قصص و روايات - قصص بوليسية :

قصة في مسرح الجريمة بقلم محمود غسان الفصل الثاني

قصة في مسرح الجريمة بقلم محمود غسان الفصل الثاني

قصة في مسرح الجريمة بقلم محمود غسان الفصل الثاني

دخل المحقق دانيال مسرح الجريمة مع الآنسة كليرا , فرأى المحقق بيرو يقرأ من الملفات التي لديه , الدكتور روكويل يستخدم بعض المحاليل الكيميائية لاستخراج البصمات , و من الواضح بأن لم يشعر به احد حتى صرخ و قال:  هل هناك جديد ؟

فتقدم المحقق بيرو و قال:  سيدي , المجني عليه يدعى روبيرت جي.بروس باندريك عمره 59 عاما , لديه عدة أعمال و مشاريع في ساكرامنتو , أصيب برصاصة من مسدس البريتا 9 ملم من مسافة قريبة جدا في قلبه فقتلته فورا ما بين الساعة الرابعة , و الرابعة و النصف
ثم أضاف:  تحطمت زجاج المرآة - على الأغلب - نتيجة شجار نشب بين الجاني و الضحية.

فتقدمت الآنسة كليرا بكل حرص ثم قالت:  سارة براد باندريك , فتاة شابة في الخمسة و العشرون من عمرها و تعمل موظفة حكومية في شركة لإدارة الفنادق في فرزنو , ليست متزوجة و لكنها على علاقة بصديق يدعى فريد , فريد من الطبقة الفقيرة , يعمل في مكتبة صغيرة في فرزنو و يقضي معظم أوقاته هناك.

بان على المحقق عدم الاهتمام حيث يسترق النظر نحو مدام سوزان و هو يقول:
 مدام سوزان تقول ان علاقة سارة بعمها علاقة وطيدة و تبعد كل التهم عنها
ثم التفت إليها و قال لها:  أريد ان أقابل محامي السيد بنادريك
فجأة قال الدكتور روكويل:  جميع البصمات تعود الى المجني عليه حتى بصمته على المسدس.

نظر إليه بحدة و قال:  ماذا تعني ؟ أنها حادثة انتحار ؟
ارتبك قليلا ثم قال:  انا لم اقل هذا , سيدي
فقال المحقق بيرو:  و لكن هناك أمر ما في غاية الخطورة
التفت إليه المحقق دانيال و قال:  أي أمر ؟
فقال بثقة:  المسدس الذي قتل الضحية أطلق منه رصاصتان , الثانية هي التي قتلته , أما الأولى فلا اثر لها هنا
فجأة نظر الى الحديقة و قال:  أريد محادثة المحامي فورا ...

بدأ الليل يسدل ستائره حتى قالت الآنسة كليرا:
 سيدي , مستر فرانسوا دلفين المحامي في انتظارك
نهض بسرعة فوجد رجل طويل القامة يرتدي بذلة سوداء اللون و قبعة سوداء على رأسه , فأقترب مستر فرنسوا من المحقق دانيال و قال:  المعذرة يا سيدي , ما الأمر ؟
ثم التفت حوليه و قال:  لماذا رجال الشرطة يحيطون ببيت السيد باندريك ؟

ثم قال بلهجة قلقة:  ما الأمر
فحاول المحقق ان يهدئه ثم قال:
 أنا المحقق دانيال من إدارة مكافحة جرائم القتل , نحن هنا بسبب مقتل السيد روبيرت باندريك
قاطعه المحامي قائلا بصراخ و بعنف:
 هل أنت جننت ؟ , من الذي يستطيع ان يقتل السيد روبيرت

انزعج المحقق دانيال من لهجته ثم قال:  سيدي انا اقدر موقفك و لكن من فضلك اهدأ قليلا
ظل مستر فرانسوا ينظر حوليه حتى قال:  أين هو .. ها .. أين هو ؟
فطلب المحقق من الآنسة كليرا مرافقته الى مسرح الجريمة
دخل المحامي باضطراب فوجده ملقى على سرير تابع للتحقيق لنقله الى المشرحة و مغطى بكامل ,
و عندما تأخر مستر فرانسوا هناك , قرر المحقق دانيال زيارته بنفسه ...
-  سيدي من فضلك تعال معي ؟
و لكن مستر فرانسوا المعروف عنه قوة القلب كاد ان يفطر قلبه من بكاءه على صديقه روبيرت فنظر الى المحقق و قال بعنف:  هل عرفتم من مرتكب تلك الجريمة ؟ , هل عرفتم من هو ؟
أجابه المحقق دانيال بهدوء:
 لا يا سيدي , ليس بعد ! و لكن من فضلك اهدأ و تعال معي , أود ان اطرح عليك بعض الأسئلة

 

طرح المحقق دانيال بعض الأسئلة الخفيفة على المحامي و كان يجيب بتلقائية و لكن عندما ذكر اسم سارة ضمن التحقيق اشتعل غضبه و أجاب بشدة قائلا:
 من ؟ , سارة ؟
فقال المحقق دانيال باستغراب:  بلى , سارة !
وقف المحامي و قال:  لا أيها المحقق , أنت لا تعرف سارة جيدا , أنها لا تستطيع ان تأذي بعوضة , ثم .. ثم أين دليل اتهامك لهاأيها المحقق ؟

اخرج من جيبه ذلك الخطاب و قال:  بما تفسر وجود هذا الخطاب على مكتب السيد بنادريك
فتناول المحامي منه الخطاب و أخذ يقرأه بتأني حتى بعد ثواني جلس على مقعده ثم قال:
 لا ليست سارة مرتكبة هذه الجريمة , و لا اظنها بأنه قد تكون بهذا الغباء كي تترك دليل إدانتها بهذه السهولة
ثم أضاف:  هل حققت مع سوزان مديرة أعماله ؟
فأجاب بتردد:  بلى , لكن لم استطع الحصول على إجابة نافعة , سوى ان هناك رجل غريب قد زاره قبل وقت وقوع الجريمة و هي تعتقد بلا شك بأنه هو القاتل.

فقال المحامي:  ان علاقة سارة بعمها أشبه ما تكون علاقة الفتاة بأبيها , بعد وفاة براد منذ عشر سنوات كانت تقطن مع عمها في نفس ذات البيت , و لكن قررت السفر الى فرزنو من اجل عملها , السيد روبيرت لم يحَرم ابنة أخوه من أي أمنيات او أي طلبات كانت تخطر على بالها.

-  أنا لا أوجه التهمة لها , و لكن ما هو تفسيرك وجود خطاب كهذا و في هذا الوقت بالتحديد ؟
فأجاب المحامي بثقة:
 بالتأكيد انه كتَب هذا الخطاب قبل قدوم الجاني مباشرة , و قد يكون اقتحم البيت بدافع السرقة
-  على العموم بجب ان أقابل غدا كلا من زار السيد روبيرت قبل مقتله مباشرة
-  و ماذا عن سارة ؟
أجاب بتردد:  سوف اجعلها في آخر قائمتي
ثم أضاف في النهاية:  هل يمتلك السيد روبيرت مسدسا ؟
-  بلى
-  هل تعرف نوعه ؟
-  لا , لأني لا افقه عن أنواع الأسلحة النارية و لكن انا اعرف شكل مسدس السيد روبيرت

فأخرج المحقق دانيال من درج مكتبه كيس بلاستيكي بداخله المسدس الذي وجده مع الضحية , و قال له:  هل هذا هو المسدس ؟
نظر نحو المسدس و قال مسرعا:  لا
فأعاده المحقق الى درج مكتبه , و بسرعة قال فرانسوا:
 و لكن لقد قال لي ذات مرة بأنه سوف يشتري مسدسا آخر
سكت ثم أضاف:  فقد يكون ذلك المسدس.

في صباح اليوم التالي طلب من مساعدته ضبط السيد براين جونزي فلم يتوانى عن التحقيق معه
فقال له المحقق:  مرحبا بك مستر جونزي
فأجابه بكل هدوء:  أشكرك سيدي , هل أستطيع معرفة دعوتي لمكتب التحقيقات
شخصية براين جونزي شخصية جذابة و هادئة بطبعها , بالرغم من وجه الدائري و عيناه الصغيرتين اللتان تتسم بالدهاء و لكنه طيب القلب و هذا ما قرأه المحقق دانيال في شخصيته ...

-  سيدي , أأسف لإخبارك مقتل السيد روبيرت باندريك مساء أمس بطلق ناري
صرخ براين على الفور:  ماذا ؟ ... , هل أمسكتم من فعل تلك الفعلة الشنيعة ؟
عدل موضعه ثم قال: ليس بعد , و لكن على حد معلوماتي انك قمت بزيارة الضحية أمس الساعة التاسعة صباحا , أليس كذلك.

فأجابه:  الساعة التاسعة و الخامسة عشرة دقيقة تحديدا
-  ممتاز , هل تستطيع ان تخبرني ما هي طبيعة العلاقة بينك و بين الضحية ؟
-  انا براين جونزي مدير شركة بيزك كيميكال , كان قد عرض علينا السيد باندريك منذ ثلاث اشهر بأنه يود مشاركتنا في مشاريعنا و لكننا رفضنا , و أمس طلب مقابلتي على سبيل معرفة سبب رفضنا له بالمشاركة
ثم ضحك ضحكة خفيفة ثم قال:  انا لا اعرفه , و لكني اعرف مشاريعه جيدا و بحق السماء ساكرامنتو أصابها خسارة كبيرة بفقدان هذا الرجل
فقال المحقق دانيال:  هل لي معرفة ما هي تلك الأسباب التي تمنع شراكة رجل مثل هذا مع شركة مثل شركتكم ؟

-  بالطبع سيدي و يبدو انك محقق محنك
ثم أضاف:  على العموم , شركتنا تتكون من ثلاث مجلس إدارة و اثنان مدراء , هذا الرجل تعدى قد تعدى الستون من عمره , و الى الآن أعماله تتمثل بشكل فردي , ليس لديه مدراء او شركاء
فقال المحقق بسرعة:  و ما برأيك سبب إلحاح السيد روبيرت لشراء أسهم في شركتكم ؟
-  صدقا لا اعرف

اندهاش المحقق دانيال ثم قال:  حسنا سيدي , ما هي طبيعة عملكم تحديدا ؟
أصدر براين صوت غير مفهوم ثم قال:  نحن نعمل في المنظفات و المواد الخشبية و المبيدات الحشرية و دباغة الجلود و خلافه ...
وقف المحقق دانيال و قال له:  أشكرك مستر جونزي على قدومك , تستطيع ان تتفضل الآن
وقف براين جونزي و قال:  على الرحب و السعة , اذا أردت التحقيق معي مجددا تستطيع الاتصال بي وقتما تريد , مع السلامة
وغادر براين جونزي على الفور .. ..

فطلب مقابلة الآنسة نادين , فتاة ذات أصول عربية تتمتع بالجمال العربي شعرها اسود طويل يصل الى أسفل ظهرها عيناها عسليتان , دائما تتحرك بهدوء كثيرا ...

دخلت الآنسة نادين مكتب المحقق فرحب فورا بها و دعاها إلى الجلوس و طلب لها كأس من الليمون ..
فأخذت الآنسة نادين رشفة من الليمون ثم قالت بلهجة أمريكية ركيكة:
 هل لي اعرف سبب قدومي الى هنا ؟
-  بالطبع يا آنستي
فقال لها بتردد:  أنتي عربية , أليس كذلك ؟

-  بلى
فطلب مقابلة الآنسة نادين , فتاة ذات أصول عربية تتمتع بالجمال العربي شعرها اسود طويل يصل الى أسفل ظهرها عيناها عسليتان , دائما تتحرك بهدوء كثيرا ...

دخلت الآنسة نادين مكتب المحقق فرحب فورا بها و دعاها إلى الجلوس و طلب لها كأس من الليمون ..
فأخذت الآنسة نادين رشفة من الليمون ثم قالت بلهجة أمريكية ركيكة:
 هل لي اعرف سبب قدومي الى هنا ؟
-  بالطبع يا آنستي
فقال لها بتردد:  أنتي عربية , أليس كذلك ؟
-  بلى
-  من أين ؟
-  من سوسة من تونس الخضراء

سكت قليلا ثم قال بتردد دون النظر إليها:  حسنا , أنا أأسف لإخبارك بأن السيد روبيرت باندريك قد قتل أمس ...
فجأة ارتفع الدم الى رأسها و احمر وجهها و نهضت على الفور و قالت و كأن تريد تكذيب الأمر:
 من ... من الذي قُتل ؟
-  سيدتي من فضلك اجلسي
بدأت بالبكاء ثم قالت بلهجة غريبة:  من .. من الذي قتله ؟
فلم تستطيع نادين ان تتمالك أعصابها , وفجأة سقطت فاقدة للوعي , فنهض المحقق دانيال مسرعا و صرخ إلى احد المعاونين لمساعدته . . .

بعد مرور خمس دقائق تقريبا استيقظت نادين و هي في حالة إعياء شديدة , ظلت تهذي بكلام غير مفهوم للجميع حتى رأت أمامها المحقق دانيال فقال لها:  حمد لله على سلامتك.

 

بدأ المحقق دانيال بتحقيق مع نادين بعدما تمالكت أعصابها و استعدت قواها ..

-  ما هي طبيعة عملك مع السيد باندريك ؟
أجابته ببطء:  أنا مترجمته لعملائه في الشرق الأوسط

فقال المحقق:  منذ متى و أنتي تعملين معه ؟
مسحت دموعها بواسطة المناديل الورقية ثم قالت:  قرابة أربع سنوات
-  هل هناك من يدور حوله أصابع الاتهام في رأيك ؟

فصرخت و قالت:  و هل هذا عملي يا سيادة المحقق ؟
فقال بحدة:  أنا اقصد أن هل هناك شخص ما ترتبكي في أمره ؟
-  لا سيدي
-  حسنا , مدام سوزان قالت بأنك عندما انصرفتِ زاره رجل غريب الشكل - تستطيع سوزان ان توصفه لك - بعد الساعة الثالثة و النصف عصرا ...
فأجابت بجفاء:  كيف لي ان اعرف هذا الرجل ؟ , انا مجرد مترجمة له
ظهر على وجه علامة اليأس و الحيرة فقال لها:  حسنا آنستي , أنتي تعرفي سارة , أليس كذلك ؟
ظلت تفكر قليلا حتى قال لها:  سارة بنت أخيه براد
-  بلى , ما أمرها
-  متى آخر مرة رأيتيها في منزله ؟

ظلت تفكر قليلا حتى قالت:  شهر أغسطس الماضي .. نعم منذ ثلاث اشهر تقريبا
-  هل كنتِ ترين كيف كان يعاملها ؟
استغربت نادين لسؤاله ثم قالت:  لماذا أنت مصَر على إقحامي في شئون ليست من اختصاصي ؟
فقال لها بتهديد:  يا آنستي , كل من على مقربة منه مدان و محض الشبهات حتى اعرف انه بريء و اذا لم يكن مدان فهو شاهد بالنسبة لي , لذلك تعاوني معي ...
-  سيدي , سارة تحب والدها جدا ...
-  مهلا والدها المتوفى أليس كذلك ؟
فأجابت بعفوية:  لا , السيد روبيرت بمثابة والد سارة ...

بكت نادين مرة أخرى ثم قالت:  ليس لدي ما أقوله لك سوى أنها كانت تحب السيد روبيرت كثيرا , و كانوا يتبادلون الخطابات دوما
-  حسنا يمكنك ان تنصرفي

انتصبت نادين و همّت لمغادرة المكتب حتى استوقفها المحقق دانيال قائلا:
 و لكن ... وجدنا خطاب مكتوبة بالآلة الكاتبة و عليه توقيعه بأنه أحُيل كل أملاكه إلى فتاته الوحيدة سارة براد باندريك

قد تعمد المحقق ان يلقي تلك السكينة الجارحة في نهاية الحوار كي يعرف ما في نواياه هذه الآنسة و لكنها صدمته قائله:  يا سيدي سارة فتاة ذكية و مطيعة , أنها تستحق أكثر من ذلك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة