رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الحادي والثلاثون
بإحدى غرف المستشفيات حيث تجلس جوار ابنها ومعهم إحدى الفتيات من منطقتهم تُدعى ميار، دُق الباب فسمحت للطارق بالدخول تنهض عن مجلسها؛ لتبتسم قائلة بود وهي ترى الحضور: أهلًا أهلًا تعالي يا ملاك يا بنتي، ازيك يا أستاذ مالك.
تقدم مالك تليه زوجته وابنه وأبناء أخيه حتى إياد ولافيرا والدته.
جلس مالك جوار مؤمن متشدقًا بابتسامة: ألف سلامة عليك يا دُك.
ابتسم مؤمن متحدثًا دون تكليف ف مالك كرفيقه رغم فارق السن: الله يسلمك يا مالك، الحمد لله جت سليمة.
بادرت ملاك بالحديث متسائلة: هتخرج انهارده صح؟
أماء مؤمن ثم نظر للأطفال قائلًا بابتسامة وكأنه يُطمئنهم عن طريق الحديث معهم: صليتوا المغرب امبارح؟
أماء أربعة وتحدث إياد مقتربًا من فراش مؤمن: صلينا كلنا في المسجد تحت وقعدنا ندعيلك تكون كويس.
تسلم يا فرنسي.
قالها بابتسامة ليتحدث إياد مجددًا يشير إلى والدته يعرفها على مؤمن صديقه كما يقول: ماما لافيرا،
انضم تامر لهم بالحديث قائلًا: دي بقا العرقي الفرنسي بتاعه.
تحدثت لافيرا حينها قائلة بابتسامة: أفهمك تامر؟!
ضحك الجميع وبداخل لافيرا حمدت ربها أن أصدقاء ابنها يحبونه حقًا وقد تحدثت مع ملاك بالأمس واليوم شاركهم الحديث زوجها يبدون من العائلات الطيبة ولن تشقى برفقتهم.
أردفت فتاة توجه حديثها لملاك ولافيرا بابتسامة ودودة تشير لهم على أريكة: اتفضلوا،
بادرت ملاك لها وهي تجلس بابتسامة قائلة: عاملة إيه يا ميار.
أرجعت خصلاتها خلف أذنها متشدقة بابتسامة هادئة: الحمد لله يا ملاك،
خلصتي امتحانات؟
أماءت لتُردف والدة مؤمن: لسه مخلصة امبارح ومن ساعتها وهي مسابتنيش ربنا يباركلها.
تشدق مالك بعبث قائلًا: كله يهون عشان مؤمن، أقصد عشان صحتك يا أم مؤمن.
اكتسحت الحُمرة وجه ميار تُخفض عيناها أرضًا بخجل أما مؤمن فلكز مالك الجالس جواره قائلًا بهمس: قوم روح،.
بين الليالي تقبع الأحداث، مرت الأيام ما بين مراقبة فريقنا للأفعى والترقب لأي حركة أفاعي ولكن كما قلنا سابقًا عصام كالأفعى، محترف بعمله لن يقع بالخطأ إلا لو خانه أحد الرجال كما حدث، فعصام يترأس العالم منذ خمسة أعوام بعملياتهم وتخريبهم لبلاد العالم ولم تتعرف أي القوى عليه إذًا هو ماهر!
وبما أنه ماهر؛ فابتعد تمامًا عن عمل الأفاعي؛ يحاول تعويض الخسائر التي فعلها سوارين دون الإعلان عن هويته، وها هو سوارين يجلس يراقب أفعاله دون جدوى؛ ليقرر بعدما قضا على إحدى العصابات العالمية إيقاف العمل حاليًا والسماح لمهند وسيف وزوجته بالعودة لمصر متى ما شاؤوا؛ للتجهز لزفافهم.
اليوم الأربعاء حيث يتجهز ثلاثتهم (مهند وسيف ونور) لزيجة إحدى الأصدقاء:.
الساعة الخامسة بتوقيت العصر أردف سيف وهو يتقدم باتجاه غرفة نور، فقد بدأ الزفاف على حسب الوقت المتفق عليه، طرق الباب وبعد لحظات استمع لسماح نور له بالدخول.
إيه يا نور كل ده تأخير، إيه ده؟!
تحدث وهو يدخل للغرفة حتى وقف بمنتصف الغرفة لتستدير له نور بعدما هندمت خصلاتها ليسترسل: إيه اللي حطاه ده؟!
علمت لحظتها أن ليريا مُحقة لتُردف بقوة زائفة: إيه؟ روج وكحل بس.
والله؟!
تشدق بها ساخرًا مقتربًا منها حتى امتثل أمامها مباشرة ليتشدق من بين أسنانه: إمسحى الهباب ده يا نور عشان منتخانقش،
دقائق وخرج سيف للخارج يتنفس بعمق كي يهدأ لتسأله ليريا بعدم فهم لتأخر نور، فقدت كانت تضع لمسات أخيرة وستخرج ماذا حدث لكل التأخر هذا؟
أين نور لما تأخرت؟
ما زالت تتجهز.
تشدق بها ببرود لتتخطاه للداخل ترى ما أخر نور هكذا.
كان باب الغرفة متروك قليلًا لتدخل ليريا تنادي على نور فأتاها صوت الأخرى: تعالي يا ليريا أنا هنا،
كانت بدورة المياه تمسح أحمر الشفاه لتضحك ليريا متشدقة: مش قولتلك بلاش.
زفرت نور بضيق شديد من أفعال زوجها قائلة: الأستاذ كان عايزني أمسح الكحل كمان، أنا مبعرفش أمشي من غير كُحل!
ضحكت ليريا عليها لتسترسل الأخرى: وافق بالصدفة ابن رأفت إني أنزل كده.
واستها الأخرى وهي تستند على الحائط من خلفها قائلة: كله بيجي بدلال،
ناظرتها بطرف عيناها باشمئزاز وضيق ثم تركت المكان تخرج للخارج تبحث عن منشفة.
كان يجلس الاثنان بالأمام وتجلس نور بالخلف بابتسامة تتبادلها مع سيف من المرآة الجانبية تتذكر حديثها مع سيف بالأمس عن ذاك الزفاف.
الثلاثاء العاشرة مساءً بتوقيت ألمانيا حيث يتحرك الاثنان في إحدى النزهات بطرقات برلين يستمتعون بالأجواء فقط: فتحت نور نافذة السيارة من جوارها تتنفس الهواء البارد باستمتاع شديد ليفتح سيف سقف السيارة لها مبتسمًا، ناظرته نور بابتسامة سعيدة وضحكات تصعد أثر سعادتها تقف فاردة أذرعها بالهواء وخصلاتها السوداء تتطايرة بحرية كصاحبتها، فلطالما كانت حرة بعد قيد الحب السابق؛ فأدت تجربتها السابقة لجعل تلك التجربة الأفضل والأكثر إثارة وحماس.
اصطفت السيارة على جانب طريق خالي لتجلس نور متربعة تنظر لسيف بابتسامة؛ فبالتأكيد يود الحديث عن شيء وبالفعل التفت لها مبادرًا بالحديث قائلًا بالفصحى التي يُغازلها بها تلك الأونة: بعدما كنتِ ساكنة الفؤاد الهادئة أصبحتِ معذبة فؤادٍ أُغرِمَ بعشقك يا ذات البحر.
ضحكت نور بسعادة تولي أنظارها عنه بسعادة عارمة ليسحب يدها جاعلًا إياها تنظر له قائلًا: شعرك جميل،.
هتفت بدهشة فقدت كانت تنوي قصه كنوع من التجديد: بجد! كنت هقصه كتجديد وكده.
نفى سريعًا متشدقًا بضيق: لأ متعمليش كده أنا عاجبني شكله كده بصراحة، بحب الشعر الطويل وبحبك.
ضحكت على خِتام حديثه ثم بادرت تسأله: أنت بتتكلم فصحى حلو؟!
أماء ثم أجابها عن سبب ذلك: بتعامل مع أجانب كتير متعلمين الفصحى، وبحب أتواصل مع اللي قدامي بنفس لغته، يعني مثلًا أنتِ لغتك التصويب وأنا المُصاب.
ولت وجهها عنه تضحك بخفة على حديثه وكيف يترك صُلب الحوار متحدثًا عنها وعن عيناها وكيف تأسرانه، هو أيضًا يؤثر عليها بعيناه وغزله ولا تتحدث، هذا ليس عدلًا!
أتت ببالها فكرة وأظنها تأثرت بحديث الهرمونات وما تفعله الفتيات بعد منتصف الليل بأزواجهم لتتشدق بشك قائلة: سيف أنت بتخوني وبتداري بمعكساتك المبتذلة دي؟!
ضحك على حديثها بقلة حيلة من تفكيرها لا تحتاج لشخص آخر كي يخرب لحظاتهم وعلاقتهم يكفي عقلها وما يدور به.
وكيف أخونُ وقلبي متيمٌ ببحرِ عيناكِ؟!
أدارت وجهها تكتم ابتسامتها ليُردف متحركًا بالسيارة للأمام قليلًا يصفها بعيدًا عن حركة الطريق: بشوقك بكره الشوق يجيبك.
زفرت بضيق شديد صارخة به: بطل تقولي الجملة دي!
عقد حاجبيه مستفسرًا عن سبب ضيقها فقد أعجبته الجملة حينما سمعها من إحدى المسجونات التي رفض تهريبهن وأعجبته، وبالتأكيد لن يُخبر نور أن إحداهن غازلته بها، فهو لم ينسى ما فعلته ب عجمي ذلك المسجون الذي أبرحته ضربًا: ليه؟!
صرخت باندفاع ودون انتباه لحديثها: عشان بكره الشوق هيجيبني فعلًا،
نظر لها سريعًا بصدمة من حديثها: إيه!
إيه؟
إيه؟
صرخت بوجهه وهي تنهض تعتليه وتضع يدها على عنقه تهدده بالخنق: إيه أنت؟!
صرخ بوجهها هو الآخر بعد فعلتها الواضحة كتهديد له بالخنق: أنتِ اتهبلتي يا نور عايزة تخنقيني؟!
لم تهتم لحديثه تضغط على عنقه قائلة: انسى اللي قولته فاهم!
عقد حاجبيه مستفسرًا عن مقصد حديثها ببراءة اصتنعها: اللي هو إيه؟
إني بكره هشتاقلك، إيه!
كانت تتحدث بحماقة حتى صرخت به تنتبه على حديثها ليضحك وهو يضمها لصدره قائلًا بالألمانية: حمقاء-Dumm.
لكزته وهي تعود لمجلسها عنوةً عنه؛ فقوص شفتيه بضيق من بُعدها، أتته رسالة على الإيميل الخاص به فأمسك هاتفه يتفحص الإيميل وبعد دقيقة أو اثنان تشدق للتي تتابعه بالتواء فم بمعنى حقًا!
ضحك قائلًا على رد فعلها الصامت ذلك: معلش كانت رسالة من ناس أصحابي هنا بيأكدوا معاد الفرح.
فرح؟!
أماء مسترسلًا يشرح مقصده: بكره في فرح ناس أصحابي عاملينه هنا في برلين، كانوا بعتين ليا أنا ومهند وآسر دعوات الفرح عشان إحنا أصحاب من بدري وكده وأنا مكنتش عارفه هعرف أجي ولا.
وهما بيأكدوا إنهاردنا عليا أو علينا كلنا إحنا كأصحاب لازم نأكد قبل المناسبة عشان عارفين المشاغل وكده.
فبعتولي، تحبي نروح بكره؟
كانت تومي بفهم حتى سألها لتبادر هي الأخرى مستفسرة: أنا وأنت؟
أماء هو الآخر مسترسلًا بقول: ومهند، أما آسر معتقدش هيجي من مصر مخصوص،
أفاقت من ذكرياتها على اصطفاف السيارة لتهبط معهما.
أعطى سيف للعامل بالخارج دعوتهم، ثم ترجل لداخل الساحة حيث أُقيم حفل الزفاف بساحة خارجية لإحدى المنازل ذات الطابع الأوربي من الخارج، وكانت الحديقة كبيرة بمنتصفة يوضع مسرح صغير يليه مقعد الزفاف أو الكوشة.
وانقسمت الموائد لنوعان نوع طويل بالأمام دون كراسي ونوع بالخلف قصير كموائد الزفاف العادية العربية.
دخل سيف رفقة زوجته ترتدي فستان طويل يصل لكاحلها بأكمام طويلة من لون عيناها السماوي التي برزتا بسبب كُحلها الأسود؛ فكانت خاطفة لقلبه بشكلٍ مُبالغ وملحوظ.
يليهم مهند ببدلة من اللون الأسود بقميص أسود، على عكس سيف الذي يعتمد القمصان الرمادية كلون عيناه فيُفضلهما، مع ذات البدلة.
بتوقيت الخامسة عصرًا بمصر: أعادت رأسها للخلف على ذلك المقعد أمام حمام السباحة بقصر الشمراني تتمتع بغروب الشمس بأول مراحله تغيب بعقلها عودةً للقاءها بصديقتها القديمة شيري.
كان القلق ينهش شيري كثيرًا من ذلك اللقاء لا تعرف أتأخذها بالأحضان أم لا.
لا تعرف إن كانت خليلتها أم عدوتها كمليكة وألماس من الأساس، تآكلت خلايا عقلها من التفكير فقط خلال ثواني تقدم ملاك منها لتحسم ملاك جدال عقلها وهي تحتضنها بشوق غافلة عن كل ما قد حدث منها أو يحدث منها.
جلست اثنتاهما ببعض التوتر قاطعته ملاك بابتسامة متشدقة: كان نفسي أفضل معاكي شوية يا شيري بس مضطرة أروح البيت عندي، أكيد هاجي تاني ونتكلم.
قالتها مستأذنة فعقلها لم يُسعفها على قول أي شيء غير الرحيل.
أفاقت من شرودها على تقدم زوجها منها بابتسامة يجلس على حرف مقعدها المشابه لمقاعد الشواطئ.
الجميل سرحان في إيه؟
اعتدلت بجلستها تُربع قدمها فتقدم أكثر منها منتظر جوابها التي بادرت به: مفيش، ااا مستغربة شيري يعني سلمت عليك ومشيت على طول على شقتها.
دخول القصر طلع أسهل مما كنت فاكر.
تشدق بتلك الكلمات ساخرًا وهو يطوف بعيناه بذلك المكان الذي تربى به ومُنعَ من دُخوله متجنبًا التقرب من أخيه وأخته والآن هو يجلس يتمتع بكل شيء على عكس أخيه المنزوِ بألمانية وأخته بشقتها متنازلة عن كبريائها وما شابه.
وبإحدى المناطق الراقية بعمارة مكونة من ستة أدوار بشقتين لكل دور وبشقة فاخرة كبيرة كانت تجلس هي شيري الشمراني تتآكل من داخلها وهي تنتظر إجابة أخيها على هاتفها.
وها هو يُجيبها بعد نصف ساعة من الاتصال المستمر هتفت بحدة وضيق من تجاهله لها: إيه يا عصام مش بترد ليه؟!
قلب عيناه منها بملل من زنها على أذنه متشدقًا دون اكتراث: خير يا شيري؟
أنا سيبت القصر لمالك، مالك رجع يا عصام!
تبرم دون اكتراث مجددًا بالألمانية: وما المطلوب شيري، لما تخبريني بكل ذلك ما شأني أنا؟!
تشدقت صارخة به بالألمانية كما فعل: حقًا عصام؟! حسنًا أبناءك لديه لن أهتم بأولاد أحد منذ الآن لستُ المربية الخاصة بأبناءك أو ابنة آسر اللعنة عليكم وعلى استغلالكم لي.
صمتت تلتقط أنفاسها وتستعيد ثباتها قائلة: سأغادر مِصر في صباح الغد ولن أعود أبدًا سأتفرغ لذاتي منذ الآن عصام لا أُريد منك أنت وأخيك إلا مالي، حسنًا؟
أماء ببرود وكأنها تراه متشدقًا بابتسامة باردة وعدم اكتراث: حسنًا أخبري أخيك الآخر بذلك حتى لا يقلك عليكِ، أنتِ تعلمين مالك صاحب مشاعر وقلب وهكذا.
اللعنة عليك!
صرخت بها بانفعال شديد وهي تقذف هاتفها أرضًا، تبكي بحرقة وهي ترفع عيناها للوح الكبير من أمامها، يضم صورتها مع عائلتها تفحصت أوجههم جميعًا.
بدأت من ملامحها كطفلة صغيرة بالثامنة عشر من عمرها انتقالها لأخويه اللذان أتما العقد الثاني بذلك اليوم بعد آسر بأيام فبدأت والدتها توسوس بأذنها أكثر مما يفعل الشيطان.
وسوسة لها والدتها دائمًا بالتقرب من آسر الأسيوطي صاحب الرِفعة والشأن، منذ دَخل الجامعة وبدأ بالظهور رفقة والده بهيئته الوقورة، على عكس ما كان يحيكه آسر من أسفل الطاولة من عبث.
انتقلت عيناها لوالدها كان حنون بدرجة الضعف، كعصام ولم تكن والدتها كمليكة تشجعه، بل كانت تبسط أراءها على زوجها؛ حتى دمرت علاقة الثلاثة بمن حولهم وصولًا لعلاقتهم.
ناظرت والدتها بكرهٍ تسحب سكين الفاكهة من جوارها، تطعن وجه والدتها تولي وجهها جانبًا؛ حتى لا يُصاب من الزجاج الذي تناثر بالأرجاء عادت بنظرها لوجه والدتها المشوهة بيدها المملوءة بالدماء الممزوجة بالزجاج تهمس بضعف:.
ربنا يسامحك، ربنا يسامحك عشان عمري ما هسامحك يا ماما، عمري ما هسامحك على إنك كنتي السبب إني أقرب من آسر وأكره ألماس، وبدل ما أعمل حياتي بقيت عايشة في هامش آسر منتظراه.
ولا هسامحك على إنك السبب الأول والأخير في اللي عصام فيه وخلتيه يكره مراته، وبدل ما يرميها حبسها زي ما كنتي بتعملي، يمكن مالك اللي نجا من كل ده بسبب شغله ودراسته بره وانعزاله عننا أول ما مَرضنا بدأ يظهر بعد ما أخدكم الموت.
جلست أرضًا تضحك بسخرية قائلة: حضرتي العربية لموت بابا، وموتي أنتِ الأول وقعد هو في العناية، أنتِ شيطانة، أنتِ اللي ورا كل ده، أنا بكرهك.
صرخت بملء فاهها من كم الألم الشاعرة به بقلبها، وكأنها أفاقت لتوها؛ لتُدرك كل ما عصف بهم، وكأنها غفت بعمر الثامنة عشر واستيقظت الآن بعد اثنتا عشرة عام فأكثر...
ناهيك عن ألم قدمها ويدها فقد جلست على الزجاج لكن ما كان يطفو في المقدمة هو ألم عضوها الصغير بالجانب الأيسر.
تحمحم مالك ببعض الارتباك ناظرًا لزوجته يدور بعقله شيء واحد منذ عاد من ألمانيا، هل يُصارحها أم يكتم فاهه كما فعل منذ خمس أعوام تقريبًا...
ابتسمت ملاك تشعر بتوتره، أمسكت يديه الاثنان جاذبة أنظاره إليها يتبادلها مع يديهما بعدم فهم لحركتها؛ حتى بادرت بالحديث متشدقة: عايز تقول إيه يا مالك أنا سمعاك،.
أخذ نفسًا عميقًا مقررًا البوح بما بداخله زافرًا إياه ببطئ بادئًا الحديث بتروي وتمهل: أنا واقع في مصيبة تقريبًا،
تقلصت المسافة بين حاجبيها بابتسامة متسائلة: تقريبًا؟!
ابتلع لعابه بقلق مما سيقوله يُجيبها: وكذبت عليكي،
هنا وانمحت ابتسامها تمامًا بعدم فهم لما يحدث معه متحدثة بتوتر وتلعثم سيطر عليها: كذبت عليا في إيه يا مالك!
مالِك!
نادته جاذبة انتباه من جلد ذاته على إخبارها، لكن هذا ما حدث مالك ولن نكذب، هيا تحلى بالشجاعة واعترف لملاك بكل شيء، فهي ملاكك لن تضرك فقط ستُرشدك للصواب...
أنا مكنتش في أمريكا، أنا كنت في ألمانيا عند عصام.
جعظت عيناها بدهشة مرددة اسم الآخر بهمس
عصام!
تجاهل دهشتها حتى لا يخوض حوار جانبي، يُركز حديثه على هدفه الأساسي وهو الاعتراف بكل شيء: أنا متورط مع عصام، فاكرة لما قررنا نبعد أنا ساعتها سيبت كل شغلي ومبصتش ورايا بس عصام متنازلش عن حاجتي ورماها، عصام خد الختم بتاعي وكان بيختم بيه ورق، وأنا، اا وأنا دلوقتي واقع معاه في نفس طريقه المشكلة إنه عمره ما هيعترف إني مليش دعوة.
عصام مش عايز يلبس المصايب اللي مشي فيها لواحده، وأنا كده اللي هلبس كل حاجة تقريبًا!
صمت ثم استرسل بخفوت مستغلًا صدمتها بقول آخر ما لديه: المشكلة إني مش عارف هلبس إيه وإيه المصايب اللي عملها بإسمي!
أفاقت بصدمة ضاحكة بخفوت وعدم تصديق متشدقة: أنت بتهزر؟!
هز رأسه بالرفض مخفضًا عيناه أرضًا لتتشدق محاولة التماسك ومعرفة إلى أي مرحلة قد تصل تلك المصائب: احكيلي كل حاجة بدون ألغاز،.
كرر فعلته الأولى بأخذ نفس عميق وهو يدور بعيناه في المكان قبل أن ترتكز عليها نابسًا: عصام هو الأفعى اللي عاملة نص المشاكل ف العالم ومش كده وبس، ده أنا اسمي في نص الحوارات دي وهو مُصر إني اللي عملت كده؛ لدرجة إن الغريب كان عايز مني الفلوس اللي خسرها وأنا معرفش خسرها في إيه أصلًا!
أماءت بهدوء نابسة
الحوار في الغريب؟!
أماء لها بقلة حيلة فعقله واقفًا عن العمل منذ أن طالبه الغريب بالمال أي أن الاثنين قادران على الاعتراف عليه وإثبات أنه المتهم وهو لا شأن له من الأساس!
أردفت بابتسامة وهي ترى أن ذالك هو الحل الوحيد: طالما الحوار في عصام والغريب يبقى ناقص الضلع التالت من المثلث هو اللي هيحل الموضوع لو مش شغال معاهم،
آسر!
سألها بصدمة هل سيتدخل آسر بالحوار حقًا أم أنه له يد مشتركة معهم أيعقل؟!
بدأت الشمس في الغروب بشكل رائع كعادتها كل يوم بلوحة جديدة تستحق الرسم.
كانت أصوات الموسيقى المصرية والعربية تنتشر بالأجواء رغم أغلبية المعازيم الأجانب إلا أن الِعرسان عرب وليسوا أي عرب بل مصريين!
وقف سيف خلف نور يحاوط خصرها بتملك واضح للجميع يستند برأسه قليلًا على مَنكَبها الأيمن، يجاورهم قليلًا مهند على ذات المائدة الطويلة يرتكز بعيناه على هاتفه يحادث نورسين.
تشدق سيف مبتعدًا قليلًا لاتاحت الفرصة له برؤية عيني نور: عيونك جميلة وخاصةً وهي متحددة بالكُحل.
ابتسمت بسعادة متشدقة: بجد!
ثم استرسلت بلوم: شوفت بقا إن شكلي حلو، وكان حلو بالروج على فكرة،
أماء بإعجاب قائلًا: حصل كنتي وما زلتي تتاكلي من كتر الحلاوة.
أنهى حديثه ضاحكًا بخفة يعود لخلفها يحتضنها قائلًا بأذنها وهما يتابعان الحفل: المشكلة إنك حلوة يا نور، وأنا مش جايبك أفرجك للناس يا حبيبي، حلاوتك ليا واحدي.
أطال حرف الياء بنهاية جملته يصك على ملكيته لجمالها وأنه الشخص الوحيد المباح له رؤيتها بأبهى الصور.
ضحك الاثنان وهما يتحركان مع الموسيقى تمسك يديه المحيطة لخصرها حتى جذب انتباههما مهند بقوله: تعالوا نوثق اليوم بصورة.
رفع هاتفه يلتقط لهم صور كان هو بالمقدمة ويليه سيف ثم نور بابتسامة جميلة تُزين ثغورهم.
ثم التقط سيف ومهند صور لهما معًا صور تُظهر وقارهما وأخرى مجنونة أثناء انشغال نور بالتقاط الصور لذاتها.
ثم شاركتهم الصور المجنونة بسعادة عمت الأرجاء ثم انفرد سيف بنور يلتقطون الصور.
التقطت إحدى الصور والتفتت له على يسارها تُرِيه كل الصور بحماس ثم رفعت عيناها له متشدقة: دي حلوة أوي.
أماء دون حديث فلا يملك حق الحديث أمام عيناها، ظل هائمًا بعيناها وهي تشعر بالتوتر تجوب بعيناها المكان ليتشدق بلوعة: عيونك قناصة يا نور!
مر الوقت سريعًا وتقريبًا لم يتبقى بالزفاف إلا رفاق العروسان واللذان بالأساس رفاق ضمن مجموعة واحدة.
كان الجميع ملتفون حول مائدة طعام كبيرة يأكلون بنهم وعددهم أكثر من عشرين شخص تقريبًا.
هتفت العروس وتُدعى فرح موجهه حديثها لسيف ومهند: فِرِحنا جدًا إنكم جيتوا، وكان نفسي آسر يكون معاك يا سيف.
ابتسم سيف متشدقًا: معلش بقا يا فروح، بس آسر مشغول شوية في القاهرة، وأنت عارفة ملوش في الهيصة وكده.
والله!
تشدق بها العريس ويدعى زياد ساخرًا ثم استرسل: آسر اللي معرفنا طريق الهيصة أصلًا.
نظرت نور سريعًا لزوجها متشدقة بدهشة: أصلًا!
أماء لها ضاحكًا ليسمع لسؤال زياد: إيه النظام؟
قالها مشيرًا بعيناه على نور التي تتوسط ذراعه من اتجاه مهند فقد أوقفها بالمنتصف ليضمن ألا يُضايقها أحدهم.
كاد يُجيبه لكن قاطعته فرح التي التقطت إحدى الصور مع صديقاتها ثم عادت لهم قائلة لسيف ومهند: مش اعقبالكم بقا ولا إيه؟
رفع الاثنان يديهما اليُسرى متشدقين بذات اللحظة: عملتها قبلك.
عملتها أجمد.
قالها زياد تشاركه فرح وهو يضمها لتعلوا الضحكات الأجواء.
بادر سيف بتعريفهم حينما ابتعدوا قليلًا هم الخمس عن التجمع: نور حبيبي ومراتشي.
أنهى حديثه ضاحكًا بخفة وهو يضم نور ثم أكمل حديثه بقول: زياد وفرح أصحابي من ثانوي تقريبًا.
أردفت فرح تقاطعه: إعدادي يا ابني كنت معاك في المدرسة، معايا صور ليه هبقى أبعتلك.
تشدقت بالأخيرة وهي تنظر لنور التي ضحكت وهي تومي لها وبداخلها حماس لرؤية صور سيف بالطفولة.
بادر زياد تلك المرة بالحديث لمهند بابتسامة: وأنت يا مهند؟!
قوس شفتاه بحزن حقيقي يعتلي قلبه لعدم وجود نورسين جواره كل تلك الفترة متشدقًا ب: للأسف بعد كتب الكتاب اضطريت أجي هنا عشان الشغل وهي كانت مشغولة مع أخوها وكده.
ثم استرسل بحماس وحب أخوي بينهم: أنتم معزومين على الفرح آخر الأسبوع الجاي أكيد مفيش هزار.
تشدق زياد بتفكير: وشهر العسل يا عم؟!
هو الفرح فين؟!
بادر سيف بالرد: في اسكندريه إحنا قاعدين هناك بقالنا كام سنة.
نظرة فرح لزياد مقوصة شفتاها بعيني دامعة تترجاه ليتشدق بسعادة فلم يزر مصر منذ عدة سنوات قائلًا: خلاص هنقطع شهر العسل ونيجي نقضي أسبوع معاكم.
بس في الساحل، تمام؟
أردف بها مهند بحماس لتجمعهم لمدة أسبوع فبادر الآخر بالإيماء قائلًا:
جيمي عنده حفلة في الساحل أصلًا كان لسه بيقول،
جيمي هنا؟!
تسائل ثم اندمجوا جميعًا وسط رفاقهم يحظوا بأوقاتٍ سعيدة وأسعدهم زياد وفرح وسيف ونور التي تسكن أضلعه تقريبًا.
كان يجلس مالك بجواره على الأريكة زوجته ونصفه الآخر ملاك، وعلى مقربة منهم حبيبة مجتمعون بقصر الشمراني، بعدما استولى عليه مالك تقريبًا بغياب أخويه مقررًا عدم ترك المنزل مجددًا.
كانوا يتابعون إحدى الأفلام رفقة الأربع أطفال الذي يلعبون ويتحدثون بحماس، كانت تبتسم عليهم حبيبة بسعادة، وأخيرًا انسجم تامر وسط البقية، فكانت قلقة دومًا عليه من لسانه الفظ وعدم اقترابه من البقية.
قاطعهم دخول شيري بيدٍ ملفوفة ترتدي ثياب كاجوال على عكس عادتها بارتداء الفساتين، بنطال من القماش الطويل يغطي ساقها بأكمله المجروح وكذلك كان القميص من القماش وبأكمام طويلة.
هاي،
أردفتها بتوتر لينهض لها مالك مقتربًا بابتسامة: الحمد لله إنك جيتي كنت هكلمك تيجي تقعدي معانا،
ترددت قليلًا لتُجلي حلقها حاسمة أمرها قائلة: ممكن نتكلم لواحدنا؟
عقد حاجبيه قليلًا من طريقتها بالحديث يومي لها بالتحرك أمامه، فأخذته لمكتب عصام.
لم يكن يفهم ما بها خاصةً وأن الجميع أخبره أنها أصبحت فظة، لكن الآن هي تتحدث بذات الطيبة والبراءة التي عرفها بها تلك الصغيرة أخته وليست النسخة المؤنثة من الأفعى التي حدثوه عنها...
مالك أنا قررت أسافر أكمل حياتي بره، قبل ما تقول حاجة، أنا مش هعرف أكمل حياتي هنا أكتر من كده، أنا، أنا لسه بخاف من ماما وحساها في كل مكان، فلازم أبعد وأنا بحب آسر ومش هقدر بجد أكرهُ أو أشيل حبه من قلبي، يمكن ده تعلق أكتر من حب من وجهة نظرك، بس في كل الأحوال مش هقدر أكون في نفس العيلة مع ألماس.
ملاك بتعاملني حلو لكن صدقني هي هتكرهني لما تعرف إني أذيت أختها قبل كده، أنا محتاجة أفصل وأبعد عن كل العيلة، أبعد عن شبح ماما اللي ساكن أماكنها وأبعد عن آسر وألماس وعن عصام و، وعنك محتاحة أبعد عن الماضي كله.
تنهدت تُنهي حديثها بزفير حار ترفع أنظارها لعين أخيها الذي كوب وجهها طابعًا قبلة على جبينها ثم احتضنها متشدقًا: أنا آسف إني اتخليت عنكم دايمًّا، ماما مسابتش حد فينا حتى أنا مسابتنيش، أنا اللي هربت أكمل دراسة بعيد عنكم.
أنا آسف، أنتم لازم تتعالجوا، أنتِ وعصام.
خرجت من أحضانه تربت على وجنته بخفة قائلة: متقلقش عليا أنا هبقى كويسة لما أبعد، لكن عصام لازم يتعالج أنا معرفش كتير عنه، لكن عارفة كويس إن الفساد انتشر فيه، الحقه يا مالك.
ضمها مجددًا كوداع، وداع أخير تلك المرة، فقد قررت الهرب مثلما فعل بصغره ناجيًا بذاته وهو على درايا كاملة بتأثير والدته السلبي وضغطها على والده ثم عصام، حتى إنه كان يشعر بوجود شخصان معه وليس شخص واحد وهذا ما حدث بالفعل، وكان يعلم بما تفعله من ضغط على أخته العزيزة، ولكن ما أنشأته به من خوف كان أقوى من كل ذلك؛ فهرب بذاته خوفًا منها، أكانت أُم أَم سَجان رب الخوف بقلوبهم جميعًا!
احتضنت شيري نادر بحب قائلة بذات النبرة الهادئة وكأنها هي الأخرى لديها شخصيتان وتلك وَردِية الطيبة: نادر أنا بحبك رغم كل حاجة، أنا آسفة أتمنى تسامحني في يوم.
عقدت ملاك السامعة حاجبيها بعدم فهم لما سيسامحها ذلك الصغير ماذا فعلت؟
أم نادر فبادلها الحضن هامسًا بأذنها: أتمنى أقدر أسامحك في يوم، بس ماما متفكريش،
صمت مبتعدًا عنها يرسم ابتسامة حاول رسمها جاهدًا معلقًا: هتوحشيني يا عمتو.
بادلته الابتسامة ببال مشغول، فهل حقًا سيأتي اليوم التي تسامحها به مليكة؟!
حسنًا لتعترف أن لها يد بكره عصام أو الأفعى لمليكة، فقد تولت تلك المهمة بعد والدتها وخاصةً حينما وَلى آسر نظره عنها منشغلًا بألماس؛ حتى بعد زواجهم وبُعد ألماس لم يُفكر يوم بالتقرب منها وظلّ منشغلًا بألماس.
احتضنت تامر بحب تهمس بأذنه كي تُريح قلبها قليلًا: كل اللي عصام قاله كذب متصدقهوش، وبكرة هتعرف ليه بس تأكد إن مليكة محبتش غيركم.
بادلها بابتسامة حزينة ورغم صُغر سنه إلا أن عقله من كثرة انشغاله بوالدته بدأ يشعر أنها بريئة!
هتوحشيني يا عمتو.
نظرة لأحمد بابتسامة ثم احتضنته بقوة قائلة: كان نفسي نقضي مع بعض وقت أطول.
هنتقابل تاني يا عمتو؟
تسائل وهو يبتعد عنها بحزن لتومي له تتفق على التحدث دائمًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وصلت لألماسة، ألماسة! أظن أنها لأول مرة تراها ألماسة وليست ألماس!
احتضنتها وبادلتها الأخرى بدون مشاعر على عكس الصبية لتهمس لها شيري: أنا آسفة يا لولا،
ابتعدت تُملي نظرها بملامح الأخرى لم تكن ألماسة النسخة المصغرة من ألماس؟!
كانت تملك عيني آسر حتى لو تشابهة مع ألماس لكن هذا الخيط البني المحيط للعين خاص بآسر، وتملك ملامح ليلى والدته أكثر من أي شخص آخر، كيف كانت تراها ألماس؟!
ضمت ملاك هامسة باعتذارها فقط؛ حتى أن الأخرى لم تفهم، لكن شيري غادرت مع أخيها بعد وداع حبيبة، وهكذا نُسدل الستار قليلًا عن شيري، ونحن غير قادرين على تحديد إن كانت ظالمة أم أنها مظلومة بالأول؟!
عاد الثلاثة بعد منتصف الليل بسعادة لقضاء بعض الوقت رفقة رفاقهم ونور رأت كيف قضوا فترة المراهقة.
دخلوا بهدوء بعد الطرقات الخافتة ظنًا أن سوارين وليريا قد غفوا لكنهم تفاجؤوا بهما يجلسان أمام التلفاز.
السلام عليكم.
قالتها نور تتجاوز الجميع مسترسلة: هغير هدومي وجاية.
روحوا غيروا أنتم كمان على ما ليريا تقطع الكيكة.
تشدق بها سوارين مشيرًا على الكيك الذي صنعوه سويًا.
لتُردف ليريا بحماس:.
أنا اللي عملتها لأول مرة، سوارين كان بيوجهني بس.
هتف مهند بحماس شديد مشجعًا الأخرى: بجد! أشطر بنوتة.
ضحكت بسعادة وهي تُشاهد الاثنان يختفيان من أمامها لإبدال ثيابهم.
نظرة ليريا لسوارين بابتسامة تصل من الأذن للأخرى ليبتسم لها فأردفت: مش قادرة أتخيل حياتي من غيركم، من غيرك!
تحدث بالفصحى جاذبًا يديها قائلًا: أخبرك بشيء ليريا؟
أماءت وعيناها لم تنزاح عن مقلتيه ليتشدق مشيرًا لقلبه: ذاك اللعين أحبكِ بل عشقكِ وهو على كل الدِرايا بعشقك لغيره.
توترت نظراتها قليلًا ليُردف بابتسامة يُنهي اضطرابها هذا: أنا مستعد أحبك بطريقة مختلفة، بكل هيئة ليا، عارفة الأساطير اللي بتقول إن في سبع عوالم وفي كل عالم بنتبعث تاني أنا متأكد إني هحبك في كل مرة هشوفك فيها.
ضحكت قائلة: أنت هتكفر ولا إيه! عوالم سبع إيه وبتاع يا،.
قاطعها دلوف نور يليها البقية متشدقة بعبث وهي تنظر ليداهما المتشابكتان: جينا في وقت غلط ولا إيه.
أنهت حديثها ضاحكة يشاركها الاثنان الأخران لتنظر ليريا لسوارين قليلًا مبتسمة.
جلس الخمس جوار بعضهم على الأريكة سوارين تليه ليريا تجاورها نور ثم سيف وبالنهاية مهند.
أردفت نور ناظرة لسوارين متسائلة: ممكن سؤال؟
أماء وبداخله قلق من سؤالها فنور من النوع الفضولي لتتساءل: أنت متجوز اتنين صح؟
عقدت ليريا حاجبيها بتساؤل عن تلك المعلومة ليتشدق سيف ضاحكًا: أنا السبب في الإشاعة دي، أيوة.
ضحك سوارين متشدقًا: أنتِ صدقتي بجد؟!
تسائلت ليريا بعدما فهم: أنا مش فاهمة حاجة!
بصي بما إني الإيد اليمين لسورين وفي نفس الوقت لآسر فكان لازم أحدد المعلومات اللي هتطلع مني، فبقيت أقول عن موضوع زواجهم إن الاتنين متجوزين اتنين وخلاص،
تشدق سيف بذلك ليسترسل سوارين:.
لكن أنا مفيش ورقة واحدة في العالم باسم سوارين متجوز.
أنتم الاتنين مش متجوزين؟!
قالتها نور بدهشة تنقل بصرها بين سوارين وليريا؛ لتومي لها قائلة: مفيش ورقة باسم سوارين وليريا أيوة.
أردفت نور بخفوت ترتب الأمور بعقلها: يعني البلد كلها فاكرة سوارين متجوز اتنين وسوارين على الله حكايته ومش متجوز!
قلبت عيناها بضيق شديد من المفترض أن تكون بالمنزل تتحضر وتجلس بانتظار مهند زوجها وحبيبها إلا أن تلك الموكلة بتعليمها ومديرتها!
رفضت، سخرت بداخلها تُقلد الأخرى: أستاذة نورسين على مكتبك مفيش أجازة.
أصدرت صوت ساخر وهي تُمزق ذلك التصميم: نينيني بكرة لما أبقى مرات صاحب الشركة هطردك يا منى، ده أنا هطلع،.
زفرت بضيق شديد ليتها أخذت أجازة منذ مدة لكن عنادها ماذا تفعل به وقفت أمام زوجها العزيز الذي يريد راحتها ضاربة بحديثه الحائط وهي تُصر على استكمال عملها حتى يعودوا من ألمانيا...
ولكن ارتاحي نورسين ها هم سيعودوا اليوم وتنشغلي الأسبوع القادم بحفل زفافك ثم شهر كامل في الساحل بعيدًا عن وجه منى وأوامرها تلك التي تظن ذاتها من حواري الاتيكيت.
أردفت بذلك الحديث بين ذاتها حتى قاطعها طرقات خافتة على باب المكتب لتُقطع تلك الورقة التي لم ترسم بها إلا بعض الخطوط.
ثم جلست بوقار تستقيم بظهرها للخلف تُمسك القلم بغرور ظنًا أنها منى من تطرق الباب قائلة ببرود بعد دقيقة تقريبًا من سماع الطرق: ادخل.
فُتح الباب وظهر هو من خلفه بابتسامة لتهتف سريعًا باسمه وهي تنهض تستأصل تلك المسافة بينهما تعانقه.
وحشتني أوي يا مهند.
بادلها العناق بقوة يريد ضمها بقية العمر عوضًا عن ذلك الأسبوع الذي لم يلمسها به، تشدق ببحة من الاشتياق وخفوت جوار أذنها: وأنتِ كمان يا فراولة وحشتيني جدًا.
ابتعدت عنه قليلًا بخجل وقد اكتست الحُمرة وجهها بالفعل فحق تسميتها بالفراولة الخاصة به بالتأكيد...
انخفض قليلًا طابعًا قبلة صغيرة على وجنتاها محل الحُمرة عائدًا للخلف لتتصاعد ضحكاته فقد ازداد لونها الأحمر وازداد خجلها حتى أنه يشعر بدرجة حراراتها المرتفعة.
كانت تُخفض عيناها أرضًا ببسمة هادئة خجولة وهو ينظر لها باستمتاع مكتفي بالنظر إليها، يُملي شوقه اتجاهها.
قاطعهم طرق على الباب لتحمحم نورسين مبتعدة قليلًا عن مهند آذنه للطارق بالدخول.
نقلت بصرها بين مهند بتوتر وإحدى الفتيات العاملات معها التي دخلت لتوها.
أردفت الفتاة تقدم لنورسين أكياس الطعام: اتفضل يا نونة الأوردر أهو بس، ممكن تجيبيلي الفلوس قبل الأجازة عايزاها ضروري وكده.
قضمت شفتاها بضيق شديد من إحراج الأخرى لها أمام مهند قائلة باستفهام: فلوس التوصيل؟!
أماءت الأخرى بابتسامة متوترة من نظرات نورسين التي صرخت بها: مزنوقة في عشرين جنية يا شمس؟!
أماءت بخوف من عيني الماثلة أمامها، فكما يُقال لو العيون قادرة على القتل لكانت شمس يُقرأ عليها الفاتحة منذ عشر دقائق تقريبًا.
أخرجت هاتفها من جيوبها تفتح الجراب فهي تحتفظ بالمال بظهر الهاتف هتفت بخفوت لذاتها: والله ما عطياكي غير عشرين جنية يا شمس يا بنت أم شمس.
نظرت لمهند فلم يكن معها إلا ورقة بخمسين جنية، وملحوظة تلك هي حساب العامل في مطعم الشركة من الأساس.
ابتسم مهند لها يُخرج محفظته الجلد يُقدمها لها؛ لتُخرج منها ورقتان بعملتي عشرة تفتح يد الأخرى تدسهما بها جيدًا وهي تحركها للخارج مغلقة الباب.
التفت لتلتقي عيناها بمهند الذي جلس جانبًا ينظر لها بابتسامة مستمتعًا بتوترها وهما يتبادلان النظرات بين بعضهما البعض وحقيبة الطعام.
كادت تتحدث ليُقاطعها طرق الباب ثم دخول منى سريعًا لتلتفت إليها تسمع صراخها بها، ولكن بطريقة لبقة بالطبع: تاني يا أستاذة نورسين؟ دي تاني مرة تاخدي استراحة في ثلاث ساعات فقط!
ظلت تنظر لها بصدمة وعيناها تنظر يمينًا لمهند الجالس حتى لاحظته منى لتهدأ قليلًا متحدثة باحترام: مستر مهند حمد لله على سلامة حضرتك.
ابتسم يُجيبها وعيناه تتحرك بينها وبين نورسين يُقسم بداخله أن نورسين قتلت منى مئات المرات بعقلها: الله يسلمك يا مدام منى.
زمجرت بضيق فذلك اللقب أكثر ما يضايقها: آنسة يا مستر!
كتمت نورسين ضحكتها بصعوبة تولي نظرها لزوجها الذي لاحظ متدارك الأمر، نهض يقف جوار نورسين يضمها من ذراعها قائلًا: معلش يا مدام، أقصد آنسة منى أنا هاخد نورسين انهارده، وشكرًا ليكي على مجهودك معاها هي حاليًا تلميذتك.
قال الأخيرة وهو يراها تشعر ببعض التوتر خاصة بعد ما تفعله مع نورسين.
أماءت بهدوء تنسحب للخلف ليُردف: يلا يا نورسينَ؟!
أماءت تخرج معه وبيدها حقيبة الطعام تحركها بسعادة حتى استقروا بسيارته لتصرخ به تُخرج ما بداخلها: بقولك إيه منى الحرباية دي أنا مش هشتغل معاها تاني أنت فاهم؟!
أنا عايزة أبقى مرات المدير الحرباية مش يتمارس عليا الحربقة!
كرر كلمتها بدهشة: حربقة!
حمحمت بتوتر تومي له وهي تُردف: شمس الحيوانة هي اللي بتقولها دايمًا.
صمتت ثم استرسلت بغضب: المهم أنا مش شغالة مع منى ولا شمس تاني وعبدو بتاع البوفية اطرده عليا ليه متين جنية مش معايا غير خمسين.
وآه مكتبي هيبقى جمبك من هنا ورايحة، أقولك حاجة أنا هستقيل أنا مش حمل الفرهدة والتدريب مع منى تاني.
اقترب منها قليلًا عيناه تتحرك بين مقلتيها بابتسامة جانبية وخبث، متشدقًا بنبرة هادئة، خافتة أنستها القاموس بأكمله: طب ولو قولتلك التدريب معايا أنا بعد كده مرضية؟
حمحمت تحاول التحدث، لكن لسانها أُلجم بلجام عيناه كيف يكن تأثيره قوي عليها هكذا!
ضحك عائدًا لمحله مُحركًا السيارة وهو يُردف: كملي صياح يا حبيبتي، كلي آذانٌ صاغية.
ظلت تسرد له ما بداخلها وهي تأكل من ذلك الطعام الذي طلبته وتضع الطعام بفاهه هو الآخر حينما يُفكر بالاعتراض على حديثها.
توقفت السيارة بإحدى إشارات المرور أثناء حديث نورسين وهي تدور بعيناها بالمكان؛ لتلمع عيناها فجأةً وهي تنظر للخارج لتستدير لمهند متشدقة: معاك متين جنية؟!
تقلصت المسافة بين حاجبيها بدهشة لتوقفها عن الحديث متسائلة عن المال، لكنه جذب الحفظة الخاص به من جواره بعدما أخرج حينما جلسوا بالسيارة قائلًا: اتفضلي يا حبيبتي المحفظة كلها أهي.
جذبتها سريعًا هاتفة قبل أن تفتح باب السيارة مترجلة منها: شكرًا يا لوكا.
دُهش من فعلتها ولِحسن حظها أن الإشارة كانت حمراء، ظل يتابعها بعينه حتى أنارت الخضراء وارتفعت أبواق السيارات من خلفه تنهد بضيق وهو يتحرك يصف سيارته جانبًا.
عادت نورسين بعد عشر دقائق تقريبًا تدور بعيناها لكن لا أثر لتُردف بداخلها: هو مشي ولا إيه؟!
نظرت للمحظة وعيناها تلتمع متشدقة بخبث وابتسامة ارتسمت على محياها: مش مهم، معايا المحفظة.
سُحبت منها المحفظة بخفة يد من ذالك الماثل أمامها بحنق لترفع عيناها سريعًا لتلقاه مهند ابتلعت لعابها قائلة وهي ترفع الحقيبة التي ابتاعت محتوياتها من ذلك المحل أمام وجهها: كانوا عاملين عرض اشتري بمتين جنية وخد اتنين عرض نوتيلا!
سحبها من عنقها لأحضانه دون حديث يسير بها للسيارة يصعدوا ليُكملوا طريقهم.
أردفت وهي تحاول فتح تلك الحلوى: هو أنت اتخرصت لما سافرت ألمانيا.
نظر لها لتُفسر دون النظر له: يعني من ساعة ما جيت وأنت ساكت، إيه صوتي وحشك؟
قالتها ضاحكة وهي تنظر له ليبتسم ساحبًا منها الحلوى فصرخت به كطفلة صغيرًا: إيه! دي بتاعتي!
فتحها لها بهدوء يعيدها إليها قائلًا: جايبين للولا منها ممكن تبقي تاخدي شوية.
تغاضت عن سخريته بسعادة وهي تأكل تلك الحلوة المفضلة لها رغم مرارها بسبب الملح الموضوع عليها لترى يده تتقدم منها تأخذ واحدة: دي بتاعتي!
كانت تصرخ ليهتف بضجر قائلًا: إحنا هنستعبط دي بفلوسي.
فلوسنا
أصرت على حرف النون بالآخر مسترسلة: أنا دلوقتي مراتك وملزومة منك يا حبيبي حتى تفاهاتي ملزومة منك.
لانت ملامحه ناظرًا لها بعبث: عشان حبيبي دي ليكي الcredit card يوم كامل.
رغم توترها منه ومن نظراته وحديثها إلا أن سعادتها طغت على كل ذلك صارخة بسعادة.
بحبك.
قالها يُلقي عليها نظرة خاطفة بعد أن رأى سعادتها تلك.
عادت ألماسة من المدرسة رفقة الصبية لقصر الأسيوطي لتتشدق بحماس: ماما وبابا جايين انهارده.
أيوة يا عم من لقا أحبابه نسي أصحابه.
تشدق بها أحمد بكل تأكيد لتضحك هي من طريقة حديثه تحاول ترجمة الكلمات بعقلها.
أنقذها من الاندثار بتفكيرها توقف السيارة أمام الباب الداخلي للقصر لتهبط بسعادة؛ تركض للداخل كي تتجهز بتبديل ثيابها بأفضل استعدادًا لقدوم والداها وأعمامها المقربون لقلبها.
تفاجأت ألماسة بجلوس الجميع بردهة القصر لتركض لهم سريعًا صارخة بسعادة: ماما!
احتضنت والدتها بقوة كذلك بادلتها الأخرى بقوة هامسة لها: وحشتيني يا نور عيني.
أجابتها تقبل وجنتها باشتياق: وأنت كمان أوي يا ماما.
ثم ابتعدت تستقر بأحضان والدها المفضل بالنسبة لها دومًا: الحمد لله إنك رجعت زي ما وعدتني.
ابتسم متذكرًا ذلك الوعد الذي قطعه معها منذ أعوام حينما بدأ ينفصل عنها للسفر بدلًا من أخذها قائلًا: طول ما أنا مسافر تدعي ربنا إني أرجع و وعد هعمل كل اللي أقدر عليها عشان أرجع لعيونك يا حبيبتي.
وحشتيني يا لولا.
قالها سيف بابتسامة ينحي رأسه جانبًا تلك الحركة تُذيب نور
تقدمت ألماسة من عمها الحبيب تعانقه: وأنت كمان يا سيفو أنت وهَنْد.
تشدقت تضم الاثنان بقوة، فمهما حدث سيظل أعمامها الأقرب لقلبها لا تدري ما سيحدث في المستقبل، لكن تتمنى ألا تنسى فضلهم عليها أبدًا.
قضوا اليوم بين الترحاب والحديث والمعرفة باستقرار مالك بقصر الشمراني وتكفله بالصغار وترك شيري البلاد.
حلّ المساء ونور تجلس رفقة والدها وزوجها وألماسة!
نعم ألماسة منذ ساعة تقريبًا لم تنفصل عن عمها والآن تجلس بأحضانه.
أبعدت نور عيناها عن والدها متشدقة بضيق: لولا، على فكرة أنا بغير.
وضعت ألماسة ذراعها على عنق عمها تضم رأسها إليها متشدقة: وأنا كمان بغير،
اشتد حنق نور بدهشة من رد الصغيرة ليُردف سيف بابتسامة جانبية خبيثة وفي المقابل ياسر يكتم ضحكته: تيجي تقعدي مكانها؟!
أدارت وجهها جانبًا من وقاحته بالحديث ليُردف ياسر: اتلم يا ابن رأفت.
الله! أنا معملتش حاجة بنتك اللي غيرانه.
سيفو هو أنت لما تتجوز أنا مش هنام معاك تاني؟
تسائلت ألماسة ناظرة لعمها ليضحك وهو يُشاهد ملامح نور تكتم غيظها فلن تُجيب على هذا السؤال بالأخص!
أكيد هتبقي تنامي معايا بس نور تنام فين؟
صمتت تفكر قليلًا ثم أردفت: ممكن عند باباها.
ضحك ياسر حينها بسعادة يجذب نور لأحضانه متشدقًا: وأنا موافق.
استرسلت الأخرى: أو في أي أوضة البيت كبير،
قومي روحي لأبوكي يا ألماسة.
قالتها تضغط على أسنانها لتقترب منها الأخرى تطبع قبلة على وجنتها ثم رحلت.
نظرة نور بأثر ألماسة بصدمة ضاحكة بخفوت، كأنها أرادت تهدأتها وفعلت بِقُبلتها الحنونة بالفعل.
تنهدت ألماس بتعب تدلف لغرفتها بعدما ودعت الجميع فرحل مالك وملاك رفقة الصبية الثلاثة ونور ونورسين رفقة ياسر كعادتهم تلك الفترة.
وبنهاية مهند و حبيبة لمنزلهم وصعد سيف لغرفته بعدما عرض عليه مهند مرافقته لكنه رفض ذلك متعللًا باشتياقة لفراشة والضجر من رفقته.
بدلت ثيابها سريعًا ببجامة قطنية مريحة بعد الاستحمام من تعب اليوم ثم خرجت تطمئن على ابنتها تاركة آسر غافيًا فقد تركهم منذ قليلًا بتعب ليستريح.
دلفت غرفة ألماسة بهدوء حتى لا تُيقظها، أنارت الضوء الخافت تقترب من الفراش لتنصدم فالفراش فارغ!
اقتربت من دورة المياة تطرق بابها ثم فتحت حينما لم تتلقى الجواب بقلق وكانت ذات النتيجة.
هتفت وهي تدور يمينًا ويسارًا: ألماسة، ألماسة!
تذكرت أمر نزاعها مع نور على النوم مع سيف لتترجل من الغرفة قاصدة جناح سيف الخاص، طرقت ثلاث مرات ليُجيبها في الثالثة: ادخل.
دخلت والقلق بادي على ملامحها لتُردف وهي تراه خارجًا من دورة المياة: ألماسة عندك يا سيف؟
عقد حاجبيه من سؤالها يدور بعيناه مجددًا بالغرفة: لأ مش هنا، شوفي،
قاطعته متذكرة شيء لتغادر الغرفة مغلقة الباب وهي تقول: خلاص تمام.
عادت سريعًا لغرفتها توقظ آسر بهدوء: آسر، آسر، يا آسر!
تملل الآخر بنومته فاتحًا عيناه ينظر لها قائلًا: خير يا ميسو!
هتفت بحنق: ألماسة مش في أوضتها،
هرب بعيناه قائلًا: شوفتيها عند سيف؟
جذبت الغطاء من فوقه متشدقة: لا مش هناك.
استرسلت حديثها بضجر وهي ترى صغيرتها تغفو بين أحضانه: والله! آسر مش اتفقنا ألماسة تنام في أوضتها!
أنا متفقتش مع حد!
آسر!
يا ألماس أنا متعود بتنام في حضني لما برجع من السفر.
قالها يعود للنوم يسحب الغطاء عليهما هما الاثنان دون اكتراث لحنقها، ابتسمت ألماس بيأس تُشاركهم الفراش.
بدأ أسبوع العمل، أسبوع مليء بالمهام بين التجهيز للفرح من كل شيء تقريبًا، إلى إكمال كل الأعمال الناقصة بالشركات بالإضافة لعملهم بالشرطة.
طُرد الأربعة بحديقة قصر الأسيوطي وانضم لهم إياد باللُعب.
ركضت ألماسة من نادر سريعًا تحاول الإختباء حتى لا يمسكها وتركض هي خلفهم، ومن شدة سرعتها سقطت أرضًا متعرقلة في خرطومٍ لسقي الحديقة.
سقطت تتألم بخفة ليجتمع حولها الأربعة تقدم منها أحمد ماددًا يده للمساعدة قائلًا: وقعتي جامد؟
أمسكت يده تنهض وهي تنظر لملابسها التي امتلأت قليلًا بالمياه: لأ الحمد لله اتبليت بس.
نظر لها نادر بضيق قائلًا: كده هضطر أعيد الدور من تاني!
ضحكت تجلس على كرسي جانبًا قائلة: وأنا مالي!
لا خلاص نلعب حاجة تانية عشان محدش يقع.
قالها إياد وهو يجلس هو الآخر.
قاطعهم قدوم نور لذلك الجزء الجالسين به لتُردف بخفوت وهي تضع الدهان الذي بيدها.
فرهدت،
اقترب منها أحمد وتامر يُشاهدوا محتويات تلك العُلب البلاستيكية.
في دهان أبيض وأسود وفُرش مختلفة.
تشدق بها تامر بعدما نظر بمحتويات الحقيبة التي كانت تحملها نور ليسترسل أحمد:
ممكن نعمل بيهم إيه؟!
ممكن نرسم بيهم.
قالها نادر بحماس شديد ليُردف إياد: فكرة حلوة بس مين بيعرف يرسم؟
هتف نادر بذات الحماس: أنا.
كان يدور ذلك الحوار أمام نور التي تنتقل بعيناها بينهم وبين تلك الحقيبة، لمحت بعيناها خرطوم المياه لتتذكر إحدى الفيديوهات التي شاهدتها صباحًا...
إيه رأيكم ترسموا على الحيط للذكرى؟
تشدقت بها بخبث وهي تتخيل رد فعل آسر وكيف سيرتفع ضغطه من تدمير شكل القصر الخارجي حتى ولو كانت الحديقة الجانبية التي لا يزورها أحدهم.
وقفت ألماسة يجاورها أحمد ثم نادر يليهم تامر وإياد صفًا أفقي يستندون على الحائط بوجوههم لتُردف نور: 1، 2، 3.
ثم فتحت الصنبور تغرقهم بالمياه لمدة دقيقة تقريبًا حتى ارتسم هيئتهم من الخارج على الحائط ابتعد الخمسة تعلوا ضحكاتهم رفقة نور التي أردفت:
دلوقتي كل واحد يحدد الهيكل بتاعه عشان نكتب أسمائكم فوقه ونكتب التاريخ وسنكم عشان تفضل للذكرى، تمام؟
أماءوا بحماس شديد لتتشدق مجددًا: اطلعي يا لولا غيري هدومك وأنا هبدأ في بتاعتك لحد ما تيجي وهكذا كل واحد هيطلع وأنتم يا شباب في هدوم فوق ليكم متقلقوش.
مرت ساعة وكانوا أنهوا تلك اللوحة حددوا أجسادهم باللون الأسود ولم يرسموا بداخلها تركوها هكذا فقط لتلتقط لهم نور العديد من الصور بحماس ونست أمر مساعدة ملاك!
دلف الجميع لمنزل صقر أو ياسر الآن فدلف ياسر بالمقدمة ضاحكًا على ما افتعلته ابنته أدت لطردهم ثم نورسين تكتم ضحكاتها تليها نور ضاحكة بصخب وهي متذكرة هيئة آسر حينما رأى الحائط مرسومٌ عليها هيئة الأربع أطفال وكما يُقال قبل أول قلم اعترفت ألماسة أن نور صاحبة الفكرة، تلاها سيف يضحك هو الآخر كلما تذكر هيئة أخيه.
جلس الأربعة ثم استأذنت نورسين سريعًا لتبديل ثيابها وبعدها ياسر كي يبدل هو الآخر ويُحضر لهم شيء ما...
جذبت نور يد سيف بحماس ناهضة: تعالى أفرجك على أوضتي.
أماء واقفًا يتبعها وهي تسرد له كيف جهزت تلك الغرفة: جيبت حاجتي من بيتنا القديم وقعدت أظبطهم بالمنظر اللي ريحني، بص هي متكركبة شوية عشان بنقل الهدوم والحاجة اللي هحتاجها بس مش مهم بقا أنت عارف إن مراتك مهملة.
ضحك على حديثها يدلف للغرفة معها يُشاهدها تتحرك سريعًا تضبط الأشياء مرددة بصوت عالي وكأنه لا يقف معها بالغرفة: مكنش لازم أصر إنك تيجي أوي!
ضبطت ما عرفت يداها الوصول له، ثم نظرت له قائلة: أنا تعبت كفاية كده تعالى اتفرج وخلاص.
كان حينها يعبث بمحتويات التسريحة يشتم عبقها المفضلة لتقترب منه تشاهد انسجامه وسط أشيائها، أردفت متذكرة شيء وهي تضرب أناملها معًا: صحيح أنا جيبالك هدية،.
فتحت إحدى الأدراج تُخرج عُلبة عائدة للروائح النادرة ابتعتها مخصوص من إحدى الشركات الفرنسية: جيبتلك البرفان ده، حساه هيليق على شخصيتك.
كانت تتحدث وهي تفتح العُلبة ليتشدق: شكلها جميل، تسلم إيدك بس لو مش هيضايقك ده بتاعي وكده!
قالها يمد يده لها مشيرًا بعيناه على العُلبة كي تُعطيها له، لوت ثغرها تقذفه بالعُلبة والزجاجة قائلة بمضض: اتفضل، استنى!
صرخت سريعًا تجذب منه العُلبة والزجاجة مجددًا تلتفت للجانب الآخر قائلة: السِعر!
عقد حاجبيه قليلًا بعدم فهم فتلك العلبة الأصلية فكيف تكتب شركة فرنسية مشهورة كتلك الأسعار على مبيعاتها؟!
التفتت له مجددًا مفسرة: أصل أنا كنت بعمل جرد وبشوف جيبت إيه الشهر اللي فات وبكام فكنت كاتبة السعر!
حمقاء! رددتها بذهنها ثم قذفت له ما بيدها حتى كادوا يسقطوا ليصرخ بها ممسكًا بالزجاجة: يخربيت الذوق اللي بيجري في دمك!
لمؤاخذة،
قالتها بابتسامة حمقاء وهي تلتفت يسارًا تنظر للمرأة.
ااا ما ترش كده وتقولي عجبتك ولا؟
بدأ برش ذلك البرفان ليُردف بإعجاب: ريحته جميلة تسلم إيدك.
أردفت بحماقة وعدم فهم متسائلة: هو أنا اللي عملاه!
خلاص يا نور مش شكرًا!
ضحكت على حديثه اللاذع مثل حديثها تتفحصه جيدًا بعيناها قبل أن تسحب الزجاجة قائلة: هجربها تمام؟
كاد يُجيبها بالموافقة لتسبقه هي بتجريبها قائلة: أصل أنا شوفتها وعجبتني والروايح اللي متصنعة منها برضو حلوة فكنت عايزة أجرب وكده فقولت أجيبهالك وإحنا كده كده هنتجوز وحاجتك هتبقى حاجتي.
لا يملك ردًا ليجيبها ففضل الصمت حتى لا يُصاب بذبحة أو ما شابه، تخطاها سيف حيث التعمق في الغرفة لرفٍ ما مجاور لفراشها.
تبعته نور بصمت يكفي ما أفسدته حتى تسائل هو ساحبًا إحدى الكتب: بتحبي القراءة؟
استندت على الحائط جوارها مُردفة: يعني، ساعات، دي كُتب عندي من زمان بس معظم الوقت بحب أقرأ شِعر وخاصةً للمتنبي، عارفه صح؟
اكتفى بالإيماء محاولًا تذكّر شيء ما حتى أردف متقدمًا خطوة من الثلاثة الفاصلة بينهما: عارفة يليق بيكي إيه من جمل المتنبي؟
عقدت حاجبيها بتساؤل قائلة: إيه!
اقترب الخطوة الثانية مرتكزًا بعيناه على عيناها سابحًا ببحور عِشقها متشدقًا بكلماتٍ فصيحة للمتنبي شاعرها المفضل كما أفصحت: يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ.
تلى حديثه بعد ابتسامةٍ عذبة وحديثٍ بالأعين طال: يمكن ده مش بيت رومانسي بس أنا حافظة من يوم ما شوفتك وشايفة ينطبق عليكي حتى لو المعنى اللي متفسر بيه خطأ بس أنتِ،.
تنفس بعمق ثم استرسل: أنتِ بتحكمي دايمًا بالعدل إلا في علاقتنا يا نور بتخبي قلبك وبتحكمي بمخاوفك.
اقتربت هي تلك الخطوة ممسكة بيده تجذبهما بقوة وعيناها لم تنزاح عن خاصته قائلة: صدقني هوضحلك كل حاجة في الوقت المناسب بس أنتَ عملت اللي غيرك معرفش يعمله، سيف أنا،
ترددت قليلًا بقولها الآن فودت قولها بعد الزفاف وبمنزلهما لكن حسمت أمرها على قولها وذلك تحت تأثير عيناه!
سيف أنا بح،.
قاطعهما دلوف نورسين متشدقة بتهكم: أتمنى مكنش قطعت لحظاتكم بس عمو ياسر بيقولكم،
ثم حاولت تقليد نبرة ياسر هاتفة: يلا يا روميو أنتَ وجوليت أنا عملت الشاي والسندوتشات.
صك سيف على أسنانها متحدثًا من بينهما: برة بدل ما افرتك المسدس في راسك يا نورسين.
نظرته له بسخرية من الأعلى للأسفل متشدقة قبل ذهابها: سيبوا مسافة ما بينكم عشان النفس.
أقتلها؟
تسائل يعود بنظره لنور لتضحك قائلة:
لا مهند هيعملنا دراما مش ناقصة.
اا، كنتي بتقولي حاجة قبل ما الفصيلة تدخل.
تشدق بحماس لتضحك هي مقتربة منه واضعة رأسها على صدره أثناء قولها:
لا ما خلاص بقا كان عرض وخلص، حظ أوفر المرة القادمة.
صدع رنين هاتف نورسين للمرة الخامسة تقريبًا أخرجته تتفحصه وهي على كامل الدرايا بالمتصل وقد صدق حسها وكان مهند غادرت ذلك المحل الصغير التي رأته أثناء مرورها بإحدى السيارت الأجرى فأوقفتها تبتاع بعض الحلوى لها وللصغار.
رفعت هاتفها على إذنها تُجيبه بضحكة خرجت منها بسبب أفعاله قائلة: السلام عليكم، خير يا حبيبي المرة الخامسة في عشر دقايق!
أنتِ فين يا نورسين وخرجتي بدون عربية ليه، خليكي مكانك أنا جايلك.
ضحكت مجددًا تلتفتُ بعيناها يمينًا ويسارًا تطمئن خلو الطريق من السيارات وكان حظها أن الطريق فارغًا قليلًا عن العادة: يا مهند أنا كنت بشتري حاجات وجاية أهو.
تنهد بقلق وهو يتحرك بسيارته خارج بوابة القصر يسألها مجددًا: يا حبيبتي ممكن تسمعي الكلام وتقفي مكانك وتقوليلي أنتِ فين؟
أصدرت صوت ساخرًا قليلًا وهي تقف على الرصيف الآخر من الطريق بعدما مرت بسلام شوارع الاسكندرية!
هِه ماشي براحتك مش هموت عشان أجي مشي يعني، أنا يا سيدي في آخر الطريق الرئيسي يمين قصاد محل صغير كده اسمه،
أملته اسم المحل الممتثلة أمامه مغلقة المكالمة وهي تضع الحقائب بيدها أرضًا مبتعدة عنهم قليلًا تستند على الحائط من خلفها.
ظلت تُفكر قليلًا متحدثة مع ذاتها وهي تتابع الطريق من حولها: ربنا يستر وتكمل على خير، أنا مرعوبة بجد الدنيا ماشية زي ما متخططلها تقريبًا!
ده شيء عجيب عمره ما حصل معاكي يا نونة دايمًا خطط ربنا بتبقى أحسن من خططنا!
همست بتضرع لذاتها وهي تستقيم بوقفتها تتجه ناحية اليمين حيث بعض الزهور بجوار إحدى المحلات الصغيرة: يا رب يسر لي أموري.
انحنت قليلًا تشتم عبق تلك الوردات دون نزعها من محلها وبعد بضعة ثواني تشتم فيها تلك الزهور بسعادة اكتستها فور رؤيتها لهم.
قررت نورسين العودة لموقعها عائدة بذات الخطوات تمر على إحدى الممرات الصغيرة لمحت بعيناها رجل يقف بنهاية الممر لكن لم تهتم مُكملة سيرها حتى كادت تخطوا آخر خطوةً لها بعيدًا عن الممر لتُسحب من الخلف وقبل ارتفاع صوتها كُتمى فاهها...
وبليلة الأمس لم تكن الليلة هادئة على البعض حيث تحركت لربع ساعة تقريبًا حتى تصل لذلك المكان لتلمع عيناها بسعادة فور رؤية البوابة الصغيرة تلك.
لمع بعقلها فكرت الهروب الآن وصدقتها متجهة إلى البوابة بخطى هادئة سريعة حتى وقفت بسبب صدوح صوت من خلفها: توقف محلك.
ارتفعت ضربات قلبها تُقسم بداخلها أن موتها الآن وصدق حسها حينما شعرت بفوهة السلاح على رأسها المغطى بطاقية الرأس الخاصة بذلك التيشرت وصوته يعلوا مجددًا: استدر حالًا ولا تحاول الفرار فالمكان ملغم بالحراس.
كل مَن ذُكرى خلال رحلتنا له دور عاجلًا أم آجلًا، فاضبط حزامك واستعد فقد ترسوا الطائرة بالمحكة الأخيرة بأي لحظة، وتذكر، لا تحكم دون رؤية النهاية فقد تكن دامية.