قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثاني والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثاني والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثاني والثلاثون

مطاف الحياة غير مستقيم، بدون تخطيط تسير عابثًا في الحياة فتعبث بك يمينًا ويسارًا، تسير بتخطيط فتلقى ذات النتيجة وتعبث بك يمينًا ويسارًا، لا تدري أيهم أفضل ولا أيهم أأمن؛ فتخير قواك ساقطًا بين يدي المولى راجيًا إياه ببكاءٍ مزق طيات فؤادك، معلنًا خضوعك بعد طغيانك في الأرض.

رفعت أنظارها للسماء ترجوا من الله أن يصدق معاذ بحديثه ولا يَشي بها ل‌عصام، حينها ستُقتل لا محال! قد صبر عليها كثيرًا، ولا تظنه سيتحمل أكثر من ذلك.
نهضت عن تلك السجادة نازعة الملابس التي استخدمتها كحجاب لها تجلس على مقدمة الفراش مُتذكرة كيف تتبعت الخطة التي تركها مهند فاحصة المكان...
Flash Back:.

بليلة الأمس وبعد نِزاع عقلي لِمُدة أيام استغلت مليكة غياب عصام عن القصر وتخفيف الحراسة بالقصر والحديقة؛ مُترجلة من غرفتها تحاول تحديد مَحلها على الخريطة التي تركها مهند.
مُقررة الهروب خِلَال تلك الأيام قبل عودة عصام، فقد ترك القصر دون سبب يُذكر، ولا يَهِمَها المعرفة إلا أنها عرِفت بترك شيري مِصر؛ فبالتأكيد ذهب إليها.

تَحركت مليكة بِذلك الممر؛ تفحص عدد الغُرف تقارنهم بالخريطة معها، فلا تتذكر حينما أتت كم صعدت من الأدراج والأدوار حتى.
وها هي بعد خمس دقائق؛ قَدِرت على تحديد مَحلها، تَحمد الله لخلو الممر من الحراس.
بدأت التحرك للأسفل تفحص الأماكن المُتاح الخروج منها؛ حتى وصلت للمتاهة!

وصلت للحديقة المُهيئة على شكل متاهة، تُحاول التَّحرُك بِحذر وترك أثر لها؛ كي تَعد، ظلت تَسير لِعشر دقائق؛ حتى قلت المتاهات ورأت إحدى البوابات؛ كادت تتجه إليها تاركة كل شيء، فلا تظن أنها سَتَصل لِهنا مجددًا بسهولة!
توقفت بسبب ذلك السلاح المُسلط على رأسها وصوت صاحبه الذي صدح بالمكان؛ لتلتفت بأنفاس تُسحب، تشعر أنها تُقتل ببطء.

التفتت مليكة ببطء تُناظر المّاثل أمامها، لحظات وتنهدت بطمأنينة قليلًا حينما علِمت هويتهُ وكذلك هو حيث أخفض سلاحه هاتفًا بالعربية مُتخليًا عن الانجليزية: مليكة! ااا أقصد مدام مليكة مكنتش أعرف إنك هنا مع مستر عصام!
ابتسمت بتوتر وما زالت تسمع ضربات قلبها السريعة والخوف يكتسح أوصالها، أخفت الورقة خلف ظهرها نابسة: ازيك يا معاذ.
حضرتك بتعملي إيه في الوقت ده؟!
لابد أن تثقي به مليكة!

هكذا رددت بجوفها بتوتر جَلِي تحاول الهدوء، لتُردف: معاذ ممكن تساعدني.
أكيد يا مليكة أقصد م،
قاطعته سريعًا ملتفة يمينًا ويسارًا؛ كي تتأكد من خلو الساحة من الحراس: مليكة يا معاذ.
أماء ببعض الحرج من فكرة مناداتها بدون ألقاب؛ حتى وإن كانت سابقًا رفيقته وما شابه، لكنها الآن زوجت رئيسه!
تذكر تحرُكها ببطء وقلق منذ قليلًا ليتسائل: أنتِ كنتي بتعملي إيه في وقت زي ده، وجيتي إمتى أصلًا، مع مستر عصام؟!
كنت بهرب،.

قالتها سريعًا دون تفكير، لكن ما بيدها شيء آخر.
أشار لها بصمت وعيناه تبحث بالمكان ليسير وتتبعه هو حتى دخلا لغرفتها بهدوء كما خرجت هي.
اتفضلي.
نبسها بهدوء كي تروي له مقصدها.
ظلت تنظر له لا تعرف ما يجب رويه، لتتذكر أنها لن تستطع الخروج من هنا إلا بمساعدته؛ خاصةً بعدما كشف أمرها.

عصام حابسني هنا وأنا عايزة أهرب على مصر أنا معايا جواز السفر سرقته من مكتبه ومعايا فلوس كمان، كل اللي محتاجاه طريقة أخرج بيها من هنا.
نظرة لها بريبة منتظرة ردة فعله؛ ليُردف بعد صمت طال لدقيقة وأكثر تقريبًا:
حابسك ليه يا مليكة، لازم أعرف قبل ما أخرجك عشان متكنش خيانة ليه.
ارتسمت بسمة ساخرة على محياها؛ محتها سريعًا متشدقة بمختصر عن ما حدث معها منذ أعوام.

انتهى حديثهم ليلة أمس بإخبارها أنه سيُفكر بالأمر، أي أمر حتى لا تدري!
إن كان الإفشاء بأمرها أم مُساعدتها، لا تدري!

وصل مهند بسيارته لذلك المحل الذي من المُفترض أن نورسين تقف به؛ ليهبط يُناظر الأكياس الموضوعة أرضًا ليحملها للسيارة ثم يعود لذلك المحل يتسائل عنها.
هو في آنسة فعلًا جت وقفت قصاد المحل من دقايق وبعدين راحت عند الورد اللي في المحل اللي جمبنا، ومعرفش بصراحة إيه اللي حصل تاني، أنا كنت متابعها من الكاميرا فكرتها سابت قنبلة،
أنهى ذلك الشاب حديثه بصوت منخفض يحك عنقه من الخلف بإحراج.

رجعلي الكاميرا لو سمحت.
قالها وقبل الاعتراض من الآخر؛ أخرج بطاقة الهوية؛ ليبتلع الآخر امتعاضه ممتثلًا لأمره.
تابعها مهند مقربًا الصورة منها وهي تبتعد ورآه حتى عادت وما كادت تخطو؛ حتى كمم فاهها شخص من الخلف.
شعر بدلو مُثلج يُسكب فوق رأسه؛ لقد عاد فارس بالفعل!
قد رأى رَسائل تهديد ومكالمات على هاتفها؛ فبحث حول الأمر؛ ليعرف أن الفاعل فارس ذلك العاشق المجنون.

حيثُ كانت رسالته الأخيرة: نور الفرح مش هيتم؛ حتى لو أخدتك بالغصب.
حسنًا الآن لا يدري ما يجب فعله، حتى أنه أمر قدمه مئة مرة للتحرك للخارج حيث الممر لكنها لا تستجب!
أخرجه من حالته صوت الأحمق الماثل أمامه: أطلب البوليس؟!
تحرك للخارج بخُطى سريعًا يهاتف سيف؛ الذي أجابه بملل قائلًا: خير يا عم؟
تعالى أنت والحراس أو القوات فورًا على المكان اللي بعتهولك وخلي ألماس تحدد مكان نورسين بسرعة يا سيف.

نورسين! في إيه؟!
لم يصله أي رد حيث أغلق الآخر يُجهز سلاحه وهو يتقدم من ذلك الممر.
قبل عدة دقائق:
سُحبت نورسين للخلف و وضعت قماشة متسخة على فاهها تمنع صوتها، شعرت بشخص ما يحملها ويتجه بها لِعُمق الممر، حاولت جاهدة الفرار من يده ولكن قواها لم تكن شيء بجانب ذلك الشخص.
قُذفت بقوة على فِراش قديم متسخ داخل إحدى الغرف بجانب الممر، غرفة عائدة لإحدى العُمال بالمطاعم المجاورة.
أنت مين؟!

قالتها بصوت مُرتعش تعود للخلف؛ محاولة البحث عن مخرج بعيناها.
حلوة تستاهلي بصراحة يتخانقوا عليكي، بس أنا مش بتخانق عليكي عشان متعشيش في الدور.
ضحك ساخرًا وهو ينظر لها بخبث يتفحص جسدها متشدقًا: أنا عايزك قرصة ودن للي عامل فيها شَرِيف.
قاطعه دلوف شخص ما بقوة أبصرته بدهشة نابسة بخفوت: فارس!

أما فارس فنظر لذلك الشخص صديقه من السجن، فقد سُجن فارس من مدة بسبب إحدى السجائر المخدرة التي عثرت عليها معه؛ حينها التقى ب فايز ذلك الشخص الذي قُبض عليه بواسطة مهند أيضًا خلال شحنة مخدرات.
جبتها يا فايز؟!
رفع يده للأعلى ببراءة: طفاستها اللي جابتها.
ثم ولى نظره لنورسين مبتسمًا ابتسامة جانبية: كنت جايلك بليل يا نونو بس أنتِ بقا اللي نزلتي من التاكسي.

اقترب منها وهي تعود للخلف متشدقًا: وحظك الحلو يا، يا نونو إنك جيتي جمب المكان اللي كنت هجيبك فيه، شوف الحظوظ!
أنهى حديثه وهو على مقربة مِنها، عيناه على عيناها المرتعشتان بخوف، صدمتها ب فارس ألجمت لسانها، كانت ستُحدثه لإنهاء التهديدات بودٍ؛ احترامًا لوالده ومعروف والدته!
كاد فايز أن يرفع يده يتلمس خصلات نورسين ؛ ليُبعده فارس سريعًا متشدقًا بانفعالٍ أحمق: إيه! أنا قولتلك أنا الأول.

جعظت عيناها بشدة؛ فالأول بماذا؟ هل جُنَّ فارس أم أن عقله ثُقب؟!
لا يوجد اختيار ثالث، ماذا ينويان الفعل بها! ترجو ربها بداخلها أن يجدها أحدهم سريعًا أو تصعد روحها لخالقها ولا ترى ما سيحدث بها على يديّ هذان الاثنان المجنونان بالتأكيد!
رفع فايز يده ببراءة ويبدو أنها حركة ملازمة له، كأنه قُبض عليه كثيرًا!
نبس ببراءة يُغلفها الخبث الذي شَعَّ بمقلتيه: أكيد، أكيد أنت الأول بس،.

ثم استرسل مقتربًا من فارس ويديه خلف ظهره قائلًا: أنا مبحبش ألمس حاجة غيري لمسها، فسلام أنتَ يا فارس يا أخويا.
وقبل استيعاب أحدهم للحديث قد أخرج سكينًا يزجه بمعدة الآخر نابسًا بتشفي: خليك الأول في الحياة الأخرى يا فروس.

سقط فارس أرضًا جاعظًا عيناه يُقابله صدمة نورسين ومحاولتها للصراخ، ولكن ذهب صوتها مع الريح وهي ترى الآخر يقترب منها باندفاع قائلًا: هش مسمعش صوتك، خليكي حلوة معايا هتروحي لحضرة الظابط، هتعندي، هتحصلي فروس.
ثم نظر ل فارس الذي يُخرج أنفاسه الأخيرة تقريبًا: صح يا فروس؟

ما كادت يده تصل ل نورسين حتى ساعدها صوتها؛ لتصرخ بشدة وهي تعود للخلف بذعرٍ تملك من أوصالها، تُحاول ركله بقوة؛ ليسحبها من قدمها، لكنها لم تستسلم، با أعادت الكرة بكل قوتها.
ساعدها صوتها وساعدت هي التائه بالخارج يستمع لوصف ألماس، فلسوء الحظ شبكة الانترنت ضعيفة لديها وتحاول إرسالها من شبكة الهاتف.
أغلق سريعًا بعد الاستماع لصوت نورسين من الغرفة المقابلة له ليتحاوز غرفتان مقتحم الثالثة.

ابتعد فايز عن نورسين يُناظر من اقتحم المكان بضيق شديد، بينما هي انكمشت على ذاتها ترتجف باكية دون رحمة.
نورت يا مهند، بيه.
اقترب منه خطوتان مسترسلًا بخبث: بما إني كده كده ميت، ما تسيبني أكمل اللي بدأته.
ابتسم مهند ساخرًا يُدرك ما يُحاول الآخر فعله، ألا وهو استفزازه فلم يفعل بها شيء، إلا محاولة بائسة بلمس قدمها، وهذا ما واضح على وجهه من ركلاتٍ.

راقب مهند كيف يتقدم الآخر منه يُحاول فهم ما ينوي فعله؛ ليسمع لصراخ نورسين قبل اقتراب الآخر منه بإنشاتٍ: معاه سكينه يا مهند.
ابتعد للخلف على آخر لحظة فلم تلمسه السكين وقبل استيعاب فايز لكمه؛ ليختل توازن الآخر وتسقط السكين.
ابتدى العراك بينهما وكلٌ منهما يحمل للآخر كره شخصي، فايز لا يطيق مهند بسبب قبضه عليه وقضاء سنة كاملة خلف القضبان لكنه الآن هارب!

أم مهند فارتجاف نورسين وما كان سيحدث لها هو ما يجوبُ عقله.
سقط فايز أرضًا بعد تبادل عدة لكمات؛ ليعتليه مهند يُكمل ما يفعله حتى جذبه أحدهم، ولم يكن إلا سيف الذي حضر رفقة بعض الحراس والقوات.
كفاية كده، يلزمني.
ركله مهند أكثر من مرة بكل قوته، فلم يهدأ بعد؛ ليفلت يده من سيف منحنيًا عليه مجددًا باللكمات.

اقتحمت ألماس صفوف الحراس تصل ل نورسين تحتضنها بقوة، تحاول تهدأتها تبعتها نور التي لحقت بهم فكانت مع سيف حينما أتاه الإتصال.
خلاص يا مهند.
قالها آسر ساحبًا شقيقه بعيدًا تاركين فايز كالجثث مثله ك فارس.
اقتربت القوات تسحب فايز معهم للخارج والبعض حمل جثة فارس بعد تحرير روحه وقبضها؛ لتَعُد لِربها.

ابتعد مهند عن آسر مقتربًا من نورسين ساحبًا إياها من يدي نور وألماس فقد ساعدتاها على الوقوف؛ دافنًا إياها بأحضانه.
طمأنها بكل تأكيد وهكذا ظنة غايته، إلا أنه كان يُطمئن ذاته، يُطمئن فؤاده الذي سقط منذ رآها تُسحب بالكاميرا.

يومان ثلاثة قد مروا مجددًا دون شيء يُذكر إلا العادي، قد تعافت نورسين من صدمتها رفقة زوجها ورفيقاتها، وانغمس الجميع بالعمل وتجهيز قصر الأسيوطي لاستقبال حفل الحناء.
أصبحت العاشرة ونصف مساءً ليلة الثلاثاء.
دخل القصر بهدوء ليلِقَى الردهة فارغة؛ فظن بعقلهِ ظنان إما قد ذهبوا لفراشهم استعدادًا للنوم وبقية الأيام المرهقة القادمة، أو يتسامرون بالحديقة عن ما سيفعلون.

ارتمى بجسده على الأريكة بمنتصف الردهة، يفرد جسده عليها؛ يحاول امتصاص الراحة منها يضع يده على جبينه يُدلكه من ضغط اليوم، اسند رأسه على ذراع الأريكة مغلقًا عيناه؛ مُتنفسًا بعمق.
شعر بأنامل تتحرك وسط خصلاته المتوسطة؛ ليفتح عيناه ببطأ وهو متأكدٌ من أنها نور، صدق حِسه وهو يراها ابتسمت فور التقت عيناهما متشدقة بحنان وما زالت يدها تتحرك بخصلاته: حمد لله على السلامة، كان يوم مرهق أكيد؟

ارتاح شوية وبعدين اطلع خد shower ونام بكرة يوم طويل.
ابتسم بتعبٍ يتملك منه مادًّا يده بجيبه، يُخرج مجموعة من المفاتيح، اختار مجموعة صغيرة بها مفتاحان فقط وترك البقية على المنضدة ومد يده للأعلى لها بالمفتاحين مردفًا: مفتاح البوابة الخارجية للقصر وإن شاء الله لو روحتي هتلاقي الحرس هناك أصلًا والمفتاح التاني للباب الداخلي.

فتحت هاتفها على الكاميرا توثق تلك اللحظات لبقية عُمرِهما معًا، افتعلت بيدها حركة نصف قلب وهي تقول: اعمل نص قلب،
افتعل تلك الحركة لتلتقط صورتان ويداهما على شكل قلب به مفتاح مملكتهم الجديدة، جذبت المفاتيح من يده مُردفة بحماس: ده بقى مفتاح المملكة السوداء التي ستُملء بالحب؟!

أماء برأسه بابتسامة؛ لتنحني بجسدها مقبلة جبينه قبلة سريعة؛ انتفض جسده أثر الصدمة جالسًا يُناظرها بدهشة، فضحكت نور متقدمة منه حتى استقرت على حافة الأريكة ساحبة رأسه تُعيده لمحله مجددًا، لكن تلك المرة استقرت رأسه أعلى فخذها؛ تُداعب خصلاته أثناء حديثها:
لسه بكرة الحنة ثم بعده وأكون في بيتك، أنت متخيل؟ هنكون مع بعض!

صمتت ثم استرسلت بشرود: خايفة شوية بس مطمنة عشان أنت موجود، يوم الفرح ده موَترني، عايزاه يكون مختلف كده.
صمتت لدقيقة تقريبًا وهو يتابعها، حتى تشدقت بحماس حينما لمعت بعيناها تلك الفكرة: أكيد مش هدخل القاعة على طُلِ بالأبيض يا زهرة نيسان لو إيه اللي حصل!
أنهت حديثها ضاحكة، ثم استرسلت: ومش عايزة الفيرست لوك في القاعة يكون بالفستان والبدلة إحنا كده مش مختلفين،.

تشدق بعدم فهم لحديثها مستفسرًا: مش بالبدلة والفستان إزاي يعني هندخل،
كممت فاهه سريعًا متشدقة بحدة تُقاطعه: اسكت يا سيف مش عايزة أسمع صوتك وأفكارك اللي مش سالكة يا اللي مش سالك.
ضحك طابعًا قبلة على باطن يدها المرتكز أعلى فاهه لتسحب يدها سريعًا، أردفت بحدة: ركز معايا يا سيف وبلاش قلة أدب!
لوى ثغره بضيق جالسًا يُناظرها أثناء حديثه بتذمر من أفكارها، إن علمت نورسين لن تقبل بزفاف مشترك!

يا بنتي ما أنا محترم من ساعتها، بس أنتِ اللي بتخلي دماغي تروح لأماكن بعيدة.
أمسكت رأسه بحدة وكأنها تحجب عنه التفكير هاتفة: لأ متخليهاش تروح لأماكن بعيدة، خليك معايا هنا وأنا هفهمك بس سيبني أفكر.
طال صمتها مجددًا تُرتب أفكارها قبل إردافها؛ ليُقاطعها مناديًا إياها، ثم استرسل حينما انتبهت له وهو يعود لنومته: نور، أنا بحبك أوي، يمكن أكتر مما تتصوري.

حركت عيناها بين مقلتيه بابتسامة؛ ارتسمت على محياها من حديثه؛ لتُلاعب خصلاته منخفضة تقبلها وهي تُردف: القلوب عند بعضها يا سيفو.
تشدق بحنق من فعلتها مُردفًا: بغض النظر عن اعترافك الغير مباشر، لكن ليه بتعمليني على إني كلب كده؟!
ضحكت بخفة نابسة وهي تلعب بخصلاته بعشوائية كما يحدث مع الكلاب بالفعل: متقولش على نفسك كده يا سيفو، أنت أحلى من الكلاب طبعًا.

انتصب من مجلسه؛ لتعلوا ضحكاتها تدخل بأحضانه؛ فشدد عليها هو بدوره ضاحكًا بخفة، لعل نصفك الآخر بمكانٍ لم تراه بعد، وقلبك مُدرك الهوية والوجهة فتسير خلفه، متعرقلًا بِقَدَرٍ لم تنوي يومًا العرقلة به!

تحركت بتروي وسرعة معًا لا تدري كيف فعلتها!
إلا أنها كانت تسير بِخُطى سريعة، غلفتها الهدوء والتأني.
وصلت مليكة بعد عشر دقائق تقريبًا لبوابة القصر الخلفية الصغيرة تلك؛ بعدما قرر معاذ تهريبها مُستغلين تغيب عصام عن القصر حتى الآن.
مش هقدر أساعدك يا مليكة أكتر من كده، بس تقدري تاخدي تاكسي بقا.
أماءت مرات متتالية متشدقة بامتنان: شكرًا ليك يا معاذ أنا هعرف اتصرف بإذن الله.

أخرج من إحدى الجيوب الخلفية لبنطاله بعض الأموال مادًّا إياها إليها قائلًا: فلوس مصرية هتحتاجيها أكيد.
طالت نظراتها ليده والمال هل تأخذهم أم تكتفي بما معها، قاطع شرودها جذب معاذ ليدها يضع بهم المال مضيفًا: هتحتاجيهم،
أماءت دون حديث وعيناها تلمع بالشكر والامتنان، ثم خرجت من البوابة؛ تسير بُسرعة، بل بأقصى سرعة لديها، حتى ركضت ببكاء لِنيلِها الحُرية وأخيرًا تلك فرصة الوحيدة للنجاة...

غطى الجميع بفراشه استعدادًا لغد، إلا هم الأربعة بتلك الغرفة، حيث دخل مالك رفقة زوجته مكتب آسر الذي يعمل هو وزوجته به طالبًا الحديث معه.
اتفضل أقعد واتكلم يا مالك، ألماس عارفة كل حاجة،
جلس الآخر بتوتر ثم أردف بتوتر بدى في بادية حديثه حتى انغمس بالحديث: عصام مريض نفسي، مش عارف شيزوفرينيا ولا حاجة تانية، وده طبعًا بسبب ماما أنت عارف طبعًا.

اكتفى بالإيماء يستمع لبقية الحديث وعقله شارد تلك السيدة هي الأفعى بحق؛ حتى أنه يظن أن عصام أخذ الاسم منها، فهي السبب بابتعادهم عن بعض، أو كانت إحدى الأسباب...

عصام هو الأفعى اللي معظم الدول بتدور عليه بس شيطانه اللي بيعمل كل ده، وأنا للأسف متورط معاه، لما سيبت الشغل والبيت ومشيت في حاجات كتير سيبتها ومن ضمنها الختم اللي كنت بستخدمه، والأفعى استخدمه في معظم الأعمال القذرة وبقا اسمي متورط معاهم وممكن لو اتمسكوا أتحاكم، أصل عصام والغريب بيشتغلوا مع بعض.

بعد ما أنتم التلاتة بعدتم، هما رجعوا قربوا واشتغلوا من تحت لتحت مع بعض، لكن في العلن هما قطعوا علاقتهم ببعض عادي.
ناظر آسر ألماس بعيناه وكأنه يستنجد بها مبتسمًا بخفة يحاول محي تلك الابتسامة، فبكل اختصار لم يزد مالك الطين إلا بلة؛ فقد كانا يتحدثان عن ذلك الموضوع منذ لحظات.

حك رأسه قليلًا ثم أردف: سيف محتاج يمسك على عصام حاجة قوية عشان يدينه، عصام والغريب متخفيين ورا أعمال كتير مش مبينه قرفهم، يمكن عصام العين راحتله بعد الحرق اللي حصل في شركاته بس لسه محدش مسك عليه غير كلام.
خليك معاه لحد ما نشوف إيه اللي هيحصل، واطمن لا أنا ولا سيف هنسيبك تتحبس أكيد لو عصام حب يلعب،.

لم يهدأ كثيرًا ولكن اطمئن لعلم أحدهم بذلك الأمر وخاصةً أنه يعرف أن آسر لن يبخل عن أخيه سيف بأي معلومة ولكن بحكمة، على عكس سيف إن أخبره قد يُخبر رئيسه ويقبضون على عصام فورًا وحينها يتعرض هو للخطر، لا يدري أن الحلقة مغلقة، محكمة، وما يعرفه هذا؛ يعرفه الآخر.

جلست مليكة على مقعدها المدون بتذكرتها بعد انتظار دام لخمس ساعات أو أكثر بالمطار، ها هي على متن الطائرة تُخفي وجهها خلف ذلك القناع الطبي.
نظرة لها إحدى المضيفات ببعض القلق متشدقة بالألمانية: مرحبًا سيدتي، أتمنى لكِ رحلة سعيدة، لكن هل تُعاني من أية أمراض،
أنهت حديثها مشيرة على ذالك القناع؛ لتتشدق الأخرى بثبات وهي تمتثل العياء: بعض الحمى فقط، لذلك حرصًا على الجميع ارتديت ذالك القناع.

أماءت الأخرى بتوتر وقلق من أن يُصاب إحدى الركاب بعدوى وخاصةً أن مليكة تجلس بالمنتصف، غابت لدقيقة ثم عادت مجددًا قائلة: هلّا جئتي معي سيدتي من فضلك،
اصفر وجهها بتوتر شديد لتحاول الثبات متسائلة: هل هناك شيء بأوراقي؟!
ابتسمت الأخرى متحدثة باحترام مشيرة للأمام: لا سيدتي فقط توفر لكِ مكان بمقاعد رجال الأعمال.

ارتسمت بسمة على محياها خفتها سريعًا وهي تتبع الأخرى لمقعد منفرد خاص برجال الأعمال وبزاوية فارغة فيبدوا ألا هناك كثيرًا قد حجزوا بتلك الطائرة.
ابتسمت فقد حُققت دعوتها بالجلوس بمفردها بمكان هادئة حتى لا يُزعجها أحدهم أو يتعرف عليها أحد من أعوان ذلك الحقير الأفعى، عادت برأسها للخلف تستمتع بالهدوء مغلقة عيناها لعلها تغفو، تستمتع بالرحلة حتى الوجهة...

أصوات السعادة تعم بالمكان مختلطة بالموسيقى الصادعة بالأجواء من داخل قصر الأسيوطي حيث حفل ما قبل الزواج الحنة.
أفواجًا من النساء والأطفال يدخلون القصر على مراتٍ متفاوة والقليل من الرجال الموكلون بحفظ الأمان أو تجهيز المكان.
رفعت يديها بابتسامة تشق وجهها من الأذن للأذن ترى تلك الروسمات على طول ذراعها بالحنة؛ لتضحك بسعادة حينما شعرت به يحتضنها من الخلف: إيه الحلاوة دي؟!

ضحكت بخفة تلتفت له هاتفة: شكلها حلوة أوي.
بس أنتِ أحلى.
ضحكت بخفة تنظر بسقف الردهة؛ تهرب من عيناه وهو يتابعها حتى تشدق مغيرًا الحديث: نور أنا وديت الحاجة اللي جبتيها الصبح الفيلا بس ألماس قالت بليل هتروح تظبط الدنيا هي.
أماءت بهدوء وتقرض شفتاها بخجل تود أن تخبره بشجاعة كما يفعل هو، اقتربت تهمس بخفوت وخجل: تعالَ معايا، عايزة أقولك حاجة.

اختفت المسافة بين حاجبيه بعدم فهم؛ لكنه لحقها للخارج حيث العمال فقط يجهزون الحديقة لليلة.
بدأت تتنفس بهدوء محاولة الهدوء؛ ليضحك هاتفًا: خير يا نور إيه كل التوتر ده؟!
هقولك حاجة زي اللي بتقولهم، عشان تعرف إنك مش لوحدك اللي بتعرف تقول كلام حلو.
ضحك بدهشة أكل ذلك التوتر لمغازلته كما يفعل معها!
تشدق بمكر لإخفاف توترها: إيه هتقولي حاجة للمتنبي برضو؟

ضيقت عيناها بسخرية وابتسامة صفراء، ثم أنحت وجهها جانبًا تضبط أنفاسها؛ لتناظره مجددًا مقتربة خطوة وعيناها مسلطة على عيناه، تلك التي تلمع حين رؤيتها: عيناك كقصائد الجاهلية، تحتاج لفصيحٍ لقراءتها.
كانت تتحدث وعيناها تتحرك بين عيناه؛ تتابع رد فعله، الذي لم يكن سوى الصمت.
طالت دهشته حتى عاد برأسه للخلف ضاحكًا وهو يحتضنها، أبعدت يدها عنه حتى لا تتسخ ثيابه تضحك هي الأخرى.
ودي بقا من المتنبي برضو؟

قالها حينما ابتعد يناظرها لتُردف بحماس:
لأ دي مني أنا، من القلب ل‌القلب.

حركت نظراتها يمينًا ويسارًا بمطار الاسكندرية حتى ناظرت سيارة أجرة؛ لتستقلها مخبرة إياه بوجهتها، أخفضت القناع الطبي عن وجهها تلتقط أنفاسها براحة، تشم رائحة بلادها، كم كانت مختلفة؟!
كيف للهواء بأن يختلف من ألمانيا لمِصرَ؟

تختلف مصر كُليًا عن ألمانيا، وتختلف الاسكندرية عن العالم بأكمله، أخفضت الزجاج من جوارها تتقدم برأسها للخارج؛ تستنشق الهواء بعمق مع ضحكات هسترية ترتفع؛ حتى ظن السائق أنها مختلة أو ما شابه، لكن لا يهم سيأخذ ماله منها مهما حاولت الهرب...

كانت تقف بالمطبخ تُشرف على الطاهيات بابتسامة وتساعدهن، فاليوم وأخيرًا رفاقها وأخوتها سيف ومهند يومهم الأخير بحياة العزوبية.
منذ الغد قد ينشغلا عنها مثلما انشغلت هي منذ زواجها، لكن هذا لن يمنع حُبها الأخوي لكلاهما.
تابعت بعيناها تقدم زوجها الحبيب حتى وقف أمامها يحيطها مقتربًا منها؛ شعرت بالحرج من أن تراهن الطاهيات إلا أنه جذب انتباهها متشدقًا: اطلعي ارتاحي شوية، لسه الليل طويل.

أماءت بخجل فلن تُعاند، حينها لن تضمن رد فعله أمام الطاهيات، ليسترسل: أنا هنزل الشركة أنا وسيف ومهند، نخلص كام حاجة باقية عشان الشباب عاملين حفلة صغيرة في بيت كرم بليل.
أماءت دون حديث وهي تتابع الأجواء حولها؛ لتنصدم حينما اقترب طابعًا قبلة سريعة على وجنتها هامسة: سلام يا ميسو.

سعلت من صدمتها وأنفاسها التي سُحبت لثواني، تتابع اختفاءه للخارج، ارتسمت ابتسامة على محياها محتها سريعًا ملتفة للجهة الأخرى تعبث بالأطباق من أمامها في مُحاولة بائسة لِمُدرات خجلها.

ترجل من سيارته بِخُطى ثابته متحركًا اتجاه مدخل الشركة، على ثغره ابتسامة هادئة وعيناه تلتمع بخبث خلف تلك النظارة، يسمع بأذنه حديث أحدهم:
ماجد الغريب هيتمسك الليلة بالكتير، بعدها ممكن يترحل على مصر، لكن الأكيد إنه هيتمسك من القوات الألمانية هما مراقبينه مستنيين تسليمه للشحنة؛ عشان يتمسك متلبس.
هتف بكلمة واحدة وابتسامته تزداد يدلف لذلك المصعد: تمام.

الساحة فارغة يتبقى عصام أو الأفعى وهو سيعمل جاهدًا لإيقاعه بيد أخيه، هو أكثر من يفهم عقله الخبيث وسيمد سيف ومهند بكل المعلومات اللازمة حتى يُسجن.
أسيُسجن أم يُحول للمصحة؟!
طرقت تلك الفكرة لعقله لأول مرة تقريبًا!
توقف أمام مكتب السكرتيرة والمساعدة الخاصة به لتُردف باحترام: مستر آسر في واحدة مستنية حضرتك جوه أنا كنت لسه هكلمك.

ارتفع حاجبه وقبل السؤال أردفت مبررة: هي قالت إنها أختك وأنا معرفتش أمنعها من الدخول والله.
أماء بحنق تاركًا إياها دالفًا لمكتبه وهو يردد بخفوت: شكلك مش هتكملي في الشغلانة دي،
طرق طرقة خافتة على مكتبة راسمًا بسمة ساخرًا؛ يستأذن ليدخل مكتبه!
فتح الباب داخلًا بذات السخرية هاتفًا: السلام عليكم، ممكن أدخل يا، يا أختي؟!
كان يتحدث بسخرية؛ لتلتفت له هاتفة بإسمه بلهفة وسعادةٍ ظهرت بصوتها: آسر!

فرك رأسه بتعب شديد يشعر بخلايا رأسه تنفجر من ألم رأسه، فتح عيناه يُطالع المكان من حوله سائلًا بخفوت: أنا فين!
حاول التذكر؛ فلم يُنجده عقله إلا بالقليل أنه خرج من عند مليكة خاليًا من كل شيء حتى الأمل!
يبدو أن الأفعى استولى على جسده فلا يعي لما حدث وكم من الوقت مَرَّ؟!
نهض بجزعه العلوي باحثًا عن هاتفه، وجده جانبًا؛ ليفتحه سريعًا باحثًا عن موقعه.

هو بشمال ألمانيا إذا هو بإحدى المنازل العائدة لعائلة الشمراني، يتمنى ذلك؛ فقد استيقظ ذات يوم بمنزلٍ للأعمال المخلة!
فرك جبينه يشعر بألمٍ يكتسح رأسه من اللُب للخارج، يبدو أنه كان مخمورًا ليلة أمس؛ هذا الألم غير طبيعي!

اغتسل بماءٍ بارد يحاول تذكر أي شيء أو تهدأت عقله عن التفكير؛ كي يهدأ ذلك الصراع، ثم خرج يُهندم ثيابه حيث ارتدى بنطال أسود كلاسيك وقميص أبيض على عكس الأفعى يرتدي الأسود وكلاهما اتفقا بالرِداء الكلاسيك الأسود أو حُكِمَ عليهما، لا يعرفان!
أخذ هاتفه بعدما رش بعض الرشات من عبقه الخاص وهو الشيء الموحد بينه وبين الأفعى، اتجه للخارج؛ باحثًا عن مليكة.

التقى إحدى الخادمات فور خروجه؛ لتضع عيناها أرضًا متشدقة باحترام ولكنتها الإنجليزية: السيدة شيري بانتظارك في الأسفل، في غرفة الطعام، سيدي.
اكتفى بالإيماء؛ لترحل؛ فسار خلفها لعله يصل لغرفة الطعام تلك، فعقله لم يُسعفه حتى الآن؛ كي يتذكر أي منزل ذلك، وهذا ما يحدث منذ مدة يفق متناسيًا بعض الأساسيات يتذكرها بعد مدة قليلة.
جلس بمقدمة المائدة متشدقًا بابتسامة لرؤية أخته: صباح الخير يا شوشو.

اكتسعت ابتسامة سعيدة وجهها، هاتفة باشتياق: صباح النور يا حبيبي، وحشتني يا عصعص.
ضحك بخفة على ذلك اللقب، ثم أردف متذكرًا: صحيح يا شيري فين مليكة؟
امتعض وجهها لمجرد ذكر اسمها ما بالك إن رأتها، لم تُحبها يومًا ولا تدري لمّا، لكنها الآن مُدركة أن لها يد في وصول عصام لل أفعى مثلها مثل والدتها.
بعدما توفت والدتها لم تترك هي عصام بل بدأت بإشعاله هي الأخرى على مليكة وهذا ما لا يُغفر لها...

حمحمت طاردة تلك الأفكار وهي تُسلط عيناها على الطعام؛ تهتف بآخر المستجدات فلن يفعل لها عصام شيء: أنتَ مجتش ب مليكة تقريبًا سيبتها في المتاهة، وعلى فكرة أنا سيبت مصر ومش راجعة تاني و ولادك مع مالك، أصله رجع البيت هو ومراته.
دعونا نُخمن أن شيري تكره جُل النساء التي عرفتهن إلا ملاك تبغضها أحيانًا، أما مليكة وألماس فلا شك بذلك، يبدو أنها تحتاج لعلاج!

لم يُعلق بل ظل يُفكر أين ذلك المكان المُلقب ب المتاهة ؛ حتى يصل لحبيبته، يحظى ببعض الأوقات قبل أن يستولى ذلك الحقير الأفعى مجددًا على جسده الخاص!

مليكة!
بكت بقوة، لا تُصدق أنها وأخيرًا التقت بشخصٍ آخر غير عصام وشيطانه أو حراسه، يا الهول يا مليكة لقد نجوتي، أنت الآن بِحُكمِ الناجية!
جلست بعدما استغرقت ربع ساعة بالبكاء فقط، يُقابلها آسر بالمجلس يُناظرها منتظرًا حديثها، حمحمت تسحب محرمة أخرى متشدقة: كلم مالك يجي لواحده.

اكتفى بالإيماء يُناظرها كيف نحفت مليكة، كانتأسمنهم بالجسد وأكثرهم عِشقًا للطعام، يتذكر هيئتها بالخامسة عشر حيثُ كانت كالكرة تمامًا، يصرخون بها أن تكف عن الأكل فَتُوَلي وجهها عنهم تبتلع ما بجوفها!
أخرج هاتفة مُرسلًا رسالة نصية ل مالك يُطالب بمجيئه خلال عشر دقائق رغم بعد المسافة، مسافة من خمسة عشر دقيقة إلى العشرون! ثم أعطاه رنة صغيرة تاركًا الهاتف جانبًا يُشير لها ببدأ الحديث.

تنفست بعمق ترتب ما ستقوله فلن تُجازف بقول شيء لا يصح قوله الآن، تشدقت بشرود: أنا هربت من بيت المتاهة، وقر عصام،
قاطعها متسائلًا: وقر الأفعى؟
قصد إخبارها بمعرفته لذلك الأمر وهذا ما وصل إليها بالفعل؛ أماءت مسترسلة: معاذ اللي كان زميلنا هو اللي ساعدني؛ لأنه كان بيشتغل عنده وشافني مرة وأنا بحاول أهرب ولما قولتله إني عايزة أهرب ساعدني وخرجت حجزت أول طيارة على مصر وجيت هنا.

صمتت تأخذ أنفاسها، ثم تشدقت مبررة: مهند سابلي ورقة وقالي إنكم في اسكندرية ولو عرفت أهرب في أي وقت أجي هنا، عشان، عشان كده جيت،
قاطعها سريعًا متفهمًا أمرها قائلًا: نورتي يا مليكة، أقصد تيجي في أي وقت وأنا أكيد هحميكي، أنتِ بنت خالتي يا مليكة.

دخل مالك لمنزله المُنفرد، الذي قضى به كل الأعوام السابقة؛ تليه مليكة ببعض التوتر، أنار الأضواء ثم أشار لها بالجلوس متشدقًا: مليكة ده بيتي أنتِ هتقعدي هنا، لحد ما نشوف إحنا هنعمل إيه.
أشار على إحدى الغُرف: تقدري تنامي في الأوضة دي، وده المفتاح.
أنهى حديثه يُقدم لها المفتاح على الطاولة، ثم اتجه لباب الشقة المفتوح قائلًا:
أنا هسيبك ترتاحي دلوقتي و،.

تذكر أنها أتت خالية من الملابس وما شابه؛ غاب بداخل الشقة قليلًا ثم عاد ببعض الثياب المريحة من ملابس ملاك.
قدمها لها قائلًا: خدي دُش واللبس أهو، تقريبًا في أكل جوا بس أنا هطلبلك أكل.
بالفعل أخرج هاتفة طالبًا إحدى الوجبات السريعة، كاد يرحل لتُردف:
مالك لازم نتكلم،.

عاد جالسًا أمامها بعدما ترك الباب مفتوحًا نصف فتحة فقط يستمع إليه؛ تنفست بعمق مُبللة حلقها ثم تشدقت: آسر معِرِفش حاجة غير إني هربت، بس أنا شايفة إنه لازم يعرف كل حاجة، أنا عارفة كل حاجة عصام عملها مفيش مرة عمل حاجة إلا وبيجي يقولها، حتى توريطه ليك.
قصدك الأفعى؟
تسائل لتكتفي بالإيماء فاسترسل: أنا قولت ل آسر ولما نيجي بليل تقدري تعرفيه كل حاجة.

لعل الحل دومًا بيدي صديقك الذي يعرف أدق تفاصيلك مهما حاولت التخبأة.

حلّ الليل سريعًا وسط ضجيج منزل الأسيوطي على عكس العادة فتلك المنطقة نادرًا ما يخرج منها صوت، اجتمع الخمس أطفال بجانب بعيدًا عن الحفل المُقام بحديقة القصر.
حيث انقسمت الحديقة لمجموعات، مجموعة خاصة ب سيف ورِفاقه مندمجة بمجموعة مهند، ومجموعة خاصة ب نور وصديقاتها منذ الطفولة وأخرى ب نورسين، يلتقطون الصور والتهنئة وسط الموسيقى.

أردف إياد متذكرًا كيف عان خلال حديثه مع والده كي يصف له أين هم: إيه المنطقة اللي ساكنين فيها دي! حي سكني 14؟! والله!
أطلقت ألماسة ضحكة رن صداها بالقلوب مُتشدقة: بابا قال إن المنطقة اسمها متغيرش من زمان؛ لدرجة فين ناس مسمياها المنطقة القديمة أو الحي الهادئ.
هتف بحنق قائلًا: قعدت نص ساعة أوصف لبابا هي فين وفعلًا في الآخر قالي: آه قصدك الحي الهادي!
وأنا قولتله آه وخلاص.

التمعت عين أحمد قائلًا بحماس: ما تيجوا نفكر في اسم جديد للحي.
الشمراني، حي الشمراني.
تشدق بها تامر ليرتفع حاجب ألماسة بحنق متشدقة:
واشمعنا إن شاء الله، نسميه حي الأسيوطي.
هتف الثلاث صبية تامر ونادر وأحمد: الشمراني أحسن.
لأ الأسيوطي.
الشمراني.
الأسيوطي!
صرخ إياد بهم وهو يقف بالمنتصف من بينهم: يا جدعان استهدوا بالله ده شي‌طان ودخل بينكم.

نظروا الأربعة له بابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب أفواههم؛ ليتحمحم قائلًا: شيطان حلو وبسمسم على فكرة.
صمت الجميع بسخرية يعودوا لمجالسهم بتلك الغرفة ليُردف إياد مجددًا بتفكير: مبدأيًا مينفعش الأسيوطي أو الشمراني عشان هنلاقي عمو مهند طالع بيقول نسميه شارع المجد!

أنهى حديثه بملامح ممتعضة ليضحك البقية وهو يُشاركهم، تشدق مجددًا يسترسل: وبعدين الحي بتاعكم شارع رئيسي لسه متبناش فيه بيوت بينقسم في الآخر لتلت شوارع جانبية، شارع قصر الأسيوطي، ا ل المجد، الشمراني.
كان يتحدث يعد على أصابعه ليسترسل: كده عايزين اسم كرييتف بقا.
أردف أحمد ساخرًا: يعني مش شارع طه حسين مثلًا ولا الأُدباء.

هتفت ألماسة بابتسامة بدت حمقى لهم، وباقتراح أي طالبة بالمرحلة الابتدائية قد تسألها عن اسمٍ لمجموعة: الأميرات، شارع الأميرات.
لوى تامر ثغره هاتفًا بسخرية: شارع الهرم أرحم.
بينما إياد أردف بلباقة منحنيًا نصف إنحناء قائلًا: مع كامل احترامي لأميرتي، بس مينفعش نسمي الشارع أميرات عشان مفيش غير أميرة واحدة، في قلبي.

أنهى حديثه غامزًا بعبث لا يليق بطفل تمامًا؛ فابتسمت بخجل لتلقيبها بال أميرة تجلس موضعها بصمت أثناء متابعة الثلاثة الأخرون لما يحدث بشفاه مرتفعة!
اتلم!
خرجت بحدة من أفواه الثلاثة؛ ليضحك صامتًا وبعد دقائق من التفكير أردف إياد بفكرة التمعت بعقله: هنعمل زي ما لولا قالت،
قاطعه نادر مستفهمًا بسخرية: إيه هنسميه الأميرات، ليه شايفني بفستان؟!
طالعه باستنكار دون رد، قائلًا: حي الملوك.

اجتمع جُل الشباب بالسيارات راحلين إلى وجهة الثانية وهي شقة كرم حيث احتفال العزوبية، واجتمعت الفتيات برفيقاتِها بداخل ردهة القصر بعدما غادر الشباب.
وتبقى الخمس أطفال بتلك الغرفة المنزوية بالحديقة، غرفة المؤتمرات!
اختفت ألماس رفقة ملاك بعدما أخبرها زوجها بقدوم كلتاهما للخارج، ركبا السيارة بالخلف، لتهتف ألماس بمرحٍ: خير هنروح فين؟

ابتسم ناظرًا لزوجته بالخلف متشدقًا: في مفاجأة حلوة، بس هتتصدموا شوية.
التفت مالك لزوجته متحدثًا بهدوء وابتسامة: هنروح بيتنا، في حد مستنيكي هناك.
عقدت حاجبيها مستفسرة: حد مين؟
ما تنطقوا يا جدعان في إيه؟!
قالتها ألماس بنفاذ الصبر فتشدق مالك بهدوء وعيناه على زوجته:
مليكة مستنيانا هناك،
علت السعادة الممزوجة بالدهشة ملامح كلتاهما، أردفت ألماس بتدارك للأمر: أنت بتهزر؟! مليكة جت بجد؟ و عصام سابها!

تسائلت كثيرًا ولم تتلقى إلا الصمت وسيارتهم تصطف أمام منزل مالك القديم.
أول من ترجلت كانت ملاك بخُطى سريعة للداخل تتبعها ألماس.

دفاتر الماضي لم تُغلق فالحقائق لم تُعلن بعد، هل خُيلَ لك يومًا بإحدى الأحلام أن دفترك المُسجل به جُل أفعالك يقع بيد الآخرين وتقع بشر أعمالك؟!
جلسوا بإحدى الغُرف وما زالت ملاك تحتضن أختها بقوة وتملك، تُقابلهم ألماس بالجلسة تاريكين آسر ومالك بالخارج.
ابتدت ألماس الحديث مُردفة بأسف: الفترة اللي فاتت كلنا سيبنا بعض وبعدنا، بس الحمد لله إن إحنا اتقابلنا تاني.

هو آسر كان تعبان؟ أصل عصام قالي قبل كده إن آسر في قمة الضعف حاليًا.
تسائلت مليكة لتومء لها الأخرى مفسرة وهي تستعيد ذكرى ذلك الوقت: واحد من رجالة آسر طلق رصاصة على بابا بالغلط فقررت أبعد عن آسر وأسمع كلام بابا بعد ما ضغط عليا واستغل مرضه فإنه يستعطفني.

وبعدت عن آسر مدة قضيتها مع بابا في المستشفى ولما جيت أرجع البيت آسر كان سافر ب ألماسة وبعدنا خمس سنين مثلًا مكنتش بظهر وغيرت شكلي بالمكياج ومتقابلناش غير لما لولا كانت في المدرسة اللي بشتغل فيها ورجعنا.
ضمت شفتيها وهي تُحرك عيناها باضطراب في المكان ثم تشدقت محددة قرارها: بصراحة كده، مكَنِتش بالغلط،.

لم تفهم كلتاهما حديثها لتُفسر: الرصاصة مكنتش بالغلط، ااا عصام كان متفق مع الشاب ده عشان يبوظ علاقتك ب آسر و شيري تِخف عن دماغه.
أنتِ عارفة إنها بتحب آسر وده اللي حصل وأنتم بعدتم وهي اتجوزت آسر،
شعرت بوخزٍ بقلبها، كادت تفقد والدها حينها وانفصلت عن زوجها؛ بسبب تلك الشياطين!
نظرت مليكة بالسقف قليلًا ثم تسائلت: صحيح سيف و مهند عاملين إيه؟
حفلة الحنة انهارده.
قالتها ملاك لتُبادر الأخرى بالسؤال:.

على بنت إسماعيل؟
تركت ألماس صدمتها جانبًا، متشدقة بعدم فهم قائلة: تعرفي إسماعيل منين؟
إسماعيل كان من رجالة عصام بس كان فاكر إن عصام الراجل الكبير في مصر، ميعرفش إنه في العالم تقريبًا!

لذلك إذًا أخبرهم إسماعيل بالحذر مِن مَن حولهم، هكذا نبست ألماس بعقلها، استرسلت مليكة: عصام كان عاطي أوامر بقتل حد من سيف أو مهند، بس إسماعيل كان محروق من بنت صقر وخاصةً لما ربط إن صقر هو ياسر وإنها خطيبة سيف فحب يقهر الاتنين لكن الرصاصة جت في سيف،
انتصبت ألماس واقفة بعد ما استمعت لكل ذلك مردفة بغضب طفيف، كل ما وَقعوا به كان مُدبرًا من شيطانٍ خبيث يعلم عنهم الكثير تقريبًا: آسر لازم يعرف الكلام ده،.

جلس الجميع بردهة ذاك المنزل الصغير ليُخبروا آسر بموضوع إسماعيل.
مليكة أنتِ قولتي الصبح إنك عارفة كل حاجة عن عصام وإنك الدفتر السري الخاص بيه،
كان يُمهد مالك لها أمر الإفشاء بسر عصام فقاطعه آسر بصرامة متشدقًا:
احكيلنا كل حاجة يا مليكة.
توترت قليلًا لا تعرف كيف تهرب من آسر، لكن نظراته الثاقبة؛ جعلتها تَفشي له جُل ما عرفته خلال الأعوام التي ظلت بها رفقة عصام وشيطانه الخاص.

عصام قتل شخص ما بالغلط ولما كُبار الراجل ده اكتشفوا الأمر، أخدوا عصام الكلام ده تقريبًا قبل ما تِنفصل الشراكة الثلاثية بتاعتكم، وبعدين عصام حب ينفد بجلده فعرض عليهم إنه يعمل شغل الراجل اللي قتله خلال خناقة، لما قفشوا بيهرب ممنوعات من خلال شركته شركة عصام.

المهم اشتغل معاهم في تهريب المخدرات وكان بيسهل الأمر في بضاعته من فساتين بتتورد للخارج وقماش بيجي من بره وبسبب اسم الشمراني واسم عصام، حتى بعد فك الشراكة الثلاثية شراكة آسر وماجد وعصام فكان الأمر سهل ل عصام واسمه بدأ يِلمع في الشغل ومكانته تزيد عند الراجل الكبير.

كان ألماني تقريبًا وفِضل عصام يشتغل والراجل يقربه منه لحد ما بقا دراعه اليمين، ولما مات عصام مسك مكانه وقبل أي غدر قتل أي حد يفكر يشيله من مكانه.
واللي ساعده في الأول مامته،
صمتت تتابع نظرات الدهشة على وجه مالك المصدوم بأخيه و والداته! و آسر كان صامتًا، لم يُبدي أي ردة فعل، استرسلت:.

طنط لما عصام استشارها يعمل إيه وهل يلجأ ل ياسر يساعده بعد ما اضطر يقول إنه هيهرب الحاجة مكان الواد اللي مات، رفضت وشجعته يشتغل هو،
بعد ما مسك رجعت علاقته ب ماجد الغريب لما اكتشف إنه بيشتغل في التهريب تحت إيد ما في مصر، فقربه منه وبقا ماجد الكبير في مصر، بعد ما كان مُهرب صغير بيهرب الممنوعات في البروتين بتاع الجيم والبيزنس بتاعه.

عصام فضل يِكبر ويشتغل ومرضه يزيد وبقى الأفعى هو اللي مستولي على جسمه وشايف إني السبب في ضعف عصام بسبب حبه ليا، عصام مش مريض شيزوفرينيا، عصام عنده مرض اسمه اضطراب الهوية التفارقي
ده بيكون شخصيتين أو أكتر جوه جسم واحد بيظهروا بِوَرديات، مثلًا يعني ممكن الصبح معاك وبليل عليك، ومش بيفتكر حاجات كتيرة وعادية المفروض في يومه.
على عكس الانفصام أو الشيزوفرينيا بيبقى فيها هلاويس بتبعد الشخص عن الواقع.

وتقريبًا أنتم مكنتوش تعرفوا ده وفاكرينه انفصام بس عصام جواه شخصيتين ولازم تكون حذر وأنت معاهم.
حاجة كمان عصام مريض يعني أي دكتور هيشخص حالته ويبدأ علاج معاه، عصام هيتحبس في المصحة مش في السجن، وللأسف الأفعى عارفة بكده ومستعدة تِختفي في حالة واحدة، لما تدمر العالم.
أنهت حديثها بابتسامة باردة بعض الشيء اكتسبتها من ذلك الخبيث، تدور بعيناها بالمكان.
هم أمام شيطان متنكر مستعد للإختفاء بعد إيقاعهم!

غادر مالك حيث شقة كرم بعد العديد من الاتصالات من سيف ونقل آسر الثلاثة معه لِقصر الأسيوطي بعد إصرار مليكة على ملاقاة صِغارِها الآن.

نور، نور!
انتبهت نور لمنادات ألماسة لها من وسط حشد النساء اللاتي يرقصن؛ لتقترب منها هاتفة:
خير يا لولا؟
صرخت الأخرى قليلًا كي تسمعها نور من تلك الموسيقى: هي ماما فين؟
انتبهت بالفعل لإختفاء ألماس منذ هاتفها آسر لتُردف: شكل أبوكي خطفها، ليه؟!
أشارت ل لافيرا والدة إياد: طنط لافيرا ماشية فكانت هتسلم عليها.
اتجهت لها كُلًا من نور ونورسين شاكرين إياها على هذا اليوم؛ لترحل هي وصغيرها.

أنا وأحمد وتامر ونادر، فوق في الأوضة.
صرخت بها كي تسمعها كلتاهما ليكتفوا بالإيماء عائدين لصديقاتهن.
بعد قليل من الوقت، اقتربت نور بحنق من ألماس متشدقة: كنتي فين وسايبانا في يوم زي ده؟
مالت عليها قائلة بخفوت: حوار طويل، بعدين.
أردفت ملاك وهي تُمسك يد أختها قائلة: الولاد فين يا نور؟
فحصت نور بعيناها مليكة سريعًا بدهشة من ذلك القناع الطبي، لكنها تشدقت: فوق في أوضتهم.

عيناها تزرف ما تبقى من الدموع بعد ذلك الشوق وبأحضانها يرتكز ذلك الحنون نادر، أشارت بيدها ل تامر كي يتقدم؛ فعلها بقلق لا يدري ما مشاعره اتجاهها حقًا...
احتضنت صغِيراها بقوة، تود إدخالهما بضلوعها؛ كي تطمئن ألا تبتعد عنهما، شعر تامر بما لم يشعر به من قبل، تقريبًا تلك مرته الأولى بعناقها ومبادلته للعناق!
بعد قليلٍ من الوقت تركتهم به ألماس بسبب بحث البعض عنها بالأسفل هبطت تاركة مليكة وملاك.

تقدم أحمد بابتسامة معرفًا ذاته: أنا أحمد يا خالتو.
إعتاد اللقب سريعًا، كما إعتاد كل شيء منذ علم بوجود عائلة كبيرة له، فقد ملّ من عائلته الصغيرة المكونة منه ومن والدته و والده ومنذ أشهر قليلًا كان قد بدأ ينسجم ويلعب وسط الأطفال بشارعهم.
ابتسمت ألماسة بتوتر ناظرة أرضًا: وأنا ألماسة.
طالعتها ببعض الدهشة صفات الخجل تلك من أين اكتسبتها؟
لم تكن ألماس يومًا من الخجولات ولا آسر من أصحاب الحياء والخجل!

مرت دقائق من جلوسهما معًا واستمعوا لغلق الأغاني بالأسفل والأصوات التي هدأت قليلًا ثم ارتفعت مجددًا...
تطلعوا لبعضهم بدهشة، ذهبت حينما اقترب الصوت وطُرق الباب، ابتعدت مليكة تتوارى خلفًا خوفًا من أن يكن عصام لحقها بتلك السهولة!
اقتُحمت الغرفة بواسطة ريهام، إلهام، ليلى، فريال جميعهن اقتربوا من ملاك ومليكة بشوق دام لسنواتٍ الغياب.

كانت ليلة خفيفة على الجميع غفت بها مليكة بعد أذان الفجر تقريبًا حينما رحلت رفيقاتها بصعوبة؛ لتغفو جوار صغيراها تحتضنهما.
و نور ونورسين غفا بصعوبة بقصر الأسيوطي هما أيضًا، بعد توتر سيطر عليهم من فكرة الغد.
هناك عقول لا تغفا تُخطط للقادم هكذا مرت ليلتهم، برغم رفضهم للحديث في أي شيء؛ حتى لا ينشغلوا قبل الزفاف.

دخل عصام مكتبه بقصر المتاهة الخاص به يُمسك كأسًا صبه بالخارج كي يقدر على التفكير، زفر بحنق مناديًا خلدون ليأتي سريعًا.
شوف مليكة، جِبهالي هنا.
أماء واختف لدقيقة أو دقيقتان ثم عاد مهرولًا: المدام مليكة مش في جناحها، الدُش كان شغال ولما واحدة دخلت تِطمن عليها ملقتش حد جوه.
اذبهلت ملامحه متسائلًا: هربت؟!

ابتلع لعابه بعدم معرفة؛ ليقترب عصام من إحدى أدراجه يبحث عن جواز السفر الخاص بها ليتفاجأ بعدم وجوده.
جلس يتنفس بصعوبة ثم هدأ نفسه محدثًا ذاته: مفيش مشكله كده أحسن إنها مشيت من نفسها، وأنا هركز على شُغلي أفضل،
هدأ ذاته بتلك الكلمات عائدًا برأسه للخلف، مُغمضًا عيناه بعدما طلب كوبًا من القهوة.
أت إليه الكوب بعد دقائق؛ لينهض يرتشف منه ناظرًا للخارج؛ حتى تذكر!

تذكر معرفة مليكة لجُل أسراره وأفعاله الشنيعة ليقذف الكوب من يده يمينًا وهو يثور بالمكان كذئبٍ يعوي باسمها: مليكة!

ملحوظة، لم أكن أعلم الفرق بين انفصام الشخصية و تعدد الشخصيات واكتشفت أن هناك فارق أثناء قراءة إحدى الروايات وبعد البحث والقراءة صححت معلومة مرض عصام عن طريق أحداث ذاك الفصل.
سذاجة نورسين وهي المفروض هتكلم فارس يِنهُوا اللي بينهم بِ‌ود بتفكرني بنفس سذاجتي(:
تِفتكروا عِصام أو الأفعى هيعمل إيه في مليكة؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة