رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل العاشر
لقد كانت جملة صغيرة، بسيطة، واضحة وكارثية في الوقت ذاته وهي كالتالي:
ده تليفون بابا. وقعت الجملة كوقع الصاعقة على أذن ريتال، برودة سرت في أطرافها فجاءة بالرغم من دفء المكان، شعرت بغصة في حلقها وقد توقف عقلها عن الإستيعاب ببرهة بينما شعرت بأن المكان يدور من حولها...
ساد الصمت لبرهة من الوقت بينما يصيح ذلك الطفل أو تلك الطفلة من الجانب الآخر قائلًا/ة:
ألو؟ أنتِ روحتي فين؟
لم تكن ريتال تستمع لم يقال فلقد شعرت بأن روحها غادرت جسدها لثانية قبل أن يأتيها صوت امرأة من الجانب الآخر من الهاتف وهي تعتذر قائلة:
ألو، أنا بعتذر جدًا ابني الصغير كان بيلعب في تليفون باباه واتصل بالغلط،.
برودة لم تعرف مصدرها اجتحات جسدها الهزيل بينما لم تستطع المسكينة سماع حرفٍ آخر بعد تلك الجملة حيث أنهت المكالمة سريعًا وهي تضع يدها على ثغرها المفتوح من هول ما سمعته بينما أعتلت الصدمة قسمات وجهها، طبقة بلورية شفافة تكونت على عيناها وشعرت بحرقة شديدة داخل صدرها...
إن والدها يخون والدتها، ياله من أمر شنيعٍ بحق!
لكن مهلًا، الكارثة لا تكمن هنا فحسب بل الكارثة الحقيقة هي أن والدها قد أنجب طفلًا من تلك المرأة!
مجرد التفكير في تلك الفكرة جعلتها تشعر بالإشمئزاز تجاه والدها، الإحتقار، الغضب والأهم، الخذلان.
هطلت دموعها بقوة على وجنتيها كما ينهمر المطر شتاءًا و هذه المرة حاولت جاهدة ألا تصدر أي صوت لكي لا يصل صوت شهقاتها إلى والدتها النائمة لكنها في النهاية فشلت في ذلك حيث رج صوت نحيبها أرجاء الحجرة من حولها...
في تلك الأثناء شعرت بمعدتها تتقلص بشكل فجائي ورهيب حتى أنها لم تدري ماذا تفعل سوى الهرولة نحو دورة المياه وبمجرد أن فعلت أخذت تتقيء كل الطعام الذي تناولته، مرت ثوانٍ قليلة قبل أن تجد والدتها قد أقتحمت المكان وهي تهرول نحوها بفزع وبأعين نصف مغلقة دلالة على أنها استيقظت للتو من نومٍ عميق وهي تسألها بإضطراب:.
مالك يا ريتال؟ حصل أيه؟ كانت والدتها تسأل دون انتظار إجابة بالطبع لكنها فعلت ذلك كردة فعل طبيعة من القلق.
بعد مرور بضعة دقائق حاولت زينة أن تساعدها على النهوض ولحسن الحظ استطاع النجاح في ذلك ولكن بصعوبة، قامت زينة بغسل يد ووجه ريتال وحاولت أن تساعدها على السير نحو الخارج لكن الأخيرة لم تكن تملك ذرة من القوة لتحريك جسدها ولقد ازداد ثِقل جسدها لينزلق ذراعها من بين يدي والدتها لتسقط ريتال على الأرضية الباردة وهي تنتحب من شدة الآلم الجسدي والنفسي كذلك.
خليكي هنا، أنا ثواني وهاجي، متخافيش. تمتمت زينة بتلعثم وهي تتجه نحو الخارج مسرعة بحثًا عن هاتفها بينما شرعت تبحث عن رقم شقيقة زوجها، صدح الجرس في المكان لكنه استمر لبعض الوقت قبل أن تنتهي المكالمة لأن الأخيرة لم تجيب.
اعمل أيه طيب؟ اعمل أيه؟ أخذت تسأل نفسها وهي تحاول أن تفكر في حل آخر مثل أن تقوم بمهاتفة أحدى الصيدليات لكي تحضر دواء للمعدة أو ربما حقنة ستفي بالغرض لكنها لم تستطع العثور على الرقم أو ربما لم تستطع رؤيته من فرط التوتر.
في النهاية قررت أن تهاتف شخص آخر قد يستطيع مساعدتها ولقد وقع اختيارها على صالح فهو يخلد إلى النوم في وقت متأخر لربما كان مستيقظ الآن، وبالفعل بمجرد أن هاتفته أجاب وجاءها صوته القلق من الجانب الآخر لكنه كان ناعس: حصل حاجة يا طنط؟ حضرتك كويسة؟
أنا كويسة بس ريتال تعبانة أوي، صحيت فجاءة وفضلت ترجع وعمتك مش بترد ومش لاقيه رقم الصيدلية ومش عارفة اتصرف،
طيب خلاص اهدي خالص أنا هعدي على عمتو اصحيها وهروح الصيدلية اشتري حقنة ودواء متقلقيش عشر دقائق بالضبط وهبقى عندك.
أنهت زينة المكالمة وعادت إلى ريتال التي كانت في الوضعية ذاتها قبل أن تتركها والدتها، كررت زينة محاولة مساعدتها على النهوض وإخراجها من دورة المياه وأخيرًا قد نجحت في فعل ذلك ومن ثم قامت بمساعدة ريتال على التمدد على سريرها لحين قدوم صالح وعمتها.
بعد عشرة دقائق تقريبًا وصل إلى أذن زينة صوت الباب لتهرول نحوه بعد أن ارتدت إسدال الصلاة ولقد كانت شقيقة زوجها وبرفقتها صالح والدواء، أفسحت زينة لهم المجال للدخول لتدلف غادة بينما وقف صالح يطالع زينة بقليل من الحرج.
الحاجة اللي حضرتك طلبتيها، هو في حد فيكوا أصلًا هيعرف يديها الحقنة؟
اه اه متقلقش، معلش تعبناك معانا وقومتك من النوم مخضوض. اعتذرت منه زينة بإحراج شديد وتوتر واضح ليحك صالح مؤخرة عنقه بقليل من الخجل وهو يُردف:
لا لا مفيش حاجة، أنا هستنى تحت بس هفضل صاحي هستناكي تطمنيني عن ريتال.
حاضر أكيد، شكرًا مرة تانية. شكرته زينة مرة آخرى وقد فهم من نبرتها أنه على عُجالة من أمرها تود العودة إلى ريتال لينهي صالح المحادثة سريعًا وهو يتجه إلى الطابق خاصته هو ووالده.
بالفعل كانت الحُقنة الطبية جيدة لحالة ريتال فلم يمر سوى بضعة دقائق وكانت الأخيرة قد تحسنت حالتها قليلًا على الأقل استطاعت أن تهدأ وتتوقف عن النحيب.
سلامتك يا حبيبة عمتو. تمتمت غادة بالقرب من أذن ريتال حيث كانت تجلس إلى جانبها لكن ريتال لم تنبس ببنت شفة بل لم تتغير تعابير وجهها وكأنها فقدت حاسة السمع والنطق في آنٍ واحد.
شوفتي يا غادة المرمطة اللي أنا فيها لوحدي، يعني لولا إنك موجودة وصالح ربنا يخليه كان زماني محتاسة ومش عارفة أعمل أيه، مش لو كان عبدالرحمن هنا كان زمانه وداها للدكتور ولا عرف يتصرف،.
حينما سمعت ريتال جملة والدتها ابتسمت بسخرية كبيرة فهي تعلم جيدًا أين والدها الحبيب، إنه الآن نائم في سلام في أحضان عائلته الجديدة التي قرر أن يبنيها على أنقاض عائلته الأولى، وفي الغالب هو يعتني الآن بطفله أو طفلته الجديد/ة تاركًا إياها هنا وحيدة برفقة والدتها الشابة المسكينة، أربعة حيطان خانقة، وأرضية باردة لمنزل لم تعرف فيه قط دفء العائلة وحنانها...
تعالي نكمل كلام برا يا زينة علشان ريتال تعرف تنام شوية،.
مش هينفع أقوم من جنبها،.
دقيقة بس.
طيب حاضر، ريتال ثواني وهجيلك تاني. تمتمت زينة لتومئ ريتال بهدوء وهي تراقب والدتها التي تبعت عمتها نحو الخارج.
بصي أنا هنزل دلوقتي و شوية كده لما ريتال تنام وتصحى هعملها شوية شوربة خضار علشان بطنها تروق. أعلنت غادة بإهتمام حقيقي لم تراه زينة داخل عيناها من قبل لتبتسم زينة بإرهاق وهي تشكرها قائلة:
ربنا يخليكي يا حبيبتي، بس بجد مفيش داعي تتعبي نفسك أنا شوية كده وهعملها أنا حاجة تاكلها وهديها الدواء.
لا يا زينة كده أزعل منك، أحنا مفيش شكر بينا ولا حاجة، وبعدين يعني هو أنا بعمل علشان خاطر جمال عيونك؟ ما كله لبنت أخويا في الآخر.
وقفت زينة تطالع شقيقة زوجها في صدمة وقد عجز عقلها عن إيجاد الرد المناسب لتتنهد بحنق قبل أن تعقب على حديث الأخيرة مُردفة:
شكرًا يا غادة كتر خيرك، بس صدقيني أنا هعرف أخد بالي من بنتي كويس وأكلها حلو.
تاخدي بالك منها كويس أيه بس؟ هو أنتِ كنتِ عارفة تاخدي بالك منها وهي سليمة لما هتاخدي بالك منها وهي عيانة.
كانت الجملة قاسية وغير مفهومة بالنسبة إلى زينة والتي أمتعض وجهها على الفور وكانت على وشك الشجار لكن بعد التفكير لثوانٍ قررت أن تكتم كل ذلك الغضب داخلها لبعض الوقت، على الأقل حتى تحسن حالة ريتال لكي لا تتركها وحيدة أكثر من ذلك، وحين قدوم الوقت المناسب ستأخذ ردة فعل ليس على هذا الموقف بالتحديد بل على كل تصرفات غادة متجمعة.
ماما، همست ريتال بصوتٍ ضعيف لتودع زينة غادة سريعًا قبل أن تعود إلى ابنتها، تتمدد إلى جانبها على السرير بينما تهمس:
أنا أهو يا حبيبتي، متخافيش أنا جنبك.
ماما ممكن متسيبنيش؟ أوعي تطلعي زيههم، أوعي يا ماما، كانت ريتال تهمس ولم تكن زينة تستوعب ما تقوله وقد اعتبرت قولها أشبه بالهلوسة من فرط التعب.
كان صالح ينتظر في حجراه مكالمة زينة لكي يطمئن على صحة ريتال لكنها أنشغلت ونسيت تمامًا طلبه أما عنه فصمد لساعة ونصف تقريبًا قبل أن يغلبه الناس مجددًا ولكن في صباح اليوم التالي وبمجرد أن فتح عيناه بدل ثيابه المنزلية سريعًا وشرع يبحث عن عمته لكي ترافقه إلى شقة عمه.
بالفعل صعد صالح وعطر برفقة عمته للإطمئنان على ريتال والتي كانت قد استيقظت بالفعل لكنها كانت تجلس في سريرها وقد شعرت بقليل من التحسن لكنها لم تشعر بالقوة الكافية لمغادرة حجرتها بل لم تسمح حالتها النفسية بذلك وحينما دلفت والدتها إلى حجرتها لتخبرها بوجود صالح بالخارج كانت تنتظر أن تتهلل أساريرها لكن على العكس تمامًا احتفظت بتعابير وجهها الجامدة ولم تنبس ببنت شفة.
أنتِ سمعاني يا حبيبتي؟ بقولك صالح برا وعطر وعمتك طبعًا طلعوا يطمنوا عليكي، بس جدتك مش معاهم أحنا محبناش نقلقها أو كده وكمان أنتِ الحمدلله أتحسنتِ.
ماشي، همست ريتال بضعف قبل أن تساعدها والدتها على الإعتدال في جلستها ثم منحتها إسدال الصلاة لترتديه في وجود صالح.
دلف ثلاثتهم إلى الحجرة وبمجرد أن لمحت ريتال صالح شعرت بحرارة في وجهها خجلًا فهي لا تذكر متى كانت آخر مرة قد زارها صالح في حجرتها، على الأغلب منذ خمسة سنوات حينما كان يساعد والدها في نقل أغراضها إلى الحجرة حينما انتقلوا إلى هذا المنزل.
رسم صالح ابتسامة صغيرة على ثغرة وهو ينظر نحو ريتال ولكن بمجرد أن رأى حالتها أختفت ابتسامته تلك وظهر مكانها قلق شديد فلقد بدت ريتال شاحبة كالموتى، عيناها مُحمرة من فرط البكاء وتعبيرات وجهها جامدة وكأنها تعرضت للصدمة للتو، استطاع صالح أن يستنتج سريعًا أن شيء ما سيء قد حدث.
عاملة أيه دلوقتي؟ على فكرة أنا زعلت أوي لما عرفت إنك تعبانة سلامتك، كانت عطر تثرثر بطريقتها الطفولية المعتادة ليظهر شبح ابتسامة على ثغر ريتال ولكن سرعان ما اختفى دون أن تُعقب على حديث الطفلة.
هي مش بترد عليا ليه؟ ريتال أنتِ سمعاني؟
معلش يا توتو هي تعبانة شوية بس هي سمعاكي يعني ومبسوطة إنك هنا. أجابت زينة بدلًا عن ريتال موضحة ما حدث للصغيرة كي لا تحزن.
في تلك الأثناء كان صالح وريتال يتبادلون النظرات، لمح هو في عيناها إمارات التيه وصرخات مكتومة طلبًا للنجدة والمساعدة بينما رأت هي نظرات دافئة ومحاولة بائسة منه في إخبارها أنه بجانبها وأنه لا داعي للقلق، قطع التأمل الطويل صوت العمة وهي تتمتم ساخرة:
الظاهر كده إن ريتال وصالح فقدوا النطق وشكلنا هنقضيها تسبيل للصبح.
طنط زينة هو ينفع في نص اليوم كده لما ريتال تبقى كويسة ننزل نذاكر تحت في الجنينة؟ قصدي يعني أنا وهي ونانسي وعطر بما إن كلنا هنبدأ امتحانات يعني شهر وميدترم وكده.
تحدث صالح بهدوء محاولًا إقناع زينة والذي يعلم أنها غالبًا سترفض طلبه خوفًا على ريتال ولكنه يريد أن ينفرد بها ليتحدث إليها ولو لبضعة دقائق لكي يفهم ما حدث.
مش عارفة يا صالح ريتال لسه تعبانة مش عارفة هتقدر تنزل تحت ولا لا، أخاف تتعب.
دول هما سلمتين يا طنط متقلقيش بقى، وبعدين ما أنا ونانسي وتوتو هنبقى معاها وتيته هتبقى جنبنا أساسًا لو حصل حاجة بعد الشر يعني هنبقى كلنا معاها.
ماشي خلاص لو ريتال معندهاش مشكلة، رأيك أيه يا حبيبتي؟
الآن أصبحت الكرة في ملعب ريتال والتي صمتت لبرهة وهي تسأل نفسها الآتي: هل ستقوى على الإجابة على أسئلة صالح؟ هل ستستطيع البوح بذلك السر الذي عرفته بالأمس والذي يجثو فوق صدرها مانعًا إياها من التنفس؟ وماذا ستكون ردة فعله؟ فهو على الأغلب لن يستطيع مساعدتها غير بكلمات شفقة لا حاجة لها...
رفعت ريتال عيناها وهي تنوي أن تُخبر والدتها بأنها لن تقدر لكن نظرة الرجاء داخل عيناه جعلتها تضطر إلى الموافقة في النهاية، وبالفعل حينما اقترب وقت غروب الشمس كانت ريتال قد تناولت صحنًا من (شوربة الخضار) بإصرار شديد من والدتها قبل أن تتجه نحو الحديقة لكي تتحدث إلى صالح.
أحنا قدامنا خمس دقائق بالضبط قبل ما نانسي وتوتو يجوا لازم نتكلم بسرعة. تمتم صالح وهو يتلفت حوله ليتأكد من عدم وجود أحدهم يحاول التنصت على محادثتهم، لم تُجيبه ريتال بل اكتفت بأن تؤمي ب حسنًا.
ممكن تحكيلي حصل أيه؟ مين زعلك وأنا أجيبلك حقك منه؟ حد في المدرسة ولا في النادي؟
سألها صالح بقليل من الحدة وهو يعني كل كلمة يقولها فهو لن يتردد في تلقين من يحزن ابنة عمه درسًا لا يُنسى، نمت ابتسامة ساخرة على ثغر ريتال قبل أن تتحول إلى ضحكات متقطعة مُريبة ليطالعها صالح بتعجب قبل أن تُردف:.
متأكد يا صالح إنك هتعرف تجبلي حقي من اللي زعلني وكسرني؟ سألته ومازالت السخرية واضحة في نبرتها ممزوجة بإبتسامة مزيفة ليعقد صالح حاجبيه وتضطرب ملامحه، فلقد شعر بالإهانة جملة ريتال حيث بدت وكأنها تشكك في قوته وشجاعته.
مش واثقة في قدراتي للدرجة ولا أنتِ شايفاني هزوء ولا أيه؟
قولي يا صالح، هتعرف تجيبلي حقي من بابا؟ سألته بمراوغة وهي تشعر بالدموع تتجمع في عيناها تلقائيًا لكنها لم تسمح لها بالإنهمار بل كفكفت عيناها سريعًا بينما احتفظت بذات النظرة الجامدة القوية.
أعتلت الدهشة ملامح وجه صالح على الفور ومن ثم زم شفتيه لثوانٍ محاولًا استيعاب ما قالته ومحاولًا وضع احتمالات لم حدث وإن كان في الواقع قد توقع بالفعل نظرًا للمحادثة التي جرت بينه وبين ريتال في السابق وبعد حديث والده المُريب عن كون عمه رجلًا راشد يحق له فعل كل ما يحلو له ولا يحق لأحد أن يقوم بمحاسبته، الآن فقط قد بدأ صالح في تكوين صورة منطقية للوضع.
هو عمو عبدالرحمن،.
يعرف واحدة على ماما وخلف منها، بصقت ريتال جملتها وقد شعرت بالإشمئزاز وهي تنطقها، لا تصدق أنها تتحدث عن والدها بتلك العبارة السيئة...
أيه؟ أنتِ بتقولي أيه؟ أنتِ عرفتي منين الكلام ده ومين اللي قالك كده أصلًا؟ بابا ولا مين؟
كانت تراقب تعبيرات وجهه المضطربة ببرود تام فلقد تخطت مرحلة الهلع في البضع ساعات الماضية ولكن نهاية جملته استوقفتها وجعلتها تعتدل في جلستها وقد عقدت حاجبيها قبل أن تسأله:
لا لا ثواني كده مش فاهمة، هو عمو أحمد عارف الموضوع ده؟ وأنتَ كنت عارف وخبيت عليا؟
اتخذت ريتال وضع الهجوم على الفور وقد استقامت من مقعدها بعصبية ومن حركتها المفاجئة تزحزح وشاح رأسها قليلًا لتظهر خصلات شعرها ليشيح صالح بنظره بعيدًة عنها على الفور وهو يحاول توضيح موقفه قائلًا:
صدقيني أنا زي زيك يا ريتال مش عارف حاجة، وأكيد لو كنت أعرف معلومة زي دي كنت هاجي أعرفك طبعًا، اللي حصل إن لما أنا وبابا اتخانقنا هو كان متنرفز وقال كلام غريب حسيت منه إنه عمو أحمد ممكن يعني،.
صمت صالح لبرهة وهو يحاول جاهدًا انتقاء ألفاظه جيدًا حفاظ على مشاعرها لكن ذلك لم يشكل فارقًا كبير فلقد بدأت ريتال في الإنهيار مجددًا رغمًا عنها وهي تستمع لحديثه، أدرات وجهها إلى الجهة الآخرى وهي تتنفس بقوة محاولة تجميع أكبر قدر ممكن من الأكسچين داخل رئتيها قبل أن يستطرد هو:.
بصي اللي فهمته إنه يعني عمو أحمد متجوز أو، مرتبط بأي شكل من الأشكال بواحدة تانية غير طنط زينة، لكن أنه مخلف؟ دي كارثة بصراحة!
أنا مش عارفة أفكر يا صالح ومش عارفة اعمل أيه، وماما، ماما لما تعرف هيحصلها أيه؟
كانت تسأل ريتال بنبرة مرتجفة من بين دموعها وقد اتسعت عيناها بخوفٍ حقيقي أثناء تخيلها لردة فعل والدتها حينما تعرف الحقيقة، لم يجد صالح ما يقوله لذا وقف يطالعها بتعاطف وحزن شديد لتتابع هي بنبرة جادة:
بس لازم تعرف، ماما مينفعش تعيش مخدوعة أكتر من كده، ده ظلم يا صالح ظلم! صاحت ريتال بنبرة أقرب إلى الصراخ ليقترب منها صالح قليلًا وهو يضع أصبعه فوق شفتيه بينما يهمس:
صه ريتال وطي صوتك حد هيسمع!
بقولك أيه، اللي يسمع يسمع أنا مش فارق معايا حاجة أو حد! صاحت ريتال بنبرة غاضبة أكثر وهي تدفع صالح من كتفه دون وعي منها، صُعق صالح لبرهة لكن سرعان ما استعاد تركيزه لعلمه بأنها ليست في وعيها حاليًا.
أطلق صالح تنهيدة كبيرة وهو ينظر إلى السماء قبل أن يأخذ نفس عميق ثم يقول:
ريتال ممكن تسمعيني بعد إذنك؟ اللي أنتِ بتعمليه ده مش صح ابدًا، أيوا أحنا فعلًا لازم نقول لطنط زينة أنتِ عندك حق بس برضوا لازم نختار الطريقة المناسبة اللي نعرفها بيها!
ليه يا بابا؟ ليه عملت فينا كده؟ أنا كنت بحبك، كنت بثق فيك وبقول إنك الوحيد اللي هيحميني لو أي حاجة وحشة حصلت، أنتَ الراجل الوحيد اللي بحبه، تقوم أنت نفسك اللي تعمل فيا كده؟
كانت ريتال تسأل بإنكسار شديد وتوجه تلك الاسئلة لوالدها كما لو كان واقفًا أمامها ولكنها لم تكن تعلم أن نانسي وقفت تستمع إليهم من بعيد ولم يكن هذا هو الجزء السيء من الأمر بل الأسوء أن نانسي قد جاءت في منتصف جملة ريتال فلقد ظنت نانسي أن ريتال توجه تلك الكلمات إلى صالح ولقد تأكدت الآن شكوكها حول وجود علاقة بينها وبين صالح!
كانت تنوي نانسي أن تُكمل استماعها للحوار الذي يدور بينهم لكنها فوجئت بجسد صغير يلتصق بها من جانبها الأيمن ولقد كان عطر.
نانسي، هو أنتِ ليه واقفة هنا؟ هو أنتِ واقفة علشان تسمعي صالح وريتال بيقولوا أيه؟ بس كده حرام وغلط على فكرة.
بس وطي صوتك! بسمعهم أيه بس ده؟ لا طبعًا ده أنا أصلي وقعت فردة الحلق بتاعتي وكنت بدور عليها. أختلقت نانسي تلك الكذبة سريعًا ظنًا منها أن عطر سهلة الإقناع كونها طفلة ولكن الذي لم تكن تُدركه أن الأطفال قد تطورت عقليتهما كثيرًا حيث أن عطر لاحظت أن نانسي لم تكن ترتدي حلقًا في أحدى أذنيها من الأساس!
صالح أنا جيت، يلا بقى علشان نذاكر عربي مع بعض علشان صعب أوي. أردفت عطر بمرح طفولي ليومئ صالح بنصف انتباه بينما عاود النظر إلى ريتال والتي لم تكن تنظر إليه بل كانت تنظر إلى الفراغ.
ريتال بقولك أيه تعالي نذاكر English مع بعض بما إنها مادة مشتركة بينا.
عرضت نانسي على ريتال بملل شديد وهي تُلقي بالكتب خاصتها أعلى الطاولة بإهمال ثم جلست على الكرسي المقابل لخاصة ريتال لكن الأخيرة صمتت لبرهة قبل أن تقول بحزم:
أنا مش قادرة، هطلع أذاكر فوق في أوضتي.
كاد صالح أن يلحق بها على الفور كي يتأكد من أنها قد أقتنعت بما قاله وأنها لن تُخبر والدتها لكن أوقفه صوت نانسي وهي تتحدث بنبرة خبيثة قائلة:
سيبها على راحتها يا صالح، شكلك زعلتها أوي.
أفندم؟ أنا بقترح تخليكي في حالك أحسن ده بعد إذنك يعني.
أما نشوف. كان تعليقها غير مفهوم بالنسبة لصالح وخاصة بعد أن ارتسمت ابتسامة ثعبانية على ثغرها لكن لم يكن وضع صالح يسمح له بالإنشغال بألاعيب نانسي الطفولية تلك فما حدث مع ريتال كان يشغل كامل تفكيره.
في صباح يوم الأحد اضطرت ريتال إلى الذهاب إلى المدرسة نظرًا لأن الإختبارات الشهرية من المفترض أن تبدأ اعتبارًا من هذا اليوم وبالرغم من أن ريتال لم تستطع الإنتهاء من المذاكرة إلا أنها قررت الذهاب على أي حال.
كانت تجلس إلى جانب حنين بشرود تام وقد لاحظ الجميع ذلك والمقصود بالجميع هو عالية، حنين وتليد و شلة الأفاعي خاصة چودي.
طب أنتِ خايفة من الإمتحان؟ دي امتحانات شهر يعني متقلقيش.
تمتمت عالية محاولة طمئنة ريتال لتومئ الأخيرة دون أن تنبس ببنت شفة لترمقها حنين بقليل من الشك قبل أن تقترب من أذن عالية وتهمس:
أتوقع إن ريتال مش خايفة هي والله أعلم شكلها متخانقة معاهم في البيت، يلا ربنا يهدي الحال البيوت ياما مخبية.
هو أنا بتكلم مع تيته؟ في أيه يا حنين؟
ما هو أنا عايزة اتطمن عليها بس في نفس الوقت مش عايزة أبقى متطفلة.
بنات، بنات، أنا كويسة مفيش حاجة، أنا بس معدتي مش مضبوطة ومش نايمة كويس،.
كذبت ريتال لكي تنهي الجدل بين عالية وحنين وفي الوقت ذاته لأنها لا تملك طاقة للتفسير بل لا يوجد شيء يمكن تفسيره من الأساس، فماذا عساها تقول؟ لقد رحل أبي عني أنا وأمي بحجة العمل فقط لكي يقضي وقتٍ مع عشيقته وابنه أو ابنته الخفية!
يا تليد تعالى اقعد جنبي بقى! صدرت تلك الجملة من چودي والتي كانت تحاول جذب تليد من ذراعه لكنه أفلته من يدها على الفور قبل أن يُردف بضيق:
قولتلك مش هقعد جنب حد، روحي إلعبي بعيد بقى وبلاش صداع.
أخس عليك يا تليد، بجد أنتَ بقيت رخم خالص.
قولتلك ابعدي يا چودي بقى! صاح تليد بإنفعال شديد وهو يصفع مسند مقعده بعنف لتنتفض چودي من موضعها وتتراجع بضع خطوات.
في تلك الأثناء كانت جميع الأعين مسلطة نحو تليد والذي وجه نظره نحو الأعين الفضولية وهو يتابع صياحه قائلًا بنبرة لا تخلو من الإحتقار:
في أيه؟ ما كل واحد يبص قدامه!
كان يتجول بعيناه نحو الجميع لكنه توقف حينما لمح ريتال، لقد بدت بشرتها شاحبة وكأنها عادت من الموت للتو بالإضافة إلى عينيها المنتفخة دلالة على شيء من اثنين إما أنها أكثرت البكاء أو النوم.
كانت تطالعه ريتال بهدوء شديد دون وجود تعابير واضحة على وجهها مما جعل تليد يتعجب قليلًا فلقد كان ينتظر أن ترتسم ابتسامة نصر أو سخرية على ثغرها نتيجة ما فعله تليد مع چودي قبل قليل لكن على العكس تمامًا هي لم تُبدِ أي ردة فعل مما جعل القلق يتسرب إلى داخل قلبه فهي لم تبدو بخير...
أمتعض وجه تليد أكثر حينما أدرك أنه لن يستطيع أن يسألها عن السبب لأنها قد طلبت منه أن يتوقف عن محادثتها وهو يحاول جاهدًا أن يلتزم بالإتفاق الذي دار بينهم هذا على اعتبار أنه كان اتفاقًا من الأساس وكأن ريتال لم تجبره على ذلك.
تليد عايزاك ضروري بعد الإمتحان.
بسم الله الرحمن الرحيم هو أنتِ أيه اللي جابك هنا يا بنتي؟ هو مش أنتِ فصلك هناك؟
قولت أجي أسلم عليك، مالك متعصب ليه؟ لا وخليت چودي تخرج تعيط وبتاع.
خليكي في حالك يا نانسي لا تحصليها. تحدث تليد بملل شديد فلا طاقة له لچودي أو نانسي أو أي فتاة على شاكلتهم فلقد كان الصداع الذي في رأسه يكفيه.
على العموم براحتك مع إني كنت هقولك حاجة ليها علاقة بحد كده أنتَ مهتم بيه. بصقت كلماتها بنبرة خبيثة وهي تلتفت نسبيًا بينما تشير بعيناها نحو ريتال ثم تعاود النظر نحو تليد.
قولي اللي عندك خلصي.
هبقى أقولك في ال Break وقت الإستراحة.
قالت نانسي بثقة شديدة قبل أن تأخد أحد أقلامه الموضوعة أمامه ثم تذهب دون أن تنتظر رده، لكنه استقام على الفور وهو يُردف:
خدي هنا، تجاهلته هي تمامًا وأكملت سيرها نحو الخارج، أطلق سبة بصوتِ منخفض وكان على وشك اللحاق بها لكنه اصطدم بمعلم اللغة الإنجليزية.
يلا يا شباب كل واحد يقعد مكانه علشان نبدأ.
في منتصف اليوم كانت تجلس ريتال وحدها تتناول
طعامها وسط صخب شديد نظرًا لكونهم في وقت الإستراحة، لمحت ريتال وجوه مألوفة بالنسبة إليها سبع فتيات من صفها وكان أبرزهم چودي والتي كانت تقف إلى جوار نانسي.
تجاهلتهم ريتال لكن سرعان ما تخلل أذنها صوت لم يكن مريح بالنسبة إليها، ضحكات أنثوية مصطنعة متتالية، إنها تعرف تلك الضحكات والتي عادة ما تكون ناجمة عن السخرية أو التنمر...
رفعت ريتال عيناها مجددًا لتجد ثلاث فتيات يطالعونها بإحتقار شديد بينما كانت چودي تنظر إليها بسخرية شديدة قبل أن تقترب من ريتال بخطوات واثقة ثم تُردف الآتي:
إلا قوليلي يا نانسي، هي البنت اللي بتجري ورا ولدين في نفس الوقت بيبقى اسمها أيه؟ ألقت نانسي سؤالها كما لو أنها تتحدث إلى نانسي ولكن كان من الواضح أنها توجه حديثها إلى ريتال.
ثواني كده خليني أفكر، ممكن، ريتال! أجابت نانسي بنبرة درامية قبل أن تنفجر ضاحكة بإصطناع واضح هي وچودي.
لم تنبس ريتال ببنت شفة حيث أنها شعرت بنبضات قلبها تزداد ولقد شعرت بأن صوتها قد انقطع فلم تعد قادرة على التفوه بأي كلمة لذا قررت الإنسحاب كما تفعل في مثل هذه المواقف.
ولكن ذلك لم يحدث حيث أنها بمجرد أن استقامت من مقعدها دفعتها چودي بقوة لتجبرها على الجلوس مجددًا وهي تسألها بإزدراء:
أيه رايحة فين الكلام زعلك ولا أيه؟
بعد، بعد إذنك ممكن أمشي؟ تمتمت ريتال بنبرة أقرب إلى الهمس ولقد كان الهلع واضحًا عليها لتقهقه چودي ثم تُعقب على حديثها قائلة:
أيه ده؟ أيه موضوع التهتهة في الكلام ده؟ جديد أول مرة أخد بالي.
حرام بقى يا چودي دي ريتال شكلها هتموت من الرعب خلاص خليها تمشي أظن الرسالة خلاص وصلتلها. همست نانسي وهي تبتسم بإنتصار قبل أن تسمح چودي لريتال بالذهاب والتي أخذت تسير بخطوات واسعة مبتعدة عنهم.
دلفت ريتال إلى دورة المياه مسرعة ومن ثم أغلقت الباب من خلفها لكي تسمح لنفسها بالبكاء على راحة وسرعان ما عاد إليها ذلك الشعور البشع والذي لم تكن تدري ماذا يمسى لكن ما كانت تعرفه هو أنها تشعر بتقلصات شديدة في معدتها ورغبة ملحة في القيء بالإضافة إلى معدل خفقان سريع في القلب ورجفة في قدميها مع بكاء هستيري.
كان صوت بكاءها غير واضح نظرًا لتداخل الأصوات داخل ساحة المدرسة وبالقرب من دورة المياه ولكن لحسن الحظ كانت أحدى المعلمات تسير بالقرب من دورة المياه ولقد تسلل إلى أذنها صوت بكاء ريتال لتقتحم المكان سريعًا وهي تطرق الباب بقوة.
أنتِ كويسة؟ ممكن تفتحي الباب؟ أنا هساعدك لو في حاجة متخافيش، لم تملك ريتال القدرة على الوقوف على قدميها وفتح الباب مما جعل هلعها يزداد لشعورها بالضعف والخوف في الوقت نفسه.
طيب بصي أبعدي عن الباب وأنا ممكن أشوف حد يحاول يفتحه أو يكسره. زادت هذه الجملة من اضطراب ريتال لأنها لم تكن تريد أن يعرف أحد عن حالتها تلك لذا حاولت جاهدة الصمود وفتح الباب وبالفعل استطاعت فعل ذلك ولكن بصعوبة بالغة.
أنتِ كويسة؟ مالك في أيه؟
عايزة ماما، كانت هذه جملتها الأخيرة قبل أن تسقط على الأرض مغشيًا عليها.
فتحت ريتال عيناها ببطء حينما تسلل إلى أذنيها صوت أنثوي مألوف ينتمى إلى عمتها، أغلقت عيناها متألمة من شدة الإضاءة قبل أن تفتحها مجددًا وهي تنظر حولها، لقد كانت ممدة على الأريكة في المكتب خاصة عمتها في المدرسة وبمجرد أن حاولت التحرك لاحظت المعلمة التي ساعدتها في السابق لتهرول نحوها بقلق بينما تسألها:.
أخبارك أيه دلوقتي؟ نظرت ريتال إلى تلك المعلمة الشابة ذات الأعين الخضراء والتي كان القلق واضحًا عليها، حاولت ريتال أن تُجيبها لكن الأمر كان غاية في الصعوبة نتيجة لجفاف حلقها ولكنها في النهاية استطاعت أن تهمس بالآتي:
الحمدلله،.
ريتال فوقتي أخيرًا؟ ده نانسي كانت هتموت من القلق عليكي، عالعموم أحنا كلمنا زينة وهي جاية في الطريق دلوقتي.
أومئت ريتال بضعف شديد وقد اضطربت تعبيرات وجهها حينما سمعت اسم نانسي، تلك البغيضة التي دفعتها إلى تلك الحالة قد أوهمت الجميع بأنها تهتم لأمرها يالها من عبارة كوميدية!
أنتِ أيه اللي حصلك ده؟ حد زعلك ولا أيه؟
وأيه علاقة الزعل بالتعب ده يا ميس نادين؟ سألت عمة ريتال بسخرية لتتنهد المعلمة الشابة وهي تتجاهل سؤال مديرة المدرسة الساخر وعاودت النظر نحو ريتال والتي بدت وكأنها غير مستعدة للإجابة على هذا السؤال على الأقل في الوقت الحالي.
بصي أنا هسيبك ترتاحي دلوقتي بس هيبقى لينا قاعدة مع بعض اتفقنا؟
حاضر. همست ريتال وهي تحاول جاهدة رسم ابتسامة صغيرة على ثغرها ولكن سرعان ما تلاشت تلك الإبتسامة حينما أقتحم أحدهم الباب وقد كان القلق باديًا على وجهه، انتفضت ريتال من موضعها وهي تهمس بتعجب:
صالح؟
ده أخوكي؟ سألت المعلمة حينما رأت تعبيرات وجه صالح لتنظر ريتال نحو المعلمة ثم نحو صالح قبل أن تُكرر الأمر وهي تُجيبها:
ايوا، لا، يعني،.
أنتِ أيه اللي حصلك؟ تعبتي تاني صح؟ أنا قولت من الأول مكنش المفروض تنزلي المدرسة وأنتِ تعبانة كده.
هي مش أول مرة تتعب كده؟ أقتحمت المعلمة الحوار بين صالح وريتال ليعقد صالح حاجبيه وهو يُردف متعجبًا:
لا ثواني أول مرة يحصلها أيه؟ مش هي بطنها وجعتها ورجعت ولا أنا فاهم غلط؟
لا هو مش ده اللي حصل بالضبط، كانت المعلمة على وشك توضيح ما حدث بالتفاصيل لصالح لكن حجرة المكتب قد أُقتحمت مجددًا ولكنها كانت والدة ريتال هذه المرة لتتنهد الأخيرة براحة وهي تعانق والدتها بقوة.
ماما،.
حبيبتي أنتِ كويسة؟ أيه اللي حصل؟
مفيش حاجة مفيش حاجة، أنا بس كنت دايخة ومعدتي تعبتني بس أنا تماما.
كذبت ريتال حينما رأت الرُعب والقلق داخل عين والدتها، كانت المعلمة والتي لم تكن تعلم ريتال اسمها كانت تنوي أن تُضيف بعد التفاصيل لجملة ريتال لكن ريتال لم تسمح لها حيث طلبت من والدتها أن يعودوا إلى المنزل لأنها بحاجة إلى الراحة.
تعالي يا طنط هوصلكوا البيت وبعدين هرجع على الكلية وبليل لما أجي ناخد ريتال ونروح للدكتور.
لا لا دكتور أيه، أنا بقيت كويسة أنا بس هاخد أي دواء من اللي في البيت وهبقى كويسة.
قالت ريتال وهي تتشبث بذراع والدتها وتحاول السير بخطوات سريعة بحيث تبتعد عن صالح قدر المستطاع حتى لا يراها أحدٍ برفقته فلقد كان يكفيها ما قالته چودي من عبارات جارحة سابقًا اليوم.
ساد الصمت طوال الطريق حيث كانت ريتال تتأمل الطريق وهي تحاول إبعاد الأفكار السلبية عن رأسها وفي النهاية أخرجها من شرودها صوت والدتها وهي تُردف بلطف:
على فكرة يا ريري باباكي اتصل النهاردة، حكيتله اللي حصل وكان هيموت من القلق عليكي لما نروح لازم تكلميه تطمنيه بقى. ارتسمت ابتسامة ساخرة ممزوجة بالإحتقار على وجه ريتال.
والله؟ كتر خيره. همست ريتال بنبرة لم تكن غير مألوفة بالنسبة لوالدتها بينما نظر نحوها صالح في المرآة وكأنه يقوم بتنبيهها كي لا ترتكب أي خطأ الآن.
فور وصولهم إلى المنزل شكرت زينة صالح ومن ثم اصطحبت ابنتها إلى الداخل، بمجرد أن دلفت ريتال اتجهت إلى غرفتها سريعًا بعد أن أخبرت والدتها أنها ستقوم بمهاتفة والدها ولقد طلبت منها عدم الدخول إلى الحجرة حتى لا تقوم بمقاطعة المكالمة التي على وشك أن تبدأ.
بمجرد أن أمسكت ريتال بالهاتف لاحظت أن والدها ترك لها بالفعل عدة رسائل وقد حاول مهاتفتها أكثر من مرة، أمتعض وجهها وقد شعرت بغصة في حلقها حينما أدركت أنه لم يفعل ذلك بدافع الحب والإهتمام بل لأنه على الأغلب قد أدرك أن سره قد أنكشف.
علي أي حال قامت ريتال بالإتصال ولم تمر سوى بضعة ثوانٍ قبل أن يأتيها صوته المرح الممتزج ببعض القلق وهو يقول:
ريتال حبيبتي عاملة أيه؟ زينة قالتلي إنك تعبتي طمنيني عليكي يا روح بابا،.
قدامك أسبوع تكون رجعت فيه مصر وحكيت لماما وللكل على اللي أنتَ عملته لو عدى يوم زيادة هحكي أنا لماما بنفسي على كل حاجة.