رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الأول
بخطوات بها من القوة والشموخ دلفت للداخل، طرقت على الأرض السيراميكية بكعب حذائها الرفيع، بقوامها الممشوق وعيناها البُنية التي تُحدج كل من حولها بنظرات ثاقبة، رافعة رأسها بعنهجية، دلفت إلى باحة المحكمة لتقف بتكبر، ناظرة في الأرجاء حولها، لتقف عيناها بتحدي على عدو موكلها الغير برئ بالمرة، وجدته يُطالعها بنظرات كره وتحذير بحت، خطّى عدة خطوات نحوها، ليقف أمامها مباشرة، فرفع سبابته مردفًا إليها بتحذير وقوة: لأخر مرة بحذرك، ابعدي عن القضية دي انتِ مش قدي.
لوت شفتيها بإستنكار، وهي تحدق في هيئته التي تدل على ثرائه الفاحش، ولكنه ثراء بأموال غير مشروعة، أموال أتت نتيجة أعمال نهب وسرقة وجرائم قتل لا عدد لها، لتتشدق بعدها بإستهجان وهي تضع يدها على طرف حجابها السماوي تستمد منه القوة: وأنا سبق وقولتلك يا سليم بيه، القضية دي بتاعتي من ساعة ما موكلي طلب مساعدتي فيها، ولحد ما أكشف أعمالكوا القذرة.
التوى ثغره بسخط، وبدأت بذرة الحقد تنبت في قلبه تجاهها، ليهتف بتهديد واضح وصريح، قبل أن يذهب من أمامها بخطوات غاضبة: خليكِ فاكرة انتِ اللي بدأتي يا غزل أبو زيد.
لم يقل ثباتها، بل زاد أكثر عن ما كان به من قبل، لتعترف بقرارة نفسها أن تلك القضية لن تكون باليسيرة كسابقيها، وضعت يدها على روبها الأسود الخاص بعملها، ثم حتمت رأيها بالإكمال والتوجه إلى قاعة المحكمة العُليا، لكشف الأوراق المخفية،!
استكملت غزل خطواتها نحو الداخل، لتقف على باب القاعة، توزع نظراتها على المكان، حتى توقفت حدقتاها على مكانها الفارغ، اتجهت نحوه بخُطى رتيبة، جالسة عليه بهدوء، ثم بدأت بترتيب أوراقها وملفات براءة موكِلها، تذكرت الحديث الدائر منذ عدة دقائق، لتتمتم بتوعد: كنت فاكرة إن اللي بسمعه عنك كلام مُبالغ فيه، لكن باللي عرفته طلعت متساويش حاجة من المبالغة دي، ونهايتك هتتكتب على إيدي.
شعرت بمن يجلس أمامها من الجهة الأخري، لترفع عيناها الُبنية تجاهه، فوجدته هو سليم المنشاوي، أقذر رجل أعمال في مصر، لديه العديد من العلاقات الهابطة التي تُخفي سوء أعماله، لم تُبالي بنظراته المُحذرة، بل ابعدت نظراتها عنه بلامبالاة مما أشعل فتيل الغضب بقلبه أكثر.
وبلمسة أخير من يدها، وضعت كفها على جيب جاكيتها من الخارج، للتأكد من وجود دليل البراءة بداخله، تذكرت عندما أتت لها جارتها تتوسلها ببكاء حارق للتدخل في إخراج ابنها من التهمة الُملفقة إليه بقتل زميلٍ له.
Flash Back:
كانت تجلس وسط عائلتها في جوٍ من المرح، خاصة بوجود شقيقتها التي تصغرها بعامين، والتي تختلف عنها في جميع الصفات، استمعوا إلى جرس الباب، لتقوم والدتها فوزية بفتحه، وجدت جارتها أمامها بعدما سمحت لها والدتها بالدخول وعيناها منتفختان من البكاء، تسائلت فوزية بقلق عندما واصلت نشيجها المتقطع: مالك يا أم محمود إيه اللي حصل!
هبطت دموع الأخري بشدة وهي تذهب ناحية غزل التي كانت تتابع ما يحدث بجوار شقيقتها ميران، لتردف أم محمود بتوسل ممزوج بالبكاء: أبوس إيدك يا ست المحامية ساعديني.
سحبت غزل يدها بسرعة شديدة عندما كادت الأخرى أن تُقبِلُها، لتتشدق بفزع من هيئتها: قوليلي بس ايه اللي حصل يا أم محمود وأنا مش هتأخر لو بإيدي والله.
اجابتها بنشيج وهي تزيل دموعها بأسي: ابني. حبسوا ابني يا بنتي، متهمينه بتهمة غسيل أموال. وتجارة غير مشروعة في الشركة الكبيرة اللي شغال فيها، وهو على نياته واللهِ ملوش في العوق وماشي جنب الحيط دايمًا.
واستها فوزية وهي تربت على زراعها، تنظر لها بشفقة، فطالما كانت جارتهم خير عونٍ لهم هي وابنها محمود، لم يروا منهم سوا الخير طوال حياتهم، لذلك أردفت بود حقيقي: متقلقيش يا أم محمود، هيطلع منها بإذن، و غزل هتعمل كل اللي في إيديها عشان تساعده يخرج، صح يا غزل!
وجهت حديثها الآخير لها، لتومأ لها غزل بتأكيد وهي تردد: انا هروح ليه يا أم محمود وهفهم منه اللي حصل كله، وإن شاء الله خير.
أتت ميران ممسكة بيدها كوب من المياه الباردة، أعطتها للأخرى علها تهدأ من وصلة بُكائها، فارتشفت منها القليل، مردفة بإمتنان حقيقي: شكرًا أوي يا بنتي، ربنا يقدرني وأرد اللي بتعمليه معايا دا.
ابتسمت لها غزل بود، لتردف بمزاح: هاجي آكل من إيدك الحلوة دي بامية باللحمة زي ما بتعمليها.
عيوني يا حبيبتي والله، بس سايئ عليكِ النبي خرجي ابني، دا الحيلة اللي ليا.
اجابتها بهدوء لطمئنتها: حاضر والله، من النجمة هكون عنده، واعتبري يا ستي القضية دي عندي.
ذهبت أم محمود وهي تمطرها بسيلٍ من الدعوات المحببة لقلبها، داعية لها بالستر والصحة والرزق والزوج الصالح، وكل ما تذكرت حينها، أغلقت الباب لتجد والدتها تقول بقلق: هتعرفي تمسكِ القضية دي يا غزل!
رفعت حاجبها بإستنكار مردفة بغرور مصطنع: انتِ بتشكي في قدراتي يا ست فوزية ولا إيه!
لوت فوزية شفتيها يمينًا ويسارًا بسخط، تزامنًا مع حركات يدها وهي تقول: إيش حال ما كنتِ شايلة مادة القانون يا بنت بطني.
تحطم غرور غزل الزائف لتقول بحرج وهي تنظر لأبيها الذي يضحك بشدة: ما كان الدكتور مستقصدني يا ماما، الله!
قهقه والدها إبراهيم وهو يقول بضحك موجهًا حديثه لزوجته الحبيبة: خلاص سيبي البت في حالها يا فوزية واعملي لينا كوبيتين شاي من إيدك الحلوين دول، وتعالي يا غزل ورايا عايزك.
لوت فوزية شفتيها بسخط، لتقول بحنق موجهة حديثها لزوجها: الله الله، بتخبي عليا يا سي إبراهيم!
غمزها إبراهيم بمشاكسة، ليقول بوقاحة: اخلص بس مع البت دي واجيلك انت يا جميل.
خجلت فوزية من مغازلته وذهبت مُسرعة للمطبخ لصنع كوبين من الشاي كما أمرها زوجها، بينما تشنج وجه غزل بإستنكار وهي تردد: إيه شغل المراهقة المتأخرة دي!
سبقها والدها إلى غرفته وهي تتبعه، لتغلق الباب خلفها كما أمرها ثم ذهبت لتجلس أمامه على الكرسي المقابل له وهي تقول بقلق: خير يا بابا في حاجة!
بدأ أبراهيم حديثه بهدوء وهو ينظر لها بجدية: بصي يا غزل، لو القضية دي فيها خطر عليكِ أو على حياتك يبقي ما بلاش منها يا بنتي، انتِ أهم عندي من مليون قضية ومش مستعد أخسرك مهما حصل.
قطبت جبينها بتعجب من حديثه، فلطالما كان والدها هو خير مشجع لها لمساعدة الآخرين، ولكن حديثه الآن يُخالف سابقه، لتردف له بحيرة: ليه بتقول كدا يا بابا، انت معودني دايمًا إني أساعد الكل، ليه دلوقتي بترجع في كلامك!
نفي حديثها برأسه وهو يُجيبها بخوف صادق: القضية دي مش زي أي قضية تانية، الناس دي ناس مش سهلة لو وقعتي في سكتهم مش هيرحموكِ، دول حيتان.
تفهمت غزل خوف أبيها الصادق عليها، لذلك اقتربت منه بتروي لتقول بحنان: متقلقش عليا يا بابا، القضية دي هتكون زيها زي غيرها.
ياريت تكون كدا فعلًا يا بنتي.
ابتسمت بود له ليبادلها هو الآخر، فأردفت بمشاكسة لإخراجه من قلقه: هروح أنام بقا بدل ما ست فوزية تيجي تطردني.
ضحك بخفة على حديثها حتى اختفت من أمامه، ليرفع عيناه للسماء المُطلة على شرفة غرفته، قائلًا بدعاء: ربنا يحميكِ يا بنتي ويبعد عنك كل شر يا رب.
اتجهت غزل إلى غرفتها المشتركة بينها وبين شقيقتها ميران، لتدلف للداخل مُستمعة إلى صوت بكاء مكتوم يأتي من شرفتها، اتجهت بجزع إلى مصدر الصوت، لتجد شقيقتها تبكي بخفوت ولكن رغمًا عنها كانت شهقاتها تعلو من حولها، اتجهت غزل إلى أختها مردفة بقلق: ميران مالك يا حبيبتي!
رفعت ميران عيناها المملوءة بالدموع إليها لتقول برجاء وهي تمسك كفها: محمود يا غزل، حبسوه يا غزل وهو ملهوش ذنب.
احتضنتها غزل وهي تزفر بشدة وبدأ القلق يتقاظم في قلبها، هي أكثر من تعلم بعشق شقيقتها ل محمود، لذلك تسرب الخوف إليها من عدم الوصول لبرائته، لكنها أردفت بهدوء وثقة لطمئنة أختها: متقلقيش يا حبيبتي، أنا هفضل ورا القصية دي لحد ما أثبت دليل برائته.
رفعت الأخري رأسها بسرعة قائلة بلهفة: بجد يا غزل!
ابتسمت لها وهي تؤكد لها حديثها: بجد يا قلبي، يلا بقا قومي نامي علشان ترتاحي.
BACK.
عادت إلى أرض الواقع عندما استمعت لصوت تابع القاضي وهو يقول بعملية: محكمة.
وقف الحاضرون بإحترام، ليجلس القاضي بتروي ثم جلسوا خلفه قبل أن يقول: ف ليتفضل الشهود.
وقف الخصم ليبدأ في تلفيق الأكاذيب ببراعة لذلك البرئ الذي يستمع له بزهول، فلطالما كان يعمل بِجد واجتهاد مُراعيًا ربه في عمله، لم يخطر على باله بأن يُسجن هكذا، وبأي تهمة! القتل، عن أي قتلٍ تتحدثون! هو بحياته لم يُفكر مجرد التفكير في أذية أي شخص، وها هو الآن مُتهم بالقتل! ويا ليت القضية تقف على ذلك، بل يتهموه أيضًا بغسيل الأموال! نكس رأسه للأسفل بخزى، لا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه، فتلك القضية مُحبكة بمهارة، ظل يستمع إلى خصمه وهو يُقدم أدلة مزيفة، لكن من يراها يُقسم بحقيقتها، أغمض عينه بيأس فمن الصعب أن يتم إخراجه إلا بمعجزة إلاهية، رفع رأسه للأعلى وبعض الدموع تتسلل إلى عيناه من الظلم، ثم أردف برجاء: يارب خليك جنبي.
ويد المظلوم لا تُردُ خائبة ابدًا، وكأن الخالق إستجاب لدعائه وفُتحت أبواب السماء لتُمطر ببزخ، أجواء شتوية بحتة يُصاحبها إرتفاع أصوات الرعد لتُفتح أبواب السماء مُنيرة بخطوط ملتوية غير مستقيمة بفعل البرق، ويرفع الخلق أيديهم لدعوة خالقهم بخشوعٍ صادق، ويستجيب لهم الله لصدق دعواتهم، فتبدأ غزل بالدفاع عن موكلها بكل ما تمتلكه من مهارة، مُقدِمة الأدلة والبراهين على برائته، وتتحدث بثقة لم تعهدها من قبل، وكأن الله بثَ فيها القوة لتُظهر برائة موكلها، أوراق تليها أوراق وحديث يُصدق أدلتها، لتختم جلستها بمقطع مصور من أحد الأماكن الشهيرة لحظة وجود محمود به أثناء وقع الجريمة المُلفقة إليه، تزامنًا مع تقديمها للأوراق التي تُثبت صحة حديثها من المعمل الجنائي، آتية بطبيب الطب الشرعي ليقول ما لديه من معلومات صحيحة.
انتهى دفاعها لتنظر لوجه سليم المنشاوي بشماتة وسخرية، بينما هو لم يكن يعلم بأنها بكل تلك البراعة، كل ما يعلمه عنها بأنها فتاة من الطبقة المتوسطة ليس لديها كل هذه الخبرة بعملها، أغاظه تلك النظرة الشامتة التي تحدجها به، جز على أسنانه بغضب جامح وهو يتوعد لها بأشد أنواع الويل، مال على مساعده يُملي عليه بعض التعليمات، لتتجه أعين مساعده إليها للتعرف عليها، شعرت بالريبة من نظراتهم لكنها أدعت الامبالاة الزائفة.
جاء النطق بالحكم لتضغط على أصابعها بقوة، والجميع يجلس على أعصابه، حتى نطق القاضي: بالنظر إلى الأدلة المُقدمة وشهادة الشهود، حكمت المحكمة حضوريًا، على المتهم محمود عبدالهادي نور الدين، بالبرائة.
صرخت غزل بفرحة عارمة وتعالت الزغاريط المهللة من أم محمود وهي تبكي فرحًا، بينما هبط محمود على الأرض ساجدًا لله ودموعه انهمرت بسعادة حقيقية.
يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
بعينين حادتين كالصقر كان يُركز على شاشة حاسوبه بالعمل، كانت أصابعه تضغط على الأزرار بمهارة وحرفية شديدة، التوت شفتيه بإبتسامة عابثة منتصرة قبل أن يضغط ضغطة أخيرة على زر النهاية، فتح عيناه على وسعهما فكادت أن تخرج من محجرها وهو يردف بنواح: يا نهارك اللي شبه وشك يا ريان، يا وقعتك المربربة يا منيل، إيه اللي أنا عملته دا!
ابتلع ريقه بتوجس وهو ينظر مرة أخري تجاه جهاز الحاسوب، متمتًا مع نفسه بصوت خافت: أجبها للمدير إزاي دلوقتي أنا! دا ممكن يروح فيها...
وقف محله ثم قال بجدية وقوة مصطنعة: انا هروح اقولهالوا خبط لزق كدا واللي يحصل يحصل.
استجمع ريان رباطة جأشه، فعدَّل من خصلاته البنية وهو ينظر للمرآة التي آتى بها خصيصًا إلى هنا؛ لمتابعة لياقته كما يقول، ثم هتف بمعاكسة بلهاء لذاته: والنبي قمر. بتاع مشاكل أه بس قمر. قمر.
انتهى من ترتيب ملابسه فخرج من مكتبه بخطوات رتيبة رغم فزعه، إلى أن وصل إلى مبتغاه، مكتب المدير طرق عدة طرقات فسمح الآخر له بالدخول، أخّرَ قدم وتقدم بالأخري فكان يمشي كالملسوع، رفع المدير صاحب الخمسون عامًا رأسه تجاهه، فوضع يده يرتب لحيته البيضاء وهو يقول بإستياء لرؤيته: ريان الطحاوي! يا ترى إيه المصيبة اللي عملتها المرادي!
ابتسم ريان ببلاهة ثم جلس أمامه على المقعد دون أن يأذن الأخير له، فأردف بتبجيل زائد عن الحد: شاكر بيه النويهي باشا، أنا طول عمري أقول عنك إنك في مقام أبويا الله يرحمه، دايمًا كان يحكيلي عنك وعن فضايحك اللي كانت تكسف، ما شاء الله كنت خلبوص صغير.
تهجم وجه شاكر أكثر عن ما كان به منذ قليل، ليتشدق بغضب وهو يضرب بكلتا يداه على مكتبه الزجاجي: اتنيل قول عملت إيه. يلعن أبو معرفتك يا شيخ.
ابتلع ريان ريقه بصعوبة مردفًا له بتذكير: فاكر خير اللهم اجعله خير زمان لما طلبت مننا نخترق شبكات شركات علشان ننجح ونتعين في الشركة!
ظهر السخط على وجه شاكر مردفًا بتهكم: وانت طبعًا فشلت، لولا أبوك الله يرحمه كان زماني رميك ولا إني أشوف وشك.
رمى الآخر حديثه المُهين ضاربًا إياه بعرض الحائط وهو يستطرد حديثه قائلًا: أهو بسبب نيتك الزفت دي، أنا حققتلك أمنيتك واخترقت نظام شركة كبيرة.
تأفف شاكر بضجر وهو يصيح بعصبية: طب يا سيدي شكرًا فيك الخير، إيه تاني!
تلعثم ريان من الحديث القادم فإستكمل وهو يقول بتلجلج: أصل. أصل الشركة دي طلعت بتدير أعمال مشبوهة، والله أكبر طلعت بتتعامل مع ما يا كبيرة، وعاملين نظام تتبع وعرفوا إني اخترقت نظامهم، وتقريبًا كدا هيجوا ويهدوا شركتك على دماغك ودماغنا كلنا.
رمى بحديثه دفعة واحدة ليتخلص من ذلك الثقل الجاثم فوق صدره، بينما الأخير فتح عيناه بصدمة، وشحب وجهه بفزع، شعر بآلام قلبه الشديدة، فوضع يده على قلبه وهو يكاد يشعر بالإختناق وروحه تكاد تُسحب من جسده.
فزع ريان من مظهره فذهب إليه مسرعًا فاتحًا ياقة قميصه وهو يتحدث بفزع: شاكر بيه! مالك! متحسسنيش إن أنا السبب،!
تنفس بصعوبة وهو يشير بيده تجاه البخاخ الخاص به، ولكن كان ريان كالأبله لا يفهم شئ، لذلك أنزل يده وهو يقول له بتهدأة ظنًا منه بأنه يُعاني: إهدى يا شاكر بيه وهتبقى كويس متلقلش.
جحظت عيناه وإحمرَ وجهه بشدة ومازال يُشير إلى بخاخته، وكأن غباء جميع أهل الأرض هبط على الآخر، ليفتح أزرار قميصه ويُدلك موضع قلبه ومازال يواسيه بكلماته: ما هو انت بردو اللي نيتك وحشة، يعني حد يحُط شرط زي دا للعملاء علشان يقبل يشتغلوا في الشركة! علشان كدا تلاقي ربنا مش مباركلك.
دفعه شاكر بقوة ليظن ريان بأنه مازال يغضب عليه، فإقترب منه مرة أخري يُقَبِل رأسه مردفًا بأسف: خلاص يا سيدي وأدي راسك أهي هبوسها، حقك عليا بقا.
تحدث شاكر بوهن وهو يشير لبخاخته للمرة التي لا يعلم عددها: هات البخاخة من على المكتب يا حيوان.
نظر ريان إلى حيث يُشير، ليذهب ويُمسك البخاخة بين يده متحدثًا بتعجب: دا إيه يا شاكر بيه!
ثواني وفتح عيناه بصدمة وهو يستكمل حديثه قائلًا بدهشة: منشطات! بتاخد منشطات يا شاكر بيه!
انتشلها منه الآخر سريعًا ليضعها في فمه ويضغط عليها بضعف حتى دخل سائلها إلى فمه، هدأ قليلًا ليضع يده على قلبه، فعاد تنفسه الطبيعي كما كان، لكن هذا الدوار الذي داهمه جعله يضع يده على رأسه بوهن، ليفقد وعيه في الحال،!
شهق ريان بقوة وهو يقول بخضة: يا مصيبتي دا مات!
مخالفة العالم لأحلامك يجعلك تسلك طريق غير الذي تريده، لربما تكون نهايته الهلاك، أو ربما تكون بداية لقصة جديدة مختلفة عن غيرها،!
جلست على المقعد في أحد المطاعم الشهيرة وهي تلوك العلكة في فمها، عدَّلت من خصلاتها الواقعة على عيناها لترجعهم للخلف، ثم بدأت بالتحدث للذي أمامها: الحالة بقت قحت خالص يا أحمد ومعيش جنيه، شوفلنا أي سبوبة نسترزق منها.
تنهد أحمد وهو يأكل بنهم من طبق البطاطس الذي أمامه، ليقول بداهية بعد أن ابتلع ما في جوفه: ودا اللي أنا جايبك عشانه يا وصال، مُدرِس ثانوي بيقبض في الشهر بألاف الألاف.
تنبهت وصال للحديث واعتدلت في جلستها، معطية إهتمامها الكامل له، لتردف بإهتمام له: لأ فكرة جامدة دي يا واد يا حمادة، بس دا هندخله من أي ناحية! هتبقي صعبة دي.
غمز لها مستطردًا حديثه بقوله: بالحنية كله بيلين، هندخله على أساس إن انتِ لوحدك وبتصرفي على أمك الغلبانة، فيشغلك مساعدة ليه والخازنة تبقى كلها في إيدك.
أردفت بإعجاب من حديثه المقنع: دماغ والله.
قاطع حديثهم صوت هاتفها الذي صدحت نغماته، لتجد إسم والدتها يُنير على شاشته، فأجابت بهدوء وهي تُريح ظهرها للخلف بأريحية: السلام عليكم يا ماما.
نظر لها أحمد بسخرية، ليضحك بخفوت عليها، فتلك التي أمامه ورغم رقتها، إلا أنها أكبر مُحتالة قابلها حتى الآن، جعلت من جمالها سلعة لتلك الأعمال ليقع تحت يدها أعتى الرجال، تسلبهم كما سلبته من قبل، تلك المرة الأولي التي رأى بها عيناها الزيتونية لتسلبه هو الآخر، قابلها في عمله بإحدي الشركات الكبرى، كاد أن يخبرها بإعجابه بها، إلا وصُدم منها عندما علم بإنها مُحتالة كبيرة، حينها كشف هويتها لتترجاه كثيرًا من عدم إخبار أحد عما علمه عنها، ليوافقها ولكن بشرط أن يعمل معها، حينها وافقت على مضض، وبدأوا بالعمل معًا ليقوموا بالنصب على من يملكون أموالًا طائلة، تلك هي أخلاقهم، يحتالون على الأغنياء ولكن الفقراء لا يقتربون منهم، كم هم أبرياء بحق،!
هبت وصال من مقعدها بفزع عندما استمعت لحديث والدتها، لتقول بسرعة وهي تُغلق الهاتف معها: طيب يا ماما اقفلي دلوقتي أنا جاية حالًا.
وقف أحمد أمامها قائلًا بتعجب من حالتها: في إيه يا وصال! حصل إيه!
أجابته بتعجل وهي تُلملم أشيائها من على الطاولة: ماما كلمتني وقالتلي إن بابا تعبان ولازم أروَّح حالًا.
لملم أشيائه هو الآخر وهو يوجه حديثه لها: طيب يلا تعالي هوصلك، وإن شاء الله بباكي هيكون كويس.
أومأت له بالإيجاب لتخرج معه من المطعم بتعجل وتصعد للسيارة التي معه منطلقين بها بسرعة للوصول إلى منزلها بأسرع وقت.
في إحدى الجامعات وخاصةً كلية الصيدلة، كان يقف وسط أصدقائه بفناء جامعته وعيناه تحوم بتسلية على الفتيات من حوله، يُطرب أذانهم بما يشعرهم بأنوثتهم، وللعجب كانوا يبتسمن له، بل يبادلونه الحديث والضحكات النافرة، ليثير نفسه شاعرًا بهيمنته على الفتيات، الجنس اللطيف كما يلقبهم، أكثر ما يُعاملهم برقة، لتكون النتيجة ضحكة، غمزة، تبادل أحاديث، وأخيرًا صداقة خارج نطاق الشرع والمنطق.!
جاءت وقت المحاضرة، ليناديه أحد أصدقائه بصوت عالي علَّه يجذب إنتباهه وهو يقف يتبادل الأحاديث مع أحد الفتيات: شهاب. يلا عشان نلحق السيكشن.
أنهى الحديث سريعًا مع الآخرى وهو راسمًا الأسف على وجهه، واعدًا إياها باللقاء مجددًا، ذهب إلى مكان السيكشن، ليرتدي معطفه الأبيض الخاص بكلية الصيدلة، دخل ليجلس على أحد المقاعد بجانب صديقه وابن عمه معتصم الذي نهره بغلظة: انت مش هتبطل قرف بقا يابني! كل شوية ألمك من حِتة شكل مع جثة شكل!
وضع شهاب ذراعه على كتفه بمزاح وهو يتحدث بمرح: يابني وهو حد يرفص النعمة! دا حتى تزول من وشه.
ورغمًا عن الآخر ضحك معتصم على حديثه المغلف بالوقاحة، ولكن يظل كما هو شهاب النويهي، أصغر فرد بعائلته على الرغم من أنه يكبره ببضعة شهور فقط، ليردف بقلة حيلة: خليك انت كدا لحد ما تقع على بوزك.
هز شهاب حاجبيه بتسلية وهو يجيبه بتكبر زائف ممازحًا إياها: جوزني أختك وانا هبطل يا أبو نسب.
قهقه معتصم عاليًا متشدقًا بحديثٍ لم يعلم أثره على الآخر: أختي! دي إهداء تطيق العمى ولا تطيقك، وبعدين هي دلوقتي مخطوبة انت بتقول إيه!
شعر شهاب بالضيق يطبق على أنفاسه، فعشقه الخفي لحبيبة طفولته مازال عقبة في طريقه، رغم نفورها منه إلا إنه لا يستطيع نسيانها، وجاءت القشة التي قسمت ظهره عندما علم بموافقتها على الخِطبة من شخص غيره، حينها أظهر الامبالاة محاولًا دفنها مع الماضي، ولكن تظل هي من ينبض القلب لأجلها.
أفاق عندما دخل الدكتور المسؤول عن المادة للداخل، ولكن أكثر ما أثار رعبه، هي تلك الكائنات الصغيرة التي يوزعها عليهم طالبٍ منهم، هز ذراع معتصم بخوف وهو يُشير للكائن الموضوع أمامه: م. معتصم إلحق دا، دا فار!
كتم معتصم ضحكته بصعوبة على ملامح وجهه المرتعبة، يعلم كل العلم بخوفه من الفئران، رغم مرور أربع سنوات على وجوده بالجامعة، إلا إنه يهابهم وبشدة كأنهم حيواناتٌ ضارية، ليس بفأر صغير، تحدث معتصم مُدعيًا الثبات وهو يُمسك الفأر من ذيله رافعًا إياه أمام عينه المرتعبة: دا كائن برئ خالث. حتى بص.
صرخ بفزع عندما أنهي معتصم حديثه برمي الفأر على ملابسه، منفجرًا في الضحك عند سماعه لصراخه الهستيري، ظل شهاب يقفز في مكانه خوفًا من الفأر الهارب على ملابسه، ليمسكه أخيرًا، وبسرعة قام بضربه في الحائط بقوة رغمًا عنه بسبب خوفه المتفاقم من تلك الكائنات الرقيقة، لينزل الفأر صريعًا دون تنفس.
تنفس براحة رغم أسفه على ما حدث للفأر، ولكن لا يهم، المهم أنه بخير الآن، استمع مؤخرًا لصوت الدكتور الخاص به وهو يردف لهم بحدة: إيه الصوت دا يا شباب!
صمتوا جميعًا ولم يتحدث فردًا فيهم، ليقول الدكتور قبل أن يخرج من المكان الذي به مفجرًا مفاجئته التي وقعت على رأس شهاب كالصاعقة: اعملوا حسابكم لو الفار مات من حد فيكم يعتبر نفسه شايل المادة.
عِند هذا الحد ولم يحتمل معتصم أكثر، لينفجر في الضحك غير مبالي بنظرات الطلبة من حوله، وكل ما يجول بخاطره هو تعابير شهاب المرتعبة، بينما شهاب شلت الصدمة لسانه، ذهب للفأر مسرعًا ليجثوا بجانبه وهو يُحادِثهُ بهلع يُزيد من هستيريا الضحك لدى معتصم: قوم بالله عليك، قوم وحياة أمك هسقط، وغلاوة المرحومة لتقوم هسقط.
اقترب منه معتصم بعدما هدأ قليلًا من نوبة الضحك التي تلبسته وهو يردف بضحك: شوفه يمكن عايز تنفس صناعي.
رماه الآخر بنظرة نارية ولكن لم يبالي له، بل أكمل ضحكه المتعالي على ابن عمه الذي ينظر بيأس للفأر وهو يكادُ يبكي تحسرًا.
وصلت وصال ومعها أحمد إلى الشارع الموجود به منزلها في أحد الأحياء الشعبية متوسطة الحال، ليقول بعملية: انا همشي بقا دلوقتي، ولما عمي يبقي كويس ابقي طمنيني عليه.
أومأت له دون حديث لتذهب من أمامه على عجالة، سارت عدة خطوات لتصل إلى منزلها القابع على ناصية الشارع ثم دخلت إليه بسرعة لرؤية والدها.
دخلت منزلها البسيط لتجد والدتها جالسة في الصالة الصغيرة بيدها قطعة من الدجاج تتلذذ بها، لتسألها وصال بإستغراب: انتي قاعدة بتاكلي يا ماما وسايبة بابا تعبان!
مصمصت والدتها على شفتيها وهي تقول بسخط متابعة إلتهام قطعة الدجاج: متقلقيش. اللي زي أبوكِ مبيموتوش دول بسبع ترواح.
هزت رأسها بيأس لتدلف لوالدها، فوجدته يجلس على الفراش وهو يقول بضجر: شايفة أمك وطفاستها، خدت مني الورك وسابتلي الصدر وانا مش بحبه.
للحظة كادت أن تصرخ منهم ومن مشاجراتهم الطفولية التي لا تنتهي، لتصيح وهي تشد خصلاتها بغضب: يا ناس ألطم ولا أجيب لطامة! هو دا اللي تعبان يا بابا!
وكأنه تذكر مرضه المزعوم، ليسعُل بشدة وهو يُريح ظهره للخلف بإنهاك: أه صحيح فكرتيني.
تشنج وجهها بإستنكار، وحقًا ودت أن تصرخ بهم ولكن أخلاقها تمنعها فبر الوالدين واجب عليها.!
ذهبت لتجلس جانبه بيأس لترفع يدها في نية منها أن تُعدِل من وضعية الوسادة خلفه، لينكمش علي بخوف مُبتذل وهو يقول: لا متضربنيش أنا معملتش حاجة.
قطبت جبينها بتعجب من خوف أبيها لتقول بقلق على حالته: في إيه يا بابا مالك؟
عاد والدها لوضعه الطبيعي وهو يقول بفخر وغرور: طيب بذمتك مش أنفع ممثل؟
صمت قليلًا ليلوي شفتيه بإمتعاض: لولا البومة أمك وقفالي زي سد الحنك ومستخسرة فيا موهبتي.
كل ذلك وهي تتابعه بصدمة حقيقية، ماذا سيحدث الآن إن قامت بوضع الوسادة على وجهه! هل سيحدث شئ حقًا! بالطبع سترتاح، تحول وجهها للخبث لتقف بطولها عليه ممسكة بالوسادة وهي توجه له ضحكات شريرة: انا دلوقتي عرفت هخلص منكم إزاي.
ابتلع والدها ريقه بتوتر وخوف حقيقي تلك المرة، ليبتلع ريقه بصعوبة متشدقًا: انتِ. انتِ هتعملي إيه!
لتجيبه ببسمتها المخيفة: هريحك من أمي ومن الدنيا كلها.
انكمش والدها على نفسه مردفًا بتأثر واضح على زهرة شبابه التي ستذهب هباءً: لأ أنا لسه صغير، مشوفتش من الدنيا حلاوتها لحد دلوقتي.
رمته وصال بنظراتها المستنكرة، لترمي الوسادة بجانبه متشدقة بإستخاف: يا راجل انت اللي زيك مات وشبع موت.
تحولت تعابير وجهه إلى الحدة وهو ينهرها بعنف: بنت! انتِ إزاي تكلميني كدا! انتِ اتجننتِ!
قلبت عيناها بملل من العرض الهزلي الذي يُقدمه، ليقول بعدها بجدية ظهرت في صوته: المهم مش دا موضوعنا دلوقتي، أنا عايزك في حاجة أهم، بس قبل دا كله عايز أقولك وصيتي.
تنبهت حواسها لحديثه الجاد، اعتدلت في جلستها على الفراش، لتمسك بيده قائلة بخوف ينبع من أعماق قلبها: بعد الشر عليك يا بابا، موضوع إيه اللي عايزني فيه!
تنهد بعمق ليُخرِج حشرجة من فمه مستطردًا حديثه: بصي يا بنتي، مش معنى إنك نصابة أو حرامية يبقي انتِ كده وحشة لسمح الله.! لا يا بنتي انتِ شريفة وبتعملي بلقمة عيشك.
مغفلة هي لتُصدق جدية حديث والدها، ومنذ متى وكان هو يتحدث بجدية من الأساس! الغضب تشكل داخلها، ودت حقًا بأن تقتل شخصًا ما الآن لتُطفئ من ذروة غضبها، لم يلتفت والداها علي لغضبها البادي على قسماتها، ليُكمل لها برجاء: انا عايز اطلب منك طلب واحد بس.
حاولت التحكم بأعصابها أكثر من ذلك، لتجز على أسنانها بعنف مردفة: طلب إيه؟
ليتابع هو بنبرته المتوسلة: عايز آكل جمبري، مدقتهوش من أيام المرحومة أمي.
عند هذا الحد ولم تحتمل بل صرخت بعلو صوتها بنفاذ صبر: بس، أنا غلطانة إني ضيعت وقتي معاك.
أتت والدتها التي كانت تتنصت على حديثهم لتقول بفرحة لم تستيطع مدراتها: أيوا يا وصال وأنا كمان عايزة جمبري.
ليزجرها علي بعنف قائلًا برفض: لا هيكون ليا لوحدي.
صرخت وصال بيأس من حديثهم العقيم لتخرج من المنزل بغضب وهي تلعن وقوعها بتلك العائلة المجنونة، نظر كلًا من علي وزوجته لبعضهم البعض من ثورتها الغير مبررة بالنسبة لهم، ليقول بتفكير عميق: يمكن مش بتحبه عشان كدا زعلت!
الصمت يعم أرجاء المنزل وهذا ما طمئنه، إشرأب بعنقه يمينًا ويسارًا لتأمين المكان، نظر خلفه لشقيقته التي تراقب الوضع بتوتر وهو يقول: تعالي ورايا يا سجود، الدنيا هنا أمان يسطا.
أمسكته سجود من معصمه مردفة بقلق: تعالي نرجع أوضتنا يا عابد، بابا لو شم خبر باللي هنعمله هيعلقنا.
طالعها عابد بإستنكار، وداخله يؤمن بحديثها، فوالده طه إن علم بما هم مقدمون عليه ستكون نهايتهم بالتأكيد، ورغم ذلك رد بتكبر وغرور زائف: طول ما معاكي عابد أبو زيد يبقي متقلقيش.
ابتلعت سجود ريقها وهي تقول بتوتر وصوت خفيض: ربنا يستر.
أكملوا طريقهم لداخل غرفة والدهم، وضع عابد يده على المقبض ليُديره بتروي حتى لا يُصدر صرير يؤدي إلى إستيقاظه، دخلوا على مهل بعدما نجحوا في فتحه ليُقابلهم الظلام الدامس، وهناك خط من النور الرفيع يأتي من شباك الغرفة، استطردوا السير على أطراف أصابعهم حتى وصلوا إلى الخزانة، الخطوة الأصعب على الإطلاق، حاول عابد فتحها لتساعده سجود في ذلك، حتى انتشلوا ذلك الصندوق المُغلف من داخل ضلفة ملابسه.
أصابهم الرعب عندما استمعوا لصوت همهمة والدهم أثناء النوم، لتتخشب أجسادهم محلها ويعود الصمت مجددًا، أعادوا إغلاق الخزانة مرة أخرى على مهل، ليعودوا كيفما جاءوا.
دخل كِلاهما إلى غرفة عابد، متجهين نحو الفراش، ليضع ذلك الصندوق الذي بين يديه ناظرًا له بحماس، و سجود تُطالعه بنفس النظرة، كادت يدها أن تمتد نحوه، لتجد يداه أقرب له وهو يقول إليها بتحذير خطير: بتعملي إيه!
رفعت حاجبها بسخط لتقول بنفس النبرة التي تحدث بها: يلا مش هنقسم!
هز رأسه بالنفي وهو يُتابع إعتراضها، متابعًا حديثه بقوله: أنا اللي هقسم، وإياكِ. ثم إياكِ يا سجود تمدي إيدك على حاجة من غير ما أقولك.
طالعته بحقد وداخلها ودت أن تقف وتمزق وجهه اللعين، لتُجيب على مضض: ماشي. بس كله بالعدل.
بدأ بوضع الصندوق اللامع المُغلف مرة أخري على الفراش، وعيناه تُضيئ بوميض من السعادة الغريبة، فتحه على مهل ليظهر ما داخل الصندوق، قطع من الشيكولاتة المُغلفة بالمكسرات الشهية، كنز العائلة الثمين الذين يتهافتون عليه جميعًا، سال لُعاب سجود هي الأخري وهي تري حلواها المفضلة أمام عيناها، والدهم القاسي دائمًا ما يقوم بتخبئتها ليأكُلها وحده، أحيانًا تتسائل لِما هو بتلك الأنانية! ولكن لا يهم الآن، فها هي حصلت عليها بعد عناءً طويل.
بدأ عابد بتوزيع قطع الحلوي بعدل كما يقول، ليُعطيها واحدة ويأخذ هو اثنتان بالمقابل، استنكرت فعلته لترفع حاجبها بإستهجان وهي تقول: ودا إيه إن شاء الله!
ثم تشدقت بطريقة سوقية بعيدة كُل البعد عن كونها أنثي: حط ياض كمان واحدة بدل ما وديني أشرحك.
نظر لها أخيها مزهولًا، وولحظة فكَّر في إعطائها الصندوق كاملًا خوفًا منها، لكنه أردف ببرود ظاهري: الراجل له ضعف الست ياختي.
أمسكته من ياقة قميصه لتقول ببلطجة: بقولك هات كمان واحدة بدل ما أشُقك وربنا.
هز رأسه بنعم وهو يُعطيها واحدة أخري تجنبًا لغضبها السوقي، نظر لها بقرف وهي تأكل بنهم شديد، فتحولت إلى كتلة من البراءة وهي تأكل الآن، ابتسم بحنان لشقيقته التي لم ولن تتغير ابدًا، يحمد الله كثيرًا على منحه إياها هي وشقيقتها التوأم تسبيح تلك الفتاة النقية بكل ما تحمله الكلمة.
أفاق من شروده على صوت مُزعج يصدر منها، وتلك المرة طالعها بإشمئزاز حقيقي وهو يراها تمتص تلك الورقة التي كانت تحتوي على قالب الشيكولاتة، هل قال منذُ قليل إنها أنثى! ليُقطع لسانه الآن واللعنة.
نظرت له بعدما انتهت من إلتهامها لتردف بحماس شديد بعدما قامت برمي الورقة التي كانت بيدها منذ قليل على أرض حجرته: يلا وزع الباقي يا بيدو.
فتح عيناه على أخرهما، ناظرًا لها بشراسة، متشدقًا بخطورة وهو يُشير على أرضية حجرته: الورقة اللي رمتيها وفيها قرفك دي تشيليها بدل ما أبلعهالك.
أجابته بتحدي ناظرة لعيناه بقوة: ولو مشلتهاش!
أغلق الصندوق من أمامه مُجيبًا بتهديد: يبقي تخبطي راسك في الحيط ومش هتطفحي حاجة.
لا. خلاص. خلاص.
أجابت مسرعة وهي تهبط من الفراش تتناول الورقة بيدها، وبكل بلاهة وحماقة وضعتها على فراشه، لتسمع صراخه: سريري، سريري يا معفنة.
تأففت لتأخذها وترميها بسلة القمامة وهي تنظر له بضجر، ارتاحت تعابيره ليعودا كما كانا منذ قليل، يستمتعان بتناول الحلوي، جاهلين عن ما سيحدث لهم في الصباح.
تم نقل شاكر على الفور إلى المشفي القريبة من مركز الشركة، تعالت الضجة بين الموظفين عندما علموا بتدهور صحة رب عملهم، وقف ريان والذي أتي معه، أمام غرفة العناية وإمارات وجهه حزينة لما حدث لرفيق والده، فكَّر في مهاتفة أحد أبنائه لذلك أخرج هاتفه من جيب بنطاله الأسود، ضاغطًا بعض الأزرار، ليضعه على أذنه بعض الوقت، حتى جاءه الرد من الناحية الأخري: ايوا يا ريان.
أجابه ريان على الفور وهو يقول بحزن: الو يا فارس، تعالي دلوقتي على المستشفي اللي جنب الشركة. أبوك في المستشفي.
رد فارس بقلق وهو يُجيب بفزع: مستشفي ليه! إيه اللي حصل!
أردف ريان بتأثر وصوت حزين للغاية: مش عارف. منهم لله اللي كانوا السبب. هيروحوا من ربنا فين بس!
أجابه الآخير بسرعة وهو يهم بإغلاق الهاتف: طيب انا جايلك حالًا، عشر دقايق وهكون عندك.
مر وقت ليس بالكثير ليصل فارس إلى الردهة الواقف بها ريان، ليمسكه من ذراعه وهو يتسائل بقلق: بابا فين يا ريان! وإيه اللي حصل علشان يتنقل المستشفي!
كاد أن يُجيبه لكن ظهور الطبيب الذي خرج للتو من الغرفة المُحتجز بها شاكر، ليذهب له كلًا من فارس و ريان مسرعين، ليتسابق فارس في السؤال مردفًا بخوف: طمني يا دكتور، بابا عامل إيه!
نظر لهم الطبيب بتقييم، متشدقًا بعملية: خير إن شاء الله، هو بس إنخفاض في ضغط الدم لأن من الواضح إنه مخدش العلاج في وقته.
هدأ فارس قليلًا مردفًا بإبتسامة متكلفة: الحمد لله. شكرًا ليك يا دكتور.
دا واجبي. عن إذنكم.
غادر الطبيب تاركًا الإثنان يزفران براحة، لينظر فارس تجاه ريان بغموض لاحظه الآخر لكنه لم يُعقب.
الشر الكامن في الأرض قضي على الخير الموجود في السماء، قلوب البشر المُفعمة بالحقد ل طالما كانت السبب في هلاك الجميع، نفوسهم الخبيثة تقتل الأبرياء، والنفوس الطيبة تُقتل في دائرة الشر المُحاطة بنا.
ظل يجول في مكتبه ذهابًا وإيابًا رغم تعدي الوقت منتصف الليل، سليم المنشاوي. الراعي الرسمي للهلاك، رجل ممن يحبون القتل كأعينهم، يشعر بالإنتشاء عن رؤية ضحيته تتذلل تحت قدمه تطلب الرجاء، هو هالة من الغموض والنفور.
ظل يُفكر بطريقة تليق بالإنتقام من أنثي ك غزل أبو زيد، المرأة الثانية التي وقفت بطريق أعماله المشبوهة، بعد الأولي التي قام بقتلها لتحديها له، والآن يُفكر بطريقة مُحبكة للتخلص منها، اشتعلت عيناه بالغضب عندما تذكر فعلتها الأخيرة بعد إعلان المحكمة لبراءة محمود، قامت برفع قضية ضده تتهمه بالإدّعاء الكاذب على موكلها، لتتقبل المحكمة قضيتها، لولا أنه استعان بنفوذه لكان الآن يُزج في السجن بين المجرمين، حيثُ مكانه الحقيقي،!
دخل عليه رفيقه وهو ينظر له بهلع ناطقًا بخوف: مصيبة يا سليم وحلت فوق دماغنا.
قطب جبينه بغضب، فاليوم لا ينقصه مصائب زائدة، ليردف بحدة للذي أمامه: خير يا فريد. قول اللي عندك.
تلعثم الآخير في حديثه وهو ينظر لوجهه الغاضب، فلو علم ما حلَّ بهم سيهدم الشركة بما فيها فوق رأسه، أتاه صوت سليم الحاد وهو يزجره بعنف: هتفضل ساكت يا فريد! قول اللي عندك وخلصني.
تردد في إخباره لكنه حسم الأمر ليبدأ في سرد ما حدث بقلق: حساب الشركة الأساسي واللي بندير عليه كل الشُحنات برا وجوا مصر، اتهكر وتم إقتحامه.
قُضي الليل بين آنات القلوب المتوسلة لخالقها تطلب غفرانه، وبين قلوب خائفة من الغد، وأُناس يستغلون الليل في أعمالهم المُحرمة، لتسطع الشمس ببهجتها تفرض سيطرتها على الجميع وأشعتها تتسلل لداخل غرفتها هي تحديدًا، تلك القابعة على فراشها تبكي حتى احمرت عيناها تطلب منها التوقف.
ضحية لزيجة غير راغبة بها، زيجة كانت طلب من والدها القاسي، وعندما أعلنت رفضها أجبرها عليها، وكأنها سلعة يبيع ويشتري بها، دخلت عليها والدتها وهي تقول بأسي: يا بنتي كفاية بقا انفطرتي من العياط، متقعطيش قلبي عليكِ يا نوال يا بنتي.
زادت من بُكائها وهي تنظر لها بإتهام قائلة بغضب: انتِ السبب، لو كنتِ وقفتي له وقولتيله بنتي مش هتتجوزه كان ممكن يوافق.
بررت والدتها مروة وهي تنظر لها بيأس: ومين قال إنه جواز بس! دي مجرد خطوبة على ابن خالتك، و بدر ألف مين تتمناه.
طالعتها نوال بنظرات مستنكرة ولم تُعقِب، هي تعلم بأن والدتها توافق على تلك الزيجة من ابن شقيقتها بدر المقيم في الصعيد، انهت والدتها حديثها وهي تضع بجانبها الثياب المُجهزة للخِطبة ثم تركتها تنعي حظها العثر.
وجدت شاشة هاتفها يُنير بإسمه، ذلك الحبيب الخفي عن الجميع، أجابت بسرعة وهي تنهار في البكاء: الحقني يا جابر عايزين يجوزوني عافية.
ليأتيها صوته المواسي لها وهو يقول بحسم: يبقي هنهرب ونتجوز غضب عنهم كلهم.
انتفضت من مكانها وهي تقول بتخبط: إيه نهرب!
أكد لها الآخر حديثه مردفًا بأصرار: ونتجوز كمان يا نوال.
ثم بدأ بإستعطافها بنبرة أشبه للتوسل يعلم مدي تأثيرها عليها: أنا مقدرش أعيش في الدنيا دي من غيرك يا نوال، مقدرش أشوفك بتتزفي لراجل تاني وأقف اتفرج عليكِ وانتِ بتروحي من إيدي كدا.
نجح في استثارة مشاعرها الحمقاء بحديثه الواهي، اقتنعت بما يرميه على مسامعها، لتهتف وهي تنظر حولها بتوتر: هحاول أهرب يا جابر واجيلك، انا مستحيل اتجوز اللي اسمه بدر دا ابدًا.
ابتسم بإنتشاء، وعقله يرسم له ألف فكرة وفكرة لقضاء ليلة من صُنع يده، رغباته الشيطانية سيطرت عليه ليجذم بالحصول عليها مهما كان الثمن، ذلك الصيد الثمين الذي أوهمه بالحب، لتقع هي في شباكه التي يُحيكها برأسه، انهي حديثه بعدما أخبرها بالمكان الذي سينتظرها به، مردفًا بحنان زائف: هستناكِ يا حبيبتي متتأخريش عليا.
اسبلت عيناها بخجل من حديثه، لتغلق الهاتف وقد عاد لها إبتهاجها مرة أخري، لتتذكر تلك الزيجة مجددًا، فيتحول وجهها للقنوط وهي تفكر في ردة فعل والداها عندما يكتشفان هروبها: انتوا اللي اضطرتوني اعمل كدا.
ثم جلست محلها تفكر في خطة جيدة للهرب، خاصةً وقد اقترب موعد الخِطبة.
صراعات العائلات لا تنتهي منذُ قديم الأذل، الثأر كلمة مازالت تتوالي على مسامعنا حتى الآن، فيؤدي إلى ضحايا متبادلة بين كِلتا العائلتين، وهذا مع حدث مع تلك العائلات، عائلة أبو زيد ضد عائلة النويهي، صراعٌ لا ينتهي بينهم منذ عشرات السنون، ليسير أحفادهم على نهجهم، كلًا منهم يُقاطع أحفاد الآخر، علاقة وطيدة قُطعت بل بُنيت على الكراهية وحتى الآن لأسباب مجهولة، ولم تشفع الجيرة بينهم، ف منزل عائلة النويهي يُقابل منزل عائلة أبو زيد، وحتى الآن الصلة مُنقطعة.
إلا من هؤلاء الإثنان، فقد بنوَّا علاقة وطيدة بينهم، صداقة شديدة منذُ الطفولة ومازالت مستمرة حتى الآن، بين معتصم النويهي و سجود أبو زيد، صداقة لم يمحوها الكره المُشيد بين العائلتين، لو عَلِم أحدٌ من كلا الطرفين ستكون نهايتهم بالتأكيد، كانت مقابلتهم تتعدد من الحين والآخر، هي تبثُ له همومها ويستبدلها هو بطاقة إيجابية، والعكس بينهم.
كانت المنطقة يحيطها حائط كبير، وخلف هذا الحائط منطقة تشبه الهضبة يعجز الآخرون عن رؤيتها، أراد معتصم مقابلتها في أمرٍ هام، لتذهب له خفية وقت شروق الشمس، تحدثت بقلق وهي تنظر حولها بقلق: إيه يا معتصم، حاجة إيه اللي مهمة عايزني فيها الوقت دا؟
وبعيناه العسلية نظر لزيتونتها بإعجاب، فامتزج لون عيناها بسلاسل الذهب القادمة من الشمس لتصبح عيناها لوحة فنية بحق، ليردف أخيرًا ونظره مازال مُسلط على عيناها: تعرفي إن عنيكي حلوة بجد، تسحر.
استنكرت حديثه وبوادر الغضب على وشك الظهور، ليقاطعها وهو يستند بظهر على تلك الصخرة من خلفه: حاسس إني تعبان، عايز أفضفض.
تخلت عن غضبها المؤقت لتقف بجانبه وهي تنظر له بأسي قائلة: لسه بردو يا معتصم! سامح يا معتصم عشان تعرف تعيش، سامحها وإدي لحبكوا فرصة تانية.
سحب شهيقًا قويًا ثم زفره على مهل، هاتفًا بهدوء وهو ينظر أمامه بشرود: هحاول. لولا إني واثق من حبها ليا مكنتش فكرت فيها مرة تانية.
ابتسمت من جانب فمها وهي تقول بثقة: هتقدر أنا واثقة من دا.
صمتت قليلًا لتأخذ نفس وضعيته قائلة بتمني: تعرف! نفسي إني ألاقي اللي يحبني بجد.
حوَّل نظرته إليها وهو يضيف بتأكيد: انتي فعلاً تتحبي يا سجود.
استنكرت قوله وهي تُجيبه بنفور من شكلها: ومين هيبصلي أصلًا بطَّل مُجاملة.
سجود ليست بالقبيحة كما تقول، من حولها جعل ثقتها بنفسها تخفت شيئًا فشيئًا، بشرتها السمراء كانت تعوقها مسببة لها الإزعاج، لا تُحبد مظهرها ابدًا، رغم أنها تعشق عيناها الخضراء، ولكن بنظرها هي لا شئ.
قاطعها معتصم بتصميم وبدأ صوته بالإحتدام: كفاية بقا قلة ثقة في نفسك، امتي هتعرفي إنك جميلة! امتي هتبطلي تكرهي نفسك!
بدأت بالضعف شيئًا فشيئًا وهي تتذكر حديث الناس عنها وعن مظهرها، مُمنين على جمال أختها التوأم تسبيح تاركين إياها تشعر بالقهر وهي تلاحظ نظرات عدم الإهتمام منهم جميعًا، ابتلعت غصة تشكلت في حلقها وهي تُجيب: لما الناس تبطل تتكلم.
أمسكها من معصمها بحذم ناظرًا لعيناها بقوة: والناس هتغير إيه يا سجود! هتغير إيه قوليلي! كلامهم لا بيقدم ولا بيفيد، كلام الناس طول عمره مُحبط، الناس مبتعرفش غير تتكلم وبس، لازم تثقي في نفسك، دا لإنك فعلًا جميلة.
نظرت له بإمتنان حقيقي، وعيناها تتكلم قبل لسانها: كلامك بيريحني يا معتصم، من واحنا صغيرين كنت تيجي تلعب معايا رغم تحذير بباك ليك، عشان كدا أنا فخورة إني ليا صديق زيك، وعمري ما هندم على صداقتنا.
لانت ملامحه وشعر بالإرتخاء، ليبتسم تلقائيًا لحديثها مردفًا بحنان ومزاح: صداقتنا هي أحسن حاجة في أم العلاقة المعقدة بين العيلتين دول، ناس غريبة والله.
علي رأيك عيلة تِشل.
نظرت لساعة معصمها وهي تقول بقلق: يلا نمشي بقا أصل حد يحس بغيابنا.
وافقها الرأي ليمشوا سويًا بضعة خطوات ثم افترقا وذهب كلًا منهم لمنزله غافلين عن زوج العيون التي شاهدتهم معًا.
أعلنت الشمس سيطرتها الكاملة على المنطقة، ليخرج كبير العائلة أبو زيد، الجد الأكبر، صاحب الكلمة الأولي والأخيرة، كلمته سيف على جميع العائلة، قاسي ولكن حنون بنفس الوقت، خطي عتبات منزلهم مستندًا على عكازه الذي يُزيده وقارًا، ليُقابل في طريقه جاره منذُ القِدم، ألقي التحية عليه وهو يقول بخبث: السلام عليكم يا حج.
نظر له وهو يُجيب بهدوء: وعليكم السلام يا حسَّان، خير!
كل خير إن شاء الله.
ثم بدأ حديثه والمكر يتربص في عيناه الماكرة وهو يقول: ألا هي بنت ابنك كانت بتعمل إيه مع ابن النويهي ساعة الصُبحية!
لعب على أوتار الخطر لديه، استغل معرفته بالعداوة التي بينهم ليرسم شباكه ويوقعه به، تحولت عينا أبو زيد لقطعة من الجمر، ليتحول وجهه للقسوة والتجبر، حفيدته مع حفيد العائلة الأكثر عداوة بينهم! ذهب المدعو حسَّان عندما لاحظ تعابيره التي تشتد بغضب، خاف أن يُطاله غضبه لذلك فرَّ هاربًا.
لاحظ أبو زيد خروج الإبن الأكبر لعائلة النويهي. ليُناديه بصوت عالي يُعلن مدي غضبه، قطب بكر جبينه بتعجب، ليوجه أنظاره ناحية الصوت المُنادي عليه بتلك الطريقة التي أثارت غضبه، زاد تعجبه عندما وجده هو من يُناديه، ليراه يتجه ناحيته حتى توقف أمامه متشدقًا بغضب: خلي ابن أخوك يابن النويهي يبعد عن حفيدتي أحسن ليك وله.
تحدث بكر مستفسرًا وقد بدأت بوادر الغضب بالظهور على تعابيره: ابن أخويا مين!
ظن الآخر بأنه يُراوغ أمامه، فضرب بعكازه على الأرض بقوة وهو يردف بتحذير لم يُكلف عناءه بإخفاءه: أنا قولت اللي عندي، وإلا، وإلا وقتها هكشف على المتخبي والعداوة اللي بينا، والبادي أظلم.
كان بكر يملك من الدهاء أوسعه، ليقترب بخطوات رتيبة حتى وقف أمامه، مُجيبًا إياه بتحدي وخبث ماكر: وهتقول لأحفادك إن سبب الكُره بين العيلتين هو قضية نسب،!
ليتوقف الزمن من حولهم، ويبقي السؤال هُنا، عن أي نسبٍ يتحدثون؟