قصة في مسرح الجريمة بقلم محمود غسان الفصل الثالث
دخل المعاون و هو يقول:  سيدي , في انتظارك آنسة تدعى سارة باندريك
عدل سترة بذلته ثم قال:  حسنا دعها تتفضل ...
دخلت فتاة شقراء , شعرها منسدل على كتفيها و تتحرك بكل خفة , فرحبت بالمحقق دانيال ثم جلست أمامه ثم سألته برقة:  مرحبا سيدي , ما الأمر الذي جعلك ان تستدعيني لأجله ؟
-  حمد لله على سلامتك , ثم ...
قالها المحقق ثم سكت , فقالت له بترقب:  ثم ماذا ... ؟
عدل نفسه بسرعة و قال:  اقصد يجب ان تستريحي قبل التحقيق معك ؟
أصاب سارة الاستغراب و قالت:  التحقيق معي ؟ ماذا حدث حتى تستدعيني للتحقيق ؟
نظر إليها بيأس و قال:  في مقتل السيد روبيرت باندريك ..
لم يكن من حسن حظه او حظها ان تسمع خبر مثل هذا , لم يسعها ان تلقي بنفسها من النافذة و لكن اكتفت بأنها صرخت صرخة شديدة و قالت: أبي ... و سقطت على الأرض ...
حاول الجميع إيقاظها فظلت تهذي بلهجة غريب:  أبي , أبي , أبي
فحاول المحقق و بمساعدة الآنسة كليرا مساعدتها للجلوس على كرسيها مرة أخرى ,
فأخذ من أمامه كأس من الماء و قدمه لها:  تفضلي ماء
تناولت بيديها كأس الماء و هي ترتعش بشدة مما أوقع بعض قطرات الماء على ملابسها , فأخذت رشفة منه ثم قالت:  من فضلك اخبرني بأنك تمزح معي , أبي لم يمت , من فضلك سيدي
حاول ان يهدئها:  اهدئي من فضلك
سكتت فجأة ثم قالت:  من فضلك عليّ الذهاب إلى دورة المياة
أشار بيده ثم قال:  حسنا تفضلي من هنا ...
حاولت سارة النهوض و لكن كادت ان تسقط لولا مساعدة الآنسة كليرا لها ..
-  هل أنتي على استعداد للإجابة على أسئلتي الآن ؟
أخذت نفَس من أنفها المحمِر ثم مسحت عيناها بمنديل ورقي ثم قالت وعيناها تنظر نحو الأمام:
 بلى تفضل
اخذ المحقق دانيال يقلّب في محتويات الورق التي أمامه ثم قال:
 متى آخر مرة كنتي على اتصال بعمك ؟
أجابت بعد ثوان:  أمس
صُدم المحقق ثم قال:  ماذا ؟ , متى ؟
-  لا اعلم ... تقريبا الساعة الرابعة عصرا
نظر المحقق دانيال الى مساعدته الآنسة كليرا ثم نظر مجددا إلى الآنسة سارة و قال:
 و بماذا أخبرك ؟
قالت بهدوء:
 قال بلهجة متوترة بأنه يحبني جدا , و انه يحّضر لي مفاجأة سوف اعلمها بنفسي قريبا
سمع منها ثم قال بتردد:  حسنا , السيد روبيرت قد ...
سكت لثواني , فأخرج من درج مكتبه الخطاب الذي وجده في مسح الجريمة , أعطاها أيا و قال:
 تفضلي
تناولته سارة بحذر شديد ثم قالت في نفس حالتها:  ما هذا ؟
أشار المحقق بيده و قال:  تفضلي
فتحت سارة الخطاب و بدأت تقرأ ما سطّر روبيرت حتى صرخت و قالت بلهجة تهديد:
 لا أريد شيء , أريد اعرف من قتل أبي , من الذي قتله ؟
فأجابها المحقق بتأني:  لا تقلقي يا آنستي , لن يفلت الجاني بفعلته ...
ثم أضاف بعدما هدأت:  هل هناك شخص معين - برأيك - قد يكون مشترك في مقتل عمك ؟
ظلت تفكر سارة قليلا و قالت:  لا , أنا لا اعرف جميع أصدقاء أبي
-  حسنا , متى كانت زيارتكِ الأخيرة لبيت عمك ؟
ظلت تفكر بحيرة:  لا أتذكر بالتحديد , تقريبا ثلاث اشهر
نظر الى المجلدات التي أمامه و استرق جملة ثم قال لها بهدوء:
 أنتي على علاقة بصديقك فريد , أليس كذلك ؟
-  بلى
حرك يديه و قال:  و هل سوف تتزوجا ؟
بقت سارحة قليلا ثم قالت ببطء:
 انه مميز , و أنا أحبه و نحن نقضي معظم أوقاتنا كننا زوجان , و هو أيضا يحبني و لكنه فقير
-  حسنا , لماذا لم تتزوجا بعد ؟
فقالت بتلقائية:  لأنه فقير
ظهر على وجه المحقق علامة اليأس:  لا بأس , من فضلك يا آنسة لديك غرفة محجوزة في فور سيزون اوتيل تستطيع ان تقيمي هناك حتى نسمح لك بالعودة الى ديارك
-  أريد ان أرى أبي , من فضلك
فقال لها بتردد: لا أظن أنها فكرة مناسبة لكِ
-  لماذا ؟
-  انه الآن في المشرحة و ...
سرت في جسدها القشعريرة عندما سمعت لفظ المشرحة فصرخت و قالت:  ماذا ؟
ثم أضافت بسرعة و بصراخ عالٍ:  ماذا تفعلون بأبي ؟
فحاول أن يهدئها:  من فضلك سوف اسمح لك برؤيته قريبا قبل الدفن
بكت سارة بكاءً شديداً فحاولت الآنسة كليرا مرافقتها حتى خرجت من مكتب التحقيقات ..
لقد أصاب محققنا الجنون , فلم يعد يدري من هو القاتل الحقيقي و ما مصلحة سارة بينهم , الجميع يتصنع الحزن الشديد على الفقيد و الجميع يتمنى ان يكون حيّاً الآن لم يعد المحقق دانيال قادر على الاحتمال و هو يرى غريمه أمامه يتحكم في أعصابه و لم يعد النائب العام يطيق صبرا على استغلال الوقت دون فائدة ...
لذلك قرر المحقق زيارة مسرح الجريمة مرة أخرى و يحاول دراسة ظاهرة القتل او الانتحار ..
 
							