قصص و روايات - قصص مخيفة :

رواية جواد بلا فارس للكاتبة منى سلامة الفصل الثالث

رواية جواد بلا فارس للكاتبة منى سلامة الفصل الثالث

رواية جواد بلا فارس للكاتبة منى سلامة الفصل الثالث

دخل آدم منزله لتستقبله والدته قائله بعتاب: - اتأخرت ليه يا آدم
زفر آدم بضيق وقال وهو يغلق الباب: - كنت مع واحد صحبى
سار متوجهاً الى غرفته فأقبلت أمه خلفه قائله بغضب: - وصاحبك هو اللى بتسهر عنده لنص الليل وساعات بتبات كمان. وسايب عنده هدومك وبدلك؟
التفت آدم صائحاً بغضب: - انتى عايزه منى ايه؟
قالت أمه والدموع في عينيها: - عايزاك ترجع آدم بتاع زمان.

صاح وهو يغلق الباب في وجهها: - خلاص مات. آدم بتاع زمان مات
تساقطت العبرات على وجهها وتوجهت الى غرفتها وفرشت سجادة الصلاة ووقفت بين يدي الله تبكى حال ابنها وتدعو له بالهداية.

توجه آدم الى فراشه وهو يشعر بالغضب. بالغضب من نفسه وعلى نفسه. بالغضب من كل شئ. ظل جالساً يفكر بشرود. ثم قام وتوجه الى حاسوبه. اتسعت عيناه دهشة ولاحت ابتسامه على شفتيه عندما رآى البريد الإلكترونى الذي وصله. فتحه بلهفة. وقرأ ما جاء فيها: - بسم الله تحية طيبة وبعد. مؤهلاتك الدراسية ممتازة. لكن ليست لديك الا خبرة أكاديمية فقط وتفتقر الى الخبرة العملية. نعتذر عن قبول طلبك بالإنضمام الى شركتنا.

أغلق آدم الحاسوب بعصبية وعلامات الغضب والضيق مرسومة على وجهه. أخرج سيجاراً وأشعله وظل ينفث دخانه بعصبيه شديده. طرقت أمه الباب ففتح لها وهو يخفى السيجارة خلف ظهره. رأت أمه الدخان المتصاعد بجواره فنظرت اليه ببرود قائله: - لو مش خايف على نفسك على الأقل خاف عليا
أطرق آدم برأسه ودخل يطفئ السيجارة. دخلت أمه خلفه وهي تقول: - لحد امتى يا آدم. لحد امتى هتفضل مش راضى عن حياتك كده.

قال آدم بحده: - ماما لو سمحتى اقفلى على الموضوع ده
قالت أمه بحزن: - ليه يا ابنى متستعوضش ربنا. وتخلى اللى حصل ده يبأه دافع ليك انك تكون أحسن. مش انك تبقى كده
نظر اليها آدم ببرود وهو يقول: - ومالى كده. دكتور في الجامعة وزى الفل ومليون واحدة بتتمنانى
قالت أمه بحزن: - حياتك كلها على بعضها غلط يا آدم. أنا قلبي حاسس انك بتعمل حاجات كتير غلط. الغلط بيجر غلط يا ابنى. خليك مع ربنا ومتغضبوش.

قال آدم بتهكم: - يا ماما انتى طيبة زيادة عن اللزوم. مفيش حد مبيغلطش دلوقتى. كل الناس بتغلط. وكل الناس بتبص للى في ايد غيرها. وكل واحد بأه مستنى التانى يقع عشان ينهش فيه. ولو مبقيتيش زيهم مش هتعرفى تعيشي وسطهم
ترقرقت العبرات في عيني أمه وهي تقول: - زى ما في الوحش في الحلو يا آدم. ليه تاخد الوحش مثال ليك وتمشى وراه. ليه متبصش للحلو يا ابنى وتعمل زيه.

قال آدم بتهكم: - عايزانى أبقى طيب وأهبل عشان الناس تدوس عليا. عايزانى أبقى طيب وأهبل عشان الكل يبأه فوق وأفضل أنا تحت رجليهم. لا يا ماما. أنا هبقى زيهم وأحسن منهم كلهم. واللى ضاع منى هعوضه تانى. وهنتقم من كل اللى ظلمنى
قالت أمه بحزم وهي ترمقه بنظرات ذات معنى: - كويس انك عارف ان الظلم وحش وبيوجع. وان المظلوم مبيتمناش حاجة في الدنيا غير انه ينتقم من اللى ظلمه.

قالت ذلك ثم غادر الغرفة وتركت آدم حائراً مضطرباً حانقاً.

فى صبيحة أحد الأيام خرجت آيات من الفيلا بسيارتها الفارهه. سارت بها في شوارع القاهرة. توجهت الى مكان كتب عليه جمعية رسالة الخيرية توجهت الى الداخل وتوجهت الى مكتب احدى الفتيات التي هبت واقفة وقالت بسعادة: - يا أهلا وسهلاً آيات شخصياً عندنا
قبلتها آيات قائله: - وحشانى أخبارك ايه
قالت الفتاة: - بخير الحمد لله. اتأخرتى يعني مش عادتك.

قالت آيات وهي تخرج سى دى من حقيبتها: - معلش بس انشغلت شوية اليومين اللى فاتوا
قالت الفتاة مبتسمه وهي تأخذ منها السى دى: - ولا يهمك يا قمر. تسلم ايدك
قالت آيات وهي تهم بالمغادرة: - يلا أشوفك بعدين
قالت الفتاة بإستنكار: - على طول كدة تعالى اشربي حاجة الأول
قالت آيات: - معلش عشان مستعجلة المرة دى
ابتسمت الفتاة قائله: - خلاص برحتك. ربنا يجازيكي خير يا آيات ويجعله في ميزان حسناتك.

ابتسمت لها آيات ولوحت لها مودعة. خرجت آيات من المبنى الذي تزوره كثيراً منذ أن التحقت بالجامعة. حيث تعرفت فيها على احدى الفتيات المتطوعات بتلك الجمعية. شجعت الفتاة آيات على التطوع في قسم كتابة الكتب للمكفوفين. فتشارك آيات في كتابة الكتب الثقافية والعلمية والدينية على الكمبيوتر ويتم تحويلها بعد ذلك الى طريقة برايل لتمكين المكفوفين من قرائتها والإستفادة منها. كانت آيات تشعر بسعادة بالغة وهي تقدم تلك المساعدة لأولئك الذي حُرموا نعمة البصر. كانت تجد سعادتها في الشعور بأنها تقدم على عمل مفيد تُنفع به غيرها. وتستغل وقت فراغها في هذا العمل المفيد. ركبت آيات سيارتها وانطلقت في طريقها.

- فاكر يا زياد لما كنا بنلعب كورة مع بعض هنا تحت البيت
قال آدم هذه العبارة وهو واقف مع زياد في شرفة بيت هذا الأول. نظر زياد الى الأسفل يراقب الأطفال الذين يجرون خلف الكرة والابتسامه على شفتيه قائلاً: - أيوة طبعاً فاكر. كانت أيام حلوة أوى
قال آدم وهي ينظر الى الأفق: - كانت أيام بريئة أوى
التفت زياد لينظر الى آدم. يراقب تعبيرات الوجوم على وجهه. فقال: - مش عجبنى حالك يا آدم.

قال آدم بتهكم دون أن ينظر اليه: - ولا أنا عجبنى حالى
قال زياد بحنق: - طيب ليه متغيرش حالك ده. ليه سايب نفسك لليأس كده. ليه متحاولش تقوم وتقف على رجليك من تانى
قال آدم بصرامة وهو يزم شفتيه بقوة: - لما أرجع حقى الأول
قال زياد بقلق: - وهترجعه ازاى يعني؟
قال آدم بقسوة وهو ينظر الى زياد: - عشان تحارب التعالب لازم تبقى تعلب زيهم
ثم قال بقسوة شديدة: - وساعتها يا ويله اللى يقع في ايدى هاكله بسنانى.

قال زياد وهو يزفر بضيق: - شكل كده مفيش فايده من الكلام معاك. اللى في دماغك في دماغك
قال آدم وهو يحاول تناسى الأمر: - انت راجع شرم امتى؟
قال زياد: - كمان اسبوع.

أومأ آدم برأسه وعاد ينظر الى الأفق وزرقة عيناه تختلط بزرقة السماء. أخذ يتذكر كم وقف في تلك الشرفة يتطلع الى قرص الشمس الذهبي ويرسم بخياله أحلاماً كبيرة. أكبر من واقعه. هكذا هو دائماً. يحب الشئ صعب المنال. يعشق المستحيل. متيم بالتحدى. رغم بساطة عيشه والظروف التي تربى بها. إلا أن أحلامه فاقت واقعه. فصعد السلم خطوة بخطوة بعزيمة وصبر وإصرار. حتى وصل. وصل الى قمة النجاح. وصل الى ما أراد. وصل الى ما كان يراه مستحيلاً. أمسك بيده ما كان يراه صعب المنال. فشعر بالزهو. والفخر. والسعادة. لكن أحلامه تحطمت على صخرة الجشع وتهاوت أشلائها في بئر الخيانه. عندها بدأ يتعلم. أن الحياة مثلما تعطى تأخذ. ومثلما ترسم البسمة ترسم الدمعة. لكنه لم يتقبل ذلك. لم يتقبل الخسارة. لم يتقبل المكتوب. أراد أن يحارب القدر. وأن يثور عليه. وأن ينزع رداء الرضا. ويرتدى حلة الإنتقام. لكنه لا يعلم أن الإنتقام سيف ذو حدين. حتى وان انتصرت به وقتلت خصمك. فستنظر الى يدك في النهاية لتجد النصل الآخر مزق يدك بحدته. وسالت منه دمائك. لم يعلم. لكنه سيعلم. لكن السؤال الآن. هل سيفيد وقتها الندم؟!

ها هو عريس آخر يطرق باب بيتها. عريس آخر ورؤية أخرى ومقابلة ستزيد من عمق جُرحها ان تُُوجت كسالفاتها بالرفض. ليس منها. بل منه. دائماً لا تأخذ فرصتها في الرفض. فقبل أم تُعلنها. يُعلنها العريس. وتضم الى باقة جراحها جرحاً آخر. يطعن كرامتها. ويجرح أنوثتها. ويزلزل ثقتها بنفسها. فتلجأ الى دوائها الذي يريحها دائماً. ويزيل ما بها من توتر. الطعام. الذي قاله عنه نبينا صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه. لكنها لم تهتم. فكل ما يهم. هو أن تأكل وتأكل. لتفرغ ما بها من شحنات مكبوته وصرخات مكتومة. تلجأ الى الطعام كما يلجأ المدمن الى المخدر. يعلم أنه يضره. ويؤذيه. لكنه لا يستطيع مقاومته. فهو البئر الذي يلقى فيه آلامه وأحزانه. رغم أنه يعلم جيداً. أنه حل مؤقت. ويجب عليه آجلاً أم عاجلاً أن يواجه واقعه. الذي يهرب منه الى مخدره.

قالت ايمان لأمها بتوتر: - ماما أنا خايفة
قالت أمها بحماس: - متخفيش يا بت. ان شاء الله هتعجبيه وهيكون من نصيبك
ثم قالت: - ده بسم الله ما شاء الله عليه دكتور وعنده عيادة الله أكبر. وأخوكى على بيشكر فيه أوى
ثم ترقرقت العبرات في عينيها وقالت بطيبة الأمهات: - نفسى أوى أفرح بيكي يا إيمان يا بنتى. ده منى عيني من الدنيا دى أشوفك في بيتك انتى و على أخوكى.

طرق على الباب ففتحت أمه فدخل ينظر الى إيمان قائلاً: - يلا يا إيمان. العريس بره
شعرت إيمان بتوتر بالغ وتضرجت وجنتاها بحمرة انتشرت في وجهها كله حتى صار كحبة الطماطم. قال على وهو يتفرس فيها: - ايمان انتى حطه حاجة على وشك
قالت بسرعة: - لا والله يا على
ابتسم قائلاً: - طيب يلا.

خرجت إيمان وقدميها تصطكان ببعضهما البعض. جلست على أقرب مقعد وهي لا تجرؤ على رفع وجهها. كان العريس بمفرده. جلست معه ومع والدها وأخوها على قرابة النصف ساعة. لم تتحدث خلالها أى كلمة وهو لم يوجه أى حديث لها. استأذن وطلب الإنصراف. شعرت إيمان في داخلها بالحنق والحيرة. لماذا لم يوجه اليها أى حديث. لماذا رحل سريعاً. بالتأكيد لم تعجبه. ظلت تلك الأسئلة تدور برأسها. سمعت والدها وهو يخبره بأن كلا الطرفين سينتظر رداً من الآخر يعد يومين. دخلت غرفتها وأغلقت الباب وارتمت على فراشها تبكى قهراً. كانت تشعر في قرارة نفسها بأنها لم تعجبه. وسينضم اسمه الى قائمة من رفضوها.

دخلت سمر المطبخ لتسخن الطعام لنفسها. أحضرت طبقها وجلست أمام التلفاز. عادت أمها من الخارج قائله: - السلام عليكم
التفتت سمر وردت السلام. فقالت أمها وهي تلقى بنفسها على المقعد متهالكة: - كان عندنا شغل كتير أوى النهاردة
قامت سمر وتركت طبقها على الطاولة وقالت بحنان: - هقوم أسخنلك الأكل
ابتسمت أمها بوهن قائله: - تسلمي يا حبيبتى.

دخلت سمر المطبخ تسخن الطعام لوالدتها. شردت وهي تتذكر لقطات من الماضى. لقطات كانت تشعر فيها بالأمان وبالسعادة. لقظات لرجل ذهب ولن يعود يوماً. ليس لأنه رحل عن الدنيا وفارق الحياة. بل لأنه ببساطة. لا يريد العودة. لا يريد تحمل المسؤلية. لا يريد أن يكون زوجاً. لا يريد أن يكون أباً. وعلى الرغم من ذلك لا تستطيع أن تكرهه. حاولت ان تكرهه وأن تنساه وأن تمحيه تماماً من ذاكرتها. لكن ذكراه أبت إلا أن تظهر أمام عينيها دائماً. لتذكرها بتخليه عنها وعن أمها. لتذكرها بأنها فقدت درعها الحامى. لتذكرها بأنها عاشت طوال عمرها محرومه من أب نسى معنى الأبوة. خرجت من شرودها لتنظر الى الطعام الذي يغلى. أحضرت لأمها طبقها وناولتها اياه. ابتسمت أمها بوهن قائله: - رجعتى امتى النهاردة من المستشفى؟

قالت سمر بلا مبالاة وهي تمد يدها لتأخذ طبقها الموضوع على الطاولة: - زى كل يوم
قالت أمها وهي تبدأ في تناول طعامها: - مفيش جديد
هزت سمر رأيها نفياً وقالت بهدوء: - لا. مفيش جديد.

تعالت أصوات أبواها بالشجار كما هي عادتهما. وكعادتها هربت الى غرفتها وأغلقتها عليها وجلست على فراشها. أحضرت أسماء هاتفها بسرعة وأدخلت سماعاته في أذنها واختارت احدى أغنياتها المفضلة ورفعت صوتها الى أعلى درجة واستلقت على فراشها تستمع اليها وهي مغمضة العينين.

شردت بخيالها وهي تحاول التذكر متى بدأت تلك الشجارات التي تتكرر ولا تنتهى أبداً. لم تستطع أن تتذكر متى بدأت تلك الشجارات. لكنها تتذكر أمراً واحداً. وهو أنها لم ترى أبويها على وفاق إلا فيما ندر. على الرغم من المستوى الإجتماعى الراقى لأبويها. ومستوى المعيشة الذي تعيش فيه وتتنماه الكثيرات. إلا أنها كانت تشعر بالغيرة. بل والحسد. من الفتيات اللاتى يعشن بين أبوين يعرف كل منهما كيف يحترم الآخر. ربما لهذا توطدت صداقتها ب آيات واستمرت لأعوام على عكس علاقاتها السابقة والتي كانت تنتهى بسهولة بعدما تستشعر أسماء الشعور بالنقص الذي تشعر به في تلك النقطة. أما آيات فوالدتها متوفية. ووالدها يعيش وحيداً معها. فلم تشعر معها بمدى نقصها. لأن آيات تعانى نقصاً هي الأخرى. انتهت الاغنية لتعلم بأن الشجار مازال قائماً ولم ينتهى. أعادت تشغيلها مرة أخرى. وهي تغمض عينيها في ألم.

جلست ساندى أمام والدها على المكتب قائله بعصبية: - لازم تشوفلك حل معاه يا بابا. أحرجنى أدام الدفعة كلها وكمان قالى متحضريش محاضراتى طول السنة وخصم درجات الحضور
ثم قالت بضيق شديد: - في داهية درجات الحضور المهم عندى شكلى أدام الدفعة. لازم يردلى اعتبارى ويسمحلى أحضر محاضراته.

ثم هتفت بغضب: - لازم يا بابا تتكلم معاه وتخليه يرجع عن قراره ده. عايزه من المحاضرة الجاية أدخل أدام الدفعة كلها وأعد وأنا حطه رجل على رجل
قام والدها والتف حول المكتب ووربت على وجنتها قائلاً: - متقلقيش يا ساندى. أنا هروحله بكره الجامعة وأحل المشكلة دى
ابتسمت ساندى في فرح قائله: - ميرسي يا بابا
ابتسم لها قائلاً: - شيليى الموضوع من دماغك خالص ومتشيليش هم. وفكرى بس في حفلة عيد ميلادك.

قالت ساندى في مرح: - أوكى
خرجت ساندى من شركة والدها وهي تقول لنفسها في تحدى: - اما أشوف أنا ولا انت يا دكتور آدم.

سمع آدم طرقات على باب مكتبه بالكلية فأذن بالدخول. دخل شكرى والد ساندى وقدم نفسه الى آدم الذي تظاهر بأنه لم يسمع اسمه من قبل. فذكره قائلاً: - أنا والد ساندى
قال آدم وهو يتظاهر بالحيرة: - ساندى!
قال شكرى: - أيوة. البنت اللى حضرتك طردتها من المدرج في محاضرتك اللى فاتت
قال آدم بخبث: - أيوة أيوة افتكرت. اتفضل.

جلس شكرى أمام آدم الذي طلب له فنجاناً من القهوة. تنحنح شكرى قائلاً وهو يضع ساقاً فوق ساق: - بنتى ساندى مكنتش تقصد الكلمه اللى قالتها. طبعاً حضرتك يا دكتور تقدر تمنعها من حضور محاضراتك زى ما انت عايز
قال آدم وهو يستند الى ظهر المقعد ويضع ساقاً فوق ساق: - أيوة وده اللى عملته فعلاً.

تنحنح شكرى مرة أخرى وقد بدا عليه ثقل المهمة الملقاه على عتقه. فلم يعتد أن يطلب من أحد أى شئ. فهو معتاد فقط على القاء الأوامر. قال بنبره فيها شئ من التعالى: - ياريت يا دكتور تسمحلها ترجع تانى تحضر محاضراتك. لان اللى حصل ده خلى شكلها وحش أدام زمايلها
تظاهر آدم بأنه يفكر في الطلب. ثم قال بلهجة متعاليه: - مفيش مشكلة. بس تعتذرلى عن اسلوبها معايا. وساعتها هوافق انها ترجع تحضر محاضراتى.

ابتسم شكرى وقال: - مفيش مشكلة. وحضرتك معزوم على عيد ميلاد ساندى آخر الإسبوع. ومنتظرين حضورك ان شاء الله
ابتسم آدم قائلاً: - ده شرف ليا يا فندم
أخرج شكرى كارت من جيبه وأعطاه الى آدم قائلاً: - ده الكارت بتاعى
أخذه منه آدم بترفع وألقى عليه نظرة ساريعة ثم وضعه فوق المكتب بلامبالاة. قام شكرى قائلاً: - بعد اذنك يا دكتور
ابتسم آدم قائلً: - اتفضل.

خرج شكرى فأمسك آدم بالكارت مرة أخرى وأخذ يحركه في الهوا قائلاً وعيناه تشعان خبثاً: - أهو هو ده الكارت اللى أقدر ألعب بيه على حق.

وضعت آيات حاسوبها فوق قدميها وأخذت تنظر باسمة الى صورة أدم التي أخذتها من حسابه على الفيس بوك. وحفظتها عندها. تذكرت مرة أخرى يوم أن ساعدها وهدأ من روعها. كان رجلاً وسيماً. لكن اهتمامها بكلمة رجل يفوق اهتمامها بكلمة وسيماً. لطالما كنت آيات تحلم بمواصفات معينة في فارس أحلامها. تمنت أن يكون سنداً لها. وأن يحتويها وتشعر معه بأنه رجلها وحاميها. كانت شخصية الرجل المثالى التي تحلم بها متأثرة بشخصية والدها. دائماً كانت ترى والدها رجلاً مميزاً. وعلى الرغم من تضايقها من بعض تحكماته إلا أنها تعى أنه يفعل ذلك من أجل صالحها. وأنا تمثل أهم ما في حياته. افتقدت آيات حنان وحضن أمها منذ الصغر. فكان والدها كل شئ بالنسبة لها. وحاول أن يكون كل ما افتقدته في حياتها. كذلك تتمنى أن يكون فارسها. ليس حبيباً فقط. بل فارساً. يتمتع برجولة وشهامة الفرسان. وكانت تشعر أن كل هذه الصفات. موجودة في أدم. فكانت تمضى الساعات في مطالعة صورته تحفر كل تفاصيلها في أعماق ذاكرتها. تشرد بخيالها الى مكان بعيد. مساحة شاسعة من الخضرة التي تتراقص مع نسمات الرياح. والسماء بلونها الأزرق. لون عيناه. وقرص الشمس الذهبي الذي يبتسم لها ويبث فيها السعادة والأمل. والنسمات الرقيقة تداعب خصلات شعرها الأسود وتتغزل في ملامح وجهها. وفستانها الأبيض الذي تتطاير طياته حولها. ومن بعيد يأتى فارسها على حصان أصيل كمن يمتطيه. يقبل عليها بعزم واصرار ليقف أمامها يداعب صفحة وجهها بنظراته الشغوفه. يمد يده اليها والابتسامه تعلو شفتيه. تتلمس الطريق الى كفه وعيناها لا تفارق عينيه. تمتطى الجواد خلفه ليطير به وقد لفت ذراعيها حوله وهي تغمض عيناها لتنعم بدفء قربه. كان يراودها هذا الحلم وهذه التخيلات كثيراً لكن كانت اللوحة ينقصها وجه الفارس. وها هي تنظر الى هذا الوجه الآن. ابتسمت وهي تنظر الى صورة آدم وتقصها بعينيها لتضعها داخل حلمها.

كانت ساندى تعلم أن حضور آدم لعيد ميلادها رداً كبيراً لكرامتها التي أهدرها أمام زملائها. ابتسمت بسعادة وهي تتوقع دهشة صديقاتها في عيد الميلاد عندما تقع عيناهم على آدم. خططت لهذا اليوم جيداً لتبدو فيه كملكة متوجة تسير بين رعاياها.

توجه آدم ببدلته الأنيقة وسيارته الفارهه الى هذا البرج السكنى لحضور عيد ميلاد ساندى. كان آدم يعى جيداً كل خطوة يخطوها. ويكيل تصرفاته بمكيال المصالح. ويعلم أن ساندى هي التي ستوصله الى مبتغاه. ستكون أداته التي تعينه على تحقيق مراده. لكن عليه اللعب بحذر. حتى لا يخسر اللعبة قبل أن تبدأ!

دخل المنزل بعدما فتحت الخادمة. بيت أنيق عصري يتميز بالفخامة والرقى. أخذ يجول بنظره بين الحضور. حتى وقع نظره على ساندى بشعرها الذهبي الذي أخذ يتمايل فوق ظهرها العاري. ووجهها الذي تعلوه الزينه. وتاج صغير يزين رأسها. وفستانها الأسود القصير. نظر الى عيون الرجال المعلقة بها. نظر اليهم في سخرية. ود لو صرخ بهم. لماذا تحملقون فيها هكذا. فما هي إلا فتاة كغيرها من بنات جنسها. فتاة مصطنعة تتوارى خلف الأظافر الصناعية والرموش الصناعية والعدسات الصناعية وحمرة الوجه الصناعية وصبغة الشعر الصناعية فما هي إلا امرأة اتخذت من كل ما صنعه البشر للزينه وسيلة لتبدو كملكة. لكن هيهات. فليست تلك ملكة من الملكات. الملكة تخطف القلوب بنقائها والعيون بصفائها. أما تلك فهى تشعرك بأنك واقف أمام مانيكان للعرض فقط. وأحيانا يكون قابلاً للمس!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة