قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السابع والعشرون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السابع والعشرون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السابع والعشرون

الهدوء يعم المكان يتخلله صوت المياه أثر سباحة أحد الأشخاص وبداخل قصر الأسيوطي كانت تجلس حبيبة تقرأ إحدى المقالات الطبية باهتمام أمام حوض السباحة.
وبحوض السباحة كانت نورسين تسبح يمينًا ويسارًا محاولة تناسي الخطر التي يحاوط مهند وصديقتها وتشعر أيضًا بالقلق على سيف وجميع من معهم لكن قلبها يُنهش من قِبل الخوف، خوفًا على مهند.

قاطع تلك الأجواء الصامتة صراخ ألماسة بسعادة وهي تأتي من الداخل هاتفة: أنا خلصت الواجب.
أجابتها نورسين بإبتسامة وحماس: شاطرة يا لولا، يلا انزلي معايا.
لم تنتظر ألماسة لحظة وهي تقفز فقد كانت تسمع صوت المياة وعزمت على الانتهاء من المذاكرة ثم بدلت ثيابها لثياب السباحة كي تهبط وتشارك من بحوض السباحة.

عارفة يا طنط نورسين أنا بحبك جدًا عشان أنتِ جميلة وطيبة وبتحبيني وبتحبي ماما وعمو مهند، وكمان العيلة كلها فأنا بحبك.
أدمعت عين نورسين بتأثر وهي تتمنى فتاة مثل ألماسة بهدوئها: وأنا كمان بحبك جدًا يا ألماسة وعايزة لما اتجوز وأخلف أجيب بنوتة قمر كده زيك.
ضحكت ألماسة بسعادة وشاركتها نورسين الإبتسامة والسعادة والتقطتا بعض الصور والمقاطع المضحكة.

وبجانبهم كانت حبيبة تغوص بالمواقع الطبية وهي تبحث عن سبب لذلك الألم الذي تشعر به وبعد مدة رست على زيارة الطبيب بدلًا من المواقع التي بثت القلق بفؤادها منتشلة آخر ذرات الطمأنينة.
تيتا، بيبة.
نادة ألماسة على حبيبة أكثر من مرة حتى انتبهت لها حبيبة لتقل ألماسة.
مالك يا تيتة، ركزي معايا بقولك ممكن نعمل أكل دلوقتي عشان أنا ونونة جعانين؟
تعالوا نبوظ المطبخ لأمك يلا،
قالتها حبيبة وهي تنهض لتنضم لهم للداخل...

أصوات صراخ ممرضاتٍ تتعالى منادية على الأطبة بعدما انتقل جَرحَى تشابك الشرطة مع إحدى المجموعات الإرهابية تلك كانت المعلومات التي تتناقل وسط الممرضين والممرضات.
شعر بشيء غريب يحدث بالمشفى ليوقف أحد الممرضين حتى يعلم ما يحدث قائلًا: خير يا وليد في إيه؟!
أجاب سريعًا قبل الرحيل لمناداة بقية الأطباء: مجموعة من الإرهابين اتشابكوا مع الشرطة على حدود المدينة وفي جَرحَى كتير في الطوارئ يا دكتور حازم.

تركه ورحل ليتصل سريعًا عبر ساعته الذكية على خطيبته وهو يتحرك سريعًا بممرات المشفى كي يصل لجزء الطوارئ.
أجابة بعد دقيقة تقريبًا هاتفة باشتياق ومرح: زوما وحشتني يا راجل، أنت نسيت إنك خاطب ولا إيه؟!
تجاهل حديثها سائلًا عما اتصل لأجله على مضض وهو يتحرك بسرعة كي يصل للطوارئ: إلهام مين نزل مهمة انهارده اللي كانت على حدود المدينة؟
مش فاهمة ليه يعني؟!
عمومًا كان سيف ومهند ونور ليه؟!

هتف وهو يدخل غرفة الطوارئ ناويًا إغلاق المحادثة: في مجموعة كبيرة مصابة و، سيف!
صرخت بعدم فهم أو هكذا ادعى عقلها لا يتقبل ما سمعته: حازم، حازم في إيه؟!
آخر ما سمعته قبل انقطاع الخط هو صوت مهند الموجهة لحازم...
حازم اتصرف سيف واخد رصاصة بجانب القلب وبقاله مدة من لحظة الإصابة.
بالمشفى نُقل سيف والمصابون بشكلٍ خطر إلى غرف العمليات يتبعه نور الواضح على هيئتها البكاء الشديد ومهند وهيئته مبعثرة تمامًا...

حل الصباح وأصبحت الثامنة ونصف حيث خرج سيف وبقية المصابون من العمليات وتُركوا بالغرف تحت عناية الممرضين ومنهم من سمحت حالته للنقل فنُقل فورًا لمستشفى الشرطى كي يترك مجال لبقية المصابين فكان العدد هائل لا تتحمله مستشفى كتلك مهمشة على الحدود للطبقة الأقل من الأقل.
وبمنزل الأسيوطي كانت تهبط ألماس الدرج بضيق فقد أيقظها آسر وهي لم تنم بشكل كافٍ وتبعتها ألماسة بضيق أيضًا لأن والدها أيقظها هي الأخرى.

وبالأخير كانت تهبط نورسين وعيناها تتابع الهاتف منتظرة رسالة برد من مهند يُطمئنها أنهم بخير.
أنت يا أخ مصحينا بدري ليه؟!
قالتها ألماس وهي ترتمي بجسدها على آسر الجالس على الأريكة، ليلتقطها بهدوء قبل أن يجيب...
عشان نستنى سيف ونور ومهند المفروض يكونوا خلصوا من بدري وأنا مش عارف أوصل لحد فيهم.
علي صوت هاتف ألماس بالمكان لتلتقطه ثم تغلق الصوت معلقة: دي إلهام، وبصراحة مليش مزاج أرد على حد دلوقتي.

أردف ياسر وقد أتى منذ السابعة هو وحبيبة فلم يقدروا على الانتظار بمنزلهم: تفتكروا حصل حاجه، أنا قلقان على نور.
خير إن شاء الله،
قالتها حبيبة وهي تحاول تجاهل مخاوفها وتلك الكوابيس المطاردة لكل مهمة وتقلق نومها.
إلهام بترن،
قالتها نورسين بدهشة بعدما أغلقت ألماس صوت هاتفها بعد عشر مكالمات تقريبًا...
بدأ القلق يتسرب للجميع لتهتف ألماس بلا اهتمام مصتنع كي تُهدأ الوضع: ردي عادي يمكن عايزة تسألك على حاجه.

رن الهاتف مجددًا لتجيب نورسين محاولة الهدوء وهي ترسم بسمة هادئة على وجهها وكأن الأخرى تراها!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، صباح الخير يا إلِي.
بصي يا نورسين أنا ماسكة لساني من الساعة 4 الفجر تقريبًا بس خلاص لازم أقولك.
هتفت بها إلهام سريعًا وهي تشعر بالتوتر وتود الاطمئنان ولكن حازم لا يجيب ولا تعلم هو بأنهي مستشفى حتى!

أجابت نورسين بقلق ظاهر لم تستطع كبت مشاعر الخوف بداخلها أكثر من ذلك: خير يا إلهام قلقتيني.
أردفت سريعًا وقد فاض صبرها من حمل ذلك الخبر: سيف اتصاب.
سمعتها نورسين وهي ترى مهند يدخل من باب القصر لتغلق الهاتف متجهة اتجاه مهند.
هتفت بصدمة وكلمات تحاول جمعها بعدما ألجمت الصدمة لسانها: اللي إلهام بتقوله ده بجد؟!
قالتها باستنكار تام تحاول عدم التصديق ليعلم بأن إلهام علمت عن طريق حازم ليمئ ببطء.

اقترب الجميع منهم وأردفت حبيبة بقلق من هيئة ابنها المبعثرة: خير إلهام بتقول إيه؟!
صمت الاثنان واحتل التوتر الأجواء، كلٌ منهما ينتظر أن يمن الآخر عليه ويقول هو فليس بمقدوره إخبارهم بذلك الخبر الشنيع.
أردفت ألماس بنفاذ الصبر وقد تبخرت آخر ذرات تمالكها لذاتها وتشعر بقدمها لا تحملها: ما تنطق أنت وهي إلهام قالت إيه؟!

أردف ياسر تلك المرة وتملك الخوف منه من أن تكون ابنته مُصابة: نور وسيف كويسين صح؟ هما بس بيقفلوا القضية وجايين صح؟
ما ترد يا مهند!
صرخ بها آسر وقد فاض صبره فهو منذ الليل يحاول الوصول لأي خبر بعدما استحوذت كل وسوسة الش‌يطان على عقله.
نظر مهند لآسر والدموع بدأت بالتجمع ثم هتف بخفوت وصل لهم بضعف بسبب أنفاسهم المرتفعة والتوتر المسيطر: أنا آسف،.

عاد خطوة للخلف وهو يشعر بجسده يتهاوى أرضًا بضعف، هل صدق إحساسه؟
هل أُصيب صغيره؟
هل أُصيب سيف حقًا؟
سيف ذلك الصغير الذي كان يدور حوله وكان هو يصرخ به بأن يمت ويريحه، هل أُصيب أم م.؟
لم يقدر عقله حتى على سردها ليردف بصوت ضعيف مهزوز وهو يسمع صراخ الجميع بمهند أن ينطق إلا ألماس الممسكة بيده تحاول إمداده بقوةٍ تريدها هي: سيف اتصاب بس صح؟

سالت الدموع من عين مهند وهو يومء مجيبًا إياه: سيف اتصاب ولسه خارج من العمليات من عشر دقايق نور كلمتني.
ابتعد آسر للخلف يجلس على أول مقعد وهو يحاول استجماع قوته التي ذهبت هباءً منثورًا مع الريح مع وجود الخطر حول أخيه.
أما عن البقية فهبطت دموع النساء بضعفٍ وألم استحوذ عليهم وألماسة لا تفهم ما يحدث إلا أن الأجواء تُخيفها، أم عن ياسر فكان مصدومًا لا يقدر على إظهار أي ردة فعل.

شريطٌ من ذكرياتٍ قد مضت يلتف أمام عيناه يُغيبه عن الواقع ثم يُستبدل بآخر يُؤلمه أكثر، عاد عقله بالذكريات يُذكره بإلقاءه لأخيه داخل ذلك الوسط.
بس ياض يا صغير أنت، أنت أصلًا مش قد شرطة ده أنت هتدخل الجيش بالعافية.
لا والله، خليك في حالك يا آسر أنا بكلم بابا.
يا ابني أتحداك يقبلوك في شرطة.
علي ألف جنية يا آسر؟!
الرهان حرام بس، موافق.
صحيح يا سيف هتجيب الألف جنية منين يا صغير أنت، على الأقل أنا بشتغل.

خليك في حالك وأبعد عني ده أنت عيل سئيل.
وبشريطٍ آخر بعد القبول بالجامعة: بس حقيقي Bravo عليك اتجدعن بقى وخليك في المخابرات أو قوات خاصة بتبقى أحلى وأخطر.
قولي الحقيقى يا آسر أنت عايز تخلص مني؟ في إيه مش كده؟!
ليتدخل والدهم يفض ذلك النزاع: ملكش دعوة بأخوك يا آسر كفاية إنه عمل اختبارات الشرطة بسببك.

شرائط كثيرة تظهر أمامه وهو يُلقي بأخيه بذلك المجال جعلته يود لو يطعن ذاته كي لا يتألم أخيه بمفرده، انتهى سيل الذكريات وهو يقف خلف مهند أمام غرفة سيف.
كان آسر وألماس وحبيبة التي تحتصن مهند كي تُطمئن ذاتها.
كانوا ينتظرون خروج الدكتور حازم وخلفهم يقف ياسر محتضنًا نور لا يود إخراجها أبدًا يشعر بأن أنفاسه كانت مسلوبة وفور ما احتضنها عادت...

خرج الدكتور حازم من الغرفة بابتسامة صغيرة ليقترب منه الجميع لكنه أوقفهم بيديه عن الكلام قائلًا كي يُطمئن قلوبهم، فهو يعلم ما يدور بأفئدتهم وعقولهم.
سيف الحمد لله بخير، والعملية خلصانة من ساعتين ولا حاجة بس مكنش في غرف فاضية والوضع كان مقلق فسبناه في غرفة العمليات شوية أما دلوقتي فهو أحسن بكتير والحالة استقرت هو هيفضل معانا تحت الملاحظة بس حاليًا هو بيفوق فتقدروا تدخلوا.

دخل الجميع سريعًا على رأسهم نور وتبقى آسر ليردف بامتنان: شكرًا ليك يا حازم، شكرًا.
بتشكرني على إيه بس، أولًا ده واجبي وثانيًا سيف أخويا.
ثم أكمل وهو يضحك: هروح أنا أطمن البقية لأن إلهام وفريال الزنانة مش مبطلين رن.
بدأ سيف بالإفاقة والجميع غير منتبه ليفرك عيناه وهو يهمس: عايز أنام،
لحظة وأختف النور المزعج وظهر محله رؤوس الجميع وهم ملتفون حوله.

كانت أولهم نور التي أمسكت يده اليمنى مردفة بلهفةٍ فشلت بإخفاءها كعادتها: سيف أنت كويس، حاسس بإيه؟!
كانت نور على يمينه وبجانبها ألماس، وآسر ومهند على اليسار، وحبيبة ومحمود في المقابل.
نظر لها وهو يفتح عيناه ثم ابتسم مردفًا بدون وعي: حاسس إن طاير من الفرحة عشان شايفك.
صدر صوتٌ ساخرٌ متأفف يتبعه صوت ألماس وهي تضربه بساقه: هو ده وقته!

أما عن نور فشعرت بخجل شديد وهناك حُمرةٍ اكتسحت وجنتاها و ودت أن تسحب يداها لكنه رفض مشدد من مسكته يداها وهو يتحدث مع البقية.
هتف سيف وهو يبعد نظره عن نور دائرًا بالأوجه حتى ابتسم مجددًا قائلًا كي يُطمئن أخيه: آسر، أنا كويس والله
قال الأخيرة وهو يرى الخوف بعيني أخيه ليردف مجددًا: دي رصاصة يا جماعة مش حوار أهدوا أنا لسه حيٌ أُرزق الحمد لله.

وبعد التمنى بالشفاء وجلوس الجميع على الأرائك بالغرفة إلا نور التي كانت تجلس على مقعد صغير بجانب الفراش وكذلك آسر.
إيه اللي حصل؟
قالها ياسر بعدما صمت الجميع في لحظةٍ بعد انتهاء إحدى المواضيع.
نظر سيف لمهند وهو يُردف بعدم تذكر كُلي لِما حدث: إيه اللي حصل فعلًا أنا عقلي مشوش خالص.
أندهلك الدكتور؟
قالتها نور بلهفةٍ ليهز رأسه بالرفض.
بدأ مهند بالروي لهم منذ سمعوا صوت حتى التفت مهند صارخًا باسم نور.
نور.

ارتمَ سيف سريعًا أمام الرصاصة بدلًا من نور يفتديها كما وعدها بالأمس.
وعلى صريخ نور بالأجواء وجسد سيف يهوي عليها لتجلس أرضًا تنزع إحدى الشرائط الملتفة حول يديها لتلك المواقف الطارئة.
فردته فأصبحت قطعة من القماش لتضعها سريعًا على جرح سيف وهي تبكي بإسمه وبخفوت: سيف، سيف رد عليا، سيف متسبنيش أنا، أنا بحبك.

أردف سيف وهو يسعل قليلًا يحاول التمالك وعدم الاستسلام لذلك الظلام الذي يحيط به بل يبتلعه بداخله: حبكت دلوقتي تقوليها يا فقر، بقى ذلاني طول الفترة اللي فاتت ولما جيت أفيص تقوليها؟!
تفيص!
قالتها نور بدهشة لم تستطع كبحها لتستمع له يسترسل أحاديثه الغريبة تلك: مش تقوليها وأنا في صحة أحسن عشان أرزعك بوسة مشبك.
جعظت عيناها بدهشة منه أهو يفارق الحياة أو كما يقول (يُفيص) أم يفكر بالتقبيل وما شابه!

ابتسم وما زال يُحارب الظلام قائلًا: أنا كويس، متقلقيش، خليكي جمبي، أنا هقوم ونتجوز وأحضنك.
كان يتحدث ببطء وهو يشعر بأنفاسه تُسحب لتُدرك محاولاته بجعل الطمأنينة تزور فؤادها.
وضعت دهشتها على جمب وتركته يتحدث كما يشاء ظنًا أنه سينسى ذلك الحديث حينما يفيق.
وأثناء كل ذلك كان مهند يضرب الملثم ولم يتركه به جزء سليم.
بالطبع لم يذكُر مهند جزء المحادثة بين سيف ونور فهو لم يسمعهما بل هي من تذكرت ذلك.

نهض ياسر مردفًا بقراره: سيف أنا موافق،
على إيه؟!
قالها بدهشة فهو لم يطلب منه شيء غير...
قاطع تفكير سيف صوت ياسر وهو يعلو بالمكان قبل أن يرحل: أنت ناسي أني مقولتش رأيي في الجوازة دي؟
رحل ياسر تبعه صوت سيف ببهجة: تشكر يا ياسر، زغرطي يا ألماس.
ضحكت ألماس وهي تطلق زغاريد بصوتٍ منخفض قليلًا.
حمد لله على سلامتك يا صغير.
أردف بها آسر وهو ينهض ليبتسم سيف مردفًا: الله يسلمك يا رخم.

نظر له آسر نظرة صامتة ثم ابتسم وأردف وهو يخرج: هطمن من الدكتور لو ينفع تتنقل مستشفى الأسيوطي أقرب وأفضل عشان تسيب مكان لحد محتاج هنا.
فكانت تلك المستشفى إحدى المستشفيات الحكومية والمجانية المهمشة على أطراف المدينة وكان الدكتور حازم متبرع للعمل بها يومان بالمجان لعلاج المرضى.
تم نقله بإحدى عربات المستشفى باليوم التالي بعدما غفى كي يرتاح ذلك اليوم.

أخبرهم الدكتور حازم بأنه في حاجة لإشراف الطبيب لذلك سيظل يومٌ أو اثنان آخران.
لم يأتي أحدهم غير نور التي لم تُغادر من الأساس بل غفت جواره على الأريكة ليلة أمس.
هتف سيف يحثها على المُغادرة قائلًا: روحي يا نور أنا كويس، على الأقل غيري هدومك.
نظرت لثياب العمل تلك الملطخة بالدماء وقبل الرد أتاها رسالة من مهند لتُردف وهي تقف: مهند جاب العربية بره أنا هطلع أجيب الهدوم اللي كانت فيها.

أماء قائلًا: “جيبي الHand Bag بتاعتي وشنطة الهدايا بتاعتك. ”
ابتسمت مردفة بخجل متذكرة حقيبة الهدايا: “شكرًا. ”
نظر لها بعدم فهم لكنها خرجت للخارج لتلتقي بمهند الذي أتى قائلًا: “سيف عامل إيه؟ ”
ابتسمت قائلة كي تُطمئنه: “الحمد لله كويس، هو صاحي، هات المفتاح هجيب هدومي عشان أغير. ”
نظر لها بدهشة مردفًا: “هتغيري مع سيف في الأوضة! ”.

ثم استرسل محذرًا إياها: “بلاش يا نور سيف مش متربي أصلًا! ”
أصلًا! ماشي يا مهند تُشكر على النصيحة.
اخذت المفتاح ورحلت للخارج ضاحكة وهي تهز رأسها بيأس من صديقها و من أحبته.
وبعد مدةٍ قد أبدلت ثيابها بإحدى غرف الممرضات ورحل مهند لتعود للغرفة بما طلبه سيف وحقيبة صغيرة بها ثيابها لتردف وهي تقترب من سيف: “اتفضل ”.

أخرج تلك الدبلة أو الخاتم ومدها لنور، جاءت تأخذها لكنه أردف برفض: “لأ هلبسهالك أنا خلينا نقول دي دبلتك”
“سيف! ”
قالتها بضيق لكنه قاطعها وهو يُلبسها ذلك الخاتم بابتسامة كادت تفتقدها حقًا!
ثم أخرج دبلة له من حقيبته لتضع يدها على فاهها بدهشة فتلك الدبلة كانت عريضة وبها فراغ على هيئة فراشة كالتي تملكها.
“طبعًا مش هقولك لبسيني الدبلة عشان هتفضحيني.

ضحك وهو ينهي كلماته ويرتدي تلك الدبلة لتضحك هي الأخرة بسعادة، لتقتربت وهي تُمسك يده وتدخل فراشتها بحفرية دبلته وهي تضحك بسعادة قائلة: شكرًا،
شكرًا، شكرًا، شكرًا على إيه بقى؟!
على كل حاجة،
هتفتها بابتسامة وجلست جواره على إحدى المقاعد ويداهما ما زالا متشابكان لتسترسل الحديث...

شكرًا جدًا على تضحيتك بحياتك، شكرًا على الفراشة والكلمات الجميلة، شكرًا على محاولتك لثقتي في الرجال أو فيك أنت وبس، أنا فعلًا بثق فيك.
شكرًا ليكِ أنتِ لأن بسببك اكتشفت جانب جديد في سيف، بسببك كل حاجة حلوة حصلتلي، يا عنب.
قال آخر كلماته وهو يغمز لها بوقاحة مردفًا: مش عايزة حضن خالص؟!
ضحكت وهي تبعد يدها عنه قائلة بحزم: لأ واتلم!
ماشي، بشوقك بكره الشوق يجيبك.

ضحك الاثنان وهي تنظر له بدهشة وكأن بإصابته ظهر الجزء الوقح منه.
احتل الصمت المكان فقط عيناهما من يبوحوا بالحديث ليقاطع سيف ذلك وهو يشير على السلسلة برقبتها: إيه رأيك يا عنبتي.
ابتسمت على ذلك اللقب الغريب فهو كل يوم يُلقبها بلقب يُدغدغها من غرابته، طردة كل ذلك معقبة وهي تمسك السلسلة: جميلة جدًا، ذوقك جميل.
طبعًا مش اخترتك يا جميل.

أنهى حديثه بغمزة وقحة مجددًا ليلاحظ أنها ستنسحب من الغرفة ليردف مجددًا: استني بس، ثم ابتسم بخبث مسترسل حديثه الخبيث: صحيح إيه اللي حصل في المخزن؟
دُهشت من سؤاله وتمنت لو بالفعل قد نسى حديثهما لكنها حاولت ألا تُظهر دهشتها تعيد عليه ما قاله مهند وما حدث أثناء حوارهما الخاص.
بعد طلق النار على سيف صرخ مهند قائلًا بالرجال القليلة المتبقية التي يمكن عدهم على أصابعك: اضربوا نار...

لم يقل اقتلوهم وقد فعلوا ذلك فقد ضربوا نار على رجال الملثم في قدمه، ذراعه هكذا أماكن محايدة لا تقتلهم، فقط تشل الحركة.
أما مهند فاقترب من الملثم ولم يترك له مجالًا للهرب أو التفهام بل سقط عليه باللكمات المتتالية والضرب بالقدم ولم يبتعد عنه إلا على صراخ نور بأن سيف سيفقد وعيه وعليهم الانتقال للمستشفى.
ترك مهند ذلك الملثم وهو يبعده بقوة ليسقط أرضًا مرتطمًا بصخرة.

وحينما وصلوا المشفى حَرس مهند أن يعالج الملثم أولًا حتى لا يموت فهو يريده بعمله.
طب مش فاكره أثناء كده قولتيلي إيه؟
قالها سيف بابتسامة لعوبة قاصدًا أن يُخجلها، وبالفعل حدث مراده فخجلت بشدة وهي تنظر له بصدمةٍ ألجمتها إذا قد تذكر!
ثم هتفت سريعًا قبل أن تخرج: عن اذنك.
تركته ورحلت للخارج تستمع لحديثه: بشوقك بكره الشوق يجيبك.

ضحك كثيرًا عليها وعلى خجلها وارتباكها منه، لا يُصدق أن والدها قد وافق ولا يُصدق أنها وأخيرًا قالت أحبك حتى وإن عارضت فيما بعد...
تبقى على الغروب ساعتين أو أقل تقريبًا ليستيقظ مهند بتعب وبعد قليل هبط للأسفل ليلتقي بالجميع في الردهة.
ألقى السلام ثم استأذن بالرحيل دون إضافات مما أثار الدهشة على الآخرين لكنهم تجاهلوا الأمر.
أردف آسر موجهًا حديثه لنور التي عادت للمنزل: لسه معرفتوش هوية الشخص الملثم ده؟

لا والله يا آسر والتحريات لسه شغالة وهو في غيبوبة بس حالته سمحت بنقله فاتنقل مع سيف للأسيوطي.
أردفت بذلك بضيق لعدم الحصول على المعلومات حتى الآن.
شعر آسر هو الآخر بضيق فهو يود أن يعرف من فعل ذلك بأخيه وبأسرع وقت.
أردف ياسر تلك المرة وهو الآخر يود أن يقتل ذلك الشخص لكن لينتظر حتى يفق ويأخذ منه المعلومات اللازمة ثم يقتله كما يشاء: نور كلمي كرم وهو بكره هيجيبلك كل المعلومات.

أماءت نور ثم استأذنت لترتاح قليلًا قبل العودة لسيف فهو نائم حاليًا، وأخذ آسر ألماس ليطمئنوا على سيف ويظلوا جواره.
أما نورسين فآتاها اتصال من مهند لتنهض لغرفتها وهي تجيب: ألو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابتسم مهند فور الاستماع لصوتها: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نورسينَ ادخلي أوضتك هتلاقي فستان البسيه واخرجيلي أنا بره.
بس،
لم تُكمل اعتراضها وهي تسمع كلماته قبل أن يُغلق: بحبك، سلام.

ابتسمت بعدم فهم لما يفعله وبدأت بالاستعداد وبعد مدة ليست كبيرة ارتدت فستانًا بلون السماء بأكمامٍ تشف يدها وينزل باتساع طولي حتى قدمها وتركت شعرها على عنقها ثم ارتدت حذاء من ذات اللون.
مد يده لها بابتسامة لتبادله الابتسامة وأصابعهم متشابكة حتى السيارة ليفتح لها الباب ثم يغلقه بعدما ساعدها واتجه لمقعده متجهًا لوجهة الليلة.

وبمطعمٍ فاخر وفارغ يطل على بحر الاسكندرية همست نورسين بتعجب فهي لم ترى ذلك المكان فارغ يومًا واحدًا منذ ستة أعوام تقريبًا!
المطعم فاضي إزاي كده يا مهند؟!
أجاب بابتسامة وعيناه تدور بالمكان: محجوز كله ليكِ
أنا!
هتفت بدهشة ليسترسل حديثه: عارف إنك بتحبي الأكل ومش بتعرفي تاكلي في الزحمة فقولت أحجزهولك لواحدك.
بس ده كتير!
هتفت بها وهي توشك على البكاء فلم يخطر ببالها يومًا بأن يفعل أحدهم هكذا لأجلها!

أمسك مهند يدها بحنان قائلًا: مش كتير عليكِ يا نورسينَ.
ثم استرسل وهو يعتدل بجلسته: ها هتطلبي إيه،
تلعثمت بالكلمات هاتفة بخفوت...
أنا، أنا عاملة دايت.
نظر لها بدهشة هاتفًا فجسدها مثالي بالنسبة له: دايت ليه يا نورسين أنت مش مليانة ولا رفيعة أوفر، جسمك مناسب، ولو عايزة تخسي عشاني فأنا حبيتك كده وهحبك في كل حالاتك، أما لو حابة تخسي عشان نفسك فمعنديش مانع أساعدك.

شعرت بسعادة داخلية من كلامه ليردف مجددًا: بس ألغي الدايت انهارده ونبدأ من بكره.
ضحكت فهي تكرر تلك الكلمة منذ أعوام تقريبًا هاكل دلوقتي وأبدأ من بكره لكنها انتبهت لنون الجمع لتردف بدهشة: ونبدأ!
أماء مفسرًا: نبدأ أنا وأنتِ، من هنا ورايح كل حاجة هنعملها مع بعض، تمام؟

ضحكت بسعادة على ذلك العوض وهي تشكر ربها بداخلها أن مهند هو عوضها وتتمنى من الله أن يدوم ذلك الهدوء بحياتها وألا تصتطدم بعاصفة أقوى من كل ما مر.
استني،
صرخ بها مهند سريعًا قبل أن تبتلع نورسين الطعام المقدم كترحاب.
أمسك بقية الكيك ليحمد ربه أن الخاتم ما زال بتلك القطعة لم تأكلها.
كنتي هتموتي بسبب طفاستك.
قالها بحدة وهو ينظف الخاتم أما هي فأردفت بعدما ابتلعت ما بجوفها:.

اتلم ولم لسانك، في حد يحط الخاتم في الأكل دي موضة وانتهت يا عسل.
أجاب بلينٍ غامزًا: والله ما في عسل غيرك.
ثم احتدت نبرته قائلًا: وبعدين أنا قولتلك نبدأ من بكره تروحي أكلة على طول، فين الثبات على المبدأ يا نورسين.
ثابت مات.
أردفت ببرود وهي تأخذ منه قطعة الكيك لينظر لها باشمئزاز من قولها ذلك فأجابت بحدة: متبصش كده يا عسل وبعدين معنديش مبادئ، ممكن أطفح بقى؟!

أكملت طعامها بعدم اهتمام له ليبتسم بيأس ثم أمسك كفها واضعًا به خاتمًا من الذهب الأبيض مرصع بالألماس هاتفًا: اطفحي يا نورسين اطفحي.
تسلم يا محترم.
أردفت بها وهي تُكمل طعامها بعدم اهتمام وكأنه لتو لم يعطيها خاتمًا وخطط لجلسة رومانسية، فكل شيء أمام الطعام كالسراب بالنسبة لها.
أضاءت غزالة يومٌ جديد تحمل بين أشعتها حقيقة الخفايا بكل وقاحةٍ معلنة عن أسى آخر سيحل بهم عاصفًا بكل ما فعلوه.

وما خططوا له سيذهب هباءً أمام القادم.

وبعد عدة ساعات أنهى بها الجميع أعمالهم ليتجمعوا بمستشفى الأسيوطي بغرفة سيف كي يطمئنوا فقد مُنعوا اليومان الماضيان بسبب حازم.
ألف سلامة عليك يا حبيب مامي.
أردفت بها ليلى وهي تدخل للغرفة وتجلس على أول مقعد بوسائد ومريح يُقابلها حتى بعدما أنجبت لم ينزل وزنها وهذا يعيقها عن عملها.
ضحك سيف مردفًا: الأمومة واضحة بدون نقاش، الله يسلمك يا لي لي.
ثم استفسر عاقدً حاجبيه بسؤال: امال زياد فين، عايز أشوفه.

ابتسمت وهي تتذكر طفلها قائلة بحنان فُطرة به النساء واحتكرته ليلى لذاتها فهي حنونة بطبعها وتتعامل مع الجميع وكأنها والدتهم: معلش يا سيف تتعوض بس سيبت حبيب مامي مع حماتي سُكر حياتي.
ضحك على تعبيرها وزادت ضحكاته وهو يستمع للأخرى آتية من الخارج: خضتنا يا زفت عليك.
لم تكن غير فريال التي اقتربت منه تقذفه بعُلبة من عُلب الشيكولاتة.
ثم استرسلت يكش يطمر فيك.

ابتسم ساخرًا على حديثها مُعلقًا بودٍ مُصتنع: حبيبتي يا فيري مبحبش قدك أصلًا.
ثم أردف بخفوت وسخرية محترمة،
اقتربت إلهام منه قائلة وهي تُعطيه زجاجة كبير 2لتر من الصودا: ألف سلامة يا سيفو قلقتني يا ابني.
ثم استرسلت مُفسرة أصل تلك الزجاجة أصل حازم قالي إن بلاش الحاجات الغير صحية لفترة فقولت أجيب بيبسي وأنا جاية.

أنهت كلماتها بسعادة ليضحك عليها وهو يقول: أقعد يا إلِي أقعد ده أنتم بتحبوني جدًا، مش عارف من غير حبكم كنت هعمل إيه!
تلاهم بالدخول ريهام تبتسم ببعض الحرج: ألف سلامة عليك يا سيف.
ابتسم قائلًا يقصد إزالة حرجها ذلك فهي صديقته منذ زمن مهما حدث ومهما وقعت المشاعر بينهم: الله يسلمك أخيرًا حد عاقل،.

تبخرت كلمته وهو يراها تعطيه حقيبة من إحدى المطاعم مردفة: أكل صحي organic شوية بانية ونجرسكو على كباب وكفتة من الشارع.
واسترسلت سريعًا: بس ما تقلقش البانية والنجرسكو من أكبر المطاعم في البلد مطبخ خالتي نانا والكباب والكفتة من عند عبدو الحمار اللي كنا بنجيب من أبوه في الثانوية والجامعة.

نظر سيف ومهند وألماس سريعًا لآسر ليبتسموا بحرج فلم يخبروه من قبل أنهم كانوا يأكلون من الباعة المارين فقد كان حريصًا على ألا يفعلوا ذلك.
هز رأسه بيأس فماذا يتوقع منهم بالأساس!
عاد سيف بنظره ل ريهام ليضحك بسخرية وحرج تلاه صريخه بهم وهم يجلسون بجانب بقية عائلته يُقسم إن رآهم حازم لصرخ بهم لتجمعهم ذلك: أنتم جايين تقتلوني! إيه اللي جيبينه ده، وبعدين قولنا ميت مرة أدوني الفلوس في إيدي.

ضحك الجميع عليه وبعد كثير من النزاعات أردفت فريال: طيب يا روميو أنا همشي بقى وعايزة أجي أعزي فيك المرة الجاية عشان بتدافع عن نور برضوا ها؟
أنهت كلماتها بضحكة ثم نظرة لآسر: لمؤاخذة يا آسر.
ابتسم لها مردفًا بهدوء: إن شاء الله المرة الجاية أدفنكم كلكم وارتاح.
كتمت فاهها معلقة: إلغي رحلتي عشان بتهزأ، سلام.

ضحكت على حديثه فهم بالنسبة لآسر مصائب متحركة وليسوا أشخاص ذوي عقل أبدًا ودائمًا ما يتشاجروا معه بسبب قربهم من أخيه.
و وسط النزاعات وفريال تتقدم خطوة للرحيل ثم تعود مجددًا لخوض نقاش حاد مع أحدهم ونزاع ساخر جديد، قاطعهم طرق الباب ودخول شخص ما.
أردف بابتسامة وعيناه لم تدر بالمكان بل كانت تعرف صاحبها وتركزت على سيف: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ازيك يا سيف، ألف سلامة.

بادله سيف الابتسامة مردفًا: الله يسلمك يا باشا.
ثم استرسل مردفًا وهو ينظر لآسر أخيه كي يُرحب به ولا يتركه على الباب هكذا وكأنهم بردهة المنزل أو ما شابه!
كرم زميل معانا في القوات الخاصة، آسر أخويا.
تقدم آسر مرحبًا بكرم وبعد الترحاب أردف الآخر: الحمد لله تم معرفة شخصية الملثم.
انتبهت له أذان الجميع بفضول ومنهم من لم ينظر له حتى الآن مشغولٌ بالطعام كنورسين.

قبل أن يتحدث دار بعيناه وسط الجميع ثم ابتسم ابتسامة جانبية فور رؤيتها وما طالت حتى مُحيت سريعًا وهو يهتف بدهشة: نور!
تقدم سريعًا لتعود نور للخلف بعدم فهم حتى تخطاها، ليلتفت الجميع عن أي نور يتحدث وما كانت غير نورسين...
هتفت نورسين بدهشة تاركة الطعام وهي ترفع عيناها وتلتقي برفيق الطفولة وأخيها يقف أمامها: كرم!
لم تنتظر ثانية واحدة واحتضنته هاتفة باشتياق والدموع تعرف مجراها: وحشتني يا كرم جدًا وحشتني!

أما مهند فبالبداية كاد يتقدم ويفصلهما لكنه تذكّر أن ذلك أخاها التي روت عنه دائمًا...
باشا مش حاسس بأي حاجة؟!
أردف بها سيف وهو يشير لمهند بعيناه على نورسين وكان أول من أفاق من الصدمة.
ناظره مهند ببرود ثم اقترب بالفعل منهما يكفي ذلك فقد طال العناق وهذا غير عادل لقلبه المشتعل.
سحب مهند نورسين من أحضان كرم مردفًا بابتسامة صفراء: منور يا حمايا، كفاية كده دي ملكية خاصة معلش.

شعرت نورسين بالحرج من فعلته أم كرم فلم يفهم لكنه أردف بحدة: سيب يا عسل البنت كده.
كرم
مهند
كان كلًا منهم يضغط على حروف اسم الآخر بغضب فكلٌ منهما يعتبرها ملكية خاصة، وخاصةً أن كرم يعلم بأن مهند ليس متزوج إذا أخته ليست زوجته فلا يحق له المساس به.
وهناك سؤال يدور بعقله كيف ابتعدت عن عائلة زوجها السابق!

تدخلت فريال وهي تقف بالمنتصف قائلة بضجر: واد أنت وهو ما تفهمونا في إيه، عشان في ناس بتموت هناك في الزاوية.
قالت حديثها الأخير وهي تلكز كرم ببطنه مشيرة بعيناها يمينًا ثم قامت بسحب نورسين من يد مهند هاتفة بحدة: مين ده يا بنت؟
قالتها بحدة مشيرة لكرم لتردف نورسين بهدوء وسلاسة: ده كرم.
أردفت فريال بدهشة مصتنعة: لا والله!
صرخت ألماس وهي تقترب من نورسين وفريال: بت! مين كرم يا بت أنتِ.

أردفت تلك المرة نور وهي تنظر لكرم باشمئزاز فهي لا تطيقه: كرم أخوكي؟!
نظر لها بضيق فقد قابلها مرتان تقريبًا وبكلتاهما يتشاجران هاتفًا باستنكار: ومالك بتقوليها من تحت ضرسك كده ليه!
طلع أخوها يا مايلة.
هتفت بها فريال بسخرية وهي تعود لتجلس على مقعدها.
أردف كرم وعيناه مرتكزة على مهند يود معرفة كل شيء: إيه بقى حوار ملكية خاصة ده يا غالي أنت وهي.

نظرت نورسين بحرج لأخيها وكادت توضحه له ليقاطعها مهند قائلًا بعدم اهتمام: بعدين، المهم مين بقى الملثم ده؟
وها قد انتبه الجميع مجددًا ليردف كرم: معاه بطاقة باسم عبده بس الصورة مش باينة خالص أنا لسه معملتش التحريات عنه أنا دورت بس في الملابس والعرببات،
أخرج البطاقة من جيبه ليردف: عبده محمد متولي عب،
بطرت كلماته حينما سُحبت منه البطاقة لينظر للفاعل فكانت نورسين...

سحبت البطاقة وقرأتها بدقة وهي تحاول رؤية الصورة لتردف بدهشة وخفوت سمعه الجميع بسبب صمتهم: دي بطاقة عمي! إزاي وهو متوفي من خمس سنين تقريبًا والبطاقة كان عاملها قبلها بسنة عشان كده مش منتهية ودي صورته.
يعني عمك كان متورط مع الناس دي؟
أردفت بها نور بعدم فهم لتقل نورسين بصدمة: أو بابا!
طال الصمت وهي بصدمة ليردف مهند محاولًا محو تلك الأفكار فيكفي كمية الخذلان التي تعرضت لها من والدها.

لا لا لأ استحالة يا نورسين ممكن البطاقة كانت قديمة في عربيتهم بيستخدموها عادي عشان محدش يعرف هويتهم الحقيقة بس أكيد باباكي ملوش دخل.
كان الصمت مخيم على الغرفة فأكثرهم يعرف حساسية ذلك الموضوع اتجاه نورسين حتى قاطعت هي ذلك الصمت متشدقة بهدوء ظاهرِ وعيناها تترجان مهند بالموافقة: عايزة أشوفه،
دار حديث سريع بين مهند وكرم بالأعين وبالنهاية اتجه الثلاثة للخارج قاصدين غرفة الملثم.

بدأ الجميع بالإستئذان ليتبقى آسر وياسر وحبيبة وألماس ونور القلقين على رفيقتهم.
دخلت للغرفة بأرجل مرتعشة يسبقها مهند تمسك بثيابه من الخلف كطوق نجاة وخلفها أخيها يدعو الله بألا يكون أبيها أو أحد أقاربها.
وقف مهند يمينًا يشير لها بالدخول هي وأنه سينتظر هنا، نظرت له تستمد منه القوة ثم أكملت للداخل و وقف مهند وكرم ينظرون لها.

كانت الغرفة هادئة يعلو بها صوت أجهزة متابعة القلب والضوء خافت يثير الرعب بأوصالها، ظلت تعتصر يدها حتى اقتربت من وجهه.
شهقت بصدمة ولم تحتملها قدمها مرة أخرى وسقطت أرضًا تبكي بقوة لم تتحمل هيئته تلك ولا رؤيته بالفراش كالموتى!
لا تتحمل فكرة أذية والدها لعائلتها الجديد، منذ قيل اسم عمها والتف خيط العتاب على عُنقها بأنها الفاعلة وهي من أوصلت سيف لذلك المكان!

تقدم منها الاثنان سريعًا واحتضنها كرم من ظهرها مهدئًا إياها أم مهند فاحتضن كفه كفها بحنان مربطًا عليها يتمنى لو كان رفض أن تراه بدلًا من أن يراها هكذا.
رحلت نورسين بعد انهيارها برفقة مهند وحبيبة للمنزل وغادر ياسر لعمله وتبقى كرم مع سيف وآسر ونور وألماس.
أردف سيف موجهًا حديثه لكرم: أنت إزاي أخوها وفي نفس الوقت مش عارف إن دي بطاقة عمك؟

أنا أخو نور في الرضاعة وعلاقتي بوالدها مش ألطف شيء وحقيقي هو علاقته بالكل مش لطيفة ومش حافظ اسمها بالكامل ونادرًا لما كنت بشوف أعمامها.
أردف آسر تلك المرة مستفسرًا عن القضية: طب بالنسبة دلوقتي للقضية هتعملوا إيه.
تولى سيف حق الرد قائلًا: هنستنى أما إسماعيل يفوق ونفتح محضر وبعدين يتسجن.
حابة أقول حاجة بس،.

انتبه الجميع لألماس لتسرسل حديثها بتوتر: إسماعيل دخل في غيبوبة أثر ارتطامه بالأرض واحتمال كبير ميفُقش بل، يموت على طول وطبعًا مقدرش أقول الكلام ده قدام نورسين لكن هو احتمال كبير يموت.
حل التوتر الأجواء قاطعه حديث سيف الحاد: إياكي يا ألماس تقولي الكلام ده قدام مهند، أنت عارفة كويس إن من خلال إسماعيل هنقدر نعرف راس الأفعى ولو مات،
ترك الحديث معلقًا بالهواء ودار حديث بين العيون دلّ على توتر الأجواء.

من خلال إسماعيل سيُعرف من تدخل بموت والد مهند الذي يبحث عنه ثأرًا لوالده أولًا ولبلده ثانيةً.
وبالطفوي حتى العقول المشتتة نرسوا بحديقة إحدى المنازل بإحدى أحياء الأسكندرية الراقية فكانت تجلس ملاك تفكر فيما حلّ بزوجها فهو أكثر الوقت شاردًا منذ أسبوعان تقريبًا.
صرخت بفزع حينما شعرت بيد تحتضنها من الخلف تصاعد مع صراخها صوت ضحكات رجولية تعرف صاحبها الذي لم يكن غير زوجها الحبيب.

هتفت بضيق وحدة وهي تلتفت له تتابع حركته بالتقدم نحوها: إيه الهبل ده يا مالك، خضتني.
سلامة حبيبي من الخضة،
أردف بها وهو يجلس جوارها ويسحبها لأحضانه.
ثم أردف وعيناه تتفحص البيت: فين ميدو؟!
نام من ساعة عشان بكره يصحى بدري وتلعب أنت وهو.
أماء بهدوء يشرد كعادته بالأونة الأخيرة لتُردف وهي تبتعد قليلًا عن أحضانه كي تراه: أنت كويس؟!

هز رأسه بالرفض لتقول ممسكة بيده: “مالَك احكيلي شكلك مهموم خالص، هو حصل حاجة في الشغل. ”
صمتت ثم استرسلت: “اتخانقت أنت وخالد ولا في مشاكل؟ ”
ضحك عليها بيأس فحينما تضع شيء برأسها لا تترك صاحبه إلا وهي تعرف ما يرضيها داخليًا.
“شوفت مُلاك شركة الأسيوطي في الشركة من فترة. ”.

هتف بها وهو يتنهد كي يُخرج كل ما بعقله فطالما شاركته الهموم قبل الفرح حتى مصيرهم الآن كان مشاركةً منها...
“وفين المشكلة ما الكل عارف إن العلاقات بين خالد وآسر لطيفة على عكس البقية من ملاك M. G. ”
أكمل ما يدور بعقله يسكب لها كل ما حاول إخفائه: “شوفت آسر ومهند والمجنونة. ”.

أنهى كلامه بضحكة لتنظر له بدهشة ليكمل هو بدون اهتمامٍ لصدمتها فرغم صدمتها تلك إلا أنها تود أن تعرف المزيد: “آسر بقى ليه هيبة كده وبقى هادي عن الأول ومحترم! ”
قال الأخيرة بضحكة مسترسلًا: “أما مهند كان مركز في التيلفون حتى وهو خارج خبط فيَّ بس مشافنيش، الواد طول كده وهيبة الشرطة ظهرت عليه بس لسه برضو تحسيه عيل كده. ”.

ضحك وهو يتذكر هيئة مهند ثم استرسل مفسرًا: “أصل أنا استأذنت أروح وفضلت شوية أبص عليهم. ”
ثم استرسل: “أما ألماس شعرها طول ونضجت كده وبقى ليها مركز ”
قاطعته باكية بشدة وهي تردف: “وحشوني جدًا يا مالك وخاصة مليكة وحشتني ”
ابتسم بسعادة وهو يتذكر مردفًا: “مليكة مليكة عندها ولدين زي القمر لسه مجبتش غيرهم. ”.

انتظرت بقية الحديث كي يقول من أين عرف ولم يبخل عليها بل تشدق بحماس: “فاكرة يوم ما روحت لأحمد المدرسة شوفت تامر ونادر، تامر كان لين نوعًا ما بس متعجرف زي أبوه أما نادر فمش شبه حد هادي وراسي كده وعاقل. ”
بكت بشدة وهي تتذكر صورتهم فقد رأتها على هاتف ابنها: “يعني اللي كانو في الصورة دولا ولاد أختي مليكة؟! ”.

صمتت قليلًا ثم قالت بدهشة: “ومين البنت، دي صاحبتهم وقريبة منهم جدًا. ”
“دي بقى جوهرة آسر ألماسة الجميلة. ”
“يا روحي، بس دي مش شبه حد فيهم؟! ”
هتفت بكلماتها بسعادة وهي تتذكر الصغيرة فكل يوم تقريبًا يريها أحمد صورهما هما الاثنان.
أردف مالك تلك المرة: “شبه ليلى أم آسر وجميلة زيها. ”.

“ياه يا مالك وحشوني كلهم وشلة الأطفال بتاعت سيف ومهند وحشوني، فريال وليلى وإلهام والبت ريهام هي بتاعت مشاكل بس بحبها والله. ”
حلّ الخميس سريعًا بدون شيء يُذكر فمازال إسماعيل بالغيبوبة ولم يفق، أما سيف فخرج صباح اليوم وعاد للمنزل برفقة آسر وألماس.
کانت تجلس ألماس جوار نورسين يتحدثن عن العمل ومجال التصميم، وكانت تستمع بذهن شارد عكس عادتها، تفكر بوالدها وما سيحدث بعدما يفيق.

لكزت ألماس نورسين مردفة بحدة: ركزي معايا يا نورسين، بقولك لازم تختاري القماشة المناسبة واللون المناسب عشان الفستان كله يطلع حلو وخاصة في عروض الأزياء.
أماءت نورسين بتفهم حتى كادت ألماس تُكمل لتوقفها قائلة: كفاية كده انهارده يا ألماس أنا مليش مزاج انهارده لحاجة.
أجابتها بتفهم لما يدور بداخلها: ماشي، كلمتي نور قولتلها إن سيف جه؟
لم تكد تجيب حتى دخلت نور ملقية السلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجابوها لتسترسل الحديث متسائلة: أمال سيف وآسر فين وخالتو حبيبة ومهند؟
أردفت ألماس وهي تتذكر أين الجميع: بيبة فوق هي ولولا، آسر في الشركة ومهند فوق وسيف جه من المستشفى على المكتب على طول.
أجابت بحدة وضيق من فعلت سيف: إزاي يعني تسيبيه يدخل على المكتب على طول كنتي خلتيه يطلع يرتاح.

أردفت بملل وهي تُبرأ ذاتها: بقولك إيه أنتِ حرة معاه ده كان عايز يروح المبنى بس آسر مرضاش وبعد نقاشات كتير دخل البيت، دي دماغه تخينه.
أماءت بضيق وغادرت لممر خاص بالمكاتب وغرف الإضافة...
طرقت الباب طرقة خفيفة ثم دخلت لتلقاه منهمكًا بالحاسوب أمامه لتردف بخفوت وقد نست غضبها منه فورى رؤيته بعيدًا عن فِراش العياء، وقفت بمنتصف الغرفة: سيف،.

رفع نظره سريعًا لها ليقف وهو يتقدم منها حتى وقف أمامها وهي تتحدث مبررة مجيئها: سألت عليك بره وقالوا إنك جيت على هنا على طول مينفعش كده لازم ترتاح،
قاطعها بابتسامة معبرًا عن شوقه: وحشتيني، بقالك كام يوم مش بتيجي!
قال الأخيرة بلوم وعتاب لغيابها عنه منذ آخر مرة حينما انهارت نورسين، ظلت الابتسامة على ثغرها متجاهلة حديثه تطمئن عيناها أنه بخير، شاركها الابتسامة ثم أردفت بطريقة فاجأته: وأنت كمان،.

قالتها بخجل وهي تبتعد تجلس على الأريكة ليضحك عليها وهو يقترب ويجلس جوارها.
طال الصمت والابتسامة على ثغره يتابعها باشتياق، أما هي فكانت تجول بعيناها في غرفة مكتبه، لا تظن أنها دخلته من قبل وقد نست أنها نوت الشجار معه وكتبت أكثر من سيناريو، فقط بمرورها بالممر.
وبعد صمت دام لدقائق أردفت هي بتلقائية معتادة: صحيح هي الحنة امتى؟
عقد حاجبيه بعدم فهم مردفًا: حنة! حنة إيه؟

مش إحنا كنا مأجلين كل حاجة لبعد المهمة وأهو كل حاجة خلصت وأنت كويس،
حنة إيه مش فاهم!
أردف بها بعدم فهم وقد فاض صبره.
حنتنا يا سيف مالك أنت مش كنت مستعجل؟!
مد يده دليل على اصمتي وتنهد تنهيدة قوية يستجمع قوته بها مردفًا بما سيغير تلك العلاقة الغير مفهومة بالمرة له وكأنه ليس طرفًا بها!
نور ممكن نحاول نحط النقط على الحروف أو yellow or red line على النقاط المهمة لأني مش فاهم،
(خط أصفر أو أحمر. ).

تنهد مجددًا محاولًا الهدوء نور في الأول اللي قادرة على التحدي وأمينة خليل ولأ أبدًا مش هقبل واتجوزك.
ثم سيف أنا بحبك، سيف وحشتني، سيف حنتنا امتى، نور أنا بحبك بس أنا مش عايز تكوني مجبرة،
صمت قليلًا ثم استرسل لو حابة تاخدي ريست من العلاقة دي، أنا موافق.
رفعت نظرها له بألم بسبب ما سببته له من صراعات داخلية ثم أردفت: بس أنا مش موافقة يا سيف،.

نظر لها بعدم فهم لتكمل هي وقد شعرت بالتشتته: أنا آسفة حقيقي أنا كنت بديك فرصة لأني كنت حاسه بالأمان لكن أنا دلوقتي معرفش بحس بإيه غير إني حسيت روحي بتطلع وأنت بتطلع في الروح بين إيدي، حسيت إني بفقد الأمان اللي بيحميني وحسيت إني لواحدي خالص وسط الغابة البشرية، يمكن مقدمتليش اللي يحسسني بكده بس اكتشفت إن وجودك بيحسسني بحاجات حلوة زي الأمان.
صمتت ثم استرسلت بصرامة سيف بلاش فراق وكلام فارغ.

كانت نبرتها صارمة تملؤها الحزن وأحادت بنظرها عنه تشعر بألم داخلي يكتسحها.
ابتسم بسعادة وهو يردف: ربنا يديمك ليا، أنا هقوم أكلم آسر عن الحنة بسرعة قبل ما تغيري رأيك.
نهض سريعًا للخارج لتضحك بشدة عليه وهي تلحقه قائلة: سيف، سيف استنى.
كانت تجلس ألماس تتابع هاتفها ونورسين ومهند يتحدثان ليلاحظ مهند قدوم سيف من ممر المكاتب وخلفه نور تناديه بتذمر.

وقف سيف أمامهم بابتسامة مردفًا: جماعة أنا قررت يوم الخميس الجاي يعني بعد 7أيام تكون يوم حنتنا،
بتر حديثه بدخول كرم لساحة القصر مع إحدى الخدم مردفًا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
استدارت نورسين على صوت كرم لتنهض متجهة له وتحتضنه وهي تقول: كرم، وحشتني جدًا أنت فين بقالك يومين.
ابتسم قائلًا بهدوء يُمهد لما جاء لأجله: ءاسف يا نور كنت مشغول شوية، نور، والدك فاق.

قالها سريعًا بتوتر ليتفاجأ بردها الهادئة: ممكن أشوفه؟
نورسين،
صدرت من مهند بحزن عليها لتنظر له بابتسامة: هسأله كام سؤال كان نفسي أسألهم، وهتكون آخر مرة أشوفه مش هو هيتسجن برضو؟!
أردفت الأخيرة ناظرة لسيف ليهرب بعيناها من قول تلك الحقيقة.

وبعد ساعة تقريبًا سُمح للزوار بالدخول لإسماعيل، ليدخل كرم تتبعه نورسين يليها مهند، وكأن كرم ومهند حارسان شخصيان لها وبالفعل كانا كذلك فهي احتمت دائمًا بكرم في صُغرها، وبعد أعوام حينما كبرت ونضجت واختارت، اختارت أيضًا من يقدر على طمأنينتها مهند.
أما سيف فذهب للحضور برجال الشرطة كي يكتبوا المحضر.
نورسين.

همس بها بضعف لتتقدم هي عن الاثنان وتتجه للفراش من الاتجاه الأيسر مردفة بما أرادت قوله من أكثر من عشر أعوام ليه؟!
أخفض رأسه بندمٍ لتُكمل هي وقد سُمح لها وأخيرًا بالبوح: ليه كده، ليه عملت فينا كل ده؟ مصعبناش عليك ولو لحظة واحدة؟ ماما وهي بتموت قدامك.
طب ياسين، ابنك الوحيد إزاي يهون عليك متعملش عزاء إزاي ياسين يهون عليك يا، يا بابا إزاي ده رغم كل اللي عملته كان بيحترمك وبيحبك.

ماما هانت عليك كل السنين اللي عشتوها مع بعض في حب بعد ما تجيبلك الواد والبنت تبدأ تضربها وتقسى عليها إزاي قولي قدرت تقسى عليها، طول عمري وأنا صغيرة مكنتش بفهم ضربك ليها ولا ليا ولا لياسين بس،.

بدأت غصة البكاء تظهر بصوتها ودموعها قد حفظت مجراها منذ الصغر، لتُكمل متجاهلة كم الألم الذي تشعره به مجددًا: بس أنا فضلت أحبك بس خوفي منك كل مرة كان بينتصر يا، بابا خوفي كان بيجي في المقدمة يليه الرعب والقلق من تصرفاتك وفي النهاية كان حبي ليك، ليه عملت فينا كده ليه ساعدتهم وخليتهم يفرحوا فينا ليه عمي يسيطر على دماغك ويقولك ابنك كان هيجبلك الهم سيبك أهو مات،.

بكت بحرقة وهي تتذكر أخيها وحبيبها الأول والأبدي: ياسين كان هيرفع راسك والله ياسين عمره ما كان هيسيبك وماما ليه تسمع كلامهم وتقسى عليها لدرجة إنها بتنزف تقفل عليها الأوضة وتسيبها تموت، فيروز مصعبتش عليك، مفتَكرتش ليها حاجة واحدة حلوة!

جلست على الأرض تبكي وهي تحتضن ذاتها تتذكر كل صفعة، ضربة بواسطة العصا على جسدها، مبيت أخيها خارج المنزل كعقاب أو نومه ليلًا عاريًا على أرضية المنزل في الشتاء، والدتها كم مرة نزف جسدها من الضرب، وكم يومٍ أختفت بالبيت حتى لا يرى أحدهم علامات الضرب، كم وكم؟
كلما تذكّرت كلما انكمشت على ذاتها أكثر وانخفض صوت بكاءها كما كانت تخبرها والدتها حتى لا تثير أعصاب والدها ويضربها مجددًا.

لم يستطع مهند الوقوف فقط ومشاهدتها تتقوقع بذكرياتها ليقترب منها ويحتضنها من الخلف وهو يهمس لها: نورسينَ، حبيبتي أنا مهند، مهند حبيبك أنا، أنا جمبك يا فراولة أنا جمبك، انسي باباكي مش هيقرب منك تاني، ابكي بصوت عالي هو مش هيضربك، ابكي بدل ياسين وفيروز ابكي يا حبيبتي.

ظل يكرر كلماته حتى على بكاءها تدريجيًا حتى وصل للصراخ بأحضان مهند، قلق عليها أن تنهار مجددًا لكنه يعلم إن ظلت صامتة أو كتمت بذاتها فأثاره أكبر عن انهيارها.
كان إسماعيل يبكي بدون صوت هو الآخر حتى شعر وكأنه على مشارف الموت ليناديها بصوت ضعيف وهو ينهج: نور، نور، نورسين يا، بنتي، اسمعيني.
كانت هدأت لتقف وهي تنظر له بألم فأكمل حديثه بنفس الطريقة وهو يشعر بأنفاسه تُقطع: أنا آسف، آسف يا بنتي،.

قاطعته ببكاء وصراخ: آسف! آسف على إيه، يعنني إيه آسف أصلًا!
صرخت بنهاية كلامها ليكمل هو برسالته الأخيرة: سامحيني وادعيلي أمك تسامحني وأخوكي،
قاطعته مجددًا بألم قد اكتسح أوصالها: فيروز عمرها ما هتسامحك يا إسماعيل، عمرها!
لو عشت عمرك كله تتمنى إنها تسامحك هتقابلك عند اللي خلقها برضوا وتاخد حقها، وياسين عمره ما هيسامح حد ده قلبه قبل ما يموت بقى أسود، ها أسود يا إسماعيل قلبه بقى شبهك.

زادت دموعه من حديثها ليُردف بذات الكلمات: سامحيني وادعيلي أنا خلاص بودع أنا شايف ملاك الموت جاي ياخد روحي يا نورسين.
شعرت برجفة أثر كلماته فقد احتلها الخوف، غاضبة وبشدة لكن، لا تريد أن تبتعد عنه، اقتربت سريعًا تحتضنه تنعم بذلك الضلع التي لم تنله طوال عمرها.
بابا متسبنيش أنا، أاا أنا بس كنت زعلانة منك لكن والله بحبك متسبنيش يا بابا!

كان من الواضح عليهما أنه الحضن الأخير لينظر مهند بساعته ثم لكرم الذي أخرج هاتفه وبدأ بالتسجيل.
تنحنح مهند وهو يقترب هو وكرم من فراش إسماعيل: إسماعيل قولي أنت بتشتغل مع مين؟
ابتعدت نورسين ويداها بيد والدها تاركة لهم مساحة السؤال، ليردف والدها بأنفاس مسحوبة: مقدرش أتكلم لو اتكلمت وربنا كتبلي أعيش هيموتوني مقدرش.
أنا هحميك ومحدش هيقدر يجي جمبك قولي بس أنتَ يعني عجبك اللي بيحصل في البلد ده!

مقدرش، خلي بالك من نور، نور أخدت الحزن الكافي من الدنيا وأوعى في يوم تقسى على ولادك زي ما أنا عملت يا باشا.
اقترب مهند بإصرار هاتفًا وهو ينوي معرفة كل شيء الآن: أرجوك أرجوك قولي مين الكبير في البلد أنا لازم أعرفه.
نظر لابنته التي هزت رأسها بقوة مردفة: أنا بثق في مهند يا بابا وهو عمره ما يسيبك تتسجن لو ساعدته، عشان خاطري اتكلم، عشاني!

طال الصمت ليردف وهو يتنقل بينهم بعيناه حتى رست على مهند: مفيش كبير معروف بس حوط من اللي حواليك عشان أكبر راس في مصر،
لم يستطع تكملة الحديث وهو يتنفس بصعوبة ثم أردف بصوت خافت وصل لهم بصعوبة: سامحيني يا نور وادعيلي بحبك وهتوحشيني، أشهد أن لا إله،.

لم يعرف أحدهم هل أكمل الشهادة أم لا فقد على صُراخ نورسين ومهند بألا لا يرحل وثواني قليلة وعلى صفير الجهاز وتجمع الأطباء بالغرفة فسحب كرم نورسين بعيدًا عن الفراش.
مرة، مرتان، ثلاثة وحاولوا بشتى الطرق لكن رحلت الروح لبارئها ليردف الطبيب بأسف وهو ينظر لحالتهم: البقاء لله،.

كلمتان صغيرتان كبيرتان على قلبها لتصرخ وهي تفلت من يد كرم وتتجه لجثمان والدها تحتضنه وهي تهتف: بابا متسبنيش زي فيروز وياسين بالله ما تسيبني مش هقدر، بابا قوم قوم نروح وهخلي فيروز وياسين يسامحوك بس، بس متسبنيش.
سُدل الستار على فقدانها للوعي على جثمان والدها وأخيها يحاول إبعادها ومهند بالزاوية يبكي.

تجمعت كل سيناريوهات الفراق فلم تُضاهي سيناريو الموت، وللحظةٍ انفصل الجميع عن الواقع، كلٌ منهم عاد لذكرى كسر فؤاده برحيل أحدهم معلنًا موت إحدى قطع قلبه.
ما فات وسُرد ما هو إلا تمهيدٌ لمزيج بين حبٍ وحربٍ قادم سيشُنها الأبناء قبل الأباء، رويدًا، فلا تحكم دون رؤية النهاية فقد تكن دامية.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة