قصص و روايات - قصص خيال علمي :

رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل الثاني

رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل الثاني

رواية بعيدا عن الأرض للكاتبة ديمة الفصل الثاني

المكان: كوكب جليزا.

كان المكان يحف بالظلام الدامس بينما الإرهاق رسم معالمه على وجه الأميرة جنيفر بوضوح، لكنه سرعان ما اختفى عندما انشقّ الظلام واختفى بين سطوع الأمل القوي الذي شع حولها لما سمعت صوت مولودها وقد دبت الحياة في قلبها، هي سمعت صوت بكائه فقط لكنها لم تره أو تلمحه حتى. أحست بانقباض قلبها فجأة ما جعلها تشعر بأن شيئًا سيّئًا سيحدث. نظرت إلى والدتها التي كانت تقف كالصنم دون أن تتحرك فقالت بعد تهشم صوتها من تلك الأجواء المريبة:.

«أمي، ماذا حدث؟ أين الطفل؟».
«طفلك بحالة خطرة وبحاجة إلى رعاية صحية».

أجابتها والدتها بجفاء دون أن تنظر لها حتى وهي تحدق بعيدًا في الفراغ.
كانت تشعر بالخوف من والدتها التي كانت واقفة أمامها دون حركة وقد عجزت عن رؤية ملامحها المظلمة.

«أريد رؤية طفلي». قالت بصوت مبحوح محاولة كتم صوت بكائها.
قطع توسلاتها ونظراتها الراجية لوالدتها دخول القابلة ووجهها مكفهر بطريقة مقلقة.
«أين طفلي؟ أين ذهبتِ به؟». صرخت جنيفر بألم بعد أن يئست من والدتها.

«توأم وليس طفلًا واحدًا، تعازيي الحارة لك سيدتي لم نستطع عمل شيء لقد ماتا». قالت لها القابلة مطأطئة رأسها بحزن.
حينئذٍ جن جنونها وبدأت تصرخ بألم وتبكي بجنون.
«لقد قلت لك أنهما لن يعيشا». قالت والدتها تؤنبها فبقي صدى جملتها يدور في رأسها حتى أفاقت من كابوسها.

أفاقت تصرخ بجنون حتى دوى صوت صراخها في أرجاء القصر الكبير. كانت والدتها تجلس بجانبها تحاول أن تهدئها ولكنها كانت ما تزال تعيش تفاصيل ذلك الكابوس المرعب.
«لقد كان كابوسًا ومر عزيزتي». قالت والدتها تطمئنها.
اعتدلت في جلستها ثم قالت بصوت مبحوح: «أمي تعلمين أن كوابيسي تتحقق غالبًا».

بكت بحسرة وألم شديدين فأردفت والدتها بينما كانت تمسح على شعرها: «نعم عزيزتي غالبًا وليس دائمًا».
لم تستطع كلمات والدتها ردعها عن النحيب والبكاء بلا توقف فسألتها فيكتوريا بفضول مستغربةً من ذلك الكابوس الذي أثر على ابنتها لهذه الدرجة.
«بماذا حلمتِ؟».

«لقد ماتا، مات التوأم». قالت وهي ترتجف متلعثمة.
«أي توأم؟». سألتها والدتها عاقدةً حاجبيها باستغراب.

«ألا تذكرين ما قالته القابلة؟ لقد أخبرتني أن حجم بطني أكبر من الطبيعي ومن الجائز أن يكون هناك جنينين».
تجاهلت فيكتوريا حديث ابنتها وخوفها وقالت محاولةً جعلها تنسى ذلك الكابوس: «هذه أضغاث أحلام يا بنتي لا تفكري بالأمر، أنتِ على وشك أن تضعي طفلك الأول لهذا السبب أنتِ متوترة وخائفة. عقلك الباطن يهيئ لك أشياء ليست حقيقية». قالت لها ثم مسحت على شعرها محاولةً تهدئتها.

خرجت من غرفة ابنتها بعد أن هدأتها قليلًا مزيلةً قناع الأم الحنون عنها، كانت الكثير من الأفكار تدور في رأسها دون توقف. فكرت بأن تستغل الفرصة لصالحها بطريقة مقنعة. كانت الصدمة ما زالت تعتريها جراء معرفتها للحقيقة المُرة، كانت أشبه بكابوس تعجز عن الاستيقاظ منه. لقد أقسمت على أن تعود إلى الأرض وأن تنتقم لعائلتها الملكية وتعيد لها كرامتها ولكن ثمن هذا غالٍ جدًا. لم تكن حقًا تهتم لحفيدها القادم بقدر ما تهتم لابنتها التي سيكسر قلبها تمامًا فمجرد كابوس جعلها تدخل في هذه الحالة الهستيرية فماذا لو تحقق فعلًا؟ كيف يمكنها أن تقنعها بأن تستغني عن حياة طفلها الأول من أجل أن تعود إلى الأرض وهي لا تكترث حتى؟

دخلت غرفتها وأغلقت الباب محاولةً نفض كل تلك الأفكار عن رأسها. استلقت على سريرها بتعب شديد وما هي إلا عدةُ دقائق مرت حتى غطت في نوم عميق.

أحست بلمسات أحدهم على جسدها وصوت يهمس لها.
«سيدة فيكتوريا، أرجوك استيقظي». قالت إحدى الخادمات.
«لماذا توقظيني؟». قالت متذمرة وهي تدير جسدها إلى الجهة الأخرى.

«السيدة جينفر، تضع طفلها». قالت متلعثمة بتوتر.
انتفضت هي من مكانها فور سماعها لجملة الخادمة وانطلقت تجري بسرعة في أروقة القصر الضيقة وصولًا إلى غرفة ابنتها. وصلت عند باب غرفتها فوجدت زوج ابنتها واقفًا بجانب الباب ينتظر بتوتر. تقدمت لتفتح الباب وتدخل ولكنه وقف أمامها ليسد طريقها.

حدقت به بنظراتها الحادة ثم قالت: «ابتعد عن طريقي».
استغرب من نظراتها فرغم أن علاقته معها ليست بتلك القوة ولكنها دائمًا تعامله ببرود دون أن تتشاحن معه فقال لها بتفهم وهدوء: «لقد منعت القابلة دخول أي أحد».
«وأنت ما شأنك؟ منعتك أنت ولن تمنعني». قالت ثم رمقته بنظرات غاضبة مستنكرةً تدخله بتصرفاتها.

«وهل أكذب عليك؟». قال وقد ظهرت علامات الاستغراب على وجهه من تصرفاتها الهمجية المفاجئة معه وفي هذه الحالة الحرجة.
«لا عجب فشخصٌ مثلك يلبس لباس الملائكة وهو شيطان من الداخل، لقد كشف عنك الغطاء فكف عن المنافقة». قالت وابتسامة ساخرة تعلو وجهها.

«لا أعرف ماذا دهاك حقًا ولكن كل ما أعرفه أن هذا ليس الوقت المناسب لمجادلةٍ كهذه». قال بحنق مستنكرًا تصرفاتها بعد أن حدق بها طويلًا محاولًا فهم قصدها دون الخضوع لهواجسه.
قبل أن تنطق بحرف آخر سمعت صرخةً قوية تبعها صوت بكاء طفل وما هي إلا ثوانٍ قليلة حتى سمعت صوت بكاء طفلٍ آخر فعم ضجيج بكاء الطفلين القصر.

خرجت القابلة والخادمة تحملان الرضيعتين وعلى وجههما ابتسامة مستبشرة.

«مبارك سيدتي، مبارك سيدي، فتاتان جميلتان». قالت بفرح تنظر إلى الفتاتين بين يديها بحب.

حدقت باستغراب شديد فلم تتوقع هذا أبدًا، فتاتان؟ بقيت تحدق بالفراغ بينما كان زوج ابنتها يحمل طفلةً بعد الأخرى بفرح شديد ثم دخل إلى الغرفة لتسمع تهنئته لابنتها. لم يكن ما يشغلها هو تحقق كابوس ابنتها فهذا ما أخبرتهم به الطبيبة فعلًا ولكن بدأت الأمور تتعقد أكثر فأكثر مع وجود طفلتين بدل طفلة واحدة.

«سيدتي، هل هناك شيء؟ تبدين شاردة». قالت لها الخادمة فأيقظتها من شرودها.

غيرت ملامحها فأظهرت ابتسامةً كاذبةً على وجهها وتقول: «أبدًا بل أنا سعيدة». ثم أردفت مؤكدةً: «سعيدة جدًا».

خطت داخل الغرفة فنظرت إلى ابنتها التي كانت تستلقي على السرير بإرهاق والتعب بادٍ على وجهها. كان زوجها يجلس بجانبها بفرحٍ شديد يهنئها. عندما رأت جنيفر والدتها اعتدلت في جلستها لتقول: «أمي هل طفلتاي بصحة جيدة؟ أخبريني أرجوك لا تكذبي علي». قالت بحزن والدموع تملأ عينيها فهي ما زالت تحت تأثير ذلك الكابوس.

«نعم بصحةٍ ممتازة». أجابتها مطمئنة.

«إذًا لماذا تبدين متوترة؟». قالت لها عاقدةً حاجبيها بقلق.
«والدتك لا تبدو بخير منذ أن كنا خارجًا». أجاب زوج ابنتها بانزعاج متجنبًا النظر نحوها.

«إدوارد ما حصل خارجًا كان مجرد انعكاس لتوتري ليس أكثر». قالت لتسمح بابتسامة صفراء بأن تظهر على وجهها العابس.
«جنيفر أنا فقط متعبة كثيرًا وأحتاج قسطًا من الراحة، سأعود بعد أن أرتاح قليلًا». قالت ثم خرجت من فورها دون شرح المزيد من التفاصيل.

«أمك تتصرف بطريقة غريبة فهي حتى لم تلق نظرة على الطفلتين». قال إدوارد فور خروج فيكتوريا.

«إنها فقط مرهقة يا إدوارد ليس أكثر». قالت مبتسمة لزوجها مناقضةً كل ما يدور في رأسها.

مشت فيكتوريا بتعب شديد بينما كان عقلها مشتتًا تمامًا لم تكن تعرف ماذا تفعل وإلى أين تتجه تمامًا. توقفت عند غرفة الطفلتين ودخلت ثم نظرت إلى سريريهما بعينين متوهجتين كأنها رأت كنزًا ثمينًا جدًا. فكرت بينها وبين نفسها بأنها لن تتخلى عن قسمها أبدًا مهما تكن الظروف. نظرت إلى الغرفة من حولها وإلى التفاصيل الدقيقة التي وضعتها ابنتها على حائط تلك الغرفة بكل حب. تذكرت شغفها بطفلها وكم كانت تنتظر هذا اليوم لقد شعرت بوخزة صغيرة في قلبها وهي تتخيل وقع خبر كهذا على ابنتها، اختارها القدر لتفقد ابنتيها. حولت نظرها نحو صورة إدوارد المعلقة في الغرفة بجانب صورة ابنتها. شردت وهي تمعن النظر بصورته تدقق ملامحه باشمئزاز، هو منهم من أولئك الأعداء لا بد أنهم أرسلوه حتى يتجسس عليهم وهي كانت غافلة عن هذا الأمر ولكنهم أغبياء جدًا فبهذا استطاعوا تحقيق جزء من هدفها المنتظر ولكن لماذا؟ لماذا وقع اختياره على ابنتها دون غيرها؟ لقد خدعها وجعلها تحبه باللباس الملائكي الذي يرتديه دائمًا. أمعنت النظر أكثر فترةً ليست قصيرة حتى لمعت فكرةٌ شيطانية في رأسها جعلتها تدرك تمامًا أنها في طريقها إلى تحقيق مبتغاها ومهما بلغت الأضرار فيكفي في النهاية أنها ستعود إلى كوكب الأرض وبعدئذٍ سيحل كل شيء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة