رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الحادي والعشرون
لما تحدد هدفك أنت كده بتمشي أول خطوة في خطوات النجاح، فمتهتمش برأي أصحابك الفيلسوفيين، خليك ورى حلمك محدش هينفع غير نفسك.
ومتنساش أبدًا أن مفيش رأي مهم الرأي المهم الوحيد رأيك أنت، أنت الداعم الأول والوحيد لذاتك.
-يلا بينا نتصور.
قالتها ألماسة وهي تقف ليقف خلفها نادر وترفع هاتفها كي تلتقط الصورة لكن وقفت ونظرت لتامر:
-ما تقوم يا تامر تتصور معانا.
-معاكم!
-أيوة، إيه مش حابب.
ابتسم تامر بسعادة طفل يحاول والده قتله وبناء تلك الشخصية الباردة التي لا تهتم لشيء، وقف تامر والتقطت ألماسة صور كثيرة ستصبح من ذكرياتهم النادرة.
®
كانت تسير وسط ظلام الليل وبين الأرجاء محاول الثبات على موقفها وتتمنى الخير لهما وأن يعوضها الله خيرًا لتلمح شخص ما يقف جوار الأشجار يعبث بهاتفه، اقتربت منه بفضول لتقول بخفوت له: -أنتَ، أنتَ.
نظر لها بدهشة لترتد للخلف بذعر فكان بوجهه أثر لكمة، اقتربت منه سريعًا واضعة أصابعها على وجنته ليشعر برجفةٍ تسري بجسده ويبتعد عنها.
-خير يا أنسة.
-أنتَ لازم تحط حاجة ساقعة عليها عشان الورم يهدى.
-تمام شكرًا.
قالها وهو يرحل لتسير خلفه وتتحدث بفضول فهي تعرف جميع من بالحفل لكن هو، تلك المرة الأولى: -أنتَ مين وجي لمين؟ آسر باشا اللي عزمك؟
-هو فين.
-مين؟
-آسر باشا.
-قولي اللي عايزة وأنا أوصلهوله.
كاد أن يتحدث ليتذكر حديث سوارين: -أيوة يا S. M الورق معايا بس معتقدش إنه مهم.
-تمام هبعتلك عنوان قصر الأسيوطي تودي الورق هناك لآسر بيه هو هيلزمه في الثفقات.
-نعم! هو أنا كنت بجيبه يا فندم عشان واحد ياخده لصفقاته.
-اسمع الكلام هو هيوصله لسيف وبطل تجادل وإياك تسلم الورق لحد غيره إياك يا كرم.
-خلاص يا فندم فهمت، لما نشوف أخرتها.
أفاق على اصرارها ليرفض ويتركها ليبحث عن المدعو آسر.
®
-اتفضل أقعد يا نادر.
جلس نادر بابتسامة قلقه ثم قدم له الرسالة من والدته لتأخذها وتفتحها لتلقاها مكتوبة بلغة الإشارة لتبحث على ورقة أخرى وتبدأ بفك الرسالة.
أنهت الكتابة وبدأت القراءة بخفوت: «ميمو وحشتيني، وحشتوني كلكم، اطمني أنا بخير الحمدلله، اطمني على ملاك، نادر هيحكيلك وأنا هخرج من هنا قريب متقلقيش، قولي للعيال اني بحبهم و وحشني السهر معاكم على الكورنيش. ».
تركت الورقة بدموعٍ ترقرقت بعيناها لو تعلم أن رحيلها سيضعف الجميع وبمقدمتهم آسر لم تكن ترحل فبرحيلها ضعف هو وأهمل قريباته بل الجميع واستغل ذلك عصام، محت دموعها ونظرت لنادر وحسته على البدأ.
-من 3سنين تقريبًا وماما بتختفي يعني بتقعد معانا ساعات بسيطة في اليوم واليوم اللي شيري هانم تبقى عندنا فيه ممكن نقعد بعدها ب3و4 أيام منشوفش ماما و في يوم ايدها اتكسرت تامر مهتمش لأن عصام بيه مفهمه أن ماما وحشة وزي ما تقولي كده بيحاول يفهمه إنها أم وحشة وللأسف مجح وتامر معدش بينزل لماما خالص.
تنهد تنهيد قوية حاول بها كتم دموعه وهو يتذكر والدته والمكان التي تمكث به ثم أكمل: لما ماما ايدها اتكسرت أصريت إنها تحكيلي وعرفت إن عمو آسر لما بيضايق شيري هانم بتطلع طاقتها في ماما ومره جابت ستات تضربها، عارفة المريض اللي بيستمتع بألم اللي حواليهم هما كده.
انسدلت دموعه على والدته وكذلك ألماس لم تتصور يوم أن تصل الأحداث للضرب فعصام حارب الجميع لأجل مليكة ماذا حدث فجأةً؟!
-بقالنا فترة بننزل ساعة واحدة كل يوم بس لما بطلب أكتر بيرفض بس أنا اكتشفت باب عندي بينزل لتحت فبقيت أروح منه وكده.
طلبت منه أن يوصف المنزل ليبدأ بوصف المنزل واخبارها كيف تقدر على الدخول لوالدته، انهى كلامه لتهتف بابتسامة غامضة: -تمام يا نادر، إن شاء الله في أقرب وقت مليكة هتبقى وسطنا.
-إن شاء الله، معلش يا طنط هي مين ملاك، أنا قرأت الورقة.
عقدت ألماس حاجبيها بتساؤل ليكمل مفسرًا: أنا اتعلمت لغة الإشارة من فترة فكان سهل أفكها.
هزت رأسها ليخرج هاتفه ويبدأ بوصف القصر لها: -ده مدخل القصر والحديقة متحوطة بالحرس ما عدا الجزء الخلفي اللي فيه ماما، ده مكتب عصام بيه وجمبه باب، الباب ده بينزل بغرفتين ماما في التانية، الغرفة فيها سرير وحمام وشوية كراسات ماما بتكتب فيهم وكتب وفي باب بيطل على الحديقة الخلفية، أنا بعرف افتحه.
-أنتَ حرامي يا نادر يا حبيبي.
ضحك نادر عليها ثم هز رأسه وأردف: ما أنا كان لازم أشوف مامت والنت مقصرش في حاجة الحمدلله، المهم إني فعلًا حاولت أهربها بس هي قالت متعرفش حد وخاصةً إن شيري هانم هنا وحضرتك مش موجودة ولو خرجتها على غرفتي مش هنعرف نخرج من باب القصر.
سألته أكثر من سؤال لتسهل على ذاتها عملية دخول القصر لكن استقرت بالنهاية بأن يذهب شخص آخر نيابةً عنها.
خرجت ألماس ونادر من مكتب آسر وذهب نادر لتامر وألماسة أما ألماس فقابلت عصام آخر شخص تود رؤيته اليوم لتبتسم ابتسامة صفراء وهي تردف: -عصام بنفسه هنا، مش تقول.
-نورتي يا ألماس.
-تشكّر، صحيح فين ميكي وأخوك.
-بح، ربك افتكرهم اعقبالك.
نظرت له بسخرية ثم رحلت حتى لا تنقض عليه، من الواضح أن تلك الليلة طويلة ولن تنتهي بخيرٍ وقد قرر ذلك عصام.
®
-مع احترامي.
قالها سيف بمكرفون وهو على المسرح لترد ألماسة وهي تجعل فريال ترفعها للمسرح: -للناس وللأسامي.
أكمل الاثنان: مع إحترامي للناس وللأسامي، إسمك حبيبي أحلى إسم بناديه...
أدرك الجميع ما يدور بالوسط ليبدأ الجميع الغناء معهما وتبدأ ستائر الليل بالانسدال وتلتقي العيون بحديث طويل يُبشر بحبٍ جديد ويهمس كلًا منهما لحبيبته: -إسمك حبيبي أحلى إسم بناديه.
®.
انسدل الليل وملئ الهدوء بعض الأماكن الفارغة بمنزل صغير يسوده الظلام كانت تتجهز ليريا ميكي لترتدي ذلك الجاكت الأسود وتضع أدواتها كمسدسٍ بخصرها وسكاكين صغير بالجاكت وبقدمها ثم نظرت للوح على الحائط أمامها:
-كنت عاوزه أصبر عليك شويه يا عصام بس بصراحة اللي عرفته عنك ميخلنيش استنى دقيقة واحدة.
ألقت نظرة على ذاتها بالمرآة ثم انتطلقت تشق الطريق بدرجتها النارية.
وصلت بعد فترة قليلة بسبب سرعتها وهبطت أمام البوابة الخارجية للقصر ليتقدم منها الحارس: -خير يا أنسة أنتِ مين وإيه اللي على وشك.
-بص يا عسليه أنا هدخل جوه أمسي على عصام وأخرج وأنت خلي بالك من الموسيكلاية بتاعتي، أنا لسه جيباها.
تقدم الحارس منها كي يعترض طريقها لتخرج مسدسها وتضربه بذراعها ثم على رأسه فَفقد الوعي وبدأت بايقاع الباقية ثم اتجهت للجزء الخلفي وتسللت بهدوء حتى دخلت الغرفة.
شعرت مليكة بحركة خارج الغرفة لتنير ضوء خافت جوارها وتنهض تتجه لباب تلك الغرفة مدت يدها لتفتح الباب ففُتح وظهرت ليريا من خلفه، عادت مليكة للخلف بذعر و وضعت يظها على فمها تكتم شهقة عالية ثم هتفت برُعبٍ وهي تعود للخلف: -أنتِ مين، وعايزة إيه.
زفرت ليريا بضيق وهي تدخل: -كده كتير يعني أغيب (ورفعت أصابعها تعُد عليها) سنة، اتنين، أربعة، احم مش مهم.
ضحكت مليكة عليها وقد نست خوفها: -أنتِ تايهة؟
شاركت ليريا الضحك ثم هتفت وهي تعرف ذاتها: -أنا ليريا ميكي.
-أهلًا وسهلًا خير؟
صرخت ليريا بضيق من هدوء مليكة: -أنتِ عادي كده ليه؟!
-أصل عادي متعودة أعداء بيهجموا ساعات.
هزت ليريا رأسها بتفهم لتكمل مليكة وهي تجلس على فراشها بهدوء: -لحظات وعصام هيعرف وهيقتلك.
نظرت لها ليريا سريعًا بفزع لتهز رأسها مؤكدة حديثها، تقدمت ليريا منها وأعطتها ورقة ثم اتجهت لباب الغرلة المتصل بالفيلا لتوقفه مليكة متسائلة: -إيه الورقة دي وبتعملي إيه أنتِ عارفة الباب ده بيودي على فين.
تحدثت وهي تخرج دبوس شعر وتفتح الباب: -أنا ليريا وجيالك من طرف ألماس ودي منها(وأشارت على الورقة بيدها، ثم أشارت للباب وأكملت) وده بيودي على القصر ما أنا لازم أعمل زيارة لعصام.
لم تنتظر ردها وفتحت الباب وركضت بخطوات سريعة للأعلى حتى تستطيع تنفيذ ما أتت له غافلة عن أسرارٍ كثيرة خلف ذلك البيت، دخلت مكتب عصام وتركت له ورقة على شكل قطة وخرجت.
أثناء خروجها قابلت عصام الذي أخرج سلاحها وأطلق النيران عليها لتنحني سريعًا وتمد قدمها مما أدى لسقوطه أرضًا وابتعاد السلاح عن يده لتقف أمامه بسخرية وبيدها سلاحها: -قوم، قوم أقف.
وقف عصام بألم لتدفعه بسلاحها للأمام وهي تأمره بأن يُأمن لها الطريق حتى تخرج من ذلك المنزل وبالفعل خرج معها للخارج وألتقت عيناه برجاله المصابين وليريا تدفعه للأمام حتى خرجت من البوابة الرئيسية وألقته أرضًا وجرحته بذراعه بسكين كي تترك له ذكرى وركبت دراجتها ورحلت تارك خلفها عيون تطلق شرارت تتوعد لها.
خرجت شيري من القصر وتقدمت سريعًا من أخيها المصاب وساندته حتى الداخل وهي تكرر من فعل ذلك به وبرجاله وهو يتجاهلها، ارتمى بجسده على الأريكة ليتقدم منه طفلاه.
نادر بقلق من سيل الدماء بذراعة: -أنتَ كويس يا بابا.
عصام بعصبية وصراخ من ابنه العاطفي ذلك: -أنتَ شايف إيه؟!
سحب تامر نادر للأعلى وهو يقول: -ابقى زود رجالتك وقوتك يا باشا عشان شكلك كان وحش أوي و واحدة بتعلم عليك.
نظر له عصام سريعًا بغضب قابلها تامر بعدم اهتمام وأكمل صعوده للأعلى.
عاد الجميع لفراشه بعدما اطمأن نادر على والدته وعادت السكون للمكان لكن أنوار غرفتها لم تغلق بعد.
كانت مليكة تمسكت ورقة ألماس وتقرأها «المره دي كنت عايزة أقرص ودن (أذن) عصام لكن المره الجاية أنا وآسر هنيجي ناخدك بنفسنا» أنهت قراءتها واستمعت لصوت قدم أحدهم فأخفت الورقة وانتظرت حتى فُتح باب الغرفة ودخل عصام.
لم تتحرك من مكانها وظلت ملامحها ثابتها حتى اقترب منها وجلس على الفراش و وضع علبة الاسعافات ونظر للفراغ أمامه لتبتسم وهي تبدأ بتضميد جرحه ثم تحدثت بصدمة وخوف: -ده عميق أوي!
هز رأسه بابتسامة هادئة وكأنه شخص آخر: -نضفيه بسرعة ولفيه.
تحدثت بحنان ومواساة وكأنه طفل: -حبيبي لازم دكتور يخيطها وبسرعة.
جذبها بيده الأخرى لأحضانه وهمس لها بأذنها بنبرة حانية: -أنا بحبك أوي.
ضمته بقلق على ذراعه وعدم شعوره به: -وأنا كمان بحبك...