رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الخامس والثلاثون
فين السكر؟
أتاها الرد من مهند بابتسامة وعبث: كفاية أنتِ يا سكر.
أكملت ما تفعله بخجلٍ وهي تشعر أنها خفيفة كالفراشة من كلمته فقط، كيف يُسكِرها بحديثه هكذا؟!
تحدثت نور بخفوت: مهند، هو أنت كده مش بتضحك على نورسين بالكلام؟ يعني بتاكل بعقلها حلاوة؟!
ضحك بخفة نافية برأسه مُتشدقًا وهو يُتابع نورسين كالفراشة بالمطبخ تَصب الأكواب لهم: أنا مش بضحك على نورسين بالكلام، كل الحكاية إني مِراية نورسين ولازم وأنا حابب أوريها اللي هي مش شيفاه في نفسها، إنها جميلة.
حضرت لحظتها نورسين واضعة الصنية على الطاولة تُجاوره بالمقعد مُتسائلة بفضول عن من يُلقبها زوجها بالجميلة: هي مين؟
طالعها بابتسامة: أنتِ يا عيوني.
تبسمت بخجل تُوري وجهها عنه تُطالع التلفاز، التفت مهند لنور مُتسائلًا: وبعدين هو حلال للمتنبي وحرام ليا؟!
ضحك سيف ونور وألماس فتسائل آسر بقليلٍ من الفهم: نور بتحب المتنبي؟
أماءت بشغف فأردف هو: أنا عندي كتاب في مجموعة قصايد ليه، أبقي خديه،
تسائلت ألماس بدهشة لحظتها مقاطعة إياه: أنت بتحب المتنبي؟!
صمت قليلًا يدرس عواقب حديثه في حين علت ابتسامة نتجت عن ضحكةٍ مكبوتة وجه سيف ومهند، لاحظت ألماس تلك البسمة على وجه رِفاقها فأردفت بحدة وتساؤل: في إيه؟ آسر كتاب المتنبي اللي عندك مين اللي جايبه؟!
تشدق سيف بخفوت وصل لها بوضوح: الEx.
صرخت مُعتدلة بجلستها تُطالع زوجها:
ال إيه يا عنيا؟! Ex مين دي يا آسر وجت إمتى؟
عاد برأسه للخلف مُردفًا بابتسامة متوترة يحاول تجاوز الموضوع حتى ينفرد بها: محصلش الكلام ده يا ميمو، الكتاب ده بتاع بابا التاني حرقته والله.
تسائلت نور بخبث، مُستمتعة بذلك الحوار: يعني كان فيه كتاب تاني؟!
صرخ بوجهها بنفاذ الصبر منهم، فبسببها هي وأخيه وذاك المتنبي ها هو بورطة: اسكتي يا حرباية أنتِ، منك لله أنتِ والمتنبي بتاعك.
الله! وأنا مالي، ماضيك ال، الحلو هو السبب.
هتفتها بتهكم تجلس بأريحية تأكل حبات الفُشار باستمتاع تتابع الفيلم الذي ابتدى.
همس آسر لها بخفوت بسبب نظراتها الثاقبة: هحكيلك أكيد، وبعدين قولتلك قبل كده وأنت اللي نسيتي.
طالعته بسخرية تعود لجلستها بعيدة عنه قليلًا ليسحبها لأحضانه مُردفًا بخفوت: بقى بعد مُستعد أحبك في كل مرة أشوفك فيها. تشكي فيا يا ميمو؟!
رفعت عيناها تُطالعه بابتسامة هادئة، إن كان يظن أنه يتلاعب بِقلبها ويُلهيها عن الحديثِ، فهو مُحق.
زادت ابتسامتها وهي تُدرك كم تأثيره عليها تأثير عيناه، ابتسامته، حديثه وكل شيء، لينحني مُقبلًا عيناها بحب.
لطالما تناقلنا أخبار رِجال الأعمال، جيدها وسيئها، لطالما دُهِشنا بأشراف البلد، ذو الرِداء الناصع البياض، مَن قد يخيلُ له يومًا أن مَن يدعم الشباب عَبر الصالات الرياضية والمقويات، ما هو إلا حِرباء تتلون بلون الكاميرا المُصورة لها، قد كُشف الغِطاء وأخيرًا عن رجل الأعمال والمُستثمر الرياضي: ماجد الغريب، ذاك المُهرب للمنوعات عَبر مُقويات صالاته الرياضية، ماجد الغريب ليس مُهرب كأي مُهرب، ليس بالهين والصغير بالبلد! ماجد أكبر رِجال التهريب، هو زعيمهم كما يَزعم، وها هو قد سقط كما سقط مُعظم رِجاله، العَقبَى للبقية.
أنهت حديثها ببسمة مُتشفية يسترسل الحديث زميلها المُراسل: قد تم القبض على ماجد الغريب بألمانيا وتم تَرحيله و وصوله مِصر منذُ دقائق، تابعوا معنا تَرحيل المُستثمر الرياضي الفاسد ماجد الغريب لسجنِ،
انقلبت القنوات التيلفازية بذلك الخبر، تتصارع القنوات والإذاعات على نَشرِ الخبر أولًا وتغطيته.
أغلقت نور التِلفاز بابتسامة تُطالعهم جميعًا بعدما هاتفتهم جالبه إياهم في الصباح الباكر؛ كي يُشاهدوا ذلك الخبر فقط، تشدقت بسعادة: الغريب اتمسك، والأفعى في مصر، اللي جاي ضرب نار،
رَدّها سيف بضحكة وحماس: دمار!
علت ضحكاتهما ليُردف مهند: اللي جاي دمار فعلًا، الأفعى لما يِتكشف الشعب مش هيقدر ولا يفهم يعني إيه مريض الهوية التفارقي ده أساسًا،.
طالعهم آسر بأعين ذابلة لا يدري لِما عاطفته عَمِلت الآن، ترجل للشرفة بجناح سيف يُطالع تلك الرسالة التي أُرسلت له من رقم عصام.
كانت رسالة مضمونها صورة ل الشراكة الثلاثية له رِفقة أفسد شخصان ستعرفهم مِصر ذاك القرن تقريبًا، وبالخلفية صورة أخرى ل عصام مكتوبٌ أعلاها الأفعى.
تبسم بخفة يقرأ الرسالة التي أُرسلت للتو: إيه رأيك نتكلم ونخلص اللي بينا، أصل أنت أكيد عارف أنا مش هتسِجن يا آسر، ما مليكة الفتّانة قالتلك.
وبعض الوجوه الضاحكة.
ردّ آسر: نتكلم في إيه؟
في إن أخوك واللي مِشغله يشيلني من دماغه...
مشاكلك مع اللي مِشغل أخويا تِحلها مع اللي مِشغله، لكن أنا وأخويا وعيلتي كُلها طَلّعها من دماغك يا، أفعى.
حبيبي والله كان نفسي بس يالا بقا أنت اللي طَلبت...
شاهد الرسالة وكاد لا يُجيب ولكن أتى بباله ردًا ساخرًا فكتبه: طب زود على الطلب تومية وبطاطس كتير وبلاش كاتشب.
تابع حركات المُدرب بشغفٍ شديد، يود تعلّم الملاكمة بوقتٍ قليل، بل يود احترافها، شتت تركيزه طَلتها المُختلفة، ترتدي ثياب تُساعدها في التدريب ولا تعيقها، سترة رياضية بأحبال عريضة على سِروال مُخصص للرياضة، يُشبه جميع من بالقاعة يصل لنصف فخذها أو أكثر، خُصلاتها معقودة على هيئة ذيل حصان.
هيئتها كجُل الفتياتِ بالقاعة إلا أنها مُختلفة، مُميزة، لطالما كانت هكذا منذ أن رآها.
تقدم مِنها قليلًا لتبتسم مُتشدقة: اتأخرت أوي؟!
هزّ رأسه بالنفي يُطالعها من الأعلى للأسفل لتُردف مُجددًا تدور حول ذاتها متسائلة: شكلي حلو بالطقم؟ شعري مظبوط؟
شكلك عسل.
ابتسمت ليجذبها من كفها باتجاه الجَمع كي يُشاهدوا المُدرب.
أنهى المُدرب تدريبة اليوم يُشرف على كل اثنان يتقاتلا بعدما قسمهم، بَدل كلٌ منهم شريكه كي يكونوا معًا لتنبس ألماسة: أنا وأنت يا أحمد؟
حكّ عُنقه مُردفًا: معلش يا لولي خليكي أنتِ مع نادر وأنا وتامر هنِعِجِنْ في بعض.
استرسل إياد بحماس شديد: وأنا هروح ألعب مع حد من الدُفعة اللي قبلنا.
هيعجنوك.
قالها تامر بتحذير فضحك الآخر مُبتعدًا.
أخذ كُلٌ منهم موقعه مُنفذين ما يطلبه المُدرب منهم، تسائلت ألماسة بضيق واستفهام: نادر هو أحمد زعلان مِني؟
عقد حاجبيه مُستفهمًا لتسترسل: أصل يعني، مَلعِبش معايا.
ضحك بِخفة يتفادى ضربتها قائلًا: لأ ده عشان يِضرب تامر بمزاج، أصله عارف إني مش هضرَبك.
طالعته بضيق شديد وحاجبٍ مرفوع فابتسم بخفة، لتضع تركيزها بتمرينها تضربه بقوة عكس البادية.
بعد قليل من الوقت دخلت إحدى المُعلمات وكانت زينة الأخصائية، تِلك الأخصائية التي لَطفت الأمور يوم قَدم مالك من أجل نادر.
اتجهت للمُدرب وبعد دقائق سمع تامر ندائه له: تعالى يا تامر.
اقترب منهما بقلق من أن يكن أخطأ بشيء لتُردف زينة: تعالى معايا يا تامر، والدك بره.
عقد حاجبيه بعدم فهم، أي والد؟! تَبِعها للخارج حتى التقت عيناه بوالده، عصام ببذلته الكلاسيكية وقميصه الأسود.
اقترب منه رِفقة زينة التي فارقتهم بِلُطف، رفع تامر أنظاره للقابع أمامه ببرود يُشبه خاصته وكأن الحديث يدور بين شخص وصورته الصغيرة بالمرآة:
خير يا عصام باشا؟
طالعه قليلًا ثم تشدق بوهنٍ يُطالع الفناء الداخلي للمدرسة: أنا هسافر القاهرة، يِمكن تكون دي آخر مرة هنتقابل فيها،
شَعر تامر بِغُصةٍ تحجب الهواء بقصبَتِه مُتسائِلًا بنبرة هادئة حزينة: أنتَ، أنتَ هتمشي خلاص؟
استقر بعيناه عليه قائلًا: يِمكن،
تسائل بتوجس: وبابا؟
ارتسمت ابتسامة ساخرة على مَحياه مُردفًا بذات السخرية: حتى أنتَ؟!
سارع سريعًا بالنفي مُبررًا: لأ، أنا، أنا بحبك أنتِ، بس كنت بسأل هل هتسافر ولا هتمشي وهو يجي!
ابتسم مُجددًا بخفة قائلًا:
بِصراحة مش عارف، أنا مش ناوي أمشي دلوقتي خالص، بس الله أعلم إيه اللي هيحصل،
استمع كِلاهما لحديثٍ يدور على مَقربة مِنهما، حيثُ تشدقت إحدى المُعلمات تشكو لوَلي أمر:.
يا أستاذ فؤاد، مريم بِتسرح بطريقة فظيعة، ومكنتش بتركز في الحصة خالص، لازم تيجي تاخد درس عندي أو عند أي حد عادي يعني، ااا بس دي بنت غبية لمؤاخذة يعني.
أجابها ذاك الشخص المدعو بفؤاد والذي مع كامل الآسف والد تلك الصغيرة، مريم الواقفة جِوارهما تستمع للحديث، تستمع بأعين ارتبطت بالأرض بخزي أنها وضعت والدها بموقفٍ كذلك بريئة، جسدها يرتعش بقوةٍ مُحاولة الثبات.
يا مدام علياء كَسرِي وأنا أصلح، اضربيها هي مُستهترة ومش بتفهم ودايمًا سرحانه، أنا اللي بقولك وزي ما قولت لأستاذ محمد كسَر وأنا أصلح.
رددها عِصام بابتسامة: كسر وأنا أصلح.
تطَلع لابن عصام مُردفًا: أنت عارف إن بسبب الجملة دي أنا ظهرت في حياة عصام، ناس مُتخلفة، جِدتك دي كان شيطانه وَرثتني الشيطنة، كانت دايمًا تقول كسر وأنا أصلح وعصام زي العبيط يعيط بليل في الأوضة، لحد ما أقنعته وبقا يستسلم ليا،.
لم يفهم تامر مُعظم الحديث تقريبًا لكنه طالع صديقته بالفصل بحزنٍ، يبدو أن الأباء ليسوا بالشيء الجيد عند المُعظم تامر، يبدو أن عمّك شيء مُميز، نادر الوجود، والدك مريض وبعيدًا عنك دومًا، والد إياد مُسافر، والد ألماسة مميز هو الآخر، أم عن والد مريم فقاسي كقسوة حجر الأهرام.
أخرجه من بُقعته مُعانقة الأفعى(جسد والده) له مُردفًا: سلام يا تامر.
ونادر؟
تسائل فطالعه الأفعى قليلًا مُردفًا:.
نادر بيخاف مني، معتقدش عايز يسلم عليا.
ابتسم تامر فاسترسل الآخر: نادر بيخاف من خياله.
أماء تامر ضاحكًا فقاطعهما اقتراب زينة مِنهما بضيق مُردفة: أستاذ عصام، نادر ابن حضرتك كان هيكسر دراع زميله؟!
طالع الأفعى ابن عصام الآخر الذي أتى رفقة زينة، نادر الرقيق، كان يقف بينهما ينظر أرضًا يلعب بقدمه في الأرض، يرسم دوائر وهمية.
تسائل الأفعى ببروده المعتاد الذي تخلى عنه لدقائق رِفقة تامر: وكسره؟
طالعته بدهشة مُردفة قبل أن ترحل: لأ يا أستاذ عصام، ربنا سترها،
تركتهم بضيق فهكذا أجابها نادر وأحمد وإياد اللذان تدخلا للدفاع عن أخيهما.
رَفع نادر عيناه لأخيه و والده اللذان ضحكا فهتف بتذمر: إيه! امبارح كي ن في الفيلم عمل الحركة دي للخِصم ودراعه اتكسر فكنت عايز أعرف تمثيل ولا حقيقة!
ضحك تامر بشدة يلكم أخيه بذراعه فقد شاهدوا إحدى الأفلام والذي كان بطلها مُلاكم بالفعل، أما نادر فابتسم بحماقة فهو كان يود التجريب فقط، وبالتأكيد لن يُجرب مع ألماسة يُقسم حينها سيكسر خاله آسر عُنقه بعد أن يكسر أحمد حامي ألماسة الخاص وخالاه سيف ومهند بعض أجزاء جسده.
بعد ربع ساعة تقريبًا من الحديث وإلتقاط بعض الصور للذكرى بعدما عَلِمَ نادر بأمر الرحيل، فقد منّ الأفعى على عصام بترك ذكرى لطيفة له مع أولاده مُمتثلًا دور الأب، وها قد حان الوقت للفراقهم...
عانقهم ثم غادر بهدوء ليقف الاثنان يُتابعان ظِله فتشدق نادر وهو يشعر بأخيه يُحيط بذراعه: أنا بحبه!
وأنا كمان، حتى لو كنت بتخانق معاه دايمًا، بس الأفعى هو اللي كان معانا دايمًا،.
قاطعه نادر بحماس: تفتكر لو بابا اللي جِه هيكون طيب؟
رفع منكبيه بعدم مَعرفة مُردفًا: ده اللي مامتك قالته.
لكمه بمعدته يتحركان للداخل، حتى وقفا على حافة الباب يُطالعون رحيل جسد والدهم من الباب الداخلي للمدرسة مُردفين: هيوحشني جدًا، الأفعى وبابا،
الفراق مُدون بالتاريخ دون مِعاد مُحدد، غير مسموحٍ به بوداعٍ أخيرًا، فما بالك إن حظيت بعناق الوداع بماذا تُردف، بوداعٍ أم شوق؟
شوق سينتج بمرور اللحظات الأولى.
الفراق شوقٌ بمعنى آخر أو ارتياح!
سُحب حِزام الأمان مُتحركًا بسيارته بسرعة معقولة بالنسبة لطريق فارغ وسُرعة مهولة بالنسبة لطريق سكني، مُجيبًا على هاتفه: أيوة يا خلدون، أنا اتحركت من المدرسة، يلا أنت والرجالة عشان نروح القاهرة، بكره البضاعة هتتسلم.
أتاه ردًا مُختصرًا، مُحبب لمسامعه دومًا: تمام يا عصام باشا.
أمسك يدها مُوقفًا إياها عن إكمال سيرها باتجاه البهو الداخلي للقصر، طالعته بِسؤالٍ نبسته شفتاها: في إيه يا أحمد؟
طالعها قليلًا مُدققًا بهيئتها، خُصلاتها المُبعثرة كحال قلبه الصغير: لولي ممكن توعديني،
صمت فبادرت هي باستفهامٍ تعتدل بوقفتها تُواجه: أوعدك بإيه؟
تتجوزيني يا لولي لما نكبر.
رَمشت بعيناها قليلًا بخجلٍ، لا يُدرك كلاهما ماهية الزواج، لكنهما يُدركان جيدًا إن كانا يُريدان إكمال الحياة معًا، فعليهما بالزواج!
اوعديني،
قرر رغبته فأردفت هي: مينفعش أوعدك بحاجة ممكن متحصلش يا أحمد، بس الأكيد إني هفضل معاك طول العمر.
ابتسم بسعادة قبل استكمال سيره للداخل رِفقتها ويداهما مُتشابكة: يبقى هنتجوز.
لا ارتباط دون رابط ولا أساس لمكوثنا معنا دون رابط وقد قررت الزواج بك.
استند برأسه على ظهر السرير يُتابع تحرك أخيه بالغرفة بعدما أبدل ثياب التدريب وحظى بحمامٍ دافء، تشدق جاذبًا انتباه أخيه:
تامر أنا حاسس إني مش فاهم برضو اللي قالوه امبارح،
طالعه تامر قليلًا حتى أيقن مقصده ليجلس أمامه على الفراش قائلًا: بص اللي فهمته إن نتيجة حزن وصدمات وحاجات وحشة من الماضي ظهرت شخصية مُتسلطة لباباك اسمها الأفعى، وتقريبًا هو اللي قضى معانا مُعظم الوقت، هيتعالج ويرجع.
يِرجع؟ تِفتكر حياتنا كان هيكون لونها إيه لو كانت طبيعية؟
العياء يشتد عليها من حينٍ لآخر ولا تدري ما عِلته، أَكُل ذلك بسبب طعام أمس، أيُعقل؟
جلست ألماس على فِراشها بتلك الغرفة ودقائق وتوارى جسدها بالغطاء مُستعدة للنوم كنوع من أنواع الهرب، حينها تسلل إليها صوت فتح باب الغرفة ودخول زوجها هاتفًا:
أنتِ لسه نايمة يا ميمو؟
رفعت أنظارها ببطء: بطني وجعاني من أكل امبارح،.
قوصت شفتاها للأسفل ليبتسم مُقتربًا منها حتى جلس القرفصاء يقابل الفراش قائلًا: مش طبيعي اللي عملتيه برضو يا ألماس أنتِ بقالك أسبوع بتاكلي اليابس كله! الأكل سليم يا حبيبتي عشان كلنا أكلنا منه، بس الفرق إحنا أكلنا صنف، أنتِ أكلتي أصناف،
صرخت به مُعتدلة: بص ليا في الأكل كمان يا آسر، على فكرة بقا نورسين أكلت طبق زيادة عني.
ضحك بخفة ينهض من جلسته يجاورها بالمجلس على الفراش ساحبًا إياها لأحضانه ثم طبع قُبلة أعلى رأسها قائلًا: يا ميمو أنا مش ببصلك في الأكل، بس كُلي بعقل، عمومًا إحنا هنسافر القاهرة آخر الليل، وهما هيرجعوا اسكندرية خلاص.
خلاص؟!
تساءلت ترفع رأسها له وهي ما زالت بأحضانه ليقبل جبينها قائلًا:
آه بس هما هيخرجوا دلوقتي تقريبًا وعلى بليل نتحرك كلنا.
طب ما نخلينا للفجر يا آسر تكون الدنيا نورت شوية بدل ما نمشي بليل في الضلمة.
أماء بهدوء ولحظاتٍ وتساءل بغاية المشاغبة: بقيتي تخافي يا ميمو؟
زادت من ضمه وعيناها مُتعلقة به: أنا دايمًا بخاف عليك يا آسر، معرفتش معنى إني أخاف وأحب حد غير لما قابلتك.
كرر تقبيل جبينها بين عيناها قائلًا: وأنا معرفتش معنى الحب،
قاطعته مبتعدة باستنكار شديد وحاجبٍ ارتفع لأعلى متسائله: والله! وبالنسبة للEx؟!
جذبها مجددًا لأحضانه: الله يهديكي يا ألماس Ex إيه بس، أنا بحبك أنتِ،
وإن كان يعتقد أنه سيمر هكذا من بين يديها دون شِجار بعد قوله فهو مُحق، خبيث أوقفها بكلمة واحدة على عكس عادته بسردها لها.
تعلقت بعنقه تتنفس بعنفٍ شديد بعد أن كادت تفلت يداه وتنسحب أنفاسها تمامًا أثر حبسها لأنفاسها أسفل المياه.
ظل يتطلع لها بضيق فقد أصرت على تجربة تلك اللعبة التي كانت تلعبها بصُغرِها حيث تحبس أنفاسها وتغمر رأسها بالمياة ورغم رفضه الشديد للفكرة إلا أنه أطاعها بالنهاية مُمسكًا يدها وبدأ اللعبة.
أخرج سيف رأسه من المياه بعد لحظاتٍ مستسلمًا يتابعها هي وحين طال الأمر كاد يُخرجها بقلقٍ إلا أنها رفضت ولتوها خرجت بعد أن كادت تنقطع أنفاسها تمامًا.
ضحكت بسعادة تُتابع ملامحه القلقة تتعلق به بقوة هاتفة: مالك!
استندت بجسدها على خاصته ورأسها على كتفه تُحاول التقاط أنفاسها دون إثارة انتباهه كُليًا قائلة: إيه رأيك نروح نركب البتاعة دي تاني؟
قالتها تُشير على إحدى الألعاب والتي تعتمد على قوة دفع المياه فترفعهم للأعلى بعدما تُلبس بأقدامهم.
أبعدها قليلًا عن جسده كي تسنح له الفرصة برؤية وجهها: أنتِ كويسة؟
ابتسمت وقد استعادة أنفاسها تومي له قائلة: الحمد لله، متقلقش.
عيونك حلوة،
قالها يُبعد خُصلاتها المُبعثرة عن وجهها يتمتع بتفاصيلها، ثم استرسل:
أغرق بها كُل مرةٍ أراكِ فيها.
عقدت حاجبيها بدهشة مصطنعة تسأله: غريبة! أنا كمان بغرق في حبك، تفتكر في حل؟
ناقشها بجدية: للأسف مفيش غير إننا نفضل كده طول العمر.
قالها يزيد من ضمها فأطلقت ضحكاتٍ عالية ليبتسم عليها حتى أردفت هي: للأسف لازم تبعد عشان نطلع، وإلا شوية وهتلاقي الراجل داخل يجيبنا من قفانا.
قالتها ضاحكة تجعله ينتبه لحارس المياه الذي يُطلق صفير حاد منذ عشر دقائق تقريبًا فقد انتهى الوقت المسموح به لنزول المياه.
بحبك.
همستها بأُذنه قبل أن تبتعد تُسابقه للخارج تارك إياه يُعاني من الدهشة، لم يعتد وجودها بعد!
هندمت خُصلاتها تضع ذاك المثبت كخطوة نهائية لخصلاتها ثم جذبت ذاك الإسوار تضعه بيدها، ارتعش جسدها أثر التفاف يد زوجها على خصرها ضامِمًا إياها لصدره في حين أكملت هي ارتداء حُليتها في حين تابعها هو بشغفٍ.
أخرجته من اندماجه بملامحها مُتسائلة: مطعم بقا وكده؟
لأ خروجة حُرة عشوائية، رِفقة من أحب.
أنهى حديثه بِطبع قُبلة على وجنتها فابتسمت تُمسك يده وهي تسحب هاتفها تتحرك خلفه بواسطة عناقٍ يدوي.
تركت كوب العصير بحذر وهي تضحك بشدة بعدما سكب كوبه على ذاته، طالعها بغضب قائلًا: بتضحكي على إيه يا نورسين!
استنى بس أشوف ظهر في الفيديو ولا لأ.
تتحدث بضحكاتٍ متتالية وهي تتابع هاتفها فقد كانت تلتقط فيديو لهما ولم ينتبه هو للطريق فسقط كوبه على ثيابه أثر مطبٍ.
تعالت ضحكاتها مجددًا وهي تُريه الفيديو بعدما اصطفى يمين الطريق يتابعها.
شاركها الضحكة ساحبًا إياها لأحضانه قائلًا: ضحكتك حلوة.
توردت زيادة وضحكاتها تهدأ تُشدد من ضمه قائلة: مهند،
قالها بعد صمت دام للحظات وهو يراها تخرج من أحضانه: عيونه.
أنت مُختلف، مُختلف حتى عن كل الأبطال اللي قرأت عنهم.
عقد حاجبه مُستفسرًا يود لو يَطول الحديث أكثر: مُختلف إزاي؟
مُختلف في كل حاجة.
إجابة مُبهمة لكنها أنهت بها الحديث وهي تنشغل بالطعام ليتحرك هو بالسيارة على ذلك الطريق الفارغ.
كانت الطريق هادئ بل فارغ من السيارات يعلو به صوت الرياح وقد استبدل مهند بسيارته أخرى دون سقف يتحرك بها بسرعة شديدة.
علت ضحكات نورسين وهي تقف وخصلاتها تتحرك أثر الهواء تستشعر معنى السعادة التي حُرمت منها من قبل في كنفِ والدها، كيف قصّ جناحاها وقذفها لرجلٍ أهلكته الأيام؛ ليُهلك شبابها وتنسى أحلامها وطموحها...
جلست بعد صراخٍ وضحكاتٍ استمرت لخمسة عشر دقيقة تقريبًا ممزوجين بعِبراتٍ خائنة تُخرج بهم كل ما بقى من الماضي داخلها.
طالعته بحبٍ ثم هتفت بابتسامة وهي تمحي آخر عِبرة من الماضي: أنت عارف أنا حبيتك ليه؟ عشان بحس معاك بالأمان يا مهند.
كان هدأ من سرعته بالسيارة ليسحبها لأحضانه طابعًا قبلة على جبينها قائلًا: وأنا بحبك يا عيوني.
كان عوضًا عن كل ما ذرفته من عِبر طوال الماضي، عن كل ما آلت إليه حياتها، عوضًا أذاقها السعادة، كما ذاقت الفراق سابقًا والقسى، ها أنا أكتب آخر سطرٍ بماضي لا أود منه غيركما يا أمي أنتِ وتوأم روحي المفقود ياسين.
لا حياة بالماضي من الآن وصاعدًا.
أغلقت دفترها تستجب لندائه بمشاركته الفِراش كي يُشاهدا فِلمًا.
يومان قضيناهما بالاسكندرية دون ألماس وزوجها البغيض ودون حتى اتصالًا منها بل رسائل بآخر الليل للاطمئان فقط، الأمور تُحاول الهدوء خاصةً مالك الذي يُحاول تدارك الخسائر الأخيرة ولملمت كل أمور الشمراني تحت حُكمه، كيف يقدر على الصبر أمام نِواح مليكة كل ليلة بأنها تُريد زوجها وأمام تمرد تامر، حتى سيف ومهند بذلك اليومان شنّ بينهما وبين الصغير وأمِهِ نِقاش حاد انتهى بأن عصام فاسد وانتهى الأمر.
أظن أننا بحاجة لعودة آسر الأحمق كي يُسيطر على أوضاع عائلته الغوجاء.
أنهت نور حديثها الذاتي عن ما حدث بيومان وهي تستعد لعملية صغيرة كشنِ حربٍ على عصام رفقة زوجها ومهند مُتذكرة كيف بكت مليكة صباحًا تُخبرهم بعدم المساس بزوجها.
عادت نور للتفكير قائلة أظن أننا في حاجة للاستقال عن البيت الكبير!
يلا يا نور.
قالتها إحدى الفتيات تخرج للخارج فتبعتها نور للخارج تنضم للجميع ليأتيهم اتصال صوتي من سوارين يُملي عليهم ما سيفعلونه:
نور وسيف هتفضلوا برة على الطريق بالمساعدات، وأنت يا مهند روح المكان اللي عصام كان فيه وليريا هي اللي هتقتحم المكان الجديد.
حسنًا الإستلامُ نهاية الأسبوع؟
لا لن أنتظر أكثر من ذالك، هذا ما لدي إن كانت غير جاهزة فسأبحث عن غيرك يرضى بسعري، هذا ما لدي، هذا ما لدي لن أكررها مُجددًا، معنا أم،
ضحك باستفزازٍ للجانب الآخر: أقول هذا أيضًا نلتقي نهاية الأسبوع.
أغلق بابتسامة ينظر لما حوله بانتشاء يُحب الضغط على من معه، التحكم بهم لأنه من يُرضيهم بالسعر، أو هكذا يظنوا لكنه بكل مرتان تقريبًا يأخذ ولو نصف البضاعة دون دفع سِعرها فقط بإخبارهم أنها فاسدة.
أوغاد وهو يُعاملهم بذات الطريقة، يبيع ببلده ومعظم البلاد الأخرى بكيفما يشاء ومن يعترض، يلقى الهلاك.
قاطعه رنين هاتفه ليسحبه مُتفحصًا الاسم الذي يُزينه مليكة ابتسم باستمتاع مُجيبًا بثقل: مرحبًا مليكة هل اشتقتي لي.
أنهى حديثه ضاحكًا باستفزازٍ فأتاه صوت لطفلٍ يقول: عصام باشا؟
عقد حاجبه لسماع صوت تامر يُجيب بالعربية: أنا الأفعى.
مش مهم، أنا عايز أجيلك.
ظل عاقدًا لحاجبيه لا يعرف ما يُجيب لحين ما استمع لبكاء مليكة جِوار الصغير ليبتسم قائلًا: تنور يا أفعى يا صغير، هبعتلك عربية تجيب.
أتاه صوت الصغير ثابتًا رغم بكاء والداته: تمام، أوعى تُغدر.
ضحك بخفة واستمتاع لصوت بكاء الأخرى: عيب مش الأفعى.
فاسد صغير لا مانع لوجوده معك برحلة وما لم تُعلمه إياه بالأيام الماضية تلك فرصتك لترويضه حسب منهجك.
بالماضي حيث كانا معه بذات البيت قرر تركهما دون بث أي سموم بعقلهما أو الاهتمام بهما من الأساس أما الآن وبما أنه من طلب ذالك فلا مانع.
وسط نشوته بانضمام تامر له علَت أجراس الإنزار لا تُبشر بخير فأحدهم اقتحم عرينه.
تسللت كعادتها بعدما قطعت مسافة لا بأس بها على قدمها حتى وصلت لسور المنزل الذي يقنط به الأفعى.
دارت حول المكان حتى وصلت لمُبتغاها، البوابة الخلفية، من المُخطط له أن تقفز من فوقها لكنها مفتوحة!
هل وصل أحدهم قبلي؟
تسائلت بضيق ثم خطت للداخل بحذر تُطالع المكان فكان فارغًا تمامًا.
ظلت تتطلع بترقب للمكان حتى وصلت لإحدى المخازن ليتساءل صوتٌ ما بداخلها هل هذا فخ؟
تابعت تقدمها لداخل المخزن تتفحصه حتى انتهت منه ومرت من باب آخر للمخزن يصلك بمخزن آخر لتسمع صوت أحدهم يتحدث في هاتفه:
متقلقش يا فندم وليد جاي ياخد بضاعه بس، ماشي اللي تشوفه.
أغلق هاتفه ثم اتجه لآخر قائلًا: خد اللي محتاجه ضروري واستنى لآخر الأسبوع في بضاعة جديدة جاية، بس ده بيني وبينك يا وِلْ.
ابتسم المدعو ب وِلْ أو وليد قائلًا: خلصانه جيب النص بس.
التفتت بعدما أدت مهمتها تخرج من الباب الأخير تلقي نظرة اشمئزاز لكم العُلب المليئة بالتأكيد بالسموم، لابد أن ينتهوا قبل أن تُوزع تلك الكميات على شباب البلد!
تحركت بعض الخطوات للخارج حتى شعرت بفوهة سلاحٍ على رأسها يتبعها صوت أحدهم متسائلًا: أنت مين ودخلت هنا إزاي؟
خلاص تمام حلو العرض ده، وبالنسبة للشمراني فكُ الحصار عنهم.
أماء الجميع فأضاف مساعده: الاجتماع القادم في اسكندرية بإذن الله، قبل العرض الأساسي.
نهض الجميع وانصرفوا بهدوء فتحرك آسر لمكتبه وهو يسمع حديث مساعده: قدامنا نص ساعة على الاجتماع التاني.
أماء يسترح على مقعدٍ وثير ثم أخرج هاتفه يُرسل رسالة لألماس: ميمو هنتحرك بعد المغرب، لولا كلمتني وأنت عارفه مقدرش اتأخر عليها.
24/11/23.
ت
نفست بعمقٍ وهدوء وهي تسحبه من يديه تُسقطه أرضًا بعدما جذبت سلاحه ثم صوبت على رسغه ثم ذراعه بالأكمل تستمع لصرخاته وهي تركض للخارج.
خرجت من المخزن تتجه للباب الخارج لتُحاصر من جديد بخمسة رجال ذو أجساد ضخمة، لم تكن العقبة هنا بل بأسلحتهم المُصوبة باتجاهها، هكذا ظنت.
تبسمت بسخرية نابسة بداخلها: نزاع صغير لن يُأخرنا،
ضغطت زِر العون بحزام ثوبها وهي تستعد لهم.
علي الضفة الآخرى حيث تقف سيارات سيف ونور ورجالهم وبداخل إحدى السيارات كان سيف ونور وبعض المتخصصين يتابعون الإشارات حتى أتت لهم إشارة فهتف سيف: استعدو للهجوم.
أخرج هاتفه وهو يخرج من تلك السيارة يأخذ موضعه بسيارة أخرى مُصفحة ومجهزة للهجوم تُجاورهم نور ثم أرسل رسالة لقائده حوت على: نتحرك.
كلمة صغيرة مفهومة للطرفين وهكذا معظم المحادثة بينهم كلمات صغيرة مقتضبة تحوي ما يريد الآخر قوله.
أسقطت ليريا السلاح من يدي أحدهم ثم انحنت سريعًا وقد حدث ما شكت به حيث ضرب أحدهم ويبدو الأعلى بينهم فلا حرك دون النظر له.
ضرب ذاك القائد رصاصة فاستقرت برأس من يُقابله الوقوف بعدما انحنت ليريا.
غمزهم وهو يلاحظ وقوفها والنصر بيّن بعيناها لتتبدل أسلحتهم من سِلاحٍ لسلاحٍ أبيض يبتسم الآخر بسعادة فإن نجت من سلاحهم لن تنجو مِن سِكينهم الحاد.
كادت تُكرر الفِعلة لكنهم أحاطوهم سريعًا مُضيقين الدائرة حيث شكلت سكاكينهم حِصار على عُنقها يُشيران لها بالدخول للداخل دون حديث.
ترجلت للداخل بثباتٍ لم ينزاح وعقلٍ يُنهش لا سبيل لشيء غير قتلهم حتى لو كُشفت هويته وهذا ما ستفعله.
دفعها أحدهم من الخلف هاتفًا بها: خلصي يا أختي مش ناقصه.
ليهتف به الآخر بعدما لامست السكين عُنقها وانجرح جُرحًا صغيرًا: خد بالك دي لو حصلها حاجة قصادهم رقابينا كلنا.
دلف آخر بعنفٍ للمكان وأعين تلمع بالاحمرار صارخًا: أنتم قتلتوه؟ قتلتوا خميس ليه؟
ردّ القائد مُشيرًا لأحدهم: ابعد الواد ده من هنا عشان ميحصلش صاحبه.
مناوشات كثيرة بينهم وليريا تُحاول التفكير في حلٍ يُخرجها من مأزقها لكن لا حلّ يخطر على بالها دون خِسارةٍ!
يقف الأربعة بالخلف يُشاهدون رفيقهم وما يفعل من ضبطٍ لملابسه وحجمهم بحقيبة تصغره بقليل، أعين نادرٍ تلتمع بدمعٍ محجوبٍ حتى شعر بلكزةٍ من أحمد يُشير له بالتدخّل بالأمر وإيقاف أخيه.
تنهد ماحيًا تلك الدموع قبل أن تسقط مُتقدمًا من أخيه قائلًا: تامر،
طالعه تامر بطرفِ عيناه ثم استكمل إخراج الملابس، فاسترسل الآخر: تامر أنت هتسيب،.
صمت فلم تكن علاقتهما ودودة بالشكل الكافي ثم استرسل لحسن حظه أنه لم يفهم معايير الحياة كُلها: أنت هتسيبني يا تامر وتمشي؟
تلقى الردّ من الآخر قائلًا: خلاص تعالى معايا،
طب وماما؟
ومن إمتى كانت معانا!
قالها مُلتفتًا كُليًا لأخيه فصمت الآخر فلا فائدة من تكرار أن لا ذنب لوالدتهم بالبعد والفراق.
تدخل إياد بالحديث حزينًا على مُفارقة أحد أصدقائه: طب وأنا يا تامر؟
تدخل أحمد هو الآخر قائلًا: أنا عارف إن علاقتنا مش الأحسن بس مش إحنا بقينا صحاب، هتبعد ليه؟
وكذلك ألماسة التي هتفت بخفوت مُتقدمة منه: مش إحنا اتصالحنا يا تامر!
تردد قليلًا بقراره لكنه حقًا لا يُحب أن يظل مع تلك السيدة التي لا يعرفها، أهون عليه أن يجلس مع الأفعى خيرٌ من أن يجالس شخصان يُخبرانه أنهما والداه، أين كانا طوال المدة الماضية.
قد ظل عُمره بأكمله أي طوال سبع أو ست أعوام حتى الآن رفقة الأفعى برغم مناوشاتهما وكرهما لبعضهما، إلا أنه يظن به الخير...
مُتردد بين أعوامٍ مضت معك وبين عُمرٍ دونك، بين مشاعرٍ لم أذقه وأخاف تذوقها، أخاف أن أعتاد حلاوة المذاق فتعصف بي الحياة على حقيقةٍ فجعة دونك، بين الصِبا واليفع أنا، بينك وبينهم، أنا حائر، وحيدٌ، خائف.
ابتسم برضا بعدما وصل إليه قرار آسر حول فك الحِصار عنهم فأخرج هاتفه يتصل بزوجته يُشاركها الخبر فلم تُجب.
كاد يُهاتفها مجددًا إلا أن طرق الباب قطعه حيث دخلت رانيا بعد الإذن بأدبٍ تُعطيه ورقًا مضيفة: الحسابات يا فندم.
تصفح الورق سريعًا بعيناه وبعد دقيقة تقريبًا رفع عيناه يتحدث إليها قائلًا: تمام يا رانيا بس في فلوس كتير بتدخل في نفس الوقت الوقت، مصدرها إيه!
والله يا فندم معنديش العلم الكافي بس دولا خاصين بعصام باشا وشغله التاني.
أماء زافرًا بقوة كمحاولة للهدوء الذي أباده عصام أو الأفعى في رمق البصر ثم أردف: وقفي دخول الفلوس دي كلها لحساب الشمراني وحوليهم لحساب عصام وابعتيلهم بالنص شغلك ميلزمناش.
أماءت بهدوء قبل انصرافها: تمام يا فندم.
أعاد الاتصال بزوجته لتُجيبه وهي تبتعد قليلًا عن أختها تاركة إياها مع نورسين وحبيبة ولافيرا.
خير يا مالك؟
عادت الابتسامة لوجهه فور مهاتفتها قائلًا: وحشتيني.
ابتسمت بخفة فهي ليست بذلك المود لكن أجابته بما يُرضيهو يرضي قلبها: وأنت كمان يا حبيبي.
تحمست أوصاله لروي لها ما حدث قائلًا: آسر فك الحِصار وهنرجع نشتغل مع الناس القديمة.
طب الحمد لله.
الدنيا عندك إيه؟
لوت ثغرها بضيق قائلة: تامر كلم الأفعى وقاله يبعت عربية تاخده ومليكة انهارت وادناها حقنة مهدئة ونامت.
مينفعش يروح ليه يا مليكة، الأفعى هيلوي دراعنا بتامر.
ترددت قليلًا إلا أنه أردفت بالنهاية: متأخّر يا مالك، العربية لسه متحركة مش شوية،
أُشعلت الحرب ومعي عونٌ أو رهينة لست أُفرق إلا النصر.
أول حاجة لازم تعرفيها وتحطيها حلقة في ودنك، ما تخاطريش بحياتك، مهما حصل يا ليريا متخاطريش بحياتك، قولي اللي هيخرجك من المشكلة مهما كانت خطورته وسيبي الباقي عليا أنا هحل المشكلة.
ظلت تتطلع إليه فتنهد موضحًا: يعني يا ليريا أنا لو حد بيهددني وخلاص كل السُبل للنجاة نفذت ما عدا الإعتراف بسر، هقوله بس في نفس الوقت أبلغ القائد الخاص بيا عشان الأمور تبقى تحت السيطرة وهو يتصرف، بس متقوليش برضو حاجة قومية يعني حاجة مهمة بنسبة 40% مثلًا، فهمتِ متخاطريش بحياتك يا ليريا.
السكينُ يُحاصر عُنقها من كل الجهات وما بِعقلها إلا حديثه أتنفذه ويمحو هو الخطايا أم تُعاند وقد تُمحى هي!
دخل الأفعى بِخُطى مُتمهل ينفس سيجارته بابتسامة قائلًا: كيف حالُك ليريا، أيتها القطة، يا إلهِ كم اشتقتُ لرؤيتك!
أنهى حديثه ضاحكًا بسخرية وهو يتقدم منها حتى وقف أمامها فأشار لرجاله بالابتعاد بعدما تأكدوا من الوثاق بقدمها ويداها للخلف.
ليريا تلك الفتاة التي تُطارد الشر وكأنها قُط الخير، أفيقي نحن بحياةٍ غير عادلة، موازينٍ غير دقيقة بالمرة لن يرتفع ثقلكِ دومًا، يومٌ لكِ ويومٌ، عليكي.
ماذا تُريد أفعى؟
دار حولها مُتحدثًا: لن أُطالبك بالأمان كي أخرج من البلاد وما شابه، أستطيع جلب أماني من فمّ الأسد متى ما شِئت.
إذًا وما تُريد؟
فكر قليلًا ثم أردف بابتسامةٍ خبيثة: قبل قتلك؟ حسنًا أُريد معرفة هويتك،
أنهى حديثه بضحكةٍ بينما هي صرخت به وهي تُحاول فكّ وِثاقِها: عصام إياك وفِعلِها، إياك ها أنا أُحذرك!
صفعها على وجنتها قائلًا: اصمتي ليريا لن تُخبيريني بما يجب فعلَه بالتأكيد.
عَلَى صوتها بالصُراخِ تسبه وتلعنه بكل ما تعرفه من لُغةٍ مُنهية حديثها بلغةٍ عربية: إياك يا أفعى هتندم والله.
صرخ بها كي تكف عن الحديثِ قائلًا: اصمتي، حسنًا قد أُبدي ولو قليلًا من الإحترام لرغبتك،
أنهى حديثه مُشيرًا لرجاله بالالتفات فامتثلوا لأمره: ليس لديكِ حُجة الآن، أنا فقط من ستثنح له الفرصة لرؤيتك، لعلكِ تُعجبيني ليريا فنتزوج ونكن (حاميها وحراميها. ).
أنهي حديثه بالعربيةِ ضاحكًا مُقتربًا منها حتى امتثل أمامها.
مدّ يده أمام مُقاومتها ليثبت رأسها بيد والأخرى ينزع بها قِناعِها الذي يُخبأ خلفه حقيقتها فلا تظهر إلا عيناها، حتى صوتها مُختلف بسبب جهازٍ وضعوه كي يغير نبرتهم.
لحظاتٍ تفرقه عن معرفة مهيتها يرفع القِناع ورويدًا رويدًا يظهر أجزاء وجهها...
طال التحليق بينهما بصدمةٍ حتى نبس بخفوتٍ وهمس: ،!
أنت بتهزر، يعني إيه العربية مش بتتحرك!
ترجل من خاصته وبرفقته نور مُتجهين صوب سيارة أخرى يستقلها مُتحركًا من طريقٍ آخر بعدما وقفت سيارته بمنتصف الطريق تعيق كل السيارات من خلفها فاضطروا لتغيير طريقهم.
أتاه اتصال من مهند قائلًا: سيف، ليريا لو حصلها حاجة مش محتاج أقولك إللي هيحصل.
اقفل يا مهند مش ناقصة لبخة، أنتِ عارف إن ليريا غالية عندي، أنا مُستعد أضحي بحياتي عشانها.
صرخ سيف بتلك الكلمات بمهند وهو يتحرك بسرعة مبالغٌ بها حتى أن الغُبار قد يُعيقك لساعاتٍ بعد مرور سيارته بالوسط.
برغم من معرفة نور أن ليريا مُجرد صديقة إلا أنها صديقة مُبهمة بالنسبة لها لا تعرف كيف تكن بذاك القرب من زوجها إن لم يكن يعرف هويتها وكيف تتحدث دومًا عن حُبها لآسر أمامهم بكل تبجح.
تعترف أنها تشك بها بل أصبحت تشك أنهم يعملوا لمصلحتهم الخاصة!
انتهى من فحص المكان بنتيجة ايجابية فخرج بهدوءٍ من ذاك المكتب الخاص بعصام في إحدى المنازل الخاصة به ثم تحرك بعدما هاتف سيف للخارج مُتحركًا بسيارته ومن خلفه رجاله متجهين باتجاه القصر الذي يقبع به عصام الآن للمشاركة بالمشابكة.
أتاه رسالةً محتواها: أكل شيء بخير مهند؟
نُحاول كالعادة، انتهيت للتو من فحص المنزل، كان به بعض الأوراق التي تُدين مالك وكأن عصام تركها قصدًا، اتجه الآن للاشتباك.