قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثالث والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثالث والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثالث والثلاثون

دُقت الطبول وارتفعت الزينة وتهللت أسارير الفرح استعدادًا لزفاف ستشهده كافة البلد من أصغرها لأكبر قائد بالقوات الخاصة.

بأحد الفنادق ذات الخمس نجوم وبحديقته الفارهة مليئة بالعشب الأخضر يبعث الروح بثنايا روحك تقف هي بالمنتصف، أصوات أنفاسها المرتفعة هي كل ما تسمعه، واقفة تُحاول امتصاص الهدوء من الطبيعة؛ لعل اضطراب فؤادها يهدأ، استمعت لطرقات قدمه على الأرض الصلبة من خلفها وحديث المصور معه، فبدأت بفرك كفيها معًا.

اقترب مهند من الخلف بِخُطى وتيرة مدروسة، حفظها من تكرار ذلك المصور؛ حتى بات خلفها مباشرةً؛ ليضرب بحديث الشاب الحائط ممتثلًا لمشاعره؛ حيثُ عانقها من الخلف هامسًا بنبرته الحنونة؛ كي يُهدأ اضطرابها؛ فقد رآها تفرك كفها بقوة.
بحبك يا نورسينَ.
أدارها له مقبلًا جبينها وهو يتشدق: شكلك جميل يا نينو.

ابتعد قليلًا عنها ناظرًا بعيناها، امتثالًا لحديث المصور على مضض، دققت النظر بعيناه العسلية، مقتربة قليلًا تهمس بعبث مثل عبثه: بحبك يا عسلية.
أنهت اعترافها مشيرة لعيناه بعيناها؛ لترتفع ضحكاته بشدة ضاممًا إياها لصدره.
حلوة الصورة دي، أبعد عنها بقا.
قالها المصور بعدما التقط صورة ل مهند حينما علت ضحكاته.

ابتعد مهند قليلًا ناظرًا بعيناها هو الآخر قائلًا: بحبك أوي يا نورسين، وعد عمري ما أزعلك ولو زعلتك، هعتذر أهم حاجة متبعديش.
وهل تنفصل الروح عن جسدها إلا بالموت؟!
تسائلت بابتسامة بعثت له مدى حبها وهي تمتثل لأوامر ذلك المصور، فقد فاض صبره من عدم تنفيذ حديثه.

وضع يده على رأسه بنفاذ الصبر متشدقًا بحنق: يا نور ما أنا كده كده هشوفك يا حبيبي!
كاد يلتفت لها لتصرخ ناهرة إياه: متبصش، يا سيف بقا شكلي وحش، وبعدين هتتعصب أصلًا، فاتعصب لما تشوفني ساعة الfirst look في الفرح.
يا حبيبي، نورسين هي اللي هتتعصب ساعة الفرح لما تشوف اللي هتهببيه، لكن أنا لازم أشوفك دلوقتي، وبعدين عشان نتصور!

تنفست بعمق تعطيه ظهرها بعدما أشارت ل ألماس الواقفة تُشاهد وتلتقط الصور بضحكات مكتومة على عُنقها علامة القتل.
تعالى،
تشدقت بعد ثواني ليلتفت متقدمًا منها حتى وقف خلفها ثم مال على أذنها هامسًا: بحبك.

ابتسمت بخجل تنكمش على ذاتها؛ مد سيف يده لتتلقاها مُلتفة بتروي؛ حتى التقت مقلتيهما ببعض؛ شقت الابتسامة وجه كليهما بحبٍ شديدٍ لم يستطيعا منعه من الظهور للأعيان قبل أنفسهما، اشتعلت الطبول بأفئدتهما وهو يقترب منها تلك الخطوة الفاصلة؛ حتى انحنى قليلًا مقبلًا جبينها متشدقًا بحب: شكلك يفوق العادة، يفوق الجمال!

ابتعد قليلًا يُطالعها من أعلاها لأخمص قدمها هاتفًا بإعجابٍ لطلتها: شكلك حلوة أوي، خطفتي قلبي جامد المرة دي على عكس كل مرة!
ضحكت بخفة متسائلة عن صدق حديثه وهي تلتفت بجذعها العلوي قائلة: بجد! يعني شكلي حلو؟
يِهِبِلْ!
صمت ثم استرسل وقد تبدلت ملامحه تمامًا بعنف شديد لفعلتها تلك: بس إيه اللي أنتِ هببتيه ده! وإيه كل المكياج ده مش اتفقنا كُحل بس! وإيه الروج الظاهر ده، امسحي كل الكلام ده.
سيف!

أجابها سريعًا متحاشيًا النظر عن مقلتيها اللتان ظهرتا بهما الدهشة والضيق: عيونه وكل حاجة بس، يا نور شكلك جميل بشكل فاتِن!
ابتسمت مُتقدمة منه تلك المسافة التي انفصلا عنها بها قائلة: أنتَ من فتنتا قلبي أولًا، مقتحمًا كل ما شيدته من حصونٍ بنظرة عيناك.
تبادلا النظرات بحديثٍ سردته العيون دون نبس شيء؛ حمحمت ألماس مبتسمة ب سماجة كما وصفها سيف، مُتشدقة: إحنا هنا!

أشاح سيف النظر عنها بعدما ألقاها بنظراته متشدقًا بلوعة وخفوت لمن تقف أمامه أثناء إمساكه بخصلاتها القصيرة: قصتيه ليه؟ أنا كنت بحب شعرك!
ابتسمت مُبررة: عارفة، بس أنا قولتلك كان نفسي أغيره، فاستغليت الفرح وكده.
صمتت لا تدري أتصارحه بسببها الآخر أم لا، استقرت على رأيها بسبب نظراته الحنونة المُحبة تلك، كم تحب النظر بعيناه حينما يناظرها أو أي شخص يُحبه: مش عايزاك تحبني عشان حاجة.

استرسلت مُفسرة: يعني مش تحبني عشان شعري عاجبك أو عيني، شكلي، طريقتي، كل دولا هيتغيروا.
ابتسم بخفوت منحنيًا برأسه يناظر عيناها حتى أردف: أنا بحب حاجات عشانك.
حينها أتت المصورة، فلم يكن رد فعلها إلا الدهشة وعدم الفهم.
مرّ القليل من الوقت يلتقطون الصور بشرفة كبيرة لدى ذلك الفندق، انتهى التصوير وحان وقت عودة سيف لجناحه لالتقاط الصور مع رِفاقه.

اقترب منها هامسًا بحبه مقبلًا وجنتها سريعًا، قبل أن ينصرف: بحب كده أصلًا، بحبك!
لم تنتبه إلا لاعترافه؛ لتتابعه بابتسامة شقت وجهها، أخذت هاتفها من إحدى صديقاتها ترى هل تجهز ما خططت له أم لا.
رأت رسالة واردة من ألماس فعقدت حاجبها بتسائل ما قد تُرسله لها ألماس ولما قد تُرسل من الأساس، فهي كانت معهم منذ قليل.

رفعت عيناها تبحث في الوسط عنها لتلقاها مع نورسين حيثُ ذهبت المصورة وصعد المصور لغرفة الشباب، فقد أتو بمصوران كي لا يتعطلوا.
رأت محتوى الرسالة فكان إحدى الروابط لمنشور على موقع التواصل الاجتماعي Face book كادت تتجاهله ولكن لمحت اسم حسّاب سيف.
فتحت الرابط ليظهر أمامها إحدى المنشورات الخاصة ب سيف يروي فيها:
شوية أساسيات وبنود كده عن العروسة اللي عايزِها، بعد عمرٍ طويل.

كان يتحدث عن الزواج كأمرٍ لن يتطرق إليه ولن يفعله وبعد عامٍ أو أكثر من تعارفهم، هما يتزوجان!
يليق به رجل أعمال، يتفق على الصفقات أكثر من ضابط!
استرسلت قراءة حديثه بشغف لمعرفة هل كانت تُطابق البنود والأساسيات كما يقول أم لا؟
شعرها قصير مش ستريت، أملس مموج يعني.
طيبة وهادية، بس مش أوي عشان صحة اللي حواليا بس!
عيونها سودة أو بني، كفاية ألوان من أمي، لأبويا، لأخويا ومراته وبنته، أنا زهقت من الملون.
قصيرة.

مش لازم تكون بتشتغل، ولو بتشتغل ميكونش الشغل مهم عندها زيي كده ونهرب من الشغل ونقفل الفون!
صريحة وبلاش مراوغة لف ودوران، بس عشان أبان فصيح ومثقف
أخيرًا يا رب ما تشوف البوست ولا أنا أندم عليه.
ضحكت بخفة بعد إنهاء المنشور الذي كان منذ ستة أعوام تقريبًا مُلقية بنظرة على التعليقات.

حيث مُزاحه مع رِفاقه، مع مهند و ألماس و آسر الذي أخبره أن لن تتحمله امرأة يومًا مستعينًا بأبيه الذي أجابه: يا حبيبي مفيش واحدة عاقلة هتستحملك، أنت أو أخوك.
شكرًا يا روئا يا حبيبي.
كان رد آسر الذي أضاف وجه مُهرج تبعته ألماس بعدها بمدة تقريبًا، بعد ارتباطها ب آسر.
أنا فعلًا مش عاقلة عشان دخلت عيلة زيكم، بس برضو أنتِ حبيبي يا رؤوف.
عادت بعيناها للمنشور بابتسامة تُقارن ذاتها ب بنوده.

حينما عرفها كان شعرها طويلٌ وأملس على عكس رغبته حتى وإن كانت رغبة قديمة، ليست من الهادئات ومن حولهم يشتكون منهما بالفعل حينما يتشاجرا متناسيان أنهما على علاقة وليسوا رِفاق كالشباب!
عيناها لونٌ جديد بالعائلة حيث زرقويتاها اللتان أوقعته، ليست بالقصيرة، قد تكن تقصره بعض السنتيمترات، إلا أنها طويلة وهو الأطول من العادي بالتأكيد!

عملها أهم ما لديها، ولا تترك العمل بمنتصف اليوم على عكس سيف، تعشق المراوغة كالآن فهي لم تُخبره بحبها حتى الآن بصراحة!
نفت كل البنود عنها تقريبًا لكنها فازت بقلبه! أفعلت به حقًا ما لم تفعله غيرها وفتَنته!

أطلقت نورسين ضحكة عالية وهي تنظر في هاتفها تُشاهد إحدى المقاطع التي أُرسلت على المجموعة الخاصة بها هي والفتيات ألماس، نور، ريهام، إلهام، ليلى، فريال وأُضيفت مليكة وملاك حديثًا...
رفعت أنظارها تُنادي ألماس كي ترى ذلك المقاطع: ألماس تعالي اتفرجي،
انضمت لها ألماس لتُريها التعليق الخاص ب فريال على ذلك المقطع في المجموعة: شبه نور جدًا.
ربنا يكون في عونك يا سيف.
اكتفت بقية الفتيات ببعض الوجوه الضاحكة.

إيه الفيديو ده؟
تسائلت ألماس فضغطت عليه نورسين تفتحه لها؛ كي ترى محتواها، كان الفيديو لعروس بالفستان الأبيض ترقص على إحدى الأغاني الشعبية بسلاح أبيض بيدها.
أنا مش بمسك مطوة!
قالتها نور من خلفهما وقد رأت المقطع أثناء قدومها لهما، ضحكت اثنتاهما وشاركتهما نور بيأس من صورتِها المدمرة أمام الجميع، وهي فتاة رقيقة في الأساس!

أضاء هاتفها معلنًا عن رسالة من زوجها العزيز كما أسمته: لا مطوة إيه، الكلام ده للعيال التوتو، أنتِ ممكن ترقصي بالسلاح...
أرفق مع رسالته وجهًا ضاحكًا مُعلقًا على ذلك المقطع، حينما أرسلته له متسائلة أهي حقًا تشبه تلك الفتاة؟!
ابتسمت وهي تُرسل له وجوهًا ضاحكة، كادت تترك الهاتف لكنه أرسل رسالة أخرى، محتواها: صحيح أنا جبتلك القناصة زي ما كان نفسك يا قناصة.
و وجهًا غامزًا.

انفكت أساريرها بسعادة بالغة لحصولها أولًا على ذلك السلاح وثانيًا على اهتمامه بما تقول.

نورسين، يا بنتي!
نورسين!
استمعت لصوت هاتفها للمرة التي لا تعلمها لتُمسكها فقد كانت الرسائل مِن مَن استأمنته على قلبي ابتسمت تفتح تلك الرسائل مُجيبة:
خير؟!
أنا جعان، أنتِ مش جعانة؟
جعانة أوي.
أرفقت وجه حزين باكي مع رسالتها، هي تتطور جوعًا وهؤلاء الأشرار من حولِها لا يوافقون على إعطائها الطعام، وكأنها ستُفسد مقياس الفستان بتلك الوجبة!
طب تعالي تحت في المطعم، بسرعة ها مستنيكي.

أرسلت له الموافقة وأنها ستُبدل فستان التصوير ذلك وتكن أمامه في لحظتها.
نهض تاركًا ذلك الطعام، الذي لم يمسسه؛ لأنه غير جائع وترجل من جناح الشباب بأكمله تاركًا إياهم وسط الأحاديث والطعام.
قد جهزوا فستانان فستان للطلة الأولة خاص بالتصوير وفستان آخر للزفة وقد تبقى عليها القليل من الوقت.

تجارب الماضي هي الوسيلة لمَرسى الحاضر، فلا تبتأس من مصائب القدر، لعلها تكن المصيبة الأجمل بقدرك!
تسلل لتلك الغرفة التي عَرِفَ من الاستقبال في الأسفل أنها للعروس نور بعدما أخبرهم أنه مُوصل هدايا، دخل بعدما اتفق مع إحدى العاملات على إعطائها مفتاح الغرفة وقد كانت جارة له.
وصل لنصف الغرفة تقريبًا يبحث بعيناه يمينًا ويسارًا عنها؛ كاد يتحرك إلا أنه شعر بشيء موجه إلى رأسه.

التفت بتروي ليُبصر ذاك السلاح الموجه لرأسه، تتبع بعيناه يد الفاعل حتى ارتكزت عيناه عليها، نعم إنها هي رغم تبدل ملامحها قليلًا عن ذي قبل إلا أنها نور.
عمار، ليك وَحِشة يا راجل!
هتفت بسخرية لاذعة تلتها بإشارة من عيناه كي يجلس محلْهُ.
امتثل لحديثها خوفًا من ذاك السلاح دون النبس بكلمة جالسًا على طرف الفراش المجاور له.

أردفت نور بابتسامة تُزين ثغرها متشدقة بسببها: كنت عارفة إنك هتيجي، أصل أنا اللي قولت ل سيف يعلق post عن الفرح في منطقتك عشان تيجي زي الك‌لب.
ابتسمت بسخرية، كيف لم يفهم أنه فخ، أي شخص قد يضع منشور لزفافه وهو من الطبقة العُليا، وبأي منطقة، بمنطقة شعبية!
سيف راجل وبيوفي بكلمته، على عكس واحد كنت أعرفه زمان، أول حرف من اسمه عمار.
أنهت حديثها بعد الضغط على حروف اسمه تلتها بضحكة صاخبة.

انتظمت أنفاسها وضحكاتها بعد لحظات لتُردف بجدية وعيناها مُسلطة عليه بعدما بدأ جسده بالارتجاف قليلًا:
كويس إنك جيت، كنت حابة نتكلم ونِخلص،
ترجم كلمتها الأخيرة على الخلاص منه، فتشدق سريعًا ببعض التلعثم، وقد تأكدت الآن من ضعف شخصيته واتِّباعه لوالدته!
ن، نور، خلينا نتكلم بالعقل، أنا والله بحبك، بس ماما كانت ضغطت عليا حقيقي، و ماجدة خلعتني ومنعتني من شوفت ابني!

واسترسل سريعًا بعد إدراك ما تفوه به: ب، بس أنا، أنا محبتش غيرك يا نور!
ابتسمت بأسى على ما عانته حقًا على يده وها هو القدر يلعب لُعبته مُنصفًا كافتها بعد أن سقطت في الماضي وترى به الضعف والذُل على يد من اختارتها والدته، للحق هي سعيدة بتجربته، فقد أدتها بالمطاف ل سيف ولن تنكّر أن سيف أجمل ما قد يكن حالفها يومًا!
أقفل صفحتي ويا ريت ملمحكش في مَرمى حياتي تاني يا عمار، صدقني هتزعل جامد ساعتها.

وكأن حديثها كنسمات الهواء مرت دون تأثير؛ ليتشدق ناهضًا وهو يتحدث برجاء خالص من تخيلات نُسجت بعقله: نور تعالي نتجوز واطلقي من سيف ده، أنا بحبك والله!
جارته بذلك الحديث الأحمق، فيستحيل أن تفعل ب سيف ما فُعل بها من قبل، يستحيل أن تعرض أحد لذاك الشعور، تتأمل بالحياة السعيدة رفقة صديق ثم يتركك في منتصف الطُرقات، ولأجل ماذا؟ أسبابٍ واهية، دون محاولة حتى بالبقاء!
ومامتك؟!

تسائلت، فتشدق سريعًا: ماما ماتت من زمان، متقلقيش.
سُحقًا لك عمار هل حق قراره ذلك لعدم وجود والدته؟!
حسنًا الجيد هنا أن عمار لا يهاب والدته وهي متوفاه الحمد لله...

عمار أنا استحالة أكون زيك، يستحيل يا عمار أدوق حد من نفس الكاس اللي شربت منه على إيدك، وصدقني لو بينك وبين الجنة ذنبي يستحيل أسامحك، والله ما قساوة قلب على قد ما هو وجع، أنا مكنتش مِصحباك عشان أقول ده جزاء السكة الشمال، أنا كنت خطيبتك وفرحنا كان على الأبواب يا عمار!
صرخت بنهاية حديثها بانفعال وكأنها لتوها تذكرت ما حدث منه واستدعى عقلها جُل التفاصيل.

أردفت محاولة تنظيم أنفاسها، وهي تُشير له بالسلاح الذي لم تخفضه مُثيرة الرعب بأوصاله تتغذى على رهبته تلك، فقد تغذى على مشاعرها من قبل، هي ليست مُخطئة.
امشي، امشي مش عايزة ألمحك تاني.
تحرك سريعًا خوفًا من بطشها وتهورها خاصةً حينما أشارت بسلاحها، تحرك فاتحًا الباب ليتفاجأ بشخص ما وعلى حسب ما سمع من وصف خاص ب‌ سيف فهذا هو سيف إذًا.

ابتسم سيف بسماجة مُتحركًا من موضعه، حيث كان يستند على الحائط المقابل للغرفة، تقدم منه بخُطى مُرتكزة وملامح حادة واضعًا يده بجيب بنطالة؛ حتى امتثل أمامه.
كان نفسي أقولك احضر الفرح، بس أنت عارف بقى الفرح ده للناس المُهمة للعرسان وأنتَ،
اقترب منه بوجهه قليلًا هامسًا له: وأنت نَكرة في حياة نور من الأساس، درس قديم اتعلمته وحفظت وقطعت كراسته ورمتها لمؤاخذة في، في الزبالة.

فرصة قذرة يا ريت متتكررش تاني ولا ألمح ظلك قريب مننا، اتفضل.
أشار له بعيناه كإشارة بالرحيل، فامتثل الآخر برهبة متحركًا يتبعه ذلك الحارس الخاص بعائلة الأسيوطي.
دعنا نعترف أن سهولة الحديث والتفوه بالتهديدات التي خرجت من كلاهما كان خوف عمار هو الغذاء والمقوي لهم.
لطالما كان الخوف غِذى للآخرين، سامحًا لهم بفرض قوتهم.

تبدلت ملامح سيف تمامًا مبتسمًا وهو يدلف لغرفتها مُغلقًا الباب خلفه؛ لتُبادله البسمة مُلقية السلاح على الفراش جوارها.
اقترب قليلًا حتى أمسك السلاح مارًا من أمامها يرتكز بعيناه على عيناها، يلمح شيء جديد، سعادة مختلفة، سعادة تلك الطفلة التي قُهرت سابقًا...
تفحص السلاح ضاحكًا وهو يُشاهد خزنة الرصاص فارغة، تركه جوارها مجددًا يناظرها متسائلًا:
كده خلاص؟

تسائل فقد أخبرته بكل ما تنويه وأنها تعرف أنه سيحاول الوصول لها، وحينما سأل عليها بالاستقبال أخبروه بقدوم شخص ما ل نور فعلِمَ أنه هو بالتأكيد لذا أتى إليها.

وقفت تتنفس بعمق وكأنها أول مرة منذ زمن طويل تستطع التنفس دون غصةٍ، متشدقة بسعادة ونبرة تختلف كُليًا أخبرته أن تلك هي نور بالتاسع عشر من عُمرها: أنا حاسه باحساس مختلف، أول مرة أحسه بجد! أنا تقريبًا أخدت حقي منه يا سيف! أنا واجهته لأول مرة، والأهم إني عرفت المغزى من الدرس.
كان يتابع حديثها بابتسامة ارتسمت دون شعور منه؛ ليتسائل: إيه المغزى؟
أنتَ،.

زادت ابتسامتها تُمسك يده توضح مقصدها: أنتَ المغزى، كل اللي حصل، عشان أقابلك وأكون معاك أنتَ يا سيف.
لم يُعلق بل قَبل جبينها بابتسامة يكفي حديثها المُشع حماس وسعادة.
كده أقدر أبدأ معاك صفحة جديدة، صفحة بتاعتي أنا وأنت والحاضر من غير الماضي.
ابتسم متحدثًا بمرح: وأنا الحمد لله معنديش ماضي.
ارتفع حاجبها بتهكم متسائلة: وملك؟
ملك مين؟
سيف!

ضحك موضحًا لها علاقته بملك في الماضي: ملك أنا كنت مُعجب بيها، بس هي اتخطبت ل مهند فطلعتها من دماغي، دي مهما كان، كانت هتكون مرات أخويا! بس هي طلعت مريضة فعلًا وعرفت إنها سافرت من مدة تتعالج بره وتبدأ من جديد، صفحة واتقطعت من زَمن.
ابتسمت متشدقة: دلوقتي أقدر أقول صفحة الماضي، ماضي.

اقترب مهند من نورسين مبدلًا مقعده كي يجلس جوارها ومن ثم تشدق: أنتِ كويسة يا حبيبتي؟
تركت الطعام ناظرة إليه بتساؤل عن سبب سؤاله لكنها أجابت: آه الحمد لله، ليه؟
تشدق مسترسلًا حديثًا قديم؛ كي يُنهي ذاك الماضي: فارس اتسلم لأهله واتدفن خلاص، و ورقة تنازلك عن الورث وصلتلهم،
أماءت وهي تعود للطعام: طب الحمد لله.

توتر قليلًا من رد فعلها، لكن هذا ما يجب فعله، فهو من اقترح عليها التنازل عن الوِرث في مال زوجها القديم والد فارس: أنا هديكي ورثك اللي كنتي هتورثيه،
قاطعته وهي تُناظره مُمسكة بيده: مهند، صدقني أنا مش عايزة فلوس لا منك ولا من أبو فارس الله يرحمهم، أنا مكنتش عايزة حاجة منه غير إنه يطلقني وهو مات أصلًا، وأنت عايز منك حنيتك وسندك وتفضل جمبي وبس، ممكن نبطل كلام في الفلوس.

أماء متنهدًا، عمّ الصمت للحظات لا تخلو من متابعة كلًا منهما للآخر بعينيه؛ حتى أردف هو: هو صحيح أبو فارس، اسمه إيه؟
فارس.
طال الصمت لتضحك هي وهو ينظر لها بغرابة، لِمّا قد يُسمي شخص ولده المتوسط من ضمن صبي وفتاة على اسمه؟!
ضحكت وهو يُشاركها متشدقة: أصل هقولك،
قاطعها سريعًا: لا مش عايز، شكرًا.
أم فارس حِملت وهما مكنوش يعرفوا و وِلدت في السابع وهما مكنوش اختاروا الاسم، فهو كسل وسماه على اسمه.

كانت تتحدث وهي يصرخ بها بضجر من تلك العائلة: اسكتي مش عايز أعرف،.

عَلى صوت الموسيقى دالًا على دلوف عروسًا من إحدى عروسات اليوم، كانت نور هي من ستتقدم أولًا، ف‌سيف يقف بمقدمة ذاك المكان الذي ستخرج منه، واقفًا ببدلته الرسمية بالعمل، وعلى جانبه بمسافة يقف مهند بجوار رِفاقه، عدى كرم الواقف مع نورسين كي يُقدمها له.
وسط ارتفاع الموسيقى انخفضت فجأة، وأُشعل بدلًا منها التحية الوطنية!

نعم تلك موسيقى التحية الوطنية جميعهم يَعرفها، وقف جميع من بالقاعة حينما اشتعلت الموسيقى بدلوف نور رفقة أبيها وحبيبها الأول ياسر.
تبدلت الموسيقى الوطنية بأخرى وطنية لتعلو الضحكات بالساحة وخاصةً من سيف الذي مد يده يلتقط نور التي تُشابه بالرداء حيث ترتدي الطقم الرسمي بعملهم.
في عينك يا سيف.
ابتسم سيف ل ياسر قائلًا: في قلبي يا ياسر، متقلقش.

ثم أضاف ضاحكًا: وبعدين مش هسيب بنات البلد كلهم، وأجي أهزر مع بنتك!
ابتسم له ياسر وهناك طبقة رقيقة تجمعت بمقلتيه لا يُصدق عدم ذهابها معه الليلة وأن المنزل سيفرغ عليه من كلتاهما نور ونورسين.
ابتعدا سيف ونور حينما علت موسيقى أخرى تدل على دخول نورسين...
قبل دقائق رأت نورسين ما حدث لتنظر بدهشة لأخيها الذي يُحاول كتم ضحكته؛ كي لا يُثير غضبها، ثم صرخت به: أنت كنت عارف الهباب اللي هي هتعمله ده!

كنت عارف يا كرم؟!
أماء دون حديث، فصرخت مجددًا: بدلة شرطة وتحيا مصر داخلة عليهم في الفرح! كان يوم مِلون لما وافقت على فرحين مع بعض، أنا مالي أنا ومال الجنون ده!
اااا، الأغنية اشتغلت المفروض ندخل،.

فور ما فُتح ذاك الباب الذي ستدخل منه، التمعت عيناها بسعادة متقدمة مع أخيها بابتسامة هادئة لا تنظر يمينًا ولا يسارًا كما أخبرها مهند حتى لا تتوتر، هي تخشى اليوم بأكمله وخاصةً بعدما عرفت أن جميع الرُتب من أعلاهم لأقلهم رُتب وأكثر قُربًا من مهند وسيف ونور سيكونوا حاضرين...
مال كرم على أُذن مهند متحدثًا وهو يُسلم عليه حين وصل إليه: نورسين خدت اللي الوحش، خليك أنت الحلو اللي في حياتها.

ابتسم له مقتربًا حتى يستمع له من بين الموسيقى العالية: متقلقش عليها دي روحي من جوه ومش كلام والله، ربنا يقدرني وأسعدها.
بدأ مهند ونورسين الرقص رقصتهم الأولى وانضم لهم سيف ونور بعدما أبدلت بذلتها بفستانها الأول، فقد تخلت عن الفستان لأجل بذلتها الغالية.
اقترب كرم من ريهام واقفًا بجوارها يميل عليها قائلًا: اعقبالنا يا حب.
حب في عينك!

فزعَ كرم مبتعدًا عنها يُطالعها تضحك وهو يتسائل كيف تغير صوتها لصوت أخيها؛ ليُصدم بأخيها خلفه مُردفًا: اتلم يا خطيب أختي بدل ما تبقى خطيب أختي، السابق.
لوى ثغره بحنق شديد يجاوره بالوقوف، وعيناه تتابع تلك التي سرقت قلبه منذ أول لقاء.
مال كرم على أخيها حسين متسائلًا: بقولك يا سِحس هنكتب الكتاب ونعلي الجواب إمتى؟

ألقى له نظرة كما نقول حارقة بضيقٍ شديد، هاتفًا بصوت مناسب ليصل للآخر: ياض أنا مش بطيقك وعايز أفسخ الخطوبة، بس مهند و‌ سيف هما اللي أقنعوني أسيبك خاطبها شوية.
ارتفع جانب شفتيه الأيسر بتهكم شديد وسخرية قائلًا: إيه أقنعوني أسيبك خاطبها شوية دي، إحنا هنهزر يلا! بقولك إيه قدامك أسبوع.
شهرين.
هتفها الآخر بعناد؛ ليبدأ المزاد على معاد الزفاف:
أسبوعين.
شهرين وأسبوع.
تَلَت أسابيع وكَرمك يا حسين.

شهر ونص وآخر كلام يا كرم
عندي مهمة بعد شهر ونص هتستمر شهر مثلًا، خليها تَلَت أسابيع وتكاليف الفرح كلها عليا.
تنهد الآخر بضجر شديد هاتفًا بإصرار: شهر وده آخر كلام وإلا خد شبكتك وروح.
جز الآخر على أسنانه بحنق ظاهري، مُلتفةً بالاتجاه الآخر لتلتقي عيناه ب فريال غمز لها بابتسامة خبيثة شقت وجنته مقتربًا منها.

وصل لها بعد دقيقة من الحواجز البشرية ليهمس لها: غداكِ، عشاكِ وفطارك والsnack عليا يا فيري يا عسل، تسلمي.
ضحكت متحدثة: يا ابني قولتلك، خطشيبي حبيبي عمل كده وأخيرًا هنتجوز نص الشهر الجاي.
هتف بحماس يروي لها: ده أنا قولتله أسبوع وخليته يوافق على شهر زي ما مخطط.
حُسام خلاهم يوافقوا بكل رضا، هو أشطر منك، شوف بابا واقف مع حُسام هيشيله من على الأرض شيل، مش حسين اللي مش طايقك.

هتف دون اهتمام، فقد حصل على ما أراد وهذا ما يكفي: يا ستي مش مهم هو أنا هتجوز‌ حسين ولا أخته!

اقترب ياسر من ابنته بابتسامة رفقة اللواء عامر اللواء التي كانت تعمل معه نور حين التقت ب‌ سيف.
صافح أربعتهم مهنأً إياهم بسعادة أب رأى أولاده في قمة سعادتهم ففَرِحَ، وقف معهم يتجاذب أطراف الحديث متشدقًا بتهكم يناظر سيف:
بس اللي يشوفك وأنت كل يوم داخل خارج من عندي وبتقولي،
حاول تقليد نبرته الحانقة حينها قائلًا: يا فندم لو سمحت أنا مش عايز أشتغل مع الاتنين دولا، ممكن تفصلني عنهم؟

أصلًا مهند ده مش ابن عمتي ولا حاجة، دي صلة قرابة بعيدة وهو أصلًا لقيينه على باب جامع.
علت ضحكاتهم جميعًا تلاها مهند بتهكم هو الآخر: مش محترم أصلًا!
تزايدت الضحكات وخاصةً حينما انتقل‌ عامر بعيناه ل نور مقلدًا إياها: يا فندم أنا استحالة أتجوز!

ظلوا هكذا بين استعادة الذكريات حتى مرّ ما يُقارب للساعة ونصف وها هي الحادية عشر قبل منتصف الليل وكما هو مُسجل بدعوة الزفاف الخاصة برجال الأعمال والضباط الرُتب انتهى الزفاف، هدأت الأنوار بعدما فرغت نصف الساحة وزاد العدد تقريبًا، حيثُ رِفاقهم قد أتى من لم يحضر منذ البداية.
هدأت الأنوار وعلت الموسيقى بشكل صاخب يتراقصون بجنون وسعادة، وبإحدى الرقصات الثنائية اقترب منها هامسًا بأُذنِها: بحبك يا ماستي.

ضحكت بخفة قائلة: وأنا كمان بحبك يا آسر، أخيرًا سيف ومهند اتجوزوا.
هز رأسه بيأس: ما ده اللي مقلقني، إنهم شالوا مسؤولية بيت خلاص!
ضحكت على حديثه معاتبة إياه: ليه بس كده هما قدها، وبعدين أنت كنت متهور لما اتجوزتني على فكرة!
بس تهوري كان مفيد خلانا نتجوز بسرعة، مش كده؟
برر موقفه؛ لتضحك تومي له قائلة: عندك حق، إحنا هنسافر صح؟
أكيد.
قالها يضمها بخطوات الرقصة؛ لتلتقي عيناهما بحديثٍ طال بطول الأمد تقريبًا.

ابتعدت ألماس تسحب آسر بعيدًا عن ساحة الرقص والزفاف كليًا خارجين من تلك القاعة...
في إيه؟
تسائل بعدم فهم، هو فقط تبعها بخطواتها؛ حتى خرجوا من الزفاف بأكمله.
حمحمت تدور بعيناها بالمكان ثم أمسكت يده مقتربة منه خطوةً ترفع عيناها لعيناه: خليك متأكد و واثق إني بحبك مهما حصل متشكش في حبي ليك.
انحنى قليلًا لاثمًا جبينها بحنو متشدقًا: وأنا كمان بحبك يا ماستي، مالك؟
تنهدت بحيرة متحدثة: أنا آسفة، بخصوص الماضي.

ابتسم وأخيرًا حانت الفرصة لإغلاق تلك الصفحة: أهم حاجة إننا نقفل الصفحة دي نهائي، وأهو اتأكدتي إني مليش يد ولا حتى بالتفكير في وفاة والدك،
هنقفلها، بس، أنا كنت خايفة عليه حتى لو هو كان وحش، قدّر موقفي؟!
مقدر موقفك يا حبيبتي، وأنا اللي آسف على التهور والسفر، كان قرار ساذج متهور وكنت فاكر كده هجبرك ترجعيلي، أكيد محبش تكوني معايا غصب بس ده كان رد فعلي ساعتها،.

ابتسمت بحب مُنهية حديث الماضي ذالك: أنتَ الحاجة الوحيدة اللي اختارتها في حياتي بكامل إرادتي يا آسر.
بادلها تلك الابتسامة بأخرى، وها قد رُدمى ماضي الثلاثة بكل نجاح؛ مُعلنًا صفحة جديدة ناصعة يُدون بها أنفاسهم الجديدة...
تحركا معًا للداخل، لكن وقفت ألماس تضع يدها على فمها، ثم ركضت حيث إحدى المراحيض يتبعها آسر بعدم فهم لما حدث معها.

استفرغت ألماس ما بمعدتها، وبعد دقيقة تقريبًا خرجت تسحب بعض المناديل الورقية تمحي بها المياه عن وجهها، قابلها آسر بسؤالِه القلق:
أنتِ تعبانة من إيه، أكلتي حاجة غلط؟
هزت رأسها رافضة، تتحرك معه وقبل سؤاله الجديد تحدثت: مأكلتش من الصبح.
ليه يا ألماس؟!

لم تجيبه فقد انشغلت مع رفيقاتها والتقاط الصور الجماعية فلم تأكل، كادت تُخبره أنها ليست المرة الأولى لكن تراجعت وهي تسمع نبرته الصارمة من قلقه، يجذبها اتجاه موائد الطعام:
يلا نروح ناكل.

كان سيف يتراقص رفقة نور بحماس شديد، لتتبدل الموسيقى بأخرى حماسية شعبية، فينقسم الشباب بمنطقة تاركين مساحة للنساء.
جذب مهند ورفاقِهم سيف صارخين به بأن يرقص معهم؛ ليبتعد قليلًا عنها أثر جذبهم، ولحظة وتوقفت الحياة من حوله وهو يراها تحرك شفاهها دون صوت قائلة:
بحبك!
جذبه رِفاقه يتراقصون معه وهو متصنمًا محله، لا يبادلهم بصدمة خاصةً بعد عِلو ضحكاتها وهي تراه هكذا، لقد اعترفت وأخيرًا!

وقتٌ آخر يمر بين رقصاتهم حتى جذب مهند المكرفون واقفًا بمكان ظاهر للجميع متحدثًا بسعادة:
الليلة، ليلة هنا وسرور.
قاطعه صوت الجميع مرتفعًا بقول: وكوبيات في صواني بتدور.
علت الضحكات؛ ليتشدق الآخر في المكرفون: بالظبط كده، وطبعًا الليلة مختلفة عشان وكالعادة الأيام المميزة، كل الأيام بصراحة شريكي فيها، هو أنتَ يا سيف، بصراحة إحنا محظوظين ببعض،.

علت الضحكات ليُسترسل: أكيد هتكلم عن نورسينَ حبيبت قلبي، بس خليني أخلص كلام عن توأمي، أيوة يا جماعة دي الحقيقة!
ارتفعت الضحكات من رفاقهم مجددًا؛ ليسترسل: سيف مفيش مصيبة عملتها إلا وهو شريك فيها، مفيش جِزا أو تهديد بالطرد أو استدعاء ولي أمر أخدته من الحضانة لحد الآن في الشغل إلا وحصله زيهم؛ عشان إحنا بنحب بعض أوي.

ضحك الجميع وخاصةً حينما بدأ ظهور صور لهما معًا منذ الطفولة، ثلاثتهم آسر وسيف ومهند لينتقل مهند بحديثه ل آسر:
أما عن آسر فأنا آسف يا إسو على تسوء السمعة ده بس آسر خبيث جدًا والزمن هو اللي هَده أو ألماس مش عارف الصراحة.

ضحك وكذلك الجميع ليُردف مفسرًا تلك الصورة في الخلفية حيث يقف سيف ومهند بيدهم إحدى الأوراق ورافعين إصبع واحد وجوارهم آسر كذلك: دي كانت أول مرة ناخد فيها استدعاء ولي أمر وقد تظن إن دي كانت المرة الأولى ل آسر بس دي كانت الحداشر.
علت الضحكات و آسر يولي وجهه بعيدًا عنهم ضاحكًا، فهو كان مشاغب وبشدة وما لا يعرفه أحدهم أن بمرحلة الثانوي تعدى العشرون استدعاء وجميعهم بمكتبه حتى الآن يخفيهم عن والده المتوفي.

عمو آسر أنا مجاليش غير خمس استدعاءات عادي ولا متأخر؟
قالها أحمد متسائلًا ليسحبه أباه مالك مُردفًا: بس يا حبيبي، ملكش دعوة بعمو آسر عشان ده بايظ.
نظر له الآخر بحنق هاتفًا به: وحيات أمك يا اللي خدت استدعاء أول يوم مدرسة!
نظر له مالك بصدمة كيف يقول هكذا أمام صغيره!
استرسل سيف تلك المرة حديثه وبالخلفية صورة له هو و‌ مهند مع أول خصم لهما بالعمل: ودي أول جِزا في الشرطة، مع بعض برضوا.

علت الضحكات يتابعون بعض الصور الطريفة لهما وسط رِفاقهم من عُمق الذكريات؛ حتى أردف مهند: وطبع لازم نور يتعرضلها حاجة هي كمان،
نظر ل فريال هاتفًا: الدنيا آمان يا فيري؟
أماءت مُردفة: صقر بس اللي موجود.
أماء وهو يُشعل فيديو ما لتعلوا الضحكات خاصةً مع تلك الأغنية المسماه بالشعبية المُضافة للفيديو الخاص ب نور أثناء عِراكها مع المتهم عجمي وبعض الفيديوهات الأخرى لها أثناء التدريب.

علت أصواتهم مرددين خلف مهند أثناء إخفاء نور لوجهها بيدها وهي تضحك: ربنا معاك يا سيف.
تكررت الضحكات على الحديث والصور المتتالية لهم وكأنها إحدى الحفلات الخاصة بهم هم ورِفاقهم، خاصةً بعد رحيل الأخرين منذ سويعات.
وها قد خُتم الحفل برقصات ثنائية ضمت كل اثنين بسعادة بعدما أُعلن موعد زفاف كرم وريهام، وموعد فريال هي الأخرى.

وبعد إصرار شديد من لافيرا ها هي في طريقها لمنزل آل المجد حيثُ تجلس حبيبة كي تنقل إليها الأطفال بعدما أصرت على نقلهم هي كي يقضوا بعض الوقت الزائد مع ابنها.
عَلَى صوت ألماسة بسعادة: أحلى حاجة إننا هنقعد أسبوع أو اتنين مع بيبة، أنا و‌ تامر ونادر.

أردف أحمد بسعادة هو الآخر فهم سيجلسون خلال سفرية شهر العسل رفقة حبيبة فهي لن تُسافر و‌ مليكة تجلس لديها: وأنا هسيب ماما وبابا وأقعد معاكم ومع بيبة وخالتو.
نظر إياد لوالدته متسائلًا: ماما ممكن أبقى أجي أقعد معاهم؟
ابتسمت له وهي تُركز عيناها على الطريق المليء بسيارات الأسيوطي لحمايتهم: أكيد يا حبيبي.
أردف نادر ناظرًا ل إياد مُذكرًا إياه: متنساش تبعتلنا الصور لما تروح.

أكيد أول ما أصحى بقا، أنا خلاص عايز أنام.
شاركه تامر النعاس قائلًا: ومين سمعك نفسي أنام ومحدش يصحيني خالص، تعبنا من اللعب والجري انهارده.
أردف أحمد بهمس لهم: هش محدش يتكلم، لولي نامت.
قالها مشيرًا على ألماسة الغافية على ذراعه الأيمن جوار الباب.

ظهر أمامهما بنهاية ذاك الطريق وأخيرًا قصر آل المجد اصطفوا بالسيارة في هدوء تام فقد فارقهم رِفاقهم عند المفترق في بادية الطريق.
تقدم لداخل ردهة المنزل يشير لها بالدخول بابتسامة، ابتلعت لُعابها بتوتر وهي تخطو لأول مرة منزلهم وعِش الزوجية.
تقدمت عنه بخطوتان لتسمع صوت غلق الباب كادت تلتف لكنه حاوط خصرها من الخلف مستندًا على منكبها الأيمن متشدقًا:.

أهلًا بيكي يا حبيبتي في بيتنا، تحبي تشوفي البيت دلوقتي ولا الصبح.
حركت عيناها بأنحاء المنزل بتوتر ورعشة تسري بجسدها ليسترسل حديثه: بصي البيت كله ملكك ادخلي أي مكان حباه، حتى مكتبي مقابل شرط.
جعدت جبينها ملتفة قليلًا بعنقها قائلة: شرط!
أماء متحدثًا بحماس: بعد تسع شهور أسمع عييط التلاتة.
انتفضت مبتعدة عنه، تناظره بصدمة صارخة: تلاتة! تلاتة إيه يا أبو تلاتة؟!
تَلت أطفال يا نينو!

تشدقت ببراءة لتُناظره بسخرية دون حديث، ملتفة للجانب الآخر تفحص المنزل.
شعرت به مجددًا يحتضنها من الخلف متحدثًا بحنان: وعد من النهارده ولآخر يوم في عمري، كل اللي بينا يتحل بِوِد ومش هقسى عليكي، هكون الأمان ليكي وهتكوني الملجأ في كل حاجة، عمري ما أقلل منك، أنتِ الجزء الجميل في حياتي اللي بعافر دايمًا وهعافر عشان أكون معاه في راحه.

التفتت له بأعين تلتمع بطبقة رقيقة تكونت عليها، تعلم لِما يُكرر حديثه؛ حتى يُطمئنها!
أنتَ كل عيلتي وأنت عارف كده، مش عارفة أتكلم بس أنا بحبك يا مهند.

ارتسمت ملامح الدهشة على وجهها حينما أنار الضوء، الردهة بأكملها باللون الأسود!
لقد صدق حديثه تلك هي المملكة السوداء، مملكتهم الجديد، تابعته بعيناها مقتربًا منها بابتسامة على محياه؛ لتبادله إياها.
حمحمت متحدثة: ممكن نتكلم شوية.
أجابها بهدوء مشيرًا لها على إحدى المقاعد: أكيد،
ظلت تدور بعيناها بالمكان لا تُصدق أنهما معًا بذات المكان، لمفردهم الآن ودائمًا!

خرجت من عقلها حينما حمحم مبتسمًا وهو يقول بسخرية: أكيد مش هنقضي الليلة في الصالة! ما تيجي أوريكي الدور اللي فوق.
لأ.

نطقتها سريعًا لتعلوا ضحكاته يُناظرها بنظرات وترتها أكثر؛ حتى صرفت انتباهها من عليه متشدقة بآخر سطور الماضي: أنا، أنا بقيت بثق فيك ورجعت أثق في اللي حواليا، ومكنتش بثق في حد بسبب عمار، يمكن عشان كنت بثق فيه جدًا ومن بعدها اتهز كل حاجة جوايا، بس أنت، أنتَ غيرت كل حاجة جوايا، ورتبت كياني، حبتني رغم حاجات كتيرة محدش يستحملها، بس أنتَ اتحملتها عشاني، شكرًا.

فرغ فاهه بصدمة هاتفًا: شكرًا! ده اللي هتقولي في ليلة زي دي يا نور!
اقترب منها قليلًا بسرعة، حيث كان يجلس على المنضدة قِبالتها: أنا عايز اسمع اللي قولتيه في الفرح.
ابتلعت ريقها بصدمة، تحاول الرجوع للخلف لكن ظهرها بالظهر المقعد تمامًا: قولت إيه!
ابتسم بخبث وشفتاه ترتفع من اليسار: نور.
أجابته سريعًا دون انتباه بسبب نظراته التي يُصر بها عليها أن تعترف: عيونها!

علت ضحكاته من ردها، فلم يتوقعها منها ظنها ستُراوغ كعادتها، وضعت كفها على وجهها تُخفي ابتسامتها الحرجة.
حبيب عيوني.
قالها ساحبًا يدها من على وجهها يُمسكهما.
ثم استرسل حديثه بجدية كي يُطمئنها قليلًا: وثَقِتي فيا وأنا هعمل كل جهدي عشان أكون قد الثقة دي، وهنغير تفكيرك عن اللي حواليكي، وهساعدك ترجعي ثقتك فيهم، كل ده وإحنا مع بعض.

ابتسمت مُردفة وتلك المرة أجابة بكل حواسها، قاصدة حروف تلك الكلمة بكل ما تعنيه: بحِبْك،.

فتحت عيناها بضيق على صوت الهاتف الذي عَلَى رنينه بالغرفة، نهضت بصعوبة من بين طفليها فهي منذ أتت ولا تنم إلا بأحضانهما تُعوض شوقها لهما.
سحبت هاتفها خارجة من الغرفة بأكملها تتجه للشرفة، نظرت لهاتفها ترى المتصل، تسربت البرودة لأطرافها بصدمة من ذاك الاسم المُدون على الشاشة، إنه هو عصام!
هل المُتصل عصام أم الأفعى؟!

تسائلت كثيرًا حتى عَلَى الرنين مجددًا، فأجابت بتوتر ظهر واضحًا بصوتها: أيوة، السلام عليكم،
أتاها آخر نبرة تتمنى سماعها يومًا، نبرة خبيثة تبث سُمها من بين الحروف، فحيح أفاعي بحق: وعليكم السلام يا ميكي، إيه يا ميكي فاكرة مش هعرف أوصلك؟! عيبة في حق الأفعى برضو، ولا إيه رأيك؟
أنفاسها مسموعة بوضوح من فرط الخوف، لكنها أجابت: عايز إيه؟

أنتِ عارفة يا ميكي، السر لازم يموت؛ عشان أطمن إنك متقوليش لحد على حاجة أنا عملتها.
لم تُجيبه، إن تحدثت سيكشف أنها أخبرتهم بكل شيء، حينها قد يقتلها الآن فطلاما وصل لرقمها؛ قد يكن يُراقبها الآن.
وصلها فحيحه مرة أخرى قائلًا: بس أنتِ برضو متعمليهاش أكيد، مش كده؟ أصل أنا لو اتحبست عصام هيتحبس، ما إحنا واحد يا ميكي.
تكره خُبثه هذا، لكنه مُحق كيف غفلت عن كونهما شخص واحد أمام الجميع؟!

أغلقت الخط سريعًا دالفة للداخل بخوف؛ لتتفاجأ بالأربعة أطفال أمامها.
تحدثت بتلعثم حاولت عدم ظهوره: إيه، إيه اللي مصحيكم؟
أنا مش عارفة أنام يا عمتو.
وأنا صحيت لما قومتي من جمبي يا ماما.
كانا نادر وألماسة لتجلس على الأريكة تفردها قائلة:
تسمعوا حدوتة؟
هتف نادر وأحمد وألماسة بحماس شديد موافقين، يُجاوروها ليتقدم تامر على مضض فقد كان نائم وأخيه هو من أيقظه.

التفتوا حولها وقبل بدأ الحديث أتتها رسالة منه: أنا في مصر وأي حاجة هتحصل منك مش عجباني، رقبتك الحلوة دي هتبعد عن جسمك يا مليكة بلاش تهور عشان أنتِ عِشتي وهتموتي وسري في بير، فاهمة؟!

تمللت في نومتها بضيق لا تقدر على النوم، رغم محاولاتها الكثيرة، أتاها صوت زوجها من جوارها متسائلًا: مش عارفة تنامي؟
استدارت تُقابله؛ ليجلس هو نصف جلسة وهو يُنير الضوء الصغير من جواره: الليلة مفهاش نوم، بتفكري في إيه؟
جاورته بالجلسة مستندة برأسها على ذراعه: خايفة على مليكة، عصام استحالة يسيبها بالمعلومات اللي معاها دي، ده كأنه كان بيحكيلها عشان يموتها في الآخر!

ملاك، حبيبتي طلعي الموضوع ده من دماغك خالص، خلينا نركز في حماية مليكة وإنها تبقى كويسة حاليًا و،
قاطعته ساخرة وهي تبتعد عنه تُناظره: منين أطلع الموضوع من دماغي ومنين نحمي مليكة، إحنا لازم نخلص من عصام.
على فكرة ده أخويا!
ودي أختي!
كانت في أوجة غضبها؛ لذلك تنهد مُهدأً ذاته ولحظات وتشدق مجددًا مغيرًا الحديث: أهم حاجة حاليًا أحمد ونادر وتامر يفضلوا مع بعض.

اقترب منها مُحاوط ذراعيها بيده: حبيبتي أنا مقدر خوفك على أختك، بس أنا كمان خايف على أخويا من الشخص اللي مستولي على حياته ده، فزي ما اتفقنا، هنحاول نعدي كل حاجة لحد ما عصام يظهر قدامنا، وساعتها نتفاوض معاه، نشوف عايز إيه.
قابلت حديثه بابتسامة وقلق يُناوش قلبها، عانقها بقوة كي تهدأ قليلًا عائدين لموضعهم الأول، وهو النوم تاركًا إياها في أحضانه.

أغلق الضوء وكاد يغفو ليصدح صوت هاتفه برسالة جففت حلقه وأعلمته أن سُطور النهاية تُرسم:
مفيش أهلًا وسهلًا لأخوك اللي جه مصر.

فركت عيناها بضيقٍ من ضوء النهار، يبدو أن آسر أزاح السِتار، فتحت جفنيها ببطء؛ لتلتقي بابتسامته مُقتربًا منها حتى جلس على الفراش يُجاورها، ارتمت بأحضانه مغلقة عيناها.
تآوه بخفوت من قذفها لذاتها بأحضانه، لكنه ابتسم متحدثًا: صباح الأخضر يا ميسو، يالا فوقي الساعة بقت حداشر.
رفعت عيناها تُناظر عيناه وبصوت ناعس تشدقت: صباح العسل يا حبيبي، هقوم أكلمهم وأشوف هيجوا يفطروا هنا ولا إيه.

أماء لها مستديرًا يجلب من الدرج جواره علبة خاتم صغيرة، قدمها لها بابتسامة قائلًا: لأجل عيون ميسو.
انتفضت جالسة تتوق لِرُؤية اختياره ككُل مرة يُبهرها بها: استنى أخمن شكله، رقيق زي كل مرة صح؟
ضحك بخفة متشدقًا: أكيد.
جذبت العُلبة تتفحصها، تبدو مميزة كعادة أي شيء يجلِبه لها، عُلبة من القطيفة باللون الأخضر الغامق أو كما نقول الأخضر الملكي بها خطوط صغيرة تُزينها من لون الذهب.

فتحتها تُملي نظرها بذاك الخاتم الصغير من الذهب الأبيض مُرصع بألماسٍ صغير محفورٌ عليه من الداخل تاريخ زفافهما 19/8.
نظرت له بدهشة نابسة: دي عشان ذكرى جوازنا؟!
اقترب منها بجذعه العلوي: انهارده 19/8 يا ميسو.
ضربت جبينها بصدمة كيف غفت عن ذكرى زواجهما الأول بعد الصُلح!
أنا نسيت واتلبخت في الفرح والتجهيزات!
ابتسم ناهضًا عن الفراش متجههًا للخارج: كلميهم شوفي جايين ولا؟

تابعته بنظراتها تشعر بالضيق لنسيانها يومٌ كهذا، أمسكت هاتفها ولكن شعورها بالغثيان حضر؛ فتركت الخاتم جانبًا تركض لدورة المياه.
خرجت بعد دقيقة تقريبًا مقتربة من الفِراش بعياء، ارتدت الخاتم حتى لا يقع ثم فتحت المحادثة الجماعية بينها وبين كل الفتيات:
هو حد فيكم استفرغ بعد أكل امبارح؟
استفرغ!
أرسلتها إلهام ساخرة.
أرسلت ليلى هي الأخرى: الأكل مفيش في حاجة، يمكن أنتِ بس اللي حامل.
حامل!

أرسلتها بصدمة وهي تُفكر هل حقًا أم أنها مُجرد وهم كالمرتين السابقتين.
حيث شعرت أنها حامل مرتين من قبل، وكلما ذهبت للطبيبة أخبرتها أنه حملٌ كاذب!
خرجت من تلك المجموعة تُراسل نور ونورسين وملاك: هتيجوا تفطروا في البيت عندي؟

فتحت عيناها على صوت تلك الرسائل الصادرة من ر فِيقاتها، جلست نصف جلسة تُطالع هيئتها بتلك المرآة المقابلة للفراش، شعرها القصير، فوضوي بشكل مُبالغ به!
استمعت لصوت باب المرحاض يُفتح و‌ سيف يخرج يُمسك بإحدى الفوط يُجفف خُصلاته وجِذعه العلوي عاري.
ألقى لها بابتسامة متشدقًا وهو يقف أمام المرآة يمنعها من رؤية ذاتها: صباح النور،
أماءت ببطء مُردفة: صباح الخير، ااا احم.

بلعت حديثها تنظر بهاتفها تُتابع تلك الرسائل الصادرة لتُردف: نفطر هنا ولا نُروح البيت الكبير؟
فكر قليلًا بصوت عالي يُشاركها: مفيش أكل هنا، عشان كنت عامل حسابي هنسافر على طول، فناكل هناك؟
أماءت تتحاشى النظر لجذعه العلوي هذا، لا تُصدق فكرة أنهما معًا!
سحب هاتفه مُتصلًا بأخيه، أتاه الرد سريعًا وبعد المباركات وما شابه أردف: هنيجي نفطر في البيت وكلم ياسر وبيبة وكُله عشان نفطر كلنا مع بعض، خلصانه.

أنهى مُكالمته؛ لتتشدق بضيق من مظهره هذا قبل أن يخرج للخارج: هو أنت مش هتلبس حاجة تسترك؟!
ابتسم بخفة: ليه هو أنا عريان؟ وبعدين أنا في بيتي ومع مراتي.
تحدث آخر حديثه يضغط على حروف الكلمات، مقتربًا منها يستند بيديه على الفراش من جوارها، يُحاوطها تقريبًا ونظراته مُسلط عليها، قد نوى عدم إحراجها حتى تعتاد على وجودهما معًا، لكنها من تجذبه للحديث، وكأنه لم يرتدي ملابسه قصدًا!

حمحمت بحرج منه ومن نظراته متسائلة بخفوت: أنتَ، أنتَ متعود تقعد كده؟
أماء بهدوء فتحولت نظراتها كُليًا صارخة به: وحيات أمك! قدام الخادمات و‌ ألماس وشيري!
حسنًا، قد وقع في فخ النزاع وليس النقاش المُراوغ كما نوى: لأ! مقصدش كده، أنا كنت بقعد في الأوضة كده.
ناظرته بسخرية، تذكّر شيء، فأردف سريعًا وهو يسحبها من يدها قائلًا: تعالي أوريكي حاجة بسرعة.

تبعته بسرعة وهي تكاد تسقط لا تفهم ما به هذا؛ حتى وقفوا أمام إحدى الغُرف بالطابق الأرضي ليُردف:
غمضي عينك.
امتثلت دون حديث لتشعر به يسحب يدها؛ حتى استقرت على مشارف الغرفة من الداخل.
افتحي.
فتحت عيناها تُناظر المكان من حولها، مكان مليء بأدوات التدريب الخاصة بهم.
دي هدية جوازنا،
هل يُهديها غرفة؟!
ناداها من وسط الغرفة بدهشة: نور! تعالي شوفي هديتك،.

اقتربت منه بتساؤل ليُشير على حقيبة مفتوحة وموضوعة على منضدة جواره، اقتربت أكثر حتى يتبين لها ما بالحقيبة، فور ما أبصرت ما بها؛ طالعته بدهشة ليومي لها.
صرخت نور بسعادة معانقة سيف وهي تهتف: شكرًا جدًا!
ضحك عليها؛ لتُردف مبتعدة عنه تسحب تلك القناصة، نعم قد أهداها قناصة في هدية الزفاف.
أخفضت تلك القناصة بعدما تفحصت جيدًا لدقائق؛ اقتربت منه وعلى غفلةٍ عانقته بقوة هاتفة:
بحبك يا سيف.
وأنا بحبك يا عيون سيف.

أنفاسها غير منضبطة تمامًا، أوصالها ترتعش بخوفٍ ينهشها، تراه يقترب منها وبيده عصا غليظة؛ ناويًا تحطيمها على جسدها الهزيل، احتضنت جسدها برُعبٍ تجاوز الحدود تعود للخلف زحفًا؛ حتى اصطدمت بالحائط من خلفها.
دارت بعيناها بالمكان تُحاول إيجاد مهربًا وهي تراه مُتقدمًا منها، ينوي الفتك بها، ارتفعت العصا بالهواؤ تهبط مع عِلوِي صُراخها.

انتفضت فزعًا تلتقط أنفاسها المسحوبة، صدرها يعلو ويهبط بانفعالٍ شديد، عيناها غائرة بالدموعٍ تفحص المكان من حولها حتى التقطت عيناها اقترابه بلهفة شديدة؛ لتشرع ببكاءٍ هستريٍ.
نورسينَ مالك يا حبيبتي؟

ضمها لأحضانه فتشبثت هي بدورها، تدفن رأسها بصدره ونحيبها يعلو أكثر فأكثر، ربت على ظهرها بحنو يُحاول فهم ما بها؛ فقد نهض للتو من جِوارها وما غاب لدقائق مُغتسلًا؛ حتى خرج على فزعها وتيهتها ومن ثم بُكاءها الهستيري هذا!
ظلت مُدة حتى ابتعدت بهدوء وهو يُناظرها بابتسامة مُطمئِنة على عكس نظراته القلقة؛ ابتسمت بدورها تمسح عيناها من بقية الدموع التي لم تخرج بثيابه، أعطاها منديلًا ورقيًا.

كان يُناظرها وهي تنظر للفراغ تُهدأ أنفاسها، يده تُمسك يدها بحنان مُربتًا على الأخرى.
فرقت شفتاها مُتحدثة ولم تُغير موضعها ولا نظراتها: كان عايز يضربني، بنفس العصايا اللي ماما كانت بتضرب بيها،
نظرت له قليلًا ثم استرسلت: كنت شايفاك ياسين لحد ما ندهتني وهو مشي، أنا، أنا خايفة.

ضمها بقوة هامسًا لها بخفوتٍ وحنان: أنا جنبك يا حبيبتي، متخفيش كل حاجة خلاص خلصت، إسماعيل مات وأنا شوفته وهو بيدفن كمان، دي مُجرد مخاوف، لكن محدش هيقدر يبعدنا.
رفعت عيناها له مُستطردة بقرارٍ أخذته بعد تفكيرٍ دام لأشهر: أنا عايزة أروح لدكتور نفسي.
أخذ نفسًا عميقًا مُحترمًا لرغبتها وهو يومي لها قائلًا: حاضر يا حبيبتي.
قاطعه رنين الهاتف ليُجيب حينما شاهد اسم سيف يُزين الشاشة: السلام عليكم، خير يا سيف؟

خلاص ساعة بالكتير وهنكون هناك، يعم خلاص نُصاية.
ألقى الهاتف بعيدًا مُتشدقًا بمضمون المُكالمة يُرضي فضولها الظاهر: هيتجمعوا على الفطار في البيت عند آسر فهنروح كلنا وياسر وبيبة.
نهض سريعًا قائلًا بحماس: تعالي أوريكي حاجة.
انتشلها بكل خفة من ظلامها، خاصةً حينما غمز لها مشيرًا على مِعدته، نهضت تتبعه للأسفل تتفحص المكان بعينيها، نفس تصميم قصر الأسيوطي تقريبًا باختلاف الألوان والترتيب والطاقة.

أشار لها على المطبخ؛ لتقترب قليلًا حتى يتبين لها مجموعة من الوجبات والحلوى المُفضلة لها.
دي ليا لواحدي؟!
احتضنها من الخلف بعدما اقتربت من طاولة الطعام تلك قائلًا بضحكة خافتة: آه، بس مفيش مشكلة أدوق معاكي يعني.
ضحكت تومي له وهي تفتح إحدى العُلب الخاصة بالحلوى أخرجت إحداهن تُسمى cup cake.
قربتها من فمه ليعقد حاجبيه قائلًا:
من إمتى الحنية؟

ضحكت وما زالت تُعطيه القطعة قائلة: مش ضامنة تكون حاطط سلسلة ولا خاتم ينزلوا في زوري.
ضحك مبتعدًا عنها ينتشل تلك القطعة؛ مُلتهمها بنهم، ثم التقط عُلبة قطيفة باللون الأحمر الغزال من وسط العُلب الخاصة بالطعام مُقدمًا إياها لها قائلًا:
أتعلمتِ من الطفاسة؟
ارتفع حاجبيها الأيسر مع تساؤلها الحاد: نعم؟!
ضحك بخفة قائلًا: أقصد الثبات على المبدأ وكده.

جذبت العُلبة تفتحها ومن الواضح أنها خاصة بسلسال، كما توقعت، كان سِلسال بحلقة صغيرة على هيئة قرص قمر مُعتم، مُسطح، محفورٌ عليه بدرجة من درجات الأصفر الهادئ اسمها بطريقة مميزة ومُختلفة.
رفعت أنظارها له تُشاهد ابتعاده حتى أغلق ضوء المطبخ، دُهشت من السلسال فقد أضاء اسمها بتوهج على عكس بقية الدائرة القمر أضاء ضوءٌ باهت يليق بِعُتمة القمر.
ضحكت بخفة وسعادة مُتشدقة: حلوة أوي يا مهند.

تقدم منها ساحبًا تلك السلسلة مُغلقًا إياها حول عُنقها قائلًا: صُنعت خصيصًا ليك يا حِلو.

لا تدري أما تراه صحيحًا أم لا، لكن هناك خطٌ خفيف باللون الأحمر مرسوم أمامها!
قذفت جهاز اختبار الحمل هذا أرضًا، ساقطة بضعف منفجرة بالبكاء؛ فقد سئمت من الحمل الكاذب...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة