رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الرابع والعشرون
صرخت نورسين بحماس وهي تُلقي آخر ورقة بيدها قائلة: أونو.
ثم أكملت بصراخ: أنا فزت أنا فزت، You are lother.
نظر سيف بملل لمهند وهتف بضيق من صوت نورسين: ربنا يكون في عونك دي هبلة خالص.
لكزه مهند بعنف هاتفًا بع: اتلم.
أجابه بألم وهو يسمع صراخ نورسين يعلو بأنهم خاسرين وهي الرابحة الأولى: هي مفكرة فعلًّا إنها فازت من نفسها؟!
هتف مهند بضيق من رفيقه: سيف اسكت بقى.
ثم وجه نظره لنورسين: بس بقى يا نورسين عشان نكمل لعب.
أقولك روحي أعملي فشار أو شوفي حبيبة ولولا.
قالها سيف وهو يشير على طبق الفشار الفارغ.
أخذت نورسين الأطباق ورحلت وهي ما زالت تغني بأنها الرابحة.
لينظر سيف لنور ثم أردف بقلق من صمتها: مالك ساكتة ليه؟
ابتسمت ابتسامة خبيثة ومحتها سريعًّا وهي تقول: مفيش يلا نكمل الدور.
بدؤوا بإكمال اللعب ونور تبتسم بخبث فهي رأت أوراقهم أثناء انشغالهم بنورسين وبعد دقائق قالت نور بهدوء شديد: أونو.
ابتلع سيف غصة بحلقه بحزن وهو يقول: يعني دلوقتي مهند هيلعب قصادي؟
تستاهل عشان كل شوية يسحب وهو معاه وأقولك تقولي ملناش دعوة.
قالتها نور بشماتة لينظر لها سيف بضيق وبعد دقائق فاز مهند وظل سيف ينظر لهما بضيق شديد.
شهران يبحث عن مليكة ولم يجدها بعدما هرب ذلك اللعين عصام وأخذها، شهران ينام القليل وبين العمل والبحث بكل الدول انشغلا نهارههُ.
كانت تجلس ألماس بمكتبها تريح ظهرها للخلف ورأسها كذلك مغمضة العينان تحاول التفكير في أين توجد مليكة قد فاق زوجها ويريد مليكة وملاك الآن!
وجزء آخر بعقلها يفكر كيف ستهدم ذلك العائق بينها وبين صغيرتها.
حتى طاف عقلها لذلك اليوم حينما تقابل عصام وزوجها بألمانيا.
كان لقاءً بارد يقوده الاثنان لذلك خُرب فالقيادة لا تجوز لاثنان فحينما يكون المسؤول عقلان قويان ومنافسان كآسر وعصام، عقلان امتزجا قديمًا وتفرقا اليوم، لذلك كان اللقاء عاصفة.
مرحبًا يا عصام كيف حالك؟
كان ترحيبًا بارد من آسر بالألمانية قصد به إشعال نيران الاستفزاز لدى صديقه رويدًا رويدًا.
كصحة أنا أحسن وكعقل واكتساح للساحة، أنا أحسن برضوا.
أردف بها باللغة العربية واللهجة العامية وقد أدرك ما يدور برأس الآخر لذا عمل على إشعال نفس ذات الشعلة.
تنفس بهدوء ثم أردف وهو يجول بعينيه بالمكان: فين صاحبك؟!
صاحبي أنا، لأ متغلطش ده صاحبك أنت، مش أنت عرفتنا زمان على بعض.
قالها باستنكار نافيًا صداقته مع أي شخص.
كانت مَعِرفة هِباب عايز تقولي أنك متعرفش مكانه؟!
إزاي ده معروفة الطيور على أشكالها تقع وأنت وهو،.
صمت تاركًا حديثه معلق ليأتيه الرد من الآخر: اسأل سيف،
قالها بابتسامة باردة تزين ثغره يتجاهل ما يرمي إليه آسر.
وماله سيف بحوراتكم يا عصام!
قالتها ألماس بتهكم ودهشة متدخلة بالحديث فذلك المثلث لم يتدخل به أي شخص حتى سيف لم يكن رفيق وسطهم.
اهدي يا ألماس وبلاش دور الأم اللي عيشاه ده هه.
كان صوت ساخر أصدره ثم أكمل: سيف بخير محدش جه جمبه...
هو بس قبض على صاحبك.
ماجد الغريب!
فاقت على طرقات الباب ودخول آسر بابتسامة يتقدم منها لتعتدل بجلستها مبتسمة وهي تردف: السلام عليكم.
أجاب السلام وهو يقف أمامها: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
خير يا آسر في حاجة؟!
استندى على المكتب ممسكًا يداها: كل الخير، حبيبتي وحشتني وأهملتها بقالي فترة فقولت أجيلها ونخرج، ممكن؟!
وقفت أمامه بسعادة وأضافت بصوت خافض: ممكن.
لم يغفل عنها عيناه المرهقتان ولا نحيب صوته وضعفه، ولكن إن أراد التنزه فحسنًا يكفيها وقتًا معه بأحضانه يشعر بها.
آسر أنا اتقدمت لنور،
أردف بها سيف وهو يدخل لآسر مكتبه في المنزل فقد عاد للتو من الخارج مع ألماس.
آسر بكلمك!
قالها سيف وهو يجلس وينظر لآسر باندهاش لتجاهله حديثه.
رفع آسر أنظاره لسيف وقال: أصل دخلتك غلط، أنت جاي تبلغني ولاتقولي ولا إيه بالظبط، مش فاهم!
بص الأول صقر راجع آخر الأسبوع أما نور فأنا اتقدمتلها واتفقت معاها الخطوبة يوم السبت الجاي،.
بدأ يسرد له ما يدور بعقله حتى جاء لآسر اتصال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا باشا، في إخبارية جديدة.
أجاب بهدوء بعدما استمع للمتصل: وعليكم السلام، خير؟
الغريب خرج وراح قابل الشمراني في باريس بس الشمراني زاغ مننا.
وقف بعصبية هاتفًا بضجر: ليه، زاغ منك ليه، دي المرة التالتة يا معتز الرابعة أنسى شغلك.
وأغلق الهاتف دون انتظار أي تبرير فقد فاض به الكيل من هؤلاء الحمقى.
ليردف سيف بقلق من عصبية أخيه: خير؟!
روى له ولمهند الذي انضم لهم ما حدث ويفعله من محاولات لإيجاد عصام ومليكة وابنيهما.
أيامٌ تتوالى دون الكثير حتى جاء ليلُ الخميس، غدًا ستذهب نور لملاقاة والدها بالمطار وحتى الآن لم يعطي لها سيف ردًا ليعود ذلك بالحزن عليها.
جلست نور أمام سيف الجالس بالحديقة يتابع مواقع التواصل الإجتماعية بهدوء ويدندن بعض الكلمات.
حينما جلست ألقى لها نظرة ثم عاد لهاتفه لتقاطعه: هو أنت بجد مش هتيجي معايا بكره؟
رفع نظره عن هاتفه يتفحصها ثم أردف: على حسب بكره عندي إيه.
هتفت بضجر ودهشة من رده هذا: يا سيف بقولك بابا جاي المفروض تكون معايا في استقباله.
ابتسم ببرود سائلًا إياها: بصفتي إيه؟!
وكأنه صب عليها ماء مثلج، لا تقدر على البوح بما يكنن بصدرها له، لكنها قد اعترفت لوالدها أخيرًا بحملها مشاعر له، لكن أبدًا أن ترفع الراية البيضاء قبل أن تُكتب على إسمه لتضمن وجوده وألا يكون سرابًا.
ما تجاوبيني يا نور بصفتي إيه؟
جاءت لتنهض تاركة إياه وهربًا من تلك المواجهة ليمنعها ممسكًا بيدها لتبعده سريعًا.
حاصرها بين يداه مستندًا على المنضدة من خلفها هامسًا لها: نور.
كانت تجوب بعيناها في المكان هربًا من عيناه وبالنهاية ألتقت العيون: نور اعترفي وبطلي مناهدة فيّ وفيكِ، أنا بعترفلك أني بحبك، بس أنتِ مش بتدي أي رد فعل، أي دليل على القبول مش الحب حتى!
ظل ناظرًا إليها ينتظر الرد حتى فاض الكيل وهي صامتة تتابعه بنظراتها وأنفاسها المضطرب.
ضرب المنضدة بعصبية من جانبها قائلًا وهو يبتعد عنها: نور أظهري أي ردة فعل كابتسامة حتى!
ابتعدت عنه سريعًا وركضت للقصر وقبل الدخول ألقت إليه نظرةٍ وابتسمت.
لا مانع من إظهار الموافقة حتى يكف عن مضايقتها.
لا تعلم ما حال به لا تعلم أنه لن ينام تلك الليلة وستطارده ابتسامتها الخاطفة.
جلست نورسين تتابع تصميم فستان ما، فقد اكتسبتها حرفة من فترة العمل مع حبيبة، أوشكت على الإنتهاء من التصميم ليقاطعها دلوف مهند وهو لا يعرف أنها بداخل مكتبه من الأساس.
تحدث بدهشة وهو يقترب من مجلسها: نورسين بتعملي إيه هنا؟!
ابتسمت وهي تتابع التفاصيل النهائية قائلة: منتظراك،
أنا! خير يا نونة؟
عايزة أشتغل معاك.
قالتها ببسمة حمقاء وتلقائية عكس عادتها بالمقدمات.
جلس على الكرسي المقابل للمكتب عاقدًا الحاجبين قائلًا بحماقة: عايزة تكون ظابط يعني ولا إيه مش فاهم!
تركت القلم وركزت بالحديث مردفة: لاء أنت فهمت غلط، عايزة أشتغل في الشركة مع المصممين تحت التدريب مش في المحل ببيع، أنا بحب التصميم أكتر.
ابتسم وهو يقول: تمام يا نورسين، معنديش مشكلة، بس، من إمتى يعني وأنتِ عايزة تصممي؟
من فترة وأنا بحاول اكتشف نفسي ولقيت نفسي في التصميم عن حب مش دراسة.
عيوني الاتنين بعد كتب الكتاب ولبخة الفرح إن شاء الله أول ما نرجع من شهر العسل تنزلي مع ألماس الشركة تدربي عند الأسيوطي وبعد فترة التدريب تتنقلي آل المجد، مرضية يا نورسين؟
هزت رأسها بابتسامة لينتبه لذلك الفستان الذي تصممه فيردف: جميل الفستان، اقتبستيه من إيه؟
اقتبستيه؟!
قالتها بدهشة وهي تضحك ليشاركها الضحكة وهو يقول: دايمًا آسر كان بيقول لألماس وهي بتدرب اقتبستي التصميم من إيه، لما يكون الاقتباس من الطبيعة بينول إعجاب الذوق الراقي الهادي وده الاقتباس الوحيد اللي فاكره عشان عجبني التعبير عنه.
ابتسمت مجيبة: من ماما، اقتبسته من فستان فرحها مع تعديل بسيط ليلائم العصر.
ابتسم وهو يُفكر كيف تكون والدتها ثم أردف طالبًا منها: وريني صورتها، ممكن؟
أخرجت هاتفها وأرته صورة الزفاف ليخبرها أنها شبيهة والدتها بأشياء و والدها بأشياءٍ أخرى.
شبيهتك أم شبيهتكِ فأنا جزءٌ منكما، جزءٌ جميل أتى للحياة ليربطكما ببعضكما رباط احترامًا واجبًا لأجل نظرتي لكما، أحبكِ أمي حتى وإن تركتني وحيدة وسط دُجى الليالي والشجن حتى ضي الصباح.
أبي كم أحببتك رغم القسوة لا أدري إن رأيتك يومًا هل سأحتمي بكَ أم منكَ؟!
تركت تلك الكلمات بدفترها قبل نومها وغطت بسباتٍ استعداد للسعادة القادمة إن قدرها لها القدر...
استيقظت مبكرًا عكس عادتها الأونة الأخيرًا وتجهزت سريعًا مرتدية بلوزة من اللون الأبيض على جينز أسود وجاكت من الجينز الأسود رافع خصلاتها على هيئة ذيل حصان.
هبطت درج ذلك القصر الخاص بالأسيوطي واتجهت لألماس وآسر الجالسين في البهو.
منذ دقائق وكانت ألماس تلح على آسر قائلة: آسر كتب الكتاب انهارده والخطوبة بتاع مهند بكره وبعدين نسافر.
لم يعيرها الإنتباه لتهتف بضجر: آسر هنسافر يعني هنسافر.
تنفس بهدوء محاولًا الهدوء والتركيز بالحاسوب حتى ينهي ذلك العمل، لتُكمل هي لَحها وهو تغلق له الحاسوب كي ينتبه لها: ركز معايا بقولك هنروح شرم وبعدين نبقى نشوف مشاكل القرية اللي في الساحل ولا نروح الساحل وبعدين شرم.
نظر لها بغضبٍ ثم همس بغضب: ألماس قومي من قدامي.
نظرت له بعدم فهم ولم تنتبه لنظرة عيناه قائلة بابتسامة غبية بالنسبة له الآن: لا مش قايمة وبعدين ركز مع،
ألماس!
إيه؟!
قالتها وهي تمتثل البكاء من نبرته تلك لا تفهم ماذا فعلت هي؟!
اتفضلي قومي وهبعتلك اجتماع تترجميه.
نظرت له بسخرية هاتفة بنبرة سوقية: نعم يا عسل، ليه إن شاء الله، شركة طويلة عريضة ما شاء الله يعني، مفيهاش مترجمين وبعدين أنا مش مترجمة.
فتح الحاسوب مجددًا وهو ينسخ ذلك الاجتماع ويرسله لها قائلًا: تقريبًا نسيتي بسبب قعدتك في البيت بس معلش أفكرك.
ألماس أنتِ المترجمة الأولى في الشركة ده أولًا.
ثانيًا ده اجتماع ماجد وعصام ومينفعش حد يعرف أنه وصلني عشان كده كنت بترجمه بس الطفلة اللي جواكِ تسكت، أبدًا مسحتِ كل حاجة.
هنا وأدركت معنى تلك النظرة التي كانت تحتل عيناه لتوشك على البكاء فهي ستضطر لقراءة ما كتبه أعينهم المتربصين لدى عصام وماجد وتترجمه وهذا سيكلفها اليوم بأكمله.
تركها آسر ورحل للخارج فقد نفذ من ترجمة ذلك الحوار إذًا لما لا يستغل يومه بباقي الأعمال فيود أن ينتهي من كل شيء بفترة قليلة كي يتفرغ كليًا لعصام.
رحل آسر بمجرد جلوس نور جانب ألماس، ألقت ألماس نظرة على نور ثم عادت تنظر للفراغ بحزن كانت تُطالب بسفرية والآن كُلفت بأكثر عمل باتت تكره الآن بسبب مجهوده.
تجاهلت نور نظرات ألماس مدركه أنها تلقت عقاب ما من آسر مردفة باهتمام: سيف صحي يا ألماس؟
نظرت لها باشمئزاز ثم قذفتها بوسادة الأريكة: أه يا جوليت روميو صحي، امشي من قدامي.
ردت لها نور القذفة قائلة: وأنا مالي أنا الله، فين سيف؟
اتنيل خرج بدري وقال عنده شغل.
قالتها وهي تتركها وتصعد لغرفتها كي تُنجز الترجمة قبل حلول الليل وكتب كتاب نورسين.
تركت خلفها نور في صدمة لا تدرك ما قالته الآن.
بالأمس بعث لها رسالة بأنه رفيقها بكل نفسٍ وأنه سيذهب معها لاستقبال والدها، والآن خرج لعملٍ ما وقد أخبرته بوجوب وجودهم بالتاسعة في أرض المطار وليس بعدها.
رفعت يدها تنظر بالساعة ثم تحركت كي لا يأتي والدها وينتظر وبرأسها تدور الأفكار...
صباحك لُطف، بعد ساعات هتكوني حرم مهند آل مجد، مبارك عليا أنتِ يا جميلتي.
ابتسمت فور رؤيتها تلك الرسالة ولم ترد لتُرسل أخرى قبل نهوضها.
وماله اتقل يا جميل براحتك.
ضحكت عليه وهي تنهض تاركة الهاتف تتجهز استعداد لذلك اليوم، ستكتب اليوم على اسمه وأخيرًا لينتهي كل شيء متعلق بالماضي.
ارتدت بلوزة باللون الأزرق الهادئ وبنطال قماش أبيض بتدرجات الأزرق بالنهاية وعقصت شعرها على هيئة كحكة.
اتجهت لجناح ألماس بعدما لاحظت عدم وجود سيارة آسر وسيف ونور لتدرك أن ألماس بغرفتها تأكيدًا.
حاضر.
فتحت ألماس باب الجناح وفور رؤيتها لنورسين ابتسمت بسعادة وهي تضمها: مبارك يا نونة.
بادلتها الابتسامة والاحتضان هاتفة: الله يبارك فيكِ يا ولا، أنتم السابقون ونحن اللاحقون.
ثم أضافت وهي تبتعد عنها: فين فستاني؟ عايزة أشوفه قبل ما ال makeup artist تيجي.
ماشي يا أختي اسبقيني عند ألماسة شوفيها وأنا جاية.
ليس من السهل تناسي الماضي ولا العيش به
إنما هو قرار أن تنسى أو تحبس ذاتك به، كسجنٍ فُتحت أبوابه أمامك إما تُغادر أو تظل وكلما طالت المدة شُددت الحِراسة.
شكرًا على كل حاجة، ليه بتخليني أندم على كل حاجة بعملها معاك، وافقت أديك فرصة وحقيقي بندم بسبب تصرفاتك، اديتك إشارة الموافقة واديتني موافقة المرافقة وبعدين اختفيت بدون اعتذار حتى!
ثم أرسلت أخرى: اعتبر إشارتي سراب يا سيف أنا مش ليك أنا شخص مبيقبلش الضعف وأنت محتاج شخص ضعيف، شكرًا.
أرسلت تلك الرسائل وأغلقت هاتفها منتظرة والدها بالمطار لا تدري لماذا وافقت منذ البداية.
يدور برأسها أشياء كثيرة تنتهي بندمها.
مرت ساعة وطائرة والدها وصلت وحتى الآن لم يصل والدها ليتسرب القلق لها فهو لم يُرسل لها رسالة بأنه أجل المعاد إذا أين هو؟!
لأ الbaby blue أحلى.
تنهدت ألماس بهدوء تحاول الوصول لحل مع تلك الصغيرة قائلة: لولا حبيبتي الbink الهادي أحلى في كتب الكتاب أم الفرح يبقى فيه الbaby blue لأنه سوارية أكتر.
بابا كان بيسيبني أختار على فكرة.
أردفت وقد بدأ ينفذ صبرها: أنا مش بابا يا ألماسة!
نظرت لها ألماسة بغضب ثم نزعت فستانها وجلست تنظر للخارج.
تدخلت نورسين بابتسامة هادئة تقول لألماسة: طب إيه رأيك تلبسي الأبيض والجيب بتاعته نبيتي شكله حلو وشيك.
ألقت ألماسة نظرة على ذلك الفستان الذي أشارت إليه نورسين متذكرة فستان والدتها وهو من نفس لون الجيبة لتومئ بالموافقة.
تركت ألماس الغرفة وهبطت للأسفل بضيق من كل شيء حولها تحاول الوصول لابنتها وتحاول ابنتها الوصول لها، وكلتاهما تسيران بطريق منفرد لا يتوافق بأراء الآخر!
تحاول الوصول لوالدها ولا فائدة جلست تحاول الوصول حتى رن هاتفها برقم والدها المصري: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بابا أنت كويس، أنت فين أنا مستنياك في المطار!
وعليكم السلام، براحة يا نور يا حبيبتي، أنا بخير وسبقتك عند خطيبك.
هتفت بدهشة أي خطيب؟ سيف؟!
هل أحضر أبيها بدونها كيف وهي تجلس منذ ما يقارب للساعتين!
نعم! طيب يا بابا خلاص أنا جاية.
عاد آسر على مكالمة ألماس قلقًا عليها لا يعلم ما حدث كل ما يعلمهم أنها هاتفته قائلة أنا محتجالك.
دخل غرفة المكتب مسرعًا ليلقاها جالسة على الأريكة مطأطأة الرأس ليقترب منها سريعًا قائلًا: ماستي مالك يا حبيبي؟!
أنهى كلماته وهو يجلس أمامها أرضًا يرفع رأسها ليلقاها تبكي وهي ترتمي بأحضانه.
تهتف بكلمات متفرقة لم يفهم منها إلا القليل.
مبتحبنيش، الفرق بينا، بابا، بحبها، أنا وحشة.
حبيبي ممكن تهدي، ششششش، عشان خاطري دموعك غالية.
ثم أضاف يبعدها عنه قليل: أهدي وأحكيلي بس في إيه؟
أعادها لأحضانه لتهدأ بعد دقائق وهو يبعدها عنه قائلًا: أحكيلي يا ماستي.
بدأت تروي له ما يكمن بقلبها محاولة عدم البكاء: أنا أم وحشة، أنا مش عارفة أتعامل مع بنتي زي ما كان أهلي مش عارفين يتعاملوا معايا.
بابا فشل في التواصل معايا وأنا بفشل في التواصل مع بنتي، أنا وحشة جدًا، أنا بحبها والله بس،.
عادت تبكي مجددًا لا تقدر على تحمل ذلك وهي تهتف: أنا عايزالها الأحسن مش بتحكم في قرارتها!
تنهد بهدوء وهو يمحو دموعها غالبًا ما يعاني الطفل بسبب عدم الاتصال بينه وبين أهله لكن تلك الجميلة بعدما عانت من ذلك لاحظته مع صغيرتها لتبدأ محاربة ذاتها بكل الطرق مفسدة علاقتها بابنتها أكثر!
مين قال إنك متحكمة في قرارتها ألماسة قالت؟
هزت رأسها بالرفض ليبتسم مكملًا حديثه: أنتِ اللي حاطة في دماغك إنك بعيدة عنها ومينفعش تحاولي تخليلها الحياة مثالية، سيبيها براحتها سيبيلها فرصة الاختيار بس تقارنيها بين اللي أنتِ موافقة عليه عشان متعارضيهاش وتتخانقوا، وصللها حبك صح يا ماستي مش تضايقيها يا حبيبي فاهماني؟
وصللها حبك صح.
اكتفت بابتسامة وقد فهمت مقصده لتجلس أمامه تحتضنه بامتنان هاتفة: شكرًا ليك ولوجودك، بحبك.
آسر، ألماس
ناد بها سيف وهو يدخل القصر وجواره والد نور.
لتأتي ألماس برفقة آسر وهي تهتف بضجر من صوت سيف العالي: خير يا أخرة صبري، ياسر!
ركضت ألماس سريعًا نحو ذلك الشخص والذي يُدعى ياسر وهو والد نور.
وحشتني يا ياسور.
أنهت كلامها وهي تحتضنه تزامنًا مع دخول نور الذي اقتربت منهم وهي لا تفهم شيء.
قبل أي حديث كانت تبتعد ألماس عن ياسر لتحل محلها نور بقوة باكية.
بابا وحشتني أوي يا حبيبي وحشتني جدًا، متسبنيش تاني.
ظلت تبكي وتقول كلمات كثيرة مفهومة وغير مفهومة متمسكة بوالدها وكأنه سيهرب، فبعد بُعده قد عانت ولا تصدق أنه الآن بين يديها، جوارها سيشاركها حزن الليالي حينما تقسو عليها.
ترجل من سيارته يصعد لمبنى الشركة سريعًا فقد نسى ورقًا مهمًا لإحدى الصفقات.
تقدم من حارس الشركة وهو يفتح له باب المكتب ليبتسم بحرج قائلًا: أنا آسف يا عم عزيز بس محتاج ورق مهم معلش.
مفيش مشكلة يا ابني، هتتأخر أعملك حاجة تشربها.
ابتسم على ذلك الرجل الطيب الذي عينه منذ مسك الشركة وهو شابًا ليكن ذلك الرجل بمثابة الأب له.
هز رأسه بالرفض متجهًا اتجاه المكتب يحاول تذكر أين ترك الورق؟
مر ما يقارب للنصف ساعة لينهض مهند من مكتبه ولم يصل بعد لكل الورق وسيف يستعجله بكل طرق الاتصال لينهض دون أن يقرأ الورق ويعرف أي ورق ناقص.
أجاب وأخيرًا على اتصالات سيف هاتفًا بحنق من زنه: خير يا سيف إيه شغل الزن اللي على الصبح ده؟
في مفاجأة عندنا في القصر يا
كان ردًا مختصرًا من سيف ثم أغلق الخط لينظر الآخر للهاتف بعدم فهم لما حدث ثم صعد لسيارته يتجه بسرعة معقولة نسبيًا لقصر الأسيوطي.
وبعد دقائق قليلة كان يصف سيارته أمام قصر الأسيوطي وقبل هبوطه وضع الورق بدرج السيارة وترجل قاصدًا الباب الداخلي للقصر.
منذ ساعة تقريبًا حينما هدأت نور وهي تجلس بأحضان والدها كان يجلس سيف وآسر وألماس وألماسة ونورسين التي هبطت لتتعرف على والد صديقتها.
بس أنت مقولتش قبل كده إن عندك بنت يا ياسر.
قالتها ألماس بتذكر لذكرى لقائها مع ياسر وكان صديق قديم لوالد آسر.
أردف ياسر وعيناه متعلقة بألماسة يراقب حركاتها فهو يحب الأطفال وبشدة.
لما اتعرفت عليكم كانت نور تقريبًا في فترة مش كويسة فمكنتش بذكرها كتير.
ثم أضاف مُكملًا حديثه وعيناه لم تفارق الصغيرة.
مقولتليش يعني يا آسر إنك جبت بنوته جميلة شبه مامتها، بس شبهك في التصرفات، ده لو أنا لسه عارفك ومتغيرتش.
ألقى آسر نظرة على زوجته التي ابتسمت من قول ياسر الذي بمثابة والدها ثم نظرة لابنته فهي بالفعل شبيهة والدتها بصفاتِه.
مجتش فرصة بس.
طيب مهند جاي على هنا دلوقتي، أنا هستأذن بقى عشان أجهز لصلاة الجمعة، هنصليها مع بعض أكيد يا ياسر متمشيش.
قال ذلك الكلام سيف وهو ينهض متجهًا للأعلى متجاهل نظراتها المتعلقة به فقد قرأ رسالتها ليشعر بأنها تنتظر له خطأ حتى تلغي تلك العلاقة الغير مفهومة بالنسبة له والمهلكة.
قد صبر كثيرًا لكن قد فاض كيله، لكنه سيتزوجها حتى لو كان بالإجبار.
خد شاور وأنا هطلعلك لبس من الشنطة.
قالتها نور وهي تدخل غرفتها التي خصصتها لها ألماس سابقًا خلف والدها.
قاطعها ياسر وهو يجلس على الأريكة مشير لها بالجلوس جواره قائلًا: تعالي يا نور نتكلم شوية.
جلست جوار والدها وذهنها مشغول بسيف وكيف ستصلح ما أفسدته بتلك الرسائل الغبية ليقاطع والدها نزاعها ذلك.
أنا شوفت الرسايل اللي بعتيها لسيف لما كنت معاه.
أنا عارف إني كنت بعيد بس عارف برضو إن نور عمرها ما تتغير، لكن أنا فعلًا مش فاهمك يا نور وأنا والدك ما بالك العبيط اللي بيحبك.
ارتسمت ابتسامة صغيرة حينما لقب والدها سيف ب(العبيط) فقط لأنه أحبها ليكمل والدها: نور أنتِ بتحبي سيف؟
ومجددًا قد صب ذلك السؤال المياه البارد وسط الشتاء عليها فبمجرد سماعها لذلك السؤال يرتعد فؤادها وتود الهرب ويبرر عقلها كل ذلك بأن الحب ما هو إلا ضعف فاهربي نور.
نور أنا باباكي بلاش تفكير وجاوبي عليَّ عشان أعرف أرد على الواد ده.
وحينما أنهى كلماته وصله رسالة ليرفع هاتفه فيجدها من سيف...
ياسر كنت أتمنى فعلًا تكون الأب التاني ليا رسمي برابط بنتك لكن مش كل اللي بنتمناه بيحصل، أعتذر لنور بالنيابة عني يا قائد أنا هنهي المهزلة دي، وبعترفلك يا نور أني فشلت أنا مش هستحمل حاجة تاني من بنتك ال، الجميلة.
حينما استمعت نور لتلك الكلمات من والدها، كلمات غير مرتبة دلت على تشتت سيف بوضوح؛ لتشعر بتوقف قلبها عن النبض وضيق بالتنفس انتهى كل ذلك بسماحها لذاتها بالانهيار باكية.
ضمها ياسر لأحضانه بهدوء لتقول بصوت متقطع من بين بكائها: أنا بحبه يا بابا، بس مش عايزة أضعف بسببه.
أهدي يا نور، أهدي عشان ما أروحش أضربه دلوقتي عشان يعمل فيكِ كده.
خلاص بقى يا نكدية أنتِ.
ابتعدت عنه تهتف بحدة: بابا!
بلا بابا بلا بتاع بقى (بحبه يا بابا. )
قالها بسخرية لتضحك وهي تضم والدها لها باشتياق لتسمعه يقول بهدوء.
قومي أعتذري لسيف عن الرسايل بس إياكِ تعترفي بحبك خليكِ مجنناه كده ابن رأفت.
ابتسمت نور وهي تنهض سريعًا متجهة للخارج تبحث عن سيف.
جيالك أهي بس لو تخطيت حدودك يا سيف هقتلك.
لا متربي يا واد، لو نور وافقت فأنا لسه يا صغير.
قال تلك الكلمات وهو يغلق في وجه سيف فقد اتفق معه على أن يجعل ابنته تعترف لذاتها وتوافق على الزواج منه لكن حينما رأى رسالة سيف علم باستسلام سيف ليدفع ابنته على الاعتذار والآن.
هنا سأسكت قليلًا، احترامًا وتقديرًا لعيناكِ.
كانت كلمات مهند وهو ينظر لنورسين وهي ترتدي ذلك الفستان والذي من المفترض أنه فستان تلك الليلة.
هتفت ألماس بضيق من وجود مهند ورؤيته لنورسين ومن المفترض حسب التقاليد ألا يراها ذلك اليوم إلا حين عقد القران فماذا يفعل هنا إذا؟
اخرج بره ياض.
نظر لها بضيق من تدخلها قائلًا: ملكيش دعوة يا ألماس أنتِ خليكي في بنتك.
دُهشت من قوله لتلوي ثغرها قائلة: لا والله، طب والله ما أنت قاعد ثانية كمان.
ودفعته للخارج وهو كان مستند على باب الغرفة مغلقة خلفه الباب قائلة: متحاولش تفتح الباب يا مهند عشان ما ألغيش الليلة.
حاسك أمي جدًا!
قالها بسخرية وهو يركل الباب بعنف ثم رحل وهو يلعن ألماس متذكرًا يوم زفافها لم يتركها آسر.
أنا آسفة.
قالتها نور وهي تقف خلف سيف بالحديقة ثم اقتربت و وقفت أمامه تحاول النظر بعينه والإعتذار مجددًا لتعرف وأخيرًا بعدما كانت تهرب من عيناه خوفًا من مواجهته.
أنا آسفة يا سيف بس،
لحظة واحدة أنت الغلطان أصلًا؟!
وها قد عادت نور لرُشدها هاتفة به وهي تضربه بذراعه قائلة: أنت الغلطان يا أستاذ أنت اللي نزلت من ورايا والمفروض أفكر ازاي أنا ساعتها ها؟!
نظر لها بدهشة وصدمة هاتفًا بها: أنتِ طبيعية يا نور، أنا كنت بعملك مفاجأة يا بنتي والمفروض كنت أجي قبل ما تخرجي بس ياسر بيه اتأخر وأخر الطيارة عشان جنابه كان بيجيب ماك!
صرخت به وهي تدفع مجددًا للخلف بعنف: براحته حبيب بنته يعمل اللي هو عايزة، يتأخر، يأخر الطيارة، يأخر البلد كلها براحته.
أغمض عيناه يحاول الهدوء ثم فتحها بهدوء قائلًا: أنتِ جاية ليه دلوقتي، تعتذري، إعتذارك غير مقبول، خلاص؟
شهقت نور بسخرية مما صدم سيف لتكمل هي غير مهتمة لصدمته: شوف الواد! عنك ما قبلت الإعتذار وأنا مش آسفة أصلًا أنت اللي المفروض تعتذر يا أستاذ.
قالتها وهي تدفعه مره أخرى للخلف مكملة: قال يعني هتحايل عليك تقبل إعتذاري، لا والله لا أنت مسامحني يا سي سيف.
ضحك عليها سيف بعدم تصديقه لها فقد تحولت 360 درجة عن تلك نور التي جائت للإعتذار وانقلبت عنيفة وشرسة وللحق هو يحبها هكذا، قوية غير قابلة للإنهزام.
كان سيف يستمع لسخريتها منه ويعود للخلف أثر دفعها له وحينما التصق بالجدار من خلفه عكس الأدوار سريعًا جاعلًا إياها محاصرة بالجدار من خلفها.
بدأت نظرات نور الحادة تختفي وهي تراه يحاصرها ويقف مكانها جاعلًا ظهرها بالحائط وعيناها بعيناه.
اقترب سيف منها قائلًا بنبرة هادئة: اعترفي يا نور.
اعترفي بحبك ليا يا نور عيونك فضحاكِ.
أجابت نور بقوة ظاهرة رغم ارتجاف جسدها من قربه: أبدًا لو ده هيريحك فأبدًا يا سيف.
اقترب أكثر هامسًا بأذنها: بحبك، ولو قلبتي قردة يا نور برضو هتجوزك وعند بعند يا ذات البحر.
أنهى كلامه وهو يبتعد يرى تأثير كلماته عليها بابتسامة هادئة يراقب تعابيرها بعشقٍ ينمو بفؤاده رويدًا رويدًا.
كانت نور تنظر للفراغ بصدمة من قربه، اعترافه، عبقه السالب لعقلها، ذلك اللقب الغريب على مسامعها.
أفاقت على ضحكاته وهو يبتعد تاركًا إياها متيبسة بمحلها غير مدركة لما حولها قائلًا بهمس: الأيام اللي جاية كتير يا ذات البحر.