قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل السابع

تابع بنظراته الثاقبة، وملامحه الجادة الصارمة، ما يقوم به سَائِس الخيل، للعناية بخيوله الأصيلة ورعايتها، أعطاه التعليمات بشأن ما يخص نظافة الإسطبل، وتفقد معدات ركوبها، قبل أن يباشر حديثه مع الطبيب البيطري، ليتأكد من تمام عمله هو الآخر. تحرك صفوان عائدًا حينما فرغ من مراجعة كل شيء إلى حيث يجلس أبيه في الفسحة المخصصة له بالمكان، على مصاطب خشبية مبطنة بالوسائد والكليم.

سُعال والده الخشن، وشبه المتواصل جعله ينزعج، ويقلق بشأن حالته الصحية، فأخبره في صوت جاد:
-يا حاج لازمًا نشوفلك دكتور كويس يكشف عليك.
بغير اكتراث علق وهو يشير بيده:
-خدنا إيه منهم غير شيلة الهم ووجع الراس!
كاد صفوان أن ينطق بشيء؛ لكن منعه صوت مطاوع الصائح في عنجهيةٍ غير محببة إليه:
-ياض نضف عِدل، حلل القرشين اللي بتاخدهم، ولا هو مال سايب؟!
حينها ناداه صفوان بصوته الجهوري الصارم:.

-تعالى يا مطاوع، وسيبه يشوف شغله.
انضم إليهما ليجلس بأريحية على المصطبة، وهتف متذمرًا:
-يا كبير ده واد بهيم، محتاج يتسك على دماغه علشان يشتغل.
لم يستحق عناء الرد عليه، أو مجادلته، فاكتفى بالإشارة للسائس ليعود لمزاولة عمله، ونظراته تتابعه في اهتمامٍ، إلى أن تكلم مطاوع من جديد في نبرة متحمسة:
-أما أني لاقيت بعية حلوة للأبهر، ناس أكابر هيدفعوا فيه ألوفات وآ.

غامت ملامح صفوان، وانعكس الضيق في نظرته إليه، لم يمهله الفرصة لإكمال جملته، قطعها في المنتصف بقوله الحاسم والحازم:
-وأني قولتلك الأبهر مش للبيع.
احتج على رفضه بتبرمٍ:
-دي رابع بيعة أجيبها ليه وبردك ماترضاش!
لحظتها تدخل الحاج عبد المجيد قائلًا:
-سيبه على راحته يا مطاوع، المال ماله، وهو حر فيه.
ظل متمسكًا باعتراضه:
-بس ده فيه مكسب ليه ولينا.
وقتئذ تولى صفوان الحديث، وخاطبه في غير لينٍ:.

-وهو أني بأخر عنكم حاجة لا سمح الله؟ كله بياخد حقه قبل ميعاده.
تلبك للحظةٍ، وتعلل متصنعًا الضحك:
-لأ يا كبير، بس الرزق يحب الزيادة.
أتاه تعقيب صفوان صارمًا، وكفه مرفوع أمام وجهه:
-خلاص، من حكم في ماله ما ظلم!
توقف عن جداله في هذا الشأن، وانتقل لآخر أكثر حساسيًا، وربما حرجًا:
-على إكده كان عندكو خبر بضيوف بت عمي؟
حينئذ رد عليه الحاج عبد المجيد بغير تساهلٍ، وقد لاحت هذه التكشيرة العظيمة على محياه:.

-يا مرحب بأي حد جاي، هو احنا من مِتى بنقفل بابنا للضيف أو الغريب؟
توتر من طريقته، وحاول التبرير بادعاء الأكاذيب لإقناعهما بشيءٍ غير موجود من الأساس:
-معاك حق يا عمي، بس تحس الحريم دول مش شبهنا إكده...
حدق فيه كلاهما بنظرات غامضة، تملأها الحيرة، فاستمر يقول على نفس المنوال:
-وشكل عوايدهم غيرنا، ده المصيبة إنهم جايين إكده من غير راجل!
جاء إلى الجزء المستفز في حديثه بترديده:
-الله أعلم بأخلاقهم وآ...

قاطعه صفوان قبل أن يتم جملته متسائلًا في تحفزٍ، خاصة تلميحه المتواري بفساد سريرة هؤلاء الشابات وتأثير ذلك على شقيقته:
-قصدك إيه بكلامك الماسخ ده؟
أجابه دون أن يرف له جفن، وكأنه يلصق بهن اتهامات بأدلة غير موجودة لمجرد اعتقاد واه في رأسه:
-يعني بت عمي متربية، وعارفة الأصول والعوايد، بس دول غُرب، لونين إكده، وأهل البلد ما بيسكتوش، أكيد هيحكوا عن اللي حصل النهاردة.

وقتئذ استشاط صفوان غضبًا، فاندفع يهدر به بصوت شبه منفعل:
-اللي عنده كلمة يجي يقولها في وشي، وأني عارف هخرسه إزاي.
آنئذ طاف في مخيلته طيفًا مرئيًا لوجه هذه الحسناء الرقيقة حينما سقطت في أحضانه، طرد صورتها من ذهنه مستنكرًا ربط حديثه المسيء بها، وعبس بشدة. اضطرب مطاوع من عصبيته، وتعلل:
-أني عارف إنك قادر على إكده، وآ...

لم يرغب الحاج عبد المجيد في إثارة ثائرة ابنه دون داعٍ، فأجبر ابن شقيقه على ابتلاع باقي الكلمات في جوفه حين قاطعه:
-سيبكم من الكلام ده، وخلونا في فرح سندس.
استجابا لطلبته، فتساءل موجهًا حديثه إلى ابنه:
-قولي ظبطتم الدبايح؟
جاوبه وهو يومئ برأسه:
-أيوه يا حاج، كل اللي أمرت بيه تم.
استحسن اهتمامه بالأمر، واستطرد:
-على خير يا رب، عاوز الكل يفرح لبتي، دي جوهرة العيلة.
أكد له دون أن يبتسم:
-هيحصل يا حاج.

طالعه والده بنظرة واثقة قبل أن يخبره:
-وأني مطمن بيك يا صفوان يا ولدي.
مرة أخرى تساءل مطاوع في فضول مزعج:
-أومال نوح جاي الفرح ولا هيفضل قاعد مع مَرَته؟
نظر له صفوان شزرًا قبل أن يرد:
-هو أدرى بظروفه.
لم يطل في لغوه، ونهض من مكانه استعدادًا لانصرافه هاتفًا:
-طيب، هروح أشوف ورايا إيه، ولو في حاجة كلمني يا كبير على التلافون.
اكتفى بهز رأسه مقتضبًا في الحديث معه، ليدمدم في تأفف بعد ذهابه:.

-لو بس يريح راسه من اللي مايخصوش!
تقوس فمه بامتعاضٍ طفيف قبل أن يعقب عليه:
-ما إنت عارف ولد عمك!

عبارته وإن كانت عادية وعابرة إلا أنها لخصت الكثير مما يقال، فطباع ابن عمه تنحصر في إزعاج الآخرين، ومحاولته فرض السلطة، وممارسة دور غير منوط به، لمجرد الظهور بمظهر صاحب المهابة، لعل وعسى بذلك يظفر بخوف الناس لا محبتهم، فيظل في نظرهم كالآمر الناهي، على عكسه تمامًا كمنت شخصية صفوان، فإن كان صارمًا، وحازمًا فيما يخص شئون الغير إلا أنه يملك جانبًا إنسانيًا لا يجعل أحدهم يراه سوى من يثق فيه فقط، وجانبًا رحيمًا يقدمه فقط لمن يستحق. انتشله من شروده السريع صوت أبيه المتحدث:.

-خلينا نشوف مصالحنا.
هز رأسه إيجابًا، وابتسم له مستأنفًا حديثه عن العقبات التي تواجهه في زراعة أحد أراضيه الزراعية، إذ ربما يقدم له النصيحة والمشورة ليتفاداها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة