قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل مئة وخمسة عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل مئة وخمسة عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل مئة وخمسة عشر

إقتحم عُمران غرفة والدته، ومن خلفه علي الذي أوشك على الانيهار، فوجدوها تحبس مايا من الحائط، وتنتظر سماع إجابتها، بينما الاخيرة تتناول شطيرة البرجر ببرودٍ تام، كاد بأن يضحك عُمران الذي تردد بخاطره إحدى جملته لها حينما كانت تهاب نعمان
«لما تخافي من حد أقفي ثابتة قدامه ومتبينيش خوفك ليه. »
تذكر حينما تساءلت بفضولٍ: ليه؟
رده الاسطوري لها
«عشان هيتمادى بروح أمه! »
وأضاف.

«لكن لما تديله نظرة ثقة وثبات هيشك في نفسه وفي تأثيره الوهمي، وهنا بقى هيكتشف إنه ضعيف قصادك، فهمتي؟ »
خرج من ذكريات حديثه، حينما ردد بصوتٍ منخفض استمع له على من خلفه: الظاهر أنها بتطبق الدروس في الجهة الغلط!

أحاطه علي بنظرة ساخطة، جعلته يسبل ببراءةٍ بعيدة كل البعد عنه، وإذا به يتخطاه ويندفع تجاه زوجته، يفصلها عن بقعة والدته، بخفة منه مد ساقه يعركل قدميها دون أن يراها أحدٌ، وقبل أن تسقط كان يتلقفها بمهارةٍ، وبينما يميل إليها يغمز لها بخبثٍ لحق نبرتها الصائحة: مايا! مالك يا حبيبتي فيكِ أيه؟!

علمت ما يود فعله لنجدتها، فتركت الكوب من يدها بينما تضم جبينها، متصنعة مرضها: حاسة إني دايخة ومش شايفة قدامي نهائيًا.
نجحت بسلب قلق فريدة الكلي تجاهها، فتحملت على ذاتها وأتجهت لها والقلق يساورها: كانت كويسة من شوية، إبعد كده يا عُمران.
أسندها ومال للخلف، بينما تتفقدها فريدة، التي أشارت بحنان للفراش: هاتها هنا. وإنت يا على كلم يوسف بسرعة ينزل يشوفها.

مال بوجهه تجاه زوجة أخيه، وعينيه تستهدف أخيه الذي يمنحه غمزة ثقة بحله للمشكلة التي كادت بالنشوب هنا، تنهد بقلة حيلة وغادر من الغرفة، قبل أن يفشل خطتهما الحويطة.
صعدت فريدة جوار مايا على الفراش، نزعت عنها حجابها وأخذت تمسد على رأسها بحبٍ إلتمسه عُمران، فتابعهما بابتسامة جذابة، العلاقة بينهما قد تكون قريبة من القط والفأر، ولكن حينما ينقلب الميزان تجدهما أم وصغيرتها.

مالت مايا تجاهها، وأغلقت عينيها بتعبٍ، بينما تخبرها بصوتٍ ناعس: أنا نرفزتك من شوية، فبدل ما تعاقبيني بتكافئيني بالنومة المريحة دي!
إرتسمت ابتسامة هادئة على وجهها، وقالت ومازالت تمسد على خصلاتها: مضطرة أستحملك وهحط حجتي على الهرمونات، أما بقى لو النومة مريحة وعجباكي فكلها كام يوم وهتيجي هنا إجباري.
تملك الخوف معالمها، وهمست لها بارتباكٍ: كل ما معاد الولادة بيقرب بخاف.

ضمت الغطاء الخفيف عليها، وردت بحنان: بمجرد ما تفكري في لحظة ما تشيلي ابنك بين ايديكي هتنسي كل الخوف اللي جواكي، فكري في لقائك بيه وبس.
اتسعت بسمتها ومالت بجسدها تضع رأسها على صدر فريدة، فاحتوتها بين ذراعيها ومالت على الوسادة من خلفها، تشمل ابنها بنظرة حازمة، اتبعها أمرها الساخر: قول لأخوك ميجبش دكتور يوسف، المشهد التمثيلي بتاعك أنت ومراتك متبلعش.

ضحك بصوتٍ زرع البسمة على وجهها الرقيق، واستقام بوقفته عن الحائط، يخبرها: أهو حبك الكبير لبنتك ده اللي مخليكي دايمًا في صفها، حتى لو المظلوم كان ابنك، كفة ميزان مايا دايمًا طابة!
أحاطت مايا الناعسة جوارها، بينما تخبره بمشاكسة: أنت أي طرف هيتحط قصادك في الميزان خارج منه مظلوم يا حبيبي، بطل بكش وإخرج عايزة أرتاح شوية.

رنى إليها يقبل رأسها وكفها الذي يحيط زوجته، وبجدية همس لها: ربنا ما يحرمنا منك ولا من طيبة قلبك ورقة مشاعرك.
واضاف وهو يستعد للمغادرة: أنا بره لو حضرتك احتاجتي حاجة ناديلي.
قالت وهي تمرر يدها على خصلاته النابتة: خد أخوك وارجع القصر، النومة برة مش مريحة.
ربت على يدها بحنان وقال: مش هعرف أسيبك لوحدك وأمشي، ممكن أخلي على يرجع هو وشمس، وأنا هشوف أي أوضة في المخروبة دي انام فيها.

ضحكت على صياغته للمركز، فابتسم وهو يستطرد: تصبحي على خير فريدة هانم.
قالها وأتجه للخارج، غالقًا الباب من خلفه، فوجد آدهم قد إنضم لمجلس العائلة الصغير، يجلس على الأريكة الجلدية، ويحمل الصغيرة بين يديه، وشقيقته الآخرى تلتصق به، وتطبع قبلاتها على يد الصغيرة، وعلى الاريكة الاخرى يجلس أخيه وزوجته، أما أحمد فكان يقف برفقة أحدى الممرضات ترشده على الأدوية الخاصة بزوجته.

أتجه للمقعد القريب من آدهم، وقد لاحظ نظرات على التحذيرية إليه، بالآ يفتعل أي مشكلة لحمل آدهم للصغيرة فيروزة، فإذا به يتطلع له وإلى شمس المتلهفة لكل حركة تفعلها الصغيرة، ثم قال: عقبال ما نشيل ليكم عن قريب إن شاء الله.
منحه آدهم بسمة وبلطفٍ أجابه: نشيل ليك وللدكتور على الأول وبعد كده يجي دورنا بعدكم إن شاء الله.
راقبت فاطمة ملامح على بابتسامة خجولة، فأحاطها بذراعه وقال بحب: يا رب.

راقب عُمران نظرات شمس المنزعجة إليه، وقد ظنت بأنه لن يلاحظها، فإذا به يسألها باسترابة: شمس هانم عينك بتطلع شرار ليا ولا أنا فاهم غلط؟
اتجهت جميع الأعين إليها، فاذا بها تترك يد الصغيرة التي يحملها زوجها، وتعود بجسدها لظهر الأريكة، عاقدة ذراعيها أمام صدرها بتذمرٍ: لا فاهم صح وصح أوي كمان، أنت وعدتني أنك عمرك ما هتفرق بينا ومن أول يوم نسيتني خالص وإتلهيت بفيروزة هانم!

إندهش آدهم من سماع ما قالت، بينما ابتسم على وهو يراقب رد فعل عُمران على ما قالته شقيقته باهتمامٍ، فاذا به يترك مقعده ويجلس جوارها على الاريكة هاتفًا بذهولٍ: أنا فرقت بينكم! أيه التهمة القاسية دي يا شمس!

نهضت من جواره وإتجهت إلى أريكة علي، جلست جواره وضمت ذراعه لها، فضمها إليه بينما تتطلع للاخر وهي تخبره: دي الحقيقة، مفيش حد أهتم بوصولي غير علي، أنت من ساعة ما جيت هنا وإنت بتلف ورا فيروزة هانم ومش سأل فيا؟!
اتسعت مُقلتي آدهم بصدمة، فاستدار تجاه عُمران وعينيه يملأها علامة استفهام لسؤاله الواضح، ماذا حدث لزوجته؟

منحه الطاووس بسمة ساخرة وهمس له قبل أن ينتصب بقامته الممشوقة: هرمونات وإجباري تتعود عليها يا حضرت الظابط.

بصقها إليه وإتجه لشقيقته، ينحني قبالتها وهو يضم كفيها بين كفيه، وببراعةٍ استمدها إليه بحديثه اللبق: مين يقدر يتجاهل حضورك يا شموسه، أنا كنت بوقف حرب كانت هتحصل بين فريدة هانم وبنت خالتك البائسة، وبعدين أنتي بتتهميني إني مأثر معاكِ وأنا لسه من ساعات بسيطة عامل أوردر للبس مواليد لفيروزة وللبيبي بتاعك، أنا عارف إنك بتحبي ذوقي فأختارتلك كام طقم شياكة بناتي وأولادي، اللي ينفعك لما تحددي جنس البيبي خديه.

أبصرته بحماسٍ: بجد!
أكد لها وهو يسحب هاتفه: تحبي تشوفي الكولكشن اللي إختارته؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، فسحبها لأريكة منعزلة، ثم بدأ يريها ما اختاره بالفعل، مالت فاطمة على كتف على وهمست له: عُمران حنين أوي.
رد عليها ومازال يراقبهما بحبٍ: دي حقيقة.
أضافت وهي تسحب هاتفها إليه: بعتلي من شوية مجموعة أختار منها لبس للبيبي، بس أنا محتارة يا علي، تفتكر هيجيلنا ولد ولا بنت.

حمل منها الهاتف، يتابع الصور المرسلة لها على حسابها الشخصي، والابتسامة تتسع على وجهه شيئًا فشيء: اللبس اللي بعته ينفع الاتنين يا فاطمة.
دققت بالصور مرة أخرى بدهشةٍ: تصدق مأخدتش بالي!
تمتم وهو يعود ببصره تجاه أخيه: هو دايمًا بيهتم بالتفاصيل!
انتفض بمقعده فزعًا فانسكب كوب القهوة عليه، حينما اقتحمت زوجة أخيه غرفة مكتبه، سحب يوسف المناديل الورقية يجفف قميصه المتسخ، هادرًا بضيق: في حد يفزع حد كده!

شيعته بنظرة جعلته يعود لمقعده بارتباكٍ من حالتها الغريبة، فلحق نبرته المرتشعة: سيف طلقك!
اتجهت بخطواتها البطيئة منه، فكاد أن يسقط بالمقعد للخلف وهو يجاهد لخروج كلماته: كل مشكلة وليها حل!
طرقت فوق مكتبه بيديها وهي تصيح بانفعالٍ: الا مشكلتي ملهاش معاك أي حل!
انتفض مجددًا بوقفته، فعاد يعدل نظارته الطبية: في أيه يا زينب، إهدي وفكك من دخلة المخبرين دي!
نطقت باصرارٍ مضحك: عايزة أبقى مامي!

زفر بانزعاجٍ من تكرار نفس السيناريو مجددًا، فتمعن بالفراغ من حوله وهو يهتف بنزقْ: كمالة حظي النحس، اليوم مش راضي يتقفل!
ورفع من صوته مع ابتسامة زائفة: استهدي بالله وربنا هيكرمك باتنين تؤام مرة واحدة بس قولي يا رب.
جلست على المقعد المقابل لمكتبه وهي تشير للنوت: مش هتعرف تقنعني المرادي يا دكتور، أكتبلي على أي منشطات أو أي أدوية تساعد.

عدل من نظارته وهو يعود لمقعده الرئيسي، والإرهاق قد تمكن منه، فسألها بهدوء لا يلتمسه بتاتًا: كالعادة أكيد شايفالك طفل عجبك وجايالي أشوفلك الحل اللي معرفهوش ده، صح؟
هزت رأسها أكثر من مرة، وهي تشرح له بابتسامة واسعة: بيبي فريدة هانم، بنوتة زي السكر يا يوسف، ما شاء الله قمراية.
خاطبها قائلًا: طالما حلم الامومة ملاحقك بالشكل اللي هيأثر على دراستك وشغلك فأنا عندي الحل.

استندت بيديها على مكتبه الابيض، تتساءل باهتمام: أيه هو؟
أجابها بمرحٍ والضحكة تلاحقه: تقعدي مع الدكتورة ليلى يومين، وبعدها هتنسي الحلم ده نهائيًا، أنا هوصيها تسيبلك البنت ليل نهار لحد ما تتوبي توبة خالصة لوجه الله.
ضم شفتيها بغضب: يا يوسف أنا بتكلم بجد، من فضلك متقلبش الموضوع بهزار، لو أنا عندي حاجه صارحني وقولي.

زوى حاجبيه مندهشًا من انفعالها، فأسرع يبدد عنها ظنونها: مفيش عندك أي موانع يا زينب، وأنا مأكدلك ده بنفسي أكتر من مرة، وزي ما قولتلك قبل كده مسألة وقت مش أكتر.
وأردف بثباتٍ وعقلانية: متشغليش بالك بالموضوع ده عشان نفسيتك هتتأثر، فكري بالعقل، إنتِ لسه بتدرسي وصعب تتحملي مسؤولية طفل بالتوقيت ده يا زينب.
تنهدت بحزنٍ، ونهضت تخبره: عندك حق.
وقف قبالتها يسألها حينما همت بالرحيل: رايحة فين؟!

ردت وهي تبدد عنها الحزن حتى لا ينفضح أمرها: فاطمة وعلى مستانيني تحت هنزلهم عشان أروح معاهم.
نزع البلطو الطبي عنه، وقال وهو يتجه خلفها: استني هنزل معاكي أطمن على فريدة هانم، وهوصلك بطريقي أنا خلصت الشفت بتاعي.
راقبته وهو يغلق حاسوبه وأدراج مكتبه، ثم تمتمت بسخطٍ: شفت! مصر تعامل نفسك أنك موظف هنا، هتقتنع أمته إنك صاحب المركز؟

قهقه ضاحكًا وقد أغلق الباب من خلفهما: لو إقتنعت هعتزل المهنة وأنا للأسف بحبها.
وأضاف وهو يشير لها على المصعد بعدما طلب حضوره: وبصراحه بقيت بفكر جديًا أعتزل، على الاقل هروق منكم!
رمقته بنظرة حارقة، وهتفت: ياريت تعملها، إنت أصلًا فاشل في علاج حالات تأخر الانجاب يا دكتور!
مال للمصعد يقاوم نوبة الضحك الذي سقط فيها، بينما يهتف بصعوبة بالحديث: لما الحالة تتعسر هبقى أتدخل إن شاء الله.

لوت شفتيها بتهكمٍ وحدثت ذاتها باستنكارٍ: هتتعسر أكتر من كده، شكلك مش هتأخد خطوة في علاجي الا لما أكمل التلاتين، يا ميلة بختك يا زينب!

تجرع مرارة الوجع لأعوام، كان الصبر هو وسامه الوحيد، إلتحف به بكل ما فيه، والآن حصد مكافأة عبر بها العوائق والعقبات برُمتها، وها هو يحمل بين يديه أخر ما يستعبه عقله بأنه سيخصه ذات يومًا، ابنته من معشوقة طفولته، وحبه الذي حُكم عليه بالإبادة قبل أن يثمر جذوره.

أدمعت عيني أحمد وهو يحمل صغيرته بين يديه لأكثر من ثلاثون دقيقة، كل ما يفعله هو التأمل الصامت لملامحها، يستغل انشغال الجمع من حوله بتناول وجبة خفيفة قبل العودة للقصر، ويقضي بعض الوقت برفقة صغيرته.

شعر بالخواء جواره يتلاشى فور أن إحتك جسد على به، فأسرع بمسح قطرات دموعه عن وجهه، واستدار يطالعه بابتسامة اصطنعها بشكلٍ لم يقنع علي، الذي أجلى صوته الرخيم: زعلك على اللي راح عمره ما هيوهبك الراحة والخلاص، نظرتك للي حققته وبتملكه حاليًا هو اللي هيفرق معاك وهيقفل كل جرح قديم كان بينزف جواك.

لامسته كلماته باتقانٍ، وكأنه يقرأ كل ما يحدث له، ويشاركه رحلته الطويلة بالمعاناة، فمال برأسه تجاهه وقال: اللي فات صعب يا علي، بس زي ما قولت العوض كبير وقادر يرمم كل الاصابات والجروح.
وأضاف وهو ينحني طابعًا قبلاته فوق وجه صغيرته: مش مصدق إن بعد العمر ده ربنا من عليا وبقيت أب.
وأخبره بكل حماس وسعادة: أنت متتصورش أنا فرحان إزاي، عايز أقول لكل الدنيا كلها إني بقيت أب، ومن مين، من حب عمري، فريدة يا علي!

تبسم في وجهه ببشاشةٍ، وقال: ربنا عوضك لإنك تستحق يا عمي، ربنا يباركلك فيها ويحفظهالك من كل سوء.
تمعن برماديتاه وملامحه الطيبة في محبةٍ خالصة: أنت عارف إني مش قادر أشوفك باللحظة دي غير صاحبي الوحيد اللي بمتلكه، كل ما ببصلك مش راكبة معايا انك ابن اخويا والمفروض قي مقام ابني، على إنت بعقلك وطيبتك دي بحسك أكبر مني، أخويا الكبير مثلًا!
ضحك بصوتٍ مسموع، وقال في لطف: شوفني زي ما تحب، المهم دلوقتي.

قالها وهو يميل إليه فمال له أحمد بانصاتٍ: بقالك ساعة شايل فيروزة هانم ونازل فيها بوس لو عُمران لمحك بالحالة دي هسلكك منه إزاي!
قهقه ضحكًا حتى أحمر وجهه بشدةٍ: هيحبسني، الوقح ده فلتت منه على الأخر، بس على مين مش هسمحله يعمل كماشة شمس وحضرة الظابط على بنتي!
زم شفتيه بسخطٍ مضحك: أنا خايف يجيلي بنت من اللحظة دي، عُمران غيور على هوانم عيلة الغرباوي بشكل مريض.

عادت نوبة الضحك تسيطر عليه، وقال مازحًا: إدعي ربنا يكرمك بولد.
اتجهت عينيه لزوجته الجالسة جوار شمس تراقب ما اختارته من ملابس، وقد تلألأ عشقها برماديتاه، هامسًا بصوته الهادئ: حاسس إنها هتكون بنت، الحرب قايمة قايمة!
انتزع هدوء الأجواء طرقات باب الجناح الطبي، وظهر يوسف وزينب من خلف الباب، ولجوا للداخل وانضموا للجميع.

إرتمى سيف على الأريكة الخشبية الخاصة بشقة عُمران بتعبٍ شديد، ولحق به آيوب على الآريكة المقابلة له والإنهاك يتمكن من كلاهما، إذ بدى على صوت سيف الهامس: خيمتك جهزت يا عريس، أقدر أخد إفراج وأرجع بيتي؟
أسند رقبته لذراعه المثني، وهدر باصرارٍ: لا يا سيفو إحنا بينا اتفاق، أنت مبيت معايا النهاردة وبكره، ولو إنسحبت من الاتفاق هتبقى راجل لمؤاخذة آ، أظن فاهمني أنت!

مال على جانبه الأيسر، يطعنه بنظرة شرسة، وتهديدًا أشرس: إنت الظاهر شغلك مع الطاووس الوقح خلاك تنفش ريشك على حسه، لمها وعديها يابن الشيخ مهران.
مال على جانبه قبالته هو الآخر، وبابتسامة باردة قال: لا هلمها ولا هعديها، وبردو هتبات هنا النهاردة وبكره يا سي?و.
حُل جموده وأفتر عنه ابتسامة، اتبعها قوله الخشن: من حقك ما أنت عريس!
تمدد على ظهره يتأمل سقف الردهة بإعجاب، استفز فضوله، فناداه: آيوب.

همم وعينيه مُغلقة بتعب: أممم.
أفرغ سيف فضوله الزائد بحديثه التالي: عُمران بشمهندس ناجح جدًا، وتصميماته دايمًا مميزة، تحس إن ليه التتش بتاعه ولمسة خاصة بيه في كل حاجة، حتى في الشقة اللي كان واخدها مع يوسف وبشمهندس جمال في لندن، كان عامل أكتر من حاجه مميزة فيها، اشمعنا الشقة دي اللي سابها زي ما هي ومغيرش فيها حاجة!

حرر فيروزته الساحرة برفع أجفانه ببطءٍ، وأجابه ببسمةٍ خاطفة: عُمران مهما حاول يحاوط نفسه بذوقه الا أنه في ميول جواه للبساطة، الإنسان ده غريب، مهما عاشرته بحس إني عمري ما هفهمه، في الشركة شخصية ومع أصحابه شخصية، ومع أخوه نفسه شخصية تانية.
وإستطرد شاردًا بالشرفة المفتوحة على مصرعيها: وجوده هنا معانا في الحارة واندماجه السريع بينا شيء غريب، تحسه زي العجينة اللي بتتشكل لأي وضع.

مال على جانبه الأيسر مجددًا، مستندًا على ذراعه، ومشيرًا له: ما تتصل عليه هو وحضرة الظابط والشباب وتخليهم يجوا يباتوا معانا النهارده، وأهي تبقى حفلة توديع عزوبية جماعية، مش فردية.
استقام آيوب بجلسته، يتمعن فيه بدهشةٍ: أتصل بيهم! من قلبك الكلام ده يا سيف؟!
هز رأسه بابتسامةٍ ساخرة، فأضاف آيوب موضحًا مغزى حديثه الغير منطقي: يعني أنت عايزني أتصل على الطاووس وآدهم ودكتور على ودكتور يوسف، والبشمهندس جمال!

صفق بيديه باستنكارٍ: أيه اللي مش مفهوم في كلامي أنا!
ونهض ينزع جاكيته بذلته الأسود، مضيفًا: وكلم ابن عمك وإيثان الرزل بالمرة.
رفع أحد حاجبيه بدهشةٍ: سيف أنت كويس يا حبيبي؟!

عدل من وسادته وتمدد واضعًا قدمًا فوق الاخرى، مستندًا على كلتا ذراعيه، بينما يطلق صوت صفارة مستمتعة زادت من ريبة آيوب، ومع ذلك اتبع تعليماته، وجذب الهاتف يتصل برئيس العصابة الدولية، مفعلًا سماعة الهاتف الخارجية، فأتاه صوته المشاكس: حنيت لصوتي يابن الشيخ مهران!
ابتسم وحياه بمشاغبة: مش أنا بس اللي حنيت ليك يا طاووس، سيفو بنفسه طالبك بالحضور، وعايز نقيم حفلة توديع العزوبية هنا في شقتك.

أتاه صوت ضحكته الرجولية، وبعدها نبرته الواثقة: أنا محدش يجرأ يطالبني بشيء يالا، بس لاجل عنيك نعديها مهو معذور، أي حد عاشر الطاووس الوقح لازم يكون عنده حنين وشوق ليه، بس للاسف مش هينفع النهاردة، قضي الليلة أنت والكتكوت اللي معاك وبكره نتجمع كلنا بعد الحنة ونقضيها للفجر مفيش مانع.
وأضاف بخشونة أسقطت آيوب من الضحك: وبلاش ترمي عقلك لسيف، أنت عاقل وهادي مش كده ولا أيه يابن الشيخ مهران؟

كاد أن يسقط عن الاريكة من شدة ضحكه، بينما ينهض إليه سيف، منتزعًا الهاتف بغضب: هو مش محتاج نصايح من حد، عشرته لوقاحتك عاملة معاه مفعول خرافي، أنا أصلًا قلقان منه!
شاركه عُمران الضحك، وقال بخبث: اطمن يا دكتور ابننا عاقل ومتربي، ولو عايز ضمانات عليه كلم أخوه لإني للاسف مش بضمن حد!
قهقه من شدة الضحك، وبجدية قال: طيب ما تيجي تبات معانا النهاردة.

أجابه بتهذبٍ وجدية تامة: مش هينفع والله يا سيف، أنا اللي هبات بالمركز هنا.
فهم رسالته دون التلميح لوجود والدته، فاحترم سيف حديثه وقال بثبات: خلاص تمام نتقابل بكره ان شاء الله.
رد عليه: بإذن الله نتقابل، تصبح على خير يا دكتور.
أغلق سيف الهاتف، ثم منحه لآيوب متمتمًا: شوف حضرة الظابط.
رفرف بأهدابه بذهولٍ، وقال: آدهم ماشي من حوالي أربع ساعات، مش عارف هيقبل يرجعلنا تاني ولا أيه؟

عاد للأريكة، يعتليها بهدوءٍ: جرب مش خسران حاجة!
فور أن إنتهى عُمران من المكالمه، عاد للجناح حيث زوج شقيقته ورفيقه يوسف بالصالون المنزوي بالجناح.
جلس جوار أخيه وهو يشير على الهاتف الذي يحمله: ده آيوب، كان عايز آآ...
قاطع حديثه صوت رنين هاتف آدهم، فترك كوب القهوة من يده، ورفع الهاتف لهم: بيتصل عليا أنا كمان!

حرر زر الاتصال ووضع الهاتف على أذنه، استمع لما قال، ورد بابتسامة هادئة: مش هينفع النهاردة يا آيوب، بكره هبات معاك بإذن الله.
قالها وأغلق الهاتف، فابتسم عُمران وردد بسخط: دول شكلهم عندهم فضى وعايزين يملوه.
أتاه تأكيدًا لحديثه حينما تعالى رنين هاتف يوسف، فتعالت الضحكات الرجولية بينهم، وقد حرر يوسف سماعته الخارجية وقرب الهاتف لعُمران، هامسًا بخفوت: إرزعهم واحدة بروح أمكم تنيمهم مكانهم.

غمز برماديته بتسليةٍ، وحرر رده اللاذع: حفلة الاتصالات بتاعتكم دي هتقفل أمته؟ أنا حاسس إن كمان شوية والاتصال هيوصل لعلي أخويا الطاهر البريء!
أتاهم صوت ضحكهما، وتأكيد سيف على حديثه: كنا هنتصل بيه فعلًا بعد يوسف، وهندخل بعده على البشمهندس جمال بإذن الله.
قاطع ضحكاتهما عُمران: أنا بقول تأخد أخوك في حضنك وتلحق سريرك، كل تنام بدري أحسن ليك.
تساءل آيوب ببلاهة: ليه؟
أجابه عُمران بصدر رحب: عشان أنا قولت كده!

وأضاف بسخرية أضحكت آدهم ويوسف للغاية: وعشان الأولاد الشاطرين بيسمعوا كلام الأعقل منهم ومش بيكسروه أبدًا أبدًا، فلازم نغسل أسنانا ورجلينا وننام بدري زي الشاطرين.
واحتله قافلة من الوجوم كأنه تبدل لشخصٍ أخر: والأهم نعقل ونبطل هبل المسا ده، وياريت نقفل سنترال الشعب اللي طارح علينا ده خلوا ليلة أمك أنت وهو تعدي!

انطلق صوت انغلاق المكالمة كبادرة لطيفة بإنصياعهما لحديثه، فسحب يوسف الهاتف ووضعه بجيب سرواله ضاحكًا: هما كانوا محتاجين الدخلة دي، أنا مقلق منهم أصلًا من ساعة ما شوفتهم بيجروا زي الهبل.
هز آدهم رأسه بتأكيدٍ، وأردف بسخرية: دخلة عُمران ليها شنة ورنة، هيبطلوا يستعملوا التليفونات تاني أصلًا.
واستقام يجمع هاتفه ومفتاح سيارته قائلًا: الوقت أتاخر، همشي أنا وشمس ولو احتاجت أي حاجة كلمني يا عُمران.

أحاطه بضمة حنونة، وشكره بامتنانٍ: مش محتاج توصيني، انا واثق أنك دايمًا موجود من غير ما تعرض عليا ده.
ربت على ظهره بحبٍ، فبادله عُمران، وقال وهو يتجه للغرفة: هنادي لشمس وللدكتورة زينب.
ردد يوسف يعلمه: زينب نزلت مع على ومدام فاطمة لما لاقتني طولت معاك بالقعدة، يلا همشي أنا وهشوفكم بكره بإذن الله.

ودعهما يوسف وغادر على الفور، ومن بعده آدهم برفقة زوجته، فلم يتبقى بالجناح سوى مايا التي تغفو جوار فريدة بالغرفة، وبالجناح عُمران، وأحمد الذي إنزعج من بقائه وهدر بضيقٍ: ما ترجع القصر إنت كمان عُمران، أكيد تعبت ومحتاج تريح.

استكمل فتح أزرار قميصه وهو يطالعه بجمودٍ، بينما يحرر الأريكة السفلية لتتحول إلى فراش، جلس من فوقه وهو يتمعن به بنظرة ثاقبة، جعلت أحمد يزدرد ريقه بارتباكٍ من صمته، حتى مزقه صوته الثابت: متلفش وتدور على الشخص الغلط يا عمي، ما قولتهالك قبل كده الصياعة متخدش معايا سكة، أنا لاعيب قديم.
وأستكمل وهو ينزع حذائه: عمومًا مش محتاج تعمل كل ده.

لم يفهم مغزى حديثه، الا حينما عرج للغرفة يخرج بالصغيرة، ويتجه بها للفراش، تمدد جوارها، ومال يحاوطها، وضعها بالمنتصف وترك الجزء الاخر من الفراش إليه، أغلق جفنيه وتمتم بنزقٍ: تعالى نام جنب بنتك، لما نشوف أخرتها معاك أيه؟

انتزع أحمد جاكيته وأشمر قميصه الأبيض، بينما يتمدد جوار الصغيرة بسعادة، مر عليه بعض الوقت فتطلع لعُمران الذي يضع يده من فوق عينيه، فناداه بصوت منخفض: عُمران، ما ترجعها سريرها الصغير أحسن نتقلب عليها وإحنا نايمين ومناخدش بالنا!
ابتسم على جملته، ومال يحملها ويضعها من فوق صدره، دافنًا أنفه بين خصلاتها الصغيرة: أنا نومي ثابت ومش بتقلب، إدخل عركتك لوحدك ومتقلقش عليها.

شيعه بنظرة حنونة وهو يراقب تعلقه الشديد بابنته، فمال يجذب جاكيته المطروح على المقعد ووضعه من فوق الصغيرة، ولكنه لم يطول صدره العاري، فلم يتمكن من حجب اقتراحه إليه: ما تقوم تلبس قميصك!

ردد ومازالت عينيه مغلقة: فريدة هانم مش فايقة ولا مركزة للمقارنات وهي بحالتها دي، متقلقش جوازتك لسه فيها أمل أهتم إنت بالرياضة اللي نسيتها وإصبغ شعرك ده وإن شاء الله ربنا يكرم وتشوفك آرنولد شوارزنيجر، ركز على الدعوات أنت بس يا باشا.
اعتصر فكيه بغضبٍ، ومال يتمتم: وقح!
انطبعت ابتسامة خاطفة على وجهه، قبل أن ينسحب بنومٍ منتظم، وبين أحضانه أميرة عائلة الغرباوي التي أشرفت عليهم بحضورها المفاجئ!

صف علي سيارته بالأسفل، وهبط من السيارة، ينتظر انضمام زوجته، وحينما طال غيابها، هبط يفتح باب السيارة المجاور لمقعدها، فوجدها تستكين للخلف وقد غفاها النوم.
ابتسم وهو يميل على الباب، يتأملها لوقتٍ ليس بقليل، فانزعجت حينما لفح جسدها تيار الهواء البارد الذي كان يعيقه إنغلاق الباب، ففتحت مُقلتيها لتعانق رمادية عينيه، فنادته بخفوتٍ: علي!

اعتدلت بمقعدها تفرك عينيها بنعاسٍ، وهي تتساءل: مش تصحيني، راحت عليا نومة!
ترك محله واقترب إليها يجيب: كنت بحاول بس مقدرتش أقلقك.
حركت رأسها قبالة وجهه القريب منها، وقالت ضاحكة: يعني كنت هتقضي الليل كله بتتأملني كده، ولا خايف على ضهرك يتأذى لو شلتني لفوق، زي ما فريدة هانم كانت خايفة عليك.

صدر عنه ضحكة جلجلت بصوته الدافئ، فطالعها بنصف عين: إظهار رغبة مبطنة ورا تحدي زايف، في سبيل إني إتنرفز وأحققلك رغبتك وأشيلك عشان أثبتلك إني جامد أخر تلات أربع حاجات.
تلاشت ابتسامتها الماكرة، بينما مازال يطالعها بثقة وابتسامة أذابت جليد ليلة قارصة البرودة، فبدد حيرتها حينما قال: قولتلك قبل كده مينفعش تتذاكي على بابي يا فطيمة، أنا فاهمك من نظرة مش من كلمة!

أخرجت ساقيها خارج السيارة، ورددت بانفعال: بطل تستغل خبرتك في المهنة عليا، ودلوقتي هتشيل ولا أطلع بالأسانسير يا علي؟
إنحنى إليها ببطءٍ سلب كل تركيزها، وخاصة مع تحرر كلماته: سبق وقولتلك قبل كده حُضني مفتوحلك في أي وقت يا روح قلب علي.

قالها وقد وضع يده أسفل ساقيها، والأخرى أحاط بها خصرها، وبتمكنٍ رفعها إليه، بينما يدفع بقدمه باب السيارة المفتوح، صعد بها للداخل وتعمد عدم اللجوء للمصعد، حملها للطابق العلوي وهو يحرص عدم قطع اتصالهما البصري، يرى بوضوح استعانتها بالألفة والأمان بنظرته العاشقة لها، فرفعت يدها عن كتفه وأحاطت رقبته، فمال بذقنه فوق جبينها، وأردف بحنانٍ: قلقانه من أيه يا حبيبتي؟

اختبأت أسفل رأسه والفرحة تتسلل لها، زوجها يحبها بنفس درجة عشقه للكتب، حتى أنه يقرأ إنفعالات وجهها كصفحة كتاب عابرة لا تستغرق معه سوى دقيقتين.
طبع قبلة على جبينها، وهمس بحنان: إحكيلي، أنا سامعك.
رددت وابتسامتها لم تمحو بعد: مش قلقانه بس البيت من غير فريدة هانم ومايا شكله يقبض، بتمنى الصبح يطلع عشان أروحلهم على طول.

نبع عن بسمته صوتًا هادئ، ففتح باب جناحهما وولج يتحدث لها: اعتبري إنك قضيتي اليوم كله معاهم هنا في القصر، ودلوقتي معاد النوم.
ازدادت تعلقًا به وهي تغلق عينيها بنعاسٍ: هتنام ولا هتطلع لضرتي؟
مال يضعها على الفراش مسبلًا بذهول: ضرتك!
رفعت رأسها إليه تؤكد له بحاجبي معقود: مكتبتك يا دكتور!
تحررت ضحكاته من جديد، وقال وهو ينزع حجابها وحذائها برفقٍ: لا مفيش ضرة هتشاركك فيا النهاردة يا فطيمة إطمني.

قالها وتمدد جوارها بابتسامته الجذابة، فمالت تغفو على صدره، وقد كان أكثر من مرحبًا بها، وابتسامته رفضت الابتعاد عنه كلما تذكر كلماتها وانعكاس وجهها الجميل حينما تلفظت بلفظ ضرتي!
عاد يدق الجرس للمرة الثالثة، بينما يسند صينية الطعام بذراع واحد، فتمتم بسخطٍ: هما راحوا فين! يكنوش خلصوا على بعض!

وأضاف بعدما عاد لدق الباب بيده: طيب أعمل أيه دلوقتي، أرجع بصينية الأكل للشيخ مهران وأقوله جوز الزغاليل بيأيلوا بدري، ولا أتصل بحضرة الظابط يجي يقتحم الشقة عليهم!
كاد بأن يعود بما يحمله، ولكنه توقف حينما فتح آيوب الباب وهو يتثاءب بنومٍ: خير يا إيثان، فايتك مقلب وحابب تجربه فينا تاني على أخر اليوم!

ضحك وهو يراقب ملامحه، شعره المشعث وملابسه الغير مهندمة وكأنه كان بمعركة مصيرية، رفع الصينية إليه وقال ضاحكًا: مستغناش عنك يا بوب، ده الشيخ مهران حالف ما تنام أنت ولا مراتك من غير أكل، وأيه باعتني مخصوص أجبلكم كفتة وسجق، متوصي بيك وبزيادة، وأنا عملت حسابي معاكم عشان أفتح نفسكم بس.

أحاطه بنظرة مشككة، فاتسعت بسمته الخبيثة، زفر آيوب ومال عن الباب بتذمرٍ، ولج إيثان للداخل يراقب سيف الذي جلس على الأريكة يطالعه بصمتٍ، فاشار لآيوب بأن يحضر الطاولة الأرضية، وضعها أرضًا وجلس ثلاثتهم من حولها، ثم بدأوا بتناول الطعام، وما أن انتهوا حتى نهض إيثان يمسح يديه ويتجه للخروج: هطلع أعمل الشاي عندنا وجاي.
أشار له سيف: مفيش داعي، خلاص كده تمام أوي الحمدلله.

شدد بحزمٍ غير قابل للنقاش: والله ما يحصل ده إنت ضيفنا يا دكتور، هيفوتك نص عمرك لو مجربتش الشاي بالنعناع اللي بعمله، دقايق وراجع.
غادر من أمامهما ومازال سيف يراقب محله الفارف بفمٍ مفتوح ببلاهةٍ، تناول آيوب قطعة الخبز بنهمٍ وردد ضاحكًا: متستغربش، هو إيثان كده يضايق في خلق الله كلهم ولما يكونوا عنده لازم يأخدوا واجب الضيافة كامل.

استدار تجاهه يخبره: مش مستغرب اللي بيعمله، المعروف عننا كمصريين الكرم وخدمة الغريب قبل القريب، أنا بس مستغرب إنه بيحلف بالله، هو مش مسيحي!
تعالت ضحكات آيوب ورد عليه: ولما بيلمح أي خناقة في الحارة تسمع منه أحلى جملة صلي على النبي يا جدعان، هو متطبع على طباعنا ده عشرة عمر يا سيف.

اتسعت بسمته استمتاعًا بحديثه، حتى عاد إيثان يحمل صينية كبيرة تحوي أكواب الشاي وأطباق التسالي والحلوى، وبيده الأخرى كان يحمل سماعة ضخمة، جعلت آيوب يترك الطعام ويهرع له في صدمةٍ: أيه ده!
اجابه بسعادة مضحكة: السماعات بتاعتي، عارف ان الشيخ مهران عاملك صوان عزا مش فرح، فعندي نية بعد الحنة نيجي نهيص هنا أنا وانت والخواجة والشباب كلهم، وأهو لا الشيخ مهران هيكون موجود ولا هيكون في بنات يعني كله في السليم.

تحمس سيف لما قاله، بينما تمتم آيوب بقلق: إعقل يا إيثان، الشيخ مهران لو شم خبر هيبلغ عننا واحد واحد، وبدل ما أدخل دنيا هتزف لأبو زعبل!
انحنى تجاه السماعات يصلها بهاتفه وهو يشير له بعدم مبالاة: أنت هنا بأمان يالا، متخفش طول ما أنت في بيتي.
وتابع وهو يجذب هاتفه بضحكة خبيثة أثارت حافظة سيف وآيوب: ودلوقتي اسمع الاغنية دي هتقع من الضحك.

قالها وهو يحرر اصوات لشباب يغنون بشكلٍ شعبي، فتمايل إيثان وهو يردد بمرحٍ
«إسمع مني هقول أيه هتسمع زرط السنين،
وأنا طالع ع المواسير، شوفت الفيل وحمار بيطير
أبويا عور الانجليز، وهو راكب على المعايز
دا أنا أعوم في البحر ولا اتبلش، كلامي صح ومش ألش
دا أنا وأنا ساكت بتلكم، والناس مني بتتعلم
انا في البرد بعوم في النيل، لابس نضارة بالليل
أنا شعري سرحتو برجلي، وكونت برقص وانا بجري.

أبويا حارب الهكسوس، وهو راكب على النموس
أبويا راقص ماردونا، في حته قد البلكونة
طب انا كداب لا لا، طب أنا فشار لا لا وضحكت عليكو! »
سقط سيف من شدة الضحك، بينما يتابع إيثان وهو يثني يديه بحركات شعبية أبهرت كلاهما: «أنا شوفت النملة شايلة الفيل، والعربية كانت بتطير
شوفت نموسة شايلة جموسة، وعدت بيها من تحت الباب.

شوفت القطة جالها زغطة وراحت أوم شربت عناب، لابس ع البدلة كاب، وفي رجلي لابس أوباب، والأسد مسكوا في أيدي والكل عاملي حساب، وعزمت أنا عندي الفأر، قولت له من الجبنة إختار
وعملت البذر عصير، وعزمت عليه العصافير
طب أنا كداب؟
قطع سيف ضحكته وقال وهو يهز جسده بفوضوية: لا لا
عاد إيثان يردد: طب أنا فشار؟
رد سيف وقد أحمر وجهه من شدة الضحك: لا لا
صاح إيثان: وضحكت عليكواا
عندي جزيرة في لبنان، طولها لحد اليابان.

عامل جوه أوضة نومي مول ومصانع للدخان،
بمشي لوحدي في الغابة، بفطر خرتيت وديابة
عامل أنا كورة بهدومي حاشي مخدتي بسحابه.
بجري وف أيدي سجارة، وفي بيتنا راكب طيارة
دكتور عزمني في فرحوا كان عامله تحت العمارة
راضع شاي العروسة، فطموني بكيلو بسبوسة
مولود أكبر من جدي، وزرافة في بيتي محبوسة!
طب انا كداب؟
صعد سيف فوق الاريكة، وأخذ يتمايل هاتفًا: لا لا
صعد إيثان على الاريكة المقابلة له وصرخ: طب أنا فشار.

سيف يدندن: لا لا
ضحك إيثان وهتف: «وضحكت عليكوا
وأطلع شبرا بطيارة، وأروح لندن بحمارة
ولابس في رجلي ساعة، ومصاحب الولاعة
وبروح عند النجار، إحلق شعري بمنشار
أنفخ بلونة برجلي، لالعب كوتشينة بودني
ومربي في بيتي تنين، شربه المخصوص بتدين
وفي مرة ماشي وبتمشى على السحابة ريح أتعشا
فجاة لاقيت صاحبي بيناديني، غابة واقفة بتلاغيني، باكل بلاستيك بالفطيس، بلعب جيم في أتوبيس يبقى أنا كداب؟

صاح سيف وهو يصفق ويتمايل: لا لا.
راقبهما آيوب بصدمة من افعالهما الصبيانية، وصرخ فيهما بغضبٍ: إنزل يا تافه منك له.
وسحب الوسادة يلقيها بوجه إيثان مشيرًا على باب المنزل: غور على بيتكم يا فشار!
خرج إيثان وهو يطوقه بنظرة مستهزأة، وعاد يطل من الباب فجأة يتطلع تجاه سيف ويصيح وهو يحرك رأسه يسارًا ويمينًا: يبقى أنا فشار؟
رد سيف ضاحكًا: لا آيوب اللي فشار مش إنت يا إيثو!

منحه قبلة في الهواء وغادر، فصفق آيوب الباب بعنفٍ واستدار يقابل رفيقه بنظراتٍ نارية، محتجًا بحديثه: من أمته وصلة المحن والمحبة دي يا حقنة؟
ضحك بملء ما فيه، وقال بسخريةٍ: سبحان مقلوب القلوب يا أخي!

تخفى الليل بظلامه القابض، وأشرقت الشمس بضيائها الذهبي، لتعلن عن اشراقة صباح يومًا جديدًا، حيث أُضاءت امتلأ منزل الشيخ مهران بالضيافة، وعلى رأسهم مصطفى الذي حضر برفقة آدهم و شمس التي لازمت سدن و خديجة منذ الصباح.
عادت فريدة إلى القصر بسيارة أحمد، واهتمت مايا بحمل الصغيرة بسيارة عُمران، بعد أن صرح لها يوسف بالخروج بعد فحصها.

وبالمساء كان منزل الشيخ مهران وجهة اجتماع الجميع، حيث خصص لرجال خيمة فخمة أسفل المنزل، وللنساء أعد لهم مجلس داخلي بشقة الشيخ مهران، حيث كانت تجلس سدن بالردهة الواسعة لباحة المنزل، ترتدي فستانًا وردي اللون، من الستان، ويعلوه خمار فضفاض يخفي منتصف جسدها العلوي، وأعلاه تزينت بتاج من الورود البيضاء، وقد برعت شمس بصنع زينة بسيطة لها.
بينما بالأسفل.

كان آيوب محاط بالشباب، الحفل كان بسيطًا متواضعًا، لا يسمع لصوت شيء سوى التهاني والمباركات، وجبات الطعام توزع من قبل إيثان و يُونس ويشاركهما سيف الذي تحمل المسؤولية وكأنه يزف أخيه اليوم، ومن خلفهم تعاون آدهم و عُمران بتوزيع العصائر والمشروبات على الشباب والجميع، ثم انضموا للجلسة من جديد، ومازال إيثان يغمز لهم بخطتهم بالاحتفال بالاعلى بعيدًا عن تلك الاجواء التي يراها مملة!

تسللت الفتيات لاعلى سطح منزل الشيخ مهران، حتى يراقبن الشباب، ظنًا من أنهم سيقدمون عرضًا راقصًا مثلما إعتدوا بحفل زفاف شمس، فلقد أدوا رقصة خرجت بشكلٍ أبهر الجميع وباتت معلقة بالأذهان وقتها.
كسى الوجوم الوجوه، وإذا شمس تنطق بضجرٍ: مفيش رقص ولا حتى أي music!
ردت عليها صبا بمللٍ: طلعنا على الفاضي.
قالت ليلى مبتسمة: بالعكس الجو هنا رائع، خلونا نقعد هنا شوية.

جمعت خديجة وكريستينا خطيبة إيثان، الكثير من المقاعد الخشبية، ووضعوها بالغرفة التي يعلوها برج الحمام الخاص بإيثان، وجلسوا في حلقة دائرية حول سدن، التي تلتقط عدد من الصور برفقة شمس ومايا.
قطعت زينب الاجواء قائلة بانزعاجٍ: بقولكم أيه ما تيجوا نشغل الموبايل على مهرجان كده ونهز شوية بعد أكلة المحاشي اللي قومنا بيها تحت دي.

سقطت الفتيات ضحكًا، بينما لكزتها فاطمة بغضب: اش نشطحو انتي حماقيتي، ولا هبطتي من دارك هازة معاكي كل حاجة الا عقلك نستيه تماك!
(نهز أيه انتي اتجننتي، ولا نزلتي من بيتك شايلة كل حاجه معاكي الا عقلك! ).

أجابتها زينب وقد أثارت لهجتهم انتباه واهتمام الفتيات: انا اشنو درت لهادشي كله، انا لقيت الدنيا مملة قولت نبلبلو الاجواء، انتي عارفة لو كانت هاد الحنة عندنا كن راه احنا دابا جالسين كنقشو الحنة ماشي جالسين كنتشاوفو في بعضياتنا
(أنا عملت ايه لكل ده، الدنيا مملة فبحاول أفك الأجواء، عارفة الحنة دي لو عندنا كان زمانا زايطين في رسم الحنة المغربي، مش قاعدين نتأمل في سحنة بعض! ).

قطعت مايا صدمتها المشتركة مع الفتيات وقالت: حنة مغربية الحمد لله فهمت جملة!
اعتدلت سدن بجلستها وتساءلت ببراءة: يعني أيه حن مغاربي!
ردت عليها شمس مبتسمة: دي حنة يا سدن بتترسم على الجسم زي التاتو أو الوشم كده.
اتسعت ابتسامتها ونطقت بحماس: مش حرام سدن تحطه؟
أجابتها صبا بهدوء: لا طبعًا مش حرام، دي حنة متقلقيش منها.
رفعت يديها لزينب وقالت بلهفة: أنا عاوز يعمل من ده زينب.

شملتها بنظرة مشاكسة وقالت: العروسة عايزة تدلع العريس.
لكزتها فاطمة وهي تمنحها نظرة محذرة، قائلة: هتكسفي البنت!
قالت مايا مبتسمة بمحبة لها: هنخليها تعملك أحلى تاتو يا سدن متقلقيش زينب شاطرة ولهلوبه، هتعملك وهتعملي صح يا زوزو.
كادت أن تجيبها، فقالت شمس: وانا يا زينب نفسي أجرب الحنة المغربي بليز.
ورددت صبا بحياء: وأنا كمان لو مش هتعبك يا دكتورة.

صاحت ليلى هي الاخرى: بت يا زينب لو عملتي ليهم من غيري انا وخديجة وكرستين هنقيم عليكي الحد.
هتفت كرستين بحماس هي الاخرى وهي تسلط الهاتف لهم: بصوا لما بحثت عنها على الانترنت طلعلي أيه، الاشكال خرافية، بس يا ترى زينب هتقدر تنفذ الاشكال دي؟
شمرت زينب كم فستانها الفضفاض وقالت في سرور: هقدر ونص يا كوكي، مهو أنا معايا عامل هيساعدني في النقاشة دي، بس العامل ده هيتكاسل عن مساعدة الصنايعي.

قالتها واتجهت ببصرها لشقيقتها، فرددت فاطمة بخجل: هي اللي خبرة فيها أنا على بسيط كده، بس عشان عيونكم مفيش مانع أحاول!
تحمست الفتيات للفكرة، فأتاتهم زينب تخبرهن: بس في مشكلة تانية، لازم أنزل بنفسي اشتري الحاجات اللي هنحتاجها، ومش هنعرف نعمل الكلام ده الا بعد ما الحنة تخلص والمعازيم تمشي، عشان اعرف أرسم للعروسة على جسمها، عايزة أظبطها وأظبطكم.

حل الصمت بينهن مجددًا، بالفعل لن يتمكنوا من خلع ثيابهم وحجابهم بوجود أحد بالمنزل، فقطعت خديجة الصمت قائلة: بسيطة بعد الحنة ما تخلص نطلع عندي في الشقة ونعمل اللي عايزينه.
ردت فاطمة بعقلانية: هو كده احسن بس بردو هنتاخر جدًا والحنة بتأخد وقت عما تنشف أصلًا.
قالت سدن بابتسامتها الساحرة: قضوا اليوم مع سدن وخديجا، أنا مش عندي family تشارك معايا في فرح سدن، هكون سعيد إن انت كلها يقعدوا معايا.

قالت صبا: كلنا إخواتك يا روح قلبي، متقوليش كده تاني.
نطقت مايا بعد تفكير: بصي أنا أخر السهرة هكلم عُمران وأستأذنه أفضل معاكي لبكره، وانتوا كمان اعملوا كده، أعتقد محدش هيرفض فيهم.
هزت ليلى رأسها وقالت: خلاص اتفقنا، هبعت ليوسف وهقوله.
ردت شمس بغرور مرح: آدهم كده كده هيوافق.
اضافت زينب: كده كده سيف بايت مع آيوب فمش هيقول حاجه.

واتجهوا بأبصارهن لكرستين التي قالت: إيثان بردو هيوافق، بيت الشيخ مهران أكتر مكان بيثق عليا فيه.
اتجهت الاعين لصبا، فقالت: هكلم ماما أشرقت الاول استأذنها لان عُمران معاها فمش عارفة هيسكت معاها ولا لا.
ردت مايا برقة: أكيد مش هيسكت يا صبا، خلي البشمهندس جمال يجبهولك عادي، المهم انه هو بس يوافق.
قالت خديجة: أوضة فارس مليانه ألعاب هيلعب معاه وهيتسلوا مع بعض.

ابتسمت فاطمة وقالت: حليتوا كل المشاكل بسرعة البرق!
وكأن جملة البرق تلفظت لتضرب السماء التي أصابها الرعد، فأصابها ببريق لامعًا، بينما تنهمر المياه بغزارةٍ على الأسطح، ومن بينهم سطح منزل الشيخ مهران، فتحوا باب الغرفة. وكانت خديجة أول من طلت من الداخل، تردد باستغراب: الجو مكنش مغمي يعني!
وقفت صبا جوارها تراقب الامطار الغزيرة هاتفة بدهشةٍ: سبحان الله النهاردة الجو كان جميل ومش برد!

زمت سدن شفتيها بحزنٍ: ليه تمطر في حنة بتاعي!
وأضافت: شكل ليلة بتاعي باظ!
ضحكت شمس وهتفت بمرحٍ: بالعكس دي شكلها هتحلو.
لكزتها مايا بتحذير: بدل ما تعقلي سلفتك هتتجني ولا أيه؟
ضحكت زينب وقالت بمشاكسة: وماله لما نتجن، على الاقل احنا على السطوح، هنقول مثلا ملحقناش نجري، وكده كده إحنا بايتين هنا!
صاحت فاطمة بغضب: بس يا زينب بطلي هبل!

هتفت ليلى بضجر: يوووه هو انتوا لسه هتتخانقوا، أنا عن نفسي حابة أخوض التجربة وأحكم بنفسي.
قالتلها وهي تخرج للمساحة المكشوفة، فغمرتها المياه من فوقها، رفرفت بيديها وأشارت لهن: هيفوتكوا نص عمركم عندكم بجد.
كانت شمس أول من لحق بها، ولحقت بها زينب وخديجة، وركضت سدن وكرستين إليهن، وما كان على صبا ومايا الا أن تتبعهن بينما بقيت فاطمة تراقبهن بصدمة تعلو ملامحها.

تعالت ضحكاتهن باستمتاع، فتشابكت كلا منهم بيد الاخرى وأخذت تدور بها بحلقات دائرية بينما تتفاوت حبات المطر بقوتها، وما ان ارهقهم الدوار جلسوا أرضًا على الرخام يعبثون بالمياه، فرددت مايا بمزح: زمان خيمة الرجالة غرقت تحت.
لكزت خديجة سدن بمشاكسة: العروسة قدمها وش خير، دي ممطرتش كده طول الشتا!
اقترحت صبا عليهن: ما تيجوا نقوم من على الارض ونقعد على الكنبة دي أحسن.

مررت شمس يدها على ذراعها، وقالت: فكرتكم لطيفة وحلوة بس أنا بردانه!
تسلل لمسمعهم جميعًا صوت سحاب يفتح، استدرن للخلف لتتفاجئ كلا منهن بزوجها من خلفها يحاوطها بجاكيته الجلدي، بينما من خلفهما يقف على جوار زوجته قائلًا بخبث: حبيبي العاقل آنت!
توزع اعينهن بين بعضهن والأيدي الممدودة لسحبهم برعبٍ سرى إليهن حينما قال عُمران بسخرية: لا وإحنا اللي طالعين جري نأمن طريق نزولهم
لتحت، طلعوا قالبنها رأس البر!

ردت عليه سدن وقد تركت آيوب يحاوطها بجاكيت بذلته: كله كويس مش تخافي علينا!
جحظت عيني آيوب صدمة، بينما كبت باقي الشباب ضحكاتهم بصعوبة لم تمتلكها الفتيات وتعالى عنهن صوت ضحكاتهن على ما تفوهت به بحق الطاووس الوقح، الذي مال لآيوب يهمس له من بين اصطكاك اسنانه: متخلهاش تكلمني عربي تاني بدل ما أندمها على اليوم اللي رجلها خطت فيه مصر، سامعني يابن الشيخ مهران؟

ابتلع آيوب ريقه بذعرٍ مضحك، ومال يجذب آدهم يدفعه صوب عُمران الغاضب وهو يخبره: قوله إني جاهز أطلق وفوري.
لكمته سدن بصدمة: تطلقي مين آيوب، أنتي عاوز تبعدي عن سدن عشان المتوحش دي!
جذب الجاكت عن كتفها ووضعه فوق راسها هادرًا: إقفلي بوقك الله يرضي عليكي، عاوز أخش بيكي دنيا، وإنتي ناوية تخرجيني من على العتبة بدري بدري!

امتزج الضحك بينهم، وقد هبط الشباب للاسفل، تاركين لهم المساحة للهبوط لشقة خديجة، بعدما أخبرت كلًا منهن زوجها برغبتها بقضاء اليوم برفقة سدن، لحاجتها لوجود العائلة والصديقات التي حرمت من وجودهم حولها.

ولجت الفتيات لشقة خديجة وغادر الشباب لشقة عُمران، باستثناء آيوب الذي عاون مصطفى على الصعود برفقة الشبخ مهران الذي أصر أن يبيت في منزله رفقته بهذا اليوم، فانحنى يقبل يده حينما أدخله لغرفة أبيه، مرر مصطفى يده على خصلاته بحب وفرحته تفسرها دموع عينيه، وصوته القاتم: مبروك يا آيوب، ربنا يكرمك بالذرية الصالحة يا حبيبي.

منحه ابتسامة تشكل فيها حبه الخالص له، بعدما تمكن مصطفى بالفترة الاخيرة من التقرب منه، ومع حفاظه على وعده الذي قطعه له زاد من حب واحترام آيوب له، فلقد كان يحترم أن المكانة الاولى، تخص الحاجة رقية والشيخ مهران، ولم يضع ذاته يومًا بمواجهة معه، بل كان يضع ذاته بعدهما، وقد تقرب بذلك إليه.

قبل كفيه ويعلو مقبلًا جبينه: الله يبارك فيك يا حبيبي، متتصورش أنا سعيد بوجودك هنا أوي، وكان نفسي أبات معاك، بس للاسف إيثان محضر لحفلة شبابي وواخدني حجز لبكره الصبح.
ضحك حتى أحمر وجهه، وقال بحنان: لا يا حبيبي روح وانبسط معاهم، ده الليلة ليلتك يا عريس.
وأضاف بحكمة: أنا والشيخ مهران بنعرف نندمج مع بعض، يلا روح لاصحابك بقى وفارقنا خليني اعرف أفضفض مع الشيخ شوية.

تعالت ضحكاته الجاذبة، ونهض يرفع يديه بمرح: أنا خالع أهو، هسيبكم في مجلسكم الهادي ده.
وأتجه ليخرج من الشقة، فوجد أبيه يطالعه بابتسامة فخر وسعادة، وبدون مقدمات اختطفه بين ذراعيه بحنانٍ: مبروك يا عريس.
مال يقبل يكفه ورأسه بامتنانٍ وحب: الله يبارك فيك يا بابا، ولا زي ما بتحبني أقولك يا عم الشيخ.
هز رأسه وقال ببشاشة: اللي تحب تناديني بيه ناديني، النهاردة يوم دلعك يا حبة قلبي.

صاح باطراء مستمتعًا: الله الله أخدنا الدلع والمزاج العالي من الحاجة رقية، دي هتعمل مني صوابع كفتة برز، دي نايمة جوه بالمطبخ بتجهزها من ساعة ما المعازيم مشوا.
تحررت ضحكاته ومال يهمس له بمزح: هبعتلك طبق محمر مع فارس لما تنام.
جحظت عينيه في صدمة مضحكة: هتسرق عشاني يا شيخ مهران؟
شاركه الضحك وقال بمزحٍ: سرقة الزوجة للزوج حلال والعكس صحيح، مدام لصالح إرضاء الابناء، وإنت ابني الوحيد.

عاد يقبل كلتا يديه ورأسه، فمسح على رأسه وقال: يلا روح لاصحابك ميصحش تسيب ضيوفك كده.
أومأ له بخفة وغادر إلى شقة عُمران، وما أن فتح بابها حتى تسمر محله صدمة ودهشته تزداد أضعافًا مما يراه، بينما يردد لسانه بعجزٍ لما يستمع إليه من تلوثٍ كاد أن يصيبه بالاغماء: أسيح الزبدة! إيثان يا حقي...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة