رواية أبناء هارون للكاتبة شروق حسن الفصل السابع
مُحاولاتك للهرب من سجنٍ يُحيطه أبواب نارية من حديد؛ ستبوء جميعها بالفشل، أنت وَسط دائرة مليئة بالسموم يَصُعب الفكاك منها، ولتبتعد تمامًا؛ عليك تنظيف نفسك أولًا من المُستنقع الموجود داخلك.
كان حمزة غير واعي تمامًا للحالة التي عليها، لا يشعر بأي شيء حوله، حتى مُحاولتها للإفلات والمقاومة، غرضه كان واضحًا وهو الإعتداء عليها قِصرًا، وهي تبكي وتُقاوم بكل ذرَّة داخلها، حاولت الصراخ لكنه يُكمم فاهها، لقد استحوذ عليها كُليًا بالفعل!
شعر حمزة بمن يجذبه من كتفه من الخلف، تبعه هبوط لكمة قوية على وجهه وصوت أخيه بدران الغاضب يصرخ به باهتياج: أنت بتعمل إيه يا حيوان؟
طالعه حمزة بأعين مُشوشة وجسدٍ غير مُتوازن، حاول دفعه للخلف بقوته الواهية وهو يقول: سيبني. سيبني أبوسها.
لكمة أخرى هبطت على وجهه من أخيه الذي يشعر بغضبه يتزايد بشكل مُخيف، وقع حمزة على الأرض من ضعفه ونظرات بدران تتبعه بغِل، استدار نحو رضوى القابعة بين أحضان زهراء التي تُحاول تهدأتها، لكن الأخرى تلبستها حالة من الإنهيار والصراخ الهستيري.
أرجع بدران خصلاته بغضبٍ هائل أثناء مُحاولته لاستيعاب فِعلة حمزة المقيتة تلك، فلولا وقوفه هو و زهراء على سَطح المنزل وعِناد الأخرى على القدوم؛ لكان فعل ما سيفعله وانتهى، ترك أخيه مُتسطحًا على الأرض ثم اتجه نحوهما وتحدث بغضبٍ مكتوم: خديها على بيتكوا يا زهراء لحد ما تفوق وحاسبي حد يشوفكوا.
أومأت له زهراء المُحتضنة لجسدِ تلك الباكية، وبصعوبة بالغة أوقفتها بعد عدة دقائق حتى استعادت بعضًا من وعيها، نظرت رضوى حولها بتيهة ودموعها تهبط بقوة، فوقعت عيناها على حمزة الذي يُحاول الوقوف من مكانه، وبصوت ناعس اقترب منهم وهو يقول بعناد: هبوسها يعني هبوسها.
توقف بدران أمامه بجسده ليُحيل بينهما وهو يجز على أسنانه بغضب، فيما ابتعدت زهراء عن الأخرى ثم تقدمت منه وتحدثت بصوتٍ مكتومٍ غاضب تُعنفه: أنت إيه اللي جرا لمُخك يا حمزة؟ من إمتى وأنت بتشرب؟ من إمتى وأنت كدا؟
حاول حمزة دفع جسد أخيه وهو يقول بابتسامة ساكرة: طب تعالي أبوسك أنتِ.
شهقت زهراء بخضة وهي تعود للخلف، بينما بدران لكمه مرة ثالثة وهو يقول بعصبية: هي مين دي اللي تبوسها يا حيوان؟ أنت عايز تبوس وخلاص؟
ترنح جسد حمزة للخلف وبات في أوج حالاته ضعفًا، اعتدل مكانه مرة أخرى ثم تقدم منه بنظراتٍ غير بريئة بالمرة: خلاص تعالى أبوسك أنت.
فتح بدران عيناه بعدم تصديق، أأبله هذا أم ماذا؟ وبالفعل تقدم منه حمزة فانتهز بدران الفرصة وضربه برأسه على خاصته؛ مما أدى إلى فقدانه للوعي تمامًا.
حمل بدران شقيقه على كتفه واستدار ناظرًا تجاه الفتاتين آمرًا إياهم بصوتٍ خافت: خديها معاكِ البيت يا زهراء وحاسبي لأحسن حد يشوفكم.
كانت رضوى قد هدأت تمامًا وسكنت بين ذراعيّ زهراء، وما إن استمعت إلى حديثه حتى هبت من مكانها وتحدثت بأعين مُتوعدة وصوت غاضب: لأ أنا مش راحة مع حد، وأخوك دا أنا هوديه في ستين داهية ومش هتنازل عن حقي مهما حصل.
طالعها بدران بصمتٍ لعدة ثوانٍ، وبعدها حوَّل نظراته نحو زهراء التي تُطالع الوضع المُتأزم بقلق وأمرها بجمود: خُديها يا زهراء.
قالها ثم سبقهم بخطواته دون الاستماع إلى ردة فعل أيٍ منهن، كادت رضوى أن تعترض على حديثه، فمنعتها زهراء التي أمسكت كفها وتحدثت برجاء: معلش تعالي معايا لحد ما تهدي.
هزت رضوى رأسها بالنفي وهي تُحاول بكل قوتها منع سيل الدموع الهابط دون إرادة منها، وبعدها تحدثت قائلة: لأ أنا كويسة.
سحبتها زهراء رغمًا عنها وهي تقول بإلحاح: أنا عارفة إنك كويسة بس تعالي معايا.
سارت معها رضوى بعد أن يأست من محاولة تركها، وذهبت معها حيث منزل عائلة رضوان والمُجاور لمنزلها، لقد استغل هذا السكير عدم وجود أي مبانٍ سكنية في تلك المنطقة الموجودين بها وحاول الإعتداء عليها، الخطأ ليس خطأه وحده، بل خطأها هي الأخرى لسيرها بمثل تلك المناطق وحدها ليلًا دون وجود أي مُرافق.
دخلت رضوى مع زهراء إلى منزلها ودخلوا بخطواتٍ مُتمهلة إلى غرفة الأخيرة حتى لا يستمع مَن بالمنزل إلى خُطاهم، دخلوا للغرفة وأغلقوا بابها، فسحبت زهراء يد رضوى ثم أجلستها على الفراش وجلبت لها كوبًا باردًا من الماء لترتشفه، أخذت منه رضوى عدة قطرات ثم أعطته لها لتضعه على الكومود مرة أخرى.
جلست زهراء أمامها ثم سألتها بحذر: بقيتي أحسن دلوقتي؟
طالعتها رضوى بنظراتٍ فارغة قبل أن تُوميء لها بصمت دون الحديث، لقد مرت عليها تلك الدقائق القليلة كالدهر، شعرت بأنها النهاية وأن لا طريق للخلاص والنجاة، أخرجتها زهراء من شرودها بوضعها ليدها على قدمها، ثم تحدثت بحيرة: أنا مش عارفة أقولك إيه ولا أساعدك بإيه، لكن اللي عايزة أقولهولك إن حمزة والله مش كدا ولا عمره كان كدا ولا...
قاطعتها رضوى بهجوم وأعين حادة: متجبيش ليا سيرة الحيوان دا، دا لولا ستر ربنا كان زمانه إعتدى عليا زي الحيوانات وهو مش واعي.
حقك والله وأنا فهماكِ، لكن هو عُمره ما شِرب حتى سيجارة معرفش إيه اللي وصله للحالة الهباب دي! عمي هارون مربي ولاده إن محدش يرفع عينه على أي بنت مهما حصل، ودايمًا تلاقيهم بيتلاشوا التعامل مع أي بنت إلا للضرورة، عشان كدا أنا مستغربة اللي عمله حمزة.
وهي كذلك مُتعجبة فِعلته تلك، فهي في المرات القليلة التي تعاملت بها معه لم يَصدُر منه أي فِعل مُريب أو غريب، بل كان يتحاشى النظر إليها مُباشرةً ويتحدث باحترام، أطلقت تنهيدة قوية مُعبقة بالألم والحيرة وعادت الدموع لتتشكل داخل مِقلتاها مُجددًا، لم تُرِد أن تبكي أمامها مُجددًا لذلك تحدثت بنبرة مُهتزة وهي تهب من مكانها:
أنا عايزة أمشي.
أشفقت زهراء على حالتها فتوقفت بجانبها وهي تقول: طب استني هاجي أوصلك.
لم تُعارض الأخرى واكتفت بالإيماء دون إجابتها، وعِند خروجهم من الغرفة قابلوا في طريقهم رحمة التي قطبت ما بين حاجبيها بتعجب وعينيها تمران على رضوى بتساؤل صامت عن هويتها، فشرحت زهراء بتوتر وهي تُشير تجاه رضوى:
دي. دي رضوى . جارتنا الجديدة.
أومأت لها رحمة بصمت وأرسلت ابتسامة طفيفة نحو رضوى ثم قالت: أهلًا بيكِ.
هزت رضوى رأسها مُجيبة إياها: أهلًا.
وبعد كلمتها تلك سحبتها زهراء حتى لا تشك شقيقتها بشيء، بالأساس رحمة لم تُعيرهم أي إنتباه، مازالت تحمل تلك الغصة من شقيقتها داخل قلبها بسبب حديثها المُهين والجارح، ومنذ ذلك اليوم وهي تتحاشى النظر إليها والتعامل معها تمامًا.
وعلى الجانب الآخر، رمى بدران جسد حمزة الهامد على الفراش بقوة أثناء مُطالعته له بغضب، يشعر بالنيران تتأجج داخل صدره كلما تذكر مظهر الفتاة أسفل جسد شقيقه وهي تُحاول المُقاومة بكل قوتها، مسح على وجهه وهو يُتمتم بتوعد: دا أنت ليلة أهلك مش معدية النهاردة، واللهِ لهقول لأبوك يا صايع.
أتى من خلفه يعقوب الذي تسائل بتعجب أثناء إقترابه منهم: في إيه؟
استدار له بدران مُتفاجئًا بوجوده، لو علم يعقوب ما حدث لن يترك حمزة سالمًا، لذلك حاول الكذب عليه وظهر ذلك على وجهه المشدود، فقاطعه يعقوب بصرامة: ومتكذبش.
أجابه بدران بوجوم: مكنتش هكدب على فكرة!
ظل وجه يعقوب جامدًا وأنظاره تنتقل بين بدران وحمزة، ربَّع ساعديه أمام صدره ثم تحدث بجمود: إيه اللي حصل؟
زفر بدران بضيق، ثم بدأ بقص ما حدث كاملًا مع حمزة ورضوى، ولولا رؤيته لهم من أعلى سطح المنزل لكانوا في كارثة حقيقية الآن، كان الغضب يُسطِّر معالم وجه يعقوب ببراعة، وما إن انتهى بدران من الحديث، حتى اندفع يعقوب صوب حمزة اللاواعي ووجهه يظهر عليه الشر.
توقف بدران أمامه يُحيل بين جسده وجسد حمزة، ثم تحدث بصوتٍ مكتومٍ حاد: أنت هتعمل إيه يا يعقوب؟ أبوك لو حَس بحاجة أو شم خبر باللي حصل مش هيعديها.
دفعه يعقوب بعيدًا ثم تشدق بسخطٍ وهو يُشير تجاه حمزة النائم: الحيوان دا كان هيودينا كلنا في ستين داهية، لأ وكمان جاي سكران طينة، ورب مُحمد ما هعديهاله بالساهل ولو لزم الأمر هقول لأبوك يتصرف.
نفخ بدران بضجر ثم تمتم قائلًا: يا يعقوب إهدى لحد الصبح وبكرة هنفهم كُل حاجة لما حمزة يصحى، أنت عارف إنه مش من عادته يشرب.
انتقل يعقوب بأبصاره تجاه أخيه وبعدها تمتم مُتوعدًا: ماشي. ماشي يا حمزة.
قالها ثم اتجه صوب الباب وخلفه أخيه بدران، وقبل أن يفتحه توقف عندما استمع إلى تمتمة حمزة بصوتٍ ساكر وهو يتقلب على الفراش: هبوسها يعني هبوسها.
نظر يعقوب بحدة نحو بدران وكأنه يقول له انظر، ليُبرر له بدران بابتسامة مُتوترة وهو يلعن حمزة داخله: سكران بقى نعمل إيه؟
وعلى الناحية الأخرى، وصلت رضوى إلى منزلها بجسدٍ مُنهك، أصابها الدوار وتشعر بأن الأرض تميد بها، حمدت ربها لنومِ الجميع وعدم وجود مَن هو مُستيقظ، لذلك تسللت نحو غرفتها وارتمت على الفراش بتعب، وبدون إرادة منها وجدت دموعها تهبط على وجنتيها وحدها وهي تتذكر كل ما حدث معها اليوم.
رفعت كفها تُجفف وجهها من الدموع، وكعادتها عندما تكون حزينة هبت من مكانها وإتجهت نحو تسريحتها، فتحت دُرجها وأخرجت منه طلاءات الأظافر الخاصة بها، لديها أكثر من عشرين لونًا على الأغلب، فكلما حزنت تقوم بشراء واحدٍ بلونٍ مميز، وتلك المرة اختارت اللونين الفِضي والأسود معًا، ثم عادت لفراشها مُجددًا وبدأت بوضع الطلاء على أظافرها الطويلة نسبيًا.
انقضت عدة دقائق انتهت فيهم من وضعه والإنتظار حتى جف تمامًا، وجدت مزاجها مازال غير رائق، وتلك المرة اختارت وضع مُستحضرات التجميل على وجهها علَّها تُحسن من حالتها النفسية، لكن النتيجة كانت نفسها، دموعها تهطل بقوة فتُخرِّب ما وضعته بالكامل.
تلك التجربة التي قضتها اليوم هي من أصعب التجارب التي مرت بها في حياتها، كانت تُفضِّل الموت بدلًا من حدوث هذا، عادت لفراشها وتسطحت عليه وتلك المرة قررت الهروب بالنوم، ولم يمر الكثير حتى ذهبت في ثباتٍ عميق.
انقضى اليوم بأكمله وذهب معه مُعاناته وبكاء الليل الصامت، وسطعت الشمس بابتهاج لعلها تُبدد الألم والدموع، لكن من هذا اليوم، لن يوجد سوى الألم!
استيقظت ذِكرى بنشاط وسعادة غريبة كُليًا عليها، اليوم ستُحقق حلم طفولتها ومراهقتها، سيتم افتتاح محلها الجديد بفكرته النادرة والقليلة، لا تعلم هل سينجح في تلك الحارة أم لا، لكن الأكيد بأنها سعيدة للغاية سواء نجح أو فشل.
اتجهت نحو خزانة ثيابها وانتقت ملابس رقيقة تُناسب طبيعتها، فارتدت بنطالًا من الچينز الضيق ويعلوه سُترة من اللون الأبيض تصل لبعد ركبتيها بقليل، وارتدت عليهم حِجابًا من اللون النبيذي القاتم والذي لاق كثيرًا على بشرة وجهها الخمرية.
انتهت من ارتداء ملابسها ثم اتجهت للخارج، فوجدت شقيقتها جنة قد انتهت من ارتداء ملابسها والتي كانت عبارة عن فستان بسيط من اللون الأسود ويتوسطه حزام أبيض اللون وحجابًا نفس لون الحزام، سارت إليها ذِكرى حتى توقفت أمامها وعيناها تدوران في أنحاء المنزل وهي تتسائل باستغراب:
أومال فين رضوى؟
هزت جنة كتفها بجهلٍ مُجيبة إياها: تقريبًا لسه نايمة مصحيتش.
سطَّر الضيق وجه ذِكرى التي اتجهت نحو غرفتها مُسرعة وهي تتشدق بوعيد: واللهِ أنكد عليها وأخلي يومها مش معدي النهاردة.
قالتها ثم فتحت الباب بعنف، تزامنًا مع شهقة رضوى التي كانت تُبدل ثيابها في تلك الأثناء، وضعت رضوى الثياب على جسدها ثم صرخت بهما بخجل: مش فيه حاجة اسمها باب يا بت أنتِ وهي؟ ولا هي زريبة؟
تبدد الوجوم من على وجه ذِكرى التي تنهدت براحة قائلة: طب الحمد لله، كملي لبسك بسرعة بقى وإحنا مستنينك برا.
قالت جُملتها بلُطف وهي تبتسم ابتسامة رقيقة مُرتاحة، قبل أن تُغلِق الباب مرة أخرى تاركة شقيقتها تنظر لأثرها ببلاهة، لقد جُنت ذِكرى حقًا من فرط سعادتها! ولِمَ لا وهي تُحقق حلمها اليوم!
أكملت رضوى إرتداء ثيابها وهي تحاول تحاشي ما حدث معها الليلة الماضية، من الصعب محوها تمامًا لكنها ستُحاول بقدر الإمكان حتى لا تتوقف عليها حياتها، نفخت بضيق من تخيل مُقابلتها له في هذا الإفتتاح، تشعر بالإشمئزاز تجاهه ولا تعلم كيف سيزول ذلك الشعور من ناحيته.
انتهت وخرجت من غرفتها، فوجدت العِراك ناشب كالعادة بين ذِكرى ووالدها الذي تحدث بسخرية: والله ما أنتِ نافعة بلعب العيال اللي أنتِ عاملاه دا، وأنا اللي فكرتك هتشتغلي شُغلانة عليها القيمة!
سددت ذِكرى لوالدها نظراتٍ كارهة لم تُحاول السيطرة عليها، دائمًا ما يُقلل منها ومن إنجازاتها، دائمًا ما يُنبذها، دائمًا ما يحتقر أمانيها وأحلامها، هكذا هو رؤوف الجداوي، لا يُعجبه شيء منها حتى لو شقت له عنقها ليرضى؛ لن يرضى.
شعرت بمن يجذبها من معصمها فاستدارت لرؤية الفاعل، فوجدتها والدتها التي جذبتها معها للخارج برفق بعد أن قالت بابتسامة حنونة: يلا يا حبيبتي ومتضيعيش فرحتك بكلامه.
تلقت من بعد حديثها هذا نظرة نارية من زوجها لكن لم تُبال، تجاهلته وتجاهلت حديثه كما فعل مع ابنته منذ ثوان، زفرت ذِكرى الهواء من داخل رئتيها بقهرة ثم أردفت بصوتٍ مُرتعش: أنا مش عارفة هو بيعمل معايا أنا كدا ليه؟ ليه بيكرهني كدا؟
أوقفتها صفاء ومعها توقفت شقيقتها، ثم تحدثت بنبرة صارمة وقوية: ها إحنا قولنا إيه؟ خليكِ قوية حد ينكد عليكِ في يوم زي دا.
استجمعت ذِكرى شتاتها وسيطرت على غصة البكاء التي بحلقها، وبعدها تقدمت هي ووالدتها وشقيقاتها من محلها المُغلق، نظرت إليه بنظراتٍ مُلتمعة ثم استدارت إليهن وتحدثت بابتسامة مُتسعة: مُستعدين!
أومأن لها بحماس، فاستدارت واتجهت إلى البوابة الحديدية التي غيرتها مؤخرًا وكادت أن تفتحها لكنها استمعت إلى صوت رجولي مُعاتب يقول: بقى هتفتحي المحل من غير ما أكون موجود؟ مكانش العشم والله.
اتجهت أنظار الفتيات نحو الصوت فوجدوه الحج هارون الذي يتقدم ومعه أبنائه عدا مصعب بادر، مظهرهم كان مُهيبًا ومُخيفًا قليلًا، لكن ذِكرى تقدمت منهم بابتسامة واسعة وهي تقول بوجهٍ مُشرق: حَج هارون؟ أنا.
ابتسم هارون مُقاطعًا بهدوء ثم أشار للمحل قائلًا بود: مش وقته عتاب دلوقتي، يلا يا بنتي افتحي محلك وافرحي وفرحينا كُلنا.
طالعته ذِكرى بنظراتٍ مُمتنة لوقوه بجانبها منذ البداية، لقد فعل ما لم يفعله والدها وهي شاكرة لدعمه، ألقت نظرة عابرة ل يعقوب الذي كان مُبتسمًا ببشاشة، يبدو وسيمًا اليوم يا تُرى أم أنها تتخيل؟
نفضت تلك الأفكار عن رأسها وهي تلعن ذاتها في سرها لحماقتها، ثم ذهبت لفتح المحل، مرت ثوانٍ وقامت بفتح البوابة الحديدية المُغلقة، وبعدها فتحت الأبواب الزُجاجية اللامعة بطريقة مُبهرة، وهُنا اتضحت المُفاجئة للجميع بعد أن فتحت الإضاءة:.
فالمحل كان كبيرًا بدرجة لا توصف، لقد ضمت ثلاث محلات معًا وفتحتهم على بعضهم البعض، كان مُنقسمًا لثلاثة أقسام، قِسم يوجد به الكثير من الورود بكافة ألوانها وأشكالها المُبهرة، والمُرتصة على أرفف زجاجية عريضة ولامعة، وفي المنتصف يوجد نافورة مياه من الجِبس الأبيض ويُحيطها ورود حمراء كبيرة.
والقِسم الثاني كان خاص بأقفاص العصافير الملونة كذلك، بألوان كثيرة وأشكال مُتعددة.
أما القِسم الأخير شمل المخبوزات، والتي تضمنت الفطائر المُزينة بقطع الشيكولاتة، ومخبوزات السينابون والدونتس.
حوائط المحل كانت مزيج بين اللونين الزهري والسماوي، مظهره كان خلابًا مع الإضاءات القوية التي انبعثت منه.
نظرت ذِكرى لحلمها بعينين سعيدتين، تشعر الآن بأنها فعلت شيئًا لذاتها فقط، دون أن تُعير البقية ورأيهم أي إهتمام، استدارت على صوت هارون الذي تقدم منها بخطواتٍ رتيبة حتى توقف بجانبها، ثم أردف بنبرة سعيدة: ألف مبروك يا بنتي، ربنا يجعله فَتحة خير عليكِ.
طالعته ذِكرى بفرحة عارمة وهي تقول: ربنا يخليك يا حَج هارون، حقيقي أنا مش عارفة أقولك إيه على وقوفك جنبي أنت والأستاذ يعقوب!
ابتسم يعقوب بخفة وعيناه تدوران على أرجاء المحل: ولا شُكر ولا حاجة يا سِت ذِكرى ، إحنا مهما كان جيران.
شبَّكت كفيها معًا في خجل ثم أفسحت لهم الطريق وتشدقت بنبرة خجلة: اتفضلوا ادخلوا اتفرجوا على المحل من جوا.
رفض هارون باحترام قائلًا: لأ معلش اعذرينا يا بنتي ورانا شُغل كتير النهاردة، ولا إيه يا يعقوب؟
قال جُملته الأخيرة لابنه، فتحدث يعقوب بابتسامة واسعة استعدت استغراب أبيه: لأ يابا أنا مش ورايا حاجة، هدخل أتفرج على المحل مع إخواتي.
وعلى ذِكر سيرة أخواته، نظر هارون حوله بتعجب فوجد أبنائه الرجال اليافعين، المُهذبين، العاقلين، يقفون أمام أقفاص العصافير يُلاعبونهم بسعادة كما لو كانوا صِغارًا!
ظل هارون واقفًا ينظر لأولاده ببلاهة، فيما ضحكت ذِكرى عاليًا على معالم الاستنكار التي ظهرت جلية على وجهه، وفي تلك اللحظة أتت بدور على عجالة، قائلة وهي تُشير إلى أحد الأماكن: أنا عايزة كعكة بالشيكولاتة من اللي هناك دي يا ذِكرى .
نظرت ذِكرى إلامَ تُشير، فضحكت بصخبٍ رغمًا عنها وهي تُعدِّل من مقصدها: دا سينابون مش كحك، تعالي وأنا أجيبلك منها.
ذهبت معها بدور بسعادة وهي تتعلق بيدها كالطفلة، بينما هارون هز رأسه بقلة حيلة من طفولية أبنائه وعاد أدراجه للخارج وهو يُتمتم مع ذاته بيأس: عوض عليا عوض الصابرين يارب.
وفي جانب بعيد عنهم نسبيًا، حاول حمزة التحدث مع رضوى التي كانت تصده بشتى الطرق وتُرسِل إليه نظراتٍ لو كانت تحرق؛ لحرقته حيًا: يا رضوى بالله عليكِ اسمعيني لدقيقة واحدة حتى.
توقفت رضوى عن السير واستدارت له بحدة وهي تتحدث بعصبية شديدة: عايز مني إيه يا حشَّاش يا خمورجي؟
فرغ حمزة فاهه بصدمة وهو يُردد كلماتها: حشَّاش وخمورجي؟
إلتوى ثُغرها بابتسامة مُتهكمة أثناء قولها: إيه مش عجباك حشَّاش وخمورجي؟ طب يا حشَّاش يا خمورجي ها.
قالتها ثم ذهبت من أمامه مُسرعة دون إعطائه أي فرصة للتبرير، وكيف سيُبرر فعلته تلك وهو الذي كاد أن يقضي عليها وعلى مُستقبلها؟ نفخ حمزة بضيق وصعدت يده إلى وجهه حيث لكمة أخيه يعقوب له صباحًا مُتذكرًا ما حدث معه فور استيقاظه.
Flash Back:
صخبٌ يدور داخل رأسه وأصوات الصُراخ لا تنفك أن تذهب عنه، فتح حمزة عيناه مُتأوهًا بصداعٍ شديد لا يترك رأسه، لا يعلم ما الذي أوصله لغرفته أو ما الذي حدث، كل الذي يتذكره هو شِجاره مع حِفنة من الأوغاد في ملهى ليلي جاء إليه خِصيصًا من أجل العمل.
جلس على المقعد الطويل للبار وأمامه تجلس فتاة لا يظهر منها سوى جسدها كاملًا، حك عنقه بحيرة من محاولة عدم النظر إليها، لكن عمله يُقيده، رفع أنظاره العابثة يُطالعها بخبثٍ من الحين والآخر، وهي لاحظت نظراته تلك، ارتشفت كوب الكحول الذي بين كفها دُفعةً واحدة ثم هبت من مكانها واقتربت منه بخطواتٍ غير مُتزنة ثم سألته بنبرة غير بريئة بالمرة:
فاضي؟
غمزها قائلًا بمكر: أفضالك.
أطلقت ضحكة رنانة لم يسمعها أحد إلا هو بسبب ارتفاع صوت الموسيقى، استندت عليه فأخذها هو إلى ساحة الرقص وبدأوا بالعبث معًا قليلًا، أجساد الجميع تتحرك بحركاتٍ مُريبة أشبه بالموتى الأحياء، رؤوسهم تهتز يمينًا ويسارًا وصوت صرخاتهم يعلو بقوة من الحين والآخر، وبعد دقائق قليلة، سحبها حمزة إلى إحدى الأرائك الوثيرة للجلوس عليها.
أطلقت صوتًا مُعترض من بين شفتيه وهي تقول بتيهة: عايزين نرقص.
أجابها وهو يعود بظهره للخلف: هنرقص بس مش دلوقتي، لما نتعرف الأول.
تشكلت ابتسامة هوجاء على شفتيها المطلية بالأحمر القاني، فمدت يدها إليه في نية لمُصافحته ثم أردفت: مونيكا.
مد يده ليُصافحها مُعرفًا عن نفسه بكذب: مراد.
هاي.
نطقت بها برقة وهي تشرب لتفقد عقلها أكثر، فاستغل الحالة التي هي بها ثم تسائل بحذر: بتشتغلي فين يا موني؟
تشكلت ابتسامة بلهاء على ثُغر مونيكا التي تحدثت قائلة: موني؟ تِعرف إن تيتا كانت عايزة تسميني موني! بس بابا مرضيش وسماني سُعاد.
زفر بضيق وهو يُجعد وجهه بسخط: يعني كمان اسمك مونيكا وفيك؟ أومال لو اسمك نانسي بقى!
لم تستمع إلى حديثه بصورة جيدة فأكملت شرابها، بينما هو أعاد سؤاله بصيغة أخرى أكثر عبثًا وهو ينظر إلى ثيابها: بس لبسك جامد من الآخر يا موني، أكيد بقى شغالة عند ناس كبيرة أوي!
ردت عليه الأخرى بدون وعي وهي تبتسم باتساع: أيوا. بشتغل عند راجل أعمال كبير أوي. بس وسخ أوي أوي.
انتبهت حواسه إليها أكثر فتسائل بترقب: هو مين؟
حسن طارق عاشور.
لقد وصل إلى ما يُريده وأخيرًا، ظل أيامًا عديدة يبحث ويدور عن هوية سكرتيرته الخاصة حتى أتى إلى هُنا، وها قد تأكد من حدسه عندما نطقت اسمه، أرجع خصلاته الهوجاء إلى الخلف وارتسمت ابتسامة مُنتصرة على ثُغره، اقترب منها ليأخذ معلومات أكثر، لكن قاطعه قدوم ثلاثة شباب من معارف مونيكا.
جلس اثنان من الشباب على جانبه وآخر على جانب مونيكا، والذي أشار تجاه حمزة وتسائل بتعجب: مين دا يا مونيكا؟
نظرت مونيكا إلام يشير بنظراتٍ زائغة ثم أجابته بضحكة ساكرة: دا. دا مراد صديقي الجديد.
طالعه الثلاثة شباب بشكٍ فحاول هو الثبات والحديث: مش. مش هنشرب ولا إيه يا رجالة؟
رد عليه أحدهم الذي اعتدل مُتسائلًا: طبعًا هنشرب، أنا هشرب ويسكي.
وأنا شمبانيا.
وأنا خمرة.
وأنا عصير برتقان.
نطق بها حمزة وهو يُطالع الوجوه التي تصنمت بريبة وكأنهم على وشك الفتك به!
ضحك ضحكة مُتوترة قبل أن يُعدِّل من حديثه قائلًا: طب خليها بيرة باللبن!
أطلقت مونيكا ضحكة عالية والتي مالت عليه بقوة وهي تقول: دمك خفيف أوي يا مراد.
شاركها حمزة الضحك وهو يكاد يبكي من الورطة التي التصقت به، مد أحدهم يده بمشروبات الكحول مُطالعًا إياه بنظراتٍ كادت أن تخترقه، ورغمًا عنه مد يده له لأخذها ثم شربها، فلو علم أحدهم هويته سيقتلونه بلا أدنى شك ودون لحظة تردد واحدة.
انتهى حمزة من سرد ما حدث لكلٍ من يعقوب وبدران خاتمًا حديثه: وبعدها موعتش لأي حاجة حصلت بعد كدا.
إلتوى ثغر يعقوب بقسوة وهو يُعنفه: أهو بسبب عملتك الهباب دي كنت هتضيَّع مُستقبل بنت ملهاش ذنب بسبب غبائك.
فتح حمزة عيناه بعدم تصديق مُتسائلًا بريبة: إزاي مش فاهم؟
وتلك المرة بدأ بدران بقص كل ما فعله من أفعال مشينة وساذجة كادت أن تقضي على مستقبله بسبب غبائه، شهق حمزة بعدم تصديق وهو يقول بهلع: يالهوي هي دي كانت رضوى؟ دا أنا كنت مفكرها مونيكل فواحة.
فواحة؟
نطقها يعقوب باستنكار، فأكد حمزة على حديثه قائلًا: أيوا دي كانت حاطة سبعتلاف ريحة على بعض و...
ملَّ يعقوب منه، فهب من مكانه واتجه ناحيته ثم سدد له لكمة هبطت بقوة على وجهه، أمسكه من ياقة ثيابه وقرَّبه منه بعنف، ثم همس أمام وجهه بفحيح: دي عشان تتربى، أنا هعديها المرادي عشان مكانش قصدك، لكن ورب مُحمد يا حمزة لو عِرفت إنك شِربت زفت تاني هطفحهولك.
كان حمزة يستمع إليه وهو يضع يده على وجهه بألم، وبعد أن أنهى حديثه أومأ له قائلًا: واللهِ ما هشرب تاني دي كانت غصب.
Back:.
زفر حمزة بضيق ثم انضم إلى الجميع، وبرأسه يُصمم مُصالحة رضوى والإعتذار منها عما بدر منه.
وعلى بُعدٍ قليلٍ منهم، اقترب بدير من ذِكرى قائلًا أثناء أمساكه بإحدى الزهور: ممكن آخد الوردة دي يا طنط ذِكرى ؟
ضحكت ذِكرى عاليًا ثم أومأت له وهي تقول بضحك: خُد اللي أنت عايزه، النهاردة يوم فري للجميع.
اتسعت ابتسامة بدير بقوة، ثم اتجه إلى إحداهن ومدّ يده بالزهرة أثناء قوله الراقي: على طول مبوزة ونكدية وعاملة زي البومة، خُدي دي هدية مني يمكن ترجعي تضحكي من تاني.
في البداية ابتسمت تسنيم عندما أعطاها الزهرة، لكن ما إن استمعت لحديثه حتى اختفت ابتسامتها كُليًا وحلَّ محلها الغضب والوجوم، دفعت يده بعيدًا بسخط، ثم تشدقت بصوتٍ مكتومٍ غاضب: لأ واللهِ كتَّر خيرك، مش عايزة من وشك حاجة.
هز كتفه بلامبالاة ثم أخذ هديته وأردف حين رحيله بعيدًا: أحسن.
طالعت تسنيم أثره بتشنج، فربعت عن ساعديها أمام صدرها ثم تمتمت مع ذاتها بنذق: بني آدم قليل الزوق.
كان الجميع مُنشغل بالنظر إلى المحل ومحتوياته، لكنهم اتجهوا للخارج بتعجب فور استماعهم ل موسيقى الزمر البلدي، نظرت ذِكرى لهم بتعجب من وجودهم، لكن تعجبها قد زال عندما أبصرت شقيقها إلياس يرقص مع رائف في المنتصف وهو يُمسِك بإحدى العُصي الصعيدية الغليظة، وثوانٍ كان يجذب له يعقوب وعمران وحمزة للرقص معه.
كان الأمر أشبه بزفاف ريفي كبير، لكن في حقيقة الأمر لم يكن سوى افتتاح لمحل ذِكرى الجديد، استعجب يعقوب من قدوم رائف مع إلياس، فاتجه إليه وهو يسأله باستغراب: أنت تعرفه؟
هز رائف رأسه بالنفي وهو يقول ضاحكًا: ولا عُمري شوفته قبل كدا، بس لقيته جاي على هنا بالزمر البلدي قولت إما أولع الليلة.
هز يعقوب رأسه بيأس وهو يضحك بأسى، ثم اتجه إليه لاحتضانه قائلًا بود: منور يا صحبي.
ربت رائف على ظهره بحب مُجيبًا إياه: بنورك يا حبيبي، يلا بقى تعالى إما نكمل رقص، دا يوم مش هيتعوض.
عليك الإنتباه إن كنت خارج دائرتك التي تحميك، الأمر أشبه بجندي يقف عاريًا وسط ساحة الحرب دون ارتداء واقي يحميه.
دعس حسن على سيجاره الفاخر بعدما نفث آخر أنفاسه، الغضب العارم يختلج صدره، حتى الآن لم يعثر على ابنة عمه الهاربة، ابنة عمه القاتلة، والمُتسببة في موت والدته، قرر الإنتقام منها لكن بطريقته الخاصة، بطريقة تجعلها تتمنى الموت ولا تحصل عليه، لكن من حُسن حظها بأنها قد هربت من بين مخالبه السامة.
استدار فور أن استمع إلى صوت والده الذي أتى من خلفه وتحدث بوجومٍ غاضب: لقيت بنت عمك ولا لسه؟
أجابه حسن ببرود يُنافي الحريق المُشتعل داخله: لسه.
طب وأختها؟
تسائل بها طارق بغضب، ليُجيبه حسن بشرود: قتلتها.
إجابته هدَّأت من غضبه قليلًا، ورغم ذلك رفع إصبع سبابته أمام وجهه يُهدده بشر: لازم تلاقي تسنيم خلال يومين يا حسن، الجلسة خلاص قربت ولو ظهرت هتودينا كلنا في ستين داهية.
رفع حسن أنظاره تجاه والده مُجيبًا إياه بملل: حاضر يا بابا حاضر.
طالعه طارق بقسوة، وذلك قبل أن يتركه ويرحل، نظر حسن لأثره بشرود قبل أن يُتمتم مع ذاته بفحيح: كله هيتحاسب، كله.
استند عُمير على محل جِزارته يُتابع فرحتهم العارمة بحقد شديد، التمعت عيناه بالشر واشتعل فؤاده بالوعيد، لذلك استدار نحو صديقه آمرًا إياه بصوتٍ مليء بالبغض: نفذ النهاردة.
كانت بدور تستند على اترينة المُعجنات وهي تأكل السينابون بتلذذ شديد، تشعر به يذوب داخل فمها باستمتاع، توقفت عن المضع فور وقوع نظرها على إلياس الذي توقف أمامها بملامح واجمة، ثم تحدث قائلًا بامتعاض:
أنا موافق أساعدك.
قالها ثم اتجه بعيدًا عنها كما جاء مُسبقًا، تاركًا إياها تنظر لأثره بسخط، زفرت ضاجرة قبل أن تُشيح بوجهها للناحية الأخرى حتى لا تراه، ثم أكملت تناول ما بيدها باستمتاع.
لم تكتمل مُتعتها فور أن ظهر أمامها زوجها عادل وهو يهتف بفحيح: هو دا بقى السبب اللي مخليكِ مُصرة على الطلاق؟
كانت جنة ترقص وتُهلل بسعادة وسط الجميع، لكنها توقفت على بغتة عندما شعرت بالدوار يُداهما، رمشت بأهدابها عدة مراتٍ علَّها تُخفف من حدته، لكن تلك الغمامة السوداء التي أحاطتها جعلتها تسقط على الأرض فاقدة لوعيها تمامًا، وصوت عمران يصرخ عاليًا بفزع: آنسة جنة؟
وعلى الناحية الأخرى، كان هارون يجلس على مقعد مكتبه الوثير يُتابع جنون الشباب بابتسامة هادئة ارتسمت تلقائيًا على ثُغره، ارتفع صوت هاتفه يُعلن عن مُكالمة هاتفية عاجلة، وبعد إجابته، جائه صوت أحدهم وهو يسأله بتوتر: الحج هارون معايا؟
أيوا أنا، مين؟
للأسف الشديد ابنك مُصعب اتعرض لطلق ناري وهو دلوقتي موجود في المستشفى.