رواية بين عشية وضحاها للكاتبة منال سالم الفصل السادس
لم يطرأ ببالها للحظة واحدة أن تجازف صديقات الدراسة والثرثرة والمرح والشكوى بالقدوم إلى أقاصي الأرض لمشاركتها فرحتها، فاقت سعادتها حد الخيال، وابتهجت بشكلٍ عظيم لرؤيتهن مجتمعات حولها. بعدما استقرت الشابات في غرفتين متجاورتين للضيوف –بعيدًا عما يخص أهل البيت- ووضعن أمتعتهن بها، اجتمعن بالبهو الفسيح، نفضت سندس شعرها المعقود في جديلتين من اللون الأسود خلف ظهرها، وضحكت قائلة في سرورٍ:.
-والله ما مصدقة إنكم هنا.
تكلمت واحدة من الشابات متسائلة في مرح شبه ساخر:
-مش هتحكي بالصعيدي؟
نهرتها في التو ياقوت بوجه جاد التعبيرات قبل أن يظهر ذلك في نبرتها:
-يا بنتي عيب!
لم تكترث لأمرها، وقامت سندس بتلبية طلبها، والتحدث باللهجة الصعيدية في طريقة لم يعتدن عليها معها، إلى أن جاءت السيدة بهية –والدة سندس - للترحيب بهن، تبعها عدة خادمات يحملن صواني الأطعمة والحلوى، وهي تخاطبهن في حرارة شديدة:.
-امنورين يا عرايس، عقبال ما نشرب شرباتكم.
نظرت إليها ياقوت في حرجٍ، وقالت باسمة:
-شكرًا يا طنط، مالوش لازمة تتعبي نفسك.
صححت لها في نبرة معاتبة لكنها ودودة:
-قوليلي يا حاجة، يا خالة، بلاش كلام ولاد البندر ده.
ردت عليها بنفس الابتسامة الرقيقة:
-حاضر.
جلست بهية مجاورة لها، ومدت يدها لتربت على كتفها هاتفة في لطافةٍ واضحة:
-يحضرلك الخير يا بنيتي...
ثم وجهت كلامها للجميع، وهي تدور بعينيها عليهن:.
-مش هوصيكم، دي حاجة بسيطة، لحد ما الوكل يجهز.
قالت إحداهن في مزاحٍ:
-ما شاء الله، ده احنا هنرجع وزننا زايد.
تطلعت ناحيتها، وأخبرتها:
-وماله، علشان تدورا وتحلووا بزيادة.
هتفت أخرى متسائلة في حماسٍ:
-عاوزين نتفرج على البلد يا سندس، ينفع ولا هيكون صعب؟
أجابتها بإيماءة من رأسها:
-مافيش مشكلة، هشوف وهظبط فسحة حلوة ليكم.
بدت والدتها غير معارضة كذلك، وقالت فيما يشبه الوعد:.
-ماتشليوش هم، نخلصوا من حنة سندس، وأني هوصي ابني الكبير يفرجكم على نواحينا.
تساءلت أخرى في مكرٍ:
-على كده يا خالة في جناين عندكم وعذب وأطيان زي ما بنشوف ونسمع في الأفلام؟
هذا النوع من الأسئلة الفضولية السخيفة لم تحبذه ياقوت، فما تملكه أي عائلة هو شأن خاص، لا يحق لأحدهم معرفته، لهذا ظهرت الانزعاج جليًا على ملامحها، وقامت بلكز رفيقتها في جانب ذراعها وهي توبخها:
-يا بنتي اتلمي، مايصحش كده.
ضحكت بهية على ما يحدث من شد وجذب بين الشابات، وقالت بعدها:
-سبيها على راحتها، إيوه، خير ربنا موجود في كل مكان إهنه!
ظهر الحماس على وجوه الشابات، فاستطردت ياقوت قائلة بحرجٍ، وحفظًا لما الوجه:
-ما شاء الله، ربنا يزيد ويبارك.
قامت إحداهن ناهضة، وصاحت بعدما صفقت بكلتا يديها:
-احنا هنفضل أعدين كده ساكتين؟ عندنا عروسة عايزين ندلعها!
نظرت تجاهها بهية، وعلقت عليها بوجهها البشوش:.
-لسه وخري هتاجي فرقة تهيصوا ليها.
ظلت الشابة على حماسها المتقد، وقالت وهي تجذب العروس من كلتا يديها لتنهض معها:
-ولحد ما هما يجوا احنا هنغني ونرقص سوا.
أظهرت بهية تشجيعها لذلك بقولها المؤيد:
-افرحوا وفرحوا الدنيا كِلاتها.
عندئذ تعالت أصوات البهجة المصحوبة بالزغاريد، وملأت جدران القصر الفسيح، لتسارع بعدهن الخادمات في الانضمام للحاضرات، ويتبارين جميعًا في الرقص والغناء على أشهر الأغاني الفلكلورية الشائعة.