قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل التاسع والعشرون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل التاسع والعشرون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل التاسع والعشرون

أعلى تل الحب القابع بأطراف الاسكندرية كانت تجلس مغمضة الأعين تستمتع بهواء وهدوء الليل لطالما أحبت عروس البحر المتوسط وأحبت الهدوء وكلاهما لا يجتمعان.
ولأول مرة يجتمعان بمكانٍ غاب عن أنظارها طوال الأعوام الماضية ولحظها برفقته.
اقترب منها بابتسامة وهو يتابع خصلاتها المتحررة على غير العادة تتطاير من أثر الهواء، مد لها كوبًا من الشاي لترفع عيناها تأخذه منه قائلة: سلِمت يداك.
سلِمَ قلبك.

قالها بهدوء وتروي وهو يجاورها على ذلك الصخر يتابع معها أضواء المدينة بهدوء ليتسلل له نبرتها الحماسية وهي ترفع كوب الشاي وهاتفها قائلة: تعالى نتصور أول صورة لينا وإحنا متجوزين.
ابتسم عليها قائلًا: وماله يالا us.
اقترب منها أكثر كي يظهر بالصورة وقرب كوبه من خاصتها، أردفت بعدما أخذت أول صورة: us
كتب الكتاب.

ضحك قائلًا بعدما أنهت التقاط بعض الصور: عارفة يا نور اللي بتتخطب صالونات وتلاقيها تاني يوم منزلة مليون استوري وبوست بتشكر فيه وهي عرفاه أول امبارح؟!
نظرت له بعدم فهم لحديثه ذلك ليُردف: يعني اللي يشوفك وأنت رفضاني ميشفكيش وأنت بتقولي us.
لكزته بمعدته قائلة: تصدق بالله أنا غلطانة.
تحدث بدهشة وألم قائلًا بعنف: بهزر يا رمضان إيه مبتهزرش!
لا يا عسل مبهزرش.

قالتها بسخرية وضيق منه ليقترب منها سريعًا قائلًا: بالله أنتِ العسل.
أنهى حديثه غامزًا لها بوقاحة ولحظاتٍ وعَلَى صوت تكسير بالأجواء بعدما سقط كوبها وبعض القطرات على يدي سيف.
شهقت نور بصدمة وتوتر وبأسفٍ تشدقت: أنا آسفة يا سيف مقصدتش!
نظر لها وهو يمسك يديه ثم تحدث بلينٍ بعدما ترك كوبه أرضًا قائلًا: ولا يهمك يا حبيبي فداكِ.
ثم ابتسم قائلًا: فداكِ عُمري بأكمله يا نور.

صرخت به بتوترٍ يُلجمها: ما هو كلامك ده وأفعالك بتيجي بالعكس يا سيف ودلوقتي الشاي، الله أعلم بكره إيه.
اقترب منها مجددًا بحركة سريعة قائلًا بهيام: يا إيه! قولي اسمي تاني كده،
صدح تلك المرة صوت صراخها بعدما سقط مقعد سيف على مقعدها وسقط الاثنان لتصرخ به بعنف: يا أخي أنت ورومانسيتك دي! المرة الجاية هنقع من على التل وسلملي على الشهدا!

ابتعد عنها ضاحكًا بشدة وهو يجلس معتدلًا على سفح الأرض يُساعدها على الجلوس هي الأخرى تُشاركه الضحك.
ابتسم سيف عليها فبمعدل كل دقيقة تضحك وهي تنظر له ليُردف بهدوء وبحة جادة بعض الشيء جعلتها تهدأ ناظرة له: نور،.

هدأت تنتبه لكل فعلٍ يصدر منه ليعتدل بعدما كان يجلس جوارها فجلس مقابلًا لها لتفعل المثل فتشدق بهدوء وحنان ممسكًا يداها: أنا عايز أشاركك كل حاجة، كل حاجة حرفيًا زي ما شاركتك الضحك دلوقتي عايز أفضل معاكي بقيت العمر أشاركك كل تفاصيل حياتي حتى حدوتة قبل النوم،
ضحكت بخفة ليسترسل قائلًا: مش عايز يوم نتخانق فتقولي هسيب البيت وأمشي أو تعمليها فعلًا وتقولي بيت أبويا أولى بيا.

البيت بيتك يا نور وأنا اللي ضيف عندك، البيت بدون الزوجة أو الأم أو الست عمومًا ميبقاش بيت، يبقى حتة خرابة بسبب الراجل.
كانت ابتسامتها تزداد رويدًا رويدًا من حديثه ليسترسل: عندي بس شوية نقاط ومباح النقاش فيها بس هيسهلوا كتير في حياتنا.
قاطعته ضاحكة بخفة وهي تقول: شغل رجال الأعمال بقى.
شاركها الابتسامة متشدقًا بوجهة نظره: الصوت العالي والزعيق والهزار والنقاشات الحادة ممنوعين.

رفعت حاجبيها باستنكار وما كادت تُعلق حتى قاطعها مسترسلًا: ممنوعين قصاد الناس لكن معنديش مشكلة في صوتك العالي وطبعك لأنك شخصية حادة فدا غصب عنك صوتك هيعلى بس بلاش بره البيت وحاولي تتحكمي في النقطة دي ممكن؟
زادت من إمساك يديه تومء بهدوء وطاعة قائلة: ممكن.
كانت كطفلة صغيرة يُملي عليها والدها ما يجب عليها فعله بأول يوم دراسي واستجابت هي بكل صدر رحب تتقبل حديثه الهادئ والحنون.

وضع النادل الأطباق على الطاولة بابتسامة لبقة ثم رحل بهدوء ليُردف مهند بحنان: كُلي على ما يحضروا الأوردر وبعدين نمشي، أنا عارف إنك جعانة.
نظرت للطعام بحرجٍ ثم له قائلة: أنا آسفة أنا عارفة إني على طول جعانة بس والله غصب عني.
تنهد يُهدأ من ذاته بسبب حديثها ذلك، ثم مد يده اليسرى يحتضن كفها وهو يُمسك بأداة الطعام الشوكة يُطعمها وهو يقول:.

حبيبي أنا بحبك كده ومش عايزك تتغير فممكن تبطلي تفكير في الموضوع ده؟!
أماءت وهي تبتسم بسعادة تأخذ منه الأداة المساعدة للطعام تأكل بنهمٍ كي تروي جوعها وتكف عن التوتر تشعر أن جميع الأنظار موجهة لها برغم من انشغال الجميع بطعامه وأكله بنهمٍ أيضًا!
بعد قليل كانا يقفان أمام السيارة المقابلة للبحر بعدما رفضت تواجدهم بأماكن مزدحمة ليُردف بتوجس وقلق من أن يضايقها: هو أنا ممكن أسألك سؤال؟!

عقدت حاجبيها من سؤاله لتترك الطعام جانبًا وهي تنظر له وتقف في المقابل له كإشارة له بالحديث ليُردف: هو، هو أنتِ يعني،
اشتعل لديها فتيل الغضب من توتره ذلك لتصرخ به قائلة: في إيه يا مهند ما ترغي!
تنهد بهدوء ثم قذف ما بجعبته قذفة واحدة: هو أنتِ بتخافي من الزحمة بسبب التنمر.

دارت بعيناها بالمكان تمنع تلك الطبقات الرقيقة من التكون على عدستها ثم أماءت مبتسمة بهدوء وهي تعود لوقفتها الأول دون حديث تسحب الطعام تسد به فاهها حتى لا تزرف دمعة واحدة يكفي ما زرفته طوال عمرها الماضي.

أدار وجهها له بحنان مبتسم ثم تشدق بذات الحنان الذي يُغلف نبرته كلما تحدث معها: نينو يا حبيبي ممكن تشاركيني كل حاجة، أنا مش حابب أشوفك زعلانة أبدًا ومن النهاردة لآخر العمر عايزك تثقي فيّا وتشاركيني كل التفاصيل أنا عارف إن بعد وفاة والدك حتى لو كان بعيد عنك بس إحساس إنك وحيدة في الكون هيفضل يطاردك فعايزك تعتبريني أهلك وملجأك دايمًا حتى لو زعلتك فعاتبيني ومتخليش أي حاجة حتى لو كانت الحزن تدخل بينا وأنا هحاول مزعلكيش أبدًا.

اقتربت منه تعانقه بقوة ثم همست له: شكرًا لوجودك.
ما غاية الوجود إن لم يكن جوارك جميلتي.
تشدق بابتسامة بعدما أبعدها قليلًا ينظر بعيناها.
ابتسمت بحب وخجل وهي تبتعد بحرج لكن منعها وهو يزيد من ضمها قائلًا: أنا موجود دايمًا وكذلك حضني لما تحتاجيني هتلاقيني ومتبعديش أبدًا إلا لما ترمي همومك عليا.
طال الصمت وذالك العناق حتى قاطعت نورسين الأجواء قائلة بخفوت: أنا جعانة،.

أبعدها عنه ناظرًا بضيق لتضحك وهي تأكل بعدم اهتمام فسحب منها تلك الشطيرة قائلًا: كفاية كده أنا عايز آكل.
اش تقصد؟! قصدك إني أكلت كل الأكل؟
كانت تتحدث وهي تضيق عيناه تنظر له بشرر ليتشدق ساخرًا: حلوة الطلعة دي للخناقات احفظيها بقى عشان تبقي تتخانقي معايا بيها.
أماءت بحماس طفلة: اشطا.

دقائق عمت بصمتٍ ظاهر لكن كل منهم كان يسحب الطعام من الآخر ويتشجرون بالأعين كل دقيقة حتى أتى لنورسين رسالة كانت من نور لتفتحها وهي تنظر لمهند قائلة: عملوا us بالشاي.
أنهت حديثها ضاحكة لينظر للطعام المتبقي ثم يقول: طب تعالي نعمل إحنا كمان us بالأكل عشان نحن نختلف عن الأخرون وكده.
التقطت لهما صور عديد كانت معظمها بأحضانه أو الطعام بفاهه وهي تأخذ له الصور على غفلةٍ وتعلوا ضحكاتها.

أرسلت لصديقتها تشاركها كما فعلت: نحن نختلف عن الأخرون، Us سندوتشات كبدة.
وبسياق الحياة ننتقل من وضعٍ لآخر مودعين الماضي بلا عودة، فما بالك إن أتت الفرصة وأتيحة بكل قوة للعودة.
أبدلت ثيابها المبتلة بعد تنظيف المطبخ وأخذت حمام ساخن تزيح به تعب اليوم تستعد لسهرة صغيرة رفقة زوجها الحبيب وابنها ذالك العاق الذي غادر منذ الخامسة عصرًا تقريبًا.

جلست جوار زوجها بعدما أتت ببعض التسالي والعصير ليجذبها لأحضانه بحبٍ قائلًا: أنا بحبك يا ملاكي.
ابتسمت ترفع أنظارها له قائلة: وأنا كمان يا مالِكُ قلبي دون شريك.
اتسعت ابتسامته وهو يزيد من ضمها يشاهدان التلفاز حتى أردفت: الساعة بقت 10 والأستاذ لسه مجاش.
ضحك قائلًا: معلش يا ملاكي سيبيه براحته وهو مش هيتأخر.
أردفت بهدوء ظاهري: ما أنا سيباه براحته، براحته خالص، بس، أقسم بالله ليتعاقب ابن مالك.

مالك هيسيب البيت، اسمعي مني هسيبلك البيت أنتِ وابني عشان ترتاحوا مني وتبطلوا تزهقوني يوم الأجازة.
ضحكت بسخرية قائلة: الله! مش بنعمل للبيت حس!
استمعوا لطرقات على باب المنزل لينهض مالك قائلًا: اعملوا حس يا أختي، ربنا يديم حسكم على الدنيا ومعايا.
فتح الباب ليظهر من خلفه آسر مبتسمًا...

طالت النظرات بينهما حتى بادله مالك الابتسامة متقدمًا خطوة للأمام فاقترب آسر بقية الخطوات يحتضنه بعناق قوي يسرد شوقهما للطفولة التي جمعتهم معًا.
أتت ملاك من الداخل تصرخ قائلة: تعالالي يا روح أمك بقى أقولك متنزلش و،
صمتت فور أن التقت عيناها بآسر صديق طفولتها وقريبها برفقة زوجته ألماس وابنتهما.
اقترب آسر منها قائلًا بابتسامة: ازيك يا لولا.
ابتسمت باتساع بعدما ألجمتها الصدمة تهتف بشوق: وحشتني أوي يا آسر.

وأنت كمان والله يا حبيبتي.
هتفت بها ألماس بتهكم وهي تقترب منها تضمها بقوة شاركتها ملاك العناق بشوقٍ شديد تتجاهل سخريتها من حديثها مع آسر حتى بكت اثناتهما باشتياق.
بعد القليل من الوقت كان الجميع يجلس بردهة المنزل حتى صدح صوت الباب مجددًا لتنهض ملاك تفتح لابنها صارخة به: إيه ياض! فرح خالتك عشان تخبط كده.
عاد خطوة للخلف يبتسم بسماجةٍ قائلًا: ازيك يا ماما.

سحبته لداخل المنزل حيث الغرفة سريعًا فلم يتبين له من بالردهة وفور ما أغلقت الباب هتفت به: عارف يا أحمد يا حبيب ماما أنا هسيبك دلوقتي ليه؟
ابتلع ريقه يسألها بتودد مصتنع: ليه يا ماما يا حبيبتي.
عشان خالك اللي بره.
خالي مين يا ماما؟!
ً
بعد مدةٍ كان يجلس الجميع بحديقة المنزل وعلى مقربة منهم ألماسة برفقة صديقها أحمد.
هتفت ألماس تُنهي حديثها قائلة: وبس يا ستي بقى وانهارده كان كتب كتاب سيف ومهند.

نظرت ملاك لآسر قائلة: هي مليكة فين؟
تبادلا النظرات حتى أردف مالك يزيح عن آسر وزوجته العبء قائلًا: عصام مريض شيزوفرينيا.
هزت رأسها بعدم فهم قائلة: أيوة برضوا إيه دخل ده في مليكة، مليكة فين يا آسر؟!
تشدق آسر بهدوء قائلًا: عصام مريض وشخصيته المسيطرة عليه متملكة وبتتحكم في مليكة لدرجة إنه حابسها.
صُدما كلاهما ملاك ومالك لم يكن يعرف الثاني أن أخيه وصل لتلك الدرجة قد ظن أن أذاه لن يطل مليكة.

أما ملاك فصُوِر لها أبشعة الصور عن طريقة تعامل عصام مع أختها الحبيبة، بكت بشدة هاتفة: طب، طب ليه متدخلتش يا آسر؟!
أنا لسه عارف من فترة صغيرة وهو أخدها وسافر بس خلال كام يوم هيستقر في لندن وساعتها مهند وسيف هيقابلوه لقاء خاص.
ً
وعلى مقربة منهم أردفت ألماسة بفضول وخوف: أحمد هو أنت هتحب نادر وتامر وتبقوا صحاب أكتر مني؟
هز رأسه بالرفض وهو يترك الهاتف قائلًا:.

لأ طبعًا يا لولي، يعني مثلًا بابا بيحبني بس بيحب ماما برضو وهي في كفة والعالم في كفة وبيقول إني مع ماما في الكفة.
زفرت بعدم فهم قائلة بانفعال: أيوة برضوا هتحبهم أكتر مني؟!
ضحك عليها قائلًا: يا لولي أنتِ في كفة والعالم كله ميجيش حاجة قصادك.
ضحكت بسعادة قائلة: وأنت وماما وبابا وسيف ومهند وخالتو نور وخالتو نورسين وتيتا بيبة وجدو ياسر وطنط ليلى وطنط فريال،
قاطعها صارخًا بدهشة: إيه كل دولا!

دي الناس اللي بحبها واللي هما في كفة وبقيت العالم،
كانت تبرر له ليقاطعها ساخرًا: بقيت إيه بقى أنتِ قولتي العالم كله!
ّ
أصبحت الثانية عشر بعد منتصف الليل، غفى الأطفال وتبقى ثمانيتهم ينامون فوق أرضية الحديقة ينظرون للأعلى حيث السماء، كلٌ منهم يتابع حُلمه ولأين رست سفينته تلك الليلة وهل أبحرت من الأساس أم أنه يومٌ بلا فائدة.
هتفت نورسين بعدما تركت هاتفها قائلة: كرم كلم أخو ريهام وهنروح نخطبها بعد يومين.

افتعلت نور صوتًا كالزغاريد لكنها فشلت قائلة: الحمد لله يا رب تطلع عينه كرم ابن أم كرم.
نظرت لها بضيق قائلة: أنت مش طيقاه ليه؟
هتفت نور بانفعال وهي تعتدل تلاها البقية: عشان غلس ومش بيرضى يشارك حد الخناقة وبياخد العيال يقت‌لهم لواحده.
نظرت لها باشمئزاز قائلة: أمك كانت بتتوحم على دم يا نور؟!
نظرت لها ساخرة لتُردف ألماس كي تُنهي ذلك النقاش وتُخرج الجميع من بِقاع لُبه: تعالوا نلعب لعبة؟

نظر لها الجميع بسخرية لتتجاهلهم قائلة: نور إيه أكتر حاجة بتحبيها؟
ابتسم الجميع بحماس لتُردف الأخرى بابتسامة: حاجة ولا حد؟
الاتنين كل اللي بتحبيه قوليه.
قالتها ملاك فلطالما لعبوا تلك اللعبة كي يتعرفوا على بعض.
أماءت بابتسامة ثم أردفت بعد بُرهةٍ من التفكير: بابا هو أكتر حد بحبه،
نظرت للخاتم المزين لإصبعها: هو الحبيب الأول فعلًا.
ثم أردفت مجددًا: وبحب شغلي جدًا وتقريبًا كده بحب حد.

أنهت حديثها بخفوت وصل لمسامعهم بوضوح بسبب الهدوء لتعلوا التهليلات من الجميع ضاحكين.
ليقترب سيف بجسده من نور لتعود للخلف بتروي وهي تستمع لحديثه: بشوقك بكره الشوق يجيبك.
أنهى حديثه بغمزةٍ وابتسامة تُزين ثغره فجعظت عيناها من الدهشة ضاحكة بخفوت ويأسٍ منه.

تحدث سيف وكان يمين نور إذًا هو دورِه: بحب العيلة، يعني عيلتي دي في كفة وبقيت العالم مينفعش يدخل الميزان من الأساس لأن عيلتي لا تُقارن، وخاصةً أنت يا آسر لأنك أهم فرد في عيلتي.
ابتسم آسر بحنان لأخيه الصغير ليسترسل الآخر: وبحب فكرة الصحاب وصحابي جدًا وطبعًا بدون نقاش بحب ذات البحر.
أنهى حديثه يقذف لها قُبلة بالهواء مع غمزةٍ خفيفة أثناء تهليل الشباب مجددًا.

تبعه مالك بالحديث قائلًا: وزي سيف بحب عيلتي جدًا.
ثم نظر لملاك قائلًا: وهي كل عيلتي.
ابتسمت بحب تمسك يداه قائلًا: وأنا مبحبش قدك،
زادت ابتسامته اتساعًا لتسترسل حديثها: أنت وأحمد.
لوى ثغره بضيق مصتنع هاتفًا: أهو حتة العيل الصغير ده من يوم ما جه وهو مشاركني في كل حاجة حتى صنية البطاطس.

ضحك البقية على حديثه وشاركته ألماس التذمر قائلة: عندك حق والله، ألماسة بتشاركني في أقل حاجة بحبها حتى المهلبية، بس على قلبي زي العسل مبحبش قدها أصلًا.
ثم استرسلت ألماسة أغلى حد على قلبي هي وآسر يليهم عيلتي وأصحابي ثم شغلي.
تمتم آسر بسخرية: آه شغلك اللي مطنشاه بقالك أسبوع.
نظرت له بدهشة هاتفة: كده عيب يا آسر!

ضحك عليها يضمها لأحضانه قائلًا: ميمو عندي بالدنيا وما فيها هي ولولا وطبعًا العيلة بس ألماس في حتة تانية لواحدها وبالنسبة لشغلي مثلًا فعادي مش أوي.
نظر لهم مهند بتفكير وكان دوره ليُردف: ماما وآسر وسيف بقى يعني العيلة برضوا والصحاب والراحة حلوة برضوا مش بتأثر ونورسينَ العسل.
أردفت نورسين بحماقة ودون تفكير:
والله أنت اللي عسل تسلم.
أفاقت من حماقتها على ضحكاتهم وزجر نور لها بدهشة لتشعر بالخجل والإحراج.

أراد مهند إزاحة تلك المشاعر عنها فأردف: حبيبي تسلميلي والله أنا بحبك أصلًا عشان صراحتك.
ابتسمت باتساع وهي تنظر له بسعادة يُحييها بكلماته المعسولة دائمًا.
ابتسمت ملاك فعلاقتهما تفكرها بعلاقتها بمالك فأردفت: وأنت يا نورسين بتحبي إيه.
أجابت سريعًا وبتلقائية: الأكل.
ضحكت معلقة وهي تُشير على الطعام: غيره يا نورسين، واضح يا ماما.

ابتسمت تتذكر كل ما أحبته وتحبه لتُردف بعد لحظات: الروايات والنوم والأنتخة والمرعى وقلة الصنعة و،
صمتت تتذكر ماذا أيضًا ليهتف بها مهند بدهشة: وإيه كمان؟!
نظرت له قليلًا وأردفت بخفوت ودون وعي: وأنت،
ً
فتح عيناه بضيق من تلك اللمسات على وجنته، لتلتقي عيناه بمن سرقت قلبه دون إذنٍ، ابتسم مهند يغلق عيناه مجددًا يهتف بنعاس: خير يا نينو؟

ابتسمت وهي تجلس جواره تُبعد تلك الخصلات المتمردة عن وجهه قائلة: صباح الخير.
صباح الجمال يا أجمل عيون.
ضحكت بخفوت قائلة: قوم عشان آسر بقاله ساعة عايز يصحيكم.
عقد حاجبيه وهو يبحث عن هاتفه: هي الساعة كام؟
الثامنة، ثم نظرة بهاتفة قائلة بدقة ونصف وخمس دقايق.
انتفض صارخًا بها بانفعال: نعم يا حبيبتي؟! إحنا نايمين بعد خمسة الفجر!

عادت للخلف بفزع قائلة بدهشة: الله وأنا مالي أنا؟! أنا لسه بغمض لقيت الباب بيخبط وصوت آسر بينادي لألماس ولما رديت قالي صحيهم.
نظر لها بضيق شديد وحنق من أفعال آسر ليهتف بسؤال: سيف صحى؟
أماءت قائلة: لسه نور بس.
أماء بضيق وهو يطلق تنهيدة ثم مسح على وجهه يبتسم قائلًا مجددًا: صباح الجمال يا حبيبتي.
قالها وكأنه يبدأ صباحه من جديد يفتح ذراعيه يدعوها للعناق، نظرت له بعدم فهم قائلة: نعم!

سحبها لأحضانه متشدقًا ببحة بدت غريبة عليها فتقريبًا تلك المرة الأولى التي تُيقظه من سُباته: عناق يا حبيبتي Hug الزوجة الصالحة تعطي لجوزها حضن أول ما يصحى.
لكمته في ظهره من الخلف قائلة: أخرَجته ياسمين عز، بلاش فتي قول إنك عايز حضن وخلاص إيه الهم ده.
أبعدها عنه قائلًا بانفعال: خلاص يا نورسين مكنش hug ده يعني؟!
نظرت له بدهشة متشدقة: أنتَ بتزعقلي يا مهند من أولها؟!

ابتسم لها يمسك كف يدها يُقربها منه قائلًا: وأنا أقدر يا حبيبي؟ ده أنتِ حبيبتي برضو.
بدأت أرجلها تهتز بتوتر من نظرات عينيه المُسلطة عليها تجذبها اتجاهه وابتسامته المتسعة تلك تُشعرها بالريبة والتوتر تَملك منها لتهتف: أنا، أنا جعانة.
نظر لها يرمش بعيناه مرة واثنان يُحاول استيعاب ما تشدقت به لتوِها قائلًا: نعم يا حبيبتي؟
بدت ملامح البكاء على وجهها وهي تصرخ به: بتوتر يا مهند!

ضحك يسحبها مجددًا لأحضانه وبعد برهةٍ من الزمن تسلل صوته لها: هتوحشيني جدًا الأسبوع ده كله متعودتش تبقي بعيدة عني.
ابتعدت عنه تنظر لعيناه قائلة: معلش يا حبيبي عشان شغلك وهنتكلم كل يوم فيديو كول video call إن شاء الله.
لم يستمع لبقية حديثها فقد وقف استيعابه عند تلك الكلمة، تبدو لطيفة بكل حالاتها يود أكلِها من جمالها ولطفها تلك الفراولة الخاطفة لقلبه.
قولتي إيه؟!

قالها ينظر بعيناها بحبٍ لتبتسم قائلة: أكيد مش هقولها تاني، بس واحدة واحدة وهتبقى عادي، سيبني أتعود على الوضع الجديد.
أردف وهو يتفهم حالتها تلك قائلًا وهو ينهض من الفراش متحدثًا: براحتك يا حبيبتي خدي وقتك كله أنا كده كده معاكي لآخر العمر.
أنهى حديثه يختفي من أمامها بداخل غرفة الملابس يجلب ثيابه وهي تنظر بأثره بابتسامة، هو بالفعل عوضها عن كل ما مضى...
ً.

تمللت بنومتها بضيق تنقلب للجانب الآخر بانزعاج شديد من ضوء الشمس تعلم بداخلها أن تلك الفعلة خاصة بألماس فكلما ودت إيقاظهم فتحت النوافذ، الستائر أو الأضواء.
تسلل لمسامعها صوته الذي دل على استيقاظه لتو يُمرر يده بين خصلاتها بعدما جلس جوارها هامسًا بخفوت: نور يا حبيبي، يلا اصحي يا نوري.
فتحت نصف عيناها ثم أغلقتهما بابتسامة وهي تنهض تعتدل بجلستها قائلة: الساعة كام؟!

ابتسم يقترب منها قليلًا وهي تنظر له بعدم فهم ليقول: يا صباح الجمال والكريستال
أنا قلبي ليكي ميال.
أنهى حديثه غامزًا لها لتعلوا ضحكاتها المستنكرة وهي تُجيبه: صدقني من بعد الرصاصة وأنت مش مظبوط.
أماء لها بابتسامة قائلًا قبل أن يغمز: حصل أنا بعد كل رصاصة بتغيَر، وأنت عيونك قناصة.
هزت رأسها بيأس وضحكاته تعلوا ثم أردفت بحماس: فكرتني،.

نظر لها مستفسرًا لتجيبه قائلة بحماس: لما نيجي من القاهرة عايزة أجيب قناصة.
رمش بعيناه قليلًا ثم أردف بعدم فهم: بعد القاهرة في فرح وكده وعلميًا البنات بتجهز اللي ناقصها في الفترة دي؟!
أجابت بسلاسة قائلة: وأنا ناقصني قناصة.
أماء وهو ينهض قائلًا: أقسم بالله أنا شكلي هندم.
ن
ظرت له بدهشة تهتف باسمه:
سيف؟!
بلا سيف بلا مش سيف قوم يلا عشان نتحرك.

أماءت وهي تراه يترك الغرفة لتمسك هاتفها ترى كم الساعة لتُصدم وهي تنهض صارخة باسمه فلم تتجاوز الساعة التاسعة حتى يوقظهم أحدهم!
ً
هتوحشيني جدًا يا ماما.
قالتها وهي تحتضن والدتها للمرة التي لا يعلمان عددها، لتبتسم ألماس والدموع تتجمع بعيناها: وأنت كمان هتوحشيني جدًا يا حبيبتي والله لولا إن إحنا هننشغل في الشغل كنت أخدتك معايا.
أمال آسر رأسه قليلًا عن حاسوبه قائلًا: وأنا مليش حضن يا لولا؟!

ركضت حيث والدها تضمه بكل الحب التي تملكه، حتى وإن عشقت والدتها سيظل هو ركنها الحبيب أبيها وصاحبها ورفيقها اعتادت على سفره ولم تعتاد على بُعده.
كانت تجلس بأحضانه لتُردف وهي ترى والدها يتنقل بين صفحات التواصل الاجتماعي: أنت بتعمل إيه يا بوب.
ابتسم على ذلك اللقب قائلًا: بشوف الأوضاع الاقتصادية والشركة من الكاميرا، بكره لما تكبري هعلمك كل حاجة عشان تمسكي الإدارة مكاني.

نظرت له بتساؤل قائلة: وأنت هتعمل إيه يا بابا وقتها لما أمسك الشغل.
نظر لألماس التي تقترب منهما قائلًا بغمزة: هشوف الإدارة بتاعتي بقى.
ابتسمت ألماس وهي تجلس أمامهما على المكتب قائلة بتذمر ونعاس: ليه نسافر بدري يعني؟!
يلا يا ميسو يا حبيبتي عشان نسافر في الهدوء.
قالها وهو ينهض يحث الأخرى على الخروج حيث البقية بالخارج.
ً.

بعد القليل من الوقت وقف الجميع يودعوهم بردهة المنزل لتقترب نور من والدها الجالس يشاهد الأخبار على التلفاز قائلة: بابا تقفل على نفسك بليل كويس وتاخد بالك من نفسك ماشي؟
ضحك وهو يضمها فتلك المرة العاشر التي تكرر ذات الحديث قائلًا: حاضر يا نور، كفاية أنا حفظت الكلام وبعدين أنا لا صغير ولا أي حد برضو.
ضمته بقوة وقلق، أن تعتاد على شيء وتناقضه ذات مرة صعبٌ.

اعتادت وجوده بالأونة الأخيرة والآن من المفترض الابتعاد عنه لمدة أسبوع أو بقية عمرها بعد زيجتها.
أردفت ألماس لابنتها بعد العناق الخامسون تقريبًا: لولا متتعبيش تيتا أو عمتو ملاك وعمو مالك هما هيجوا يقعدوا معاكم ساعات وأنتم هتروحولهم.
تدخلت ملاك وهي تجذب ألماسة قائلة: متقلقيش يا ألماس، ألماسة هادية ومؤدبة ومش هتتعبني خالص، اطمني أنتِ.

اقترب أحمد منهم قائلًا: متقلقيش يا مس، ألماسة مش هتتعب ماما عشان هي كده كده تعبانة مني.
كان يتحدث بابتسامة وثقة وكأنه يفعل بوالدته معروفًا مثلًا، لتنظر ملاك لألماس بمعنى أرأيتي؟!
ً
ً
كان يجلس بغرفته السوداء أعلى مكتبه وحوله الكثير من الخطط على الحائط مسلط ضوءً هادئً عليه وأمامه الحاسوب ليُردف بجهازٍ خاص يتواصل به مع رِفاقه بالعمل ومساعديه قائلًا بالإنجليزية: الآن.

ابتسم باتساع وهو يُشاهد ما يحدث ويتلقى إشعارات من القنوات الإخبارية التي تُلاحق على رصد ونقل الخبر أولًا.
تحولت ابتسامته لأخرى جانبية خبيثة وهو يرفع عيناه عن شاشة الحاسوب لتلمع عيناه بسبب الضوء وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا يصدر عن عظام عنقه وفقراتها صوتًا حاد يفرد ذراعيه ناهضًا وهو يهمس: لقد اقتربت نهايتكم أقسم أن أجعلها دامية ولن يُغفر لكم،
ً
ً
أتى آسر يمسك حقيبته وحقيبة ألماس قائلًا: يلا يا جماعة!

هتفت به نور بانفعال وهي لا تُصدق أنه أيقظهم باكرًا: أنت مستعجل على إيه؟ مش كفاية مصحينا بدري.
نظر لها مطولًا بسبب صوتها المرتفع ذلك ثم نظر لسيف قائلًا: مبحبش الصوت العالي.
أماء سيف بابتسامة مكتومة وهو يقترب من زوجته قائلًا: معلش.
نظرت له بدهشة قائلة بخفوت: أنت مستفز أنت وأخوك.
هتف ياسر بدهشة بعدما قُطعت وصلت الأخبار الصباحية بأخبارٍ مباشرة قائلًا: استنوا كده استنوا!

رفع صوت التلفاز ليعم صوت المذيعة بالأجواء تتحدث بعملية قائلة: أتتنا إخبارية حديثة عن انفجار بثلاث أماكن تابعة لرجل الأعمال المعروف عصام الشمراني، وكأنه مُرصد من إحدى المنظمات، تابعة لمن؟ لا نعلم، لكن هناك من يقول أن كل ذلك قد يصدر من أخيه الذي نفاه بعيدًا عن ممتلكات الشمراني منذ خمسة أعوام، رجل الأعمال المعروف سابقًا مالك محمد الشمراني المدعو بمالك الشمراني.

تظل الأسباب والفاعلين مجهولون لكن المعلوم الوحيد بتلك الحادث أنها ضرب قاضية لعصام الشمراني ندعو الله أن يكون بخير بعد تلقي تلك الأخبار.
قالت حديثها الأخير بسخرية ثم استرسلت قائلة: دعونا ننتقل لمُراسلينا من الثلاث أماكن.
ما الأوضاع لديك بمصر معتز؟
وما الأوضاع لديكِ بأمريكا مرام؟
وما الأوضاع بإيطاليا ندى؟

أردفت ندى وهي مراسلة من روما: الخراب يعم المكان كان ذلك أكبر المصانع المنتجة للأقمشة لدى عصام الشمراني و وصلتنا إخباريات أنه نوى ترك روما لضمان سلامته لعله غفى عن المصنع والشركة الأُخريان لدى أمريكا ومصر.
أغلق ياسر صوت التلفاز وهو يرى مالك يقترب من الأريكة يجلس بقلة حيلة وانسحب الطفلان بعدما رأى أحمد والده بتلك الحالة.
أنت كويس؟!

قالتها ملاك وهي تجلس أمام زوجها تحتضن يديه تحسه على النظر لها وبالفعل نظر لها بابتسامة كي يُطمئنها قائلًا: أنا تمام.
نهض ينظر للبقية قائلًا: يلا يا آسر شوفوا وراكم إيه.
متأكد؟
قالها آسر وهو يقترب منه، رفيقه منذ الطفولة ليُجيبه: آه أنا هروح أشوف أنهي شركة اللي وُلعت وأحاول أسيطر على الدنيا هنا.
ً.

مر ساعة تقريبًا وكانوا لتوهم خرجوا من حدود الاسكندرية يشقوا الطريق حيثُ القاهرة بعضهم نائمين، أما آسر فكان يتولى القيادة وسيف يجلس بالخلف بين مهند المغلق لعيناه ونور، يستند برأسه على رأس نور الغافية بأحضانه.
تمللت ألماس بنومتها فهنّ لم تسنح لهم الفرصة بالنوم جيدًا لذلك غفتا الآن، تمللت تركل آسر بقدمها وكأنها بفراشها وليست السيارة.
ليتألم آسر بدهشة منها هاتفًا: يا بنتي بقا، كده كتير والله!

ضحك سيف من الخلف قائلًا: من أعمالكم سُلط عليكم.
شاركه مهند الضحك وقد كان يسمعهما قائلًا: أنت صحيت بدري، إحنا إيه ذنبنا وليه نسافر في الحر ده؟!
أعادت ألماس فعلتها ليُبعدها آسر بحدة مناديًا إياها: ألماس! ألماس.
إيه.
خرجت من فاه اثنتاهما وهما تستيقظان من غفوتهما.
لتنظر ألماس لآسر بحنق وهي تعتدل بجلستها قائلة: في إيه يا آسر.
نظر لها بحنانٍ قائلًا: معلش يا حبيبتي مش عارف أسوق وأنت نايمة وبتتحركي كتير.

نظرت نور لسيف بضيق لأنها استيقظت ثم هتفت بهم:
أنا جعانة.
لينظر لها مهند بشماتة: أحسن أولًا عشان بتتريقي على نينو حبيبتي، ثانيًا عشان مفطرتيش وقولتي مليش مزاج.
صرخت بآسر بحدة قائلة: ما هو كله منك لو مكنتش صاحتنا بدري مكنتش غضبت على الأكل.
أوقف آسر السيارة بحدة حتى أن أجسادهم ارتدت ناحية اليمين وخُبط رأس ألماس ليعلوا صوتها بألم.

التفت آسر ناظرًا لنور يرد عليها بحدة: بت أنتِ محدش قالك تغضبي على الأكل، وبعدين اصتبحي كده وصوتك ده ميعلاش تاني أنا محدش يعلي صوته عليا أنتِ فاهمة؟
صرخت به ساخرة منه فمن هو حتى لا ترفع صوتها فوق صوته أو أمامه: وحيات أمك ليه إن شاء الله، رئيس وزراء؟!
لا يا سكر قتال قُتلة ومُسجل خطر، ما تلم مراتك يا سيف.

أجابها ساخرًا هو الآخر وبتهكم يُنهي حديثه ناظرًا لأخيه، نظر لهما سيف للمرة التي لا يعلمها وهو يرمش ثم أجاب بهدوء: والله ما عارف ألم مين فيكم، نور ملكيش كلام مع آسر تاني، وأنت يا آسر محدش يزعق في عنبتي أبدًا، أنت فاهم؟!
استقبل كلًا منهما حديثه بسخرية والتفتت نور تنظر للخارج وكذلك آسر للأمان.
ليُردف سيف لصديقه بخفوت قائلًا: مسيطر أنا صح.

ضحك الآخر يُومء له بكل تأكيد، أما آسر فلانت ملامحه وهو يجذب ألماس يرى رأسها التي صُدمت بزجاج.
أردف بحنان بعدما لثم رأسها قائلًا: أنا آسف يا حبيبتي.
ابتسمت كردٍ له ثم أردفت: مفيش أي استراحة أنا جعانة!
خمس دقايق ونكون عند الاستراحة إن شاء الله.
قالها وهو يعاود إشعال السيارة ثم أردف بنبرة مرتفعة قليلًا: عشان خاطرك بس يا ميمو.

نظرت لهما نور بسخرية تلوي ثغرها وهي تجلس بزاوية تستند برأسها للخلف وأرجلها موضوعة على أرجل سيف وبين قدماه.
ً
هبط آسر برفقة ألماس كي يجلب لهم بعض الطعام وكذلك مهند هبط يحادث نورسين وتبقى سيف برفقة نور وما زالت تجلس ذات الجلسة بالإضافة لتحركها قليلًا فأصبح ظهرها للنافذة من خلفها وسيف يضع يده على أرجلها ورأسه للخلف.
أخرجته نور من حالته تلك وهي تناديه قائلة: سيف.

فتح عيناه بمعنى تحدثي لتُردف هي جاذبة انتباه: عارف أنت ينطبق عليك إيه؟
انتبها لها بالفعل معتدلًا ليسمعها تسترسل حديثها بغناء:
بياخدني معاه لأماكن عمري ما روحتها، شوفت معاه مواقف عمري ما عيشتها.
عقد حاجبيه باندهاش ضاحكًا على اختيارها، لم يكن صوتها الأفضل لكن بالنسبة له هي المفضل.
كانت تتابع ردة فعله بشغفٍ وابتسامة ليتحدث هو سائلًا: اشمعنا الأغنية دي والجملة دي بالأخص؟!

سحبت قدماها تجلس وهي تُربع أرجلها لينزاح هو قليلًا كي تسنح لها الفرصة بالجلوس جيدًا أما عنه فلرؤية وجهها يستمع لحديثها بشغفٍ لاستماعها: المقصد مش المعنى الحرفي للأغنية، ولا إني عمري ما روحت القاهرة بل أنا كنت عايشة فيها.
المقصد إني بعيش معاك حالة تانية، مشاعر تانية ومواقف تانية وبحسك صاحبي جدًا برتاح في التعامل معاك بعيدًا عن إنك ساعات بتبقى مش سالك.

ضحك على حديثها ولم يستعجب فهو هكذا بالفعل لتسترسل: أولًا مرة روحت فيها Bar كانت بسبب الشغل بس أنت كنت معايا، أصلًا بحسك معايا في كل حاجة لدرجة مش عارفة أحكيلك حاجة لأنك عيشت معايا كل حاجة، يعني تقريبًا معايا دايمًا!

ابتسم باتساع وسعادة لحديثها ذلك وكأنها كانت تنتظر جملة المأذون لتُظهر كل ما أخفته من مشاعر: أنا معاكي دايمًا إن شاء الله لآخر العُمر، ومستعد أسمعك في أي وقت وفي كل وقت حتى لو هتحكي نفس الشيء للمرة المليون فكلي أذانٌ صاغية لكي.
زادت ابتسامتها وهي تضع يدها على وجهها تخفي عنه ابتسامتها وسعادتها تلك تود أن تقفز من السعادة الآن.

ضحك على ردة فعلها واقترب ساحبًا يدها من على وجهها يطبع قبلة بباطن يدها هامسًا بلوعة: بحبك جدًا يا نوري، أنتِ نورتي حياتي مش كلام وبس.
ً
ابتسم مهند فور ما أجابت نورسين على اتصاله متشدقًا بحنان: صحيتك يا حبيبتي؟!
أردفت وهي تبتعد عن ملاك والأطفال: لا إحنا منمناش بقى، مالك مشي وملاك فضلت معايا فكُنا بنتعرف وكده.
أماء وكأنها تراه قائلًا بسؤال: هتسافري امتى؟

نظرت لساعة الحائط ثم أردفت: كرم هيجي كمان ساعة إن شاء الله.
أجابها بهدوء وهو يتلوا عليها ما سيفعله قائلًا: تمام يا حبيبتي، تقريبًا هتلبخ بقيت اليوم في الشغل فهكلمك بليل.
ابتسمت قائلة وهي تخطط لما ستفعله اليوم: مفيش مشكلة وأهو أكون لفيت وأحكيلك عملت إيه.
ً
فُتحت الأبواب الأمامية للسيارة وصعد كلًا من آسر وألماس مُلقيين السلام.
التفت آسر يُعطي لسيف حقيبة بها طعام قائلًا: امسك وزع علينا.

نظرت له ألماس بصدمة متشدقة بضيق: اشمعنا هو يعني، الله؟!
التفت لها بدهشة وللأكواب بيدها تحملهم على ذلك الحامل من الورق المقوى قائلًا: عشان الشاي والعصير اللي في ايدك يا ألماس؟!
قاطعهم صعود مهند للسيارة واعتدل كلٌ منهم يأكل طعامه وبيده مشروبه بعدما وزع عليهم سيف وألماس، عاد آسر بنظره لنور وهو يبتسم بخبث ينوي مضايقتها: ألا صحيح أول ما ركبنا كنتي مكسوفة وكده، أنتِ بتتكسفي عادي!

زفرت بحنق شديد صارخة به: في إيه يا ابن الناس حاطط نقرك من نقري ليه؟ وبعدين كل واحد يخليه في حاله ها في حاله.
صرخ سيف وقد فاض صبره من الاثنان متشدقًا: بس بقى أنتم قاعدين فوق روس بعض ليه، آسر ملكش دعوة بنور لو سمحت، وأنتِ يا نور ملكيش كلام مع آسر.
هتفت بضجر وهي تُشيح بيدها بوجه سيف الذي عاد للخلف سريعًا: أوي أوي هو أنا هموت وأكلمه؟!

لوى آسر ثغره بضيق من نور وهو ينظر للأمام متشدقًا: مسم أنا اللي هشيلك يا أخويا.
أردفت نور ببرود وتحدي قائلة: وأنا اللي هصوت عليه.
نظر لها آسر مجددًا بصدمة مصتنعة صارخًا بها: صوتوا عليكي و ولولوا في ساعة يا بعيدة، بتفولي عليه؟!
الله!
كانت تنظر له بصدمة ثم تَلَت حديثها بآخر: مش أنت اللي بتقول هشيل نعشك.
تحدث باستنكار وبراءة يغلفها الخبث: أنا! أنا قولت على أخويا كده! أبدًا ده أنا بقوله هشيلك لما تقع.

شهقة بعنف وهي تهتف بحدة: لا والله! لا بقا أنت قصدك لما يم،
بترت كلمتها بسبب صراخ سيف بهما قائلًا: إيه أنتِ وهو أنتم بتفولوا عليا وأنا قاعد وسطكم! فال الله ولا فالَك أنتَ وهي.
أنهى حديثه بضجر واضح لينظر الآخران للأمام بضيق من بعضهما وكأنهم يجلسون فوق رؤوس بعضهم بالفعل، كل ذلك وسط ضحكات مهند وألماس المستمتعة.
ً.

شق الطريق مجددًا يستكملوا رحلتهم للعودة لأراضيهم القديمة بشوقٍ كَن وسط الصدور، وفور ما اجتاحتهم رائحة الإزدحام علموا بدخولهم وسط حدود مرساهم، أراضي القاهرة بما تحمله من ذكرى لكلٍ من حظى بزيارتها ولو لمرةٍ، اشتمّ هوائها إن استطاع بسبب ازدحام المرور بأقل الشوارع ضيقًا وعدم أهمية.
وبرغم كل ذالك إلا أن لِكلٌ منّا أمنية زيارتها مجددًا وعن قريب برفقة من هواه القلب.

استقرت السيارة تحت إحدى المباني يتلوا الاستقرار حديث آسر: الشقة هنا أقرب للشركة والمشاوير اللي جينا عشانها وكمان مقركم.
ً
ملأت الدموع عيناها غصبًا وهي تتحرك بتمهل خلف أخيها بين قبورًا احتضنت أحبابًا كانوا محلها منذ مدة.
سقطت أمام قبر والدتها حينما أشار لها أخيها، سقطت تبكي كما لم تبكي منذ فارقتها تستند برأسها على القبر وكأن عظام والدتها تحتضنها.

قرأ الفاتحة مرتان، مرة لوالدتها ومرة أخرى لياسين أخيها ثم تركها وابتعد لقبر والدته يتركها على راحتها.
ابتلعت غصة بحلقها وهي تقول بخفوت تُنهي سورة الفاتحة: آمين،
ثم بدأت الحديث وكأنها ستتجاوب معها، لكنها قد قرأت من قبل أن الميت حينما تتدخّل المقابر ينادي جميعهم على بعضهم يتساؤولون من أتت له الزيارة وكأنهم بسجنٍ.

وحينما تشعر بثُقل وأنت معهم هكذا يتمسكون بك من أجل شوقهم لجلستك، بل ويجلسون معك حينما تذهب، كل ذلك استمعته من أكثر من شيخٍ والله أعلى وأعلم.

بدأت حديثها بلوعةٍ أحرقت فؤادها من الاشتياق، قد تكن تلك المرة الأولى التي تأتي بها فلم يسمح والدها مُسبقًا لكن لطالما تذكرتهما بالدعواة والعتاب لتركها بمفردها، تعلم بل تؤمن بقدَر الله لكن لوعة الاشتياق مع وسوسة الشي‌طان كانت أحيانًا تسيطر عليها مع ضعفِ نفسها يشكلان اعتراضًا داخليًا تنهيه سريعًا هامسة رضيت وارتضيت يا ربي ولكن غلبني الحزن.

وحشتيني يا ماما، وحشني صوتك وعيونك وضحكتك، وحشني كل حاجة فيكي، حضنك وبكانا بليل، عتابك لينا حتى، حتى بكانا من بابا وخناقتنا أنا وأنت يا ياسين.

قالت الأخيرة وهي تنظر للقبر الآخر تتلمس حجاراته بحزنٍ اجتاح قلبها عنوةً عنها: ياسين وحشتني يا حبيبي، أنا، أنا محتجالكم أوي، بابا سابني هو كمان وجالكم، أنا بقيت لواحدي فعلًا يا ماما، مش كنتي بتقولي مقولش كده وإنك معايا بعد وفاة ياسين، اديكم سبتوني كلكم أهو وبقيت لواحدي.

صمتت بألم تسرد ما بداخلها بدون صوت فصوتها يعجز عن التعبير عن حالتها حتى تشدقت تنظر لمحل أخيها بابتسامة لم تصل لعيناها: أنا اتجوزت يا ياسين، جالي اللي يحبني أهو، كان نفسي تكون معايا وأغيظك، مهند طيب جدًا يا ماما، وبدعي ربنا ميتَغيرش زي بابا، أنا بثق فيه وبثق في إنه مش هيتغير لكن زي ما بتقولي مينفعش أثق في حد بنسبة مئة في المئة.

ظلت ما يُقارب لنصف ساعة تروي لهما ما حدث، انتقالًا لكرم فقد جثى على ركبتيه أيضًا يستند برأسه على قبر والدته منهيًا قراءة القرآن بهدوء قائلًا: آمين، وفيت بوعدي يا أمي اتجمعت مع نورسين أختي، عمري ما نسيتها كل الحكاية زي ما أنتِ عارفه شغلي بياخد وقتي، وحشتيني يا أمي،
مرت ساعة انتقلت فيها نورسين لوالدة كرم تقرأ وتشارك كرم الحديث.
ً.

حل الليل سريعًا وكانت تجلس ألماس برفقة نور وسيف بإحدى الغرف يشاهدون التلفاز حتى تشدقت نور موجهة حديثها لسيف: تفتكر مين يكون السبب وراء التدمير اللي حصل في الشمراني.
انتبه لها الاثنان ليبتسم سيف بخبث: ضربة معلم الصراحة، زمانه بيلف حوالين نفسه وهيتجنن.
أنهى حديثه ضاحكًا لتلكزه ألماس بحدة مصتنعة قائلة: عيب كده يا سيف ده كان صاحبنا في يوم.
ضحك سيف بشدة على حديثها مقتربًا منها يهمس لها بخفوت: حرباية.

ابتسمت هي الأخرى بخبثٍ يتبادلان النظرات حتى قاطعتهم نور بعدم فهم متشدقة: معلش هقاطع فكرة الخبث دي وأسألكم، هو عصام مش صاحبكم؟!
أردفت ألماس بهدوء كي تُنهي شكوك نور بأنهم فَرحين به من اللا شيء: سيف بيقول إنهم شاكين فيه.
أماء سيف يُأيد حديث ألماس مضيفًا: وبعدين إحنا ملناش يد إحنا بنتفرج من بعيد، صح يا ميسو؟
قالها رافعًا كفه لها لتضرب كفها بكفه تجيب: صح يا سيفو.

انفعلت نور بضيق هاتفة بهما بمشاعر اجتاحت صدرها مشعلة النيران به: أقوم أنا طيب؟!
ضحك سيف يضمها له متشدقًا بحب: أنت حبيبي لكن هي، صاحبتي.
ً
رست الطائرة بأراضي ألمانيا ليقف سريعًا مترجلًا منها وهو يشير بعيناه لزوجته مليكة كي تتبعه، فنفذت دون أية محاولة للفرار فقد عرفت ما حدث ب روما وتخشى أن يثور عليها.

جاورته بالسيارة تنظر له بقلق دون حديث حتى ركب الحارس بالأمام يمد له حاسوب فقد كسر خاصته بعد تلقي خبر روما.
فتح يشاهد الإخباريات ليلقى حديث تلك المذيعة التي سخرت منه وتدعى بسمة ليرفع الصوت: أتتنا إخبارية حديثة عن انفجار بثلاث أماكن تابعة لرجل الأعمال المعروف عصام الشمراني،
أغلق بدهشة ينظر لرجاله هاتفًا بحدة: إيه اللي بيقولوه ده.
نظر له السائق بخوف وعدم فهم ليُكرر سؤاله قائلًا: ماذا حدث بأمريكا ومصر!

ابتلع السائق ريقه بخوف متشدقًا: لقد حُرق مصنع أمريكا والشركة القديمة لديك بمصر.
ً
كان المكتب منقلبًا رأسًا على عقب وهو كالثور الهائج بالغرفة كلما رأت عيناه شيء دمره حتى صرخ بصوت عالي وحِدة: خلدون!
دخل المدعو خلدون بثبات قائلًا: نعم يا باشا.

تبعت رسالة بالاجتماع بعد بكرة بالكتير واطلب من شركة حراسة تيجي تأمن الوضع هتحرك من هنا بعد الاجتماع وتدور مين وراء الحريق ده وعجل بكل الصفقات واللي عليه فلوس، أهل بيته يلزمونا لحد ما يدفع اللي عليه.
أماء خلدون بطاعة متشدقًا: أي أوامر تاني.
أشار له بالخروج وغلق الباب ليمتثل الآخر لأمره وقبل غلق الباب دخلت مليكة بخوفٍ يأكل دواخلها أكلًا لكنها تقاوم ذلك الشعور.

رفع نظره حينما شعر بآخر معه بالغرفة ليلقاها مليكة وما كادت تتحدث حتى قاطعها: اطلعي بره.
ارتعدت متشدقة بنبرة حاولة الثبات لكن ظهر خوفها كظهور الشمس بغثق النهار: عصام، ممكن نتكلم.
انفعل من سماع صوتها يقذف ما يجاوره صارخًا بها كأسدٍ يزأر: اخرجي بره.
أردفت بلينٍ وعتابٍ ملأ صوتها: عِصام!
جعد وجهه بضيق وكره يحمله لها مقتربًا منها على بغتةٍ كفه يلتف حول عنقها هامسًا لها: مبحبش أسمع صوتك أنتِ غب‌ية!

كانت تنظر لعيناه بصدمةٍ، عيناه سوداء يظهر عليها سواد قلبه، حاولت التملص من قبضة قائلة بتلعثم واختناق: عصام سيبني أنا، هموت في إيدك.
بدأت تضربه بقبضتها بصدره وعيناه تزداد إغمامًا وكأنه لا يراها بل يرى أسوء أعداءه، هكذا سرد عقلها.
يستحيل أن يكرهها عصام لتلك الدرجة! قد حارب لأجلها ماذا حدث وما قلب الموازين.
ارتخى جسدها بيده تحاول لفظ أنفاسها بصعوبة ليهمس بفحيح: أنا بكرهك، بكرهك يا مليكة، بكرهك.

صرخ بالأخيرة يُبعدها عنه لتسقط أرضًا تحاول استنشاق الهواء الكافي لرأتيها تستند برأسها للخلف على طرف الأريكة.
مرت خمس دقائق استجمعت بهم أنفاسها ليلتفت لها صارخًا مجددًا بذات الكلمات: اطلعي بره يا مليكة.
تلفت أعصابها جُل ما استحملته بالماضي ملأ نصيبه بقلبها وفاض صبرها بقهر صارخة: أنت بتكرهني ليه! أنا عملتلك إيه يا عصام؟!

صرخ بالمقابل وقد فقد عقله: عشان بتخليني ضعيف، أنا كنت بحبك والحب ضعف يا مليكة وأنت بتستغليني.
دُهشت من اتهامه لها صارخة به باستنكار: أنا! أنا يا عصام اللي بستغلك؟!
كل ده ليه، عشان حاولت أصلح علاقتك بأخواتك!
أولع يا عصام وأنا اللي بكرهك، أنت إنسان مريض، مخ‌تل عيشت وحيد وهتموت وحيد.
صرخ بذات الكلمتان مجددًا وهو يُحاول عدم المساس بها يسيطر على ذاته بصعوبة: اخرجي بره.

نظرت له بكرهٍ نبت من أفعاله عنوةً عنها وخرجت تُغلق الباب بعنف تتخطى جُل الحراس تصعد لغرفتها بذلك المنزل.
بكت بقهر لِما وصلت له لم يخيل لها يومًا أن تفشل وتكرههُ ظنة أنها قادرة على تغييره، منذ متى يتغير الأشخاص للأحسن، منذ متى؟!
استيقظت بعد مدة وهي نائمة على الفراش لتلتقي عيناها به يجلس أمامها وفور ما استيقظت هتف بلهفةٍ: مليكة! حبيبتي أنتِ كويسة، مليكة أنا، أنا بحبك.

تشدقت بحدة وهي تُبعد يداه التي أحاطت ذراعيها: وأنا بكرهك يا عصام، اخرج بره.
هتف بضعفٍ ودموعي تكتسي عيناه: مليكة! ده مش أنا ده هو،
لتصرخ به بحدة وقسوة لا تعلم مهيتهم ومنذ متى أصبحت هكذا معه: روح اتعالج يا عصام، أنا مش لعبة تلعب بيها وصدقني واسمعني كويس، أول فرصة تيجي للهرب، أقسم بالله لأكون هربانة منك يا عصام يا ابن الشمراني.
بكى بحزنٍ وهو يمسك يدها بضعف يهمس باسمها لتسحب كفها متشدقة بحدة: بره.

نهض بحزنٍ شديد يمحو دموعه يسحب أماله المحطمة معه للخارج.
أنفطر قلبها على منظره، للتذكر كم المرات التي سحبت خيبتها وأمالها المنكسرة بذات الطريق.
تعلم بمرضه وقد وافقت عليه سابقًا تتحمل جل ما حدث ويحدث لكنه كاد يقتلها! هي غير قادرة على تغييره أو تحمله، ها قد اعترفت وأخيرًا.
أنا آسفة لكن مش هضحي ببقيت عمري، يكفي ما مضى،
ً
ً
كيف حالك بسمة؟

ابتسمت وهي ترى الأجواء ما زالت مضطربة بالقناة قائلة بالانجليزي مثله: بجُل الخير يا قائد.
ابتسم من الجهة المقابلة متشدقًا: أمني ذاتك فلن يتركك عصام.
ابتسمت ساخرًا وهي تبتعد عن الازدحام والأجواء من حولها ترد: أدعوا الله أن يجدني بنفسه وألتقي به، أقسم حينها لن تبرد ناري حتى أقتله.
تشدق سوارين بعتابٍ مصتنع قائلًا: عيبٌ عليك يا فتاة، وهل قصرت يومًا بإيذائه؟

نفت سريعًا قائلة مفسرة مقصدها: عذرًا يا قائد لم أقصد ذلك، كل ما قصدته أننا عرفناه لتونا لذا لابد أن نُنهي كل ذلك قبل الغد.
أماء وهو يتنقل بعيناه بين القنوات الإخبارية: حسنًا بسمة اتركي الأمر لنا، فقط حافظي على ذاتك، أود تذكيرك أنا لن أقتل عصام بل سيُسجن.
أجابته بهدوء وهي تُغلق معه: حسنًا،
أخفضت هاتفها تهمس لذاتها وهي تنظر للخارج سأقتله أنا.
ّ
ّ.

كان يجلس على الفراش بغرفته يتابع هاتفه وما يحدث بالأجواء حتى قاطعه اتصال من زوجته وحبيبته مسجلة باسم نورسينَ فراولة قلبي.
ابتسم لمجرد رؤية الاسم وأجابها سريعًا بحب: السلام عليكم، وحشتيني.
ضحكة بخفة وهي تجلس على فراشها بغرفتها القديمة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وحشتيني جدًا مش متخيل أني مش هشوفك لآخر الأسبوع.
هتف تلك الكلمات بلوعة واشتياق منذ الآن لتتشدق: تيجي نتكلم فيديو؟

كانت تتجول بالغرفة وهي تُريه تلك الغرفة التي نشأت بها متشدقة: كنت بنام أنا وياسين هنا وبعدين هو بقى ينام بره لما كبرنا، شايف الميدالية دي أخدتها في مسابقة جري من ياسين.
ابتسمت بحزن وهي تعود لمحلها تبتسم وتقلب العدسة لوجهها: كان كل شهر مثلًا يجيبلي حاجة من بواقي مصروفه اللي حوشه عشان نور حبيبته ويجي يدهالي، بالساهل كده؟!

أبدًا نلعب لعبة وقبل ما أخسر يخسر نفسه ويقولي: نور عيني متخسرش أبدًا دي مكسبي في الدنيا إزاي أخليها تخسر.
أنا بحب ياسين جدًا.
ابتسم لها قائلًا: ربنا يرحمه، بابا كان بيعمل مسابقة برضو بس، كان بيخلي ماما تكسب ويديها الجايزة ويقولي: هعطف عليك عشان أنت زي ابني.
ويجيبلي أنا كمان.
أنهى حديثه ضاحكًا وهو يتذكر والده، كم اشتاق له حقًا.
هتفت بحماس تنتشله من ذكرياته قائلة: أحكيلك عملت إيه انهارده؟!

ثبت الهاتف أمامه يضع كل تركيزه عليها قائلًا: قولي يا فراولة.
احمرت وجنتاها فأصبحا بلون الفراولة ليصدق لقبه وبعد لحظاتٍ بدأت تسرد له كيف سار يومها بشغفٍ وهو يستمع بكل حب.
ً
ً
حرك عنقه بتعبٍ يمينًا ويسارًا وهو يعود بأنظاره للأوراق أمامه فمنذ الصباح وجلبه آسر للشركة فاندسر وسط تلك الأوراق وقد مرت ساعتان على ذلك.

كاد يعود للأوراق بمللٍ يزفر بضيق ليقاطعه طرق خافت على الباب تلاه دخول نور بابتسامة وبيدها كأسان من القهوة.
تقدمت منه بذات الابتسامة تُقدم له القهوة متشدقة: لقيتك مش في البيت وحاولت أكلمك التيلفون كان مقفول.
أماء يرتشف من ذلك الكوب قائلًا: معلش يا حبيبي لما ببدأ شغل بقفل الفون عشان أركز.
جلست على المقعد المقابلة متشدقة: بقالك ساعتين قولت أجيبلك قهوة تفوق شوية.

سند رأسه على ذراعيه قائلًا بتعبٍ وسخرية: أنا تعبت والله، تاخدي تشتغلي مكاني؟!
أماءت متشدقة آه قولي بس أنتَ عايز إيه وأنا أعمله.
نفى بابتسامة فهو كان يمزح معها فقط قائلًا لا لأ أنا خلاص هخلص ونقوم نمشي.
وقفت مقتربة منه بإصرار تجيب: لأ أنا هساعدك، لقد صدر القرار يا حضرت الرائد.
وقف مقتربًا منها بابتسامة قائلًا: يا عيون حضرت الرائد.

غمزها بمشاكسة لتضحك عائدة للخلف تجلس بمحلها ليجلس بعيدًا على الأريكة يدعوها للجلوس بجانبه وهو ينثر الورق على المنضدة.
شاركته الجلوس وهو يتلو عليها ما يجب فعله، مرت عشر دقائق وما لبثت أن بدأت بالعمل ليمر دقيقتين أو ثلاث فتزفر تقذف الورق اتجاههُ متشدقة بضيق: إيه ده؟! هنقعد نراجع أرقام و ورق! أنا زهقت مش ده شغل المحاسبين برضو؟!
ضحك ساخرًا وهو ينظر لها قائلًا: ده أنتِ مكملتيش خمس دقايق يا نوري.

ضحكت بخجل من ذلك الاسم الذي كانت تُلقب ذاتها به قائلة: حلو نوري منك.
ده أنتِ اللي حلوه يا حلو.
اقترب منها غامزًا إياها لتبتعد بخجل تدير وجهها للخلف فأردف: يلا يا نوري هتساعديني ولا؟!
مدت شفتاها بضيق وهي تنظر لتلك الأرقام، هي تكره الأرقام والعمليات الحسابية وتكره الملل والانتظار لذلك، ستساعده: هساعدك، بس برضو مش ده شغل محاسبين؟!

عادا الاثنان يُسلطان نظرهما على الورق وسيف يتحدث: بصي يا حبيبي، الورق ده بتاع حسابات الشركة لآخر ست شهور، المفروض إنه اتراجع من كبير المحاسبين ومساعده بس آسر بيحب كل حاجة نعملها إحنا فلما بنيجي بنخلص اللي ورانا زي إنه جمع كل الورق بتاع القاهرة عشان أراجعه، ولما أسافر ألمانيا على بكره الصبح هيكون مطلوب مني مراجعة كل الحسابات المالية لكل الشركات خارج مصر.

أجابته بخفوت استمعه فابتسم وهو يُركز بما أمامه: الحمد لله الذي عفانا مما ابتلى به غيرنا.
ً
ً
اقترب مالك من زوجته بحقيبة سفر صغيرة يضمها لتتمسك هي به قائلة بعتاب: لازم يعني تسافر يا مالك؟!
ابتسم بحب وهو يزيد من ضمها يمتص حزنها حتى لا يتركها هكذا ويرحل: حقك عليا يا حبيبتي بس خالد كلمني وقالي أسافر أمريكا عشان شغل جديد وكده.

وقفت على أناملها ترفع فرعِها حتى تصل لوجنته طابعة عليها قبلة وهي تتعلق بعنقه قائلة: متتأخرش علينا يا مالك وخلي بالك من نفسك يا حبيبي.
حاضر يا عيوني هو يوم بالكتير وهاجي إن شاء الله، مسافة الطيارة.
نظرة له بسخرية تهتف به وهي تنهره قائلة: والله! وكأنها مسافة السكة رايح أول المدينة وجاي، هه أمشي يا مالك.

ضحك يضمها للمرة التي لا يعلمها قائلًا: أنا هخرجك عشان أوصل أحمد وألماسة، أنت هتفضلي هنا مع بيبة ولا هترجعي البيت؟
أعطته حقيبة ورقية وهي تتحدث لينظر بها، تضع الطعام بعُلبة وكأنه طالب سيسافر بباص المدرسة!
مش عارفة لسه، بس أكيد هبقى أروح البيت أفتحه وكده وبعدين نورسين جايه انهارده.
أماء بهدوء يُقبل جبينها هامسًا لها: لا إله إلا الله،
أكملت الجملة كما اعتادت كلما سافر أو ذهب للعمل حتى: محمد رسول الله.

سحب حقيبة الطعام بهدوء لن يُجادلها ككل مرة ويُحزنها وهو راحل.
ً
ً
هبطت ألماسة من السيارة تنتظر أحمد الذي يودع والده لتنظر أمامها فتلتقي برفِقاها الآخران تامر ونادر.
اقتربا الاثنان منها لتبتسم لهما بتوتر وهي تُفكر فاليوم سيُخبرهم أحمد بقرابتهم وأنهم أبناء عم، بتأكيد سيُشغل أحمد بصداقته الجديدة أو قرابته تلك عنها.
اقترب أحمد و والده منهم أيضًا ليُردف مالك بابتسامة لأبناء أخيه: ازيكم يا شباب عاملين إيه.

ابتسما الاثنان يردوا عليه بهدوء: الحمد لله يا عمو.
جذب أحمد والده يهمس له: بابا متقولهمش حاجة أنا هقولهم أنا.
رن جرس الطابور ليودع مالك الأطفال متجهًا للمطار حيث إزاحة السِّتار عن الرأس المدبر وأعوانها المساكين.
ً
كانت تجلس ألماسة بجوار أحمد كالعادة لتُردف بحزن ظهر عليها: هو أنت هتقول لتامر ونادر صح؟
تشدق بحماس وهو يرسم مُخططات له برفقة أبناء عمه أيوة طبعًا، متحمس جدًا أشوف عمي وخالتو.

نظرت له بدهشة ولتوها تذكرت لتجيبه قائلة: وعمتك، أنت عندك عمة يا أحمد.
نظر لها بحماس يحثها على إكمال الحديث عن عائلته وأراحته هي تُجيبه: طنط شيري تبقى عمتك.
تبادلا النظرات هي تنتظر ردة فعله وهو ينظر لها بعدم فهم ليقول بعد دقيقة من النظرات: أيوة مش فاهمة؟!
قلبت عيناها متشدقة بخفوت قبل أن تستدر للجانب الآخر: لو مهتم كنت افتكرت.
زفر بحرج وهو يبتسم قائلًا: معلش يا لولي فكريني برضو مش فاهم.

تحدثت سريعًا وبحماس قائلة: مرات بابا يا أحمد، طنط شيري تكون عمتك.
ظل ينظر لها قليلًا بدهشة ليُردف بعد ذلك بفهم قائلًا: مرات باباكي الحرباية، تكون عمتي صح؟!
ابتلعت ريقها تومأ له قائلة بخفوت تُصلِح له حديثه: مرات بابا تبقى عمتك أيوة.
قاطعهم دخول المعلمة زينة تُلقي السلام عليهم قائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، صباح الخير يا ولاد عندي ليكم مفاجئتين حلوين إن شاء الله.

انتبه لها جميع الطُلاب لتتحدث وهي تُشير لطالب يقف بالخارج تحثه على التقدم قائلة: أعرفكم بزميلكم الجديد، إياد.
تقدم المدعو إياد لداخل الفصل بابتسامة وثقة يُحيِي أصدقائه معرفًا عن ذاته: السلام عليكم، إياد عيسى.
تشدق بقية الطلاب ب هاي. مرحبين به لتُردف زينة مجددًا وهي توجه حديثها لأحمد: أحمد ممكن تُقعد ورا.
تبادل أحمد مع ألماسة النظرات بدهشة قائلًا: ليه يا مس؟!

عشان تقعد جمب زميلك ورا وتسيب المكان ده لزميلتك.
أنهت حديثها وهي تنظر للباب تحث الطالبة الأخرى على الدخول قائلة: اتفضلي يا كارلا، حمد لله على سلامتك، طبعًا كلكم عارفين إن كارلا اتأخرت في الانضمام لينا عشان كانت مريضة.
بدأ التلاميذ بالترحاب بصديقتهم وألماسة تنظر لأحمد بضيق مردفة: أنا مش هقعد جمب كارلا أنا!

تبادل معها ومع الاثنان بالخلف تامر ونادر النظرات وهو لا يعرف ماذا يفعل ليتقدم إياد منهم بعدما تعرف على جميع الطُلاب.
مد يده لأحمد بابتسامة قائلًا: أنا إياد، وأنت؟
نظر له الآخر ببعض من الضيق هو وكارلا فبسببهما سيترك مَحله جوار صديقته.

صافحه ببعض الجفاء وانتقل إياد لألماسة ثم نادر ثم تامر ليُصافحه الآخر بابتسامة ليداري أفعال الآخرين ثم انتقل معه للجلوس بالخلف تاركًا محله لأحمد: أقعد أنت جمب نادر يا أحمد.
ً
بعد مرور بعض الوقت كان يجلس أحمد وألماسة ونادر وتامر على هيئة دائرة ليبدأ أحمد الحديث بحماس: عندي ليكم مفاجأة.
لوى نادر ثغره قائلًا زي مفاجئات مس زينة؟!
ضحك على حديثه قائلًا: لا يا خفيف، أنت اسمك إيه؟
أنت هتستظرف!

قالها تامر ساخرًا وأردف نادر قائلًا: نادر عصام الشمراني.
نظر أحمد لتامر بمعنى أرأيت ثم أردف بحماس: وأنا أحمد مالك محمد الشمراني.
طال الصمت وهم يتبادلوا النظرات حتى أردف نادر: أيوة يعني عايز إيه؟
أنا ابن عمكم.
نعم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة