قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السادس والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السادس والثلاثون

رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل السادس والثلاثون

ظلّ يتطلع إليها بصدمةٍ مُكررًا بخفوتٍ وعدم تصديق لوجودها هي دونًا عن كل من توقعهم: ألماس!
ضحك بعدم تصديق مُتطلعًا إليها، بينما هي قلبت عيناها لاضطرارها لما ستفعله وموقفها هذا!
ضحك مُتسائلًا بلكنته الأجنبية: أيعرف آسر عن فِعلتِك تلك؟
تنفست بعمق فهذا ما تخشاه من الأساس، وأردفت: عصام، خلينا نوصل لحل وِدّي، متدخلش آسر بينا.

ظلّ يتطلع إليها قليلًا يُفكر في كيفية استغلال ذلك الموقف، فابتسم قائلًا: رغم إني مش بطيقك، بس مفيش مانع من إذلالك.
أنهى حديثه ضاحكًا وقبل إرداف أي شيء، سمع صوت أحدهم يهتف بصراخ: هجوم من الشرطة،
كررها كثيرًا وعمّة الفوضى المكان، فاستدرك الأفعى الوضع مقتربًا قليلًا منها ثم هتف بخفوت لها قبل أن يرحل: هنتقابل تاني، هنتقابل.

ترك المكان هاربًا لتنزع يدها بعد لحظاتٍ تُداري وجهها سريعًا وفي لحظتها دخلت القوات الخاص بسيف بقيادته وزوجته.
اقترب سيف منها يُساعدها بفك قيود قدمها هاتفًا: اتأخرنا أوي؟
لم تُجيبه بل طالعته بضيق، لن تُجب حتى لا يُكشف صوتها الحقيقي بعدما تحرك الجهاز عن فمها، فنهضت في ذات اللحظة التي هتفت بها نور: سيف، مكانك في هجوم،.

بالفعل نهض سيف يأخذ محلّه في ساحة تلك المعركة بينما أشارت له ليريا بانسحابها، اُحتِلت ساحة المخزن برجال الأفعى ورجال الشرطة، الجميع على أتم الاستعداد للتضحية، إلا هي على أتم الاستعداد للقتل دون الرّف بعينيها حتى، يكفي ما خسرته اليوم.
أخرجت سِلاحها وصوبت اتجاه شخص ما ثم قلبت عيناها بغيظ وهي تنسحب سريعًا من المكان، غفلت عن مُراقبة نور لها التي اندهشت من فعلتها مُرددة بين ذاتها: كاد تقتله!

تنفست بعنفٍ والدموع تنهمر من عيناها دون توقفٍ وهي تستند برأسها على الوسادة لا يجب أن يعرف أحد شيء.
رن هاتفها للمرة الثالثة لتنهض بكسل تتجه لدورة المياه بعد سحب الهاتف تفتح الخط بعد فتح المياه كي لا تضح نبرتها هاتفة: دقايق يا آسر ونازلة.
وأغلقت دون سماع رد.
قررت الاستحمام ونسيان ما حدث حتى تلتقي بسوارين غدًا ولابد أن يسير يومها بسلاسة، لا يجب أن يتعرقل أي شيء أمامها اليوم.

بعد بضعة ساعات كانا قد وصلا للمنزل الرئيس بالاسكندرية، أخفت انتفاخ عيناها بأدوات التجميل والتهرب بحجة النوم، فحتى الآن لم يلاحظ آسر شيء بسبب انشغاله بمتابعة العمل.
هبط آسر من السيارة بعدما أيقظها لتركض اتجاهه صغيرته المحببة لقلبه هاتفة: وحشتني يا بابا.
قبّل وجنتها بحب قائلًا: وأنتِ كمان يا لولي، وحشتيني جدًا.

تعلقت بعنقه حتى لمحت والدتها تهبط من السيارة تفرك عيناها بنعاس، فهبطت من يد والدها راكضة لوالدتها التي قابلتها بشوقٍ هي الأخرى.

كيف صمتت طوال الليل لا تدري لكنها تحججت بالنوم وها قد أتى موعد لقاءها بسوارين، ترجلت للمبنى الخاص بعملها الآخر ترتدي قناعها، ولحسن حظها لم تلتقي أي شخص حتى مكتبه.
طرقت طرقات متتالية خفيفة حتى سُمح لها بالدخول.
فور ما دخلت نهض متجهًا إليها يُعانقها بقوة هاتفًا: أنتِ إزاي متقوليش ليا إللي حصل امبارح؟
حد عملك حاجة لما كنتي لواحدك في المخزن؟ هددوكي؟
ما تنطقي يا ليريا!

ابتلعت لُعابها تُظهر ذاك الجرح الصغير بعنقها، فلامسه بأنامله قائلًا: إزاي يا ليريا معرفتيش تبعدي سكين! ما تحكيلي يا بنتي!
ظلت صامتة حتى نهرها بقوة: ليريا! إيه اللي حصل امبارح!
ابتلعت لُعابها ثم نظرت بعيناه ونبست: تم كشف هويتي.
ابتعد عنها بقوة هاتفًا: نعم! إزاي وليه ومين اللي عِرف يا ليريا؟

لم تُجيبه بل أخفضت عيناها أرضًا بخزيٍ وضيق، حتى أردف بنبرة حازمة: احكيلي كل اللي حصل امبارح وإزاي متقوليش ليا امبارح؟
سحبت نفس عميق، ثم انكبت تسرد له كل ما حدث بالأمس وأنها حاولت المخاطرة وحتى تلك فشلت بها.
ظل يُطالعها قليلًا ثم أردف: ليريا عودي لمنزلك، أنتِ موقوفة عن العمل، حتى إصدار قرار آخر.
صرخت بدهشة وعدم فهم:.

ماذا! أي إيقاف هذا الذي أحصل عليه؟ هل جننت سوارين؟ توقفني أنا! بعد ماذا بعد كل تلك التضحيات التي قدمتها لأجل العمل؟ أنت لم تُصدر قرار إيقافي عن العمل حينما تركت البلاد واختفيت؟ كيف! كيف تفعل بي هذا،
قاطعها دلوف سيف بعدما طرق الباب يليه مهند قاطعين صراخها.
تنفست بعنف تتطلع لسوارين لا تحيد بعيناها عنه وكذلك هو مصدوم من رد فعلها، قاطعهم صوت مهند الذي هدر: مالكم؟ حصل حاجة ولا إيه؟

أكمل سيف موضحًا سبب سؤالهم هذا: صوتكم واصل لآخر الممر!
أردف سوارين بهدوء يحاول التحلي به: ليريا اتكشفت هويتها،
كان حديثه تلك المرة بالعربية ليأتيه سؤال مهند: امتى الكلام ده حصل ومين اللي عرف؟!
الأفعى.
نبسها بذات الهدوء وعيناه تحاول ترويضها، إلا أنها بتلك المواقف تُثبت صدق لقبها وأنها مُجرد قط عنيد لن يخضع لمالكه أبدًا.
ابتلع سيف لُعابه بتوتر متسائلًا: أنا اتأخرت أوي امبارح؟!

وكما يُقال لو أن النظرات تقتل؛ لنُحر عنق سيف للتو من نظراتها.
ارتاح جسد سوارين على المقعد من خلفه متسائلًا يتلاعب على تلك الأوتار الخاصة بها: بس رفضك للأجازة ده هيعرض عيلتك للخطر، خاصة إن الأفعى مش سهل وخلاص عِرف هويتك،
رأت ابتسامة خافتة منتصرة بعيناه لتضحك ساخرة وهي تُردف بعنف شديد: أنت أكتر شخص عارف إني أقدر أحمي عيلتي.

جلست على المقعد المقابل له تُردف بلين: سوارين أنت عارف أنا تعبت إزاي عشان أوصل لهنا!
متحاوليش يا ليريا ده القرار الأنسب للموقف.
صرخت بانفعال بسبب هدوءه المستفز لكل ذرة بها: أنت ملكش إنك تصدر قرار زي ده! أنت مش القائد الأكبر!
رغم دهشته من حديثها، إلا أنه صرخ بها: انتباه يا حضرة الرائد ومتنسيش إني القائد الأعلى والمسؤول عنك، اتفضلي.

أشار لها للخارج فاندفعت دون كلمة أخرى تُداري دموعها متجاهلة نور التي انتبهت لمظهرها...
تحركت بعدم فهم لمكتب القائد تحييهم وقبل أن تتحدث أشار لها سيف للخارج وتبعها هو ومهند تاركين سوارين بمفرده في مكتبه.

كانت تجاوره بالسيارة متحركين خارج المبنى فأردفت بهدوء وعقلٍ منشغل: سيف،
نعم يا حبيبي؟
ابتسم لها بخفة شاركته بتوتر ازداد بعدما أمسك يدها بيده.
عايزة أتكلم معاك في حاجه كده،
اصطف أمام إحدى المطاعم وبعد مدة عاد لها بالطعام يتشاركونه بالسيارة كعادتهم.
ها يا حبيبي مالك احكيلي.
حمحمت تستجمع حديثها ثم أردفت: هي ليريا تبعنا ولا علينا؟
عقد حاجبيه بعدم فهم لسؤالها عن ليريا قائلًا: مش فاهم؟ ليريا شغالة تبعنا.

ظلت تتطلع إليه ثم ألقت ما معها من حديث حول أمس: تمام بس ليه ضربت عليك نار امبارح.
تطلع إليها بصدمة هاتفًا: استحالة، ليريا استحالة مين قالك الكلام ده!
اندفعت مجيبة: أنا شوفتها بنفسي امبارح، وبعدين أنت واثق فيها ليه؟ سيف أنت عارف هوية ليريا؟
أجابها وما زال عقله يُفكر: لأ محدش يعرف هوية التاني ولا معلومات شخصية عن حياة بعض إلا أنا سوارين وليريا عارفين بعض تفاصيل حياتي بحكم قربي منهم وكذلك مهند.

ارتفع حاجبها باعتراض متسائلة: وأنت متعرفش حاجة عن حياتهم؟ إزاي وليه تثق فيهم كده؟!
ابتسم بدهشة لأسئلتها تلك قائلًا: نور، سوارين القائد بتاعي وتعاملي وعقابي وثوابي من سوارين مش صقر.
كانت جملته الأخير دليل على أن قائد سوارين هو صقر وأنها الآن ضمن قائمة سوارين.
أماءت بهدوء تحجم بقية أسئلتها لوالدها لعله لا يكذب عليها مثلما تشعر اتجاه سيف.

صمتت تلوك بعض الطعام بجوفها في حين أن عيناه لم تنزاح من عليها يحاول معرفة ما يدور بها.
عادت تسأله بهدوء ودون مقدمات: إحنا بنشتغل للمصلحة العامة ولا الخاصة؟

بصي يا مدام حبيبة هكتبلك على تحاليل تعمليها عشان نطمن.
أماءت حبيبة ثم بادرت متسائلة: هو حضرتك شاكك في حاجة معينة؟
أجاب بهدوء ودون إطالة في التفكير حتى لا تقلق: مقدرش أقول إني شاكك في حاجة لازم أبقى متأكد عشان برضو مقلقش حضرتك، دي التحاليل وكتبتلك تبطلي إيه من الأدوية اللي كنتي بتستخدميها.

ودعته بهدوء متحركة للخارج لا تدري فيما يُفكر ذلك الطبيب ولا تدري أتقلق أم تطمئن لكنها ستتوكل على ربها وهو سيُنجيها.

يدور بعقلها ما حدث بينها وبين سوارين الأمر مؤلم ومزعج أن يتم إقالتها ولو ليوم واحد فما بالك لمدة غير معلومة!
قد حاربت لأجل المواكبة بين حياتها هي وعملها وبين حياة أُخرى اختلقتها لا يدري عنها أحدهم شيء!
ما بال الأشياء تُفسَد تلك الأيام!
ألماس، ألماس، مالك يا حبيبتي.
فاقت على تلك الكلمات من زوجها يهز قدمها بيده كي تستعيد انتباهها.
انتفضت للخلف تتمنى ألا يكن استمع لما بداخلها.

بادر مجددًا بالحديث: مالك يا ماستي أنتِ عملتي تحاليل الدم؟
أطالت النظر به ثم أجابت بهدوء: لأ معملتش ومش عايزة أعمل حاجة.
ظنت أنه سيناقشها إلا أن رده، كان مختلف حيث جذبها برفقة لعناق لحظات واستوعبت، فعناقته بقوة باكية دون توقف وهو يواسيها بيده المربطة على ظهرها وقبلات صغيرة على خصلاتها المعقودة وبعض الكلمات المواسية...

تحرك من غرفته بتعجب لحضور أحدهم الآن، الوقت لم يتأخر بل ما زالت السابعة لم تُتمم، لكن الأمر غريب أن يزوره أحدهم دون اتصال.
تفاجأ بابنته تقف أمامه بابتسامة وبيدها أكياس مُردفة: مسا مسا يا يسور.
ابتسم يلتقطها بأحضانه: مسا مسا يا نور عيني.
سحب الأكياس من يدها وبالأخرى جذبها للداخل قائلًا: وحشتيني يا نور عيني.
وأنت كمان يا بابا وحشتني جدًا فقولت بقا أجي أشوفك وكده.

عاد بعدما أغلق باب المنزل يجلس جوارها يعانقها باشتياق: تنوري يا حبيبتي، أعملك حاجة تاكليها؟
ضحكت بخفة على والدها الذي يُمثل الأب والأم لها مُردفة: لا يا حبيبي تسلم أنا جايبة أكل وتحلية كمان.
بعد قليل من الوقت كانوا قد أنهوا الطعام ولملمته نور بالحقائب تنقلها للمطبخ، ثم جلبت الحلوى والعصير والشاي الخاص بوالدها وجلست جواره على الأريكة بالشرفة.
ها بقا إيه سر الزيارة الحلوة دي، سيف مزعلك؟

ضحكت: لا متقلقش أنا اللي بزعله بس.
براحة على الواد يا نور.
متقلقش والله يا بوب متثق فيا شوية، مش بضايقه كله بالتفاهم واللي عايزاه هيكون برضو عادي.
ضحك على تصرفاتها تلك ثم طالعها منتظر أن تُخبره بما أتت لأجله، دارت بعيناها قليلًا، ثم ضحكت من نظرات والدها قائلًا: بص هو مين القائد بتاعي؟
أجابها دون انتظار ولكن بعقله الكثير من الأسئلة، تُرى لما أتت نور ولأي شيء قد حدث؟
سوارين.
ومين قائد سوارين؟
أنا.

بابا أنت عارف هوية ليريا وسوارين؟
عقد حاجبيه باندهاش مطالعًا إياها وهو يتسائل: بتسألي ليه يا نور؟
أنا بس كنت عايزة أعرف هما بيشتغلوا لمين، بصراحة يا بابا أنا بدأت أشك إن الشغل للمصلحة الخاصة مش العامة.
ابتسم بهدوء يحاول معرفة ما يدور بعقلها: بصي يا نور، أنا واثق فيهم ومتقلقيش منهم والأكيد إن شغلنا لمصلحة مصر مش للمصالح الخاصة.
أماءت ثم قالت بتوتر: طب هقولك حاجه بس هقولها لبابا مش صقر!

تعجب منها كثيرًا، لكنها أماء لها لتفيض بما لديها فتحدث: ليريا بينها وبين سيف،
قاطعها قائلًا: نور خليكي واثقة في جوزك، سيف وليريا مفيش بينهم أي علاقة غير زمايل عمل.
نفت سريعًا قائلة: لأ أنا مقصدش كده خالص، أنا بثق في سيف جدًا، كل الحكاية إنها ضربت عليه نار،.

بقولك شاكه فينا!
خلاص اتصرف مش هي مراتك!
هي آه مراتي بس متنساش إني قولتلك بلاش تدخل فريقنا! خليها مع حد تاني لأن نور ذكية وأنت قولت ده المطلوب أنا عايز ذكاءها، هنعمل إيه دلوقتي؟
سيف أنت اللي هتعمل، إحنا مش هنعمل، اتصرف قولها أي حاجة، هي أصلًا كلمتك في إيه؟
سألتني عن إن كنا بنشتغل لمصلحتنا الخاصة ولا لأ وأنا قولتلها لأ وسألت عن هويتك أنت وليريا، صحيح عملت إيه مع ليريا؟

معملتش، خلاص الموضوع ده اتقفل ومتكلمناش فيه تاني.
صحيح نور قالت إن ليريا ضربت عليا نار امبارح وأنا قولتلها إن ده ميحصلش،
لو بتقول عشان أسألك ليريا ففي أحلامك يا سيف أنا مش مكلم ليريا تاني.
ولا أنا يعم، الدنيا بايظة، هاجي أنا وأبوظها أكتر بسبب الموقف ده؟ استحالة أنا بثق في ليريا.
طب يعم الواثق كلم الأفعى أنت.
لا هخلي مهند يكلمه، أصلًا مليكة بتحاول توصله عشان ابنها بس مبيردش،.

بص يا سيف نهاية الكلام، حلمة ودنك أقربلك من إني أحاول أتفاوض مع عصام ولا الأفعى، أنا مش هتفاوض أنا، سلام يا عم بلاش صداع على آخر الليل.
أغلق هاتفه يدخل ذاك القصر الخاص بعائلته لتعلو الابتسامة ملامحه فور رؤية والدته تجلس بالردهة، اقترب مقبل رأسها ثم يدها وهو يجلس جوارها.
عامل إيه يا حبيبي؟
ابتسم قائلًا: الحمد لله يا بيبة، عملتي إيه عند الدكتور، وليه مكلمتنيش أجيلك أو أجي معاكي!

قولت مشغلكش يا مهند أنت طول اليوم في الشغل.
يا ماما لو سمحتي لما تكوني رايحة للدكتور تكلميني، ها قالك إيه؟
ابتسمت تُحاول تنقية الكلمات كي لا تُخيف ابنها فقط: مفيش كتبلي شوية تحاليل أعملها وارجعله.
وعملتيها؟
نفت ثم استرسلت:
بكرة هعملها، المهم ألماس عاملة إيه وعملت تحليل دم؟
تنفس بعمق يُريح ظهره للخلف: هيعملوا هما التلاتة تحاليل شاملة بكرة ونورسين عندها دلوقتي،.

ها الحلوة هتفضل زعلانه كتير؟
أردفتها نورسين تسحب طبق الطعام من يد ألماس التي صرخت بها: يا بنتي جعانة!
ضيقت نور عيناها متسائلة: ألماس أنتِ كويسة؟ من امتى كميات الأكل دي؟ دي عمرها ما حصلت حتى لو تعبانة!
ثم صححت بعد نظرات ألماس: أقصد مكتئبة، مش بتاكلي الكميات دي!
تركت نورسين الطعام منتبه للحديث متسائلة: هو أنا فهمت صح؟!
تسائلت نور ساخرة: هو أنتِ بتفهمي يا نورسين؟

ضربتها على قدمها قائلة: احترمي نفسك يا عسل.
جذبتها ألماس متسائلة: فهمتي إيه، أنا مش فاهمة حاجة!
اقتربت نور من ألماس فقلدتها نورسين بابتسامة حمقاء وألماس تُطالعهما بعدم فهم: ألماس أنتِ حامل؟
ضحكت مبتعد عنهما أثناء قولها: لأ طبعًا أنا مزاجي مش متظبط من الشغل وبعدين بقالي شهر ولا أكتر على الحال ده.
طب ما الميه تكدب الغطاس!
قالتها نورسين فطالعتها كلتاهما لتسترسل:
يعني نعمل تحليل ونشوف ساعتها إيه الكلام.

تيجي دلوقتي؟
قالتها نور بحماس وعلى عكس المتوقع قد وافقت نورسين بحماس، أم ألماس فعادت للخلف تهز رأسها بالرفض.
طالعاها بعدم فهم فأجابة: مش عايزة أعلق نفسي بحاجة زي كده.
هتفت نور أثناء نهوضها: متعلقيش نفسك إحنا هنعمل تحليل ونروح نجيب نتيجته بكرة، يلا بقا!

كانت ليلة مليئة بالأفكار، حيث عانق آسر زوجته العزيزة دون سؤال عن سبب خروجها مع رفيقاتها، فقط ينعم بعناقها الدافئ وهكذا استيقظا.
فتحت عيناها لتلتقي بعيناه ابتسمت بتلقائية تعود لغلق عيناها أثناء قولها: مزهقتش؟
أغرقها بالقبل في وجنتها وعنقها أثناء دغدغتها وقوله: عمري ما أزهق منك.
انطلقت ضحكاتها تُحاول الابتعاد عنه، حتى ارتطمت رأسها بالكومدون فانطلقت صرخاتها.

ضحك يعانقها وهو يُحرك يده بحركاتٍ دائرية على موضع الارتطام.
حد قالك تبعدي عني.
يا عم أبعد يا عم، هتكسر راسي عشان ببعد عنك.
أماء بابتسامة مستفزة ثم أردف باستنكار واشمئزاز: أنا عم!
رفعت يدها تُعانق عُنقه، قائلة بدلال: تمشي يا ريس؟
ضحك يضمها قائلًا: تمشي وماله.
تلألأت الدموع بمقلتاها تضم ذاتها لصدره قائلة: أنا زعلانه جدًا.
حقك عليا.
قالها يطبع قُبلًا أعلى رأسها.

اعتلى المقعد الرئيسي بطاولة الطعام وبغير إرادة منه تولت مشاعر عصام القيادة متسائلة كيف ستكون الأجواء إن امتلئت تلك الطاولة بأفرادٍ بدلًا من وضعها هذا فارغة لا يملأها إلا هو.
مهلًا ها هو النسخة الأخرى منه تتقدم دون اهتمام وبملامح غلبها النُعاس، ورغم نظراته البريئة تلك إلا أنه كان منمق الملابس مثله تمامًا.
لم يُلق عليه التحية حتى، بل جلس على مقعدٍ حتى لم يكن مجاورًا له، بل يَبعده بمقعدين.

ابتسم على تلك الأفعال التي يُحبذها، لكنه يُحبذها اتجاه الآخرين وليس هو!
تخلى عن عنجهيته الفارغة ومشاعر عصام المقيتة تلك، مُردفًا بابتسامة يُراقب ارتصاص الفطور أمامهما: أهلًا وسهلًا بالأفعى الصغير، أقصد تامر.
رمقه تامر بطرف عينه، ثم اعتدل يُطالعه بابتسامة مصطنعًا الود: أهلًا بالأفعى نفسه.

حرك رأسه بابتسامة ساخر، ة يعود بعينيه لطّعام أمامه يبدأ به متجاهلًا مطالعة الأفعى له، فما ينقصه سواه على بادرة الصباح!
طال الصمت حتى تسائل الأفعى بهدوء: إذًا تامر،
ومجددًا طالعه بطرف أعينه، وتلك المرة لم ينظر إليه بل عاد بنظره للطعام من أمامه؛ فتحدث الآخر: تحب،
وقبل أن يُكمل جملته أو حتى كلمته كان يُقاطعه تامر بقوله: محبش.

رمقه باستنكار شديد، ثم تحدث دون اكتراث لرغبته: تحب تتعلم مسكة السلاح، التصويب، الضرب بيه،.

انتفضت من محلها على حركت زوجها بالفراش، في حين طالعها هو بدهشة متسائلًا وهو يُغمض أعينه مجددًا: مالك يا حبيبي اتخضيتي كده ليه.
تحركت يدها تُلاعب خُصلاته أثناء حديثها: مفيش، كنت سرحانة، في الشغل.
قالت الأخيرة انجازًا لوقتهما، شاهدته يعتدل جالسًا دون رد للحظات يفرك عيناه يستوعب أمر استيقاظه، وما كاد يتحدث حتى أردفت هي مُقلدة إياه: نركز في الفطار وبعدين نشوف الحوارات دي.

أنهت حديثها ترمقه بضيق، قابلها هو مبتسمًا وهو يستكمل الجملة: يا حبيبي.
ثم قال: دي أهم حاجة.
تنفست بصوت من ضيقها من ذلك الطلب، ليتها ظلت في القصر الخاص بالأسيوطي، حينها كانت تضمن وجود فطور أم بالمملكة السوداء، فلا وجود لخدم فقط هي.

وبالرغم من أن سيف لا يتركها وحدها بالمطبخ، إلا أن فكرت الاستيقاظ والبحث عن أفكارٍ للطعام أكثر شيء مزعج لشخص مثلها، يُجيد اشعال النيران والوقوف أمامها وفقط، لا شيء آخر يُجيده بتلك الحوائط الأربعة الخاصة بالمطبخ.
التمعت برأسها فكرة حبذتها وبشدة فذلك الفطور المحبب لها لتُردف وهي تنهض: خلاص، عرفت هعمل إيه،.

وما كاد يتسائل حتى وجدها اختفت بالمرحاض ودقائق وخرجت دون النظر له تهبط للأسفل دون إعطاءه فرصة السؤال عن مهية معرفتها.
سحب جواله من جواره يلتقط الساعة ليعلوا صوته صارخًا: بسرعة يا نور، الساعة تسعة ونص!

راقبت زوجها يهبط الدرج بهدوء وابتسامة يُطالعها بها، حتى وقف أمامها، فأردفت بابتسامة مشابهة لخاصته: صباح النور يا حبيبي.
مال يُقبل جبينها مُردفًا: صباح الجمال يا حبيبتي، ماما فين؟
طالعت بعيناها الدور العلوي للقصر ثم أردفت: شوية وهتنزل نفطر مع بعض، أقعد استنى.
طالع ساعته يجذب إحدى الفواكه: لا مش هينفع، خلاص هفطر بره عشان الساعة بقت ونص.
كادت ترفض، إلا أنه لم يترك لها فرصة خارجًا من القصر...

وبعد بضعة دقائق كان يتحرك بالسيارة الخاصة به، ليأتيه مكالمة من أحد الرجال الذين يعملون معه، أجابه بهدوء ليأتيه صوت الآخر:
صباح الخير يا مهند باشا، عصام نازل الاسكندرية قريب، بس لسه متحددش المعاد ولا المكان اللي هيقرر يسلم فيه، بس العملية كبيرة ومع ناس لسه هتيجي مصر، من ألمانيا.
أنهى حديثه واستأذن دون كلمة أخرى، يا ألله كم يُحب العمل مع ذلك الشخص لا يُضيف أي شيء على معلوماته، إلا ترحاب بسيط باسمه.

ابتسم بخفة مهسهسًا: وماله يا أفعى، تنور، لآخر مرة.
نعم قد قرر في قرار نفسه أن يعرض الأمر على سوارين، أن ينهوا ذلك الحوار، فقط يصل لهم محل تلك العملية والموعد، ولن يتبقى بعدها شخص يُدعى الأفعى سيكون ماضٍ شهدته مصر وتغلبت عليه.

تألقت كعادتها بذلك الزي الرياضي ورغم كونه زي رياضي بالنسبة لها، لا يليق بأميرة مثلها إلا أنها تُجيد التألق به.
كانت تجلس بين رِفاقٍ يُماثلونها عمرًا ومنهم من يزيد وأعين الجميع على ساحة القتال حيث رفيقها يُطحن بمعنى الكلمة.
كان إياد وبالرغم من صُغر جسده وسنه إلا أنه يأبى الاعتراف بمثل تلك الأقاويل يُقاتل بكل استمامة وكأن من أمامه خصمٌ بحق.

دارت عين أحمد بين رفيقه الساقط أرضًا وبين بوابة القاعة، يُقسم بكل اسم أسمى الله به ذاته لو حضر المُدرب، ورأى ما يحدث؛ لعاقب الجميع.
وبلحظةٍ على صوت الصريخ بحماسٍ شديد، حيث وبصدفةٍ بحته ها هو إياد من انتصر!
كيف لا ندري ولا نستطيع القول أن الخصم تهاون، فهو لا يطيق إياد بالأساس.
بالعودةٍ لما قبل تلك الجولة المخطوفة من قوانين المُدرب...

دخل إياد يدور بعيناه في المكان؛ كي يختار خصم اليوم، بعدما انتقلوا للتدريب بالنادي الرياضي بدلًا من المدرسة.
قاطع جولته تلك، صوت أحمد الساخر من خلفه: لأ أنت انهارده معايا أنا، مش تامر مشي،
صفنت الأذهان قليلًا وقاطعها صوت ألماسة التي حضرت معهم ونادر.
كده تامر مش هيدرب تاني؟!
كان سؤال استنكاري لم يُجبها أحدهم عليه، بل صمت الجميع، حتى وفجأةً سقط إياد أرضًا مطلقًا تأوه خافت من الصدمة.

توجهت الأنظار للفاعل، ليكن زميل لهم يكبرهم بعامين، فأردف بانفعال صارخًا بالأربعة أثناء مساعدة ألماسة ل إياد قائلة بخفوت: أنت كويس؟
أماء بابتسامة صغيرة، ينضم لأحمد ونادر في الأمام يستمع لصراخ ذاك الشخص: مش تاخد بالك! إيه أعمى؟
ابتسم بعدم فهم إلامَ يتحدث ذلك الشخص، يستدير بعينيه في المكان، فلا يجد سواهم!
الكلام ده ليا أنا؟!
آه يا طِعم ليك أنت.
طِعم! آه ماشي، أنت عايز إيه؟

تدخل أحمد بالحوار قائلًا: هو معلش بس عشان مكنتش معاكم في الحوار، مش أنت اللي موقعه برضو ولا دي هلاوس؟
ارتفع حاجبه ذاك الصبي قائلًا: حد قاله يقف في طريقي؟ اللي يقف يستحمل.
قرر إياد إسقاط ذاك الصبي إلى سابع أرض بطموحه الأحمق هذا قائلًا بسلامٍ: تمام أنت صح.
هكذا أنهى الحوار مُتحركًا يتبعه رِفاقه؛ ليجلسوا بزاوية، حتى يحضر المُدرب دون إحداث أية مشاكل.
تقدم نادر بجسده متحدثًا: بس كده خلص الكلام؟

ضحك إياد متسائلًا: أنت شايف إيه؟
لم يحيد نادر بنظره عن أصدقائه قائلًا: شايف مرار، العيال دي هتجر شكلنا تاني.
ابتسم أحمد بهدوء: ساعتها نبقى نعلمهم إن ده غلط بهدوء.
اقتربت برأسها وجذعها العلوي للأمام، تُردف حيث كانوا يجلسون جوار بعضهم البعض: أعتقد إن أفضل حل إننا نقول للكابتن.
تحركت أعين الثلاثة بين بعضهم، ثم ابتسموا ببرائة، يومء كلًا منهم بقبول لتلك الفكرة.

وتحدث إياد بخفوت والذي كان في المنتصف بين أحمد ونادر لذلك لم تسمعه: أعتقد إن أفضل حل إنك متجيش معانا مكان زي ده تاني.
ليبتسم الأخرين مؤيدين لذلك، فبرغم من وجود فتيات كثيرات بالمكان، إلا أن ألماسة مختلفة، رقيقة وبشدة رغم أنها نشأت على يدِ رجال، إلا أنها رقيقة جدًا ولم تكتسب صفة واحدة من أي ذكرٍ مرّ بسنواتها القلة.

راقب الأربعة اقتراب ذاك الفتى من الفرقة المنافسة كما لقبهم إياد بعقله، اقترب حتى امثل أمامهم ثم أردف: هتمشوا امتى زي صاحبكم؟
كان يتحدث بابتسامة صغيرة وكأنه يدعوهم لمصداقته مثلًا، فارتفع حاجبه إياد في سخرية واضحة وأجاب نادر بهدوء معتاد: لما ربنا يِأْذن، لعل وعسى تمشي قبلنا.
وأنهى حديثه بابتسامة، وكأنه للتو قبل عرض الصداقة الوهمي هذا.

حرك أعينهم بين الثلاث فتيان، ثم استقر على ألماسة للحظات أثار بها غضب الفتيان، ثم عاد بأنظاره لهم مستقرًا على إياد، الذي أخفى ضيقه مبتسمًا باستفزاز وهو يشير له بأعينه أن يرحل...
وبلحظة عشوائية أثار بها إياد استفزاز الفتى الماثل أمامه فلكمه الآخر.
انتبه أحمد فورًا لما حدث، فانتفض جاذبًا ذالك الفتى من ثيابه مستغلًا قصر الآخر، هاتفًا: أنت اتجننت يلا!

وقبل أي اشتباك، تدخل إياد بينهم فاككًا بينهم بابتسامة هادئة وهو يتطلع لأحمد: براحة يا أحمد مش كده!
كان مستفزًا للآخرين بشدة، وزاد الاستفزاز حينما تطلع لفتى قائلًا: هات نهاية السطر، عايز إيه؟
ابتسم بانتصار وهمي ظنه هو قائلًا: لو كسبتك تسيبوا التدريب نهائي.
وقد كانت كلماته بمثابة إعلان مباراة بينهم.

انتهى اليوم وأخيرًا بعد مباراة وتدريبات كثيرة على أيدي المدرب، وها هو موعد الرحيل، فتحرك الجميع لغرفة الملابس وها هم أنهوا وعلى وشك الخروج من قاعة التدريب.
استنوا.
خرجت من فاه المدرب، لينتبه له الجميع، فاستكمل قائلًا: إياد اعمل حسابك عندك ساعات تمرين زيادة بكرة، أنت واللي اتخانقت معاه خناقة الشوارع بتاعتكم.

ثم تطلع للجميع: المرة الجاية لو سيبتوهم يعملوا الأفعال الشوارعية دي؛ كلكم مطرودين، وانتهت مسيرتكم للأبد في الملاكمة.
أنهى حديثه ينظر بأعين أحمد بالتحديد، ومن ثم تلك الفرقة فهم أكثر الأشخاص الذين أرادوا الاحتراف بتلك اللعبة.

كان منظر الغروب رائع كالعادة، اللون الأزرق يليه السماوي، يليه البرتقالي التي تركته الشمس قبل اختفائها تمامًا.
سبحان من أبدع خلق الغروب كل يوم!
تنفست بعمقٍ وها قد مر أكثر من نصف اليوم وهي لم تتحرك من غرفتها تستكين وتُهدأ عقلها ولكن أبت أفكارها السكينة!
أخرجها من كل ذلك طرق الباب فسمحت للطارق بالدخول، كانت إحدى الخادمات متشدقة: حضرتك كويسة؟

اكتفت بالإيماء، فابتسمت الأخرى متقدمة منها بكوب عصير وظرف كبير قليلًا قائلة: ده ظرف جه من معمل التحليل.
ومجددًا اكتفت بالإيماء، فتركتها الخادمة في حين تقدمت يداها لذلك الظرف بتوتر شديد، به سيتحدد مزاجها لأشهر وليست أيام حقًا!

ازدادت ابتسامة سيف متطلعًا لسوارين قائلًا: كفاية جرجرة بقا ونخدر بقا؟
ضحك الآخر بخفة: نخدر وماله وأنا أكره برضو أوقع الأفعى في شر أعماله؟!
كان سؤالًا استنكاريًا طرحه على سيف ومهند الذي أخبرهم بأحدث ما وصل إليه.
وصلتم لحاجة من غريب؟
كان سؤال صادر من سوارين فأجاب سيف تلك المرة: إحنا قبضنا على ماجد يوم ما نزل، وتم إرسال قوات لأخوه طارق اتجاب هو كمان، لأن الورق باسمهم هما الاتنين.

تدخل مهند قائلًا بتفكير وهو يتقدم من تلك الطاولة بعدما عبث بهاتفه: بس أعتقد ماجد وعصام اشتغلوا بنفس الTechnique (الطريقة)، وهو إنهم يورطوا أخواتهم، أصل أول مرة أسمع عن طارق ده، حتى شكله مش معروف.
أنهى حديثه يُريهم صورة طارق، حيث كان في منتصف عقده الرابع بملامح بسيطة وضحكة صافية هادئة، وُجدت على إحدى صُفح أصدقائه تم نشرها منذ أشهر قليلة.

ابتسم سوارين ابتسامة جانبية مشيرًا لمهند بعيناه قائلًا: شخص مثالي يكون السبب في كل الخراب ده، ومتمثل في شخصية نضيفة، مبناخدش بالشكل يا سيادة الرائد.
أنهى حديثه بحدة التقفها مهند بابتسامة، قائلًا بخفوت وهو ينهض من موضعه: أنا عند رأيي برضوا.
ضحك سيف ينهض هو الآخر، رافعًا يديه للأعلى لسوارين وكأنه يخبره أنه لهنا وانتهى عمله.

راقب تحرك الاثنان خارج تلك الغرفة التي ضمتهم كثيرًا في نقاشات واتفاقات وتخطيطات، أدت لفساد معظم الصور النمطية وإظهار أصل بعض الفساد المنتشر بالبلاد والدول بأكملهم، ففريقه يمتاز بالعمل داخل البلاد وخارجها.
تنهد يُعيد رأسه للخلف متذكرًا ما رمى به بتلك التجربة المحببة لقلبه، رغم ما بها.
بابا،
قاطعه والده بسخرية: طالما قولت بابا يبقى هتقول مصيبة، لأ مش موافق على أفكارك أنت وياسر.

تنهد محاولًا الهدوء: صدقني شغلي مع ياسر مش هيقصر على شغلنا أبدًا.
أنا قولت لأ، وبعدين مامتك مش هتوافق.
ابتسم ابتسامة صفراء قائلًا: ما إحنا مش هنقولها،
ضحك والده بهسترية هاتفًا بعد تلك الضحكات الساخرة: وماله وماله، أنت عبيط ياض عايزني أكذب على أمك بعد عشرين سنة؟!
تنهد محاولًا التفكير في طريقة لاقناع والده، الذي هتف بعد برهة من الصمت: وكليتك؟ هتعمل فيها إيه إن شاء الله؟!

بلل شفتيه، محاولًا انتقاء الكلمات قائلًا: هدرس الاتنين مع بعض وهقلل شغل معاك، بابا عشان خاطري متقفش في طريق حلمي، أنا فعلًا بحب شغلنا بس ده ميمنعش إني نفسي أخدم البلد.
ارتفع حاجب والده باعتراض شديد قائلًا: وإحنا مش بنخدم البلد يعني؟! ما إحنا بنستثمر فيها ولا بالنسبة ليك الخدمة في الجهات الحكومية بس؟!
طب بص هخلص كليتي والجيش واشتغل مع صقر.

كان اقتراحًا أخيرًا كبته بين دهاليز عقله لعدم اقتناعه به، ولكنه للأسف نال استحسان والده؛ فوافق.
وبعدها اشتعلت الحروب من والدته رافضة وباستمامة تعريض نفسه لأية خطر.
ابتسم والتمعت عيناه لتذكرها، ليريا في أول لقاء لهما اتشحت بالأسود واللثام، مظهرة عيناها فقط؛ ليقع بهما ضاربًا بتحذيراتها عرض الحائط...

رأى إنارة هاتفه، فحمله؛ لينهض متجهًا للخارج، كي يرحل لمنزله بعد عناء ذلك اليوم المليء بالتفكير، فالساعة أوشكت على العاشرة ذلك توقيت مثالي للنوم حتى الصباح!

جمحت توترها وحماسها وهي تُشرف على العشاء، بعدما أرسلت للجميع أن يحضر بمنزلها، وهاتفة زوجها تستعجل حضوره.
تقدمت إحدى الخادمات منها قائلة وهي تُفرغ إحدى الصوان: لولا اتعشت ونامت مقدرتش تستناكم.
ابتسمت قائلة: هي بتيجي من تمارين الملاكمة تعبانة، وانهارده كان عندها تدريب بالية و رقوص استعراضية برضو، فبتكون تعبانة.

أنهت حديثها وقاطعها دخول زوجها بابتسامة مقتربًا منها، بادرت هي ولأول مرة منذ مدة تُعانقه بابتسامة، قائلة: مساء الخير يا حبيبي.
بادلها العناق بقوة قائلًا: مساء الجمال يا ميمو، الكل بره ليه؟
ضحكت بخفة، تُلاحظ نبرة التذمر التي تكونت بنبرته، قائلة: معلش يا حبيبي أنا جمعتهم، يلا اطلع غير هدومك والأكل خلاص جهز، متتأخرش.

أنهت حديثها وهو يُقبل جبينها تاركًا إياها يرمقها بنظراتٍ فهمتها، فهمت قلقه واستقبلته بابتسامة لعلها تُطمئنه أنها وأخيرًا أصبحت بخير.
انتهى العشاء بعد بعض المناوشات وأصرت ألماس على قضاء بعض الوقت معًا واللعب.
وتلك كانت الفكرة الذي رفضها الجميع لشدة إهلاكهم، صارخًا بها سيف: ما أنتِ مش تعبانة، انهارده أجازة.
طالعته باشمئزاز شديد، متشدقة: عينك بوظت حياتي.
يا أختي اتلهي، هي دي حياة!

هتفها سيف دون اكتراث لنظرات أخيه، يجلس على الأريكة جوار مهند الذي جاور نورسين.
جلس آسر على مقعد منفرد وأمامه جلست ألماس وفي المقابل الفتيات وأزواجهم، كان آسر يضع سماعات بأذنه، حيث قررت ألماس أن يلعبوا تلك اللعبة التي يضع بها أحدهم سماعات ولا يسمع ما يدور حوله ويُحاول قراءة شفاه من يقابله والتي كانت ألماس.
هتف مهند بضجر: كنتي بدأتي بحد امكانياته قليلة في قراءة الشفايف.

ضحكت ألماس فهي قصدة البدء بزوجها لمهاراته، ولكي لا تطول ليلتهم أكثر، قائلة: معلش بقا مرة تانية.
بدأت اللعبة لتهتف ألماس مشيرة لأذنها: سامعني؟
فأجابها بهدوء: سامعك؟ لأ.
وهنا ارتفع حاجب نورسين متشدقة: والله؟
ثم نهضت تسحب تلك السماعات تتأكد من تشغيل الموسيقى وبصوت عالٍ.
عادت موضعها تحمل طبق تسالي، قائلة: كملوا كملوا،
أدارت ألماس وجهها عن نورسين بملل، تتطلع لزوجها بابتسامة قائلة: أنا.

ظل صامتًا، فكررتها؛ ليُجيبها: كملي أنا إيه؟
أنا هبقى.
أنا هبقى؟
تنفست بعمقٍ قائلة بابتسامة: أنا هبقى أب.
فرددها دون استيعاب، وها هي خطة ألماس أن تُخبرهم بتلك الطريقة التي شاهدتها على وسائل التواصل الاجتماعي ونالت إعجابها بشدة: أنا هبقى أب تاني.
أماءت مكررة إياها: أنا هبقى أب تاني.

كررها وصمت بعدها يُحاول استيعاب ما قال، وتوجهت أنظار البقية لآسر بعدم فهم، حتى نهض متطلعًا لألماس بصدمة وهو ينزع تلك السماعات قائلًا: أنتِ، أنتِ،
قاطعته قبل استكمال جملته التي يُحاول استهجائها، قائلة: أيوة.
وكانت نور أول من استوعبت الأمر، صارخة بدهشة: أنتِ حامل يا ألماس؟

حملها آسر يُعانقها بشدة وأطلقت نورسين الزغاريد بفرحة، شاركها الجميع بها وها هو آسر حمل ألماس تاركًا إياهم وصاعدًا للأعلى قائلًا: أقفلوا الباب وراكم.
وكان ذلك طرد صريح لهم، فقرروا تركهم والمغادرة الآن ولهم عودة أخرى.

وضعها بهدوء على فراشهم، فضحكت قائلة بعدم تصديق تُشاركه المشاعر، وكأنها علمت لتو: أنا حامل يا آسر.
خطر بعقله شيئًا، ليُمسك يدها مفصحًا عنه: ماستي أنتِ اتأكدتي؟ أنا، أنا مش عايزك تتوجعي.
كان يقصد أن يكون حمل كاذب أو ما شابه، حينها ستنكسر مجددًا، كما حدث بالمرات الفائتة.
ضحكت بخفة وهي تُمسك يديه تُحرك عيناها بين خاصته قائلة: أنا في نهاية الشهر التالت يا آسر.

التمعت الدموع بعيناها ولسانها يحمد ربها بالخفاء وهي ترى ملامحه المدهوشة تلك، لحظات حتى جذبها من يدها لأحضانه مرددًا بهمس:
الحمد لله، الحمد لله يا ألماس اللي كتب لينا الفرحة، الحمد لله اللي رضاكي.
كان يُقبل رأسها بين كل دعوة والأخرى بسعادة جُلية، يزيد ضمها أكثر وهي تبكي بسعادة، لا تدري كيف صمتت عن اخباره صباحًا...

حيث قرأت في الصباح ذلك التحليل، ورغم اتقانها للانجليزي وغيرها من اللغات، إلا أن تلك مرتها الأولى التي تشعر بها بالغباء والجهل.
كانت كمن أصابتها الجهالة تُدرك ولا تعي، وبعد دقيقة من التطلع بالورقة فقط قررت التقاط صورة لذلك التحليل وترجمته على إحدى المواقع، متناسية أنها المترجمة الرئيسية بشركة زوجها.
وبعدها تجنبت الحديث مع آسر، حتى لا يرى التماع عيناها أو تُخبره قبل الجميع.

أفاقت من ذاكرتها على صوت زوجها، الذي ما زال يحمد ربه وهو يُخبرها بما سيحدث الفترة القادمة، وبالرغم من كون علاقتهم بربهم ليست كالملتزمين، إلا أن أكثر ما اكتسبه آسر ولسانه هو الرضا والحمد في أية خبر رغم سوءه، ما بالك بأمرٍ تمناه كثيرًا!
مفيش شغل تاني خالص هتفضلي في البيت، ومتساعديش في أي حاجة في البيت وملكيش دعوة بأي حاجة، ولا تتعصبي ولا أي حاجة خالص، لسه ست شهور هخليهم أحسن حاجة في حياتك.

ضحكت بشدة تميل عليه أكثر وهي ترفع أعينها له قائلة: طالما هتكون فيهم يبقى حياتي هتكون حلوة، وجودك بيحلي أي حاجة يا آسر.
ثم أضافت بعدما أطالت النظر به: أمال لو طلع ولد هتعمل ايه؟!

تلك الليالي التي لا تسعاك فيها الغرفة ولا تسعى أجنحتك، التي تتمنى أن تطول حتى لا يختفي البريق، أو تنكشف المصائب من بعد الإبتهاج، أو أن تنطوي سريعًا كي تلتقي بحلمٍ حلمت به مرات لا تستطع عدها من كثرتها، تلك الليالي النادرة هي كل ما كانت تحظاه.

تحرك بدراجته النارية بسرعة معقولة نسبيًا تزايدة تدريجًا فور الإلتقاء بلوح شارع «حي سكني 14. »
طلق العنان لدراجته يزيد من السرعة، و وجهته الأولى كانت الطريق الأوسط حيث قصر «آل المجد. ».

توقف ذاك الطيار كما يُطلق على عاملين التوصيل وهبط من دراجته ساحبًا التحاليل الخاص بذلك القصر.
معايا تحاليل من معمل «، » باسم مدام «حبيبة آل المجد. » وتحاليل تانية باسم مدام «نورسين إسماعيل. »
تسلمتهم العاملة واتجه ذلك الطيار لطّريق الأيسر حيثُ «المملكة السوداء. » حاملًا تحليل أخرى لمدام «نور ياسر. ».

صفتّ سيارتها على جانب الطريق تتقدم من سيارة صديقتها لتلمح الاثنان بالسيارة من الأمام فصعدت بالخلف مُلقية السلام.
أتاها الرد فتلته متسائلة:
خير هنتغدى فين؟
تهكمت نور وهي تتطلع لها: ألماس مش أنتِ اتأخرتي برضوا عشان كنتي بتاكلي؟
ارتفع حاجب ألماس وهي تلتقط الطعام من يد نورسين هاتفة بتهكم هي الأخرى: لو باكل من جيبك قوليلي؟! أنتِ مالك يا نور ما تخليكي في حالك، النونو جعان!

ده لو عيلة النونو كلها جعانة، مش هتاكلي بالمنظر ده!
هتفتها وهي تولي أنظارها عن ألماس، فأتاها الرد من نورسين والذي أتت ومعها طعامها:
في إيه يا نور ما تسبيها تاكل، عشان الواد يجي متغذي.
قوليلها!
هتفتها تلوك الطعام بفاهها المليء بالطعام، فصرخت نور بها بانفعال لمنطقهم الأحمق هذا:
كده هتتخنقي أنتِ والواد!
مرت دقائق وتركوا الطعام، بعدما اصطفوا بمكان آخر فارغ وأمامهم اضطراب الأمواج بشكل مريح للأعصاب.

بدأت نور الحديث قائلة: عايزة أحكيلكم مليون حوار شاغلين دماغي.
هتفت نورسين بعدم فهم لمقدمتها تلك: بتستأذني يعني ولا إيه؟
وبالمقابل هتفت ألماس بضجر وهي تتحرك بضيق بذلك المقعد الخلفي: ما ترغي يا نور!
استنوا،
هتفتها وهي تضع هاتفها أمامهم في المنتصف تفتح الكاميرا وتُشغل الفيديو.
برغم من غرابة الموقف، إلا أنهم لم ينتبهوا بسبب صراخ ألماس بنورسين وهي تضرب ذراعها: أنتِ قاعدة قدام ليه؟! ارجعي ورا وهاتيني مكانك.

أتاها الرد بهدوء وبرود ونورسين تتفادى الضربات: بس يا عسل.
هضربك يا نورسين!
كانت تلك ألماس التي تحدثت بنبرة صارمة وهي تلكزها بذراعها، فقاطعهم نور قائلة بعدم اهتمام لما يحدث وهي تشغل فيديو آخر:
عايزة أقول حاجة مهمة اسمعوا بقا.
انتبهت كلتاهما فتطلعت نور لنورسين ثم ألماس وقالت بمراوغة: بدون صوت عالي.
ضربتها ألماس صارخة: أوعي تكوني عملتي حاجة للواد!

تلقت نورسين الحديث قائلة: لأ طالما بلاش صوت عالي يبقى حاجة مجنونة، نور يا حبيبتي سيف ده جوزك مش واحد صاحبك على القهوة!
صرخت نور بالمقابل وهي تُحرك عيناها في الخارج، تبحث عن شخص سمع حديثهما العبثي هذا أم لا، وكانت الأخيرة من حظها فتنهدت في محاولة للهدوء بعد صراخهها هذا:
ما تحترمي نفسك أنتِ وهي!

تلت تنهيدتها بقولها: كل واحدة تخليها في جوزها، دولا بدأوا يخافوا من كميات الأكل بتاعتكم، ومش بعيد ألاقيكم مطلقين بعد يومين.
ضربتها نورسين صارخة بضيق شديد من حديثها هذا: فال الله ولا فالك، طلاق إيه يا مصيبة أنتِ!
عمّ الصمت للدقائق ونظراتهن لبعضهن كادت تقتلهن.
أخذت نور نفسًا عميقًا ثم ابتسمت تعد على أصابعها: 1، 2، 3.

فاندمجت أصواتهما بذات الكلمة: أنا حامل.

ارتجفت يداها وهي تُمرر عيناها على كلمات تلك الورقة، لا تستوعب أي شيء فتجاوزت تلك الكلمات ذاهبة لنهاية الحديث.
ارتجف جسدها بالأكمل وسقطت الورقة أرضًا وهي تُردد بهمس دون تصديق: ايجابي! Positive! ايجابي، ايجابي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة