رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثلاثون
ممكن أقعد معاكم؟
تسائل بابتسامة ينتشلهم من تِهَتِهم ليرفعوا أنظارهم له فيُكرر حديثه بهدوء وابتسامة ما زالت تُزين ثغره: السلام عليكم، ممكن أقعد معاكم؟
دار حديث سريع بينهم بالأعين أنهته ألماسة وهي تعود خطوة للخلف تُكبر تلك الدائرة التي يجلسون بها ليتبعها تامر بذات الفعلة.
جلس إياد بين تامر وألماسة ليستمع لسؤال ألماسة بنبرتها الهادئة والرقيقة: أنت كنت في مدرسة إيه؟
المدرسة الفرنسية بس نقلنا هنا بسبب شغل ماما.
أعادت الحديث تطرح عليه سؤال آخر: بتعرفي تتكلم فِرنسي بقا؟
دار بعيناه بين الثلاث صبي الآخرين ببعض الدهشة فلم يُحدثه غيرها حتى الآن! ليُجيب وعيناه تستقر عليها مجددًا: بعض الكلمات،
نظرت له بحماس كي يُكمل حديثه فاستجاب لها قائلًا: Je m appelle Eyad، j ai six ans et demi.
نظرت له بسعادة هاتفة تُبدي إعجابها بما تشدق: واو صوتك حلو وأنت بتتكلم، على فكرة إحنا كمان هنا هناخد فِرَانسِه بس السنة الجاية.
ردد كلمتها بابتسامة وخفوت: فِرَانسِه.
ثم حرك عيناه على البقية مجددًا ليرسى عندها مجددًا قائلًا: وأنتِ بتعرفي تتكلمي حاجة غير العربية؟
أماءت بحماس شديد متشدقة: انجليزي وشوية كلمات ألماني، بحكم سفر بابا واعمامي لألمانية وكده.
وَلى نظره عنها ناظرًا لمن يُجاوره ليُردف بتخمين: تامر صح؟
تولت ألماسة حق الرد قائلة وهي تُشير على كلٍ منهم تسبق إشارتها بالاسم: تامر، نادر، أحمد.
أعاد سؤاله على تامر بعد تبادل الابتسامات: بتعرف تتكلم أي لغة؟
أماء بابتسامة فاترة تُزين ثغره وعقله منشغل بالأساس: بعض الألماني وانجليزي.
ابتسم نادر بفخر ذاتي متشدقًا: انجليزي وشوية ألماني،.
تبادل إياد النظرات مع ألماسة بعدم فهم لفخره فهو يشابهم ليسترسل نادر حديثه قائلًا: ولغة الإشارة.
وكعادتها انبهرت فتشدقت بحماس: بجد يا نادر؟! ممكن تعلمني.
ابتسم لها يومء فبكل تأكيد لن يرفض لها طلبًا.
انتقلت الأنظار ل أحمد ليتشدق إياد: وأنت عارف إيه؟
كانت الأنظار مُسلطة على أحمد فنقل عيناه ببرود بينهم أثناء حديثه بِقول: عارف اسم أمي.
ثم سلط عيناه عليها قائلًا: و، I Love you.
كانوا تحت تأثير الصدمة من رده المبدأي لم يفق إلا تامر الذي تحدث ببرود: مش عارف غير بحبك بس؟!
أماء أحمد ببرود ساخر ينظر له ثم حول عيناه لها بابتسامة ظهرت فور ما أبصرتها عيناه.
هتف إياد مجددًا بحماس ينظر لألماسة قائلًا بالفصحى: بالإضافة للإنجليزية والفرنسية فإني (أعرف)ااا، أجيد بعض الفصحى.
ابتسمت ألماسة بسعادة فهي تحب الفصحى بسبب الأفلام الكارتونية التي تشاهدها معظم الوقت، كادت أن تتحدث ليُقاطعها صوت أحمد الساخر: مش بتعرف تطير بالمرة؟!
نظر له إياد بعدم فهم لسؤاله رد فعله أما تامر فابتسم بخفوت على رد أحمد وعم الصمت قليلًا بين نظرات ألماسة الحرجة من أسلوب صديقها!
لحظات من الصمت قاطعها إياد متسائلًا: أنتم قرايب؟
نفت ألماسة أول واحدة بهم متشدقة: مامتهم تبقى قريبة بابا يعني عمتي.
ثم أردفت مجددًا بحماس لعودة الحديث ولأنها ستروي تلك المرة صلة القرابة بينهم: هما ولاد عم ولسه متعرفين على بعض، تامر ونادر أخوات و ولاد عم أحمد.
نظر نادر ل أحمد ببعض الريبة ثم تشدق: أنت متأكد من اللي بتقوله ده يا أحمد؟
رفع تامر نظره عن الأرض قائلًا: هسأل عمتو على الكلام ده،
أماء أحمد ببرود وضيق من شكهم بحديثه مُعلقًا: هاجي معاك وأنت بتسألها وأهو أشوف عمتي،
ثم انحنى على صديقته متمتمًا: الحرباية،.
نظرت له بدهشة ثم انفلتت ضحكاتها ليُشاركها وعيناه متعلقة بها.
هتف أحمد بحماس موجهًا حديثه للفتيان: أنا رايح شارع
أملاهم اسم شارعه الذي قنط بهِ كل الأعوام الماضية ثم أردف بسبب زيارته لمنزله السابق قائلًا: هروح أنا وماما عشان ألعب مع صحابي هناك، تحبوا تيجوا معايا؟
توترت نظرات إياد فقد كان أول من نظر له أحمد ليجيبه قائلًا: أنا، أنا معنديش مشكلة بس هستأذن ماما،.
أماء له أحمد ثم ولى نظره لأبناء عمه قائلًا: وأنتم؟ تيجوا معايا هنلعب كورة شوية.
تبادلا الاثنان النظرات بحيرتٍ فليس لديهم فكرة عن رد فعل عمتهم أو صحة حديثه.
مرت دقائق من الصمت والملل بالنسبة للثلاث فتيان أما إياد و ألماسة فقد كانوا يتحدثون عنه وعنها، يتعارفون...
ده رقم ماما هكلمكم الساعة تلاتة، تكونوا جاهزين ماشي؟
هتف أحمد الأخيرة بصوت مرتفع يتلو عليهم تعليمات اللعبة ومتى سيلتقون كي يذهبوا لللُعب.
وبعد دقيقتان من إملاء القواعد وكيف سينقسمون نهض ثم أردف مجددًا ل تامر و نادر: هعدي عليكم إن شاء الله عشان أشوف عمتي.
صك على حروف كلمة عمتي يؤكد صحة حديثه فمن هم كي يشككوا بحديثه، حمقى!
ً
تحركت نور وبيدها حقيبتها باتجاه الردهة وفور ما استقرت أردفت: أنا جهزت الشنطة، يالا يا سيف؟
نهض سيف بابتسامة وعيناه متعلقة بها ثم أردف لأخيه بدون أن يُزيح عيناه عنها: سلام يا آسر، سلام يا ميسو.
شاركه مهند الرحيل بعد إلقاء السلام على آسر و ألماس فهما الاثنان لم ينتهيا بعد من العمل هنا بالقاهرة المُزدحمة.
سحب سيف حقيبة نور من يدها لتتجه لألماس تحتضنها بقوة قائلة: هتوحشوني أوي، أنتِ راجعة اسكندرية انهارده؟!
نظرة لها بحزن وأردفت وهي ترمق زوجها بضيق قائلة: لسه مخلصناش كل حاجة هنا فهنقعد هنا أو هنروح الساحل، لسه مش عارفه المرمطة وخداني على فين.
ضحكت نور وهمست لها بخفوت حتى لا يسمعهما آسر قائلة: أنا مش عارفة بتحبيه على إيه، ده غلس.
لكزتها ألماس بحدة صارخة بها: اتلمي يا نور.
يالا يا حبيبي،
هتف بها سيف بتروي ل نور لتعانق رفيقتها للمرة الأخيرة وتودعها وهي تنضم لشُركائها بالعمل، زوجها وصديقه.
كانوا بالسيارة متجهين للمطار ليصدح رنين هاتف نور بمكالمة فيديو من مواقع التواصل الاجتماعي صادرة من نورسين.
أجابت سريعًا بحماس واشتياق لصديقتها وأختها حتى وإن كانتا تتشاجران دائمًا أو تعجز هي عن إبداء حبها لها لكنها في النهاية، تُحبها.
نونة إزيك، وحشتيني جدًا.
ابتسمت نورسين من الجانب الآخر وهي تجلس بالسيارة عائدة للاسكندية.
وحشتيني يا نور، فين ميسو؟!
مش معايا أنا في العربية راحة المطار أنا وسيف ومهند.
هتفت بها وهي تُغير الكاميرا للخلفية لترى نورسين سيف ومهند بالأمام وسيف يقود السيارة.
هتف مهند وهو ينظر للهاتف باشتياق: وحشتيني يا نورسينَ.
ابتسمت الأخرى بخجل فقد استمع له من معه بالسيارة بالإضافة لأخيها الجالس جوارها.
نظر لها كرم بطرف عيناه وهتف بصوت وصل لنور بوضوح: عيل مش متربي.
زيك يعني؟!
هتفت بها نور ببرود واستفزاز ليصل لها صريخ كرم بها: بت، ارحميني بقى ده أنتِ عاملة زي عفريت العلبة كل شوية تطلعيلي.
هتفت نور بتهكم وصوت مرتفع كي يصل للآخر: من أعمالكم سُلط عليكم يا كرم، بكره نشوفك لما تخطب هتعمل إيه.
هتف بخبث وابتسامة لعوبة تظهر على محياه: ده أنا هعمل وأعمل وأعمل، صبرها عليا بس ريهام بنت أم ريهام العسل.
ضحكت نورسين وهي تسحب السماعات الخاصة بها تضع حتى تتحدث مع رفيقتها بدون تدخل كرم وكذلك فعلت نور.
انضمت لهما ألماس ليشرعوا الحديث بكل ما مضى وبأدق التفاصيل بشغف وكأنهن معًا وكلًا منهم تستمع للأخرى باهتمام رغم بُعد المسافة وجَوِدَة الشبكة.
ً
بتمام الثانية والنصف صدع رنين هاتفها برقمٍ لا تعرفه لتُجيب وهي تترك المطبخ وتخرج للردهة حيث يجلس ابنها برفقة ابنة آسر ورفقة حبيبة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مين؟
أتاها الرد بقليلٍ من التلعثم من الطرف الآخر لتُدرك أنه طفلٌ صغير: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ممكن أحمد يا طنط؟
حاضر يا حبيبي، ثواني.
تشدقت بتلك الكلمات وهي تُعطي هاتفها لصغيرها تهمس له: شكله حد من أصحابك.
سحب أحمد الهاتف بحماس شديد وهو يردف: السلام عليكم، مين؟
أتاه الرد من الجانب الآخر بنفس التلعثم وهو ينظر لوالدته التي تشجعه على الحديث رفقة صديقه: أنا إياد يا أحمد، اا هو إحنا هنلعب فين علشان ماما تجيبني؟
ابتسم أحمد بسعادة فها هو أول واحد من الثلاثة سيشاركه اللُعب ليُردف: شارع عارفه؟
أمِلَى إياد اسم الشارع على والدته لتُمئ له بالموافقة وأنها تعرف ذالك الشارع، رغم بُعده قليلًا إلا أنها سعيدة بانسجام ابنها وسط الأطفال منذ أول يوم.
أنهى اتصاله مع صديقه بابتسامة وسعادة لينظر لوالدته التي تقف محلها ويهتف بها: ماما! أنتِ لسه مجهزتيش؟! إحنا هنروح لعمتو المفروض.
نظرة ل حبيبة ببعض التوتر لكن حسمت أمرها أن صغيرها من حقوقه أن يعرف أهله وبالنهاية، شيري كانت صديقتها ومقربة منها لمدة ليست صغيرة.
ً
تقدمت إحدى العاملات بالقصر من مجلسهم بالردهة قائلة: مدام شيري في طفل و والدته بره،.
قاطع حديثها اقتحام الطفل للردهة هاتفة: بقولكم عمتي، وبيت عمتي يعني بيتي،
تبعه صوتٌ حازم من والدته التي اقتحمت المكان هي الأخرى: أحمد! عيب كده.
نهض نادر بحماس مقتربًا من أحمد هاتفًا بترحاب: ازيك يا أحمد، اخبار حضرتك يا طنط؟
مال أحمد على رفيقه هامسًا وهو يرى تبادل النظرات المصدومة بين والدته وتلك السيدة بالمنزل: دي أمك ولا عمتنا.
أثقل لسانه بالحرف الأخير يؤكد حديثه للمرة الألف تقريبًا، ضحك نادر بخفوت قائلًا: لا دي عمتنا.
قلده بالحديث ساخرًا ليتجاهله أحمد مقتربًا من شيري بحماس صارخًا وهو يحتضنها: عمتو!
انخفضت شيري بدون شعور تبادله العناق وعيناها على ملاك صديقتها لأعوام.
عمتو أنتِ عرفاني؟!
نقلت بصرها من رفيقتها لذلك الصغير بين يديها يشبه أخيها مالك بشدة، مالك!
أين هو؟! تشتاق إليه بشدة، لحظة هي تشتاق لكل الماضي حتى ذاتها تشتاق لها.
تشتاق ل شيري قبل مجيء ألماس، ألماس هي السبب بكل ما حدث من تغير ومليكة من جرأَت ألماس عليهم هي وسيف الأحمق.
فاقت على سؤال أحمد مجددًا لتبتسم وهي تومء له قائلة: طبعًا يا حبيبي عرفاك.
صرخ أحمد حينها بسعادة وهو ينظر لأبناء عمه بانتصار...
ً
ً.
ترجل الأربعة من السيارة برفقة ملاك ولحظات وترجل إياد هو الآخر من سيارة والدته برفقتها متقدمًا منهم.
ابتسم أحمد بسعادة قائلًا: هنادي للعيال عشان نلعب على طول.
خدني معاك.
قالها نادر ينتقل بعيناه بين الطرقات والمباني يُحلي عيناه بالطبيعة.
ابتعد أحمد ونادر منغمسين وسط المباني والطرقات يعلوا صوت أحمد مناديًا رِفاقه.
مدت ملاك يدها بابتسامة لوالدة ذلك الطفل المدعو بإياد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ملاك والدة أحمد وخالت تامر ونادر وعمة لولا كمان.
ابتسمت والدة إياد تحاول الاستيعاب تجيبها وهي تصافحها: وعليكم السلام، لافيرا.
بدت الدهشة على وجه الأخرى لتُكمل حديثها موضحة أصول إسمها: فِرنسية الأصل.
دخل الجميع لمنزل ملاك حتى لافيرا كي يتعرفوا وجلس تامر وإياد رفقة ألماسة يتحدثون.
نظرة ألماسة لإياد بفضول مستفهمة: باباك مسافر زي ما ماما كانت مسافرة؟
أماء معلقًا: بابا بيسافر معظم الوقت فرنسا عشان كده اتعرف على ماما هناك.
ظل تامر صامتًا وهما يتحدثان، والِداه الاثنان أخذتهما غُربة البلاد ساحقة كل الوصال بينهما، لا يتذكر أي شيء عن والدته بل إنه لا يُحبها، لا يكترث لأمرها، لما؟!
لا يدري لما المشاعر اتجاهها جافة إلا أنه يحب والده رغم وقاحته بالحديث معه إلا أنه يحبها، يحب قوته وغموضه المحاط به.
غادرت لافيرا بعد حديث طويل وصداقة نشأت بينها وبين ملاك مودعة الجميع على وعد بلقاء آخر بعدما أخبرتها ملاك ألا داعي للمجيء مجددًا وهي ستصل إياد للمنزل.
جلست ألماسة رفقة ملاك ينظفوا المنزل وتحرر الصِبية بين الطرقات يلعبون كرة القدم رفقة الجميع.
كانت الصرخات الحماسية تعم الطريق من كل أعمار الصبية بدأً من عُمر الخامسة مرورًا بأعمار صِغارنا بالسادسة ونصف على مشارف السابعة حتى التاسعة عشر.
ينقسمون فريقان، فريق بالضفة اليُمنى والآخر باليُسرى ينقطع لعبهم وحماسهم بمرور سيارة والأخرى.
تبقت نصف ساعة على صلاة المغرب ليهتف أحدهم وهو مؤمن أكبرهم بالعمر قائلًا: يلا كل واحد يروح يتوضى عشان نجهز للصلاة.
هتف أحمد بضجر قائلًا: لسه بدري يا مؤمن وبعدين نخلص الجيم ده ونروح نتوضى.
ماشي يا عم بس خلصوا بقا أنتم كده كده خسرانين.
هتفها مؤمن ضاحكًا وهو يقترب من إياد ونادر يهمس لهم بخطةٍ كي يُنهوا اللعبة بفوزهم.
قلب أحمد عيناه بضيق شديد وهو يعود لمحله وفي خلال دقيقتان أحرز فريق أحمد جولان أنهوا اللعبة بصراخ أحمد قائلًا: 10/9 لينا لا عزاء للخاسرين.
ضحك يصافح تامر بسعادة شديدة ليبتسم مؤمن قائلًا: مرة من نفسكم أنتم شاربين 10/7 مرة ومرة تانية 10/5.
بالإجمالي كده الليلة خلصانه على 29/22 لينا.
هتفها إياد بسعادة وحماس وقد ذهب خجله واستحيائه من الاختلاط بهم بعد أول جول أتى به في المباراة الأولى.
أجابهم تامر وهو يجلس أرضًا بتعب الانتصار: العبرة بالنهايات يا فرنسي.
علت ضحكاتهم وهم يرتصون أرضًا جواره جميعًا بتعب حتى نهض مؤمن قائلًا: أنا رايح أغير هدومي وأتوضى على الله واحد فيكم ميجيش يصلي في المسجد، فاهم يا أحمد.
صرخ أحمد بضجر شديد من تذكر مؤمن لتلك المرة قائلًا: يا عم والله رجلي كانت وجعاني يومها بس وبعدين دي مرة الله!
ضحك مؤمن يتخطاهم وهو يمر الشارع بينما مال نادر على أحمد قائلًا: إيه الحوار؟!
أجابه أحمد بسخرية على تغير لهجتهم من أبناء الطبقة الاستقراطية: حوار!
نظر باتجاه سير مؤمن وما كاد يتحدث حتى علت الصدمة وجوه البعض والبعض الآخر صرخ باسم مؤمن فقد أتت سيارة مسرعة لم ترى شيء أمامها حتى سقط مؤمن أمامها صريعًا يحارب الظلام فاقدًا للوعى.
تجمع الأطفال ولحسن حظ مؤمن أن السائق كان أمينًا فهبط لرؤيته.
وعلى مقربة كان يقف أحمد تهشم بروحه شيء لن تجبره الأيام فلا يدري ما حدث لكن هناك شيء تحطم برؤية صديقه وأخيه الكبير ساقط أرضًا وحوله بقعة من الدماء.
ً
ً
وبوقرِ شركة الشمراني بلندن كان يجلس بمكتبه رفقة هذان الاثنان يتجاذبون أطراف الحديث بعصبية لأجل ما حل بهم:
إزاي ده يحصل يعني يا عصام؟
هتفها بصراخ وعصبية لخسارة ثلاث أماكن من أماكنهم منهم مكان مصر ذاك القديم يعود لأعوام سابقة بعقود.
عاد عصام بظهره للخلف في مقعده ببرود متشدقًا بعدم اهتمام: أهو ده اللي حصل بقا.
ده اللي حصل؟
قالها بصدمة احتلته من برود الآخر ثلاث مخازن بشركاتهم وبضاعتهم ذهبت هباءً وسط الريح ورده الوحيد هذا ما حدث؟!
اللعنة عليك وعلى شراكتك.
والتفت لثالثهم صارخًا به وعليك أنت أيضًا.
خرج عن صمته صارخًا بهم وأنا مالي؟! مش دي نتيجة قرفكم، أمال أنتم فاكرين إيه هتفضلوا في أمان كتير؟ هيجي يوم وتتكشفوا أكيد.
أردف عصام وهو يسحب أنفاسًا من سيجارته: على فكرة أنت معانا يا مالك...
اسمك متلطخ وكلامي مثبوت بإمضاءاتك،
نظر له مالك بصدمة وأنفاس مضطربة ويدور بعقله ماذا كنت تنتظر يا مالك حتى أنت ستُكشف...
بس أنت اللي لبستني يا عصام!
الإمضاءات دي أنا مشوفتهاش!
أجابه الأخر بمكر وابتسامة خبيثة يدور بمقعده ممسكًا بسيجاره: اثبت يا مالك، وبعدين عيب أوي عليك هتسيب أخوك يلبس لواحده؟!
بارع! خبيث، هذا ما قد يُوصف به عصام بالفعل يعرف دائمًا نقاط ضعف مالك ويلعب عليها ببراعة ودهاء ثعلب، عذرًا عصام كالأفاعي بارع بلف شباكه حول من أمامه وإسقاطه بشر أعماله كما يقولون.
تحدث ماجد الغريب بانفعال شديد صارخًا بهم: أنا مليش دعوة بحوارتكم، أنتم أخوات وحرين ما بعض أنا عايز فلوس البضاعة يا مالك.
نظرة له مالك بصدمة متحدثًا بانفعال: وأنا مالي! أنتم هتكذبوا الكذبة وتصدقوها؟!
أنا بريء من أفعالكم كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب.
ضحك عصام ناهضًا من مجلسه مقتربًا منهم ومن موضع جلوسهم: فصيحُ اللسان، مالك أنا هكون طيب عشان صدمتك دي بس.
البضاعة اللي راحت يا غريب دي تبعي أنا وحقك تاخده مني فبالنسبة لفلوسها، ف من اللي عليك، تمن آخر عملية.
أحمر وجه ماجد من الغضب صارخًا بعصام: أنت بتهزر!
كاد يشتبك معه بالحديث ليقاطعهم طرقات الباب ودخول المساعد متشدقًا باحترام: سيف الأسيوطي على بوابة الشركة،
انصرف المساعد بهدوء كما دخل لتضطرب نظرات مالك فهو لم يسافر كل تلك المسافة حتى يُكشف أمره بكل تأكيد.
نظر مالك لأخيه ليستجب لنداءه فعدم كشف مالك يعود عليه بالمنفعة قائلًا: أخرج من الباب الخلفي ده هتلاقي سلم نهايته بيخرجك من الشركة.
أجابه مالك بإيماءاتٍ معلقًا قبل أن يستدير مغادرًا المكتب: كلامنا منتهاش،
أنصرف مالك من وكر الأفاعي ذلك ليليه حديث ماجد المنفعل: أنت بجد هتخصم مني الفلوس أنا مليش دعوة بفشل آخر عملية يا عصام!
أخرج زفيرًا مفعم بدخان السجائر قائلًا وهو يجلس واضعًا قدمًا على الأخرى: ماجد العملية اتكشفت بسببك وبسبب غبائك، أنت اللي مصمم تمضي باسمك مش اسم تاني.
يا عصام ده مش غبائي أنا فعلًا مش عارف إزاي قدروا ياخدوا بالهم من إمضتي وحتى لو! الإمضى دي محدش يعرف عنها حاجة غيري أنا وأنت!
أعاد رأسه للخلف وهو يلاحظ جلوس الآخر أمامه بأعصابٍ تتآكل وضجيج روح لخسارة المال والبضاعة: وآسر، آسر هو اللي علمك الإمضاء بالشكل ده يا غريب.
صح؟
سأله عصام بابتسامة جانبية وهو ينظر له، لم يأتي بباله فكرة أن آسر قد يساعد أخاه بعمل الشرطة خاصةً وأن آسر بعد رحيل زوجته قد عصفت به الأيام قاذفة إياه بالقاع واليأس وعدم الاختلاط.
وما غفلوا عنه أنه كان لا يختلط لكن عقله يختلط بتفاصيل العمل، يتابع أخبارهم ويتنبأ بأفعالهم الظاهرية كالمصانع وعروض الأزياء والشركات وصالات الرياضة فيقذفهم بقنابل خفية.
يأخذ الشركات، يُسقط عروض أزيائهم، صالات الغريب الرياضية هكذا.
أختفى الغريب مغادرًا المكتب كما أتى من الباب الرئيسي بعقلٍ مشغول بالتخلص من آسر وأخيه وابن عمتهم ليلتقي بسيف وكأنه أتى على سيرة الحديث عنه...
ابتسم سيف ساخرًا متشدقًا: أصيل يا غريب باشا أنت كنت بتواسي عصام على اللي راح منه، أنا برضوا جي أواسيكم، أقصد أواسيه وكده.
نظر له قليلًا بكرهٍ واشمئزاز ثم أردف قبل أن يرحل: غتت زي أخوك.
استدار سيف قليلًا هاتفًا بصوت عالي ليصل للآخر قائلًا: من بعض ما عندكم يا غريب.
ثم أكمل سيره متمتمًا بذات النبرة العالية: أمك واللي جابتها عيل غتت.
ً
ً
خرجت من المطبخ لردهة المنزل تنظر لألماسة التي انتهت من ترتيب الرُدهة سائلة: لولا هو أحمد مجاش؟
نفت الأخرى معلقة: لا يا عمتو محدش جه.
أماءت بدهشة فأحمد يُفضل الوضوء وتغير ملابس اللعب قبل الصلاة فماذا حدث تلك المرة.
قاطع حديث عقلها طرقات الباب، فتحت ملاك الباب لتتفاجأ بأحد الأطفال والدموع تملأ مقلتاه.
صرخت بخوف نهش فؤادها من فكرة إصابة صغيرها: إيه في إيه يا عبد الله أحمد حصله حاجة؟!
نفى برأسه والدموع اجتمعت أكثر تهبط مع حديثه: مؤمن يا طنط العربية خبطته وكلهم راحوا المستشفى اللي جنبنا.
صُعقت فمؤمن كأحمد بالضبط لتُردف متسائلة وهي لا تصدق مع حدث مع مؤمن: وأحمد وتامر ونادر؟
راحوا المستشفى،
ً
ً.
بإحدى ممرات المستشفى يرتص الأطفال يمينًا ويسارًا في استقبال أهلهم برفقة سائق السيارة وكان أول الواصلين والدة مؤمن، اقتربت من شباب بعمر ولدها سائلة: إيه اللي حصل يا معتز؟ مؤمن طمنوكم عليه.
ابتلع معتز غصة من حلقه مقتربًا منها يُساندها: اطمني يا خالتو بيقولوا مفيش حاجة خطيرة الدكتور بيجبس دراعه بس.
كانت صابرة، محتسبة، قوية، صدمة الجميع دليل بين على أن الله يبتليك على قدر إمانك، يعرف بإيمانك وصبرك واحتسابك، فيبتليك إبتلاء صعب وإما ترسب أو تنجح بالحمد لله على ما كان من نصيبك.
حمدت ربها سرًا وعلانية وهي تجلس تضع يدها على قلبها تُصبر نفسها على فلذة كبدها وابنها البِكر بينما معتز وابن أختها يقف جوارها ينظر لوالدته بمعنى اهدئي قليلًا وأضيف للصفوف أهالي الأطفال.
اقترب السائق من والدة مؤمن قائلًا وعيناه أرضًا بأسفٍ وغصةٍ فقد بكى خوفًا وقلقًا، خوفًا على ما قد يُصيبه وقلقًا على ما قد يُصيب مؤمن.
أنا آسف حقيقي آسف أنا كنت بجري بالعربية وأنا غلطان فعلًا.
رفعت نظرها له قائلة: الحمد لله على كل شيء، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا يا ابني.
هتف معتز ينهي الحديث وهو يعلم ما يدور بالآخر: مؤمن هو اللي في إيده يتنازل عن المحضر يا أستاذ فاتفضل لحد ما نطمن على مؤمن،
ً
ً.
جلس بالمقعد المقابل لعصام دون إذن متشدقًا بشماتة: ربنا يعوضك يا عصام معلش هي ضربة قاضية بس أنت قدها يا عصام،
نظر له بنظرة أخرى تبدلت من العبث والشماتة للقوة والكره: ولا أقول يا أفعى، بتحب أنهي أكتر يا ابن الشمراني.
اضطرب كيان عصام من فكرة كشف سيف له وبالتأكيد ذاك اللعين الملقب بS. M علم كل شيء لكنه بادر بالحديث بثبات مثبتًا نظراته: حلو اللعب على المكشوف برضوا،
ثم استرسل: ناديني الأفعى أصدق وأدق.
أتى سيف من أجل العمل قاذفًا عواطفه كعادته بعمق المحيط ولكن تلك المرة تخلى عن الرسميات قائلًا بنبرة عادية خالية من الكره والعملية كالألات: وصلت لهنا إزاي يا عصام؟!
بالعربية السودة اللي تحت.
هتفها ببرود وهو يُزيح أنظاره من عليه أكثر سؤال يمقته هو ذلك لطالما سمعه من مالك اللعين.
دام الصمت للحظات ليُردف عصام منهيًا ذاك الحوار الودي: مش مهم وصلت لهنا إزاي، متشغلش بالك يا حضرة الملازم أثبت إني الأفعى ولا الحاوي زي ما بتقول لو عندك دليل.
تبادلا الاثنان النظرات الغامضة، لم يكن سيف ينتظر إجابة من عصام فهو يعرف من البداية أنه لن يجيبه.
اللي فات كان لعب عمياني واللي جاي على مكشوف يا عصام متزعلش من اللي هيحصل.
رمى كلماته مغادرًا المكان فلا فائدة من الحديث مع شخص كعصام الحديث خاسر من قبل تحريك الأفواه.
ظل ما يدور بعقل سيف سؤالٌ وحيد كيف وصل عصام؟
وصل لماذا؟ لكل شيء، كيف وصل لذلك الكره؟ كيف وصل لمنصب كالأفعى؟
طوال عمرهم وعصام غامض منزو على ذاته لا يختلط كثيرًا حتى انضم لأخيه وكونوا الثلاثية ظلوا سبعة أعوام وبنقاش حاد فارقوا بعضهم البعض موليين ظهورهم لبعض والعداوة نشبت بين أخيه وكلاهما عصام وماجد.
أما هما فلقد اتضح أنهم التصقوا ببعض باثين السموم برؤوس بعضهم!
وقُذف الرماد على عصامٍ وماجد واحتُلت الساحة من قِبل الأفعى والغريب...
ً
ً
أراحت جسدها للخلف تستمتع بنسيم ألمانيا البارد مستمتعة بتلك اللحظات الهادئة بعدما غادر سيف لعملٍ ما وكذلك مهند وعلى وعدٍ باجتماعٍ في التاسعة ليلًا مع سوارين وليريا اللذان يمكثان بالغرف المجاورة لها بذلك المنزل الخاص بسوارين.
أخرجت هاتفها تفتحه ليظهر لها بعض الصور التي التقطتها رفقة زوجها بالطائرة لا تدري ما تبدل بداخلها من مشاعر اتجاه سيف وكيف حدث ذلك لكنها تظن أنه الأمان ففور ما اطمئنت لوجود سيف جوارها وعُقد قرانهم شعرت بالأمان والطمأنينة لوجوده.
لن يُغادر سيف ليس من هذا النوع وحتى إن فكر فوالدها جوارها قوتها وعونها، حبيبها الأول!
ألقت نظرة على خاتم والدها فلم تنزعه ولن تنزعه بكل تأكيد.
خرجت من ألبوم الصور تتجه لإحدى وسائل التواصل الاجتماعي تهاتف صديقاتها نورسين وألماس، ألماس صديقتها ورفيقتها تحبها لكن تشعر أحيانًا أن نورسين رفيقة روحها برغم كثرة النزاعات بينهما إلا أنها تحبهم الاثنان ولا تتصور حياتها دونهما.
أجابت اثنتاهما بعد لحظات قليلة لتهتف باشتياق: وحشتوني يا عيال.
ضحكت ألماس تجيبها قائلة: إيه ده إيه ده؟ الجواز بيغير ولا إيه؟
أتاها رد الأخرى ساخرة: لا والله! ماشي يا أختي، مالك يا نورسين؟
أجابت نورسين أخيرًا قائلة: وحشتوني جدًا زهقت من القعدة لواحدي والجو هنا مش ألطف حاجة.
عقدت ألماس حاجبيها مستفسرة فهي لم تحادث صغيرتها منذ يومان تقريبًا: خير يا نورسين؟ كلكم كويسين؟
تحدثت سريعًا تُطمئنها آه الحمد لله متقلقيش، ده واحد صاحب أحمد بيلعب معاهم عمل حادثة قصادهم فمزاجهم مش حلو.
أماءت اثنتاهما لتبادر نورسين مجددًا تسألهم: هتيجوا إمتى؟
آخر الأسبوع،
أجابت كلتاهما بذات اللحظة لتلوي نورسين ثغرها متشدقة: ماشي يا أختي أنتِ وهي اتبسطوا براحتكم ها؟
ردت ألماس بسخرية تعالي اتبسطي مكاني يا أختي.
أنا بنسجم دلوقتي وبعيش أحلى لحظات حياتي بصوا الview،
أبدلت نور الكاميرا توريهم الأجواء الخاصة بألمانيا لينغمسوا بأحاديثهم وحكاويهم.
ً
ً.
خرج من شركته لينظر لذلك الحجم الهائل من السيارات بابتسامة جانبية لم يصل حتى الآن لمن فعل تلك الفعلة الشنيعة بإبادة ثلاث أماكن مهمة له ولحين ما يصل فلبد من تشديد الآمن.
اقترب عصام بهدوء ينفس من سيجاره بشراسة حتى وصل للسيارة ليصتف جوار زوجته بالخلف مشيرًا للسائق بالتحرك.
ألتفت لمليكة الثابتة بمحلها وبنظراتها الثابتة القوية أصبحت كربون صغير منه ابتسم ساخرًا يتشدق: مالك كان عندي لأ وكمان الغريب و سيف كمان.
ضحك بخفة مكملًا حديثه تخيلي يا مليكة سيف الساذج كشف أمر الأفعى، الواد ده شكله كبر بجد وهيتحط جمب أخوه في خانة، الضحايا.
لم يرتجف جسدها ككل مرة يعترف بها بأفاعيله الشنيعة ولم ترمش جفونها ولم ينبت لسانها ببنت شفه.
صامتة هادئة غائبة عن الوضع الحالي تُفكر في كيفية الهرب من هنا...
استرسل عصام الاعتراف بما حدث بالفترة الأخيرة قائلًا: العملية الأخيرة بتاعت الغريب اتكشفت، اللي اتقبض عليه فيها لما قابلت آسر وألماس، خصمت تمنها من فلوسه بس متقلقيش يا ميكي دخلت شحنتين تانيين، البركة بقا في المرتشين والخونى.
ضحك بخفة متذكرًا كيف خسر شحنة وعوضها باثنان الضعف ثم تشدّق ناظرًا لها يزفر دخانه بوجهها: آسر بدأ يقوي قلبه ويرجع للساحة حتى لما جيت أخسره خالد اللي مالك بيشتغل معاه ودي كانت هتكون خسارة قوية، وثق في خالد ونجا من تحت إيدي.
وألماس اللي طلعت لشيري في الحظ دي كمان تخيلي آسر الغبي فاكر إن الواد ضرب على أبو ألماس بالغلط.
نظر لمليكة ببراءة مصتنعة قائلًا: أنتِ عارفة طبعًا يا ميكي إني اللي ورا كل ده.
ضحك بصخب وجنون لتُدرك مليكة أنه بذُرْوة حالته الغير طبيعية تلك، ابتعدت ملتصقة بالباب لا تضمن رد فعله بعد محاولة خنقها بالنقاش الأخير.
لاحظ هو ابتعادها ليقترب منها على بغتةٍ يحيطها بيده بقوة قائلًا بفحيح وشرٍ مغلف بالكره تلمحه بعيناه السوديتان كقلبه: حتى عصام اللي بتحبيه أنا اللي دفنه ومش هخليه يطلع أبدًا.
هزها بقوةٍ صارخًا بها: محدش يقدر عليا يا مليكة، فاهمة؟
أبعدت نظراتها عن عينيه بصعوبة كأفعى تَسحر بعيناها حقًا، تُحاول الاستنجاد بأي شخص إلا أن لسانها عاجزًا عن التحرك وكأن كابوس الليل هو من يُكتفها عن التحرك.
غارت عيناها للرجال من الأمام يبدونا كالريبوتات لم ترف جفونهم للخلف للحظة حتى!
ضمها يُقربها لصدره أكثر بقوة لتنتفض وعيناها تعود له ليُردف بفحيح: أنا دفنت عصام اللي بتحبيه، الضعيف بتاعك ومعدش موجود، معدش موجود غير الأفعى.
تركها بقوة عائدًا لمجلسه بثبات وهدوء قائلًا بتمتمه خافتة وصلت لمسامعها بقوة لصمت الأجواء من حولها خلاف صوت السيارات: الأفعى فقط،
ً
بعد مرور ساعة من سير السيارات كأسطول انضم لهم في منتصف الطريق مجموعة من رجال الأمن بسيارات مأمنة جيدًا حسنًا هو قلق بعض الشيء لكن حذارِ أن يقول شيء كهذا!
ارتست السيارات تُحيط بوكر الأفعى ذاك القصر الخاص بعصام، قصر كبير فخم بغرف كثيرة يُسمى ب متاهة الأفعى قد جَلب ذاك الاسم المتاعب له للظن أنه الأفعى وكان يخرج منها بسلاسة متحججًا بأنه اسمًا عاديًا ولا داعي لتفخيم الأمور.
أُحيطت ساحة القصر الخارجية والحديقة أو المتاهة فهي كالمتاهة بتصميمها أُحيطت برجال الأمن، هبط عصام ناظرًا يمينًا ويسارًا ثم نزع نظراته زافرًا هواء سيجاره ثم أخفض رأسه قليلًا بعدما فحص المكان مُشيرًا لمليكة بعيناه لتهبط.
امتثلت لأمره تهبط بثبات وهدوء تُراقب تصرفاته.
أشار لمجموعة من الرجال ليسوا رجاله بل من شركة لم تعرف اسمها ولم تهتم.
اقترب هؤلاء الرجال منها يتقدمهم واحد وكأنه القائد أشار لها لبوابة القصر لتتحرك بتمهل وهي لا تعرف ذاك القصر تبعها مجموعة وكلما تقدموا قل عددهم.
تقدمت وسط عشر رجال حتى بوابة القصر ليقف اثنان ويُكمل البقية معها وهكذا...
كانوا رجال تلك الشركة ملثمين بقناع طبي أسود يرتدون ملابس موحدة وكان قائد تلك المجموعة مختلف حيثُ يرتدي قبعة صغيرة تُخفي خصلاته.
لاحظت أثناء سيرها الكاميرات المتربصة بمعظم الأركان.
وصلت مليكة رفقة ثلاث رجال لباب الغرفة ليدخل معها قائدهم، لاحظت لتوها حقيبة بيده ليتجه حيث إحدى الطاولات.
وأثناء ذلك كانت تجول بعيناها بالمكان بحثًا عن الكاميرا لتلقاها ظاهرة وكأن عصام قاصدًا تحديها قائلًا إن قدرتي على الهرب فافعليها.
عادت بعيناها للقائد لتلقاه ينظر إليها نظرة لعيناه وهي الظاهرة منه ليرمش لها وكأنه يُطمئنها.
نظرة له بعدم فهم لكن لاحظت أنه لا ينظر للكاميرا قاصدًا أشار لها بيديه على الحقيبة لتلاحظ ورقة موضوعه ثم تركها ورحل بهدوء منصرفًا مع بعض رجال الشركة والبعض الآخر قد تم تعينه لدى عصام.
وكما دخلت رجال شركة الأمن بصفوف خلف بعضهم هكذا خرجوا كصفٍ واحد حتى وقفوا بنصف الطريقة وهبط ذاك القائد على مجموعة مليكة يتبادل التصافح مع قائدهم الأكبر قائلًا بالألمانية: أشكرك على المساعدة.
نحن بالخدمة دائمًا حضرة الشرطي.
ً
ً
كانت تجلس فوق الطاولة الخشبية الصغيرة بالردهة تجلس بحماس تنظر لسيف بسعادة فقد فازت عليه ليبتسم ساخرًا: اللي عملتيه في كل الأدوار عملته أنا في دورين.
نظرة له باشمئزاز قائلة: العبرة بالنهايات.
بدأوا دور جديد وهما يتجاذبان أطراف الحديث ليسألها: دلوقتي إحنا لعبنا أونو مع بعض من فترة ودلوقتي الضومنو لسه الكوتشينه وأنا حاسس إننا متصاحبين!
كانت تركز على اللعب وهي تتحدث قائلة: على فكرة ألماس قالتلي إن اللعب هيقربنا من بعض، وأنا مقتنعة بكده أهو بنقضي وقت حلو مع بعض.
فاز عليها لتلوي ثغرها تكتب له النقاط وهي تتستمع له: على فكرة أنا مقتنع بالكلام ده بس كنت حابب أفرجك على ألمانيا.
قدامنا وقت طويل لسه.
قالتها بابتسامة تسترسل اللعب معه حتى فازت بنقطة، لكنها فازت على أي حال!
تشدق يسحب تلك الورقة التي تكتب عليها: وريني بقا وكفاية كده والخسران،.
صمت للحظات ثم أردف بابتسامة خبيثة: 87ل 112 ليا.
صرخت بصدمة وكأنها من حقها الفوز: إيه! طب خلينا نكمل،
نكمل إيه الدورة من 101 أصلًا.
أصلًا!
هتفتها مستنكرة ليكتفي بالإيماء وهو يراها تهبط عن تلك الطاولة، سحب سيف نور من يدها يُجلسها جواره على المقعد الوتير يحتضنها قائلًا: تعالي أعلمك الأمريكي.
استندت على صدره وهي تراه يشرح وكل دقيقة يسألها هل فهمت فتقم بدورها بالإيماء.
أنهى شرح بعد دقائق قليلة لتهتف وهي تعتدل: طب بص تعال نلعب دور وِدِي كده وتفهمني.
لتمر عشر دقائق انتهت خلالهم اللعبة لتنهض قائلة بملل: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الفهم ده قسمة ونصيب.
استرسلت مغادرة مفهمتش حاجة.
علت ضحكاته وهو يراقب رحيلها للغرفة، استمع لباب غرفة يُفتح لينظر فكانت ليريا، اقتربت تجلس في المقابل له قائلة: بتعمل إيه؟
كان يبعث بالأحجار الخاصة بالضومنو قائلًا: كنت بعلم نوري الأمريكي.
ابتسمت بحماس بان بنظرتها ونبرتها قائلة: تلعب؟
هتخسري وتعيطي؟
نفت بجدية قائلة: لا يا عم لو خسرت مش هعيط المرة دي، يلا يا ابني بلاش رخامة.
رفع منكبيه بقلة حيلة وهو يستعد لبدأ جولة جديدة انتهت بعد لحظات ليُردف: جولة كمان؟
عقدت حاجبيها بضيق وغضب أنها خسرت مجددًا ككل مرة وهي تستمع لضحكات سيف وسوارين الذي انضم لهم يحاول كبت ضحكاته.
قاطع تلك الأجواء خروج نور من المطبخ قائلة: عملت كيكة في عشر دقايق.
رمت ليريا شُحنة غضبها جانبًا ناظرة لنور تسألها بسخرية: أنتِ بتعرفي تطبخي أصلًا؟
هزت رأسها برفض بابتسامة حمقاء لينهض سيف متقدمًا منها قائلًا: تعالي أما نجرب يا كريم شانتيه أنت.
جذبها من خصرها لأحضانه متجهًا للمطبخ.
وَلت ليريا نظرها عنهم وهي تعبث بالأحجار ناظرة لسوارين بابتسامة قائلة: على ما تنوي؟
ابتسم بخبث يجلس جوارها قائلًا: على الدمار والخراب، أرأيتي ما حدث آخر مرة لم تخبريني برأيك.
ضحكت تنظر له قائلة: قد كانت ضربة قوية أحييك عليها، تبهرني كل مرةٍ.
اقترب منها قليلًا قائلًا: هل أخبرك بسر؟
اقترب منه برأسها قائلة بهمس ساخرًا: أنت من قتل موفاسا؟
هز رأسه رافضًا متشدقًا بنبرة هادئة من أثر المشاعر التي اجتحته للتو: بل أنتِ من قتل فؤادي بنظرةٍ من عيناكِ.
ً
ً.
اقتربت مليكة تقف بزاوية مضادة للكاميرا حتى لا تظهر بها تُمسك تلك الورقة التي تركها صاحب الأعين العسلية.
فتحت الورقة وهناك صراع ناشب بعقلها عن مهية ذاك الشخص ومن قد يُكلفه بإيصال ورقة كتلك لها وسط رجال عصام وعددهم الهائل.
فتحت الورقة وكانت مكتوبة بالعربية، جيد حتى إن وقعت بيد أحد الرجال نسبة معرفته لقراءتها ضئيلة فمعظم رجال عصام من دولٍ أوربية.
دولٍ أوربية! تذكّرت كيف وعدها بأن يجوبوا بلاد العالم ذهابًا وإيابًا معًا وها هي تجوب معظم البلاد رفقته، كأسيرة لحربٍ نشبًا بين أفعى الطرف الأقوى وعصام حبيبها وزوجها.
يا لَحماقتكِ مليكة! أمازلتِ تُحبيه؟!
كيف يا مليكة؟ كيف لقد فضل التخبئة تاركًا إياكِ بعاصفة الأفعى بمفردك!؟
نفضت تلك الأفكار عن رأسها تبدأ بقراءة تلك الورقة بعيناها تجوب تفاصيل الورقة: ازيك يا مليكة أنا مهند، أنا آسف أولًا.
ثانيًا وعد والله هطلعك وهناخدك من عصام استحملي شوية كمان، آسر وصل لمالك خلاص وهناخد تامر ونادر من شيري بطريقة ما.
وأول ما نضمن وجودهم تحت إيدينا وفي حمايتنا هناخدك، الحقيقة مش عارف لسه إزاي بس هنوصلك.
بس اللي مش قادر أفهمه ليه عصام متمسك بيكِ لحد دلوقتي؟
اطمني يا مليكة سيبتلك خيط لعلك تعرفي تكوني معانا في أقرب وقت
ترك لها سهم بنهاية الورقة لتقلب الورقة وإذا بخريطة رُسمة لتلك المتاهة الخاصة بالأفعى.
سقطت أرضًا تجهش بالبكاء لقد أخطأتي مليكة حينما خبأتي أمر انفصام عصام منذ البداية وها أنتِ مضطر الانتظار حتى تضمني الأمان لصغارك أو صغار شيري فهي من ربتهم ولستِ أنتِ!
ً
ً
التاسعة بتوقيت برلين اجتمع الجميع بردهة ذاك المنزل الماكثين به، طاولة طويلة بجانب المنزل يتمركز على مقدمتها سوارين يمينه ليريا ومهند ويساره سيف بزوجته كانوا هم الخمسة فقط.
أردف سوارين وكعادته عيناه تتحرك بينهم يفحص ردات أفعالهم قائلًا: إحنا هنا عشان الأفعى اتكشف،
ترك حديثه معلقًا يجذب الانتباه فلم يكن يعرف إلا سيف فقد بُلغ بمهية الأفعى صباح اليوم قبل الذهاب لعصام وليريا بتأكيد تعلم.
انتبهت بالفعل حواس مهند ونور بشغف على عكس مهند بنية الانتقام.
عصام الشمراني.
هتف بها بثبات يدور بعيناه ليلتقي بأول ردة فعل قد صدرت من مهند هاتفًا بعدم تصديق: أنت بتقول إيه؟ عصام! عصام اللي كان حاضني يوم وفاة بابا؟
شرد ذهنه سريعًا لفترة وفاة والده قد كان عصام جواره دائمّا كان القاتل وسار بالعزاء؟!
أمسكت ليريا يده تدعمه قائلة بمواساة: عصام مريض شيزوفرينيا يمكن مكنش في وعيه.
سحب يده منها نافرًا يلتفت لها سائلًا: لو كان باباكي هتهتمي هو مريض ولا لأ؟!
تدخل سيف يهدأ رفيقه بلينٍ قائلًا: ليريا متقصدش، وإحنا دلوقتي مستعدين نقابل الأفعى بعد معرفة هويته، حتى لو كان عصام صاحبنا،
مرت دقائق من الصمت قاطعتها نور قائلة: على كده بقا يبقى في تفسير لخسارة عصام ونقدر نعرف مين عمل كده أكيد عدو في الدايرة، وفي الدايرة يعني يخصنا برضو أكيد مش بيبيع سِبح يعني؟!
حول سوارين أنظاره لنور متحدثًا بهدوء وابتسامة خبيثة ارتسمت على محياه: إحنا مش محتاجين ندور ونفكر عشان أنا عارف مين عمل كده،
كاد يسترسل لتقاطعه باندفاع: مين؟
تشدق بسلاسة وزادت ابتسامته يحيد بنظره عنها: أنا، أنا الهلاك القادم للأفعى وأعوذ بالله من كلمة أنا.
النهاية تُسرد على يد الخبايا، متى كان اللُقى ومتى الفراق؟
كله مكتوب بأنامل القدر ونحن نسير على ما سُرد دون انحناء.
ما تبقى من الخبايا قليل وما بقى إلا الانتقام، فلا تحكم دون رؤية النهاية فقد تكن دامية.