قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل السادس عشر

لم يتوقفن عن الثرثرة المشوبة بقدرٍ من الغيبة والنميمة، خاصة حينما التقين بالشقيق الثاني لرفيقتهن أثناء العرس، حيث امتاز بالوسامة الممزوجة بالرجولة، بالإضافة لشخصيته اللطيفة والمرحة، وكأنه على النقيض كليًا بشقيقه الأكبر، لهذا كان من البديهي أن يحوز بأسلوبه على إعجابهن، وواصلن الحديث عنه بلا مللٍ ودون حياء أو حتى أي مراعاة لحياته الخاصة بالرغم من تحذير ياقوت لهن بالتوقف عن ذلك، ورغم كونهن على وشك المغادرة إلا أنهن بقين على نفس الحال المُتيم، استطردت إحداهن قائلة بنبرة والهة، وعيناها تتطلعان بسهدٍ للسماء: -ده مافيش في جماله اتنين، أكيد عياله هيطلعوا حلوين زيه.

اعترضت على كلامها ياقوت، فنهرتها بجديةٍ: -إنتي يا بنتي مش عاتقة حد؟!
ضحكت في ميوعة، وقالت بنبرة هازئة: -الصراحة الواد طلع حليوة أوي، مش جو صعيد وخناشر خالص!
علقت عليها أخرى في مزاحٍ ضاحك: -بطلي لأحسن يطخوكي هنا!
هتفت في غير اكتراث: -خلاص ما احنا ماشيين.

كانت جملتها عادية للغاية، غير موحية بالمرة؛ لكنها تركت أثرًا بالغًا في نفس ياقوت، أحست بالوَحشة لذهابها عن هنا، كما لو كان في بُعدها عذابًا لها. شاع في نفسها الفراغ، وملأها الحزن، خاصة حينما تعذر عليها اللقاء بصاحب المهابة والكلمة المسموعة، بدا وكأنه اختفى متعمدًا عن ناظريها لئلا يقابلها، ألمها ذلك الشعور، وسعت لوأده في مهده، مُذكرة نفسها أن جاءت هنا كضيفة عابرة، ومع ذلك كانت تتلهف شوقًا وتتحرق لسماع أي شيء عنه، لم تنسَ الخفقة الأولى لقلبها عندما تحدثت إحداهن عن قيامه بتوزيع اللحوم والطعام لجميع ساكني البلدة احتفاءً بعرس شقيقته، وتوالت الخفقان تباعًا مع كل مرة يُذكر فيها صنيعه.

لم تخجل حينما تجرأت لسؤال بهية عنه عندما جلستا معًا ليلًا بمفردهما على الأرائك بالصالة، والاستفسار عن نمط حياته، فأفاضت الأخيرة في عزة وتفاخر:
-ده زين ما ربيت، لا عمره ظلم، ولا جار على حق مظلوم، الكل بيهابه، بس بيحبه، ده كبيرنا كلنا.
السؤال الآخر الذي شغل بالها، وحيرها كثيرًا، هو عزوفه عن مسألة الارتباط، فتشجعت لتشبع فضولها بالاستعلام عن هذا الأمر على وجه الخصوص:
-طب هو ليه مفكرش يتجوز؟

أجابتها بعد زفرة بطيئة:
-ألف مين تتمناه، بس هو يشاور، ويقول يامه عاوز أتجوز دي وأني هجوزهاله.
استغربت للأمر، وسألتها بمزيدٍ من التحير، وقد انزوى ما بين حاجبيها:
-مش إنتو عندكم بنات كتير في العيلة؟ ليه مفكرش يخطب واحدة منهم؟
استرسلت شارحة لها برحابة صدرٍ:
-عيلتنا احنا التنين كلها جابت ولاد، مافيش إلا بتي سندس، وهي زي ما بنقول عليها دلوعتنا، وبنتين تانيين اتجوزوا من زمن، لما صفوان كان لسه صغير.

أصغت بانتباه لها، وشردت فيما قالته، دون أن تشعر بشبح الابتسامة التي تراقصت على شفتيها، تلبكت، وأصابها الحرج الجم حين سألتها بهية بمكرٍ مدروس:
-ألا صحيح بتسألي ليه؟ عندك عروسة لولدي؟
نفت في الحال، وموجة عاصفة من الاضطراب تجتاحها:
-لأ خالص...
ثم حاولت التبرير لها، فخرج صوتها مرتبكًا:
-ده أنا بفضفض مع حضرتك، زي ما متعودة أعمل مع خالتي.
برقت عيناها في لؤمٍ، وقالت وهي تربت على كتفها:.

-وماله يا بتي، اسألي وماتكسفيش.
خجلت كثيرًا من تعرضها لهذا الموقف المحرج، ولاذت بالصمت رغم رحابتها في الحديث معها، حافظت على نعومة ابتسامتها الرقيقة وهي تدعو لها:
-وعقبال ما نفرحُ بيكي إنتي كمان.
ردت مجاملة قبل أن تستأذن بالذهاب:
-شكرًا لحضرتك.

صعدت للأعلى محاولة اختلاس النظرات للجزء الآخر من القصر، ذاك الذي تمكث فيه العائلة، إذ ربما تلمحه مصادفة، لكن لسوء حظها لم يحدث ما تمنت، فعادت إلى الغرفة وهي شبه محبطة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة