رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الثالث والعشرون
فتحت نور عيناها بانزعاج من ضوء الشمس لتلقى ذاتها في غرفة لا تعرفها وفراش لا تعرفه أيضًّا فنهضت بفزع ونظرت يمينًا ويسارًا فوجدت هاتفها على الطاولة المجاورة لها فأخذته لتلقى رسالة من سيف فتفتحها: -صباحك بلون عينك، فوقي كده وتعالي المبنى إحنا منتظرينك.
-أه صحيح دي أوضتي، حلوة مش كده؟
زفرت بضيق ثم نهضت وهي تهندم ذاتها وبحثت عن الحمام ودخلت لتغسل وجهها ثم ألقت نظرة على الغرفة وخرجت.
لتمر نصف ساعة دخلت المبنى واتجهت لغرفة الاجتماعات وهي تشعر بأن رأسها ثقيلة جدًا، طرقت الباب وسمعت إذن الدخول لتدخل فتلتقي عيناها بالجميع سوارين، ليريا، سيف المبتسم بلا سبب كعادته، مهند، ريهام، وشخص آخر لا تعرفه لتُلقي السلام وتجلس على كرسي جوار مهند.
ابتسم سيف وهو يسألها بخبث: -نمتي كويس امبارح؟
نظرت له ثم وضعت رأسها على الطاولة لتسألها ليريا وهي توبخ سيف: -اكتم يا سيف مش وقته، ها يا نور عرفتي منه إيه امبارح.
أجابت نور وهي مطأطة الرأس: -هو مين؟
تدخل سوارين بالحديث كي ينجزوا تلك المهمة سريعًا: -ماجد الغريب.
رفعت رأسها وهي تهزها بالنفي ثم قالت: -مش فاكرة.
نظر لها مهند: -نعم يا أختي!
وضعت بدها على رأسها وتحدثت وهي تضرب ذاتها: -مش فاكرة، والله ما فاكرة الحوار.
اقترب سيف منها بمقعده: -ازاي يعني يا نور.
-مش عارفة يا سيف أنا مش فاكرة غير، مش فاكرة حاجة ودماغي هتنفجر جامد.
تحدث ذلك الشخص الذي لا تعرفه نور: -ده شيء وارد لو كانوا شربوكِ حاجة.
-أيوة فعلًا، هما جابولي حاجة كانت زي 7up كده وأنا شربتها عشان ميشكوش فيَّ.
صرخت بها ليريا بالإنجليزية: -حمقاء ألم أخبرك بألا تتذوقي أي شيء يقدموه لكِ وتحججي بعملك وأنكِ لا تشربي أثناء أوقات العمل.
-وأنا عملت كده فعلًا قولتله مش بشرب حاجة أثناء العمل وإن راجعة الشغل، أيوة أنا بدأت أفتكر شوية.
أعطاها ذلك الشخص فنجان القهوة وهو يقول: -اشربي عشان تفوقي كده وتفتكري.
شكرته نور وأخذت ترتشف من الفنجان وسيف أمامها يحرك رجليه بقوة حتى أنهت الفنجان والجميع ينظر لها لتبدأ بالتحدث وعيناها بعيناه: -اتفقنا هدخله خمسة طن مقابل واحد طن ليا وهدفع نص طن بس والباقي حلاوتي وإن التسليم آخر الأسبوع في بورسعيد زي ما اتفقنا، بس كده تقريبًا.
نهض سوارين وهو يتجه للجهاز الخاص به وهو يقول: -شربك كحول وكان هيرجع بعد نص ساعة لو لقاكِ سكرانة هياخدك ويشوفك ناوية على خيانة ولا، بس ربنا ستر لما سيف أخدك وفي واحدة قالت أنه شربك كحول.
هدأ الجميع وأغلق سوارين الإضاءة وبدأ الجهاز بعرض صور: -ده مينا بورسعيد وهنا هيتم تسليم الشحنة اللي هيعديها بدون تفتيش كرم.
نظر الجميع لذلك الشخص ثم أعادوا أنظارهم لجهاز العرض وتابع سوارين: كرم هيعدي الشحنة ونور هتكون متواجدة هناك وسيف ومهند هيهجموا في الوقت المناسب.
-طب وإحنا، أنا وأنت.
قالتها ليريا بسؤال وعدم فهم ليغمز لها وهو يقول: بعدين.
®
دقت الساعة الثانية عشر ظهرًا صباح يوم الخميس، نهاية أسبوع أي راحة لطالب العلم، راحة لكل العمال قبل بداية ليلة الخميس واجتماع أفراد العائلة.
لكن لدى أبطالنا فلا فقد سافر مهند منذ ساعات ومعه سيف ونور، أم كرم فقد كان ببورسعيد منذ يومان.
-ألماس، ألماس.
-حاضر جاية يا آسر.
قالتها ألماس وهي تصعد الدرج سريعًّا حتى دخلت جناحها هي وآسر.
-خير ألماس ألماس ألماس، خير.
-جهزي نفسك عشان هنقضي اليوم مع ألماسة والصبح هنسافر ألمانيا.
-ألمانيا!
أماء لها وهو يخرج حقيبة كبيرة ثم أضاف: -ظبطي هدومك وأنا لما نرجع هظبط هدومي.
خرج من الغرفة وتركها لتلحق به سريعًّا وهي تقول: -هنسافر ليه هو في حاجة وليه نسافر ما تسافر أنت، طب لولا هتيجي معانا صح، آسر.
وقف قبل أن يهبط آخر درجة من درجات الدرج ونظر لها: -أنا وأنتِ بس يا ألماس اللي هنسافر ولازم عشان همضي عقد شراكة مع شركة هناك وهنعمل قاعدة صلح يمكن الشراكة الثلاثية ترجع تاني.
-شراكة ثلاثية! أنت و...
قاطعهم ركض ألماسة اتجاههما وهي تصرخ:
-أنا جيت.
احتضنها آسر بحنان وهو يقبلها: -نورتي يا لولتي.
مدت ألماسة يدها لوالدتها وأحتضنتها هي الأخرى ثم قالت: -أنتم نازلين الشركة؟
تركها آسر أرضًّا وهو يقول: -لأ هنفسح حبيبتنا.
-أنا، يعيش بابا يعيش تعيش ماما تعيش.
ظلت تصرخ وتغني وهي تصعد الدرج.
-آس...
تركها ورحل وهو يخبرها أنه بالسيارة ينتظرهم.
لحقت ألماس بابنتها وهي تتمتم: يا ترى ناوي على إيه يا آسر.
®.
ترجل ماجد الغريب من سيارته بكبرياء ينتظر بضائعه بأن تمر بكل ثقة ونور تقف جواره بقلق بأن تفشل الخطة ويفقد سوارين ثقته بها ظلت منشغلة البال حتى انتهى العمال من إفراغ السفن من البضائع وبدأ الضباط بالتفتيش وعلى رأسهم كرم ليتقدم ماجد منهم:
-مش فاهم إيه لزوم التفتيش هو أنا هضر بلدي مثلًّا دي كلها فيتامينات للشباب لزوم الجيم وغيره.
كان يتحدث بغرور وثقة استعجبتها نور كثيرًّا.
دقائق من التفتيش وأحيط المكان بضباط الشرطة وظهرت تلك المواد المخدرة التي تذيب عقول الشباب وتجعلهم عبدةً لها ولأصحابها يدفعون الكثير أمام أشياء تخسرهم الكثير تخسرهم عقولهم وأهاليهم وعملهم، ودينهم.
®
-الحمد لله والله يا نورسين محدش أتصاب وكلنا بخير وجايين يا نورسين.
قالها مهند وهو يحدث نورسين وبدأ سيف في تحريك السيارة للعودة للاسكندرية.
-حمدلله على السلامة يا مهند يعني محصلش أي اشتباك؟
-للمرة المليون لأ.
نورسين بتوتر وهي تجلس على فراشها: -طب بقولك عايزة أحكيلك على حاجة.
-خير؟
قالها بتعجب لتصمت تستجمع قوتها ثم أردفدت بهدوء محاولة أختيار ما ستقوله:
-هحكيلك أنا إزاي أرملة...
قاطعها مهند بضيق: قولتلك مش مهم بالنسبة ليا.
قاطعته سريعًّا: بس مهم بالنسبة ليا، (صمتت تستجمع قواها ثم بدأت بالحديث).
منذ أعوام كانت نورسين قد أكملت عامها التاسع عشر: -نورسين، نورسين أنتِ يا بت.
خرجت نورسين من غرفتها سريعًّا وهتفت: خير يا بابا.
-في عريس جايلك بليل...
قاطعته بضيق وهي تنوي العودة لغرفتها: -مش عايزة.
قبل الوصول لغرفتها كان أمسكها وبدأ بضربها وهو يسبها فهي في ذلك الوقت عارٌ عليه بعد وفات أخيها وهو أبو الفتاة الآن ليتجمع جميع سكان المنطقة ويبعدوه عنها ثم أخذتها جارتهم وشرعت بتهدأتها.
-ولما جه عريس الغفلة طلع واحد أكبر من بابا نفسه ولما أخويا في الرضاعة دور وراه عرفنا إنه أبو الشخص اللي بيحبني.
-أبو اللي كنتي بتحبيه!
قالها مهند بصدمة وهو يخفض صوته.
-اللي بيحبني مش بحبه، ركز المهم روحنا قابلنا مراته وأم فارس وعرفتها ظروفي وأني لازم اتجوز جوزها عشان أبعد عن أبويا وافقت وحلفت على جوزها بعد الجواز عشان جوازنا يبقى على الورق بس.
ثم أكملت ما حدث معها بعد ذلك مثل خطتها مع فارس وهروبها واستقرارها هنا بالإسكندرية.
-أنا أسف لعدم وجودي جمبك.
ضحكت بشدة وابتسمت وهي تقول: -أنت العوض ولولا اللي حصل زمان أنا مكنتش قدرت قيمتك...
-كان عندك أخ؟
-ياسين، اتوفى قبل عيد ميلاده التسعة عشر كان بيدافع عن بنت معانا في الحارة والشباب طعنوه وللأسف البنت دي مأنقذتوش رغم إنها في تمريض المهم بعد شهر أمي كانت حامل والبيبي نزل وبدل ما بابا يسعفها على المستشفى سابها وحبسها في غرفة ساعة أو أقل ومستحملتش وتوفت وسابتني وسابوني كلهم.
مهند بحزن على حالة حبيبته: -أوعدك أني هعوضك وهكون ليكِ الأم والأب وصاحب والحبيب والزوج.
-يا عم الرومانسي تعالى سوق مكاني عشان تعبت.
قالها سيف بتأفف وهو يركن السيارة ويهبط.
-طب يا نورسينَ مضطر أقفل عشان سيف تعب وهنبدل.
-ماشي تيجوا بالسلامة، في رعاية الله.
ابتسم وهو يرتجل من السيارة ليشغل محل السائق ويكمل طريق العودة أما سيف فألقى نظره على نور النائمة بهدوء وتذكر كلماتها له تلك الليلة ليبتسم وهو يغلق عيناه استسلامًّا للتعب.
-أنتِ بتحبي فيَّ إيه يا نوري؟
-حنيتك، أنتَ حِنين أوي يا سيف.
®.
أشرقت شمس يوم جديد ليرتجل سيف ومهند ونور من السيارة أمام قصر الأسيوطي وكان بلقائهم آسر وألماس وألماسة الذاهبة للمدرسة.
-حمدلله على سلامتكم.
قالها آسر وهو يتقدم اتجاههم ليرد سيف بابتسامة دلت على ارهاقه ثم أردف مهند:
-أنتم نازلين الشركة دلوقتي؟
أردفت ألماسة بحزن: لاء مسافرين.
تقلصت ملامح سيف بتعجب و وجه حديثه لآسر: -خير يا آسر؟
-هنمضي شوية عقود، شغل يا سيف.
ثم اضاف وهو يتجه للسيارة: يلا سلام.
احتضنت ألماس ابنتها: هتوحشيني أوي أوي يا لولا.
-وأنتِ كمان يا ماما متتأخروش.
أنهت كلماتها وهي ترحل ليقترب سيف ومهند من ألماس:
-خير!
تحدثت بقلق لا تعلم مصدره: -مش عارفة مش راضي يقول غير هنمضي شوية عقود وممكن الشراكة الثلاثية ترجع.
-نعم!
قالها الاثنان بصدمة وقبل أن يتحدث أحدهم نادى آسر لألماس لتتركهم وترحل.
هبط الاثنان من الطائرة، كانت تتعلق بذراعه وتحاول الاستيقاظ حتى لا، كادت تسقط!
نظر لها آسر بدهشة وهو يحاول كبت ضحكاته: -ألماس فوقي يا حبيبتي هتقعي.
أجابة بتذمر وهي تفتح السيارة وتجلس: -عايزة أنام.
جلس جوارها وأخذها بأحضانه وهو يشير للسائق بالتحرك ثم عقب: -دلوقتي نروح وترتاحي وتريحيني.
ضربته بصدره ثم نظرت له: -مش هتقولي برضوا إحنا هنا ليه؟
أجاب بتعجب وهو ينظر لها: -أنا قولتلك على فكرة.
ضحكت بسخرية وهي تعتدل وتنظر له: -والهبلة مفروض تصدق الكلام ده؟!
سحبها لأحضانه مجددًّا وهو يضحك: -أه يا عسل نامي بقى.
ابتسمت وهي تلف يدها حول خصره بتملك ورددت بعقلها: «كده كده هعرف أنام دلوقتي وبعدين نقرفه على رواق. ».
®
كانت تجلس بتوتر ثم نظرت لحبيبة التي تلاعب ألماسة ثم أعادت النظر بهاتفها بضيق شاسع فهي تحاول أن تخبرها أنها أرملة لكن دون جدوى فقد عقد لسانها.
نظرت حبيبة لألماسة ثم تركتها وذهبت لنورسين وجلست جوارها لتنظر لها نورسين بملامح مصدومة.
ابتسمت حبيبة وسحبت نورسين لأحضانها وهي تقول: -أهدي كده مفيش حاجة تستاهل توترك ده كله.
دقيقة وشعرت نورسين بالسكينة والإطمئنان يحتلوا أوصالها لتبتعد وهي تقول: -خالتو حبيبة عايزة أقولك حاجة.
(في آخر الأيام أصبحت تناديها خالتو لأنها لم تقدر على تلقيبها ومناداتها بأمي).
اعتدلت حبيبة وقالت: اتفصلي سمعاكِ يا نونه.
أجابت نورسين سريعًّا وقد تبخر كل ما حضرته له: أنا أرملة.
®
-مهند، مهند، أنت ياض.
رفع مهند أنظاره عن ورق العمل بضيق ثم قال: -يا نعم خير؟
نظرت له بضيق ثم قالت بابتسامة مستفزة: -جعانة.
-في حد يبقى جعان وعنده مهمة زي اللي عندنا بعد أسبوعين.
قالها مهند باستنكار وسخرية ليرفع كلًّا من سيف ونور يدهما وهما يقولان:
-أنا.
ثم أكملت نور: ثم إنك بنفسك بتقول بعد أسبوعين أخاف ليه بقى لما يبقى لسه يوم، هبقى جعانة برضوا.
أنهت كلماتها وهي تضحك وتتركهم وتخرج كي تأكل.
-مهند ناوي تعمل إيه مع نورسين بعد كده؟
قالها سيف بحيرة وهو ينهض ويجلس على الأريكة.
نهض مهند هو الآخر وجلس جوار سيف وهو ينظر للسقف: -مش عارف بس اللي عارفه أني هكتب كتابي عليها قبل المهمة...
انتبه له سيف ونظر له وهو يتحدث بسعادة: -بجد! حلو أوي، يا بختك مش زيي.
نظر له بحزن على حاله ثم أردف بثقة: -لو استنتها تقول يبقى موت يا حمار ومش هتقول برضوا، اللي عايز تعمله في علاقتكم اعملوا بدون كلام كتير هي مش هتقول غير لما تضمن إنك معاها للأبد.
-تفتكر؟
قالها بأمل ورجاء وكان الآخر خير صديق فقال بدون تردد:
-أنا متأكد من عنيها.
أصدر سيف صوت ساخر وهو ينهض وأردف: -هه ماشي يا أخويا هروح أدور على حاجة أكلها.
وقبل خروجها نهض الآخر يلحقه وهو يناديه ويقول: -استنى خدني معاك أنا جعان.
بعدما كنتِ ساكنة الفؤاد الهادئة أصبحتِ معذبة فؤادٍ أُغرِمَ بعشقك.
®
-أرملة!
أرملة إزاي أنتِ كنتِ متجوز قبل كده؟
ابتلعت غصة بحلقها وهي تغمض عيناها وتفتح مجددًّا ثم قالت مغمضة العينان: -أه كنت متجوزة من ست سنين تقريبًّا.
-ست سنين!
بدأت تلقائيًّا تروي لها ما حدث من إجبارِ والدها لها لزواجها من والد فارس و وعده لزوجته بعدم المساس بها إلى قرارها بالهرب وعطل ذلك وفاة زوجها فأصبحت أرملة...
-يعني ال، مش عارفة أقولك حاجة.
قالتها بتعجب مما حدث بنورسين تلك الفتاة صاحبة التسعة عشر أعوام.
كانت تكتم نورسين دموعها حتى قالت حبيبة تلك الكلمات وكأنها سمحت لها بالبكاء لتبكي بشدة متذكرة والدها وقسوته عليها ومخطط أبناء زوجها بقتلها وغير مما عانته حتى تصل لتلك الشقة التي كانت تمكث بها.
اقتربت حبيبة من نورسين واحتضنتها وبعدما هدأت الأخرى ضربتها بخفة على ظهرها: -بقى كل القلق اللي من الصبح ده عشان كده يا عبيطة أنا ليا دعوة بأخلاقك وحنيتك وهل بتعرفي تشيلي المسؤولية ولا لأ، ليا دعوة ب هل بتتقي الله في تعاملك مع ابني ولا لأ.
أما جوازك قبل كده فده كان غصب عنك، بتفكريني بنفسي بس أنا كنت موافقة على محمود بس كنت صغيرة زيك.
شددت نورسين من احتضانها لحبيبة حقًّا لم تتوقع أن تتقلب حبيبة الأمر.
®
مر اليوم على ألماس نائمة فهي تعشق السفر وتتعب بعدما تهبط قدمها لمكان السفر.
شمس جديدة بلقاء جديد من نوعه فمنذ أعوام لم يلتقي الثلاثة وسيلتقيان اليوم.
-مش هتنزل غير لما تقولي ناوي على إيه.
قالتها ألماس بتذمر وهي تقف أمام آسر مانعة إياه من الخروج.
ضحك عليها وضربها أسفل رأسها: -قصيرة أوي.
وضعت يدها بخصرها ورفعت رأسه بغرور: -القصيرة وردة ينحني لها الجميع لاستنشاق عبيرها.
أنحى رأسه له وقال وهو يغمز لها: -تسمحيلي استنشق.
توردت وجنتاها بخجل وأبتعدت خطوتان للخلف بابتسامة قلقة وقالت: -أتلم يا آسر.
ضحك عليها بشدة وأقترب من وجنتها ثم طبع قبلة سريعة وهو يعود أدراجه كي يرحل لتمسكه سريعًّا.
-عندك، أنا لو مش هعرف يبقى رجلي على رجلك يا عسلية.
أبعدها عنه وهو يبعدها بيده بوجهها: -بس يا سكر.
-آسر، هاجي معاك يعني هاجي.
تنهد بملل منها ثم أردف وهو يستند على الأريكة بجواره: -خلصي يا ألماس أنا مستعجل وأنتِ لسه هتجهزي.
أجابت سريعًّا: لا والله، بص.
ونزعت روب المنزل لتظهر ملابس الخروج التي ترتديها: -بص أديني لابسة أهو، يلا بقى خدني معاك، الله، يا آسر.
ظلت تقول وتعيد ما تقولها حتى أشار لها بعينه بملل على باب المنزل لتركض للخارج سريعًّا بسعادة وهو خلفها.
®
-مرحبًّا عاصم بيه أنرت المدينة حقًّا بقدومك.
قالتها السكرتيرة بشركات الأسيوطي بألمانيا وهي تشير له على قاعة الاجتماعات.
هز رأسه ودخل القاعة بدون كلام وبعد دقائق جاء آسر بصحبة ألماس.
-مرحبًّا مدام ألماس، أهلًّا بزيارتك آسر بيه.
أقتربت ألماس من آسر بسعادة: -البت دي قمر أحسن من التانية.
رحب آسر بالسكرتيرة واتجه للمكتب يحضر بعض الأوراق لتوقفه كلمات ألماس.
نظر لها بدهشة ثم أكمل بحثه عن الأوراق وهو يقول: -ليه يعني أو اشمعنا ده أنتِ كل ما تشوفي سكرتيرة، وحشة، لأ غيرها، مدلعة وغيره يعني.
جلست على المكتب وأشار على بعض الورق: -الورق أهو، مفيش البنت لطيفة.
أخذ الورق وبدأ بمراجعته وهو يقول: -عرفتي منين أنتِ لسه شايفاها لأول مرة.
-رحبت بيا قبل منك.
قالتها وهي تتحرك بدلال في جميع أنحاء المكتب بسعادة.
-استغفر الله العظيم يا رب.
قالها وهو يمرر يده على وجهه تلك الحمقاء أحبت الفتاة لأنها رحبت بها أولًّا!..
-يلا على الاجتماع يا عاقلة.
قالها وهو يفتح الباب الواصل بين غرفة مكتبه وغرفة الاجتماعات لتلتقي عيناهما ببعض...
كم تأخر اللقاء، لقاء ثلاث رفاق أبعدتهم الغايات منهم من فضل المساهمة في اقتصاد البلد وساهم بالفعل ومنهم من أظهر المساهمة وهو يقتل أبناء البلد، كيف كانوا رفاق لن تعلم وكيف تفرقا لن تقدر على استيعاب الأسباب منهم من انشغل بالبحث عن زوجته والآخر بالبحث عن طريقة لإبعاد زوجته عن الجميع والأخير فضل مساعدة الشباب ولكن الصالح لا يُترك وشيطانك لن يتركك تفعل الخير بسلام، رفاق توحدت قلوبهم على الخير وفرقتهم المسؤوليات والصحبة والتربية لو كان كلًّا منهم يعرف ما سيفعله في المستقبل لقتل نفسه حتى لا يجرح أحدهم فقد فكر كلًّا منهم بقتل ذاته في منتصف الطريق أو العودة للحق ولكن دخولك وسط دائرة الشيطان سهل وخروجك منها حلم...