قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

لدغة غير مرئية أصابت جلد إحدى الشابات، فتأوهت من الألم، وراحت تحك بشرتها، ليزداد التورم والالتهاب بها، نصحتها أخرى بوضع مرطبًا أو دواءً لتخفيف حدة الألم، فأبدت شكواها ل ياقوت التي انتهت لتوها من تبديل ثيابها بمنامةٍ مريحة:
-الناموس هنا صعب أوي.
ردت عليها بابتسامةٍ شبه ساخرة:
-ده على أساس مافيش في بيتكم زيه؟
ظهر التذمر على محياها وهي تخبرها:.

-بس هنا زيادة، عاوزين نقول ل سندس تشوفلنا حاجة تخلصنا منه.
أشارت لها بسبب آخر أيضًا:
-ده عشانا قريبين من الجناين اللي هنا.
نظرت لها بامتعاضٍ قبل أن تزيد من تبرمها:
-مكانش في مكان أبعد من كده يحطونا فيه، ده احنا في المنفى، لا بنشوف حد ولا بنسمع حد.
استطال وجه ياقوت في ضيقٍ شديد من تذمرها غير المبرر، ولامتها في شدةٍ:
-عيب الكلام ده، احنا ضيوف هنا، المفروض نقدر اللي الناس بتعمله معانا.

وكأنه لم تقل شيئًا، استمرت تشتكي:
-هموت من الناموس مش قادرة.
التفتت الشابات جميعًا تجاه باب الغرفة الذي فُتح لتوه، وأطلت منه سندس وهي تحادثهن باسمة:
-من غير ما تقولوا، أني جيبتلكم الحل السحري.
تنفست ياقوت الصعداء لأنها لم تسمع ما قيل قبل هذه الجملة، وإلا لحزنت كثيرًا. راحت الشابات يتأملن ما حملت في يدها من مبخرةٍ حجرية صغيرة، ينبعث من أعلاها الدخان الأبيض، بادرت إحداهن بسؤالها:
-إيه ده؟ بخور؟

أجابتها وهي تطوف بالمبخرة في أرجاء الغرفة:
-حاجة زيه، بس نتيجتها أقوى.
علقت عليها إحداهن في طرافةٍ:
-حلاوتك وإنتِ بتتكلمي صعيدي!
ضحكت على ما فاهت به، ليتحول بعدها رنة ضحكاتهن إلى سعالٍ متفاوت مع كثافة الدخان المنتشر بين جدران الغرفة، راحت واحدة تشكو في تبرمٍ:
-احنا كده هنتخنق.
سعلت سندس مثلهن، وعلقت:
-شوية بس عقبال ما تأثيره يبان، وبعدها هتناموا أحلى نومة هنا.

انتظرت لدقيقة، وناولته لأخرى لتقوم بالانتقال للغرفة الثانية المتواجد بها بقيتهن، حتى تساعدهن في التخلص كذلك من الحشرات المزعجة. تحركت سندس نحو فراش ياقوت لتجاورها في الجلوس عليه، احتضنتها في محبةٍ قبل أن تتراجع عنها لتحدثها في ألفةٍ بلهجتها التي اتخذت نمطًا صعيديًا:
-أني مبسوطة إنك عرفتي تَجي.
تنهدت مليًا لتخاطبها بعدها بوجهها البشوش:
-الحمدلله أقنعت خالتي، وأديني هنا.
ردت عليها في امتنانٍ:.

-وجودك فارق كتير يا حبيبتي.
كانت تعلم أنه من غير السهل عليها السفر والترحال من بلد لآخر، خاصة بعد وفاة أبويها في حادث مأساوي، وانتقالها للعيش في كنف خالتها العزباء، كانت تتجنب أي رحلة متعلقة تذكرها بتفاصيل هذه الذكرى الأليمة، ورغم هذا جازفت لتأتي إليها خصيصًا حتى تشاركها فرحتها. مجددًا ضمتها سندس إليها وشكرتها:
-ربنا يديم صداقتنا دي.
ظلت ياقوت محافظة على نقاء بسمتها ورفيقتها لا تزال تسألها:.

-شوفتي المنظر من برا؟
هزت رأسها نافية:
-لأ لسه.
شدتها سندس من يدها لتستحثها على النهوض، وأضافت:
-الصبح بيبقى حلو أوي، الزرع الأخضر مع النيل، بس بالليل جميل بردك.
ثم أزاحت الستائر عن الشرفة، وقامت بفتح شباكها لتخرج الاثنان إلى الخارج، استندت كلتاهما على السور الرخامي، وجالت ببصريهما على الفضاء الفسيح الذي لا يمكن أن تصل إلى نهايته، أبدت ياقوت إعجابها قائلة:
-معاكي حق.

هتفت سندس فجأة في حماسٍ وهي تشير بيدها نحو مكانٍ بعينه بالقرب من بوابة القصر:
-ده أخويا راجع أهوو.
اتجهت ياقوت بناظريها إلى حيث أشارت، سرعان ما تذكرته، فهو من قدم لها العون نهارًا عندما هاجمها ذلك الكلب الشرس، تلبكت بشكلٍ ملحوظ حينما سألتها مباشرة:
-قابلتيه؟
لم تراوغها، وأجابت على سؤالها بآخر، كأنما تتأكد مما سمعت:
-اللي اسمه الكبير باين؟
هزت رأسها مسترسلة في الحديث:.

-أيوه، صفوان، الكل متعود يناديه إكده، من أيام جدي الله يرحمه، إكمنه البكري لأبويا.
تعلقت عينا ياقوت به، فركزت حواسها معه، للدرجة التي انشغلت بها عن رفيقتها، خاصة وهي تراه يتحدث إلى البعض، تداركت نفسها، وأصغت إلى رفيقتها وهي ما تزال تتكلم عنه:
-وهو فعلًا كبيرنا، أهل البلد بيحبوه وبيحترموه، ولولاه مكونتش كملت تعليمي، أصل عمامي كانوا معارضين ده، وهو صمم إني أخد أكبر شهادة.

انتفضت برعشة خفيفة عندما وجدته يمسك بنظرتها المتأملة إليه، تراجعت خطوة للخلف لتختفي عن مرمى بصره، وردت في خجلٍ:
-ربنا يخليكم لبعض...
ثم تعللت ببرودة الطقس قائلة:
-الجو فيه لسعة برد، تعالي نتدخل.
ربتت على ظهرها مرددة:
-حاولي ترتاحي بقى، ورانا بكرة يوم طويل.
ابتسمت لها في وديةٍ صادقة، ودعت لها بمحبةٍ:
-ربنا يتمملك على خير.
ضحكت في لطافةٍ، وتابعت بنبرة راجية:
-وعقبال ما أفرح بيكم كلكم!

أنهت سندس جملتها هذه وهي تنظر إلى رفيقاتها اللاتي بدأن في الغناء بمرحٍ احتفاءً بها، لتشاركهن حماسهن الكبير بطاقة مماثلة لهن.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة