكالمة أولًا ومن ثم سيخبرها بكل شيء.

ماشي يا تليد بس خليك عارف إن دي آخر فرصة وبجد يا تليد لو خبيت عليا حاجة تاني مش هسامحك أبدًا.

مش هعمل حاجة كده تاني والله، خلاص فكي بقى ما لو فضلتي كده ولا هعرف أشتغل ولا أذاكر ولا أكل ولا أشرب وهيعلقولي محاليل بقى وأروح المستشفى وهتبقى مشكلة وذنبي هيبقى في رقبتك يا ريتال يا بنت طنط أم ريتال.

حاول تليد ممازحتها حتى يخفف من حدة الموقف في النهاية ابتسمت ريتال، عاهدها مرة آخرى بعدم تكرار ذلك الأمر ثم تمنى لها يومًا سعيدًا قبل أن يودعها ليذهب لإعداد الفطور قبل الذهاب إلى عمله، وبالطبع أدعت ريتال أنها مازالت مستاءة قليلًا وبكل تأكيد طلبت منه تحجيم علاقته بأصدقاء السوء أولئك - لم تجرؤ بالطبع على أن تطلب منه إنهاء علاقته معهم تمامًا - ولم يعارض تليد طلبها كذلك.

يعني تليد كلمك يا سي بابا؟ وخبيت عليا؟ هو في أيه حد قالكوا إني ضد الصراحة؟ سألته ريتال بمجرد أن أنهت مكالمتها مع تليد، ضحك والدها وهو يتحرك بالسيارة نحو الجامعة بينما يُجيب عن سؤالها قائلًا الآتي:
تليد كلمني من شوية قبل ما يكلمك وطبعًا سمع مني كلمتين، هو حكالي بنفسه كل حاجة وقال إنه ندمان لكن أنا محبتش أقولك حاجة زي كده قبل ما تكلميه علشان تفكيرك ميتغيرش ومشاعرك متتهزش.

لا يا بابا مش صح.

لا صح، لأنك لو كنتِ عرفتي إنه كلمني كنتِ هتسامحيه أسرع ومش هتسمعيه الكلمتين اللي زي الفل دول وهتتجاهلي مشاعر مينفعش تتجاهليها لكن دلوقتي قولتي كل حاجة عندك وسمعتي منه.

اه منك يا بابا ومن الآراء الفلسفية بتاعتك دي، بس عامة عندك حق فعلًا، المهم إنه أتصالحنا لأني بتضايق لما بنزعل من بعض، أنا بتضايق إنه بيزعلني أكتر ما بتضايق من الحاجة اللي عملها نفسها مش عارفة حضرتك هتفهمني ولا لا، بس أنا مش عايزة نتخانق مش عايزة نزعل من بعض ومش عايزة أنه يعمل حاجة تضطرني أتخانق معاه وأخد منه موقف.

فاهمك؟ ده أنا حافظ اللي بتقوليه صم، المهم سيبك بقى من الكلام ده كله وركزي في اللي هيتقال في المحاضرات والتجهيزات بتاعت العملي علشان خلاص كلها أسبوعين وامتحاناتك تبدأ.

حاضر يا بابا متقلقش، شكرًا عالتوصيلة وشكرًا عالمساعدة في حل المشكلة.

عفوًا، خلي بالك على نفسك.

ودعها فؤاد واتجه إلى مقر عمله، كان عقله مازال عند زينة والأولاد حيث أخذ يلوم نفسه على ما قاله في صباح اليوم حتى وإن كانت زينة قد اخطأت وأثارت غضبه فما كان عليه أن يفقد أعصابه ويؤلمها بكلماته.

بعد مرور بضع أيام مرت هادئة نسبيًا حتى جاء مساء أحد الأيام حيث أجتمعت الأسرة على الغداء معًا ولكن ليس بمفردهم فلقد طلبت خالة فريدة أن تزور ابنه أختها - رحمة الله عليها - ولأن فؤاد لا يحبذ تناول الأطفال الطعام من الخارج فلقد دعاها لتناول الغداء معهم في المنزل وقضاء القدر الذي تريده من الوقت برفقة فريدة ولقد مرت الليلة بسلام أو هكذا كان يحسب فؤاد حتى اللحظة التي غادرت فيها الشابة منزلهم حيث بدأت الليلة الحقيقة!

أتمنى إن وجودي مكنش مضايق سيادتك النهاردة يا فؤاد ولا أقولك ياريت تعرفني قبل ما هي تيجي المرة الجاية علشان أسيبلكوا البيت خالص علشان تاخدوا راحتكوا.

أيه مناسبة الكلام السخيف اللي ملوش لازمة ده يا حبيبتي؟ حصل أيه لكل ده؟

بطل تكلمني بنبرتك الباردة دي يا فؤاد! بدل ما تقولي أنا أسف ولا حقك عليا ولا كلمة حلوة تخليني أعدي اللي حصل؟

ما أنا مش قادر أفهم يا زينة شوفتي أيه مني علشان تقولي حاجة زي كده؟ أعتذر عن أيه؟ عملت أيه علشان أعتذر عليه؟ تحدث فؤاد بنبرة صارمة لكن حاول قدر الإمكان الحفاظ على نبرة صوته كي لا يصل صوت الشجار إلى غرف أولادهم لكن ذلك لم يكن يشكل فارق بالنسبة إلى زينة التي صاحت قائلة الآتي بنبرة تفوح منها غيرة غير صحية:.

شوفت نظراتها ليك وتصرفتها الغريبة وأنت مش هنا، وبعدين أنت بقيت تتأخر أوي، في حاجة مش مضبوطة!

زينة زينة حبيبتي أهدي كده وأسمعيني، أنا مش عبدالرحمن أنا فؤاد، فؤاد جوزك اللي بيحبك ومش بيشوف غيرك طلعي الأوهام دي من دماغك!

خلاص بقيت بتوهم وبقيت مجنونة، البيت كله بقى مرضى نفسيين؟ صرخت زينة في لحظة إنفعال ساخرة من حديث فؤاد دون أن تُدرك الإهانة التي وجهتها نحو ابنتها عن غير العمد والأسوء أنها لم تكن تعلم أن ريتال مازالت مستيقظة وأنا صوتها قد وصل إلى مسامع ابنتها وقلبها كذلك...

هو أحنا كل مرة هنتناقش فيها وتتزنقي في الكلام هتخبطي في الناس اللي حواليكي كلها؟ مالك يا زينة في أيه؟

صاح فؤاد موبخًا إياها بقوة فهو لم يقبل أن تتحدث زينة عن ريتال ومرضها النفسي بهذه الطريقة القاسية لكن كالعادة قد سقطت زينة داخل دور الضحية وسألت فؤاد بإستنكار شديد:
مالك أنتَ يا فؤاد؟

لا بجد والله مالك؟ لسه من قريب خرجنا وأتفسحنا وأتبسطنا وبنتك اللي أنتِ بتغلطي فيها دي فضلت قاعدة مع ولادنا علشان تسيبنا على راحتنا وفي هدوء تقومي تتكلمي عنها بالإسلوب ده؟ بنتك اللي بعد كل خناقة بتهديني وبتحاول تصلح بينا علشان بتحبك تقولي عنها كده؟

أنا مش فاهمة أيه اللي دخل ريتال في كلامنا دلوقتي؟

أنا برضوا اللي بدخلها في كلامنا؟ لا أنتِ بجد بقيتي حاجة صعبة يا زينة عن إذنك بقى علشان عندي شيفت في المستشفى، واه خدت الشيفت بليل علشان أقضي معاكي اليوم أنتِ والولاد بس الظاهر إن حتى ده مبقاش كفاية إنه يسعدك ويقلل المشاكل بينا. صاح فؤاد وهو يسحب المعطف خاصته وحقيبته ويتجه نحو الخارج متجاهلًا نداء زينة له، غادر المنزل دون أن يودع أطفاله على غير العادة فهو لا يريد منهم رؤيته في هذه الحال فيكفي ما سمعوه بكل تأكيد.

أخذت زينة تبكي بإنهيار شديد في حجرتها وحينما اتجهت إليها ريتال تحاول مواساتها نهرتها زينة بقوة وطلبت منها مغادرة الحجرة حيث أرادت البقاء بمفردها لكن ريتال تجاهلت كل ما قالته والدتها وبقيت منها على الرغم من كلماتها الجارحة القاسية.

ومرة آخرى وجدت ريتال نفسها تعتني بمن يكبرها في العمر وأصبحت هي من توفر الحماية والدعم لوالدتها لا العكس أو ربما كانت كذلك طيلة الوقت فلقد كانت والدتها عبارة عن طفلة صغيرة خائفة مفزوعة تختبئ داخل جسد امرأة، لم يكن من العدل أن يقع على عاتق ريتال حل مشكلات والدتها لكن في الوقت نفسه لم يكن هناك بديل ففي النهاية هي أمها التي تُحبها وتكره رؤيتها حزينة كما أن أكبر هموم ريتال كانت تتشكل في يحيى وفريدة والتي أرادت حمايتهم وتخبئتهم داخل قلبها لو استطاعت كي لا يمروا بالتجربة القاسية التي مرت بها ريتال وفي تلك اللحظة تذكرت شقيقها الثالث يوسف، ذلك الفتى الذي أنشغلت عنه تمامًا ولم تعد تراه ليغزوها شعور أكبر بالذنب حتى شعرت بأن قلبها قد تحطم إلى قطع صغيرة ومع كل قطعة سكن أحد أحبائها.

في عصر اليوم التالي وبعد انتهاء ريتال من أحدى الإختبارات توجهت إلى المستشفى حيث يعمل فؤاد، طرقت ريتال الباب بعد أن أخبرتها الممرضة بأنه متفرغ، فتحت الباب بهدوء بينما تقول الآتي بمرح:
يا ترا سيادة الدكتور بابا مشغول مع حد؟

أهلًا أهلًا، وأنا أقول العيادة منورة ليه؟ تعالي يا حبيبتي أتفضلي.

زعلانة منك.

عارف، علشان أتخانقت مع زينة مش كده؟

لا دي مشاكل الكبار مليش دعوة بيها لكن اللي ليا دعوة بيه إنك كنت واعدني تحضرلي فطار النهاردة ونفطر مع بعض قبل الإمتحان وصحيت وكنت لسه مرجعتش من المستشفى.

طب ميمشيش معاكي غداء عالبحر بدل الفطار اللي فاتنا في البيت؟

أيوا كده يا بابا هو ده الكلام.

أخذت تخبره ريتال عن أحوالها في الجامعة في طريقهم إلى هناك ولم تنفك تشكو عن صعوبة الإمتحانات العملية كلما أقتربت من سنوات التخرج وبعد وصولهم إلى المطعم وأثناء انتظارهم وصول الطعام تحدثت ريتال عن والدتها أخيرًا.

كنت فاكرة إن حضرتك مش هتسيبها لدماغها زي كل مرة. أردفت ريتال بدهشة، بالطبع لم تكن تلومه على تصرفه فهي تعلم أن أحيانًا ما تكون عصبية والدتها وردود أفعال والدتها غير قابلة للتحمل لكن في الوقت ذاته لم تستطع إخفاء تعجبها من عدم تصرف فؤاد بطريقته المتفهمة المعتادة.

أنا كل مرة بعمل كده فعلًا بس المرة دي بقى لازم أسيبها لدماغها، لازم تحط احتمالية إني ممكن أمشي بجد وأخد موقف حقيقي مش أتصالح بكلمتين علشان زعلها غالي عندي.

بس يا بابا الموضوع المرة دي غير، الغيرة بتعمي وبتخلي الواحد يتصرف بطريقة مش منطقية أحيانًا وأكيد حضرتك عارف وبجد حضرتك مش متخيل ماما منهارة ازاي. حاولت ريتال جعل فؤاد يتعاطف مع زينة ظنًا منها أن موقف قد يتغير ببضع كلمات لكن في الواقع لقد كان فؤاد مستاءًا للغاية من تصرف والدتها.

طب ما أنتِ كنتِ غيرانة على تليد ومجروحة منه بس بالرغم من كده سمعتيه وسمعتي المبرر بتاعه وقبلتي إعتذاره كمان حتى ولو قدامه لسه واخدة موقف منه لكن زينة مش بتسمع، مش عايزة تقتنع بحاجة غير اللي في دماغها وأنا أصلًا المرة دي مغلطتش في حاجة.

حضرتك عندك حق طبعًا بس برضوا تجربتها الأولى كانت، كانت بشعة يا بابا وحضرتك أكتر واحد عارف حاجة زي كده.

يا حبيبتي عارف وبراعي والله وأنا أصلًا من الأول بحط حدود مع أي ست تانية علشان خاطر ربنا في المقام الأول ومن بعدها علشان خاطر زينة ومشاعرها وعلشان أنا من الأساس مش شايف ولا عايز حد غيرها.

وضح فؤاد وجهة نظره لتبتسم ريتال ابتسامة صغيرة مشوبة بالحزن، لقد كان فؤاد يحاول جاهدًا لإبقاء علاقته بزينة مُريحة ومستقرة بشتى الطرق لكن خوف والدتها الدفين من الهجر - والشكر يعود لتجربتها السابقة - جعلها تُعجل في الأمر خشية حدوثه بعد مدة دون أن تتوقع حدوثه.

أول لما زينة دخلت حياتي وفي أول جوازنا خالص كنت براعي إنها غيرانة من والدة فريدة الله يرحمها وقولت عادي الستات بيغيروا حتى من الملكة نفرتيتي اللي ماتت من آلاف السنين مش هتغير من واحدة ماتت من كام سنة بس وكنت بحبها؟ وعديتها لكن تيجي دلوقتي وتتهمني أنا وخالة فريدة بالكلام اللي بتقوله فده شيء مش هقبله أولًا علشان خاطر عطر وكرامة خالتها اللي هي من كرامة والدتها يرحمها وعلشان عيب أوي بعد كل ده زينة تشك فيا.

بصراحة هي دي ألشت من ماما شوية بس برضوا يا بابا أنا مش بقول كلام ماما صح بس حضرتك صغير وقمور وفي مركز حلو في شغلك فممكن تلفت نظر ستات كتير حواليك وبنات في سني كمان والله.

هعدي البكش ده كله وهفترض إن كلامك صح، واحدة معجبة بيا وبتحاول معايا وأنا مش مديها وش وحاطط حدود وبقلل إختلاط قدر الإمكان تقوم برضوا زينة تشك فيا وتغلطني أنا؟ فتحت ريتال ثغرها كانت تنوي قول شيء ما للدفاع عن والدتها لكنها لم تجد الكلمات المناسبة لذا صمتت وظلت تنظر إلى أبيها في حيرة.

شوفتي معندكيش حاجة تقوليها ازاي؟ عامة أنا كده كده شايف المشكلة مش كبيرة وتتحل بكلمتين وحضن بس أنا هسيبها يومين تلاتة كده لحد ما تيجي تصالحني مش علشان أي حاجة بس علشان تُدرك بنفسها إنها غلطت في حقي وإني عادي جدًا ممكن أزعل وأخد موقف ومش كل مرة هنجري كلنا علشان نصالحها مهما كنا بنحبها.

أومئت ريتال بتفهم وفي داخلها أخذت تحمد الله أن رزقها هي ووالدتها بشخص متفهم مثله، لقد كان فؤاد بقعة مضيئة داخل حياة كلًا منهم لكن لأن من أعتاد القلق ظن أن الطمأنينة فخًا فلقد كانت زينة تشك في تصرفات فؤاد دائمًا وكل مرت فترة من الإستقرار والهدوء داخل المنزل تشعر هي بأن هناك شيء ليس على ما يرام.

أنا شايفة إن ماما محتاجة تتابع مع الدكتورة بتاعتي بس هي مش هتتقبل مني طبعًا كلام زي ده وهتقول إني بتهمها بالجنون مع إنها كده هتبقى بتغلط فيا أنا أساسًا!

قالت ريتال بمزاح ليُطالعها فؤاد بإستياء وقد زم شفتيه حينما أدرك من كلمات ريتال أنها سمعت ما قالته زينة عنها في الليلة السابقة مما جعله يشعر بالذنب بأنه لم يحتوي الشجار ويُنهيه على الفور.

أنا أسف عالكلام اللي سمعتيه، أكيد هي مكنش قصدها تقول كده.

صدقني يا بابا مبقاش يفرقلي والكلام ده آخر همي أنا بس عايزة ماما تبقى أحسن، يمكن لو روحتوا لدكتور متخصص في العلاقات ممكن يساعدكوا تعرفوا تتعاملوا مع بعض، أنا عارفة طبعًا إن حضرتك معندكش مشكلة في التواصل بس مش هينفع نجيب الموضوع في ماما لوحدها.

فاهم اللي بتقوليه وفكرة مش وحشة لكن مش هينفع في الوقت الحالي، نعدي بس اللي حصل وبعدها هشوف الموضوع ده، يلا كملي أكلك.

بعد أن فرغ كلاهما من تناول الطعام عاد كلاهما إلى المنزل، ألقى فؤاد التحية على زينة بإقتضاب قبل أن يُبدل ثيابه ويذهب للعب مع أولاده متجاهلًا وجودها تمامًا تجنبًا لمزيد من الشجار.

في ذلك الوقت وبالعودة إلى القاهرة كانت نانسي تقضي وقتها داخل أحد المولات التجارية بدلًا من المذاكرة من أجل الإختبارات التي كانت على الأبواب لكنها لم تكترث كثيرًا كالمعتاد.

يا نانسي بقالنا فوق ال 3 ساعات بنلف ومشيلاني شنط وعمالة تاخدي رأيي في ألوان حاجات كلها بالنسبالي لون واحد وفي الآخر لما صاحبتك تشوفنا صدفة تقوليلها ده أخويا؟ أخوكي منين مش فاهم أنا؟

سألها صالح بإستنكار شديد بينما وقفت نانسي في حيرة تحاول اختيار أي درجة من درجات اللون الوردي ستناسب لون بشرتها، تأفف صالح مرة آخرى لذا اضطرت نانسي للإجابة عن سؤاله.

طب ما أنت أجمل وأجدع أخ يا صالح وبعدين قول بقى إنك مقموص علشان الفلوس اللي أنتَ دفعتها.

دول كلهم خمستلاف جنيه يعني يا نانسي فداكي يا حبيبتي.

لا إله إلا الله ما قولتلك أحاسب أنا تخنتلي صوتك والشنب طلع وقولتلي تحاسبي ازاي وأنا موجود وعيب على رجولتي وعيب على أخلاقي وعملتلي فيها سي السيد. علقت نانسي ساخرة منه وهي تقلد نبرة صوت صالح ليُطالعها بحنق قبل أن يقول الآتي بإستنكار واضح:
طب ما هو مينفعش تدفعي وأنا موجود فعلًا!

كده كده بابا هيحاسبك عالجزمة فيما عدا ال Coffee يعني اللي شربتها أصل تبقى معفن أوي لو خدت منه فلوسها.

هو أيه الحوار الزبالة ده؟ مبتعرفيش تتكلمي عدل أبدًا يا بنتي؟ سألها صالح مستنكرًا لتقلب نانسي عيناها بتملل قبل أن تقول:
لا ما أنت عايز تخطبني فياريت تتعود من دلوقتي بقى، كل حاجة على نور أهي علشان متقولش إني كنت بمثل قبل الخطوبة والجو ده.

أفهم من كلامك إنك موافقة؟

وحياة عمتو؟ طب أمسكي دول كده، أنا زهقت. سلام عليكم. صاح صالح وهو يُلقي بالحقائب في يده ويتحرك مبتعدًا عنها بغيظ شديد.

استنى بس يا صلوحتي متبقاش قفوش أوي كده، ده أنت رهيب يا أخي. تمتمت نانسي وهي تلحق به قبل أن يتوقف ويحمل عنها الحقائب مرة آخرى.

صالح هو لو ريتال سابت تليد ورجعت ظهرت من تاني في حياتك هتسيبني وترجعلها؟

تسيبني دي معناها إن أحنا مع بعض فهل أحنا مع بعض أصلًا يا نانسي؟ باغتها صالح بسؤاله الذي لم تكن تتوقعه فلقد كانت تنطق بما يخطر على بالها دون أن تُلقي بالًا بما سيكون رد المستمع لها، أزدردت ما في فمها بصعوبة قبل أن تقول:
لو أعتبرنا إن أحنا دلوقتي مع بعض يا صالح، لو ريتال رجعت تاني بقت موجودة بشكل أساسي في حياتك هتسيبني وترجعلها؟

لا. أجابها دون ذرة تردد لتُضيق نانسي عيناها بشك قبل أن تسأله بجدية:
واثق أوي من إجابتك؟

مش أول مرة تسألي السؤال ده سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وإجابتي هي هي في كل مرة لو خدتي بالك.

أصلك حبتها يا صالح وأول حب بنحبه بجد عمره ما بيتنسي ولا بنعرف نتخطاه.

زي ما أنتِ متخطتيش أدهم كده؟ صُعقت نانسي مما قاله صالح، طالعته بثغرٍ فارغ وأعين زائغة لا ترى بوضوح وكأن كلماته قد عصفت بها إلى أرض بعيدة فلم تعد تقف أمامه ولا تسمعه، ضحكت نانسي ضحكة متوترة وهي تتحاشى النظر إلى عيناه لا تدري ماذا تقول وظل الوضع هكذا لبرهة قبل أن تنطق أخيرًا مُردفة الآتي:.

أنتَ بتردهالي؟ حقك عامة ما أنا اللي بدأت ودوست عالجرح الأول. مازحته نانسي بمرارة ليتوقف صالح عن السير ويقف أمامها قبل أن يعتذر منها بندم حقيقي غير معهود مُردفًا:
أنا أسف مكنش المفروض أقول كده، أحنا الإتنين اتجرحنا ومرينا بتجارب صعبة بس أحنا مش لازم نفكر بعض بيهم كل شوية علشان نعرف نتخطى.

شكرًا إنك أعتذرت بس يا صالح أحنا كده بنمو? أون ببعض مش بنتخطى الحاجة كل واحد لوحده علشان نعرف ندخل علاقة جديدة.

كانت نبرة حديث نانسي الجادة الجديدة نسبيًا مُبهرة بالنسبة إلى صالح والذي بدأ يرى جوانب آخرى - عقلانية - داخل نانسي لم يكن ينتبه لها من قبل، لقد كانت فتاة لطيفة ورائعة وتملك تفكير جيد لكنها كانت بحاجة إلى فرصة للتعبير عن ذاتها لا أكثر.

أنا عن نفسي شايف إني اتخطيت موضوع ريتال لو أنتِ شايفة إنك لسه بتفكري في أدهم فا دي حاجة تانية.

الله بص الهودي ده هيبقى تحفة عليك! صاحت نانسي بحماس شديد متجاهلة تمامًا ما قاله صالح والحديث الجاد الذي كان يدور بينهم قبل قليل، لم تمهله الوقت ليستوعب ما يقول بل قامت بسحبه من أكمامه نحو المتجر.

أمسكت نانسي بال الهودي الذي راق إعجابها قبل أن تضعه على جسد صالح في محاولة منها للتأكد إذا ما كان القياس يناسبه أم سيكون بحاجة إلى واحدٍ ذو قياس أكبر كما كانت تفعل والدته - رحمة الله عليها - في صغره ولوهلة شعر صالح بموجة من ال Nostalgia تعصف بقلبه ومشاعره، ابتسم رغمًا عنه وهو يقول لها:
أيه اللي أنتِ بتعمليه ده؟ يالهوي عالفاضائح!

ششش أسكت، حلو ده روح جربه ولو طلع حلو نشوف بنطلون يليق عليه.

طب ثواني أشوف سعره،.

ملكش دعوة أنت ده هدية يلا جربه بس. ابتسم صالح رغمًا عنه ولا يعرف لماذا لكنه نفذ طلبها دون المزيد من الجدال وعلى غير المتوقع لقد كان يبدو مناسبًا للغاية ولم تُخطئ نانسي اختيار القياس.

أيه رأيك؟

تحفة تحفة تحفة، كده كده مفيش حاجة بختارها وبتطلع مش حلوة ما عدا الرجالة طبعًا بش غير كده ذوقي توب، خد بقى الكارجو ده قيسه عليه هيبقى تحفة.

بس يا نانسي،.

يلا انجز عندي مذاكرة بقى.

انتهى الأمر بصالح وقد ابتاعت له نانسي الثياب على سبيل الهدية، بالطبع تشاجر كلاهما كثيرًا أثناء الدفع لكن نانسي قد أصرت وأخبرته بأنه قد أنفق جميع راتبه عليها طيلة الشهر فلا باس بأن تفعل هي هذا لمرة على سبيل التغير.

أنا اتبسطت أوي بالخروجة بتاعت النهاردة دي.

وأنا كمان بس أعملي حسابك مفيش خروج تاني لحد ما تخلصي امتحانات علشان عايزين نطلع مصيف عائلي كده الصيف الجاي ومش عايزين حضرتك تنزلي سمر كورس وتبوظي الخطط.

أنا شايفة إن الأجواء العائلية هتاكل منك حتة، عامة حاضر يا سيدي مش هقولك لا.

أنا مش مصدق نفسي بتقوليلي حاضر؟ أنا هموت ولا أيه؟ علق صالح بسخرية لتقلب نانسي عيناها بتملل قبل أن تقول الآتي:
ده أنت عيل أو?ر وبعدين مش هتبقى خطيبي وبتاع وهقولك حاضر وعيوني والحاجات دي.

ده يوم المُنى، نخلص من موضوع امتحاناتك دي وبعدها نشوف موضوع الخطوبة.

المهم العرض يفضل قائم بس.

هيفضل قائم متقلقيش.

ابتسمت نانسي ابتسامة واسعة قبل أن تضم الحقائب نحو صدرها بحماس وهي تتجه إلى داخل السيارة، لقد شعرت نانسي بسعادة لم تشعر بها منذ مدة وفي داخلها بدأت تشعر بأن شعورها نحو صالح بدأ يختلف قليلًا وكأن قضاءهم للوقت معًا قد جعلها تكتشف جوانب آخرى من شخصيته ومن شخصيتها هي كذلك.

بالعودة إلى الإسكندرية كان فؤاد قد فرغ من تناول العشاء برفقة أسرته قبل أن يُبدل ثيابه مرة آخرى استعدادًا لمغادرة المنزل.

فؤاد هو أنتَ رايح فين؟

خارج. أجاب بإقتضاب دون البوح بأية تفاصيل عكس ما يفعله في العادة، عقدت زينة ذراعيها أمام صدرها قبل أن تسأله بإستياء واضح:
أيوا خارج رايح فين؟ الوقت متأخر والجو بيبقى برد دلوقتي.

هروح أبات في العيادة.

أنتَ بتعاقبني يعني؟ كل ده علشان بغير عليك وبحبك؟ أنت شايف إنك كده عادل؟ ألقت زينة باللوم على فؤاد كالعادة بدلًا من مواجهة نفسها، ابتسم فؤاد ابتسامة صغيرة قبل أن يقول الآتي بهدوء تام:
اه، تصبحي على خير يا زينة، لما تتعلمي تتكلمي معايا كويس نبقى نكمل كلام يا حبيبتي.

فؤاد أنتَ بجد هتمشي وتسيبني؟

مع السلامة يا زينة. أردف بهدوء شديد وهو يُغلق الباب من خلفه تاركًا إياها في حالة من الذهول.

فؤاد استنى طيب، أنا أسفة، مش هعمل كده تاني بس متسبنيش وتمشي، مش بعرف أنام وأنتَ مش جنبي، أردفت زينة وهي تهرول من خلفه وتمسك بيده، تجمد فؤاد للحظة وهو يفكر فيما عليه أن يفعله هل يستمر في خصامه معها أم يكفي ما فعله حتى الآن.

تعالي هنا. تمتم بلطف وهو يجذبها برقة في عناق لطيف لتنهمر دموعها على صدره، داعب خصلات شعرها بحنان قبل أن يقول:
خلاص متعيطيش، أنا كنت متضايق منك أوي يا زينة علشان شكك فيا بيجرح شعوري وبيضايقني وزي ما أنا بثق فيكي ومديلك الأمان لازم تعملي أنتِ كمان نفس الحاجة معايا.

حاضر أنا أسفة.

خلاص كفاية دموع، روحي أغسلي وشك وتعالي نقعد في الجنينة نشرب حاجة مع بعض. أومئت زينة بحماس طفولي وهي تتجه نحو دورة المياه داخل الحجرة، فتحت ريتال باب حجرتها بهدوء ليُشير لها فؤاد بأن كل شيء على ما يرام فتبتسم له بسعادة وتعاود دخول حجرتها مرة آخرى وقد اطمئن قلبها أن الخلاف قد انتهى.

قضى فؤاد ليلته في الحديقة برفقة زينة، تحدث كلاهما عن كل شيء يدور في ذهن كلًا منهم والأشياء التي تجعله يشعر بالضيق والأشياء التي تجعلها تشعر بعدم الراحة، لقد كان حديثهم مُثمر لطيف لا يخلو من الحب والمشاعر الرقيقة.

مرت الأيام التالية بهدوء شديد فيما عدا التوتر الذي شعرت به ريتال بسبب الاختبارات كالمعتاد لكن دعم فؤاد وجدها الذي كانت قد أنشغلت عنه في الآونة الأخيرة قد ساعدها على تخطي تلك الأيام الصعبة حتى وصلت إلى الإختبار الأخير لواحدة من أصعب المواد الدراسية بالنسبة إليها.

شوفوا يعني أنا دخلت الإمتحان وخرجت منه وبرضوا مش فاهمة المادة بتتكلم في أيه. تمتمت ريتال بضيق وهي تنظر إلى الأوراق في يدها، قلبت رزان عيناها قبل أن تقول بغيظ:
بتقعدي تقولي كده يا ريتال وبنلاقيكي جايبة امتياز في الآخر.

أعوذ بالله أهو شكلي هشيلها بجد علشان ترتاحي وبعدين أنا والله عمري ما قولت كده علشان الحسد ولا علشان أخبي بس أنا فعلًا ببقى خارجة ومقتنعة إني عكيت الدنيا كرم ربنا وتوفيقه بقى دي حاجة تانية.

ريتال عملتي أيه؟ عايزة أقولك شكرًا على الورق والملخصات اللي بتبعتيها عالجروب بجد مفيدة. صدرت هذه الجملة من مازن الذي لم تُدرك ريتال وجوده في البداية.

عفوًا، أنا يعني مش عارفة بصراحة عملت أيه بس إن شاء الله هعدي. أردفت وهي تبتسم ابتسامة مجاملة بينما عاودت النظر إلى هاتفها فلم يُجيب تليد على رسائلها منذ أمس أما عن الإسبوع الماضي بأكمله فلم يكن يتحدث إليها كثيرًا وكان حديثه مقتضبًا أغلب الوقت.

حاولت ريتال تجنب الحديث مع أي شخص فمبجرد مغادرة قاعة الإمتحانات يُباشر الكل أسئلتهم عن إجابات الأختبار وكأن ريتال هي من وضعته وليست مجرد طالبة مثلهم لا تملك كل الإجابات ولا تعلم أيهم الصواب وأيهم الخطأ!

أنتِ إجابة السؤال التاني عملتيها A ولا C؟

جاءها هذا السؤال بغتة من أحدهم ومن سخافة السؤال لم تستوعب ريتال في البداية لمن ينتمي هذا الصوت وقبل أن تُجيب عن السؤال بنبرة لا تخلو من الملل ألتفتت نحوه لتُدرك أنه، تليد!
#MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#MP#
تليد! تمتمت ريتال بلهفة وهي تبتسم ابتسامة واسعة وقد لمعت عيناها.

عيون تليد. أردف وهو يعيد خصلات شعره الملفوفة والتي زاد طولها نحو الخلف، غرقت ريتال في حسنه وملامحه التي أشتاقت لها حتى شعرت بأن الكون من حولها يتلاشي، لا بشر، لا اختبارات، لا بكاء، لا أصوات لا شيء، لا شيء سواه هو!
أنتَ، أنتَ جيت أمتى؟ حمدلله على السلامة.

ياسين جابني من المطار على هنا أو يعني، وقفنا كلنا سمك يعني وبعدين جيت.
سمك عالصبح كده؟

هو السمك بمواعيد عندكوا في اسكندرية ولا أيه؟ سيبك أنتِ بصي وشك نور ازاي لما خلصتي من المذاكرة والامتحانات؟ تعالي بقى أعزمك على غداء حلو كده.
طيب ثواني أسلم على صحابي، ما تيجي أعرفك عليهم؟ طلبت منه ريتال بحماس شديد، لم تكن ريتال في العادة اجتماعية أو تحب مشاركة أي شيء خاص بها لكن في تلك اللحظة شعرت وأنها تريد أن تقدمه إلى دائرة معارفها الضئيلة في الجامعة.

بنات، تليد خطيبي، تليد دول رزان وياسمين وندى صحابي.
أنتَ بقى اللي عليه العين؟ ألف مبروك.

الله يبارك فيكي شكرًا، أكيد هتشرفونا بقى في الخطوبة إن شاء الله مش كده؟ سأل تليد لتدعس ريتال على قدمه فهي لم تكن تنوي دعوة أحد خارج إطار العائلة إلى حفل الخطبة فهي لا تشعر بالراحة في وجود عدد كبير.
المهم ريتال تعزمنا بس.

هو أنتوا محتاجين عزومة أصلًا؟ حاولت ريتال أن تكون لطيفة قدر المستطاع.
طب أيه أنتوا مطولين؟ مش تروح تخرج البنت بقى وتفسحها ما صدقنا خلصنا امتحانات.

ما أنا كنت هقولكوا عن إذنكوا دلوقتي حالًا بس...
في حاجة يا كابتن؟ وجه تليد سؤاله لذلك الشاب الواقف على مسافة ليست ببعيدة والذي كان تركيزه منصبًا على الحديث الذي يدور بينهم.
أنتَ بتكلمني أنا؟

لا بكلمني أنا.
تليد ده مازن، أردفت ريتال وكادت أن تُكمل حديثها لتُخبره من يكون لكن تليد سبقها مُعلقًا بالآتي بنبرة جمعت بين السخرية والإستياء في وقت واحد:
لا والله؟ أهلًا وسهلًا حصلنا الشرف يا أستاذ حازم، مين ده يعني؟
زميلي، زميلنا من الشلة يعني.

أيوا ده من أمتى يعني؟ وأنا ليه معرفش عنه حاجة ده؟ كان تليد يتحدث بإنفعال لكنه حاول قدر الإمكان الحفاظ على نبرة صوته، كان الشرار يتطاير من عيناه بسبب شعور الغيرة الذي انبعث من داخله.
طيب أهدى وأنا هشرحلك، يلا نمشي.

لا أقفي أشرحيلي بقى الأول.
تليد أنتَ جاي تعملي مفاجأة ولا جاي نتخانق قدام الناس وتحصل مشكلة؟

هو أنتَ بتتكلم معاها كده ليه؟ سأل مازن متدخلًا في الحديث لتسب ريتال أسفل أنفاسها، لقد كان تصرفه ساذجًا، غير مبرر ولا داعي له فالآن بدلًا من أن تحاول امتصاص غضب تليد سيكون عليها أن تحول بين شجار سيقع لا محالة.

هو في أيه يا نجم؟ حاشر مناخيرك ليه؟ خطيبتي وبتكلم معاها أنتَ مال، استغفر الله العظيم. كاد تليد أن يسبه لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، أمسكت ريتال بيده في محاولة بائسة منها لجعله يهدأ كي لا يتصاعد الأمر أكثر فلقد بدأ الطلاب يلتفتون نحوهم.

تليد تليد خلاص لو سمحت.
لا مش خلاص لما نشوف ماله ده!

في أيه يا نجم هو أنتَ جاي في خناق يعني؟ سأل مازن محاولًا إظهار نفسه كشاب صايع ومخربش لكن ذلك جعل تليد يسخر منه أكثر حيث صدرت منه ضحكة مستهزأة قبل أن يقول: ده أنتَ لسه متعلمها جديد؟ يلا يا بنتي نمشي من هنا مش ناقصة لعب عيال. أردف تليد وهو يشير بيده نحو البواب كي ترافقه ريتال نحو الخارج، أومئت هي بحرج شديد قبل أن تسير معه وقبل أن ترحل ألتفتت نحو مازن لتهمس ب أسفة.

في الخارج كان ياسين ينتظر داخل السيارة وبرفقته فريدة والتي كانت عابسة الوجه وعلى ما يبدو أن هناك شجار دار بينها هي وياسين كذلك، فور رؤيتهم بدلت فريدة المقاعد بحيث تجلس في الخلف إلى جانب ريتال وتليد جلس بجانب ياسين، رحبت بهم ريتال بفتور قبل أن تتابع جدالها مع تليد.
أنتَ جاي تعملي مفاجأة ولا جاي تعملي مشاكل في الجامعة؟ يا سيدي هو أتدخل ولا استفزك سيبك منه!

يعني أيه أسبني منه؟ هو أنا مش قادر عليه يعني؟ ده حتت عيل ولا يسوى. أردف وليد بحنق شديد لتُطالعه ريتال بغيظ قبل أن تقول: ما أحنا مش داخلين خناقة يا تليد! وبعدين لو سمحت متغلطش فيه ده زميل محترم والولد بجد معملش حاجة وقبل ما تتعصب وتقول أي كلام أنا مليش علاقة بيه هو كان معايا في جروبات سكاشن ومن بعدها مفيش كلام بينا والدفعة كلها عارفة إني مخطوبة ومحدش بيجي جنبي.

وضحت له ريتال الأمور دفعة واحدة دون أن تصمت فهي لو توقفت لإلتقاط أنفاسها وسط الحديث لنطق تليد بشيء سخيف من منطلق الغيرة ورغبته في إخفاء حبيبته عن أنظار الجميع؛ الأمر الذي تقدره ريتال في المطلق ولا مانع لديها لكن ليس داخل الحرم الجامعي والتسبب في جلبة لا داعي لها أمام الجميع وبسبب حوار تافه.

ماشي يا ريتال اللي أنتِ عايزاه علشان بس مترجعيش تقولي ده تليد بينكد لكن لو شوفت الواد ده بيتكلم معاكي ولا سمعت إنه بيبصلك بصي هلغبط ملامح وشه اللي فرحان بيها ده!

لا حول ولا قوة إلا بالله، ماشي يا تليد اللي أنتَ شايفه يا حبيبي. تمتمت ريتال وهي تضحك ولقد استخدمت لفظة حبيبي هنا كسخرية لا غزل.

هما مالهم دول كمان؟ مالك يا عم ياسين ضارب بوزك شبرين مش عارفين نشوف الطريق قدامنا!

يا عم سيبني بقى ده حوارات الجواز طلعت كتير أنا تعبت في أيه. صاح ياسين بضيق واضح وهو يقود السيارة بطريقة متهورة غير معهودة، لقد كانت أمور الزواج والتفاصيل الصغيرة الكثيرة مُنهكة بالنسبة إليه ولم يكن والد فريدة بالشخص المتساهل أو المتفهم ولقد تحمل ياسين الكثير والكثير من المواقف لكن كلما أقترب موعد الزفاف كلما شعر بأنه على وشك الإنفجار من فرط الضغط.

كانت فريدة تبكي إلى جوار ريتال بالخلف بدون صوت لتحضتنها ريتال بهدوء، لمح ياسين إنعكاسها في المرآة والدموع التي بللت وجنتيها ليتوقف على جانب الطريق ويلتفت نحوها، أخذ نفس عميق قبل أن يعتذر منها قائلًا الآتي بحنان:.

أنا أسف يا فريدة حقك عليا، مكنش المفروض أنفعل كده بس أنا والله تعبت كل ما بنقرب من الفرح الضغط بيزيد ووالدك مش موافق نأجله شوية وتليد لسه بيحاول يتفاهم معاهم برا إنه ينزل اجازة تاني كمان 3 شهور علشان يعرف يحضر الفرح أرجوكي أفهميني ومتزعليش مني، حقك عليا أنا أسف.

خلاص يا ياسين ولا يهمك حصل خير. أردفت بإقتضاب ليُدرك ياسين أنها مازالت مستاءة منه.

طيب أيه رأيك أعزمك على آيس كريم؟

لا أنا عايزة رز بلبن بالقشطة والمكسرات.

بس كده؟ من عنيا.

بعد مرور ساعتين تقريبًا قام ياسين بإيصال الفتاتين إلى المنزل بينما عاد هو وتليد إلى القاهرة كي يحصل على قسط من الراحة قبل أن يعود في اليوم التالي للمكوث في أحد الفنادق لقضاء بعض الوقت برفقة ريتال وعائلتها قبل أن يحضر والديه بعد يومان حتى يتم الإتفاق على كل شيء بخصوص حفلة الخطبة ولشراء الشبكة،.

أصرت زينة على استقبالهم في منزلها هي وزوجها بدلًا عن منزل والدها لا لشيء لكن لتُثبت لوالدة تليد أن لا أحد منهم أفضل من الآخر، حينما وصلت ريتال إلى المنزل وجدت والدتها قد ذهبت للتسوق وعادت ومعها كم هائل من الأكياس والطعام.

أيه الأكل ده كله يا ماما؟ كل ده علشان قاعدة الشبكة واتفاقات الخطوبة؟

اه طبعًا أومال عايزة الست هانم تاكل وشنا ولا أيه؟ تحدثت زينة مستنكرة حديث ريتال لتتنهد ريتال قبل أن تقول:
براحتك طبعًا يا ماما أعملي اللي يخليكي مرتاحة أنا بس قلقانة الموضوع يبقى مُرهق وضغط عليكِ مش أكتر.

متقلقيش خالتك هتساعدني وكده كده أنا معايا واحدة بتساعدني في التنضيف وحد هيطبخ معايا المهم تركزي أنتِ مع نفسك ماسكات بقى وتنضيف بشرة وترطيب دلعي نفسك.

في مساء اليوم التالي حضر كلًا من ياسين وتليد إلى منزل جد ريتال لقضاء اليوم برفقته هو والفتاتين ومعهم شقيق فريدة، كانت ريتال تشعر بمزيج من الحماس والتوتر بسبب زيارة والديه فلقد كانت تخشى حدوث جدال بين والديه ووالديها ويفسد الأمر برمته لكن في الوقت نفسه كانت تشعر بالحماس كلما تذكرت أن أيامٍ قليلة تفصلها عن حفل خطبتها هي وتليد.

ماما جايبة كمية أكل علشان يوم ما هنشتري الشبكة مبالغ فيها بجد ده لو سبوع ولادنا مش هتعمل كده. أردفت ريتال بسعادة شديدة ليبتسم تليد بأعين لامعة وقد سافر بعقله إلى أرض الخيال متأملًا ما قالته ريتال قبل أن يقول بحماس:
لا إن شاء الله سبوع ولادنا هتبقى حاجة كده ولا فرح سنية عبدالغفور البرعي دول هيبقى المعجزة ولاد تليد وريتال!

بطل مبالغة أرجوك، المهم هناخد مين معانا وأحنا رايحين نشتري الشبكة؟ ماما وبابا طبعًا وجدو وخالتو وفريدة والأطفال هنسيبهم مع الناني في البيت ومن عندك شوف بقى مين هيجي.

أنا مش عايز الحفلة دي كلها معانا وأحنا بنشتري الشبكة. فجر تليد القنبلة لتُطالعه ريتال بتعجب قبل أن تقول الآتي بإعتراض واضح على الفكرة التي طرحها تليد:
بس هما أهلنا ومن حقهم يفرحوا معانا يا تليد وبعدين أنا لو قولت كده لماما هتعملي مصيبة.

بصراحة أنا شايف إن أنا وأنتِ ننزل ومعانا ياسين وفريدة وجدو نجيب الشبكة وبعدها نرجع على البيت عندكوا نتعشى مع بعض ويتفرجوا عالشبكة وكده لكن ملهاش لازمة الزفة دي كلها وهيقعدوا يتخانقوا عند بتاع الدهب وهنتنكد وكل واحد هيقول رأيه في ذوقك واختياراتك والفلوس اللي هدفعها وماما تقولي كده كتير وطنط زينة تقولي كده قليل وجدال ملوش تلاتة لازمة فأنا شايف إننا نروح هقولك والله أنا في مقدرتي كذا وأنتِ تختاري اللي يعجبك ونيجي نفرجه ليهم ونسمع ألف مبروك وربنا يتمم بخير والحاجات الجميلة دي.

لم تقاطع ريتال حديثه حيث أخذت تفكر في عواقب ما يقوله حيث أنها واثقة من أن والدته ستظن أن ريتال هي صاحبة الفكرة كي تمنعها من حضور لحظات هامة كتلك وحتى وإن أقسم لها الجميع أن تليد صاحب الإقتراح فمن المستحيل أن تقتنع هي بذلك حتى وإن أقسم لها تليد مئات المرات كما أن والدتها لن تقبل بتاتًا بأمر كهذا وسيؤدي ذلك الأمر إلى شجار عنيف وإن حاول فؤاد التدخل فسوف يزيد الطين بلة نظرًا التوتر العلاقة بينهم في الآونة الأخيرة.

أنا مش مرتاحة حاسة الموضوع هيعمل مشاكل كتير أوي بصراحة.

طيب أيه رأيك ناخد رأي جدك؟ هو أدرى مننا كلنا بقى ورأيه هيبقى أصح حاجة تتعمل.

ماشي فكرة حلوة بس برضوا،.

يا ستي نسمع رأي جدو الأول. كان إصرار تليد غير مبرر بالنسبة إلى ريتال وكأنه يعلم ما سيقوله جدها مُسبقًا، حينما عرض عليه تليد الأمر صمت جدها لبرهة وهو يُفكر فيما قاله الشاب والذي كان له مميزات وعيوب بلا تأكيد لكن إلى أي كفة يميل الميزان هنا كانت المعضلة.

هو أنتَ يا حبيبي بتتكلم صح من ناحية الكلام اللي هيتقال والتصرفات اللي هتصدر من زينة بنتي ومن والدتك متزعلش مني يعني وأكيد لو هما مجوش النزولة دي مش هيبقى في مشاكل وكلام كتير، أردف جدها مؤيدًا ما قاله تليد بشكل مبدأي لذا طالعها تليد بإبتسامة واسعة متعمدًا إثارة غيظها قبل أن يتمتم قائلًا:
شوفتي بقى؟

أنا لسه مخلصتش كلامي، أنا برضوا شايف إنه حرام تحرم الوالد والوالدة ونفس الكلام بالنسبة لريتال من فرحتهم بيكوا في يوم زي ده.

جالك كلامي؟ تمتمت ريتال بإنتصار طفولي لينظر إليه تليد لثوانٍ قبل أن ينقل نظره إلى جدها وهو يقول الآتي محاولًا إقناعه بوجهة نظره:
يا جدو فرحتهم بإيه بس؟ ده أحنا نازلين نشتري شبكة مش رايحين نكتب الكتاب من غيرهم يعني، دي مجرد عادات وتقاليد ملهاش لازمة.

بالنسبالك أنتَ لكن بالنسبالهم هما بيعيشوا العمر كله بيحلموا بكل اللحظات الصغيرة البسيطة دي.

أفهم من كده إن حضرتك رفضت اقتراحي؟

مش بالضبط، أنا بصراحة عندي اقتراح، حل وسط لرأيك ورأي ريتال.

قولي يا جدو يا أبو الأفكار. تمتمت ريتال بحماس شديد لتصدر من جدها ضحكة رنانة قبل أن يُخبرهم بإقتراحه مُردفًا:
أنا ممكن أنزل معاكوا نلف عالمحلات كلها ونختار الشبكة اللي على ذوق ريتال واللي في مقدرتك المادية وتحجزها يا تليد وبعدها بيوم ولا يومين ننزل مع بعض وتعملي نفسك بتختاري من الأول واختاري الحاجة اللي متفقين عليها وخلاص.

استمع تليد إلى اقتراح جد ريتال وصمت لبرهة قبل أن يقول الآتي مُبديًا رأيه في الأمر:
حاسس إنها لفة طويلة ومش هتفرق أوي في ردود أفعالهم والكلام اللي هيتقال بس طالما حضرتك شايف إن ده أحسن حل يعني.

أنا بقول مجرد اقتراح في النهاية القرار يرجع ليكوا أنتوا بس خليكوا عارفين إن من اللحظة الأولى اللي دخلت فيها بيتنا يا ابني علشان تبقى جزء من عائلتنا وريتال تبقى جزء من عيلتك وأنتوا كل تصرف بيتحسب عليكوا وكل خطوة لازم تكون مدروسة لأن أي موقف بيحصل في الأيام اللي زي دي بيعلم وعمره ما بيتنسي.

قام جد ريتال بنصحه بطريقة عقلانية لم تخلو من المشاعر النبيلة والنصائح القيمة النابعة من حب حقيقي لكن نهاية حديثه كانت متبوعة بنظرات غلفها المرارة تمامًا كنبرة صوته حينما نطق بكلماته الأخيرة وكأنه قد سُحب داخل دوامة من الذكريات الأليمة، أدركت على الفور ريتال ما يجول في رأس جدها في مثل هذه اللحظة.

أنا عن نفسي شايفة إن كلام جدو صح يا تليد أحنا مش عايزين حد منهم يزعل مننا وبرضوا نبقى نزلنا قبلها لوحدنا مع جدو بحيث نختار براحتنا وعلى مهلنا وميبقاش في إحراج قدام حد في موضوع الفلوس وال Budget ده.

خلاص اللي تشوفيه يا ريتال هانم، أحنا خدامين العيون الحلوة، وجد العيون الحلوة طبعًا. عدل تليد من جملته على الفور حينما أدرك حماقة ما فعله؛ يُغازلها أمام جدها دون ذرة تفكير.

أحنا إن شاء الله ننزل بكرة من بعد المغرب كده نشوف محلات الدهب وبعد بكرة نروح معاهم.

بإذن الله يا جدو، طيب استأذن أنا بقى علشان حاسس إني مرهق أوي.

ماشي يا حبيبي أبقى تعالى بكرة أتغدى معايا أنا وريتال قبل ما ننزل.

بس كده؟ من عنيا، يلا السلام عليكم. ودعهم تليد ورحل لتجلس ريتال إلى جانب جدها وهي تصفق بيدها في حماس شديد قبل أن تقول:
مش مصدقة يا جدو! مش مصدقة إننا خلاص هنتخطب وهبقى لابسة دبلته! بس يالهوي ده أنا ممكن ملاقيش دبل مقاسي علشان صوابعي رفيعة أوي. تحول حماس ريتال إلى قلق وتوتر على الفور، أقترب منها جدها ليطبع قبلة على جبهتها قبل أن يقول الآتي بحنان:.

ليه تقلقي نفسك وتتوقعي الوحش من دلوقتي؟ إن شاء الله هتلاقي أحلى دبلة على مقاسك ولو في مشكلة في المقاس الصايغ بيضبط حاجة على مقاسك مفيش حاجة ملهاش حل إن شاء الله.

شكرًا بجد يا جدو مش علشان كلامك الحلو ده بس لكن علشان موجود جنبي وفي حياتي وعلشان على طول بتطمني وعلشان هتنزل بكرة وتتعب نفسك في اللف والتمشية معانا.

يا ريتال يا حبيبتي لو مش هتعب علشانكوا هتعب علشان مين؟ أنا مليش في الدنيا غيرك أنتِ وفريدة وأخواتكوا الصبيان، أنتوا كل حياتي. قبلت ريتال يد جدها ذات التجاعيد والعروق البارزة نظرًا لكِبر سنه قبل أن تقول:
ربنا يخليك لينا يا جدو وعقبال يارب ما تشيل ولادنا بقى وبعدها بكام سنة تنزل معاهم وهما بيجيبوا الشبكة برضوا.

يااه وهو أنا هعيش يا بنتي لكل ده؟

بعد الشر عليك يا جدو أوعى تقول كده تاني، إن شاء الله هتعيش وتتهنى وربنا يديلك الصحة وطول العمر يارب.

أردفت ريتال بفزع شديد فبمجرد ذكر الموت أو طرح فكرة عدم وجود جدها في المستقبل كانت تُفزعها إلى حدٍ كبير، أجل هي تعلم أن الموت حق وأنه أمر مُحتم على الجميع لكنها فضلت إلقاء تلك الفكرة بعيدًا تمامًا عن رأسها كي لا تغرق داخل دوامة من الخوف المرضي بشأن أمر لا أحد يعلم موعده سوى الله سبحانه وتعالى.

في مغرب اليوم التالي تم تنفيذ الخطة، تليد برفقة ريتال وجدها ينتقلون من صائغ إلى آخر بحثًا عن الدبلة والمحبس الأنسب من أجل ريتال، لم يكن لدى تليد أي مشكلة بشأن المبالغ التي قالها الصاغة ولكن المشكلة كانت تكمن في أن ريتال لم تجد بسهولة ما تبحث عنه.

بص كده على دي يا تليد؟ سألته ريتال وهي ترفع كفها ليرى تليد بوضوح الخاتم الذهبي الرفيع الذي زين أصبعها ومن فوقه خاتم آخر يُطلق عليه لفظة محبس من الذهب الأبيض أُضيف إليه فصوص صغيرة لامعة، كانت هذه أجمل اختيارات ريتال حتى الآن - من بعد اختيارها لتليد بالطبع -.

تحفة دي أحلى واحدة في اللي جربتيهم النهاردة، شوفلنا كده وزنهم كام بعد إذنك. أردف تليد بسعادة شديدة وبعد أن أخبره الصائغ بالمبلغ طلب منه تليد الآتي:
طيب ممكن حضرتك تفرجنا على طقم اللي هو بيبقى سلسلة مع أنسيال بس حاجات رقيقة هي مش بتحب الحاجات الكبيرة أوي.

ليه يا تليد كتير أوي خليها حاجة واحدة فيهم كده هتبقى تكلفة عليك. أردفت ريتال بنبرة أقرب إلى الهمس وهي تميل نحو تليد كي يستطيع سماعها.

ملكيش دعوة أنتِ اختاري اللي يعجبك وبس.

طب ما الفلوس دي نوفرها لحاجة تانية في الجهاز يا تليد.

ريتال أنا مقدر جدًا إنك مش عايزة تكلفيني ولا تحمليني فوق طاقتي بس دي هدية مني ليكي ومفيش حد بيتناقش في سعر الهدية مع الشخص اللي بيجبهاله ولا أيه يا جدو؟

اسمعي كلام خطيبك يا حبيبتي واختاري اللي يعجبك يلا.

بعد مرور دقائق وعلى مضض قامت ريتال باختيار سلسال ذهبي رقيق به دلاية عبارة عن فص أبيض لامع ولقد كان السوار له نفس التصميم، بعد أن قام تليد بدفع عربون الحجز وقام بإستلام الإيصال نظر نحو ريتال وقال:
ألف ألف مبروك يا ريتال تلبسيهم بالهنا يارب، الحمدلله كده أنجزنا أول خطوة في مشوارنا مع بعض هو اه لسه المشوار طويل بس هيبقى حلو بكل التعب اللي فيه علشان ده المشوار اللي هيجمع بينا في الحلال.

الله يبارك فيك يا تليد، ربنا يتممها على خير يارب ونفضل مع بعض دايمًا وتعيش وتجبلي.

بينما كان كلاهما يتحدث إلى آخر كان جدها يتحدث إلى الصائغ دون أن تنتبه ريتال، تركهم جدها حتى يفرغوا من الحديث قبل أن يقول:
تعالي يا ريتال اختاري خاتم.

أيه ده؟ لا يا جدو متهزرش.

بطلي لماضة يا بنت وتعالي يلا اختاري حاجة على ذوقك علشان ممكن ذوقي ميعجبكيش.

يا جدو هتكلف نفسك ليه بس؟

دي هدية مني ليكي. عانقته ريتال عناق قوي قبل أن تقوم بإختيار خاتم رقيق يناسب ذوقها وفي الوقت ذاته لا يكون مكلفًا للغاية بالنسبة إلى جدها وحينما حان وقت دفع الفاتورة طلب منها جدها أن تنتظر في الخارج.

أنا حاسة هفطس من كتر الحماس بجد، يارب العزومة تعدي على خير ونبقى مبسوطين كلنا.

إن شاء الله متقلقيش أنا برضوا أتكلمت مع ماما وإن شاء الله الدنيا متضبطة ومش هيبقى في خناقات ولا أي حاجة. حاول تليد أن يجعلها تطمئن لكن ذلك لم يفلح كثيرًا معها.

يارب يا تليد يارب.

أتفضلي يا عروسة، ألف مبروك يا حبايبي وربنا يتمم على خير يارب.

ربنا يخليك يا جدو الله يبارك فيك.

بصي بقى أنا هخلي العلبة معايا وهديهالك بكرة إن شاء الله لما نرجع من عند الصايغ.

في صباح يوم الزيارة استيقظت ريتال باكرًا كي تستعد لإستقبال الضيوف، تناولت ريتال الفطور بصعوبة وبعد إصرار شديد من والدها فلقد كانت معدتها مضطربة من فرط التوتر، مرت الساعات سريعًا حتى جاءها صوت جرس الباب الذي صدح في المكان ليذهب فؤاد لإستقبال الضيوف.

أهلًا وسهلًا شرفتونا، اسكندرية كلها نورت.

تمتم فؤاد مرحبًا بهم وسامحًا لهم بالدخول ليتبعه جد ريتال وزينة مرحبين بهم كذلك، جلس الكل في حجرة الجلوس لتأتي السيدة التي تساعد زينة في المنزل لتقدم لهم الحلوى والعصير الطازج.

كان نفسنا تيجوا على الغداء بس معلش تتعوض بقى في العشاء. أردف فؤاد بلباقة ليبتسموا بمجاملة، دار بينهم أحاديث عشوائية الغرض منها كسر الجليد قبل أن يبدأ الحديث الهام.

أحنا محتاجين نحدد ميعاد الخطوبة لأن زي ما حضرتكوا عارفين تليد نازل اجازة أسبوعين بس علشان يعرف ينزل اجازة تاني وقت فرح ياسين إن شاء الله.

اه أحنا عارفين طبعًا بس لو كان الكلام ده أتقال من بدري شوية كنا حجزنا قبل ما تليد يجي، أصل مش مضمون نلاقي مكان نعمل فيه الخطوبة بعد إسبوع واحد بس؟ صدر الحديث من فؤاد والذي حاول ألا يبدو هجومي في إعتراضه وقبل أن يجيب أي شخص من طرف تليد سبقتهم زينة مُضيفة الآتي مؤكدة على حديث زوجها:
وبعدين في تجهيزات كتير وفستان ريتال والميك أب أرتيست!

صاحب أحمد يقدر يوفرلنا حجز قاعة في Hotel لذيذ أوي في القاهرة ده لو أنتوا هتوافقوا إن الخطوبة تتعمل في القاهرة. عرضت والدة تليد وكادت زينة أن تعترض في البداية لكنها سرعان ما صمتت لتفكر وتنتظر ما سيقوله فؤاد.

هو اقتراح القاهرة مش بطال بس ده معناه إن كلنا هنضطر نسافر كعائلة العروسة يعني ومش عارف بصراحة ده هيبقى مناسب لينا كلنا ولا لا.

أيوا حضرتك عندك حق يا دكتور بس أحنا عائلتنا كبيرة وعددهم كبير فهيبقى صعب كلنا نيجي هنا فالأسهل إن أنتوا تشرفونا في القاهرة وكمان اللي أعرفه إن عائلة بابا ريتال في القاهرة أصلًا. صدر الحديث من والد تليد بدون وعي، لم يكن يقصد أي إهانة أو جرح مشاعر ريتال لكن كلماته كانت أشبه بالسكين الذي غُرز داخل قلبها.

أنا أسف والله مش قصدي حاجة أتمنى حضرتك تكون فاهم قصدي. أعتذر على الفور محاولًا تدارك الموقف ليبتسم فؤاد ابتسامة صغيرة قبل أن يقول:.

فاهم قصدك بس هنشوف العروسة رأيها أيه علشان دي أهم حاجة، أهم من رأي أي حد تاني. ازدردت ريتال ما في فمها بصعوبة حينما وجدت أن الأنظار كلها موجهة نحوها، نظرت في وجه جدها ومن ثم فؤاد بحثًا عن المساعدة في اتخاذ القرار لكن لم يساعدها أحدٍ منهم لذا اضطرت هي إلى اتخاذ القرار بنفسها.

معنديش مشكلة لو في مكان كويس في القاهرة، كده كده بابا فؤاد عنده شقة هناك هو ومريم ممكن نقعد فيها الكام يوم اللي قبل الخطوبة لو بابا وماما وجدو معندهمش مانع يعني.

خلاص نقول مبروك يعني؟ سأل والد تليد لتومئ ريتال ومن بعدها يعلن الجميع موافقتهم.

بعد مرور نصف ساعة تقريبًا من الحديث عن بعض التفاصيل أراد أفراد عائلة تليد الرحيل لكن جد ريتال أصر على بقاءهم لتناول العشاء سويًا.

بعد رحيلهم جلست ريتال براحة بعد أن قامت بخلع حجاب رأسها وخلع الحذاء كذلك، أقترب فؤاد للجلوس أمامها بعد أن توجه باقي أفراد العائلة إلى أماكن مختلفة من المنزل.

راضية عن موضوع خطوبة القاهرة ده ولا مش عايزة تزعليهم من أولها؟

لا هما عندهم حق بصراحة هما عددهم أكتر مننا ملهاش لازمة نجيبهم هما وقرايبهم هنا لكن أحنا كلنا على بعض يادوب عشرة أو أقل. أومئ فؤاد موافقًا على حديثها قبل أن يطرح السؤال الآتي بكل هدوء كتمهيد للسؤال الذي ينوي طرحه بعده.

ريتال هو أنتِ مش هتعزمي عائلة باباكي؟

عمتو وتيته مش محتاجين عزومة وعمو مش بيروح في حتة أصلًا ولا حد بيشوفه. ذكرت ريتال جميع أفراد العائلة فيما عدا الفرد الذي بدأ فؤاد تلك المحادثة بأكملها للسؤال عنه لكنه لم يقوى على توجيه السؤال المباشر لها خشية جرح مشاعرها وإفساد سعادتها.

طب وبابا يا ريتال؟

بابا؟ خرجت اللفظة بإستنكار شديد وهي تضحك بمرارة قبل أن تتابع حديثها مُردفة:
أنتَ بابا، أنا مليش أب تاني غيرك وبعدين هو بابا ده حد شافه في قاعدة الاتفاقات؟ حد شافه وقت قراءة الفاتحة؟ بلاش، حد شافه لما دخلت المستشفى؟ لما كنت هموت نفسي؟ طب لما نجحت في الكلية؟ لما طلعت من أوائل مدرستي في الثانوية؟ بابا مين ويتقاله يا بابا على أساس أيه؟

سألت ريتال من وسط دموعها، كانت تتحدث بإنفعال شديد جعل الصداع الذي أصابها يكاد يشج رأسها إلى نصفين، أقترب منها فؤاد محاولًا تهدأتها لتنهمر دموعها أكثر ويسود الصمت لبرهة قبل أن تقول:
لو حضرتك مصمم إن أنا أعزمه مش هكسرلك كلمة، يا بابا.

تمتمت ريتال وهي تكفكف دموعها بيدها قبل أن تستقيم من مقعدها مغادرة المكان ولم يمنعها فؤاد كي يترك لها المساحة للتفريغ عن مشاعرها على راحة وفي خصوصية، بمجرد أن غابت ريتال عن عيناه ظهرت زينة وهي تحمل ضحكة ساخرة ممزوجة بالمرارة على ثغرها وهي تقول:
اتبسطت كده؟ قولتلك من الأول لا يا فؤاد وأنتَ برضوا اللي في دماغك في دماغك!

هو أنا يعني قاصد أنكد عليها وأبوظ فرحتها؟ أنا بتكلم في الصح وفي مصلحتها بتكلم علشانها هي، أنتِ واخدة الموضوع تحدي علشان خناقة بينك وبين حد مقدرتوش تتفاهموا سوا زمان وأذاكي كتير مبقولش لا لكن ده أبوها يا زينة يعني الصراع الأبدي اللي بينك وبينه هي ملهاش مكان فيه بطلي تدخلي في خناقة مش خناقتها!

تحدث فؤاد بإنفعال غير معهود بالنسبة إلى زينة، إنفعال لا يظهر غير في مرات قليلة كان أغلبها من أجل الدفاع عن ريتال تمامًا كالآن، لم يروق كثيرًا لزينة حديث زوجها المنطقي ولقد شعرت بالإهانة من نبرته المرتفعة لذا كالعادة تجاهلت الهدف الرئيسي من حديثه وصبت جم تركيزها على نبرته المنفعلة.

هو أنتَ بتزعقلي ليه وبتعلي صوتك يا فؤاد؟

لا إله إلا الله! أنا مش عارف أعمل أيه معاكي والله يا زينة أكلمك بهدوء وبالعقل ما عاجبك أتكلم بإنفعال وصوتي يعلى برضوا مش عاجبك طب أعمل أيه؟ قوليلي أنتِ!

تحدث فؤاد بإرهاق وقلة حيلة فلقد كانت جميع محاولاته للتفاهم مع حبيبته مستحيل ومهما فعل لم يستطع أن يُرضيها، كالعادة اتخذت زينة حيلتها الدفاعية الأكثر فتكًا وهي جعل المتحدث إليها يشعر بالذنب وإلقاء اللوم عليه بشأن أشياء لم يكن هو سببًا في أيًا منها من الأساس!

خلاص يا فؤاد أعمل اللي أنتَ شايفه صح، هات عبدالرحمن اللي كان هيموتها بالغلط واللي رمانا في الشارع علشان خاطر تطلع راجل مثالي وهي تطلع البنت المثالية البارة بوالدها.

والله يا زينة لولا ميعاد خطوبة ريتال اللي متحدد والتجهيزات اللي بتم كان هيكون ليا تصرف تاني معاكي وبما إن ده بقى بيتك فكنت هلم شنطتي ومش هتشوفي وشي لحد ما تلاقي بقى طريقة كويسة نتعامل بيها مع بعض!

لم يكن حديث فؤاد هذه المرة مجرد تهديدات فارغة فلقد كان ينوي الإبتعاد ليومين على الأقل كي يسترد طاقته وسكينته مرة آخرى وكي يُعيد التفكير في كيفية إدارة علاقته بزينة والعمل على إصلاح الخلل والتصدعات التي ظهرت كثقب صغير في الجدار وأخذت تتسع حتى كاد الجدار يُهدم على رؤوس أصحابه؛ الأمر الذي لم يريده هو ففي نهاية الأمر هو لا يريد شيء سوى أن ينعم بهدوء وسعادة داخل منزله وبين أفراد عائلته الصغيرة.

في صباح اليوم التالي كان المنزل هادئًا وكانت ريتال في انتظار تليد لكي يحضر كي يتابعوا ترتيبات الحفل سويًا، أخفى فؤاد ضيقه من شجار ليلة أمس وتعامل بكل ود ولُطف فقط لكي لا يُحزن قلب ريتال وحتى لا يطول التوتر أجواء المنزل كما أنه كان يخشى أن تكون ريتال مستاءة منه بسبب الحوار الذي دار بينهم ليلة أمس.

صباح الخير يا عروستي، حضرتلك الفطار بنفسي النهاردة علشان تعرفي غلاوتك عندي.

صباح الخير يا بابا، تسلم إيدك يا حبيبي تعبت نفسك ليه؟

تعبك راحة ياستي وبعدين متاخديش عالدلع ده، ده علشان أنتِ عروسة بس.

أفهم من كده إن الدلع مكملين سنتين خطوبة وسنة بعد الجواز لحد ما أقدم؟

بصي معانا لحد أول بيبي إن شاء الله ومن بعدها بقى الدلع كله هيروح لحفيدي مش ليكي. مازحها فؤاد بحنان أبوي ولوهلة ساد الصمت وهو يفكر في أن ريتال قد تُصبح أم في خلال بضع سنوات قليلة من الآن؛ الأمر الذي جعله يشعر بالتأثر على الفور حتى دمعت عيناه رغمًا عنه.

يا بابا يالهوي أنتَ اتأثرت من دلوقتي؟

سرحت بخيالي بس شوية، عارفة يا ريتال يمكن أنا معرفكيش من وأنتِ طفلة ويمكن قضينا مع بعض وقت مش طويل بس حقيقي أنتِ غلاوتك عندي من غلاوة فريدة وإياد بالضبط.

ربنا يخليك ليا يا بابا يا حبيبي.

يلا كفاية دراما وتأثر بقى عالصبح أفطري كده وصحصحي علشان أنا عرفت من زينة إن تليد هيجي يتغدى معانا النهاردة فضبطي أكل حلو مع مامتك كده خلي الشاب يتغذى.

علشان خاطرك بس يا بابا.

تناولت ريتال الفطور برفقة فؤاد الذي توجه إلى عمله وقد وعدها أنه سيحاول العودة مبكرًا لقضاء الوقت مع تليد وفي غيابه جلس تليد برفقة جدها ووالدتها لحين عودته من الخارج.

كان تليد يجلس في حديقة منزل زوج والدة ريتال، يُمسك في يمناه كوب من السحلب بالمكسرات وفي يسراه ورقة طويلة تحوي قائمة الأشياء التي يجب إنجازها من أجل حفل الخطبة خاصتهم.

كده حجز المكان تمام، الحاجة اللي هتتقدم تمام بعد جدال بين ماما وطنط زينة، والشبكة الحمدلله تمام برضوا وتم القضاء على فلوسي وتحويشة عمري كده فاضل أيه؟ اللي هنلبسه ولا هنروح بالبيچاما ولا أيه الدنيا؟

يا سكر؟ بصي في كام فستان عايزة أخد رأيك فيهم ماشي؟

كام فستان؟ دول اللي هما كام يعني؟ سألها تليد وهو يعتدل في جلسته لتحمحم ريتال قبل أن تُجيب عن سؤاله قائلة:
يعني بتاع عشرة خمستاشر يعني.

لا أنا كده محتاج كوباية قهوة ونضارة نظر علشان أعرف أركز.

طب أشرب اللي في إيدك بس وبطل طفاسة. أردفت ريتال ممازحة إياه ليرتشف جزء كبير من الكوب خاصته قبل أن يعتدل في جلسته ليبدأ في مشاهدة التصاميم الأمر الذي استغرق بعض الوقت.

بتفكري في فستان لونه أيه؟ أنتِ كده اختارتي الموديل خلاص مبدأيًا فاضل اللون.

أردف تليد بعد أن قام بالاختيار من بين خمسة عشرة صورة لتصاميم مختلفة من الفساتين وبعد أن انتهت تلك الخطوة الهامة تبقت الأهم، لون الفستان خاصتها نفسه والذي كان تحديده أكثر صعوبة بالنسبة إلى ريتال التي لم تشعر بالراحة عند إرتداء معظم الألوان التي تجعلها تبدو سمراء كما كانوا يخبرونها حينما كانت طفلة ومراهقة!

جراي رمادي. أردفت ببساطة ودون تفكير طويل ليعقد تليد حاجبيه بتعجب قبل أن يسألها بإبتسامة صغيرة:
أيه ده أشمعنا؟

علشان هيليق مع لون عينيك. وضحت وجهة نظرها وهي تتحشى النظر إلى عيناه تلك التي كانت تمدحها قبل قليل، عيناه التي وقعت في حبها منذ أن رأته للمرة الأولى وها هي الآن تنوي التعبير عن شدة إعجابها بعيناه ببرهان واضح!

أنتِ بتتكلمي بجد؟

والله مش بهزر، ما هو لون بدلتك متوقف على لون الفستان بتاعي وأنتَ هيبقى شكلك تحفة لو لابس جراي مع أسود كده هيبقى تحفة.

والله أنتِ اللي تحفة، ما فكك من الخطوبة ونكتب الكتاب بقى وخلاص. تمتم ريتال وهو يغمز بإحدى عينيه مغازلًا إياها دون أن ينتبه أحد لهم.

لا والله؟ أنتَ شايف كده يعني؟ طيب قوم بقى قول لماما الكلمتين دول.

لا أنا شايف إن الخطوبة الطويلة هي أنسب حل علشان نتعرف على بعض أكتر.

والله؟ رجعت في كلامك يعني.

بصي بصي البدلة دي حلوة ازاي؟ أردف تليد محاولًا تغير مجرى الحديث وقد نجحت محاولته حيث نسيت ريتال ما كان يدور بينهم قبل قليل.

تحفة بصراحة!

خلاص هتعمدها.

أنتَ بجد مش هتشوف حاجة تانية غيرها؟

يا ريتال يا حبيبتي تركيبة الرجالة أبسط من كده بكتير، شوفت حاجة عجبتني ليه هدور على عشرين حاجة تانية كلهم هيعجبوني وأحير نفسي؟ أجابها تليد ببساطة شديدة وبلمحة سخرية، تعجبت ريتال كثيرًا مما قاله لتسأله بتعجب:
مش هتندم يعني لو شوفت بدلة تانية أحلى؟

تاني حاجة متعرفيهاش عن الرجالة هو إن نص البدل ويمكن أكتر كلهم شبه بعض يعني أراهنك لو لبست في الخطوبة بدلة سوداء مش هتعرفي تطلعيني من وسط صحابي اللي ببدل سوداء.

لا طبعًا ده أنا أطلعك من وسط مليون بني آدم.

مش القصد بس قصدي يعني إن الموضوع بسيط خالص المهم تعرفي تحجزي أنتِ الفستان اللي عجبك واستقرينا عليه، واه ياريت تلفي الطرحة عادي ماشي؟

يعني أيه ألف الطرحة عادي؟ سألته ريتال بعدم فهم ليتنهد تليد تنهيدة طويلة وهو محاولًا شرح ما يقصده حتى توصل في النهاية إلى الكلمات المناسبة:
يعني بلاش نص حجاب وربع حجاب والحاجات دي من الآخر متبينيش شعرك يعني.

وهو من أمتى وأنا بخلي شعري يبان من الطرحة أساسًا؟ سألته ريتال بحيرة أمتزجت بضحكة متقطعة ليقلب تليد عيناه بتملل قبل أن يُجيب عن سؤالها قائلًا:
مقولتش إنك عملتي كده قبل كده بس أنا شوفت بنات كتير بتعمل كده في الخطوبة أو الفرح فحبيت أقولك إني مش حابب إنك تعملي حاجة زي دي أو بمعنى أصح رافض يعني.

أنا كده كده مبعملش كده علشان الحجاب ده أنا لابساه طول الحياة مش فارقة بقى في مناسبة أو لا وأكيد برضوا أنا مش هعمل حاجة أنتَ مش موافق عليها.

قولتلك نكتب الكتاب دلوقتي؟ أردف تليد مغازلًا إياها مرة آخرى لتصدر منها ضحكة رنانة أذابت قلبه الذي وقع أسيرًا لحبها.

مرت الأيام التي تلي ذلك اليوم سريعًا كان الجميع منشغلًا فيها الجميع بتجهيزات حفل الخطبة، كان على أسرة ريتال الإنتقال السريع إلى القاهرة لإتمام ما تبقى من تجهيزات، كان يتم معاملة ريتال معاملة الأميرات في تلك الأيام القليلة وبالطبع لقد تلقت هذه المعاملة الخاصة من جدها وزوج والدتها.

ريتال يلا بسرعة أنتِ لسه ملبستيش؟

ثواني يا خالتو بتخلص الميك أب أهي. أجابت فريدة بدلًا عن ريتال حيث كانت ريتال تشعر بالتوتر الكافي فلقد تأخر الوقت وهي لم تنتهي من تجهيزاتها بعد.

ما أنتِ لو كنتِ صحيتي من بدري؟ يلا مش مهم، أنتِ طيب خلصي يا فريدة ولفي الطرحة.

حاضر يا خالتو بس أرجوكي كفاية توتر.

هي نانسي فين يا فريدة؟

خلصت وواقفة بتتصور في البلكونة.

طيب ممكن تشوفي هي هتقعد في عربية مين علشان ميحصلش لغبطة وهي تزعل. وجهت ريتال حديثها لفريدة وقبل أن تنطق فريدة بحرف سبقها صوت نانسي التي أقتحمت الحجرة وهي تقول:
صالح هيجي ياخدني. تبادل كلًا من ريتال وفريدة النظرات لثوانٍ قبل أن تسألها ريتال الآتي وكأنها اخطأت السمع:
صالح؟

اه، هيعدي عليا بالعربية هو وعطر وماما وتيته مالك في أيه؟

أصلك مقولتيش كده الأول.

أومال قولت أيه وهتفرق في أيه أصلًا؟ سألت نانسي بنبرة كان ظاهرة مزاح وباطنها قليل من الهجوم ولكن قبل أن توضح ريتال مقصدها سبقها فريدة وهي تقول:
ريتال تليد بيتصل شكله وصل.

يالهوي طب ردي عليه معلشي وقوليله إني خلاص بلبس الفستان.

هاتي أنا هرد عليه. تناولت نانسي الهاتف من يدها وأجابت دون انتظار رد من ريتال.

أيه يا تليد بيه ما خلاص البت بتجهز يعني هنطير ولا أيه؟ طيب ماشي بس أركن عدل بقى علشان تخيل عربية الزفة تاخد مخلفة، ماشي باي. أنهت نانسي المكالمة لتقلب فريدة عيناها بتملل من تصرف نانسي لكنها لم تعلق خشية مضايقة ريتال.

حينما فرغت ريتال من ارتداء ثيابها دلف فؤاد إلى الحجرة لكي يصحبها نحو الخارج لكن حينما رأها وقف يتأمل حسن فتاته الصغيرة بحب أبوي قبل أن يقول بتأثر:
بسم الله ما شاء الله، شكلك زي القمر يا حبيبتي ربنا يحفظك يارب، أحلى عروسة شوفتها في الدنيا كلها.

متأكد يعني أحلى من ماما في الفرح؟

لا كله إلا زوزو لو سمحتي ده أنا بقالي نص ساعة واقف برا بتأمل في جمال زينة ومش مصدق إن القمر دي مراتي وأم ولادي. أردف فؤاد برومانسية شديدة لتغمز ريتال بإحدى عينيها قبل أن تقول الآتي ممازحة إياه:
يا عم يا عم الله يسهلك، يارب تليد يبقى بيعرف يقول كلام حلو زيك كده يا بابا.

هو لو قال كلمة من دول قبل كتب الكتاب هطين عيشته عامة.

بصوا بقى حمايا اللي بيجيب في سيرتي من ضهري ده!

قال تليد الذي ظهر من اللامكان لينتفض الجميع من موضعهم بخوف وقبل أن ينطق تليد بكلمة آخرى وقعت عيناه على ريتال، كانت تقف بثوبها الكبير الفضفاض الذي كان لونه بلون عين تليد، اقترب منها بضع خطوات ليمنحها باقة الزهور الكبيرة التي ابتاعها من أجلها دون أن ينطق بحرف.

أنتَ فقدت النطق ولا أيه؟ سألت نانسي لتضحك ريتال بخجل بينما وقف تليد متابعًا تأملها في صمت قبل أن يقول:
أنا حاليًا ندمان على كل لحظة قضيتها في حياتي من غيرك وعلى كل نظرة ضيعتها على حاجة تانية غيرك، ما تيجي نفكنا من الخطوبة دي ونهرب؟

لا والله؟ تمتم جد ريتال وهو يضع يده على كتف تليد بقوة.

جدو؟ حبيبي يا جدو كنت لسه بسأل على حضرتك مش كده يا حمايا؟

لا.

شوفت بيقول لحضرتك اه ازاي؟

حسابي معاك بعدين، تعالي يا روح جدو ننزل علشان كده هتتأخروا. أردف جد ريتال وهو يشبك ذراعه مع خاصة حفيدته، ليتعبهم تليد على الفور.

علي أبواب القاعة كان يقف الجميع بإنتظارهم، كانت ريتال تبتسم بخجل وهي لا تدري ماذا عليها أن تفعل فهي لم تكن من الأشخاص التي تفضل المناسبات ذات الأعداد الكبيرة والأماكن المزدحمة لكن لم يكن أمامها أي خيار الآن فلقد كانت هي العروس!

كانت أفراد عائلتها إلى جانبها حتى جدتها قد حضرت لكن والدها لم يستطع الحضور تمامًا كما توقعت هي ولسبب ما شعرت ببعض الراحة بداخلها لأنه لم يفعل فحضور عبدالرحمن إلى هنا كان سيتسبب في العديد من المشكلات التي لا يوجد أي داعي لها.

ريتال أرجوكي حاولي تبيني إنك مش مخطوفة.

بحاول والله مش عارفة، تمتمت ريتال وهي تضحك ليبادلها تليد الضحكات قبل أن يقول:
أونكل فؤاد مأكد عليا مفيش رقص سلو، مفيش مسك إيد، مفيش رقص أو?ر عمومًا وبالنسبة للشبكة ماما أو مامتك اللي تلبسك السلسة والأنسيال طب ما كنا لاغينا الخطوبة أحسن.

علق تليد بسخرية وهو يضحك ففي الواقع لم يكن يشعر بالضيق من طلبات والد ريتال التي كانت منطقية تمامًا، قهقهت ريتال قبل أن تقول:
لو معترض أهو واقف هناك روح قوله.

لا يا ستي شكرًا.

بعد مرور بعض الوقت صدح في المكان صوت الأغنية الأيقونية يا دبلة الخطوبة لتحضر والدة تليد وهي تحمل الصينية التي تحمل اسم كلاهما ووضعت فوقها الشبكة وبجانبها الخاتم الذي أشتراه جدها من أجلها، قام تليد بوضع الخاتم في يد ريتال بحذر محاولًا تجنب التلامس المباشر بينما ساعدتها والدتها على إرتداء السوار والسلسال.

لقد وقعت في الفخ! صاح تليد وهو يرفع يده أمام وجهه ليصيح أصدقائه بحماس شديد، فعلت ريتال المثل ليتم إلتقاط صورة لكليهما.

لقد شعرت ريتال في تلك اللحظة بسعادة لم تشعر بمثلها من قبل، لقد كانت سعادة مختلطة بشعور بالأمان والطمأنينة فلقد صدق تليد عهوده معاها والآن ها هو يجلس إلى جانبها والخاتم الذهبي خاصته يلتف حول بنصر يدها اليمنى كحصن منيع يحميها من كل ما هو سيء، للمرة الأولى غلبت سعادتها شعورها بالتوتر حتى نسيت لثوانٍ كل ما مرت به من جراح وآلام فنظرة واحدة نحوه كانت كفيلة بإدخال السرور على قلبها وكذلك رؤية جميع أفراد عائلتها سعداء في الوقت ذاته هو أشبه بحلم يتحقق، حلم تمنت لو يستمر مدى الحياة حتى لا تفيق منه أبدًا.

باشمهندس صالح ممكن تاخدلي صورة أنا وريتال بعد ما ودعنا حياة السينجل؟ طلب تليد من صالح الذي كان يقف على أحد الجوانب يُطالعهم بتعابير وجه جامدة، ألتقط صالح هاتف تليد من يده ونفذ طلبه دون جدال مما جعل تليد يتعجب.

ألف مبروك.

الله يبارك فيك يا صالح شكرًا. تمتمت ريتال بقليل من الحرج بينما ابتسم تليد ابتسامة سمجة قبل أن يقول:
عقبالك يا صالح إن شاء الله بس متنساش تبقى تعزمنا بقى. لم يُجيب صالح عنه بل أومئ ورحل مبتعدًا عنهم وذهب للجلوس برفقة نانسي.

ده أنتَ كياد!

معلشي كان هيجرالي حاجة لو معملتش كده، بس أيه القمر والحلاوة دي؟ الدبلة منورة إيدك والله.

بجد؟

بجد، بعد ما كانت إقلامي منورة إيدك وأنتِ ماسكاها بقت دبلتي منورة إيدك. تمتم تليد مغازلًا إياها لتضحك ريتال قبل أن تقول:
بدأنا من المدرسة وخلصناها في قاعة اللؤلؤة.

طلعت بوفي بوعدي مش كده؟

أحسن من يوفي بوعده، ربنا يكملها على خير يا تليد والمرة الجاية نقعد جنب بعض وأحنا إيدينا فيها أزرق. تمتمت ريتال بإبتسامة واسعة مشوبة ببعض الخجل ليبادلها تليد الإبتسام بينما يقول الآتي:
ده أنا هبصم بصوابعي العشرة ولو أطول أبصم بوشي كله مش هتردد أعملها.

مجنون والله العظيم.

بيكي، مجنون بيكي. قال تليد لتشيح ريتال بنظرها بعيدًا عنه بخجل ولحسن الحظ جاء أصدقاءه ليسحبوه من جانبها إلى ساحة الرقص مرة آخرى.

في تلك الأثناء كان انتباه الكل قد وُجِه نحو الثنائي الغير متوقع صالح ونانسي والذي كان من اليسير على الجميع ملاحظة النظرات المتبادلة بينهم منذ بدء الإحتفال، ضحكات نانسي الرنانة التي لم يُسمع صوتها منذ سنوات وضحكة صالح التي تصل إلى عيناه وبالطبع كيف تُغني بصوتٍ مرتفع بعض المقاطع من الأغاني الرومانسية التي صدح صوتها في المكان.

ده أنا بقيت بلبس على كيفه، دندنت نانسي ليُطالعها صالح بصدمة قبل أن يقول بصوت بالكاد مسموع وهو يميل نحوها قليلًا:
بتلبسي على كيف مين معلش؟ إش حال إننا أحنا متخانقين خناقة فرجنا علينا المول كله بسبب أم الفستان ده!

مش في الآخر مجبتش الفستان اللي فوق الركبة اللي من غير كمام اللي، كادت نانسي أن تُكمل وصف الثوب الذي كان صالح يحاول أن يمحوه من رأسه كي لا يتشاجر هو ونانسي مرة ثانية.

ششش بس خلاص بتحكيلي أيه ما أنا شوفته مش كنت معاكي؟ وبعدين ما ده برضوا مش فارق عنه كتير يعني.

يا نهارك مش فايت مفرقش عنه كتير؟ فستان طويل مغطي رجلي كلها ماشية بتكعبل فيه من كتر ما هو طويل وبكم!

بكم شفاف ما تكملي الكلام عدل وبعدين، كاد صالح أن يقول شيء لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة لإنهاء ذلك الجدال فالكل يُطالعهم بشك لا داعي لزيادة شكوكهم حتى إعلان الأمر بشكل رسمي هذا بعد أن تتخذ نانسي قرارها النهائي بشأن علاقتهما معًا بالطبع.

المهم إن شكلك حلو النهاردة.

شكلي حلو كل يوم شوفلك جملة غيرها.

ما هو أكيد مش هقولك الأزرق على الأسد بيمنع الحسد والقرف ده. علق صالح بإستنكار لتصمت ريتال لبرهة قبل أن تقول الآتي وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة:
كانت هتعجبني عادي بس ماشي.

لو كنت قولتها من الأول كنتِ هتقولي ياي أيه الطريقة السوقية اللي بتتكلم بيها دي يا صالح؟ بلدي موت يعني. علق صالح بسخرية مُلقدًا أسلوب نانسي في الحديث، صدرت منها ضحكة رنانة قبل أن تقول:
مش هتخانق معاك علشان أنا بتكلم كده فعلًا.

لا ما أنا حفاظك متقلقيش.

والله يا صالح كل مرة بنتكلم فيها بقلق أكتر من المرة اللي قبلها، هي الدنيا ماشية تمام بس في حاجة جوايا مش مرتاحة.

طب ليه النكد ده؟

عندك حق هنكد عليك بكرة الصبح إن شاء الله. علقت نانسي ساخرة قبل أن تتركه بمفرده وتركض نحو ريتال التي أشارت لها بأن تقترب كي يلتقط لهم المصور الفوتوغرافي صورة معًا.

عقبالك. تمتمت ريتال وهي تعانق نانسي بعد إلتقاط الصورة لتبتسم نانسي قبل أن تقول بمراوغة:
يارب، هعملها مفاجأة قريب. تمتمت نانسي وهي تغمز بإحدى عينيها قبل أن توجه نظرها نحو صالح بتلقائية شديدة الأمر الذي جعل ريتال تشعر بقليل من الضيق.

شعرت ريتال بالضيق لا الغيرة فهى ترى أن كلاهما يستحق شخص أفضل من الآخر وذلك لا يعني أن أيًا منهم شخص سيء لكن كل ما في الأمر أن كلًا منهم قد يجد شخصًا أكثرًا تفهمًا وقادرًا على تقديم الحب الذي فقده كلًا منهم لكن هما الإثنين معًا؟ شيء لم يكن يتقبله عقل ريتال بتاتًا لكنها سرعان ما نسيت بشأن ذلك الأمر حينما اندمج الجميع في الإحتفال مرة آخرى، ريتال بالكاد تتحرك على أنغام الموسيقى بخجل وهي تقف في دائرة ومن حولها صديقاتها وفتيات العائلة والقليل من الفتيات من عائلة تليد أما عن تليد فكاد أن يُحطم أرضية المكان من فرط القفز والرقص بعنف هو ورفاقه.

مرت الساعات سريعًا حتى انتهى الحفل على خير، كان الجميع سعداء ولم يعكر صفو اليوم أي شيء وفي صباح اليوم التالي حضر تليد إلى المنزل ليطلب منهم الذهاب والتنزه برفقة ريتال أو كما يقولون خروجة الخطوبة وبالفعل قام تليد بعمل حجز لطاولة لفردين في أحد الفنادق الفخمة ليتناول كلاهما الغداء سويًا، كان حديثهم كله يدور حول الحفل وكم كان كل شيء مثاليًا تقريبًا ومن ثم انتقل الحديث إلى المستقبل.

عايزين نبدأ نشوف هنجهز أيه في البيت.

حاسة لسه بدري أوي أحنا مش هنتجوز دلوقتي.

بيتهيألك على فكرة ما أنتِ شايفة ياسين وفريدة في آخر كام شهر ولسه مسحوليين برضوا مع إن الخطوبة كانت طويلة وبادئين من بدري.

بس حاسة الموضوع هيبقى صعب علشان أنتَ مش هنا طول الوقت وأنا أصلًا في اسكندرية.

ما هو أكيد أنتِ مش هتقفي مع العمال كده كده يعني، بابا موجود وياسين أخويا حبيبي موجود.

ده هيبقى لسه عريس جديد حرام عليك!

ما هو أحنا بيتنا مش بعيد أوي يعني عنهم هي الفكرة بس إنهم برا الكمباوند اللي أحنا فيه وكده كده الشقة مش عالطوب الأحمر يعني. وضح لها تليد وجهة نظره لتومئ ريتال قبل أن تقول:
خلاص على خير إن شاء الله، حاسة الحوارات دي كتيرة أوي وكبيرة عليا.

وعليا أنا كمان والله بس هنعمل أيه بقى؟ أكيد هنلاقي حل وهنعرف نتصرف، هنليسها يعني.

لا يا تليد يا حبيبي ده جواز، شغل بصمجة المواد ليلة الإمتحان دي مش هينفع هنا.

والله كله بيمشي بالبصمجة، إن شاء الله خير. أردف تليد لتضحك ريتال ويشاركها الضحك قبل أن يسود الصمت لبرهة بينما يتناول كلاهما الطعام قبل أن يقطعه صوت ريتال وهي تسأل تليد الآتي دون أي مقدمات:
تليد هو ينفع نروح نزور بابا؟

أونكل فؤاد؟ سأل تليد متعجبًا فهو لم يفهم لم تريد منه زيارة أباها الذي يقطن معها في المنزل نفسه أو ربما أراد أن يُسيء فهم حديثها كون الأمر أكثر منطقية على هذا النحو فمؤكد أنها لا ترغب في رؤية والدها الحقيقي.

عبدالرحمن يا تليد، هنا في القاهرة نروح نزوره لأنه طبعًا مقدرش يجي الخطوبة وهو، مش بيتحرك، يعني يعتبر، كانت كلماته تخرج بصعوبة مُثقلة بحزن عميق وجراح لم تستطع الأيام أن تُشفيها على الرغم من محاولاتها المستميتة، ابتسم تليد ابتسامة مُطمئنة وهو يقول بحنان:
أكيد طبعًا شوفي عايزة نروح أمتى، ممكن نخليها بعد بكرة لو حابة قبل ما أسافر ما كده كده هتبقى لسه في القاهرة علشان تسلمي عليا.

لا خليها بكرة أحسن.

طب ليه التعب؟ ما كده هنسافر القاهرة وبعدين هرجع معاكي على اسكندرية وبعدين هرجع تاني على القاهرة علشان السفر.

معرفش حاسة عايزة أروح بكرة مش عايزة استنى لبعده، تمتمت ريتال بإصرار شديد وكأن هناك شيء داخلها يرغمها على ذلك، لم يكن تليد يرفض لها طلبًا لذا وافق على الفور.

خلاص يا حبيبتي اللي يريحك.

معلش يا تليد حقك عليا بجد أنا على طول تعباك معايا ومدوخاك ورايا.

لو كل التعب حلو كده مستعد أتعب العمر كله.

ضحكت ريتال بخجل شديد لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها وهي تفكر في زيارة الغد والتي قررت عدم إخبار والديها بشأنها وأكتفت بإخبار جدها فقط ولم تعلم السبب كذلك، لقد كان الأمر كله نابعًا من داخلها لذا قررت فعل ذلك متجاهلة صوتها الداخلي الذي يصرخ فيها بعدم الذهاب لزيارته، لقد كانت غريقة صراع داخلي بين عقلها وقلبها.

في صباح اليوم التالي انتظرها تليد بالقرب من منزل عائلة والدها، قابلته ريتال بوجه مُرهق وأعين ذابلة وكأن السعادة واللمعة التي كانت داخل عيناها في حفل الخطبة قد تلاشت وكأنها لم تكن من الأساس، ابتسم ابتسامة صغيرة مرحبًا بها وحاولت هي جاهدة رسم واحدة على ثغرها.

جاهزة؟

جاهزة. أجابت ريتال بنبرة أقرب إلى الهمس وبنبرة حزينة، مازحها تليد قائلًا الآتي:
هو حد عارف إننا رايحين ولا هنقتحم عليهم البيت وكده؟

هنقتحم البيت وكده.

كانت تسير ريتال بخطوات مُثقلة قدمها بالكاد تقوى على حملها، أطرافها ترتعش متجمدة على الرغم من إعتدال الطقس، يبتسم لها تليد ابتسامة صغيرة محاولًا طمأنتها لكن للمرة الأولى لم تُفيدها نظرات تليد فلا شيء في هذه الدنيا قادرًا على التخفيف من وطأة آلم هذه اللحظة، كانت بوابة المنزل الحديدية غير مغلقة لذا مرت ريتال دون الحاجة عن إعلان حضورها وحينما وصلت أمام الباب أخرجت المفتاح من حوزتهل وكادت أن تقوم بفتح الباب لولا أن قال تليد الآتي:.

خبطي أحسن علشان أنا معاكي أفردي في حد كاشف رأسه ولا حاجة؟

اه صح، طرقت ريتال الباب ببطء لتسمع صوت خطوات من الداخل قبل أن يقوم صالح بفتح الباب، حينما وقعت عيناه على ريتال ظل يراقبها بدهشة شديدة قبل أن يبتسم ابتسامة صغيرة بينما يهمس:
ريتال! نطق حروف اسمها بلهفة وشوق لكن سرعان ما اندثرت تلك المشاعر حينما وقعت عيناه على تليد الذي كان يقف إلى الجانب...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة